الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (6)

الأربعاء الحر: مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (6)

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 4-11-2020

السنة الرابعة عشر  

العدد: 4813

الأربعاء الحر:

مقتطف من: دليل الطالب الذكى فى علم النفس انطلاقا من: قصر العينى (1)

الفصل التاسع: الانفعال والعواطف والوجدان (6)

توقفنا والطالب يسأل:

الطالب: كل ذلك، هو تأثير الانفعال على النفس، فما هو تأثيره على الجسم؟

ونكمل اليوم:

المعلم: خذ يا سيدى.

إن تأثير الانفعال على الجسم يمكن أن يظهر فى أحوال السواء كما يمكن أن يـُـحدث أمراضا تسمى الأمراض السيكوسوماتية أو النفسجسمية أو النفسفسيولوجية، كما يمكن أن يضاعف من أمراض جسمية قائمة فعلا أو يؤخر الشفاء.

الطالب: واحدة واحدة ..، واحدة واحدة لو سمحت.

المعلم: وهو كذلك، ولنأخذ مثالا محددا وهو ما يحدث نتيجة للاستجابة الزائدة للجهاز العصبى السمبثاوى، وسأنتهز الفرصة وأشرح لك هذا الجزء كما تعودت من مفهوم تطورى طريف.

الطالب: تطورى؟ كيف ذلك.

المعلم: إن الجهاز السمبثاوى بالذات يسمى جهاز “الكر والفر” ولكى تعرف طبيعة عمله عليك أن ترجع إلى أصول وظيفته فى حرب البقاء الجسدية، فتتصور أسداً يهجم على حيوان آخر، (أو حتى على انسان) ثم تستنتج ما هى التفاعلات اللازمة للقتال، أو حتى للحفاظ على النوع لو انتهت المعركة بالهزيمة، وسوف تستنتج عمل هذا الجهاز السمبثاوى بسهولة وتحفظها بمعنى تطورى طريف دون رص صفات بجوار بعضها.  

الطالب: ماذا تعنى؟

المعلم: أعنى أن التغيرات التى تحدث نتيجة إفراز الأدرنيالين، هى تغيرات لازمة للقتال، فالأدرينالين إذن يعتبر سلاح الانفعال الأول الذى يساعد فى آليات الكر والفر، فزيادة ضربات القلب تدفع الدم أسرع، واتساع الشعبيات الهوائية تدخل هواء (أكسجين) أسهل، وانقباض الأوعية الدموية الرئوية تسهل مرور الهواء وتقلل الافراز الذى قد يعطل، وانقباض قنوات الغدد المفرزة يمنع الأفراز ويوفر الطاقة لما هو أهم، وشحوب الجلد نتيجة لانقباض الأوعية تحت الجلد يبهت اللون فيسهل الاختفاء، فى حين أن أوعية العضلات تتسع لتستوعب كما أكبر من الدم يساعدها على القتال، أو حتى على العدْو إذا لزم الهرب، كذلك ينقبض الطحال والمنطقة الحشوية بصفة عامة فتزيد كمية الدم فى الدورة الدموية مما يساعد فى المعركة، كما أن عرق اليدين يسهل الإمساك بالعدو، ووقوف الشعر كان وسيلة للحماية فى قديم الزمان كالشوك، واتساع حدقة العين يوسع مجال الرؤية وإن كان على حساب دقة الرؤية فالمهم فى المعركة المدى وليس التفاصيل، ورفع الحاجب الأعلى يوسع مدى الرؤية (نظريا)، وكما ذكرنا ص 193 فإنه حتى القذف عند الذكور دون انتصاب هو نوع من احتمال التأمين للنوع (ولو مصادفة) لو ان الفرد المقاتل هلك، كذلك الإجهاض نتيجة لانقباض رحم الحامل قد يحمل نفس المعنى لتحقيق نفس الهدف، وعلى احتمال أن الجنين ينزل سليما إذا كان فى الشهور الأخيرة فيحافظ على النوع، وزيادة إفراز قشرة الغدة فوق الكلوية تفيد فى مواجهة التوتر، وتحليل الجليكوجين إلى سكر وحتى البروتينات تتحول إلى سكر مما يوفر الطاقة اللازمة للمعركة، وقصر مدة التجلط والنزيف يساعد فى وقف النزف الذى يمكن أن يحدث فى المعركة ثم إنه مضاد للهستامين وللحساسية، ومثير عام للتكوين الشبكى.

الطالب: ولكن ألا تجد أن فى هذا التفسير تعسفا شديدا.

المعلم: حتى لو كان فيه تعسف فهو يسهل الحفظ، وما عليك إلا أن تعدد المظاهر دون ذكر مبرراتها التطورية، إجعلها فى سرك ولن تنسى شيئا.

الطالب: والله فكرة، مع أننى كنت أتصور أن التعبير عن الانفعال هو أرقى من ذلك بكثير.

المعلم: بصراحة، إننى أوافقك فى ذلك فلم يعد التفاعل المناسب للانفعال البشرى فى حياتنا الحاضرة هو ما يـُـعـَـدّ لدرء خطر جسدى، خارجى فى العادة، وأصبح الخوف من الداخل أكثر من الخوف من الخارج، ثم إنه بعد ظهور المخ الحديث ورسوخ وظائف الشعور والتفكير والإرادة، يبدو أن عمل هذا الجهاز “الكرّ فرِّى!!”، قد أصبح مساعدا عاما لهذه الوظائف من حيث أنه مثير عام للتكوين الشبكى، أما عمله الاصلى وهو الإعداد لدرء خطر فيزيقى فقد أصبح نشازا حتى ليعتبر الإفراط فيه أقرب إلى المرض أو مسببا للمرض، فنحن لم نعد نخشى أن نقابل أسدا فى ميدان التحرير أو نصارع “موبى ديك” حوتا أبيض بالقرب من شاطئ سيدى بشر.

الطالب: ولكن أخطار اليوم أهم وأكثر تهديدا.

المعلم: طبعاً!، هذا حقيقى ولذلك فنحن نحتاج أن نشحذ الوعى وأن نحسن الحسابات لتوجيه الدوافع الانفعالية للإسهام فى توسيع دوائر الدفاع وتخطيطات الهجوم الساحق القاتل جماعيا أحيانا.

الطالب: يا خبر!!، هل معنى ذلك أن الإنسان الحديث قد استغنى عن تفاعلات الجسم للانفعال.

المعلم: ربما، تصبح من آثار الماضى فعلاً، وربما تندثر مثلما اندثر فعلا بعض منها مثل جحوظ العينين ووقوف الشعر (اللهم إلا فى الخوف الشديد).

الطالب: وإذا اندثرت هذه الوظائف فما قيمة هذا الجهاز السمبثاوى.

المعلم: فى رأيى أنه إذا لم توجه فاعليته إلى التكامل مع التفكير والإبداع بصورة إنسانية جديدة، فقد يندثر فعلا مستقلا، وعموما فقد ثبت أنه فى حالات الوعى الفائق Higher States of Consciousness يسهم هذا الجهاز بطريقة تكاملية إنسانية أرقى.

الطالب: وهل يتناسب التفاعل الجسدى مع إثارة الانفعالات بشكل إيجابى دائماً؟

المعلم: ليس دائماً طبعا، لأن التفاعلات للخطر إذا لم تخدم درء نوع الخطر الحالى أصبحت عبئا على التكيف والوجود، وكأن الحل الحقيقى المنتظر هو ان يتطور هذا الجهاز فتتغير التفاعلات إلى تفاعلات تناسب نوع المخاطر الجديدة مثل: خطر العزلة، وخطر الحقد القاسى، وخطر الجشع المستعر.

الطالب: إن هذا لا يحتاج إلى الجهاز السمبثاوى ولكنه يحتاج إلى جهاز “ثورتاوى”.

المعلم: إعمل معروفا، دعنا من السياسة، وخفف من السخرية لو سمحت.

الطالب: أنا آسف، لكن إذا كان هذا هو عمل الجهاز العصبى السمبثاوى فما هو عمل الجهاز الباراسمبثاوى فى هذه المنطقة؟

…………..

ونكمل الأسبوع القادم

 

 [1] –  يحيى الرخاوى: “دليل الطالب الذكى فى: علم النفس انطلاقا من: قصر العينى” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى (2019)، والكتاب قديم مهم (الطبعة الأولى سنة 1982) ولم يتم تحديثه فى هذه الطبعة، موجود فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مؤسسة الرخاوى للتدريب والأبحاث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا حاليا بموقع المؤلف، وهذا هو الرابط  www.rakhawy.net 

 

admin-ajaxadmin-ajax (1)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *