الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (53) الإدراك (14) ثلاثة فروض أساسية

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (53) الإدراك (14) ثلاثة فروض أساسية

نشرة “الإنسان والتطور”

28-2-201225-1-2012

السنة الخامسة

 العدد: 1642

 

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (53)

الإدراك (14)

ثلاثة فروض أساسية

مقدمة

أخيرا، وبعد استطرادات طالت، تبين للكثيرين أهمية الموضوع وفى نفس الوقت صعوبته، فسمح لى ذلك أن أعود، نعود، إلى المنطلقات الأساسية التى عددتها – دون حصر نهائى- فى نشرة: 25-1-2012 ، (برجاء الرجوع إليها لمن يشاء) والتى كان من أهمها:

1) إن إدراك الله سبحانه وتعالى إنما يتواصل من خلال استمرار تصعيد جدلية حركية الإدراك على كل المستويات.

2) إن دراسة آليات وعمليات ومستويات الوعى والإدراك عند الأحياء السابقة (وهو ما اسماه دانيال دينيت “أنواع العقول”) هى دراسة أساسية لفهم الإدراك من خلال برامج البقاء والتكامل الحيوى للبقاء.

3) إن إزاحة سائر مستويات الإدراك لحساب مستوى واحد مهما كانت تسميته هو على حساب المعرفة، والبقاء، والإيمان (بالمعنى البيولوجى البقائى) جميعا.(المستوى المـُـزيح مثل: العقل أو الإدراك الحسى…الخ)

وبعد

أستأذن أن أبدأ بافتراضات ثلاثة أساسية، مستهديا بواقع ما وصلنا من خلال ما نشر مما أثار جدلا ساخنا، ثم نتدرج إلى غير ذلك، وهو ما آمل معه أن يكون باعثا نحو ثورة حقيقية تؤثر فى الممارسة أساسا ثم التنظير لاحقا، هى ثلاثة فروض ليست الأهم ، لكنها بمثابة البنية الأساسية (التحتية) لكل ما يلى ذلك غالبا، وهى:

أولا : فرض (نظرية/حقيقة) “تعدد الذوات”

سبق أن تناولنا هذه المنظومة فى أكثر من نشرة، وما يهمنا هنا فيما يتعلق بالإدراك هو ما يلى:

  1. إن تعدد الذوات حقيقة فسيولوجية بقدر ما هى نفسية
  2. إنه لا توجد علاقة مباشرة بين الذوات الأخرى (المتنحية، أو المستبعدة) وبين ما يسمى اللاشعور الفرويدى
  3. إن الذوات المتنحية (أو المستبعدة مرحليا) تقوم بنفس وظائف الذات القائدة المنظِّمة ولكنها لا تعلن نتائج نشاطها إلا من خلال الذات الرائدة، أو بالتبادل أثناء دورات نوابية أخرى، فسيولوجية أو نفسية بل كليهما (أساسا: دورات اليقظة/النوم/المنتظمة)
  4. إن الإدراك (وهو ما يهمنا الآن) يتم على مستويات متعددة، نتيجة لنشاطات إدراكية متعددة، تقوم بها ذوات متعددة، لكن حصيلته تبدو “معرفية” ظاهرة فى المقام الأول، وهى إلى درجة ما “معقلنة”، وملفظنة، دون حصر فى هذا أو ذاك
  5. إن القدرة على تنشيط الإدراك لأغلب أو كل الذوات معا يسمح بتشكيلات جديد هى أساس هام فى الإبداع
  6. إن معرفة الله مرتبطة بشكل ما بهذه القدرة الإدراكية الجدلية التكاملية الجامعة لنشاطات الإدراك لكل الذوات
  7. تمتد جذور وأصول “اعتمال” مستويات الإدراك إلى نشاط مراحل سابقة للنوع (فيلوجينيا) وللفرد (أنتوجينيا)، وهى مازالت كامنة فينا، مشاركة فى عملية الإدراك الكلى.

ثانيا: فرض (نظرية/حقيقة) “الإدراك المتجاوز للحواس”

1)    إننا ندرك بالحواس الخمسة ما تستطيعه الحواس الخمسة

2)    إن ما يدرك بالحواس الخمسة هو ظاهر ما يدرك بهذه الحواس، ولكنه هو هو قد يحمل مستويات وأبعاد إدراكية أخرى مصدرها إسهامات إدراكات الذوات الأخرى (التى تسمى أحيانا الحواس الأخرى)، والتى تتعامل مع المعلومات المدركة، بطريقتها الخاصة، فى نفس الخطة.

3)    إن وظيفة الإدراك كانت موجودة – تطوريا- قبل ظهور وتخصص هذه الحواس الخمسة، بل قبل ظهور وتخصص الخلايا العصبية نفسها، ناهيك عن ظهور نصفى المخ الكرويين،

4)    إن نتيجة الإدراك البقائى إنما تعلن بالنجاح فى استمرار الحياة، واستمرار النوع دون الحاجة إلى تصنيفها أو ترميزها.

5)    فى هذه المراحل الباكرة من التطور، يكون الإدراك عاما وبدائيا دون حاجة إلى حواس تصنفه وتشخصه (حيث لا حواس بعد)، ويظل هذا النوع من الإدراك تابعا فى تركيب الإنسان حسب القانون الحيوى “نظرية الاستعادة” ولهذا قمت بتوصيف وتصنيف هذه المرحلة تحت اسم “الإدراك قبل الحواسى” Pre-sensory Perception، وهو ما يفسر قدرة بعض الأحياء ذات الحواس المتواضعة حين تشعر بإرهاصات وتقلبات الطبيعة (مثل الزلازل) قبيل حدوثها، الأمر الذى لا تقدر عليه الحواس البشرية الخمسة مهما بلغت حساسيتها، وبذلك يمكن القول أن هذا الإدراك قبل الحواسى هو إدراك بدائى مفيد لنوعه فى حينه، لكنه لا يكون كذلك إذا أصبح بديلا عن الإدراك الأكثر نضجا وتمييزا.

6)    إن تنشيط هذا الإدراك المتجاوز للحواس الخمسة، المرتبط بإدراكات الذوات الأخرى، وفى نفس الوقت، الحفاظ على نشاط وفاعلية الحواس الخمسة، يرتقى بالإدراك الحسى إلى ما قمت بتسميته الإدراك البعْحسى Meta-sensory perception وهو ما يتصف به المبدعون بصفة عامة، (التشكيليون والشعراء أساسا).

7)    توجد دلائل على دور “الجسد”(1) فى هذا الإدراك المتجاوز للحواس، دون ارتباط مباشر بحاسة اللمس وهو بعض ما ثبت بالنسبة لدور الجسد فى التفكير والإبداع  .

8)      إن الحركة التباديلية ما بين مستويات الإدراك (قبل الحواسى، والحواسى، وبعد الحواسى) قد تتبع نفس التناوب الأساسى للإيقاع الحيوى(2)

ثالثا: فرض (نظرية/حقيقة) “العين الداخلية

  1. بدءا من قبول حقيقة أن الواقع الداخلى هو واقع ماثل وليس كيانا تجريديا، أو تصورا متخيلا، يمكن قبول فكرة أننا يمكن أن “ندركه” بشكل مباشر، وليس فقط نتخيله ونحن نفترضه
  2. يتم إدراك هذا الواقع الداخلى بشكل مباشر لكنه متكامل مع حركية مستويات الوعى دون انفصال، .
  3. إن إدراك الداخل هذا ليس مرادفا للاستبطان Interospersion(الذى هو أقرب للخيال والتفكير، وليس للإدراك).
  4. يصل التشابه بين طبيعة إدراك الداخل بالعين الداخلية، وبين الادراك الحسى درجات وأنواع مختلفة حسب الحالة تحت الفحص من أول الهلوسة المرضية حتى الإبداع الفائق بنفس مواصفات الحواس الخمس، وبالذات حاسة البصر.
  5. لم ينم إلى علمى حتى الآن أن “سمز” Sim(3) قد ربط بين حركة العين السريعة التى تحدث أثناء النوم الحالم ، أى النوم النقيضى، أى نوم الريم(4) REM Sleep ـ مع أن هذه الحركة تكاد تكون رصدا عينيا مباشراً لحركية المعلومات أثناء إعادة التشكيل أثناء هذا النوع من النوم الحالم.
  6. جاء انطلاقى لفهم “الهلاوس الحقيقية”، وتمييزها عن الصور الخيالية، من إقرارى كلا من فرض تعدد الذوات ، ثم فرض أن الحلم هو إبداع النائم العاى، لإعادة ترتيب  re-patterning  المعلومات أثناء النوم بالذات فى طور النوم الحالم (النقيضى)، وكأن العين تتحرك بسرعة لأنها تتابع هذه الحركة التشكيلية الداخلية لترتيب محتويات الواقع الداخلى بما يتيح تنشيطه للسماح بتشكيله.
  7. عن طريق القياس، يمكن استنتاج أنه توجد أذن داخلية، وأنف (للشم) داخلية، وهكذا، وقد سبق أن اقترحت ألا تسمى كل واحدة باسم ما يقابلها من الحواس الخمس، وأن نكتفى بتعبير “عين الإدراك الداخلية للسمع” أو “للشم” وهكذا، بدلا من الأذن الداخلية، والأنف الداخلية، وهكذا
  8. اعتبرت هذا الفرض مدخلا مهما لفهم (وعلاج) ما يسمى لبس الجان، ولتفسير بعض نجاحات العلاج الشعبى، وأيضا لفهم (وعلاج) الهلوسات الحقيقية (دع جانبا الآن الصور التخيلية المصنوعة من الخيال أساسا الأقرب إلى التفكير وليس إلى الإدراك).
  9. فى الإبداع تتكامل نشاطات العيون الداخلية ، مع الحواس، مع التفكير والمعلومات، مع الأداة، فى إعادة تشكيل المنتج الإبداعى
  10. فى خبرة إدراك/معرفة الله ، وهى خبرة إبداعية ذاتية إيمانية، تنشط كل (أو كثير من) العيون الداخلية، مع الحواس، مع التفكير والمعلومات، مع العبادات، مع الناس (الوعى الجمعى) ليصل اليقين إلى الحقيقة “هنا والآن” وعلى مدى الغيب معا
  11. فى خبرة العلاج الجمعى تنشط العيون الداخلية بشكل تدريجى متصاعد نتبجة للتركيز فى “الهنا والآن”، ومحاولة تجنب “الأسئلة والنصائح” ما أمكن، ثم عبر التواصل بأكثر من مجرد تبادل الألفاظ، ويتم التغيّر النوعى الدقيق نتيجةلتراكم خبرات الإدراك ، ثم تدعيمها ، فإطلاق مسيرة النمو، بشكل غير مباشرة.

وبعد

سوف نعود إلى كل ذلك تفصيلا مع الإشارة إلى التطبيقات العملية فى المجال الإكلينيكى أساساً، إلا أن وقفة مبدئية تكاد تجرنا إلى بعض التكرار وهى ضرورة التأكيد أننا نبحث وظيفة مستقلة عن التفكير والفهم والعقل والوعى، وهى وظيفة معرفية مستقلة عن كل ذلك لكنها ليست منفصلة عن أى من ذلك.

وقد أشرنا قبلا فى نشرة رقم  (1600& 1601) بتاريخ 17& 18-1-2012 “من أين نبدأ”؟إلى أنه علينا أن نبدأ من ثقافتنا مهما كانت إغراءات الترجمة ووصاية المناهج.

وهذا ما سوف نؤكده غداً.

[1] – حالة كونه “وعى متعين”  كما أشرت فى مواقع أخرى

[2] – حسب النظرية الإيقاعية التطورية  Evolutionary Rhythmic Theory  ، للكاتب

[3] – Sims, A. (2002) Symptoms in the Mind: An Introduction to Descriptive Psychopathology (3rd ed). ). Elsevier. ISBN 0-7020-2627-1     

[4] – هذا التعبير “نوم الريم” نحته المرحوم أحمد مستجير من حروف اختصار Rapid Eye Movement REM ، وقد قبلته بديلا عن نحت قبيح كنت حاولته نحعس اختصارا بالحروف الأولى من مصطلح “نوم حركة العين السريعة”،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *