نشرة “الإنسان والتطور”
10-1-2012
السنة الخامسة
العدد: 1593
الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (39)
“الإدراك” والمعرفة
فى مقابل العقل والتفكير
قبل أن نبدأ، على من يريد أن يواصل التعرف على ما تبقى لنا فى موضوع الحرية أن يذهب إلى هذا الرابط (عن الحرية والجنون والإبداع) وسوف يجد كثيرا مما لم نذكره هنا مما قد يجد له مكانا عند تجميع المادة كما سوف أشير فى نهاية نشرة الغد
مقدمة:
….. وهكذا!!
إذن فنحن فى مجال البحث عن المنهج الأكثر ملاءمة مع أبجدية المعرفة الأخرى، من واقع ثقافتنا بنبض لغتنا أساسا التى هى السبيل الأول، وربما الأوحد، إلى انطلاقنا مما هو نحن.
الفضل الأول للمرضى، والنقد والإصرار، وتشجيع المتلقى، وما تيسر من مشاركة: من كل بقدر مبادرته، وإلى كل بقدر مثابرته
اكتشفت، أثناء محاولتى أن أربط نبضات الإيقاع الحيوى بدورات الصحة النفسية على مسار النمو، أننى استـُـدرجت إلى موضوع الحرية حتى كاد ينسينا موضوعنا الأساسى الأول، وهو “الصحة النفسية”، ليكن، ولكن دعونا نتتبع بصبر مناسب تسلسل الأحداث حتى نرى أين نحن الآن، وكيف سنكمل بمشيئة الرحمن
1) بدأنا بالافتراضات الأساسية، وتصورنا أن علينا أن نتعرف على الصحة النفسية أولا حتى يمكن أن نتعرف على المرض النفسى، ومن ثمَّ الرحلة بينهما إمراضيا (سيكوباثولوجى) وبالعكس، علاجا
2) وصلنا إلى رسم التخطيط العام فى جداول معقدة فى محاولة بيان الفروق النوعية بالنسبة لكل وظيفة نفسية فى أى طور من حالات التبادل بين الحالة العادية، والحالة المفترقية النشطة (الجنون/اللاجنون) والإبداع (إعادة التشكيل فى الحلم أو فى اليقظة)، حتى وصلنا إلى مناقشة الحرية فى تجليات حالات الوجود الثلاث، وأيضا فى حالات الجمود على ناحية (فرط العادية أو اضطراب الشخصية)، والتفسخ على الناحية الأخرى (الشواش، الفوضى، الجنون)
3) توقفنا لظروف سياسية وعلمية عن مواصلة فحص موضوع الحرية ، وهربت لاستكمال كتب ناقصة مهجورة بدءا بكتاب “التصنيف والتشخيص”، ثم انتقالا إلى كتاب “السيكوباثولوجيا الوصفية : فينومينولوجيا المرض النفسى (انطلاقا من الأعراض)
4) وجدت لدىّ مقاومة شديدة أن أتشتت أكثر مما أنا متشتت، وخاصة حين التقت بعض الأعمال الثلاثة (إيقاعات الصحة النفسية ، والتصنيف والتشخيص، والإمراضية النفسة) فى نقطة مشتركة هى “طبيعة المعرفة” بدءا مما يسمى “الإدراك” (خاصة فى مقارنته بالتفكير، وما شاع عن العقل)
5) تبينت أن ما وعدت به الأسبوع الماضى وهو مواصلة فحص الوظائف المعرفية، وقدمت له التخطيطات الثلاثة (الرسوم) فى تناوب حالات الإيقاع الحيوى لدورات الصحة النفسية ومقابلاتها المرضية، أكتشفت أن الموضوعات الثلاثة كانت معرفية، بعناوين مختلفة هى: طبيعة المعرفة، ثم الإدراك، ثم وحدات المعرفة
6) تعجبت كيف غامرت بفصل وحدات المعرفة عن الإدراك وعن طبيعة المعرفة، وكأن كل منها موضوع مختلف، فوجدت أنه فصل شكلى للشرح ليس أكثر،
7) حين هممت بتناول فصل “الإدراك” فى الكتاب الأخير الذى بدأناه من أسبوعين، وجدت موضوع الإدراك واضطراباته يقع فى المقدمة، ووصلنى ما أملت فيه من قديم بضرورة التمييز بين ما هو إدراك وما هو تفكير، ثم حضرتنى كيف أغارت كلمة “عقل” (المعجمية خاصة) على النشاط المعرفى بوجه عام، وقدرت أنه من الضرورى أن نواجه ونحدد أبعاد كلمة العقل والعقلانية، والتعقل، والعقلنة بكل شجاعة، دون التخلى عن أى من مكتسبات العقل فى كل العصور، حتى ينتهى هذا الاحتكار السطحى لما يسمى عقلا لصالح كلية المعرفة.
8) انتبهت أن ما كنت أنشره هنا كل يوم سبت خلال عدة شهور كان يتناول كثيرا من نواحى هذه القضايا برغم أنه كان يبدو بعيدا تماما عن ما هو طب نفسى أو علم نفس.
9) بدأ ذلك بـ “تحديث لكتابى: حكمة المجانين”، الذى تواصل فى نصفه الأخير تحت عنوان “رؤى ومقامات”، ثم حل محله ما أسميته “حوار مع الله”، استلهاما مما تيسر من مواقف مولانا النفرى.
10) تعجبت للمصادفة التى فوجئت بها من أننى نشرت يوم السبت الماضى (أول أمس) مقتطفات من “موقف الإدراك” عند النفرى، فى الوقت الذى كنت أزمع فيه الكتابة فى فصل الإدراك فى الكتاب الحالى (علم السيكوباثوجيا الوصفى)، وكيف أننى لم أنتبه إلى ذلك إلا حالا.
11) جاء فى نفس النشرة (أول أمس) الكثير الكثير أيضا عن ما أسماه النفرى “العلم”، دون التزام منه أن يقول لنا ماذا يقصد تحديدا بالعلم، وماذا يقصد بالإدراك، وماذا يقصد بأى كلمة قالها، (ويقولها مجددا)
12) رحت أتساءل: كم طبيبا نفسيا سوف يأخذ ما قاله النفرى عن الإدراك مأخذ الجد، ويعرف أنه إضافة فى صميم المنهج الذى نتناول به كلا من الوظائف النفسية الأساسية، والمعرفية بالذات فى الصحة (كما فعلنا حين بدأنا بالحرية فى فصل الافتراضات الأساسية) أو ونحن نتناول التمهيد للحديث عن اضطرابات الإدراك فى المرض النفسى، أقول كم واحد من الأطباء النفسيين سوف يأخذ كلام النفرى مأخذ الجد والموضوعية، واضعا فى الاعتبار إمكانية الإفادة منه فى الإحاطة بالظاهرة التى نتناولها سواء فى التنظير للصحة النفسية، أو فى المدخل إلى اضطرابات الإدراك فى علم السيكوباثولوجى الوصفى؟
13) وإلاَّ: كيف يقرأ الطبيب النفسى، هذا الاستلهام الذى استلهمه النفرى وهو يتلقى ما تلقى من الوعى الأقرب إلى الله (وليس من الوحى الذى أرسله الله) كيف يقرأ الطبيب النفسى هذه الألفاظ وما هى علاقتها بممارسته للطب النفسى، ولماذا يصر صاحب هذا الموقع، وهو طبيب، على إقحامها هكذا فى موقعه مع التمادى فى استلهامها؟
14) هل هى حلية شعرية؟ أم حكمة تاريخية؟ أم دغدغة وجدانية؟ أم منظرة فلسفية؟ أم أن هناك احتمال آخر؟
15) هل يمكن أن نتعلم من النفرى فى “موقف الإدراك” (مثلا) (هكذا أسماه النفرى تحديدا) ما يعيننا على فهم ظاهرة الإدراك: أولا فى الصحة، ثم ربما فى المرض ، ناهيك عن احتمال فهمها فى الإبداع خاصة (تذكر أن العنوان الفرعى لكتاب السيكوباثولوجيا الوصفية هو: فينومينولوجيا المرض العقلى : الأعراض النفسية وعلاقتها بالإبداع)؟
16) طيب، لنفترض أن الإجابة كان بها أى قدر من الموافقة على النهل من نشرة السبت (النفرى) كمثال يفيدنا فى مهنتنا، فما هو “الإدراك” الذى سوف نتناوله باللغة العربية بوجه خاص؟ هل هو ما جاء فى المعاجم، أم فى تعريفات علم النفس الحديث، وأغلبها مترجم صراحة أو ضمنا؟
17) وهل مضمون لفظ الإدراك الذى جاء فى المعاجم العربية، هو نفس مضمون لفظ الإدراك الذى جاء فى مواقف النفرى، هو هو نفس مضمون لفظ الإدراك الذى استعمل فى كتب علم النفس (والطب النفسى)، وهل هو أيضا نفس مضمون ما يقابله فى اللغة الإنجليزية Perception أو فى اللغات الأخرى؟
18) وإذا كان المضمون متغيرا كما لاحظنا حتى فى هذه النشرات اليومية، وكنا سوف نلاحظ أكثر لو أننا تمادينا فى تناول ظاهرة الإدراك بما كنت انتويه فيما أسميته “المرجع ثنائى اللغة”، إذا كان المضمون متغيرا هكذا ، فكيف ندرس ظاهرة بنفس الاسم، فى حين أنه يوجد داخل هذا الاسم كل هذه المضامين المتنوعة؟
19) حضرنى سؤال الآن قد يخطر على بال الكثيرين، بما فيهم أطباء نفسيين طبعا، وهو سؤال يقول “..وإيش أدخل النفرى فى علم النفس أو الطب النفسى حتى نضع لمواقفه ولغته كل هذا الاعتبار؟
20) ثم: وايش أدخل كل هذا فى العلاج؟
وهذا ما سوف نبدأ فى محاولة الإجابة عليه غدا بمقدمة محدودة تحت عنوان:
المعرفة الطريق إلى الله فالشفاء