نشرة “الإنسان والتطور”
3-1-2012
السنة الخامسة
العدد: 1586
ماهية الحرية، والصحة النفسية (14)
العوْد أحمد
إشكالة الحرية وعلاقتها بالديمقراطية
والطب النفسى
بعد ثلاثة أسابيع يحل تاريخ 25 يناير2012!
أهكذا؟
دعونا ندعو الله العلى القدير أن نواصل حتى تكون ثورة نستحقها، فنواصل من خلالها بناء الدولة، فبناء الحضارة، انطلاقا من هنا إلى نهاية العالم.
اعتذار جديد:
اليوم كتبت مقالى لصحيفة التحرير، وهو المقال الذى سوف يصدر يوم السبت القادم، وعند مراجعته وجدت فيه هذا النص الذى قلت فيه:
“…إن الديمقراطية- مع كل ميزاتها- لا تقيس إلا الرأى الظاهر، فهى لا تكشف إلا عن قشرة تَوَجُّه عامة الناس، وهى عاجزة عن قياس الوعى الجمعى الأعمق، أو قياس الحس البقائى اللازم لاستمرار حياة النوع (بدءًا برعاية وإدارة شعب ما) إلى أفضل، كما أنها عاجزة عن أن تعرى مسيرة التدهور الأخبت التى يقودها عادة الأغنى والأشرس عبر العالم بما يهدد نوعنا بالانقراض….”، إن هذا المستوى من الاختيار اضطرارا بهذه الديمقراطية، لا يعلن إلا مدى تماثل الناخب مع من انتخبه، فى أمور بعضها ظاهر، وأغلبها باطن، فهذه الديمقراطية هكذا لا تستطيع أن تكتشف اتفاقهما (الناخُب والمنَتَخْب) على خطإ فادح، أو تماثلهما فى التعجيل بخراب قادم، أو تشابههما فى العمل على تمادى ظلم متفق عليه، أو فى زيادة اغتراب مدمر، أو تجميد فكر متفتح”، (تماما مثل أن كثيرا من الجوائز لا تدل إلا على تمائل أو تقارب مانِحيِها مع نائليها).
ثم علينا أن ننتبه من البداية ثم طوال الوقت إلى مضاعفات ما يسمى “ديكتاتورية الأغلبية” إذ أنها من أفسد وأخطر أنواع الدكتاتوريات، وتسمى أحيانا بــ “غلبة توجه القطيع”، وحتى على مستوى الوعى البدائى دون صناديق، فإن سلبياتها مسئولة عن انقراض 99,9% من الأحياء (لم يبق إلا واحد فى الألف ونوع الإنسان من بينها) مع أن الانتقاء الطبيعى أقوى وأكثر موضوعية من الاختيار الديمقراطى الصناديقى آلاف المرات”.
وقفة:
تساءلت حالا بعد عام، أى المواضيع أولى بالإكمال: توضيح “مفهوم الحرية” للكافة أم مواصلة كتابتى الجديدة لقلة من أهل تخصصى باستكمال كتابى عن “فينومينولوجيا المرض النفسى” الذى حل محل كتاب “التصنيف والتشخيص” بسرعة مزعجة؟، رحت أراجع أين توقفت ومتى توقفت عن مواصلة الحديث عن الحرية بما فى ذلك محاولة تمييزها للناس كافة عن الديمقراطية، وإذا بى أفاجأ أننى توقفت يوم 26 يناير 2011 أى فى اليوم التالى لبداية الأحداث مباشرة، فهل يا ترى ثمة علاقة؟ ثم إننى – بصراحة- لم أجد أى ترحيب من الزملاء المختصين بالبدء فى الكتابة المتعمقة فى التخصص وبصراحة أيضا: عندهم كل الحق، فالأمر لم يستقر بعد، والنقلات السريعة تحول دون التعقيب على مسار غير مضمون انتظامه لإكماله،
فعذرا خاصا لهؤلاء الطيبين.
كانت النشرة التى ظهرت فى ذلك اليوم 26يناير 2011 بعنوان “التنازل عن الحرية لإحيائها” أما الحلقة التى سبقتها مباشرة والتى كانت بتاريخ 25 نفسه فكانت بعنوان “الجنون هو فعل الحرية لتستحيل”، والعنوان الفرعى “الجنون مقصله الحرية“، ثم توقفت الحلقات حتى اليوم، ليحل محلها سلسلة “يوميات الغضب والبلطجة، ولادة شعب جديد قديم“، وقد توالت على الوجه التالى:
يوميات الغضب والبلطجة، (1) ولادة شعب جديد قديم – 2) ثم ماذا بعد الغضب؟ من الألم والغضب، إلى الفعل المسئول – 3) ميدان التحرير يناير 1971 – 4) الاقتراحات العشرة – 5) عن الغضب، والحزن، والفرحة، فالمسئولية!! – 6) من الألم والغضب، إلى الفعل المسئول – 7) الفرق بين “الفتوة” و”البلطجى” و”الرئيس” (السلطة) [1 من 2] – 8) الفرق بين “الفتوة” و”البلطجى” و”الرئيس” [2 من 2] – 9) المكسب الحقيقى: رحيل مبارك؟ أم أن نعرف طريق الخلاص من “أىّ” مبارك؟؟ – 10) تراجعٌ وحيرة فلترحل سيدى الرئيس: الآن، وليس بعد) .
ثم انتقلت إلى سلسلة الأسئلة والوصايا للشبان والصبايا
1) الوصايا العشر – 2) الوصايا العشر الثانية – 3) قصيدة “لو…” للشاعر رديارد كبلنج “”IF” (تحديث وصية عمرها قرن من الزمان) – 4) نبض الثورة، ودورة القلب، وإيقاع الحياة! – 5) المجموعة الثالثة
إلى أن انتهيت بنشرة 10-7-2011 بعنوان: “الاقتصاد أولا والإبداع دائما…”،
وحين وصلت إلى هذه النشرة، بعد شهور، انتبهت إلى انقطاعى عن اكمال الكتاب الأول بمواصلة تشكيل جديد قديم لمفهوم الحرية، هذا الكتاب، فسألت نفسى: إذا كان دائما الإبداع فلماذا توقفت؟
وكنت قد بدأت فى كتاب منافس عن العلاج الجمعى استجابة لابنتى أ.د.منى احتراما لما قامت به من اشهار “الجمعية المصرية للعلاجات الجماعية EAGT”، ولم أستطع إرضاءها لأنها كانت تريده بالإنجليزية أساسا لتفخر به أمام من تعرفت عليهم من “خواجات”.
ثم إنى عدت بعد مضى خمسة أشهر لمواصلة الكتابة عن الحرية، فوجدت كلامى ضائعا (وهو لا يحتاج لمبرر من خارجه حتى يضيع) بين هدير الصراعات ودماء الشهداء، وشعارات الانتخابات فكتبت نشرتين لأواصل شرح مفهوم الحرية ونحن أحوج ما نكون إلى ذلك الآن، لكن ضاع صوتى مرة ثانية وخجلت من نفسى حتى انسحبت إلى تخصصى من جديد وقد وتذكرت كتاب “التقسيم والتشخيص” الذى كتبت مسودته منذ زمن بعيد، وبدأت مراجعته لنشره بدءً بحكى حيرتى المزمنة، فكانت الحلقات التالية من الثالثة إلى السادسة:
نشرة 6-12-2011 الحلقة الثالثة: بعنوان: تاريخ حيرتى مع فكرة “التشخيص” & نشرة 7-12-2011 الحلقة الرابعة& نشرة 13-12-2011 الحلقة الخامسة & نشرة 14-12-2011 الحلقة السادسة ، وذلك حتى وصلت إلى الحلقة السابعة نشرة 21-12-2011 ” مستويات التشخيص، وعلاقتها بالعلاج”، ثم إذا بى اكتشف أن ما نشرته فى هذا وذاك قد سبق نشر كثير منه متفرقا فى النشرات أيضا: مثل: نشرة 13-10-2010،
وتعجبت أن أحدا لم ينبهنى إلى ذلك:
ما العمل الآن؟ علما بأن الكتاب الأول من سلسلة الأساس فى الطب النفسى كان باسم “الافتراضات الأساسية”، تحت نفس العنوان الذى أكتب فيه حالا “الإمراضية النفسية الوصفية” Descriptive psychopathology
وكنت قد توقفت بعد (333) صفحة عند موضوع الحرية والمرض النفسى ، وحين قررت العودة أوجزت العناوين المتبقية على الوجه التالى:
أولا: الديمقراطية ليست مرادفة للحرية
ثانيا: الحرية هى الحركة فى اتجاه الحرية ما أمكن ذلك
ثالثا: الحرية هى حركة داخلية وخارجية معا
رابعا: الحرية هى برنامج بيولوجى ينظم حركة نمائية (تطورية)، فى اتجاه مزيد من المساحة المتاحة للتخليق الممكن.
خامسا: لا توجد حرية إلا فى وجود شريك منفصل متصل مشارك
سادسا: الحرية ليست فى أن أدعى أنى أدعك حرًّا بأن أوقف حركتى عند حدودك، ولا أن تفعل أنت ذلك مثلى، لكنها تبدأ حين أخترق حدودك لنا نحن الاثنين، فللناس، تحت مظلة عدل حقيقى (فرص متكافئة)
سابعا: الحرية تزدهر حين يتحقق “ثانيا” لعدد أكبر فأكبر من الناس.
ثامنا: الحرية فرحة محاطة بحزن رائع يعلن حضور الآخر (الآخرين)، وضرورتهم.
تاسعا: حركة الحرية فى الخارج لا تكتمل إلا مع ما يقابلها من حركة جدلية بين مستويات الوعى بالداخل، (بين عقولنا جميعها داخلنا).
عاشرا: الديمقراطية قادرة على تنظيم جماعة من الناس على مستوى الواجبات الظاهرة والمتاح من العدل وهى تختبر المستوى الظاهر من القول الذى هو تحت رحمة العقول الآخرى، وأيضا يمارس حقه على حسابها فى نفس الوقت، ولكنها إشكالة وجود كل فرد على حدة.
حادى عشر: الحرية المطلقة هى وجود وهمى ليس فيه عقول أخرى، ولا آخرين
ثانى عشر: الحرية الكاملة هى آلوهية مستحيلة، وغبية
ثالث عشر: العدل بين الناس هو إتاحة فرص متكافئة لا تقاس بمقاييس ملتبسة.
رابع عشر: التنازل عن الحرية بشروط عادلة هو من أهم تجليات ممارسات الحرية
خامس عشر: الثبات على المبدأ (أى مبدأ) هو ضد الحرية
سادس عشر: الثبات على التوجه بالحركة المغامرة فى كل اتجاه هو الضمان لاستمرار مسيرة الحرية.
سابع عشر: يا ليتنى نستطيع تجنب استعمال لفظ الحرية أصلا
ثامن عشر: وكذلك لفظ الديمقراطية أيضا
تاسع عشر: اختيار الجنون هو أعظم مظاهر الحرية، وهو ألعنها لأن ثمنه هو الحرمان المطلق من الحرية.
عشرون: الإبداع الحقيقى هو حرية متجددة.
العوْد أحمد:
ثم هأنذا أعود لاستكمال ما بدأته مؤجِّلا جمع وتصنيف كل مادة الكتاب الأم الذى سيشمل كل ذلك فى عدة مجلدات إلى وقت لاحق ربما يكون موعد النشر الورقى.
خاتمة
حتى نعاود المسار بعد كل هذه الشهور نبدأ بالتذكرة بحالات الوجود حالات الوجود الخمس فيما يتعلق بالحـرية والإيقاع الحيوى ودورات التواجد البشرى.
ذكرت سالفا أن التناوب بين الحالات الثلاث “العادية، التعتعة المفترقية الخلاقة[1]، والإبداع،” هو الإيقاع الطبيعى الذى تتصف به الصحة النفسية، لكن احتمال التناوب بين حالة “فرط العادية”، وحالة “الجنون” فهو الاستثناء، ثم انى حين أعدت النظر، وجدت أنه إذا صح أن “حالة الجنون” (وليست حالة ” التعتعة المفترقية الخلاقة”) هى الاستثناء، فإن “فرط العادية Hypernormality – “ليست كذلك، فهى حالة متجمدة مستقرة أقرب إلى اضطرابات الشخصية النمطى.
وللتذكرة قبل أن نواصل، أعيد طرح الرسم التوضيحى مع مراعاة تغيير اسم عنوان الحالة الوسطى.
ملحوظة:
نلاحظ أن هذه الحالة الوسطى التى أصبح اسمها “حالة التعتعة المفترقية الخلاقة” قد تدرجت تسميتها على الوجه التالى: “حالة الجنون” ثم تراجعنا خوفاً من سوء الفهم إلى “حالة الجنون/اللاجنون”، ثم خفنا أيضا من مزيد من الغموض فاكتفينا باسم “حالة الفوضى الخلاقة“، لكننى خفت مؤخرا أن تختلط “بحالة الإبداع” ففضلت هذا الاسم الأخير “حالة التعتعة المفترقية الخلاقة“، باعتبار أن مشروع التخلق قبل تماديه هو مفترق طرق (ربما مثل حالة ثورتنا الآن) وهو إما أن يجهض إلى “حالة الجنون” أو يتجمد فى “حالة فرط العادية” أو يعود إلى “حالة العادية” فى انتظار دورة لاحقة فى نبضة قادمة لهذا أضفت إلى صفة التعتعة صفة “المفترقية”.
[1] – Gross-Roads Creative Dislodgemeat