الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأربعاء الحر: رواية “الواقعة” مقتطف من الفصل الرابع: “اللهو الخفى”

الأربعاء الحر: رواية “الواقعة” مقتطف من الفصل الرابع: “اللهو الخفى”

نشرة “الإنسان والتطور”

الأربعاء: 19-9-2018

السنة الثانية عشرة

العدد:  4036

الأربعاء الحر

 (رواية “الواقعة”) (1) الجزء الأول: من ثلاثية “المشى على الصراط”

مقتطف من الفصل الرابع: “اللهو الخفى”

………..

“……….

قالت‏ ‏فى ‏دلال‏:‏

‏- ‏عمى ‏عبد‏ ‏السلام، ‏أين‏ ‏أنت؟ ‏

‏- ‏هنا‏ ‏معك. ‏

‏- ‏أنت‏ ‏تنظر‏ ‏إلىّ ‏كأنك‏ ‏ترانى ‏لأول‏ ‏مرة‏، ‏هل‏ ‏بى ‏شىء ‏غريب.

‏ – ‏نعم. ‏

‏- ‏ماذا؟ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏أحبك. ‏

‏- ‏أنا‏ ‏أعلم‏ ‏ذلك‏، ‏أنت‏ ‏طول‏ ‏عمرك‏ ‏تحبنى. ‏

‏- ‏وأخاف‏ ‏عليك‏ ‏من‏ ‏الصدأ. ‏

‏- ‏من‏ ‏ماذا؟ ‏

‏- ‏من‏ ‏التـفـتت. ‏

‏- ‏من‏ ‏ماذا؟ ‏

‏- ‏من‏ ‏الناس.‏

‏- ‏ولكنى ‏لا‏ ‏أخاف، ‏إطمئن. ‏

‏- ‏لا‏ ‏أعنى ‏ما‏ ‏تعنيه‏ ‏أمك‏ “‏الحاجة‏”أو‏ ‏أبيك‏ ‏شفاه‏ ‏الله‏، ‏لا‏ ‏أعنى ‏أنى ‏أخاف‏ ‏عليك‏ ‏من‏ ‏الغواية‏ ‏أو‏ ‏الفساد‏ ‏ولكنى ‏أخاف‏ ‏عليك‏ ‏من‏ ‏خوفهم. ‏

‏- ‏أنت‏ ‏خائف‏ ‏يا‏ ‏عمى، ‏أنا‏ ‏أحبك‏ ‏أيضا. ‏

كدت‏ ‏أحتضنها‏ ‏حتى ‏أذوب‏ ‏فيها‏ ‏ويتبخر‏ ‏رذاذ‏ ‏المطر‏ ‏تحت‏ ‏جلدى ‏فى ‏دفء‏ ‏حبات‏ ‏النور‏ ‏التى ‏تشع‏ ‏من‏ ‏كيانها‏ ‏كله‏ ‏على ‏شرط‏ ‏ألا‏ ‏أعود‏ ‏أبدا. ‏

فتحت‏ ‏الحاجة‏ ‏الباب‏ ‏ودخلت‏ ‏تحمل‏ ‏فنجان‏ ‏القهوة‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏المناسب. ‏

‏- ‏على ‏الريـحه‏، ‏حسب‏ ‏طلبك، حصلت‏ ‏البركة. ‏

‏- ‏الله‏ ‏يبارك‏ ‏فيك‏ ‏ويحفظك‏ ‏يا‏ ‏حاجة. ‏

لم‏ ‏أشعر‏ ‏بالحرج‏ ‏أو‏ ‏الذنب‏، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏بداخلى ‏ما‏ ‏يشين‏، ‏يا‏ ‏حلاوة‏! ‏هل‏ ‏يوجد‏ ‏فى ‏العلاقات‏ ‏الإنسانية‏ ‏شىء ‏مثل‏ ‏هذا‏: ‏بلا‏ ‏جنس‏ ‏ولا‏ ‏ذنب‏ ‏ولا‏ ‏خجل، ‏وبكل‏ ‏الجنس‏ ‏والطمأنينة‏ ‏وهذه‏ ‏الثقة؟ ‏شىء ‏لم‏ ‏نسمع‏ ‏عنه‏ ‏أو‏ ‏نقرأ‏ ‏عنه‏ ‏فى ‏الكتب‏ ‏لأنه‏ ‏ليس‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏الوصف‏ ‏حيث‏ ‏هو‏ ‏أغنى ‏من‏ ‏الألفاظ‏، ‏وأكبر‏ ‏من‏ ‏مجموع‏ ‏الأجزاء؟ ‏نظرت‏ ‏الحاجة‏ ‏بجانب‏ ‏عينها‏ ‏إلى ‏الكتب‏ ‏التى ‏لم‏ ‏تفتح‏ ‏بعد‏، ‏وانصرفت‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يبدو‏ ‏عليها‏ ‏الرفض‏ ‏أو‏ ‏الخوف‏، ‏غير‏ ‏أنى ‏سمعتها‏ ‏تتمتم‏ ‏هذه‏ ‏المرة‏”يا‏ ‏منجى ‏من‏ ‏المهالك‏ ‏يا‏ ‏رب‏”.‏

بدأنا‏ ‏الدرس‏ ‏مباشرة‏ ‏وتبينت‏ ‏أن‏ ‏أمانى ‏لا‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏جهودى ‏التدريسية، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏حضورى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مضيعة‏ ‏للوقت‏، ‏أصابنى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏السكينة‏ ‏يجعلنى ‏أقول‏ ‏الصدق‏ ‏بلا‏ ‏حساب‏، ‏حضرت‏ ‏الحاجة‏ ‏وأخبرتها‏ ‏ببساطة‏ ‏عما‏ ‏يجول‏ ‏بخاطرى. ‏

‏- ‏أمانى ‏شاطرة‏، ‏وأخشى ‏أن‏ ‏أضيع‏ ‏وقتها‏ ‏فى ‏الدرس‏ ‏دون‏ ‏داع.

قالت‏ ‏الحاجة‏ ‏بانزعاج.

‏- ‏هل‏ ‏تتركنا‏ ‏يا‏ ‏عبد‏ ‏السلام‏ ‏أفندى ‏ونحن‏ ‏ما‏ ‏صدقنا.‏

صدقتم‏ ‏ماذا؟ ‏أترككم؟ ‏

‏- ‏أنا‏ ‏تحت‏ ‏أمركم. ‏

قالت‏ ‏أمانى ‏بواقعية‏ ‏لا‏ ‏انزعاج‏ ‏فيها‏:‏

‏- ‏تحضر‏ ‏لتراجع‏ ‏لى، ‏وترى ‏مستواى ‏كل‏ ‏أسبوعين.‏

قالت‏ ‏الحاجة‏:‏

‏- ‏وتسأل‏ ‏عنى ‏يا‏ ‏ابنى. ‏

‏- ‏أنا‏ ‏تحت‏ ‏أمركم‏، ‏ياليت‏ ‏كل‏ ‏الناس‏ ‏مثلكم.‏

‏- ‏أكثر‏ ‏الله‏ ‏خيرك‏ ‏يا‏ ‏ابنى.

عادت‏ ‏الدائرة‏ ‏تدور‏: ‏أنا‏ ‏ابنها‏ ‏وهى ‏ابنتى، ‏وابنتها‏ ‏ابنتى ‏وربما‏ ‏تكون‏ ‏هى ‏ابنة‏ ‏ابنتها‏، ‏من‏ ‏منهما‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏الأخرى؟ ‏شتان‏ ‏بين‏ ‏جوع‏ ‏الأم‏ ‏وجزعها‏ ‏وبين‏ ‏واقعية‏ ‏الإبنة‏ ‏وثقتها‏، ‏الدنيا‏ ‏تكاد‏ ‏تكتمل‏ ‏فى ‏دائرة‏ ‏أنا‏ ‏أضعف‏ ‏حلقاتها.

لم‏ ‏أنس‏ ‏أن‏ ‏أسأل‏ ‏عن‏ ‏الحاج‏، ‏دخلت‏ ‏حجرته‏ ‏فوجدت‏ ‏وجهه‏ ‏قد‏ ‏ازداد‏ ‏بياضا‏ ‏من‏ ‏طول‏ ‏بعده‏ ‏عن‏ ‏الشمس، ‏أحسست‏ ‏بنفس‏ ‏الشعور‏ ‏الغامر‏ ‏من‏ ‏السكينة‏ ‏والنشوة‏ ‏مما‏ ‏أكـد‏ ‏لى ‏أن‏ ‏الأمر‏ ‏كله‏ ‏مشاعر‏ ‏إنسانية‏ ‏جديدة‏ – ‏ليس‏ ‏إلا‏ – ‏ولا‏ ‏داعى ‏لتشويهها‏ ‏بالذنب‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏بمحاولة‏ ‏التفسير، ‏انحنيت‏ ‏على ‏يده‏ ‏أقبلها‏ ‏وأطلب‏ ‏منه‏ ‏الدعاء‏، ‏هـَـمـْـهـَـمَ‏ ‏بأصوات‏ ‏غير‏ ‏مفهومة‏، ‏أخذت‏ ‏من‏ ‏المريض‏ ‏الأبكم‏ ‏المشلول‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏أخذت‏ ‏من‏ ‏الطبيب‏ ‏المختص‏ ‏فى ‏الشلل‏، ‏استطاع‏ ‏أن‏ ‏يغمرنى ‏بعاطفته‏ ‏وأحسست‏ ‏به‏ ‏وكأنه‏ ‏يعالج‏ ‏شلل‏ ‏عقلى، ‏يا‏ ‏سبحان‏ ‏الله.

خرجت‏ ‏إلى ‏الشارع‏ ‏وكأنى ‏اكتشفت‏ ‏كنزا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العالم‏، ‏شيئا‏ ‏نفيسا‏ ‏جدا‏ ‏ولكنه‏ ‏ليس‏ ‏مثل‏ ‏الجواهر‏ ‏النادرة‏ ‏التى ‏أحسست‏ ‏بها‏ ‏زمان، ‏هو‏ ‏شىء ‏عادى ‏ورائع‏ ‏فقط.

‏ ‏لو‏ ‏أن‏ ‏أى ‏واحد‏ ‏رأى ‏رؤيتى ‏فى ‏هذا‏ ‏اليوم‏ ‏لوجد‏ ‏أن‏ ‏الحياة‏ ‏تستأهل‏ ‏أن‏ ‏نعيشها‏ ‏بكل‏ ‏وسيلة‏ ‏وبلا‏ ‏هدف.

إذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الشىء ‏موجودا‏ ‏فى ‏عالمنا‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏الله‏ ‏موجود، ‏ما‏ ‏علاقة‏ ‏هذا‏ ‏بذاك؟

“…………. ‏

……………

 

[1] – يحيى الرخاوى: رواية  “الواقعة” الجزء الأول من ثلاثية “المشى على الصراط”  الطبعة الثانية 2008 (الطبعة الأولى 1977) المقتطف (ص 81 -83)  والكتاب متاح  فى مكتبة الأنجلو المصرية وفى منفذ مستشفى دار المقطم للصحة النفسية شارع 10، وفى مركز الرخاوى للتدريب والبحوث: 24 شارع 18 من شارع 9 مدينة المقطم، كما يوجد أيضا بموقع المؤلف www.rakhawy.net  وهذا هو الرابط

النشرة السابقة 1النشرة التالية 1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *