الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الافتراضات الأساسية (145) الإدراك (106) الإدراك والحلم والإبداع والشعر (ممثلا للإبداع) (6 من ؟)

الأساس: الافتراضات الأساسية (145) الإدراك (106) الإدراك والحلم والإبداع والشعر (ممثلا للإبداع) (6 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأحد: 13-1-2013

السنة السادسة

العدد:  1962

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (145)

  الإدراك (106)

الإدراك والحلم والإبداع والشعر (ممثلا للإبداع) (6 من ؟)

مقدمة:

انتهينا فى النشرة السابقة ونحن نربط بين عملية اعتمال المعلومات وبين ما سبق أن استلهمناه ولاحظناه فى الممارسة الإكلينيكية إلى الإشارة إلى عمل المخ الأيمن (النصف الكروى الأيمن) بالذات وهو يقوم بالشتغيل السريع، والاعتمال الكلى، والإدراك “البصر-مكانى” حتى توليف “معنى غير لفظى للكلمات”، كل ذلك مع القدرة على خلق معنى دلالى، وهو يقوم بدور أكبر فى التعبير عن الوجدان، فى حين أن المخ الأيسر يتعامل مع المعانى اللفظية للكلمات كرموز دالة ومع التمثيل الرقمى.

انطلاقا من كل ذلك آن الأوان أن نبحث دور الإدراك فى الإبداع، مع أن الإدراك يفهم تقليديا على انه قاصر على التلقى للاستيعاب وليس بالضرورة للتقييم اللفظى، لكننا أشرنا فيما سبق، وأثناء ربطه بعملية اعتمال المعلومات إلى ما اسميناه الذراع العائد للإدراك afferent limb ومع فحص عملية الإبداع، وليس فقط ناتجها، نجد أنها فى عمق جوهرها أكثر ارتباطا بكل ما ماذكرناه عن الإدراك، وتحديدا بالنسبة لما جاء فى النشرة السابقة بالنصف الكروى الأيمن للمخ دون استبعاد الأيسر.

المدخل الذى ربط الإدراك بالحلم هو حركة العين السريعة (نوم الريم) ثم فروض إبداع الحلم  فهل يا ترى ثمة حركة لعين داخلية يمكن أن نطلق عليها “عين الإبداع الإدراكية” تقوم بإعادة تشكيل مفردات مادة الإبداع فى الكل الجديد؟

المثال الأقرب للإجابة على هذا السؤال هو ما أثبته فى فرضٍ باكر عن علاقة الحلم بالشعر بالذات، كمثال حى للإبداع المرتبط أساسا بالنصف الكروى الأيمن، الأقرب إلى معالم وظيفة الإدراك فى “شقها الفاعل”.

قررت أن أبدأ بأن أغامر اليوم بنشر قصة الظل مكتملة هانز كريستيان أندرسن، وعمرها يقترب من قرنين كمثال وتمهيد يربط بين الحلم وقصص الأطفال الخرافية والإدراك، دون تعليق اللهم إلا توصية أن يربط القارئ ما يقرأ بأغلب ما وصلة من الملف من ناحية وبتعدد الذوات من ناحية أخرى.

قصة “الظل”

بقلم: هانز كريستان أندرسن  (1)

فى البلدان الحارة، يا إلهي! كم تحرق الشمس الناس بشواظها حتى يغدوا سمر الوجوه تماماً كخشب الماهوغاني، وفى البلدان الأشد حرارة تحترق بشرتهم حتى يصبحوا زنوجاً سوداً. لكن الآن، سنسمع فقط حكاية رجل متعلم انتقل مباشرة منإقليم بارد إلى إقليم حار، حيث ظن على ما يبدو أن بإمكانه أن يتجول هنا وهناك وكأنه فى بلده. لكن سرعان ما أقلع عن تلك العادة. فخلال النهار، كان هو والناس العاقلون جميعاً يضطرون للمكوث فى منازلهم وقد أغلقوا أبوابهم ونوافذهم، حتى لتبدو وكأنها كلها فى سبات عميق أو هى خالية لا أحد فيها. ولكى يزداد الطين بلة، كان شارعه الضيق ذو المنازل الطويلة، قد بنى بطريقة تجعله تحت وهج الشمس الحارقة من الصباح حتى المساء، وكان ذلك أشد وطأة فعلاً من أن يتحمله الإنسان. كان الرجل المتعلم الآتى من البلاد الباردة ـ وهو شاب ذكى ـ يشعر وكأنه فى فرن شديد الحرارة ولقد أثر فيه ذلك حتى غدا ناحلاً تماما، بل إن ظله بدأ يتقلص وينكمش، ذلك أن الشمس أثرت فيه كثيراً إلى درجة بدا معها أضأل بكثير مما كان فى بلاده. وكان كلاهما، هو وظله، لا يعودان للحياة إلا بعد أن تغيب الشمس.‏

لقد كان منظراً بالغ الإدهاش حقاً. إذ ما إن كان يؤتى بالمصباح إلى الغرفة حتى يمتد الظل على طول الجدار صاعداً حتى السقف، وكان مضطراً لأن يتمدد كى يستعيد قوته. لهذا، كان الرجل يخرج إلى الشرفة كى يأخذ كامل امتداده وبما أن النجوم كانت تظهر فى السماء الصافية البهيجة، فقد كان يشعر بأنه يعود للحياة من جديد!! إلى شرفات الشارع كلها ولكل نافذة شرفة فى البلدان الحارة ـ كان الناس يخرجون، إذ لا بد لك من الهواء، حتى وإن كنت قد اعتدت أن تكون كخشب الماهوغاني. وهذا،

فوق وتحت على حد سواء.‏

كان كل شيء يغدو وملؤه الحياة. صانعو الأحذية، الخياطون، الناس كلهم يتحركون إلى الشارع. الطاولات تمد، الكراسى تصف والمصابيح تضاء ـ مئات المصابيح تضاء. بعض الناس يتحدثون، بعضهم يغنون، آخرون يتسكعون، عرباتتدرج، حمير تمر وأجراسها ترن دِن.. دَن.. دِن.. دَن.. كما تقام هناك مآتم وتسمع ترانيم، فيما يطلق الصبية المفرقعات ويأتى رنين الأجراس من الكنائس، أجل، ثمة الكثير مما يجرى هناك فى الشارع. فقط فى المنزل المقابل مباشرة لمنزل الرجل المتعلم، لم يكن يسمع صوت ولا يشاهد أثر للحياة. مع ذلك، كان ثمة من يعيش هناك، إذ كانت زهور على الشرفة تنمو نمواً رائعاً تحت أشعة الشمس الحارة ولم تكن لتفعل ذلك دون أن تروى بالماء، إذن لا بد أن أحداً يرويها ـ لا بد أن هناك ناساً فى المنزل. عدا عن ذلك، كان الباب يفتح عند كل مساء، لكن الداخل يظل معتماً ـ على الأقل الغرفة الأمامية رغم أن نغمة من موسيقى كانت تأتى من الداخل البعيد. خُيِّل للغريب المتعلم أن الموسيقى غريبة تماماً، لكن ربما كان ذلك من بنات خياله فقط، ذلك أنه باستثناء الشمس ذاتها، كان يجد كل شيء غريباً عجيباً هناك فى البلدان الحارة. صاحب منزلـه قال إنه لم يكن يعلم من يسكن المنزل المقابل. لا أحد يمكن رؤيته هناك، أما الموسيقى فقد كان يجدها مضجرة متعبة.. وكأن أحداً ما يجلس ويعزف قطعة موسيقى ليس باستطاعته المضى بها ـ إنها القطعة نفسها دائماً. “سأتقن عزفها تماماً، لا يفتأ يقول لنفسه، لكنه لا يتقنها. مهما يعزف ويمارس التدرب عليها.‏

ذات ليلة، استيقظ الغريب، إذ كان قد أغفى وباب شرفته مفتوح. الستارة أمامه كانت قد تحركت جانباً بفعل الريح، وقبس غريب من ضوء بدا وكأنه يأتى من شرفة الجار المقابل. الزهور كلها كانت تسطع بأبهى الألوان، وهناك وسط الأزهار،كانت تنتصب فتاة رشيقة رائعة الجمال.‏

هى نفسها كانت تبدو وكأنها تشع وتسطع فقد بهر منظرها عينيه كل الإبهار. إذ كان قد فتح عينيه على سعتهما بالحقيقة، وكان قد أفاق لتوه. وثب الرجل من سريره منسلاً خلف الستارة، ولكن الفتاة ذهبت، ألقها ذهب والأزهار فقدت سطوعها الرائع، رغم أنها كانت ما تزال منتصبة كعادتها. الباب كان موارباً ومن ركن قصى للغرفة جاء لحن الموسيقى رقيقاً ساحراً إلى درجة يمكنها أن تمهّد الطريق فى الحال للأفكار الشاعرية. مع ذلك كان ثمة نوع من السحر ـ من تراه يعيش هناك؟ أين تراه الطريق الصحيح إلى الداخل؟ّ الطابق الأرضى كله كان مشغولاً بالحوانيت، والناس، ربما لم يكن باستطاعتهم أن يظلوا داخلين خارجين منها.‏

ذات مساء، كان الغريب يجلس على شرفته وخلفه مصباح مشتعل بالغرفة. وهكذا انعكس ظله بشكل طبيعى على جدار جاره. أجل، هناك انعكس، قبالته بين أزهار الشرفة. تحرك الغريب فتحرك ظله، بالأسلوب نفسه الذى تتحرك به الظلال. “أظن أن خيالى هو الشيء الوحيد الحى الذى يمكن رؤيته هناك” قال الرجل المتعلم “انظر ما أروع جلسته هناك بين الأزهار. الباب نصف مفتوح، فأى حظ أن يختلس الظل نظرة إلى الداخل. يتطلع فى ما حولـه ثم يعود ويخبرنى بما رأى! “هياإذن كن مفيداً لنفسك!” قال مازحاً “بلطف”… ادخل… حسن.. ألن تدخل؟ أومأ برأسه للظل فرد الظل بإيحاءة مماثلة.. حسن، هلم إذن.. لكن فكر بالعودة. وانتصب الغريب واقفاً ففعل الظل على شرفة الجار مثله. دار الغريب حول نفسه فدار الظل، وكان باستطاعة كل من يراقب بحذر أن يرى أن الظل دخل عبر باب الشرفة الموارب فى اللحظة نفسها التى دخل فيها الغريب غرفته وأنزل الستارة الطويلة خلفه.‏
فى الصباح التالي، خرج المتعلم كى يشرب قهوته ويقرأ الجرائد… هـ.. ي! “هتف وهو يتمشى تحت أشعة الشمس “عجباً، أين ظلي؟ إذن، هو حقاً ذهب الليلة الماضية ولم يعد. أى شيء مزعج مخيف!”.‏

فى غاية الانزعاج كان، ليس لاختفاء الظل، بل لأنه كان يعلم، أن هناك قصة يعرفها القاصى والدانى فى الوطن، حيث البلدان الباردة، حول رجل بلا ظل وإذا عاد الآن وروى لهم قصته، فمن المؤكد أنهم سيقولون إنه مجرد مقلد، وذلك آخر ما يرغب فيه، لذلك عقد العزم على أن لا يأتى على ذكر الأمر كله وكان ذلك عين العقل.‏

حين حل الظلام، خرج إلى شرفته مرة أخرى، بعد أن وضع المصباح فى المكان المناسب خلفه تماماً، لعلمه أن الظل يجب دائماً أن يتخذ من صاحبه ستاراً، لكنه أخفق فى جعله يخرج، قام بتطويل نفسه، بتقصيرها لكن، ليس هناك ظل، بل لا أثر لظل. سعل.. إحم.. إحم… لكن دون جدوى.‏

الأمر مزعج للغاية، لكن الأشياء تنمو بسرعة كبيرة فى البلدان الحارة.‏

بعد أسبوع لاحظ، بكثير من الغبطة، أن ظلاً جديداً لـه بدأ ينمو، بدءاً من قدميه حيثما سار.‏

لا بد أن الجذور كانت ما تزال هناك، فى غضون أسابيع ثلاثة، وجد أنه صار لـه ظل جديد، وحين بدأ يشق طريقه إلى البلدان الشمالية حيث وطنه، راح الظل ينمو وينمو إلى أن بات ضعف ما يرغب حجماً وثقلاً. وصل المتعلم إلى الوطن ودوّن الكتب عن الحق والخير والجمال فى العالم، وعن الأيام والسنين التى مضت ـ أجل، عن السنين الكثيرة.‏

وذات مساء كان يجلس فى غرفته، حين جاءته نقرة لطيفة على الباب. “ادخل” هتف الرجل لكن دون أن يدخل أحد. للتو مضى إلى الباب، فتحه، وهناك كان ـــ حسن، كان شخص نحيف إلى درجة مدهشة جعلته يشعر بالانزعاج والضيق. لكن الزائر كان حسن الهندام على كل حال ـ ولم يكن ثمة شك فى أنه رجل ذو اعتبار. “من لى الشرف بمخاطبته؟ “سأل المتعلم.” أجل.. كنت على يقين أنك لن تعرفني”. قال الغريب ذو المظهر المعتبر. “فأنا الآن لى جسدى الخاص بي، جسدى الذى اكتسى باللحم ـ والملابس أيضاً. أنت لم تتوقع أن ترانى مزدهياً على هذا النحو، أليس كذلك؟ ترى، ألا تعرف ظلك القديم؟ كلا، طبعاً، أنت لم تفكر قط بأننى سأعود ثانية. على أية حال، أنا الآن فى أحسن حال، وإن أردت أن أشترى حريتي،استطعت ذلك. عندئذ حرك حزمة كبيرة من الأختام الثمينة كانت تتدلى من ساعته فخشخشت، ثم مرر يده على السلسلة الذهبية الطويلة التى كانت تحيط بعنقه. أصابعه كلها كانت تتألق بخواتم الماس ـ وبطريقة بالغة الروعة أيضاً.‏

“وحق الله، أنت تقطع أنفاسي!” قال المتعلم “ما معنى هذا كله؟”‏

“حسن، إنه خارق للعادة.” قال الظل “لكن، كما ترى، أنت نفسك خارق للعادة أيضاً، وأنا، مذ كنت أدرج طفلاً صغيراً، كنت أدرج فى إثر خطاك. أنت تعرف ذلك جيداً. لكن ما إن شعرت أن باستطاعتى أن أشق طريق لنفسى فى هذا العالم،حتى انفصلت عنك. لقد عملت جيداً لنفسي، لكن تملكنى نوع من الحنين لأن أراك ولو مرة واحدة قبل أن تموت ـ لأنك ستموت، ذات يوم. كذلك شعرت بالرغبة فى أن أزور من جديد هذا الجزء من العالم، لأن المرء، كما تعلم، يتعلق دائماً بالبلد الذى جاء منه. أنا أدرك أنه صار لك ظل جديد ـ فهل أنا مدين لك، أو لـه. بأى شيء؟ إن كان كذلك، قل لى من فضلك”:‏

“حسن، أنا لا أصدق.. أهو حقاً أنت؟ “صاح المتعلم “أجل، هو أمر خارق للعادة. فأنا لم أتصور ـ قط أن يستطيع ظل رجل قديم أن ينقلب كائناً بشرياً من جديد.”‏

“قل لى بماذا أدين لك” قال الظل “فأنا أكره أن أكون مديناً لك بأى شكل.”‏

“كيف يمكنك أن تتكلم على هذا النحو؟ قال المتعلم. ما هذا الدين الذى تهذر حولـه؟ أنت لا تدين لى بشيء. بل أنا مسرور غاية السرور بنجاحك. اجلس، أيها الصديق القديم، ودعنى أسمع كيف حدث هذا كله وما الذى رأيته فى منزل جارناالمقابل، هناك فى قلب البلدان الحارة.”:‏

“حسن، سأقول لك.” قال الظل وهو يجلس. “لكن فى هذه الحالة، عدنى أنك لن تخبر أحداً، إن رأيتنى فى أى مكان هنا فى المدينة، أننى كنت ظلك. أنا أفكر بأن أتزوج. فلدى من السعة ما يكفى لأن أعيل عائلة”.‏

“لا تقلق، قال المتعلم “فلن أخبر أحداً من أنت حقاً. وأعاهدك على ذلك أجل أعدك والحر يفى بوعده”.‏

“وهكذا الظل.” قال الظل، معبراً بالطريقة الوحيدة الممكنة.‏

لقد كان شيئاً مدهشاً، حين تفكر كم كان الظل يشبه الكائن البشري. كانت ملابسه كلها سوداء مصنوعة من أفخر الأقمشة، وكان حذاؤه من الجلد المتين وقبعته تنثنى إلى الأعلى بطريقة التاج والحافة ـ هذا عدا عن الأختام. السلسلة الذهبية، والخواتم الماسية التى سبق وذكرناها، أجل، لم يكن ثمة شك فيه، فالظل كان غاية فى الأناقة، وذلك ما جعله رجلاً كاملاً.‏

“حسن، الآن ستسمع القصة الكاملة. قال الظل، داقاً بحذائه الجلدى المتين على كم الظل الجديد للرجل المتعلم الذى كان يستلقى ككلب مدلل عند قدميه. ولعله فعل ذلك بدافع الكبرياء، أو لأنه كان يأمل أن يجعله يلتصق بقدميه. لقد كان الظل يستلقى هناك ساكناً تماماً كارهاً أن يفتقد أى شيء، وقبل كل شيء كان يرغب فى أن يكتشف كيف يمكن للظل أن ينفصل عن صاحبه ويكسب الحق فى أن يكون سيد نفسه:‏

“من تحسب أننى وجدت هناك فى المنزل المقابل”؟ قال الظل “رائعة الروائع ربة الشعر‍! لقد مكثت هناك ثلاثة أسابيع، وكان ذلك يعنى وكأننى عشت ثلاثة آلاف سنة وأنا أقرأ كل ما تخيله الإنسان ودوّنه. صدقني، هكذا كان الأمر. لقد رأيت كل شيء وعرفت كل شيء”.‏

“ربة الشعر” هتف المتعلم “أجل… أجل فى المدن الكبيرة، هى دائماً تحيا مثل ناسك، ربة الشعر هذه! أجل، لقد لمحتها للحظة عابرة، لكن النعاس كان ملء عيني. هناك، على الشرفة كانت تنتصب متلألئة تلألؤ أنوار الشمال. تابع يا صديقى الطيب تابع كنت على الشرفة، ولجتَ الباب، ثم..؟”.‏

“وجدت نفسى فى حجرة الانتظار” قال الظل “فالغرفة التى كنت تتطلع إليها دائماً كانت حجرة انتظار ولم يكن فيها مصباح أو شمعة، بل فقط نوع من‏

نور الشفق.‏

كان بإمكانك أن ترى صفاً طويلاً من غرف مختلفة الأحجام، ساطعة الإنارة إلى درجة تبهر النظر لو أننى مضيت مباشرة إلى مخدع الشعر. لكننى كنت حذراً.. تريثت قليلاً كما ينبغى للمرء أن يفعل.”‏

“أجل، أنت بطيء الحركة، لكن ما تراك رأيت بعد ذلك؟” سأل الرجل المتعلم. “رأيت كل شيء، ولسوف تسمع ذلك كله ـ لكن فكر، أنا لست تابعاً لك أبداً ـ أنا مستقل، حسن الاطلاع عدا عن مركزى الجيد وعلاقاتى الممتازة ولسوف أكون أكثر امتناناً لك إن تخاطبنى بمزيد من الاحترام”.‏

“أوه! أرجو المعذرة! أجاب الرجل المتعلم” إنها قوة العادة فقط، تلك التى

لا أستطيع التخلص منها. أنت على حق. كل الحق؛ يا سيدى ولسوف آخذ هذا فى اعتباري. لكن، الآن، من فضلك.. حدثنى عن كل ما رأيت.”‏

“أجل، كل ما رأيت.” قال الظل “لأننى رأيت كل شيء وعرفت كل شيء.”‏

“كيف كانت الغرف الداخلية؟ ماذا تشبه؟” سأل الرجل المتعلم” هل كنت وكأنك فى غابات خضراء؟ أم فى ما يشبه كنيسة مقدسة؟ والصالات هل كانت أشبه بسماء تنيرها النجوم والمرء يقف على ذروة جبل؟‏

“كل شيء كان هناك” قال الظل “لكننى لم أستطع المضى إلى الداخل. بل مكثت فى ضوء شفق تلك الغرفة الأمامية، وكان مكاناً مناسباً خصيصاً لي، ذلك أننى رأيت كل شيء وعرفت كل شيء، لقد كنت فى حجرة الانتظار لبلاط ربة الشعر”.‏

نعم. لكن ماذا رأيت يا سيدي؟ هل كانت الآلهة القديمة تعبر بخطاها الواسعة تلك الصالات الكبيرة؟ هل كان أبطال لعصور القديمة يخوضون‏

المعارك هناك؟‏

هل كان الأطفال الأحباء يلعبون ثم قصوا عليك أحلامهم؟”‏

” أكرر، قد كنت هناك وعليك أن تفهم أننى رأيت كل شيء يُرى هناك.‏

لو أنك عبرت لما كنت ستصير رجلاً.. لكننى أنا صرت، كذلك تعلمت أن أعرف طبيعتى فى الصميم، مثلما تلقيتها عند ولادتي، قرابتى من ربة الشعر، لا.. حينما كنت معك لم أفكر بها لحظة واحدة لكن كما تتذكر عند كل شروق الشمسوغروبها، كنت دائماً أغدو أكبر وأكبر بل فى ضوء القمر كنت أنتصب دائماً وأنا أكثر وضوحاً منك.‏

فى تلك الأيام لم أكن أفهم طبيعتى الحقيقية، لكن هناك فى حجرة الانتظار، انبثقت فجأة أمامى ـ لقد كنت رجلاً.. وحين ابتعدت عنك، تغيرت، نضجت، لكنك فى ذلك الحين كنت قد تركت البلد.. وكرجل، خجلت من أن أتجول كما كنت أفعل. لقد كنت بحاجة لحذاء، لملابس، لكل ذلك المظهر البشرى الذى يتميز به الإنسان. لقد اتخذت لنفسى ملجأ ـ وأنا أصدقك القول لأنك لن تسجل ذلك فى كتاب مختفياً تحت تنورة امرأة تبيع الكعك دون أن تلحظ المرأة ما كانت تخفي. حين حل الظلام فقط غامرت بالخروج، جريت فى الشوارع هنا وهناك فى ضوء القمر، مددت نفسى على الجدار ـ وهو أمر يدغدغ ظهرك دغدغة ممتعة. إلى الأعلى والأسفل جريت، مبصبصاً عبر النوافذ العالية مختلساً النظر إلى غرف الطوابق الأرضية والغرف الواقعة تحت السقوف.‏

اختلست النظر حيث لا يستطيع أحد آخر أن يفعل ورأيت ما لم يره أحد  ولن يراه.

 والخلاصة.. أنه عالم وضيع واطئ، هذا العالم الذى نعيش فيه. أبداً ما كنت لأصير رجلاً، لو أن ذلك لا يعتبر عموماً أنه يستحق العناء لقد رأيت أغرب الأشياء تحدث بين النساء، الرجال، بين الآباء وأولادهم الأحباء. رأيت “أضاف الظل” ما لا يفترض بأحد أن يعرفه، لكن ما يموت الكل من أجل أن يعرفوه ـمشكلة فى المنزل المجاور.. لو كان لدى جريدة إذن لغدا لها الكثير من القراء! لكننى تعودت أن أكتب مباشرة للشخص، صاحب العلاقة. وان يدب الذعر حيثما أذهب. كانوا يرتعبون منى ـ و.. أوه! كانوا يولعون بي. أساتذة الجامعة نصبونى أستاذاً، الخياطون قدموا لى الملابس الجديدة، فصرت فى أحسن هندام. المسؤول عن سك النقود أعطانى المال والنساء بتن يتغزلن بى وبذلك صرت كما أنا الآن. حسن. الآن أستودعك الله. هذه بطاقتي. إننى أعيش فى الجانب المشمس من الشارع، وأنا دائماً فى المنزل وقت المطر.” قال الظل ذلك ثم غادر.‏

“كم هو غريب!!” قال الرجل المتعلم.‏

بعد حين من الزمن، عاد الظل فظهر.‏

“كيف الأمور؟” سأل الظل فتنهد المتعلم قائلاً أوه!! حسناً!!‏

إننى أكتب عن الحق والخير والجمال، لكن ما من أحد يبالى قيد شعرة بذلك كله، مما يجعلنى أشعر باليأس، لأنها تعنى كثيراً لي.”‏

“ذلك لا يزعجني..” قال الظل “لقد بدأت أسمن ـ وهو تماماً ما ينبغى على المرء أن يحاولـه. أنا أخشى أنك لا تفهم العالم، وأنك ستمرض. يجب أن تسافر. إننى مسافر هذا الصيف فهلا جئت معي. أنا أحب كثيراً أن يكون معى رفيق سفر. تعال معى كظلي! سأكون فى غاية السرور أن تصحبني، ولسوف أدفع نفقاتك.”‏

“لا، هذا كثير بالتأكيد” قال المتعلم.‏

“الأمر يتوقف على الزاوية التى تنظر منها” قال الظل “فالسفر يجعل عالمك كله سعداً وهناءة وإن كنت ظلى ستحصل على كل شيء فى رحلتك دون أن تدفع شيئاً.”‏

لا، بلغ السيل الزبى!” قال الرجل المتعلم.‏

“حسن، هذا ما توصلنا إليه اليوم وليس هناك من خط رجعة” قال الظل ثم مضى.‏

ساءت أمور الرجل المتعلم، فقد هده الهم والغم، بل أن أفكاره حول الحق والخير والجمال لم تجذب الناس إلا بقدر ما تجذب الورود البقرة.‏

فانتهى به الأمر لأن يسقط صريع المرض.‏

“انظر إلى نفسك، أنت لست أكثر من ظل” صار الناس يقولون لـه، مما جعله يرتعش دافعاً به إلى التفكير أكثر فأكثر.‏

“عليك أن تذهب وتأخذ المياه المعدنية فى مكان ما!” قال الظل الذى جاء يعوده ذات يوم. “ذلك هو الشيء الوحيد. ستأتى معى كرمى للأيام القديمة. سأتحمل عنك النفقات، فيما يمكنك أنت أن تدوّن أشعارى وتقوم بنوع من التسلية لى فى رحلتي. أريد أن أذهب إلى منتجع، لحيتى لم تنمُ كما ينبغى ـ وتلك علّة مزمنة أيضاً ـ فالمرء لا يُستحسَن بغير لحية. الآن، كن عاقلاً وقل إنك ستأتي. وبالطبع، سنسافر كصديقين”.‏

وهكذا سافرا! لكن الظل سيد والسيد ظل وهما دائماً معاً، فى العربة، على ظهور الخيل، على الأقدام، هما معاً جنباً إلى جنب، أو الواحد فى أثر الآخر طبقاً لموقع الشمس، فالظل كان يعلم دائماً كيف يتخذ مكان السيد، فيما كان الرجل المتعلّم لا يعطى الأمر أى اهتمام. لقد كان غاية فى الطيبة، نبيلاً وودوداً. ذات يوم، قال للظل: “بما أننا الآن نسافر معاً كندين، وبما أننا ترعرعنا منذ الطفولة معاً، ألا ينبغى أن نشرب نخب الصداقة؟ ذلك سيكون أكثر وداً وأحسن أنساً.”‏

“اسمح لى أن أقول لك” قال الظل الذى بات هو السيد الحقيقى “أنت تبدو بالغ الصراحة، وأنا على يقين أنك لا تقصد شراً، أنا أيضاً لا أقصد شراً ولسوف أكون صريحاً مثلك. إنك تعلم، كرجل متعلّم، كم هى طبيعة الإنسان غريبة عجيبة. بعض الناس لا يمكنهم أن يتحملوا ملامسة ورقة رمادية. ذلك يقلب مزاجهم. آخرون تقشعر أبدانهم إن تحك مسماراً بلوح من زجاج. وهذا تماماً ما أحس به حين تحدثنى بنبرة الند والألفة. إننى أشعر وكأننى ارتددت إلى مكانتى الوضيعة الأولى بالنسبة إليك. هى ليست كبرياء طبعاً، لكن هذا فقط ما أحس به. لهذا السبب لا أستطيع أن أسمح لك برفع الكلفة معي، إلا أننى أرغب تماماً فى أن أتساهل معك قليلاً علّنا نلتقي، أنا وأنت، فى منتصف الطريق بالنسبة إلى رفع الكلفة.‏

لكن، منذ تلك اللحظة بدأ الظل يعامل سيده السابق على أنه الأدنى مكانة.”إنه نوع من الانحدار حقاً”، فكّر الرجل المتعلم “أن تضطر لمناداته “سيدي” فيما يحق لـه أن ينادينى ما يشاء”. مع ذلك كان عليه أن يتكيف مع الأمر.‏

بعد برهة وجيزة وصلا إلى المنتجع حيث كان هناك كثير من الزائرين.‏

من بينهم أميرة حسناء، كانت تشكو من حدّة البصر، وكان ذلك يقلقها أشد الإقلاق.‏

فى الحال لاحظت الأميرة أن القادم الجديد يختلف كل الاختلاف عن الآخرين جميعاً، “يقولون إنه جاء كى يجعل لحيته تنمو. لكننى أعرف السبب الحقيقي. هو لا يستطيع أن يكون لـه ظل”.‏

ولقد أثار ذلك فضولها، لهذا لم تُضع الوقت إذ سرعان ما قامت بجولة مع السيد الغريب وتحدثت معه. ولأنها أميرة، لم تكن مضطرة لأن تتكلف وتتصنّع بل قالت مباشرة لـه… “مشكلتك أنك ليس لك ظل…”‏

“سمو الأميرة يجب أن تكون أفضل بكثير “قال الظل” أنا أعلم أن ما تعانين منه هو أنك ترين بحدة ووضوح أكثر مما يلزم، لكن شكوكك هذه ولّت ـ لقد شفيت.‏

الحقيقة أن لدى ظلاً غير مألوف على الإطلاق. ألم تلحظى الشخص الذى يصحبنى دائماً؟ الناس الآخرون لهم ظلال عادية. لكن، أنا لا أحب كل ما هو عادي. السيد النبيل يعطى خادمه من الملابس أحسن مما هو يلبس وهذا هو السر فى أننى جعلت ظلى يظهر ككائن بشري. أجل… انظري.. لقد أعطيته ظلاً أيضاً. ولقد كان أمراً مكلفاً لكننى أحب أن يكون لى ما لا يستطيع غيرى امتلاكه أبداً”.‏

“يالله!” فكرت الأميرة “أشفيت أنا حقاً؟… منتجع المياه المعدنية هذا أفضل منتجع فى الوجود. الماء هنا ذو خصائص مدهشة. لكننى لن أرحل عنه لقد بدأ المكان يسليني. وهذا الغريب يروق لى كثيراً. آمل أن لا تنمو لحيته فحينذاك سيرحل على الفور”.‏

فى القاعة الكبيرة. رقصت الأميرة ذلك المساء مع الظل، لقد كانت خفيفة، لكنه كان أكثر خفة، بل هى لم تعرف قط مراقصاً بخفته. لقد حدثته عن بلادها فتبيّن أنه يعرفها بل سبق لـه أن زارها وهى بعيدة عنها، كما اختلس النظر عبر نوافذها وشاهد ما شاهد فيها إلى درجة جعلته قادراً أن يجيب الأميرة وأن يمرر تلميحاً هنا وتلميحاً هناك مما أدهش الأميرة. لابد أنه أحكم رجل فى العالم، فكرت الأميرة، وكبر احترامها لـه لشدة ما كان يعلم. بعدئذ رقصا معاً مرّة ثانية فوقعت فى غرامه ـ الأمر الذى كان واضحاً للظل كل الوضوح ـ إذ باتت لا تكاد ترى شيئاً إلا من خلاله. بعد ذلك، قاما برقصة أخرى، فأوشكت أن تقول لـه ـ لكنها ضبطت نفسها أخيراً. لقد تذكرت بلادها ومملكتها وكل الناس الذين كانت ستحكمهم. “إنه رجل حكيم” قالت لنفسها “وهذا أمر حسن. هو يحسن الرقص، وهذا أمر حسن أيضاً، لكننى أتساءل إلى أى مدى تصل معرفته، إنه أمر بالغ الأهمية أيضاً، لهذا لابد من إخضاعه لامتحان، وهكذا بدأت بالتدريج تطرح عليه أصعب الأسئلة. مما لا تستطيع هى نفسها الإجابة عنه، فطغت على سيماء الظل علائم الاستغراب والفضول.‏

“لا تستطيع الإجابة!” هتفت الأميرة.‏

“لقد تعلمت ذلك وأنا فى الحضانة” قال الظل “بل حتى ظلى هناك قرب الباب يمكنه الإجابة على ما أعتقد”.‏

“ظلك!” قالت الأميرة “سيكون ذلك مدهشاً للغاية” حسن، لن أقول من المؤكد أنه يستطيع، قال الظل “لكننى أتصور ذلك. لقد أمضى معى سنوات كثيرة، مصغياً لى طوال الوقت ـ أتصور أنه يستطيع، لكن. يمكننى أن ألفت انتباه سموّك إلى أمرواحد: كثير من الكبرياء تعتوره حين ينتقل إلى الكينونة البشرية، ولكى نحافظ على مزاجه المناسب (وهو أمر لابد منه إذا أردنا أن يجيبنا الإجابة الصحيحة) لابد من معاملته معاملة الكائن البشرى تماماً”.‏

“أود ذلك”..‏

بعدئذ مضت إلى الرجل المتعلم قرب الباب، ثرثرت معه قليلاً حول الشمس والقمر والناس، فى الداخل والخارج على السواء، فكانت أجوبته فى غاية الدقة والصحة.‏

“أى رجل هذا الرجل إن كان ظلّه فقط على هذا النحو من الحكمة والعقل!” فكرت الأميرة” وأية نعمة ستحل بشعبى ومملكتى إن اخترته زوجاً لي. لأفعلن ذلك”.‏

وسرعان ما توصلا، الأميرة والظل، إلى تفاهم، على ألا يسمع به أحد إلى أن تعود إلى مملكتها. “لا أحد، ولا حتى ظلي” قال الظل، ولقد كانت لديه أسبابه كى يقول ذلك، أخيراً وصلا إلى البلاد التى كانت الأميرة تحكمها، صارت فى الوطن.‏

“اسمع يا صديقي” قال الظل للرجل المتعلم” الآن أصبح سعيداً وقوياً كما يمكن للرجل أن يكون. الآن أود أن أفعل شيئاً خاصاً لك. إذ عليك أن تعيش معى فى القصر باستمرار، تسوق بى العربة الملكية ولك عشرة آلاف جنيه فى السنة. لكنعليك أن تدع الجميع ينادونك بـ”الظل”. عليك أن لا تقول أبداً أنك كنت رجلاً، ومرّة واحدة فى السنة، حين أجلس فى الشرفة تحت الشمس كى أعرض نفسى للشعب، عليك أن تستلقى عند قدمى مثلما تفعل الظلال. دعنى أخبرك ـ سأتزوج الأميرة، العرس هذا المساء”.‏

“يا لله!” قال الرجل المتعلم” ماذا يمكن أن يكون أسوأ من هذا؟ لا، لا، لن أفعل ذلك، نحن نخدع البلاد كلها، نخدع الأميرة والناس جميعاً، سأخبرهم بكل شيء ـ سأقول إننى أنا الرجل وأنت الظل وأنك فقط تظهر بمظهر الرجل”.‏

“لن يصدقك أحد”. قال الظل “كن عاقلاً أو دعوت الحرس”.‏

سأذهب مباشرة إلى الأميرة، قال الرجل المتعلم “لكننى سأذهب قبلك”. قال الظل “ولسوف تذهب إلى السجن” ولقد ذهب، ذلك أن الحرس أطاعوا من كانوا يعلمون أن الأميرة تريد أن تتزوجه.‏

“أنت ترتعش” قالت الأميرة حين جاء إليها الظل… هل حدث شيء؟ يجب ألا تمرض هذه الليلة. ليلة زفافنا”.‏

“لقد مررت بأسوأ تجربة” قال الظل “تصورى فقط ـ وبالطبع، دماغ ظل بائس كذلك الظل، لا يستطيع تحمّل الكثير.. تصوري، ظلى أصيب بالجنون. هو يفكر أنه هو الرجل وأننى – فقط تصورى – أننى ظله”.‏

“مريع!” صاحت الأميرة “أرجو أن يكون فى موضع يؤمن شرّه!”.‏

“أجل… أجل… وأخشى أنه لن يشفى أبداً”.‏

“يا للظل المسكين!!” قالت الأميرة “كم هو بائس الحظ!! سيكون لطفاً منا أن نخلصه من هذه البقية البائسة من حياته! الآن توصلت إلى فكرة مناسبة أعتقد أن ما يجب فعله ـ هو تصفيته بكل هدوء.‏

“يبدو ذلك قاسياً” قال الظل.. فقد كان نعمَ الخادم المخلص.” وأطلق نوعاً من التنهيدة.‏

“أنت رجل نبيل” قالت الأميرة.‏

فى الليل، كانت المدينة كلّها متلألئة الأنوار. المدافع أطلقت ـ بو…م!  والجنود قدموا الأسلحة، وبدا العرس وكأنه بلا نهاية. خرجت الأميرة والظل إلى الشرفة كى يراهما الناس وكى يتلقيا دفعة أخرى من هتافات الإعجاب والاستحسان ـ هـ… ي… هـ… ي!!.‏

لكن الرجل المتعلّم لم يسمع شيئاً من هذا كلّه، إذ كان قد أعدم من قبل.‏

النهاية

 

[1] –  ولد هانز كريستيان أندرسن فى أودنسه فى الدنمارك يوم 2 أبريل 1805، ظهر خيال أندرسن منذ طفولته، وهى صفة نماها فيه تدليل أبويه له  واعتقاد أمه بالخرافات. صنع أندرسن لنفسه مسرحا صغيرا لعبة وأمضى وقته فى قراءة كل المسرحيات التى تطالها يداه؛ ومن ضمنها مسرحيات لدفج هولبرج وويليام شكسبير. كان أندرسن طوال طفولته شغوفا بالأدب، حيث كان معروفا عنه أنه يحفظ عن ظهر قلب مسرحيات كاملة لشكسبير  وأنه كان يرويها مستخدما عرائسه الخشبية كممثلين. وفى عام 1872 سقط أندرسن من فراشه و أصيب بشدة ولم يتعاف من هذا الحادث بشكل كامل إلا أنه عاش حتى يوم 4 أغسطس 1875 حيث مات بسلام فى بيت اسمه روليغد ومعناها حرفيا السكينة، بالقرب من كوبنهاجن، عند وفاته كان هانز أندرسن كاتبا شهيرا ومعروفا عالميا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *