الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (116) الإدراك (77) الإدراك، والإيمان، والدين، والله!! (4 من ؟)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (116) الإدراك (77) الإدراك، والإيمان، والدين، والله!! (4 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين: 8-10-2012

السنة السادسة

العدد: 18657-9-2011

 

 الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (116)

 الإدراك (77)

الإدراك، والإيمان، والدين، والله!! (4 من ؟)

ذكرت فى نهاية الحلقة السابقة أمس موجزا عن ما آل إليه حال الدين، وقد اكتشفت أن هذه الحلقات الأربعة الأخيرة قد أبعدتنا عن الإدراك بشكل أو بآخر، لأنها مكتوبة بتحديد مفاهيمى محكم، لكن يبدو أنه لا مفر من ذلك، وعموما يمكن إعادة التذكرة بالخطوط العريضة لهذا الاضطرار الذى سوف ننهى به هذا الاستطرداد الضرورى المقتحم كما يلى:

 (1) إن‏ ‏كل‏ (‏أو‏ ‏أغلب‏) ‏محاولات‏ ‏الاستغناء‏ ‏عن الدين نهائياً‏ أو استبداله، ‏قد‏ ‏فشلت‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر.

(2) إن‏ ‏الأديان‏ ‏جميعا‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تشوه‏ ‏تكاد‏ ‏تتفق‏ ‏فى ‏بداياتها، ‏وإن‏ ‏اختلف‏ ‏المحتوى، ‏لكنها‏ ‏تعود‏ ‏تتفق‏ – ‏إلى ‏درجة‏ ‏ما‏ – ‏فى ‏غايتها فى السعى إلى تعهد تنمية الوعى الجمعى غير المغترب تصعيدا إلى مواصلة الكدح عبر الغيب إلى وجه الحق سبحانه وتعالى.

(3) إن‏ ‏الإيمان‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏الدين، ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏قبله، ‏وبعده، ‏(وقبله)

(4) إن العلم ليس له وصاية مباشرة على الدين، ولا هو يثبت الدين أو ينفيه، لكنه كأحد مناهل المعرفة قد يتكامل مع مناهل الإدراك والإبداع فى تخليق الوعى المشتمل نحو وجه الله.

(5) إن الدين ليس نشاطا ترفيهيا اختياريا.

(6) إن الدين ليس نشاطا فرديا شخصيا.

كل ذلك أطرحه بغير حسم مطلق، لكننى آمل أن يكون صدمة إفاقة، ودعوة للمشاركة، أولى بها من أتيحت لهم فرصة أكبر للإطلاع على هذا الكائن الرائع المسمى “الإنسان” كما خلقه بارءه، وأعنى بهم الأطباء النفسيين، فرصة الإطلاع عليه عاريا مدافعا ومتناثرا وملموما فى حركية إيقاعية دائبة.

لكن دعونا نحدد مزيدا من المظاهر الحياتية للدين فى العصر الحاضر التى انتهينا إليها للأسف خوفا من قهر السلطة الدينية من جهة، وسوء استعمال القيم الدينية من جهة أخرى.

(وهذا أيضا أغلبه مقتطف من المقالين السابقين.)

بعض ما آل إليه استعمال (و سوء استعمال) الدين حاليا عبر العالم:

إذا كانت أغلب محاولات التخلص من الدين قد فشلت مما ألزم بالعودة إلى شكل من أشكال الدين والتدين هنا وهناك، فإن هذه العودة لم تكن خالصة لوجه الحقيقة، وإنما بدت –غالبا- كنوع من المناورة على أنفسنا أساسا، حتى نبدو وكأننا اعترفنا بفشل تلك المحاولات، ومن ثم نحاول الإبقاء على التمسك بما يسمى “الدين” بأى صورة والسلام!.

إن الناظر المتمعن فى هذه المحاولات التوفيقيه لا بد أن يعذر أصحابها بدرجةِ ما، حين يتبن أنها لم تكن محاولة للتخلص من الدين والإيمان، بقدر ما كانت محاولة للتخلص من سوء استعمال السلطة الدينية لكل من الدين والإيمان لصالح كل ما هو عكس الدين والإيمان، لكن النتيجة لم تكن لصالح الحقيقة على الجانبين كما أشرنا.

إن مزاعم العودة إلى الدين ليست – غالبا – عودة خالصة ولا مخلصة، وإنما هى تمثل نوعا أخر من التهميش والاختزال، على جانب، كما تمثل نوعا من الردة والنكسة على الجانب الآخر،

وفيما يلى بعض ما صار إليه استعمال الدين (أو ما يسمى دينا) فى العصر الحاضر

1- يستعمل الدين كمسكن كلما لزم الأمر، (وحتى إذا لم يلزم الأمر).

هذا هو ما التصق بنوع من السكينة يحققها التدين الاستسلامى أو التسليمى. ارتبط هذا المفهوم بمقولة “النفس المطمئنة” بمعنى السكون والتسليم. إنه مثلما يحدث فى الطب النفسى، فإن تحقيق السَكينة يمكن أن يتم بنوعين من المعالجة: إما بتهميد الجزء المفرط النشاط من الدماغ أو من النفس بتعاطى بعض العقاقير القادرة على ذلك، ومن ثم بالعمل على إزاحة هذا الجزء أو قمعه كبتا دائما، وإما باحتواء هذا الجزء الناشز فى كلية قادرة على استعادة هارمونية التوازن الكلى بإشراك هذا الجزء فيه. الذى حدث فى حالة استعمال الدين مسكنا أو مخدرا هو أنه قد بولغ فى التركيز على مفهوم جزئى لما يسمى النفس المطمئنة  بالمعنى التسكينى، حتى أصبحت “النفس المطمئنة” تكاد ترادف فعل التدين المهدّئ. إن المبالغة فى تصوير دور الدين فى تحقيق السكينة بالمعنى السلبى هو اختزال يخل بالمعنى الذى تقدمه حركية الدين كدْحا إلى الإبداع (الايمان)، مع التذكرة بأن النفس المطمئنة كما جاءت فى القرآن تدخل فى عباد الله قبل دخولها جنته، سبحانه وتعالى.

2- يستعمل الدين بعض الوقت، غالبا فى نهاية الأسبوع، (أشبه ما يكون بنشاط ترفيهى).

هذا استعمال غربى توفيقى طيب، فهو يسمح للمتدينين (وغير المتدينين) بقضاء فترة محدودة يمارسون فيها نشاطا اجتماعيا ناعما، مع جرعة مناسبة من الود والحلم، يتم ذلك فى دور العبادة فى نهاية الأسبوع عادة، أو كلما عَنَّ لهم ذلك فى مناسبات الزواج أو الوفاة. إن من يمارس أو يوصى باستعمال الدين بهذه الصورة يؤكد مكررا أن الدين أمر شخصى تماما حتى يصبح – من واقع الممارسة – أقرب إلى الهواية الدمثة . هذا استعمال قد يؤدى دورا اجتماعيا مفيدا، لكنه أسطح من دور الدين والإيمان فى تحقيق بشرية البشر من حيث عمق الجذور البيولوجية التى تجلى ويتجلى من خلالها الإيمان عبر التاريخ حتى قبل أن تكون الديانات أديانا.

3- يستعمل الدين كوسيلة لغيره، وبالذات للوصول إلى السلطة السياسية (بأى وسيلة بما فى ذلك الديمقراطية) الأمر فى هذا الصدد لا يحتاج إلى دليل بعد ما جرى مؤخرا فى الولايات المتحدة (2004)، وبعد ما يجرى حاليا فى أغلب البلاد الإسلامية التى يستعمل فيها النظام الحاكم، أو النظام الذى يريد أن يحكم الدين معبرا، أو لعله يتصور أنه باستعماله سلطة الدين سوف يغير نوعية الحياة إلى كيف خلقها الله كما قرر هو وليس بالضرورة كما أرادها الله، وقد تأكد هذا الاستعمال أكثر فأكثر بعد ما جرى فى الشرق الأوسط مؤخرا (2011/2012).

4- يستعمل الدين كوسيلة للتربح والاحتكار وقفل دائرة التعامل على أهل دين بذاته.

 هذا من أشهر ما يربط أفراد الأقليات الدينية خاصة، وهو جائز وجارٍ أيضا بين بعض فرق المسلمين الأحدث وأمثالهم، ولعل قيام ما يسمى بالبنوك الإسلامية هو من هذا النوع من الاستعمال بشكل ما.

5- يستعمل الدين تبريرا للاستيلاء على أوطان الغير، وطرد أهلها- وقتل الأطفال.

وهل يحتاج الأمر للإشارة إلى الدولة العبرية أو إلى أمريكا وأفغانستان والعراق؟ أو إلى الأندلس قديما؟ فى مراحل معينة من التاريخ يصبح الدين من أقوى الدوافع لإفناء البشر من الديانات الأخرى تحت زعم هدايتهم، أعنى هداية من تبقى منهم، إلى دين بذاته.

 6- يستعمل الدين تبريرا لما يسمى صراع الحضارات

الحضارات تتعاون، وتتتابع، وتٌتَـوارث لا تتصارع بالضرورة، هذا هو المفروض. إن صح ذلك فى سائر الحضارات التاريخية فهو يصح أكثر فى الحضارات المؤسسة على أديان إيمانية فعلاً. من باب أولى فإن الأديان الحقيقية لا تتصارع لأنها حضورٌ دائم متجدد، (يكمل بعضها بعضا) وليست تاريخا جامدا قامعاً. إن الذى يتصارع هو أهل حضارات وأديان لم يعودوا أهلها.

7- يستعمل الدين لتفسير بعض العـلوم والمعلومات، وبالعكس

فى لوثة أخيرة ممتدة شاعت حتى بدت أنها الحق، انتشر ما يسمى “التفسير العلمى للنصوص الدينية”، وهو نشاط جاد بعضه، حسن النية أغلبه، سطحى كله. ذلك لأنه يدل على جهل خطير بكل من الدين والعلم على حد سواء. الدين – خاصة بالمعنى الذى تتناوله هذه المداخلة – أقدم تاريخا وأرسخ قدما، ولعله أكثر عمقا وإفادة لتأكيد ماهية الإنسان حتى منذ عهد الأساطير الجيدة،أما العلم فهو فى حركية دائبة متجددة، الدين لا يعنيه أن يستمد مصداقيته من غيره. (ثم أنه بعد أن أصبح العلم المؤسسى دينا، أصبح الأمر كأنه وصاية دين جديد بلغته البراقة، على دين أقدم، مع رشوة هذا الأخير بإيهامه ببعض السبق فى الكشف عن معارف معلوماتية هنا وهناك).

8- يستعمل الدين كوسيلة لقهر أو وأد الإبداع.

إن قياس كل ما يصدر من جديد (فى الفكر أو فى العلم أو حتى فى الاقتصاد والسياسة) بتفسير جامد (قديم عادة) بنص دينى معين هو من أكبر الأخطاء التى يمكن أن يجهض – فى نهاية النهاية أية محاولة لإعادة وضع الدين والإيمان فى موضعهما التطورى المناسب. إن الإبداع الذاتى خاصة (خبرة الكدح إلى وجه الحق تعالى باستمرار) هو السبيل الأساسى لتواصل النمو الذاتى، ومن ثم اطراد تطور النوع البشرى بعد أن اكتسب الوعى، فكيف يقف الدين فى وجه أى نظرية للتطور أو ضد حركية الإبداع مع أنه هو ذاته نزل ليدفع الإنسان إلى إبداع ذاته نحو ربه بلا حدود؟

وبعد

من باب الحرص على التكلم بلغة مشتركة ما أمكن ذلك، دعونا نتعرف بتحديد أكثر على ما هو “دين”، وليس بالتحديد اللغوى المعجمى، أو بالفتوى السلطوية المحكمة، وإنما من واقع حال استعمال هذا المفهوم متداخلا فى كثير من الأحيان مع ما هو “إيمان”!!.

 ”الدين“؟ (كمفهوم ومنظومة)

آن الأوان أن نخطو خطوة أخرى نحو التعرف على ما يطلق عليه “دين” من أكثر من زاوية ومنطلق، ولكن علينا أن ننبه ابتداء أن هذا التحديد ليس له علاقة مباشرة بالتفسير المعجمى الثابت للـَّـفظ نفسه.

يمكن أن نعدد الأبعاد التى يشملها مفهوم “الدين” لممارسة حياتية على النحو التالى:

1- هو منظومة”كيانية- فكر- وجدانية“

يستعمل هذا اللفظ المركب “فكر- وجداني” للإعلان الضمنى ان فصل الفكر عن الوجدان هو أمر مفتعل فى أغلب الأحيان. وليس معنى أنه مفتعل أنه خطأ أو سىء، لكن المقصود أنه ليس مطلوبا دائما، وليس سليما دائما، ثم إن الفصل بين الفكر والوجدان لا يخدم المداخلة الحالية تحديدا، الدين بهذا الوصف يتجاوز الاعتقاد الفكرى (العقلى) الخالص، ليحتوى ما هو وجدان فى نفس الوقت، أما إضافة صفة ثالثة (صفة كيانية) ليصبح المفهوم أكثر تركيبا (وليس أكثر تعقيدا بالضرورة) فإن ذلك جاء اجتهادا ليؤكد تجاوز الدين لكل من الفكر والوجدان ليحتويهما معا وهو يعلن “موقف وجود” كلى، يكاد يستحيل فصله إلى مكوناته الجزئية. إلا على حساب حقيقته.

2وهذه المنظومة هى شعورية جزئيا ”فقط“ (الجزء الأقل غالبا).

بعد الإنجازات الأحدث فى دراسات العقل والتفكير من خلال العلم المعرفى، والعلم المعرفى العصبى بوجه خاص أصبح من المسلم به أن التفكير هو لاشعورى أساسا (وليس تماما طبعا). إن ما يظهر فى الشعور ويقاس هو نوع واحد من التفكير أو مستوى واحد منه. يترتب على ذلك أن علينا أن ننظر فى هذه المنظومة المسماة الدين بما يناسبها من حيث أنها لا تقاس بنوع التفكير الظاهر (الذى يسمى عادة التفكير المنطقى أو العقلى وهى تسميات قابلة للمراجعة أيضا)، وإنما بما يناسبه من أنه وعى كلى غائر غائى فى نفس الوقت. يدفعنا هذا إلى التنبيه إلى أن محاولة قراءة ما هو دين من خلال شفرة ما هو منطقى عقلى ظاهر هى محاولة محكوم عليها بالفشل لما تؤدى إليه من تقزيم الدين واختزاله، وهذا بعض ما نبهنا عليه نحن نحذر من المبالغة فى الفخر – مثلا – بأن الإسلام (أو غيره) هو دين العقل …إلخ.

(هذه النقطة هى من أهم النقاط التى يمكن العودة إليها ونحن ندرس الإدراك بالذات، فقد كتبت هذه الأطروحة قبل فتح ملف الإدراك هكذا).

 3- وهى (تلك المنظومة) تجيب – إجمالا عادة – عن كثير من تساؤلات الوجود الغامضة.

للإجابة على مثل هذه التساؤلات مستويان (على الأقل) المستوى الأول: هو المستوى الجاهز بالإجابات التفصيلية التى يصدرها عادة المفسرون والمفتون والمفكرون العاديون، ثم مؤخرا بعض من يحاول أن يستجلب بعض معطيات العلم ليفسر بها مقولات للدين، أما المستوى الثانى فهو مستوى الإجابات من خلال التفكير الأعمق المتصل بالوجود والوجدان من ناحية، والمتناغم مع الكون والإيقاع الحيوى من ناحية أخرى. هذا المستوى من الإجابة أصبح – بفضل العلم المعرفى – قادراً على إعطاء إجابات أكثر كلية.

 ظل المتصوفة يقولون بهذا المستوى المعرفى عبر التاريخ، لكنهم لم ينجحوا فى أن يشرحوا ماهيته لغير من خبره، إلا أن الأمر الآن يبدو أقرب إلى الإقرار بفضل ما استحدث من مناهج معرفية لا تستبعد آليلت الرصد والتشابك العملاقة،ثم ها هى المفاجأة حين نجد أن الإدراك مع صعوبة التعرف على أبعاده هو الآلية الأكثر تناسبا لهذا المستوى الثانى.

4- وللمنظومة (المسماة الدين) تجلياتها فى السلوك (طقوس/ عبادات)

لم يقتصر أى دين، بل وما هو مكافئ للدين قبل ظهور الأديان، على أن يكون “منظومة فكر- وجدانية” دون أن يتجلى فى سلوك يعلن وجوده، وليس بالضرورة محتواه الفكرى. لكل أسطورة طقوسها، ولكل دين عباداته . الأصل أن تكون ثمة صلة وثيقة بين المظهر السلوكى للدين إذ يتجلى فى عباداته، وبين الحضور المعرفى الغائر فى الوعى المتوجه إلى غايته، (متجاوزين وصاية العقل الظاهر). واقع الحال يعلن فى كثير من الأحيان أن هذه الصلة قد تكون – أو تبدو – واهية، أو منقطعة، أو حتى معكوسة، مع أنها غالبا تعمل تلقائيا دون وصاية شعورية.

5- وهى (المنظومة: الدين) تفى ببعـض احتياجات صاحبها (كلُّ دين يـُرضى أتباعه)

إن وجود هذه المنظومة لا يستمر، أو هو لا يجد له مبررا حقيقيا، ما لم يقم بسد بعض (أو كل) احتياجات أصحابها. تختلف هذه الاحتياجات باختلاف درجة نضج صاحبها: من أول الانتماء إلى من يشبهه، حتى الوصول إلى مرحلة الإبداع الذاتى المفتوح على الوعى الفائق بلا نهاية. يقع ما بين هاتين النقطتين عدد هائل من الاحتياجات الدفاعية البسيطة (الميكانزمات: مثل الإنكار والإزاحة والإسقاط …إلخ) إلى الاحتياجات المتوسطة (مثل الطمأنينة والاعتمادية المشروعة والحفاظ على الأمل).

6- كما تعد الطيبين منهم بجزاء طيب “مستقبلا” عادة (لا سيما بعد الموت)

حتى الآن، لا يوجد دين، حتى الأديان غير السماوية لا يعد معتنقيه بالخلاص والتكامل والروعة الفائقة الانسجام. تختلف تفاصيل هذه الوعود من دين إلى دين. أغلب هذه الوعود يختص بها المخلصون للدين المتبعون لتعاليمه المؤدون لعباداته، كما يُحَرُم منها كل من خالف تعليمات الدين المعنى. يتضاءل ربط معايشة هذه المنظومة (الدينية) بهذا الوعد المستقبلى مع اطراد النمو الفردى فى اتجاه الوعى الفائق والتناغم مع المطلق، لعل هذا هو ما يفسر تنازل كثير من الصوفية عن الحرص على الجنة فى مقابل رؤية وجه الحق سبحانه وتعالى (رابعة العدوية من أشهر الأمثلة وإن لم تكن أعمقها).

7- وينتمى إلى هذه المنظومة جماعة من البشر

 لكى يكون الدين دينا، خصوصا بالمعنى الشائع، لا بد أن ينتمى إلى نفس المنظومة التى يمثلها عدد من البشر. إن من أهم الوظائف الإيجابية لما هو دين هو حضور “الآخر” الموضوعى فى الوعى، وفى الواقع، على حد سواء، (راجع ما ذكرناه الأسبوع الماضى عن تكوين “الوعى الجماعى” أثناء العلاج الجمعى).

 لا يكون الإنسان بشرا إلا بتفاعله وعيا متعددا مع وعى متعدد “آخر” من نفس الجنس. إن هذا الانتماء له ميزاته، كما أن له مخاطره: فمن ناحية هو يحقق للمتدين بعضا مما يسمى “المصداقية بالاتفاق”، إلا أن هذه الحاجة نفسها قد تشتد حتى تظهر سلبياتها باستبعاد من لا ينتمى إلى نفس المنظومة، من وعود جنته، حتى لو توجه إلى نفس الهدف المشترك.

أسئلة جديدة

أولا: هل يكفى أن نرضى بتطبيق ما ذهبنا إليه فى تحديد أبعاد ما هو دين لفهم كيف ظلت الأديان راسخة فى وعى (ولاوعى) الانسان كل هذا التاريخ؟

ثانيا: ألا يحتاج الأمر لمزيد من البحث الأعمق، فى جذور ما هو دين وإيمان، مما يمكن معه أن نكتشف أن تكون تلك الجذور منغرسة فى عمق ما هو بيولوجى فى تناغمه مع الكون الأوسع، بما يوازى ويدعم ذلك التناغم الإيمانى الخلاق فى الخبرة الايمانية خاصة (وفى مجال التصوف المعرفى كدحا بشكل أخص)؟

ثالثا: ألا يمكن أن يكون هذا البعد الأعمق (بالبحث عن الجذور الحيويه للدين) هو المدخل الأمثل لفهم إيجابيات الدين والايمان بلغة تسمح باستيعابه لصالح التطور والإبداع توجها إلى وجه الحق سبحانه وتعالى؟

أسئلة أكثر جدّة فى مجال التخصص:

  • هل نأمل أن تصل أهمية “الإدراك” كوسيلة معرفية أساسية جوهرية إلى ممارسى “نقد النص البشرى” العلاج .
  • هل ثم طرق للتدريب فى إطار الإعداد المهنى، (وقبل ذلك للتربية عموما) تعمل على شحذ الإدراك جنبا إلى جنب مع تنمية الفكر الظاهر.
  • هل المضى قدما فى التنظير فى هذه المنطقة له فائدة تستأهل، أم يستحسن التركيز على الممارسة ونتائجها.

وبعد (مرة أخرى)

هل آن الآوان لنتعرف على الفطرة البشرية، وهى مجال عملنا كأطباء ومختصين نفسيين مهما اختلفت التقسيمات، من خلال البرامج الحياتية البقائية التى حققتها الحياة حتى سمحت لهذا الكائن البشرى بالظهور هكذا بفضل الله ؟

وعود قديمة جديدة

هذه البرامج التى تسمى لأسباب تاريخية وربما بحكم العادة : “غرائز”، هى جاهزة فاعلة عبر تاريخ الحياة، والكتاب الذى وضعت له خطوطه العريضة كان لتناول غرائز الجنس والعدوان ثم هذه الغريزة الإيقاعية التوازنية الممتدة التى خطر لى أن اسميها “غريزة الإيمان”، ولكن نظرا لسوء سمعة كلمة “غريزة”، عدلت عن ذلك، فهل يا ترى يجوز أن نتكلم عن الغرائز بلغة (1) برامج البقاء لحفظ الفرد (العدوان) ثم (2) برامج البقاء لحفظ الجماعة فالنوع (الجنس)، ثم (3) برامج البقاء للتوازن الحيوى الإيقاعى الخلاق: (الإيمان)؟.

وهل مدخل الإدراك هو أفضل المداخل للبدء فى تناول هذه البرامج الأخيرة والتى كنت قد اسميتها “الأسس البيولوجية  للدين”

 الإجابة الأولى عندى هى النفى: أعنى ليس هذا هو المدخل المناسب

 أما الإجابة الواقعية وحسب مسار هذه النشرات فهى الإيجاب

 فدعونا نرى ماذا سوف يجد الأسبوع القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *