الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (تابع) الفصل‏ الرابع: التعلم

الأربعاء الحر: مقتطف من كتاب: دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (تابع) الفصل‏ الرابع: التعلم

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 20-5-2020

السنة الثالثة عشرة

العدد:  4645

الأربعاء الحر

مقتطف من كتاب:

دليل الطالب الذكى فى: علم النفس

 انطلاقا من: قصر العينى (1)

 مقدمة:

كان أخر ما نشر في حلقة الأسبوع الماضى هو:

………..

الطالب: إن هذا يفسر قولك أننا نتعلم المرض كما نتعلم الصحة.

المعلم: ياسلام!! هكذا تفتح نفسى وأفرح بذكائك.

الطالب: أقتنع بالتدريج أنك حين تتكلم عن المرض والعلاج وهذه الأشياء العملية أجدنى منتبها أكثر، ومشتاقا للسماع أكثر.

المعلم: إطمئن فنحن لو فتحنا باب استعمال هذه المبادئ فى العلاج لوجدت فيضا من المعلومات تجذبك وتصحصحك (2).

الطالب: هاتها يا شيخ ودعنا من الكلاب واللعاب.

المعلم: ماذا؟

الطالب: ماذا؟ ماذا!! أتفكه أنا أيضا مثلما كنتَ تفعل أنت.

(تابع) الفصل‏ الرابع: التعلم

ونكمل الآن:

المعلم: حاضر يا سيدى: إسمع عندك وأجل أسئلتك حتى أنتهى من التعداد لو سمحت: أما بالنسبة لحدوث المرض وتطوره:

1- إنه مهما اختلفت بداية أى مرض نفسى أو تعددت أسبابه فإن إزمانه واستمراره واستتبابه تدخل فيه العادة، وتعوّد العادات المرضية هو تعلم سلبى

2- إن الذى يصاب بأذى من موقف بذاته (مثل ضربه أبوه له فى الصغر ظلما دون سبب او تفسير)، قد يواصل الخوف من المواقف الشبيهة طوال حياته (الخوف من السلطة مثلا) وقد يزيد مثل هذا الخوف إلى درجة المرض حين يعجـِّز الإنسان أو يعوقه أو يشوشه أو يتناثر بسببه.

3- إن الذى يرتبط خوفه بمثير بذاته فى وقت ما، قد يمتد خوفه إلى مثيرات مشابهة، وهذا ما نلاحظه بالذات فى الخوف من الأماكن الضيقة والمغلقة مثل المصاعد (الأسانسيرات) وما إليها.

هل أكمل أم أكتفيت؟

الطالب: فى الحقيقة أنا أمنع نفسى من مقاطعتك بالعافية، لقد فهمت أن التعلم الشرطى هو الذى يثبت العادة التى تفيد وتنفع، فلماذا يتثبت المرض بالعادة، وهو لا يفيد ولا ينفع؟

المعلم: عليك نور، أولا نحن لم نقل إن ما يفيد هو الذى يثبت فقط، ثانيا إن ما يضر فى الظاهر، وهو” عادة المرض” مثلا، قد ينفع – أعنى يبدو وكأنه ينفع – على مستوى آخر أكثر غورا فهو يحقق أهدافا بعينها مثل: التخلى عن المسئولية، أو تبرير الاعتمادية الطفلية وهكذا .. فهو نافع للاستمرار على تعود المرض ربما لمواصلة تحقيق الغاية السلبية التى هدف المرض لتحقيقها بظهوره أصلا، ثم تتواصل المكاسب المرضية السلبية، وهذا ما يسمى المكاسب الثانوية للمرض.

الطالب: ولكن كيف يفضل المرء أن ينمى طفولته واعتماديته، على حساب صحته وكفاءته؟

المعلم: لأنه مريض؟ وحساباته اختلت.

الطالب: آه .. لقد نسيت.

المعلم: ثم إن للانسان تركيبا شديد التعقيد، وحسابات النفع والضرر تتم على مستويات مختلفة، وهى حسابات صعبة وليس هذا مجال تفصيلها الآن، ولكن لتعلم أن بداية ظهور المرض النفسى بأعراضه النشطه هو محاولة حل، على مستوى مهزوز، إنه “صـُـفـّـارة” إنذار لما هو أسوأ، مثلما أن ارتفاع الحرارة فى الحمى ليست هى المرض ولكنها إعلان عن المرض وإنذار بوجوده وأحيانا إسهام فى التغلب عليه، فإذا أهملنا هذا أو ذاك ولم نحسن الاستماع إلى الإنذار المبكر أو المبدئى تمادت البدايات إلى مراحل أخطر ومضاعفات وإعاقات أشد.

الطالب: وهو كذلك، فحدثنى عن بضعة أمثلة أخرى من العلاج هل عندك أمثلة تطبيقيقة تسهل علىّ الأمر.

المعلم: دعنى أقول لك أنه لا يكاد يوجد أى علاج، إلا وفيه تعلم وتعليم.

الطالب: أى علاج ؟!!

المعلم: نعم أى علاج، صحيح أن هناك نوع خاص من العلاج اسمه العلاج السلوكى Behaviour Therapy  وقد أشرنا إليه منذ قليل، وهو علاج، يستغل فكرة التعليم فى العلاج إلى أبعد مدى، والتعليم الشرطى بوجه خاص، وهو نوع نافع تماما، ورغم أساسه البسيط فإنه أعمق بكثير من مظهره، ولكن أى علاج غير ذلك فيه تعليم وتعلم بلا أدنى شك.

الطالب: بما فى ذلك إعطاء الدواء والصدمات والتحليل النفسى؟

المعلم: بما فى ذلك الأدوية والصدمات والتحليل النفسى.

الطالب: لقد تحدثنا عن التعلم بالتجربة والخطأ (فى حكاية الفأر والقط) ثم تحدثنا عن التعلم الشرطى؟ فهل هناك فرق بينهما.

المعلم: لا شك أن هناك ترابط شديد بينهما فالطريق الذى لا يؤدى إلى الطعام يـُـستبعد، وهذا يشبه الاستبعاد Extinction فى التعلم الشرطى، والطريق الذى يؤدى إلى الطعام يُدَعْم وهذا هو التدعيم Reinforcement فى التعلم الشرطى أيضا.

الطالب: لم تذكر لى حكاية التدعيم هذه قبل ذلك.

المعلم: لا، لقد ذكرتها، وربما لم أشر إليها مباشرة فى حوارنا وعموما فالحكاية بسيطة، إن أى دعم للتشريط (الارتباط الشرطى) هو تكرار نفس الخطوات التى بدأ بها التشريط – ولكن بإيجاز – فتتأكد، وتظهر ظاهرة التدعيم أكثر بعد الاستبعاد Extinction، لأنه بعد اختفاء الاستجابة الشرطية بالزمن أو بالتنفير القامع، يكفى أن يعطى المثير الشرطى الأول مرات قليلة جدا – أقل كثيراً من التشريط السابق – ليعود الارتباط الشرطى فورا.

الطالب: وما حكاية التنفير القامع Suppressive Deconnditioning هذه.

المعلم: إنه يعنى إعطاء مثير منفـِّـر بدلا من المثير الأصلى ليلغى التشريط الأول، لذلك يسمى أحيانا إلغاء التشريط Deconditioning وفى المثال الأول يعطى الكلب صدمة كهربائية بدلا من العظم والغذاء فور سماعه وقع الأقدام (أو الجرس)، فسرعان ما يمتنع سريان اللعاب.

الطالب: رجعنا للكلب؟

المعلم: حاضر .. دعك من الكلب، إننا نستعمل نفس الطريقة فى العلاج، فمدمن الخمر قد يعطى مادة معينة بحيث متى ما شرب الخمر تفاعلت معها وشعر بغثيان مقرف وقئ مؤلم، ويتكرر هذا حتى يكره الخمر، بل إنى سأضرب لك مثلا آخر هو أقرب إلى الفكاهة، فإنهم يزعمون أنهم قد يعالجون الخيانة الزوجية أو الشذوذ الجنسى – إذا اشتكى صاحب هذا أو ذاك منهما وطلب العلاج!!- بأن يعرضوا صورة الرفيقة أو العشيق، أو من يشبههما، مصحوبة بمثير مقرف أو مؤلم حتى إذا رآها الخائن أو المريض فى الحقيقة، جاءه نفس الشعور المنفـِّر.

الطالب: ياساتر، أليس هذا سوء استعمال للعلم.

المعلم: ربما، لذلك نبهت ابتداء أن هذا لا يحدث إلا بناء عن طلب المريض وبموافقته، وله مضاعفات ولكن لا محل هنا لذكرها.

الطالب: ولكن ألا توجد طرق أخرى غير التعلم بالتجربة والخطأ، التى نعرفها أكثر من الحيوانات.

المعلم: أقول لك إحساسى بصراحة ولا تشمت فىّ، الظاهر: إننا نستسهل، فدراسة التعلم فى الحيوانات ونقل ما نجد إلى الإنسان أسهل من التعمق فى تعلم الإنسان، وقبل أن أقول خبرتى فى دراسة التعلم فى حقل ممارستى للطب والعلاج سأذكر لك نوعين يتميز بهما الإنسان خاصة ولكنه لا ينفرد بهما إذ يشاركه فيهما الحيوانات العليا أيضا.

الطالب: نعم يا سيدى دعنا نرى ما يميزنا حتى نبرر فخرنا بنوعنا.

المعلم: صبرك بالله، ينبغى ألا يكون فخرنا باختلافنا عن أجدادنا الحيوانات ولكن بتحويرنا لسلوكهم وتطويرنا له.

الطالب: فكيف حوَّرنا – مثلا – التجربة والخطأ؟

المعلم: أصبحنا نستطيع أن نجرب دون أن نجرب، وأن نخطئ دون أن نتورط ونضيع الوقت ثم نبدأ من جديد؟

الطالب: ما هذه الألغاز من فضلك؟ إنك تجعلنى أترحم على دراستنا المبسطة لطرق تعلم أجدادنا.

المعلم: ألم أقل لك أننا نستسهل، وهأنت ذا تعلن استسهالك، وهذا لن يقربك من دراسة الإنسان.

الطالب: معك .. معك .. هيا فالإنسان يستأهل ..، فكيف أصبحنا نجرب دون أن نجرب.

المعلم: بأن تتم هذه المحاولات على المستوى العقلى فقط (أى دون تنفيذ فعلى) ونحن نستعمل فى ذلك ذكاءنا الذى يشمل الربط بين العلاقات، ودقة الحسابات، وبعد النظر، وبذلك نستطيع من خلال المعلومات التى تعطى لنا أن نتعلم حل المشكلة والوصول إلى الهدف.

الطالب: ولكن هذا تفكير وليس تعلما.

المعلم: يا سلام عليك.. ها نحن قد عدنا إلى تداخل الوظائف، إن هذا النوع من التعلم يسمى التعلم البصيرى Insight Learning ويغلب عليه التفكير باعتباره نوعا  من حل المشاكل، ولكن تكراره ونجاحنا فيه يعلمنا طريقة جديدة لمواجهة الحياة.

الطالب: هاجمتنى الأسئلة، ولكن لنؤجلها إلى دراسة التفكير، أليس موضوع التفكير مقرر “علينا” أيضا؟

المعلم: “عليكم”!! و”ليس عليكم”!، أهذا هو كل ما يهمك؟ طبعا عليكم وعلينا، خلنا الآن فى التعلم

الطالب: بصراحة: يخيل إلى أن هذا “التعلم البصيرى” – غير قاصر على الإنسان؟ وأذكر أنك ألمحت إلى ذلك.

المعلم: نعم .. وقد قام عالم اسمه كوهلر Kohler بتجربة على الشمبانزى إذ وضع (علق) “سباطة” موز فى مستوى أعلى من متناول شمبانزى وبعد محاولات قليلة من القرد منفردا ثم واقفا على صندوق، جلس الشمبانزى وبدا أنه يفكر وهو ينقل نظره بين الصناديق والموز، ثم وضع القـَـردُ الصناديقَ على بعضها وتسلقها، وكأنه حاول المحاولات الباقية على المستوى العقلى حتى وصل إلى النتيجة واستطاع أن يصل إلى الموز.

الطالب: لقد قلت جلس وفكر، فأين التعلم.

المعلم: إن المحاولات التى وفرها أثناء جلوسه وتأمله هى نوع من التعلم.

الطالب: ياليتنا نضع صناديق الصابون الفارغة فى الجمعيّة فوق بعضها لنصل إلى “السافو” المختفى.

المعلم: برغم برودة النكتة إلا أنك تشجعنى على الاستمرار.

الطالب: ولكن خبـِّـرنى: هل هذا هو كل ما يتميز به الإنسان؟

المعلم: لا بل هناك نوع أخطر لم ينل حظا كافيا من الدراسة، وفى خبرتى الكلينيكية بدا لى أنه آلية ينبغى ألا نرفضها، ولكن ينبغى ألا نـُـسـَـطـِّـحها، فالمنعكس المسمى “نطرة الركبة” Knee Jerk  هو أبسط الأشكال، يعلوه المنعكس الشرطى الذى سخرت منه بقولك “لعبة الكلاب واللعاب”، ولكن هناك المنعكس الدوائرى وهو الرسالة والعائد: Message-Feed Back وهو أعقد ويشمل المعنى والدلالة وأخيرا فهناك ما هو أعقد مما لا مجال لتفصيله ولكنه يدخل فى عمليات المنعكس المؤجل الشامل لخطوات الهضم والولاف والإبداع، مما هو أكبر من هدفنا المتواضع هنا، فدعنا بالله عليك نرجع إلى حديثنا عن نوع من التعلم الذى يتميز به – ولا ينفرد به – الإنسان.

الطالب: وما هو ذاك؟

المعلم: يسمونه التعلم بالمحاكاة.

الطالب: المحاكاة!! ألسنا نقول إن القرد هو الذى يحاكى والببغاء أحيانا تحاكى الصوت، فهل هذا ما تعنى؟

المعلم: فى الحقيقة أنى وقفت أمام اللفظ وهذا النوع من التعلم وقفة طويلة طويلة:

(أ) ذلك لأنه حقيقة نشاهدها فى نمو الأطفال خاصة.

(ب) ومع إنه يبدو ظاهرة شديدة السطحية، إلا أنه فى حقيقته قد يشمل أبعادا أكثر مما يبدو.

(جـ) ثم إنه بالوسائل الحالية الشائعة للدراسة يصعب شرحه وتطبيقه.

الطالب: فمن أين لنا بهذا الحديث عنه؟

المعلم: من خبرتى فى العلاج عامة والعلاج الجمعى خاصة، فهل يروق لك الحديث عن ذلك؟

الطالب: يروق أو لا يروق وهل أنت تترك لى خيارا.

(نكمل الأسبوع القادم)

 

[1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)،  والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982 ) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

[2] – (صحصح) الأمر: انتبه إلى دقائق الأمور فيحصيها ويعلمها.

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *