الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: قراءة فى النفس البشرية (2) (من واقع ثقافتنا الشعبية)

الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: قراءة فى النفس البشرية (2) (من واقع ثقافتنا الشعبية)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 17-10-2018

السنة الثانية عشرة

العدد: 4064

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

قراءة فى النفس البشرية (2)

(من واقع ثقافتنا الشعبية)  (1)

نواصل اليوم نشر الجزء الثانى من مقالة الأربعاء الماضى بتاريخ  9-10-2018

 

صورة نشرة 10-10-2018

 عـِتـِبـْت‏ ‏عالوقت‏ ‏قالـّلــِى ‏الوقت‏: ‏إيه‏ ‏مالك

عـَمـّال‏ ‏بتبكى ‏من‏ ‏الأيام‏، ‏إيه‏ ‏مالكْ

اللى ‏جرالك‏ ‏يكون‏ ‏فى ‏الأصل‏ ‏إِهـْمالـَـكْ

عتبت‏ ‏ع‏ ‏الوقت‏ ‏قال‏ ‏لى ‏الوقت‏: ‏وَنَـا‏ ‏مالي

أنا‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏اعطيك‏ ‏تفضـِّى ‏الجيب‏، ‏وانا‏ ‏مالى (2)

إعمل‏ ‏لنفسك‏ “‏قانون” ‏وى بطـّل‏ ‏اهـْمالـَـكْ

“……………………..

‏المذكرة‏ ‏التفسيرية‏ للقانون:‏

‏1- ‏بالنسبة‏  ‏للمادة‏  ‏الأولى (‏الحسم‏ ‏والوضوح‏):‏

فقد‏ ‏سبق‏ ‏أن‏ ‏أوردنا‏ ‏ما‏ ‏يؤكد‏ ‏ضرورة‏ “‏الحسم” ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏الواقع‏ ‏مؤلما‏ ‏أو‏ ‏جاثما‏ ‏وقد‏ ‏استشهدنا‏ ‏بالمثل‏:‏

“‏اللى ‏بـِدَّك‏ ‏تمضيه‏ ‏اقضيه

واللى ‏بدك‏ ‏ترهنه‏ ‏بيعه

واللى ‏بدك‏ ‏تخدمه‏ ‏طيعه”‏

وبالنظر‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏المثل‏- ‏فإننا‏ ‏نأتنس‏- ‏تفسيرا‏ ‏للمادة‏ ‏الأولي‏- ‏بالتأكيد‏ ‏على ‏الحسم‏ ‏والوضوح‏ “‏الآن” ‏وليس‏ ‏بعد‏، ‏لكننا‏ ‏نحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏مؤلمة‏ ‏أمام‏ “‏إللى ‏بدك‏ ‏تخدمه‏ ‏طيعه” ‏فلماذا‏ ‏أخدمه‏ ‏ولماذا‏ ‏أطيعه؟‏ ‏وأى ‏حسم‏ ‏فى ‏هذا؟

فى ‏البداية‏ ‏نرى – ‏كما‏ ‏ذكرنا‏ ‏سابقا‏- ‏أن‏ ‏الاعتراف‏ ‏بالضعف‏ ‏هو‏ ‏الطريق‏ ‏إلى ‏القوة‏، ‏وأن‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏ينافس‏ ‏أباه‏ ‏إبتداء‏ ‏ودائما‏، ‏لا‏ ‏ينمو‏ ‏أصلا‏، ‏وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏الأمر‏ ‏الواقع‏ ‏الذى ‏يفرض‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏معنى ‏الخدمة‏ ‏هى ‏الطاعة‏ ‏المعلنة‏، ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏لطبيعة‏ ‏علاقة‏ ‏صعبة‏ ‏وظالمة غالبا‏، ‏لكن‏ ‏هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏هو‏ ‏بداية‏ ‏حركة‏ ‏جدلية‏ ‏تتجاوز‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الصعوبة‏، ‏وهذا‏ ‏الإعلان‏ ‏هو‏ ‏ضد‏ ‏العبودية‏ ‏السرية‏، ‏وأوهام‏ ‏المساواة‏، ‏فطاعة‏ ‏العبد‏ ‏للسيد‏ ‏إذا‏ ‏امتدت‏ ‏إلى ‏مداها‏، ‏فهى ‏إنما‏ ‏تحيى ‏الجدل‏ ‏الهيجلى ‏”جدل‏ ‏العبد‏ ‏والسيد”‏، ‏وحين‏ ‏يتألم‏ ‏التابع‏ ‏من‏ ‏التبعية‏، ‏لابد‏ ‏وأن‏ “‏يخطط” ‏للتخلص‏ ‏منها‏، ‏وفى ‏مثل‏ ‏تطبيقـى‏: ‏تصورت‏ ‏أننا لو‏ ‏اعترفنا‏ ‏بطبيعة أعباء‏ ‏المعونة‏ ‏الأمريكية من البداية -‏ (‏وقبل‏ ‏ذلك‏ ‏السوفيتية‏)- ‏إعترافا‏ ‏صعبا‏ ‏شريفا‏، ‏لما‏ ‏صرفنا‏ ‏مليما‏ ‏فى ‏إستهلاك‏ ‏أو‏ ‏رفاهية‏، ‏بل‏ ‏فى ‏إنتاج‏ ‏وبناء‏، ‏وهنا‏ ‏تصبح‏ ‏الطاعة‏ ‏مبعث‏ ‏الألم‏ ‏البانى ‏دون‏ ‏الإختباء‏ ‏تحت‏ ‏لافتات‏ ‏التعاون‏ ‏الدولى ‏وتبادل‏ ‏المصالح‏، ‏وهذا‏ ‏الألم‏ ‏هو‏ ‏الخليق‏ ‏بأن‏ ‏ينبه‏ ‏التابع‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يوجه‏ ‏قرش‏ ‏السيد أو الدائن‏ ‏إلى ‏تحريره‏ ‏لا‏ ‏إلى ‏تخديره‏، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يقوله‏ ‏ناسنا‏ ‏سبقا‏ ‏لكل‏ ‏علوم‏ ‏الإقتصاد‏ ‏المستحدثة‏:‏

إداين‏ ‏وازرع‏ ‏ولا‏ ‏تداين‏ ‏وتبلع

‏2- ‏بالنسبة‏  ‏للمادة‏ ‏الثانية‏: (‏الممكن‏  ‏المتاح‏:  ‏للقادر‏  ‏الواثق‏)‏

‏ ‏لعل‏ ‏أصعب‏ ‏ما‏ ‏يعلمنا‏ ‏إياه‏ ‏المثل‏ ‏الشعبى،  ‏هو‏ ‏هذا‏ ‏التواضع‏ ‏فى ‏المطالب‏، ‏الذى ‏لا‏ ‏يبرره‏ ‏ولا‏ ‏يؤمّـنه‏ ‏إلا‏ ‏الوثوق‏ ‏بالقدرة‏ ‏المتنامية‏، ‏وحسن‏ ‏توجه‏ ‏الحركة‏، ‏مع‏ ‏اليقين‏ ‏بوصول‏ ‏الحق‏ ‏لأصحابه‏، ‏وفى ‏هذا‏ ‏يبدو وكأن‏ “‏المثل‏ ‏الشعبى” يتعارض ‏مع‏  ‏فعل‏  ‏الشعر‏: ‏فى ‏اتجاهه‏ ‏لاختراق‏ ‏المستحيل‏، ‏ولكنه‏ ‏تعارض‏ ‏مظهرى ‏ومرحلى،  ‏فقبول‏ ‏الممكن‏ ‏ليس‏ ‏بديلا‏، ‏عن‏ ‏طلب‏ ‏المستحيل‏، ‏ولكنه‏ ‏استعداد‏ ‏لخوض‏ ‏غمار‏ ‏المسئولية‏ ‏بقوة‏ ‏متنامية‏، ‏والأمثلة‏ ‏المؤكـِّدة‏ ‏لذلك‏ ‏التفسير‏ ‏تتواتر‏ – ‏كما‏ ‏سبق‏ ‏الإشارة‏ ‏إليها‏- ‏بلا‏ ‏حصر‏، ‏خذ‏ ‏عندك‏، ‏مثلا‏:‏

‏1-‏ إلعب‏ ‏بالمجرى (3) ‏لما‏ ‏يجيلك‏ ‏البندقي‏.‏

‏2- ‏إلعب‏ ‏بالمقصوص‏ ‏لما‏ ‏يجيلك‏ ‏الديواني

‏3- ‏تجمـَّــز‏ ‏بالجـِــمـِّيز‏ ‏حتـى ‏يأتيك‏ ‏التين‏ (4)

ولابد‏ ‏أن‏ ‏نلاحظ‏ ‏كلمة‏ “‏إلعب” ‏فى ‏المثل‏ ‏الأول‏ ‏والثانى،  ‏فهى ‏ليست‏ ‏كلمة‏ “‏رضا” ‏أو‏ “‏توقُّف”، ‏ولكنها‏ ‏حركة‏ ‏شطارة‏  ‏وتيقظ‏، ‏أما‏ ‏كلمة‏ “‏تجمَّز” ‏فهى ‏منحوتة‏ ‏بلا‏ ‏معنى ‏محدد‏ ‏لتترك‏ ‏لك‏ ‏أن‏ ‏تسقط‏ ‏عليها‏ ‏ما‏ ‏تشاء‏ ‏من‏ ‏معان (كما ذكرنا)‏، ‏المهم‏ ‏هو‏ ‏إرتباطها‏ ‏بكلمة‏ “‏جميز” ‏أى ‏أن‏ ‏تناول‏ ‏كل‏ ‏شىء‏ ‏يكون‏ ‏بحسبه‏ ‏تماما‏، ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏، ‏غير‏ ‏أنى ‏أرجح‏ ‏أن‏ ‏القارىء‏ ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏يشاركنى ‏رفضا‏ ‏كثيرا‏ ‏أو‏ ‏قليلا‏ ‏لاستعمال‏ ‏أفعال‏ “‏يجيلك” “‏يأتيك” ‏فهى ‏تعطى ‏شعورا‏ ‏بأن‏ “‏المسألة” ‏فى ‏يد‏ “‏آخر”، ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏أنها‏ ‏توصى ‏بقبول‏ ‏الممكن‏ ‏والصبر‏ ‏عليه‏ ‏بلا‏ ‏شروط‏، ‏ولكن‏ ‏قد‏ ‏يخفف‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الشعور‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الصيغة‏ ‏ترجح‏ “‏حتمية” ‏النتيجة‏، ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏تؤكد‏ ‏على ‏انتظار‏ “‏فاعل” ‏قادم‏ ‏بالحل‏ ‏السهل‏، ‏بمعنى ‏أنه‏ ‏ما‏ ‏دمت‏ ‏قد‏ ‏رضيت‏، ‏وقدرت‏، ‏ولعبت‏، ‏وتحركت‏، ‏فى ‏إطار‏ ‏الواقع‏ ‏الحالى،  ‏فطبيعى ‏أن‏ ‏ينتج‏ ‏منه‏ ‏ما‏ ‏تريد‏، ‏يأتيك‏ ‏نتاجا‏ ‏لصبرك‏ ‏النشط‏، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏أسميه‏: ‏الانتظار‏ ‏الفاعل‏، ‏أو‏ ‏الصبر‏ ‏الحركى،  ‏وهو‏ ‏نوع‏ ‏الصبر‏ ‏الذى ‏هو‏ ‏على ‏يقين‏ ‏من‏ ‏النتيجة‏ ‏النهائية‏ ‏ويتمثلها‏ ‏ويعلنها‏ ‏بهدوء‏ ‏وتحد‏ ‏مهما‏ ‏اختفت‏ ‏معالمها‏ ‏خلف‏ ‏سحب‏ ‏الشك البدئى‏ ‏وأوهام‏ ‏المثالية الهروبية‏، ‏وهو‏ ‏الصبر‏ ‏الذى ‏يزيح‏ ‏الدخيل‏ ‏من‏ ‏طريقه‏، ولو ‏بالمقاومة‏ ‏السلبية‏، ‏والإهمال‏.‏

إصــبر‏ ‏على ‏جارك‏ ‏السو

يا‏ ‏يرحل‏ ‏يا‏ ‏تجيله‏ ‏مصيبة‏ ‏تاخذه

فالدخيل‏-‏ محتلا‏ ‏أو‏ ‏حاكما‏ ‏ظالما‏- ‏لا‏ يمكن أن ‏يبقى إلى الأبد ‏على ‏قلب‏ ‏شعب‏ ‏رافض‏، ‏يقظ‏، ‏ساخر‏، ‏متحفز‏، ‏ولعل‏ ‏هذا‏ ‏الأسلوب‏ ‏الواثق‏، ‏مضروبا‏ ‏فى ‏نتاج‏ ‏حصيلة‏ ‏الزمن‏ ‏الممتد‏، ‏هو‏ ‏سر‏ ‏ثبات‏ ‏الشعب‏ ‏المصرى ‏فى ‏مواجهة‏ ‏محتلـِّيه‏ ‏والمستبدين‏ ‏به‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء (5)،  ‏وكأنى ‏بهذا‏ ‏الشعب‏ ‏المصرى ‏يجرب‏ ‏حكامه‏ ‏مثلما‏ ‏يجرب‏ ‏أحذيته‏، ‏وكأنى ‏به‏ ‏يستعملهم‏ ‏وهم‏ ‏يتصورون‏ ‏العكس‏.‏

 “‏إلبس‏ ‏خف‏ ‏واقلع‏ ‏خف‏ ‏لما‏ ‏يجيلك‏ ‏خف”‏

فصبر‏ ‏الشعب‏ ‏المصرى ‏هو‏ ‏حركته‏ ‏فى ‏الممكن‏ ‏المتاح‏، ‏وثقته‏ ‏بالحق‏ ‏الراسخ‏، ‏وصداقته‏ ‏للزمن‏ ‏الممتد‏، ‏الزمن‏ ‏الذى ‏طوعه‏ ‏لإرادته‏ ‏بترسيخه‏ ‏لفكرة‏ ‏الخلود‏، ‏وعظمة‏ ‏الهرم‏ ‏الأكبر‏-‏ عندى‏-‏ هو‏ ‏أنه‏ ‏ذلك‏ ‏الاعلان‏ ‏الماثل‏ ‏أمام‏ ‏وجدان‏ ‏البشرية‏ ‏أن‏ ‏وحدة‏ ‏الزمن‏ ‏عندنا‏ ‏ليست‏ ‏هى “‏ساعة‏ ‏الحظ”، ‏ولا‏ “‏انتخابات‏ ‏الرياسة” ‏ولكنها‏ ‏وحدة‏ ‏الحركة‏ ‏المتواصلة‏ ‏بين‏ ‏الأجيال‏، ‏بل‏ ‏بين‏ ‏الأحياء‏، ‏ولا‏ ‏أنكر‏ ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏مرت‏ ‏بى ‏أمثلة‏ ‏أخرى ‏لا‏ ‏تـُطـَمْنـِن‏، ‏ولا‏ ‏تسمح‏ ‏لى ‏بالتمادى ‏فى ‏هذه‏ ‏الحماسة‏ ‏الدفاعية‏، ‏فليس‏ ‏من‏ ‏الصبر‏ ‏النشط‏، ‏ولا‏ ‏من‏ ‏التحفز‏ “‏المتحرك‏ ‏فى ‏الممكن” ‏أن‏ ‏يقبع‏ ‏الواحد‏ ‏منا‏ ‏ساكنا‏ ‏فى ‏كمون‏ ‏لا‏ ‏يستجيب‏ ‏إلا‏ ‏لفعل‏ ‏فاعل‏ ‏خارجى،  ‏كما‏ ‏يوحى ‏المعنى ‏الظاهر‏ ‏للمثل‏ ‏القائل‏:‏

 خليك‏ ‏فى ‏عِشـَّـك‏ ‏لما‏ ‏ييجى ‏حد‏ ‏ينشك

فإذا‏ ‏تماديت‏ ‏فى ‏الدفاع‏، ‏فأنا أقرأ‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏باعتبار‏ ‏أنه‏ ‏تحذير‏ ‏من‏ ‏فساد‏ ‏السكون‏، ‏وإنذار‏ ‏بأن‏ ‏الهرب‏ ‏الساكن‏ ‏لا‏ ‏يدوم‏، ‏إذ‏ ‏لابد‏ ‏سيأتى ‏من‏ ‏يقتحمه‏، ‏فتواجه‏ ‏مصيرك‏ ‏بضعف‏ ‏الخائب‏، ‏ما‏ ‏لم‏ ‏تستعد‏ ‏لهذه‏ ‏اللحظة‏ ‏أو‏ ‏تغامر‏ ‏بالسبق‏ ‏إلى ‏المبادرة‏، ‏ومن‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏الدفاعى ‏أقرأ‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏هكذا‏:‏

خليك‏ ‏فى ‏عشك‏، (‏ولن‏ ‏تقدر‏) ‏لأنه‏ ‏سوف‏ ‏يأتى ‏-‏ حتما‏- ‏من‏ ‏ينشك (فهـَيـَّا انطلق)‏ (6)

إن ثقة هذا الشعب بالزمن تصلنى أنه لا يهمد حتى لو بدا ساكنا، وأنه دائم البحث عما يناسبه حتى لو تأخر، وأنه مادام لا يكف عن البحث فهو سوف يجد ضالته، يتجسد ذلك حين يأتى مثل يجعل الإناء مهما بـّدا ساكنا هو الذى فى حالة بحث عن غطاء له، يقول المثل:

“تنِّ الحـُق يدوَّر على غطاه لما إلتقاه

والحـُقّ هو العلبة الصغيرة التى توضع فيها الأشياء الثمينة، أو الهلامية أو مساحيق التجميل، وله غطاء محكم عادة (7)

3- ‏بالنسبة‏  ‏للمادة‏  ‏الثالثة: (‏مرونة‏  ‏التعلم‏  ‏ودوام‏  ‏التقدم‏)‏

وهنا‏ ‏أدرج‏ ‏فى ‏المذكرة‏ ‏التفسيرية‏ ‏للقانون‏ ‏ما‏ ‏يكمل‏ ‏المادة‏ ‏الثانية‏، ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يجعل‏ ‏الإنتظار‏ (‏بالحركة‏ ‏فى ‏الممكن‏) ‏آمـِنـًا‏ ‏لمجرد‏ ‏أنه‏ ‏يقظ‏ ‏أو‏ ‏متحفظ‏ ‏أو‏ ‏أنه‏ ‏خطوة‏ ‏ضمن‏ ‏استراتيجية‏ ‏طويلة‏ ‏معروفة‏، ‏ولكنه‏ ‏انتظار‏ ‏يحمل‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏التعلم‏ ‏من‏ ‏نتاج‏ ‏الخطوات‏ ‏الوسطى،  ‏والأهداف‏ ‏الجزئية‏، ‏فحين‏ ‏أتجمز‏ ‏بالجميز‏، ‏وألعب‏ ‏بالمجرى،  ‏لا‏ ‏أفعل‏ ‏ذلك‏ ‏لاهيا‏ ‏أو‏ ‏مستلقيا‏ ‏مطمئنا‏ ‏إلى ‏حسن‏ ‏النية‏ ‏وسلامة‏ ‏العاقبة‏، ‏فالتين‏ ‏لا‏ ‏يأتى،  ‏والبندقى ‏لا‏ ‏يظهر‏ ‏إلا‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الفعل‏ ‏المستمر‏ ‏مهما‏ ‏بدا‏ ‏صغيرا‏، ‏والتأكيد‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏الأمثلة‏ ‏العامية‏ ‏ ‏مثل‏:‏

الأرض‏ ‏مـِشّ‏ ‏شهاوى    ‏دى ‏ضرب‏ ‏عالكلاوى

فالأرض‏ ‏هنا‏ ‏هى ‏الزراعة‏، ‏والضرب‏ ‏على ‏الكلاوى ‏هو‏ ‏وجع‏ ‏الظهر‏ ‏من‏ ‏طول‏ ‏الانحناء‏ ‏للرى ‏والعزق‏…‏الخ

 والمسألة‏ ‏لا‏ ‏تحتاج‏ ‏فقط‏ ‏للجهد‏ ‏والتعب‏، ‏ولكن‏ ‏أيضا‏ ‏للحذق‏ ‏الماهر‏، ‏ماذا‏ ‏وإلا‏……‏

كما‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏، ‏هذه‏ ‏المسألة‏ ‏بالذات،‏ ‏ليست‏ ‏بالحظ‏ ‏بل‏ ‏هى ‏بالجهد‏ ‏المثابر‏، ‏والرعاية‏ ‏المنتظمة‏.‏

كـل‏ ‏شىء‏ ‏بالبـــخت‏    ‏إلا‏ ‏القلقاس‏ ‏مية‏ ‏وفحت‏ (8)

فإن‏ ‏تحقق‏ ‏الهدف‏ ‏الوسيط‏- ‏بالجهد‏ ‏والتعب‏ ‏والحذق‏ ‏والمهارة‏- ‏إستمرت‏ ‏المسيرة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الاتجاه‏، ‏وأسرعت‏ ‏الخطى،  ‏وإن‏ ‏أخطأت‏ ‏الهدف‏ ‏فلا‏ ‏مفر‏ ‏من‏ ‏المراجعة‏ ‏بكل‏ ‏الألم‏ ‏والحرص‏ ‏على ‏التعلم كما تـُعـَـلـِّـمـُـنـَا الأمثال التالية‏:‏

أ- إن‏ ‏طاب‏ ‏لك‏، ‏طاب‏ ‏لك‏، ‏

وإن‏ ‏ما‏ ‏طاب‏ ‏لك‏ ‏حوِّل‏ ‏طـَـبـْـلك‏.‏

ب‏- ‏ إن‏ ‏كان‏ ‏فى ‏العمود‏ ‏عيب‏ ‏يبقى ‏ما‏ ‏الأساس‏.‏

جـ‏- ‏إن‏ ‏كنتم‏ ‏نسيتوا‏ ‏اللى ‏جرى،  ‏هاتوا‏ ‏الدفاتر‏ ‏تتقرا‏.‏

ومع‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏التعلم‏ ‏بمرونة‏، ‏والتقدم‏ ‏بإصرار‏، ‏فلابد‏ ‏من‏ ‏تحديد‏ ‏علامات‏ ‏على ‏الطريق‏ ‏حتى ‏لا‏ ‏يسرقنا‏ ‏الزمن‏، ‏فالانتظار‏ ‏المتحرك‏ ‏فى ‏الممكن‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يسحبنا‏ ‏مخدرين‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏لا‏ ‏نهاية‏، ‏فثمة‏ ‏علامات‏ ‏تفرق‏ ‏بين‏ ‏إيجابية‏ ‏التحرك‏ ‏فى ‏الممكن‏، ‏وخدعة‏ ‏التأجيل‏ ‏العاجز‏.‏

إن‏  ‏كانت‏  ‏ندِّتْ‏  ‏كانت‏  ‏ندِّت‏  ‏مالعـَصْر

فالسماء‏ ‏الخالية‏ ‏تماما‏ ‏من‏ ‏السحاب‏ ‏الواعد‏، ‏فى ‏جو‏ ‏قائظ‏، ‏لا‏ ‏يـُـرتجى ‏منها‏- ‏فى ‏بلادنا‏ ‏خاصة‏- ‏أن‏ ‏ترسل‏ ‏الغيث‏ ‏بلا‏ ‏علامات‏، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏طال‏ ‏الإنتظار‏ ‏ولم‏ ‏تظهر‏ ‏العلامة‏ (‏ولكل‏ ‏موقف‏ ‏علامة‏) ‏فلا‏ ‏مفر‏ ‏من‏ ‏التغير‏ ‏والتحرك‏ ‏وإعادة‏ ‏الحساب‏، ومن ثم تغيير الخطة إذا لزم الأمر والانطلاق إلى وجهة أخرى أو إلى المرحلة التالية (حوّل طـَـبـْـلك).

[1] –  المقتطف: من الفصل العاشر: فصل فى: قانون الواقع، ورفض النـَّعـَابة” كتاب (“قراءة فى النفس البشرية” من واقع ثقافتنا الشعبية) (الطبعة الأولى 2017)، منشورات جمعية الطب النفسى التطورى، والكتاب يوجد فى الطبعة الورقية  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – “‏أنا‏ ‏مالى” ‏هنا‏ ‏تفيد‏ “‏أنا‏ ‏أملأ” (‏جيبك‏) ‏وهى ‏غير‏ ‏أنا‏ ‏مالى ‏الأولى ‏ التى قالها عن الوقت وهى التى ‏تعنى “‏ليس‏ ‏من‏ ‏شأنى” ‏أن‏ ‏أتحمل‏ ‏مسئوليتك‏ ‏نيابة‏ ‏عنك.

[3] – المجرى ‏والمقصوص‏ ‏نوعان‏ ‏من‏ ‏الدنانير‏ ‏أدنى ‏من‏ ‏البندقى ‏والديواني‏.‏

[4] – سبق الاستشهاد بهذ المثل (ص 58) وألحقنا له هامشا عن الفرق بين الجميز والتين.

[5] – هناك‏ ‏مثل‏ ‏أقل‏ ‏تصويرا‏ ‏لهذه‏ ‏الثقة‏، ‏وأقل‏ ‏إشارة‏ ‏إلى ‏إيجابية‏ ‏الصبر‏ ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يحمل‏ ‏نفس‏ ‏الاتجاه‏.‏

‏ ‏أصبرى ‏يا‏ ‏ستيت‏ ‏لما‏ ‏يـِـخـْـلـَـى لـِـكْ‏ ‏البيت

[6] – هذا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏هذا‏ ‏المثل‏ ‏يؤكد‏ ‏على ‏فائدة‏ ‏الكمون‏ ‏الاختياري‏، ‏وترجيحى ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يفعل‏ ‏ذلك‏، ‏لأن‏ ‏الكمون‏ ‏الاختيارى ‏لا‏ ‏يحتاج‏ ‏لمن‏ ‏يقطع‏ ‏حضانته‏ (‏بأن‏ ‏يهشه‏)- ‏لذلك‏ ‏فالموقف‏ ‏التحذيرى ‏هو‏ ‏الأقرب‏ ‏للتفسير‏ ‏الذى ‏أرتضيته‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏هناك‏ ‏مثل‏ ‏آخر‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏السكون‏ ‏والتسكين‏ ‏والإنسحاب‏ ‏يقول‏:‏

من‏ ‏خرج‏ ‏من‏ ‏داره‏ ‏ينـقل‏ ‏مقداره، وهو ما لا أستطيع الدفاع عنه.

[7] – للأسف قرأت  تفسيرا من باحثة جامعية لهذا المثل وهى تقرأ الحـُق على أنه الحـَـقَّ ورجحتُ أنها قاهرية محدثة لم تسمع عن الحـُق وغـَطـَاه من الأصل؟ ودعوت لها!

[8] – كتبت‏ ‏شعرا‏ ‏عاميا‏ (‏موازيا‏) ‏يخاطب‏ ‏إحدى ‏الصديقات‏  ‏التى ‏كانت‏ ‏تمارس‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏الرقة‏ ‏المحبـه الناعمة التى بدت لى سلبية حتى‏ ‏أزعجتنى ‏حتى ‏الرفض‏، ‏فقلت فيها‏: ‏

والنظره‏ ‏إللى ‏بتغمر‏ ‏الكون‏ ‏بالحنان‏ ‏من‏ ‏غير‏ ‏حساب‏ ‏بتقول‏:

                                               “‏حرام‏..، ‏ياناس‏ ‏حرام‏،

‏أرض‏ ‏الشراقى ‏مشققة‏ ‏جاهزه‏، ‏بلاش‏ ‏نجرح‏ ‏شعورها‏ ‏بالسلاح‏…” ‏

يا‏ ‏ناس‏ ‏يا‏ ‏هوه‏!! ‏بقى ‏دا‏ ‏كلام؟‏ ‏بقى ‏دا‏ ‏حنان‏؟

 “‏الزرع‏ ‏لازم‏ ‏يتروى”

‏أيوه‏ ‏صحيح‏، ‏بس‏ ‏كمان‏.. ‏الزرع‏ ‏لازم‏ ‏يتزرع‏ ‏أول‏،

‏ماذا‏ ‏وإلا‏ ‏البذرة‏ ‏حاتنبت‏ ‏وبس‏ ‏

(إلى أن قلت!)

‏إوعى ‏يكون‏ ‏حبك‏ ‏طريقه‏ ‏للهرب‏ ‏من‏ ‏ماسكة‏ ‏المحرات‏،

‏وصحيانك‏ ‏بطول‏ ‏الليل‏ ‏ليغرق‏ ‏زرعنا‏.

– يحيى الرخاوى ديوان “أغوار النفس” 2017   قصيدة ” الترعة‏ ‏سابت‏ ‏فى ‏الغيطان” الطبعة الثالثة 2017.

 

 

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *