الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ الرابع: التعلم

الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى: الفصل‏ الرابع: التعلم

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 13-5-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:  4638

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس

 انطلاقا من: قصر العينى (1)

مقدمة:

توقفنا الأسبوع الماضى عند أبعاد التعلم وكيف أننا نتعلم المكان وأبعاده، ونحن نتعلم محتواه وما يشغله في نفس الوقت، ونستمع كيف استمر الحوار:

المعلم: “…دعنا من هذا النقاش الذى يبدو أنه لن ينتهى، وهيا نتعلم من مجرد تجارب لطيفة، ومعلومات مختصرة ثم بضعة تطبيقات فلا تبتئس، وخذ عندك بعض ملامح عن “ماذا نتعلـّـم”…”.

الفصل‏ الرابع: التعلم

(أ) تعلم المكان: فقد وصفوا فأرا جائعا فى متاهة The rat in the maze ذهب يبحث عن قطعة جبن المرة تلو المرة وفى كل مرة تالية ينجح أفضل ويوفر وقتا أطول إذ يصل أسرع، ثم غمروا المتاهة بالماء، فعرف الفأر طريقه أيضا برغم ما عمـِـلوا، فاكتشفوا أنه تعلـَّـم المكان…. واستعمل الفأر فى ذلك ما أسموه “طريقة المحاولة والخطأ”.

(ب) تعلم الشئ: وبنفس الصبر والمحاولة وضعوا قطا فى قفص من أعمدة متباعدة The Cat in the Puzzle Box ووضعوا شملة “سلمون” خارج القفص واستطاع القط بالمحاولة والخطأ أيضا أن يعرف شكل الأنشوطة (الحبل المدلى) الذى يجذبه فيفتح الباب واستنتج العلماء أن القط تعلم الشئ هذه المرة.

الطالب: بالذمة هل هذا كلام؟ هل يحتاج الأمر إلى هذه التجارب كلها لأعرف أن التعلم يشمل تعلم المكان ونعلـّم الشئ، أليس هذا مضيعة للوقت؟

المعلم: بصراحة معك حق، ولكنهم يقولون أن العلم علم، ولكى تثبت ما ترى عليك أن تجرى التجارب.

الطالب: وهل إذا أجرينا التجارب على الحيوانات هكذا يمكن أن ننقل نتائجها للإنسان؟

المعلم: قد نستطيع أن نهتدى إلى المعالم الرئيسية بلا شك

الطالب: مثل ماذا؟

المعلم: خذ عندك مثلا فى تعلـّم الآلة الكاتبة أو عزف البيانو ألا نتعلم أولا أماكن الحروف وأصابع النغمات؟

الطالب: يحدث

المعلم: هذا هو تعلـّم المكان.

الطالب: وقس على ذلك!!

المعلم: يا لذكائك الجميل فى تعبيرك: نعم، و”قس على ذلك”، نعم نعم وفى كل المهارات.

الطالب: وهل يجرى التعلم بنفس السرعة من البداية للنهاية.

المعلم: طبعاً لا .

الطالب: إذن كيف يسير الأمر .

المعلم: اسمع يا سيدى:

(أ) يبدأ التعلـّم متعثرا غير منتظم يتراوح بين التقدم والتأخر وتصاحبه يقظة وعى مركز.

(ب) ثم يتقدم حثيثا ويقل التركيز الواعى إذ يصبح عادة، أو أقرب إلى العادة، ويظهر هذا  بوضوح فى تعلم قيادة السيارة أيضا إذ بعد مدة تصبح عادة وتجرى القيادة والنقل بطريقة انعكاسية تلقائية.

(جـ) ثم يزداد التقدم ولكنه عادة ما يتوقف عند مرحلة حسنة ويبدو كأن المتعلم وصل إلى غاية ما يمكن، ويسمى هذا التوقف الهضبة Plateau، وبعدها تزداد المهارة ثانية، وهذا هو المنحنى الأول للتعلم.

(د) وقد يبدأ التعلم بطيئا لمدة طويلة ثم تتزايد سرعته بخطوات أسرع فأسرع، وهذا نوع آخر من منحيات التعلم.

(هـ) وقد يبدأ التعلم سريعا فى البداية ثم تتناقص سرعته بانتظام وهذا نوع ثالث.

الطالب: هذه معلومات محددة وطيبة ولكن كيف أفيد منها؟

المعلم: يا سلام عليك، لماذا تخص علمى بالذات بأن تفيد من كل معلومة أعطيها لك أولا بأولاً وتكاد تحرجنى؟ إنك لو سألت هذا السؤال فى كل معلومة تعطى لك فى سائر العلوم لما ذاكرت شيئا ولعرفت أن أكثر من 50 % مما تدرس ربما يثبت أنه تزيـّد لا لزوم له، وربما كانت فائدته – لهم – هو أن يشغلك عن التفكير فيما هو أهم.

الطالب: نعم؟ نعم؟

المعلم: ماذا يا أخى؟ فوّت لو سمحت وتصور أنى أداعبك من غيظى، دعها تمر، إسمع يا إبنى بعض الفوائد لعلك تسكت عنى:

– أنت شخصيا حين تجد بدايتك لتعلم شئ ضعيفة وبطيئة، فلا تيأس وعليك أن تواصل، فلعلك تكون من النوع الذى سرعان ما سينطلق فيما بعد.

– ثم عليك أن تذكر ذلك وأنت تحسد زميلا لك يبدأ فى التعلم بسرعة هائلة بالقياس لك حتى يكاد “يعقـّـدك” كما تقولون، فربما كانت بداياته شديدة التقدم، ثم تتباطأ سرعته بعد ذلك، فتلحق به أنت أو غيرك.

– وإذا توقف تقدمك فجأة وحسبت أنه لا طائل من استمرار التعلم بعد ذلك، تذكر أنك قد تواصل السعى رغم ما يبدو من أنك “تركن” فوق “الهضبة” التى أشرتُ إليها لتوى، وهكذا فإن معرفتك تطمئنك وتجعلك تستمر وتصبر ثم تجد نفسك وقد عاودتَ (الصعود) التقدم حثيثا بعد ذلك.

هذا ويمكن تطبيق كل ذلك على مرضاك وهم يتعلمون عادات الشفاء أثناء العلاج.

الطالب: عادات الشفاء؟ وهل الشفاء عادة؟ والمرض؟ هل هو عادة أيضا؟

المعلم: نعم نعم، إن كثيراً مما يسمى العلاج السلوكى إنما يهدف إلى تغيير السلوك والتركيب إلى أساليب أكثر نفعا، يمكن تصور العملية العلاجية كنوع خاص من التعليم بلا أدنى شك، وقد شاع مؤخراً بشكل شبه تجارى تحت ما يسمى “التنمية البشرية” حتى للأسوياء أما تعلم المرض، فإن كثيرا من الأمراض المزمنة تستقر على مستوى من الإعاقة نتيجة لتعلم مواجهة الحياة بما يقدمه المرض من حلول سلبية، فنحن نواجه المرض وقد أصبح عادة فى حالات الإزمان، وكأن التعود على السلوك المرضى هو نوع من التعلم حتى لو كان سلبياً..

الطالب: أنت تخاطب طبيباً نفسياً وليس طالباً، أنا أريد ما يفيدنى شخصياً فى الامتحان.

المعلم: ألم يصلك حتى الآن ما له علاقة بالامتحان؟ ألا يشجعك ما ذكرنا على استمرار الاستذكار وألا تيأس من تباطؤ التقدم، ولا تفرح بالمندفعين فى البداية ولا تصاب بخيبة الأمل إذا توقفت بعد فترة، إذ يمكنك أن تطمئن دائما أنها فترة مؤقتة، أليست كل هذه هى أنواع التعلم التى ذكرناها حالا.

الطالب: وهل يسرى ذلك على كل أنواع التعلم؟

المعلم: إنه يسرى على تعلم المهارات والعادات بوجه خاص، وهذه مرتبطة إلى حد كبير بالتعلم الشرطى .. ولو تداخلت معها عوامل أخرى وأنواع أخرى.

الطالب: فما هى الأنواع الأخرى، بل ما هو هذا النوع الشرطى أولا؟

المعلم: فى الحقيقة أن التعلم الشرطى هو أشهر أنواع التعلم، وفكرته شديدة البساطة، قيل أنها نشأت فى معمل العالم “بافلوف” فى روسيا حوالى سنة 1900، ولكنها أقدم من ذلك بكثير جدا، لأنها هى أساس هام للتعلم منذ بدء الخليقة، فقد لاحظ بافلوف أن لعاب كلاب معمله تسيل حين يصلها صوت وقع خطواته إذ يحضر لها الأكل فى كل مرة، ثم لاحظ أنها تسيل متى سمعت وقع خطواته حتى لو لم يحضر لها الأكل وسمى هذا الارتباط، بالارتباط الشرطى.

الطالب: ولكن أليس هذا هو الذى يسيل لعابنا ونحن نسمع أصوات الملاعق إذ نعد المائدة، أليس وقع أقدام صديقتنا القادمة من بعد هو الذى يسعدنا قبل أن نراها، أليس هذا هو الذى يرسم البسمة على وجه طفل حين يسمع صوت أمه ويميزها عن غيرها … فما الجديد فى كل ذلك؟

المعلم: فتح الله عليك يا شيخ، كنت أنوى أن أعدد لك كل هذه الأمثلة فى الحياة العادية، ولكنك وفرت علىّ ذلك، أما الجديد فى ذلك فهو “أن الظاهرة العادية” أصبحت علما قابلا للدراسة.

الطالب: وماذا أضافت لنا هذه الدراسة؟

المعلم: أضافت الكثير أو قل أوضحت الكثير، أضافت مثلا أنك إذا توقفت عن إعطاء المثير الثانى (وقع الأقدام ويسمى المثير الشرطى Conditioned Stimulus) فإن الاستجابة الشرطية (سيلان اللعاب)  Conditioned Response تتوقف بعد فترة ويسمى هذا بالانقراض Extinction ، وقد أثبت بافلوف هذا، وقد استبدل وقع أقدامه بصوت جرس وحصل على نفس النتيجة.

الطالب: ولكن هذا بديهى.

المعلم: ما هى الحكاية؟ كلما أقول لك شيئا تقول لى بديهى، إن هذا مما يؤكد أن علمنا علماً.

الطالب: هل يكون العلم علما حين يُثبت البديهيات.

المعلم: يثبتها، ويقننها، ويعطيها أسماء، ويؤكدها، ويطمئن إليها فتصير علماً.

الطالب: يعنى يعقد الأمور على الفاضى.

 المعلم: لماذا على القاضى، يا أخى إن هذه خطوات ضرورية لتبادل المعرفة.

الطالب: ولكن الإنسان يتبادل المعرفة من قديم، ويتعلم بنفس الطريقة التى جئت لتسميها الآن الارتباط الشرطى والانقراض، ولم يفته شىء لما كانت بلا اسم، بل لعل العكس هو الصحيح.

المعلم: العكس؟ هل تعنى أننا نتعلم أسرع إذا لم نعرف ما هو التعلم؟

الطالب: ولم لا؟

المعلم: لن أدخل معك فى مناقشة هذه التفاصيل قبل أن أنهى هذا الحديث، فهناك ظاهرة هامة أسمها “التعميم” Generalization تكمل خطوات التعلم الشرطى، وربما تعتبرها بديهية أيضا، ولكن لنعرفها حتى تكمل.

الطالب: وما هى؟

المعلم: يا سيدى إن أى مثير يشبه من قريب أو من بعيد المثير الشرطى قد يحدث نفس الاستجابة الشرطية.

الطالب: قبل أن نستطرد، لقد تحدثت عن المثير الشرطى، فما هو المثير غير الشرطى (Unconditined Reaponse).

المعلم: هو المثير الأصلى وهو فى حالتنا التجريبية هذه مع إطعام الكلاب: هو الطعام.

الطالب: فماذا عن “التعميم” الذى تريدنى أن اعرفه.

المعلم: قلت لتوّى إن أى مثير يشبه المثير الشرطى قد يحدث نفس الاستجابة، والمثل العامّى الشائع لذلك هو: “إن الذى لدغه الثعبان يخاف من الحبل”، وأيضا هناك مثل أرق يقول: “اللى اتلسع من الشوربة ينفخ فى الزبادى”، وأغلب حالات المخاوف المرضية المسماة بالرُّهاب Phobias قد ترجع إلى هذه الفكرة.

الطالب: إن هذا يفسر قولك أننا نتعلم المرض كما نتعلم الصحة.

المعلم: ياسلام!! هكذا تفتح نفسى وأفرح بذكائك.

الطالب: أقتنع بالتدريج أنك حين تتكلم عن المرض والعلاج وهذه الأشياء العملية أجدنى منتبها أكثر، ومشتاقا للسماع أكثر.

المعلم: إطمئن فنحن لو فتحنا باب استعمال هذه المبادئ فى العلاج لوجدت فيضا من المعلومات تجذبك وتصحصحك (2).

الطالب: هاتها يا شيخ ودعنا من الكلاب واللعاب.

المعلم: ماذا؟

الطالب: ماذا؟ ماذا!! أتفكه أنا أيضا مثلما كنتَ تفعل أنت.

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)،  والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – (صحصح) الأمر: انتبه إلى دقائق الأمور فيحصيها ويعلمها.

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *