الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الإدراك (112) عودة إلى “اضطرابات الإدراك” (12 من ؟)

الأساس: الإدراك (112) عودة إلى “اضطرابات الإدراك” (12 من ؟)

نشرة “الإنسان والتطور”3-2-2013_1

الأحد: 10-2-2013

السنة السادسة

العدد:   1990

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (151)

  الإدراك (112)

عودة إلى “اضطرابات الإدراك” (12 من ؟)

المقدمة:

آن الأوان أن أرجع – صاغرا – إلى تناول بقية اضطرابات الادراك التى كنا قد بدأناها فى نشرة العدد 1782، وهى الجزء (54) من ملف “الإدراك” الذى هو جزء من سلسلة الافتراضات الأساسية (فى الطب النفسى) رقم 93 مع أننى أتوقع أن يكون المتابع، خاصة من الأطباء النفسيين قد نسى أننا نتكلم عن الطب النفسى والعلاج النفسى أصلا.

كنت قد بدأت منذ تلك النشرة الباكرة فى عرض حل منهجى للخروج من مأزق تقديم ما كتبته قديما فى الموضوع (1994) مع ما استُحدث من خبرة ومعارف، بعد أن تراجعت – مع سبق الاصرار – عن نشر نفس النص باللغة الانجليزية (مع أنه جاهز) حرصا على عدم التوقف أو مزيد من الإبطاء، إلا أننى بعد عدة نشرات ضجرت من هذا العرض التقليدى لمعلومات فاترة مهما بلغت حدّة وأهمية الإضافات اللاحقة، وكنت قد عرضت فى هذه النشرة فالنشرات التى تلتها (نشرة 17/7/2012- العدد 1782 “اضطرابات الإدراك 1) ما تيسر عن “حدّة الادراك”، “وفتور الادراك”، “وتشويه الإدراك”، ثم أتْبَعْتُ ذلك بتقديم اضطرابات العملية الادراكية (نشرة 18/7/2012 – العدد 1783″اضطرابات الإدراك 2)، ثم “الوهل”، وبعد ذلك انتقلت وأنا مغيظ مثابر إلى “الهلوسة” فأتيحت فرصة للتحديث أكبر قليلا، وفجأة – ليس تماما فجأة – وجدت نفسى فى مواجهة الفرض الاساسى الذى وضعنا أمام ماهية “العين الداخلية”“والواقع الداخلى” و“الإدراك خارج الحواس”، لأن كل ما سبق من اضطرابات – تقريبا – كان يتعلق باضطرابات الادراك “الحسى” اساسا.

بمجرد أن وجدت نفسى فى بؤرة الخبرة المهنية (نشرة 1789 – سلسلة الادراك 56  حيرة منهجية، وعينات إكلينيكية)، بدأت فى تحوير المنهج قليلا فى محاولة التخلص من وصاية “المتن” القديم، فانحرف بنا المسار – والحمد لله – إلى ما انحرف إليه طوال خمس وخمسين نشرة بالتمام والكمال.

انتهت هذه النشرة الباكرة (56) كما يلى:

“المهم أننا نحاول أن نؤكد ضرورة أن نبدأ من الخبرة، ومن احتمال صدقها قبل أن نسارع بالحكم عليها وهذا يلزمنا بتناول التفكيك فى الابداع فى مقابل التفكيك فى المرض فى الوقت المناسب، (ولم يذكر فى هذه النهاية موضوع “الحلم”) لكن لم يكن من الممكن الحديث عن التفكيك دون العودة إلى الحلم وفروضه بكل ما لها وما عليها حتى وصلنا إلى لمحات مقارنة بين الحلم والجنون والابداع فى نشرة الاسبوع الماضى (نشرة 3-2-2013 الإدراك والحلم والشعر والجنون 11 من ؟).

وهاأنذا أعود لاستكمال الموضوع الأصلى – ضد مقاومة شديدة – بدءًا من اليوم، والحمد لله على كل حال.

‏تقسيم‏ ‏وأنواع‏ ‏الهلوسة‏: ‏

يمكن‏ ‏تقسيم‏ ‏الهلاوس‏ ‏من‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏منطلق‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى:‏

أولا‏: ‏من‏ ‏حيث‏ ‏الأصالة‏‏

‏1– ‏هلوسة‏ ‏راسخة‏ (‏مغتربة‏):هى ‏علامة‏ ‏خبرة‏ ‏أصيلة‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏إدراك‏ ‏حسى مع إقرار أن ‏مصدره‏ هو ‏العالم‏ ‏الخارجى‏، تأتى (باعتبارها) ‏من‏ ‏بُعْدٍ‏ ‏خارج‏ ‏الذات‏، ‏رغم‏ ‏انعدام‏ ‏المثير‏ الخارجى ‏فى ‏الواقع‏، ‏وليس معنى أنها تأتى من خارج الذات أن أصلها هو فعلا خارجها، لا شىء يأتى من خارج الذات، فهى – فى النهاية: عبارة‏ ‏عن‏ ‏إدراك‏ ‏الموضوعات‏ (الأشخاص والأحداث والمعلومات) ماثلة عيانية – بعد أن تكون قد أسقطت خارجها، فهى تدرك حينئذ ‏على ‏أنها‏ ‏قادمة‏ ‏من‏ ‏العالم‏ ‏الخارجى، وأيضا  ‏على ‏مسافة‏ – تبدو موضوعية –  ‏من‏ ‏الذات.

* الحديث عن “الإسقاط”  كمسلمة آلية تمثل حيلة من أشهر الحيل (الميكانزمات) النفسية وأكثرها تواترا يحتاج وقفه، ليس فقط أمام طبيعة هذه الحيلة، وإنما بما يمكن أن ينطبق على سائر الميكانزمات مما لن نستدْرج إليه حالا. الحديث عن الاسقاط يبدو لأول وهلة أنه ينتمى إلى ما هو نفسى بحت، أى أنه بعيد تماما عن ما هو “عصبى” أو “بيولوجى” وذلك بالنسبة لمن لا ينتمى بقدر كاف للعلم المعرفى النفسى cognitive Neuroscience، ولكن الأمر ليس كذلك:

الاسقاط هو أن تسقط ما بالداخل – خاصة مما لا تريد الاعتراف به فترغب فى نفيه أو إنكاره – إلى الخارج، أى باعتبار أنه حقيقة خارجية، فى الآخرين أو فى الواقع الخارجى وليس فيك أنت ولا داخلك (نعيب زماننا والعيب فينا…الخ)، ليكن، إلا أن هذا الميكانزم هو من فعل آليات الادراك، ربما فى حدود آليات معالجة المعلومات، وهو يحدث فى حدود السواء كما يحدث من الشخص العادى (فهو ميكانزم شديد التواتر فى الحياة العادية) أو كما يحدث فى المرض فى أعراض كثيرة أشهرها الهلاوس والضلالات.

 لكن كيف نفهم طبيعة الاسقاط من خلال ما تبين لنا من أبعاد الإدراك وبعد طرح كل هذه الفروض؟

إن مجرد احترام فرض “العين الداخلية” يسمح لنا بتغيير موقفنا من الإسقاط، لنكنشف أنه يشير أساسا إلى مجرد فقد البصيرة فيما يجرى فى حقيقتنا الداخلية كمصدر لمداركنا وآرائنا الخارجية، بمعنى أن المريض (والشخص العادى) بدلا من أن يعترف بأنه رأى (مثلا) ما رأى فى الواقع الداخلى، ينكر ذلك تلقائيا، وقد يضطر أن يسقطه إلى الخارج ليراه بالعين (الخارجية) الحاسّة (من الاحساس) كما اعتاد، وكما اعتاد الناس منه ومنهم، إنها آليات يقوم بها المخ البشرى فى الحلم والابداع والشعر على حد سواء، وفى حين تكون البصيرة لاحقة فى الحلم، فهى تكون حاضرة مؤتلفة جزئيا فى الابداع، لكنها تكون غائبة فى المرض فى حالة الهلوسة خاصة (وأيضا فى كثير من حالات العادية) (نشرة 24-4-2012 الإدراك 30 “البوابة المعرفية الأولى وفتح ملف العين الداخلية”).

ثم نعود إلى المتن الباكر (1994) لتقسيم أنواع الهلاوس فنبدأ بما يلى:

2- ‏الصورة‏ ‏التخيلية‏ (‏كما‏ ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏هلوسة‏): ‏هى ‏تصور‏ ‏خيالى ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الحكى عن حضور خيال مجسد على أنه واقع مرأى/مسموع أحيانا، ‏كأنه‏ ‏قصة‏ ‏خيالية‏، ‏أكثرمنه‏ ‏خبرة‏ ‏حسية‏ ‏مباشرة‏، ‏وتبدو‏ ‏الأحداث‏ ‏متخلـقة‏ ‏من‏ ‏الذات‏ ‏وداخل‏ ‏ساحتها‏، ‏و‏‏هى ‏مرتبطة‏ ‏بنوع‏ ‏آخر‏ ‏من‏ ‏الإرادة‏، ‏لأنها قد‏ ‏يمكن‏ ‏استدعاؤها‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏مثلما‏ ‏ذكرنا‏ ‏حين‏ ‏يستدعى ‏الشخص‏ ‏المخاوى ‏زوجته‏ ‏أو‏ ‏رفيقته/من الجان‏ ‏عند‏ ‏الطلب‏، (ربما بعد أن يخفف ضوء الحجرة وقبيل النوم) ، وأحيانا وهو مغعض العينين.10-2-2013_2

حين يحكى المريض (وأحيانا السليم إذا ما كانت ثقافته الفرعية تسمح بذلك) أنه يرى شخوصا أو أشباحا أو جانا يحادثونه ويجادلونه تفصيلا، أو يطلبون طلبات معينة، فإنه يحكى ذلك باقتناع ويقين، لكن السامع (خاصة الفاحص الخبير) يدرك بسهولة أن هذا الحكى هو حكى من منظومة معقلنة، وليس استجابة لإدراك معيش وخبرة حية قائمة، ويكون الحكى عادة محكما ومسلسلا ومنطيقا وكل ما يعيبه بعده عن الواقع وأيضا عدم مشاركة المحيطين فيه.

وكلما كان الوصف محكما وراسخا ومسلسلا كنا أقرب إلى هذا النوع من التخيل وبالتالى إلى الصورة التخيلية وليس إلى الهلوسة.

3- ‏الهلوسات‏ ‏البصيرية‏: فى التصنيف التقليدى، إذا ما كان المريض يعيش خبرة إدراك ما لا يوجد فى العالم الخارجى، وفى نفس الوقت يعرف أن هذا قد لا يكون حقيقة ثابتة، وأنه قد يكون نتيجة لمرضه، أو لأى سبب لا يعرفه، فإن “التصنيف التقليدى” يصنفه تحت مسمى “هلوسات زائفة Pseudo Hallucinationمع أن واقع الممارسة تؤكد أنها بهذا الشكل ومع هذه البصيرة هى خبرة إدراك حقيقية، فهى أبعد ما تكون عن الزيف، كل ما فى الأمر أن بصيرة المريض تكون سليمة لدرجة أنه يدرك أنها إحساسات ليس لها ما يؤكدها فى الواقع الخارجى لكنها إحساساته فإدراكاته بكل معنى الكلمة، وذلك نتيجة لسلامة بصيرته10-2-2013_3 برغم العملية المرضية، يحدث هذا خاصة فى بدايات العمليات الذهانية، وفى الأطور النشطة للمرض. لهذا رفضت – كما رفض سيمز Sims – أن تسمى “زائفة” فى حين أن النوع السابق (الصور التخيلية) هى المؤلفة من الخيال وليس من الإدراك، لهذا قمت بنحت هذا الأسم لها: “هلوسات بصيرية” Insightful Hallucination للتأكيد على أنها هلوسات حقيقية برغم البصيرة السليمة.

إذن فالهلوسات البصيرية هى ‏إدراك‏ ‏حقيقى‏، ‏لكنه‏ ‏إدراك‏ ‏الداخل‏. ‏وقد يقر‏ ‏المريض‏ ابتداءً ‏أنها‏ ‏ليست‏ ‏واقعا خارجيا‏، ‏لكنه‏ ‏يعايشها‏ ‏خبرة‏ ‏جادة‏ ‏عميقة‏. ‏وقد يرجح‏ ‏طبيعتها‏ ‏المرضية‏، ويقر أنها هلوسة، ويراها كذلك رأى العين، ومن السهل أن يوافق أنها داخلية، لكنها خبرة حية تماما.

هذا‏ ‏النوع‏ ‏يمثل‏ ‏الإدراك‏ ‏المباشر‏ ‏للعالم‏ ‏الداخلى ‏بواسطة‏ ما يسمى ‏العين‏ ‏الداخلية‏، ‏وبالتالى ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏أن‏ ‏يعتبر‏ ‏مرضا‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط‏، ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الإدراك‏ ‏مغتربا‏ ‏عن‏ “واحدية‏” ‏الذات‏، ‏وظل‏ ‏هذا‏ ‏الاغتراب‏ ‏دون‏ ‏تمثل‏ ‏حتى ‏أعاق‏، ‏أو‏ إذا ‏أسقطت‏ ‏الخبرة‏ ‏إلى ‏العالم‏ ‏الخارجى وعتمت البصيرة‏. ‏وقد‏ ‏ناقشنا‏ ‏مبررات‏ ‏اقتراح‏ ‏تسميتها‏ ‏وما‏ ‏يحمله‏ ‏الاسم‏ ‏من‏ ‏تناقض‏، ‏كما‏ ‏أشرنا‏ ‏إلى ‏فائدة‏ ‏فصلها‏ ‏عن‏ ‏الصورة‏ ‏التخيلية‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وعن‏ ‏الهلوسة‏ ‏التقليدية‏ ‏المغتربة‏ ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى.

10-2-2013_4

جدول يبين الفروق بين الهلوسة كما شاعت تقليديا،

 والهلوسة البصيرية، ثم الصور الخيالية

بُـعد الأصالة (الخبرة الحقيقية مقابل الصناعة المتخيلة) فى الهلاوس
  الهلوسة التقليدية الهلوسة البصيرية الصورة (الخيالية)
 

الاضطراب الأساسى

فى الإدراك

الحسى

فى تنشيط إدراك الداخل (العين الداخلية) الإدراك + فرط الدراية فى إعمال الخيال (المعقلن) و الإسقاط والانشقاق
(الموقع)

(الواقع وبدائله)

تبدو خارج الذات على مسافة

 

تبدو داخل الذات أو خارجها مع الاعتراف بطبيعتها واحتمالات اللاسواء فيها، فهى موضوعية بالمعنى الأعمق تتخلق فى مساحة ذاتية من الخيال الخالص، مثل تكوين المفهوم، لكن بدلا من المفهوم بتكون خيال صرْف، مع اليقين عادة بوجودها.

 

دور الإرادة ليس لها دور ظاهر

(إلا فى الإمراضية تفسيرا)

الإرادة الداخلية أكثر نشاطا وتقترب أكثر من الوعى الظاهر مع العلاج المكثف جاهزة عادة وخفية، بعد ميل طفيف فى الوعى دون قصد طبعا

 

تفاعل المريض

 

متوقف على نوعها متسقة – أم عسرة ،، إلخ مندهش مستكشف قد ينزعج، جاهز للنقد والمراجعة متوقف على نوعها جنسية – عقابية.. إلخ

 

الأساليب والميكانزمات الغالبة الإسقاط – الانشقاق – الاغتراب التعتعة  – فرط الدراية التخيل – الانشقاق – تحقيق الرغبة ….الخ

 

وبعـد

أختم هذه النشرة اليوم مرغما لأننى أحس بضيق شديد من الحكى هكذا، وأكتفى بعرض جدول فيه معظم التقسمات اللاحقة التى خطرت لى فى المحاولة الباكرة، طالبا الرأى هل أستمر فى هذا السبيل برغم كل هذه المقاومة؟ أم ماذا؟

شكرا

تقسيم الهلوسات

من حيث الأصالة العلاقة بعضو الإحساس من حيث الوعى العلاقة بالوجدان
راسخة (حقيقة)

صورة (تخيّلية)

بصرية

(فى وعى يقظ)

بصرية

سمعية

شمية

لمسية

ذوقية

حشوية

حسية أعمق

هـ. الوسن

هـ. قبيل اليقظة

هـ. مع الهذيان

هـ. مع الانشقاق

متسقة مع انفعال شديد (عادية)

متسقة مع المزاج

غير متسقة مع المزاج

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *