الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / استشارات مهنية (8): إنجاب مع وقف التشغيل لحساب من؟ على حساب من؟

استشارات مهنية (8): إنجاب مع وقف التشغيل لحساب من؟ على حساب من؟

“يومياً” الإنسان والتطور

7-9-2008

السنة الثانية

العدد: 373

استشارات مهنية (8)

إنجاب مع وقف التشغيل

لحساب من؟ على حساب من؟

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى التدريبى، وكذلك فإننا لا نرد أو نحاور أو نشرف إلا على الجزئية المعروضة فى تساؤل المتدرب، وأية معلومات أخرى تبدو ناقصة لا تقع مناقشتها فى اختصاص هذا الباب).

د. مشيرة أنيس تعرض حالتها بعد التعليق على الحالة التى نشرت الأسبوع الماضى فى مثل هذا اليوم: فى باب “الإشراف عن بعد” بعنوان  “التحول  Conversion المتعدد الأوجه” وقد تم الرد على تعليقها على تلك الحالة فى نشرة “حوار/بريد الجمعة”بتاريخ 5-9-2008، كما تم الوعد بأن نرد على حالتها الجديدة هذه تفصيلا اليوم، وها نحن نفعل:

د. يحيى:

لا عندك يا مشيرة، واحدة وحدة، دعينا نتفق:

 سوف أعرض حالتك كلها مرة واحدة حتى لا أتدخل بما يضر الاسترسال فى الإحاطة بكل أحوالها،  ثم أرد فقرة فقرة ما أمكن ذلك، موافقة؟

د. مشيرة أنيس: …. ……

د.يحيى:

 أقبل صمتك، عالبركة، ترسلين موافقتك لاحقا

د. مشيرة أنيس:

 ..أنا عندى عيان له نفس المشاكل تقريبا…..عنده 20سنة وطالب فى احد المعاهد والده طبيب ووالدته مدرسة اتجوزوا عن طريق اخو الأم المتزوج من أخت الزوج وسافروا الى السعودية …هو الولد الوحيد والثانى فى الترتيب بين 4 بنات، المشاكل بين الأم والأب كثيرة من بداية الزواج ….مشاكل فى العلاقة ببعض ومشاكل مادية

كان يذهب الى حضانة قريبة من البيت وأمه تأخذه الى الحضانة بنفسها ثم حصلت مشكلة فى الحضانة وارادت الأم ان تغير المدرسة الى مدرسة أبعد، فرفض الأب لأنه كما قال مش فاضى يودى ويجيب….فالأم قعدتت الولد فى البيت بينما اخواته البنات يذهبن المدرسة…يمتحن فى السفارة كل سنة

ثم اصيبت احدى اخواته الأصغر بورم بالمخ استلزم ان الأم كانت تقضى اوقات طويلة فى المستشفى حتى شفيت البنت

وكان الأب يقول للأم تستاهلى اللى حصل، نزلوا مصر والولد فى اعدادى ودخل المدرسة لأول مرة واتمرمط وطبعا مستواه الدراسى سيء جداً.

بدأت الأعراض فى المرحلة الثانوية…فالمستوى الدراسى سيئ…بدأ يتعرف على شباب فى الشارع وينصبوا عليه فى فلوس…ليسوا اصدقاء لكن يديهم فلوس عشان يجيبوله سيديهات جنسية أو يدفع لأحدهم عشان يجيبله بنت وياخد الفلوس ويضحكوا عليه، فيها حاول انه يخطب مرتين والمرتين يشوف البنت فى الشارع يمشى وراها ويروح مكلم والدها ويخطبها والبنتين دول كانوا من مستوى اجتماعى اقل….وتقريبا كانوا يفرحوا ان الولد ابوه دكتور….لكن فى الخطوبة الأولى البنت واهلها حسوا ان فيه حاجة مش طبيعية ففسخوا الخطبة….وفى الثانية فسخ الخطبة لأنه كان يريد من خطيبته تجاوزات فى العلاقة رفضتها البنت

كمان حاول الاعتداء على بنت فى الشارع وكانت فضيحة فى الشارع وقالوا ان الولد مريض،  وعدت الحكاية…..

……الأم شكّت ان الولد كمان “مِثلى”، لأنها لاحظت ان الولد له علاقة بسواقين مكروباص فى الشارع وتدخل بعده الحمام تلاقى آثار على ايد المقشة

طبعا كان لا يذهب الى المعهد والأب حاول يشغله فى اكتر من مكان لكن كان يروح اسبوعين بالكتير ويترك الشغل بحجج مختلفة

طبعا العلاقة مع الأب زفت وهاج عليهم مرة وكسّر البيت والزجاج وضرب ابوه بعدها دخل المستشفى للآن لا يوجد تشخيص محدد للولد ده ….فهو خرج من المستشفى متشخص انه

Border line personality disorder:

بعد الخروج من المستشفى حاله كالتالى:

يقضى الصبح نوم للضهر,,, يصحى عايز مصروف اليوم ويخرج يقضى اليوم بره….الى الليل ويرجع يقضى الوقت فى مشاهدة افلام جنسية امام الكمبيوتر رافض الشغل وعامل مشكلة كبيرة فى البيت فهو يقوم بحركات جنسية وتحرش بأمه واخواته البنات ….احتكاك بيهم ومحاولات يمسك صدر اخته وبرضه يحاول انه يزنق مامته فى الحيطة ويحضنها بطريقة غير مريحة

يتابع معى جلسة اسبوعيا وهو يأتى من سفر ساعتين ومنتظم فى الحضور، الأم متابعة معى فهى تحضر معه الجلسات ولكن لا تدخل معه الجلسة ….أما الأب حضر معهم مرة واحدة وافتعل معى مشكلة وبطل ييجى وطبعا هوه دكتور فأهم حاجة عنده الدوا وبس وكمان رفض استكمال الجلسات العائلية معى …وشايف ان المشاكل مع الأم مالهاش دعوة

فطبعا انا باسمع من الأم بس وكمان جابت مرة الأخت الكبيرة اللى اكدت كلام الأم من معاملة الاب السيئة..للأم والأولاد…وحكاية انه اخد فلوسها وخلاها تبيع له البيت اللى بنته بفلوسها وطبعا الأم فى حاجات كتير الولد بيعملها تقوللى “زى الأب” الولد لما اكلمه فى الشغل يقعد يرص لى كل الوظائف الى هوه بيفكر يشتغلها على انه فعلا شغال الحاجات دى كلها

الولد منكر تماما الحاجات الجنسية اللى بيعملها فى البيت مع اخواته وامه وبيقول ان هما فاهمينه غلط

بيكلمنى عن ممارسته للعادة السرية ومشاهدة الأفلام الجنسية وبعدها بدقيقتين يكلمنى ازاى هيكون شيخ زى الشيخ الفلانى ويقولى اقولك دلوقت حديث يخليك تخرى من الخشوع الجلسة كلها بتصفى انه بيحاول يقنعنى ان حل مشاكله كلها الزواج وان انا لازم اساعده فى اقناع والديه بزواجه

وطبعا جزء كبير من المشكلة مع الأب انه عاوز ابوه يبيع املاك، الولد شايف انها بتاعته

عشان ياخد الفلوس دى يتجوز بيها نتكلم عن انه غير مستعد للزواج وانه لازم يحسسهم انه كبر وينفع يعمل الخطوة ويوعدنى وعود ما يعملش منها حاجة

انا متلخبطة جدا وقلقانة وفيه فكرة: اوقف له كل الدوا اللى بياخده واتفرج شوية لأن الولد عامل زى اللى وقف على كده لا بيتحسن ولا بيسوء

دكتور يحيى انا شايفة ان الأولوية فى العلاج ان الولد يشوف المشكلة لكن انا مش عارفة اوصله الحكاية دي….ومش عارفة ايه المفروض اعمله دلوقت؟

****

والآن، إلى مناقشة الحالة فقرة فقرة

د. مشيرة أنيس:

 ..أنا عندى عيان له نفس المشاكل تقريبا…..عنده 20سنة وطالب فى احد المعاهد والده طبيب ووالدته مدرسة اتجوزوا عن طريق اخو الأم المتزوج من أخت الزوج وسافروا الى السعودية …هو الولد الوحيد والثانى فى الترتيب بين 4 بنات، المشاكل بين الأم والأب كثيرة من بداية الزواج ….مشاكل فى العلاقة ببعض ومشاكل مادية

كان يذهب الى حضانة قريبة من البيت وأمه تأخذه الى الحضانة بنفسها ثم حصلت مشكلة فى الحضانة وأرادت الأم ان تغير المدرسة الى مدرسة ابعد فرفض الأب لأنه كما قال مش فاضى يودى ويجيب….فالأم قعدتت الولد فى البيت بينما اخواته البنات يذهبن المدرسة…يمتحن فى السفارة كل سنة

د.يحيى:

أولا: علينا نحن الأطباء النفسيين أن ننظر جيدا فيما يسمى “زواج التبادل” (جواز البدل)، حيث تخرج المشاكل من نطاق اثنين إلى أربعة على الأقل، ويصعب تحديد أصلها ومعالجتها عادة.

ثانيا: آثار سفر الأب  لأكل العيش فى السعودية (أو إلى الخليج عموما، أو ليبيا، أو زمان: العراق) هى قضية اجتماعية ونفسية – مصرية غالبا- عامة، وأظن أنها تحتاج إلى بحث منهجى دقيق قبل تعميم الحكم

ثالثا: نوعية ومهنة الأب والأم لها دلالاتها الخاصة أيضا، وعادة نحن لا نقترب كثيرا من “نفسية الطبيب”، وبالذات نفسية الطبيب المصرى، (وأنا شخصيا أنتمى إلى هذه النفسية طبعا)، ذلك لأن الاقتراب منها يضع واحدا مثلى فى موقف حرج، ليس فقط أمام زملائه، وإنما قد يصل الأمر إلى نقابة الأطباء، وهنا أبدأ بالتنبيه إلى أنه: لا تعميم، لا تعميم، (الاحتياط واجب).

 الطبيب المصرى شاب مكافح متفوق طموح، يدخل الطب وكله أمل ليس فقط فى الثروة الشريفة، ولكن فى أداء واجبه الإنسانى بكفاءة مناسبة، ثم يفاجأ بالسلامة بأن المسألة ليست كذلك تماما، غصبا عنه، فيسافر ليحل الجزء الأول من المعادلة (الثروة الشريفة: مرتب عال مقابل عمل محدد)، لكن داخل داخله لا يطمئن إلى هذا الحل، فيضع آماله فى أولاده، وبالذات الذكور منهم، إما أن يكونوا مثله فيكملوا حلمه الذى لم يتحقق غصبا عنه،( يعنى يتفوقون ويصيرون أطباء بالسلامة)  أو أن يكونوا عكسه، وملعون أبو التفوق على أبو الذى شارَ به (كل هذا فى داخل داخله)، ومن هنا قد نفهم كيف أن طبيبا يرضى أن يبقى  ابنه الوحيد على أربع بنات، فى المنزل، لمجرد أنه ليس عنده وقت “مش فاضى يودى ويجيب”

د. مشيرة أنيس:

ثم اصيبت احدى اخواته الأصغر بورم بالمخ استلزم ان الأم كانت تقضى اوقات طويلة فى المستشفى حتى شفيت البنت

وكان الأب يقول للأم تستاهلى اللى حصل

 نزلوا مصر والولد فى اعدادى ودخل المدرسة لأول مرة واتمرمط وطبعا مستواه الدراسى سيء جدا

د.يحيى:

انطلاقا من موقف الأب الطبيب من  “ملعون أبو التفوق، حتى أصبح “ملعون أبو المدرسة”، ظل هذا الإبن قعيد المنزل حتى سن المدرسة الإعدادية، وهذا يجعلنا نتذكر ، ونذكّر الناس أن المدرسة هى ليست فقط (أو حتى أساسا) لتلقى الدروس والحصول على شهادة، المدرسة نقلة نفسية اجتماعية ضرورية لانتقال الطفل من عالم الأسرة المغلق، إلى عالم الغرباء المفتوح، المدرسة مجتمع، وآخرين، ولعب، وحرية أخرى لها قوانين أخرى، ووقت آخر يقضيه التلميذ فى مكان آخر، (لهذا كنت حين أدعى إلى التعليق على التلعيم أنبه ابتداء أن المدرسة بلا حوش كبير، وفسحة طويلة حتى لو كان بعدها حصة واحدة، ليست مدرسة)

هذا الشاب انتقل فجأة من الحضّانة إلى سيرك لا يعرف لغته أصلا،  فلا هو أحد أفراد هذا السيرك العجيب (من وجهة نظره) يقوم بدوره أمام أقرانه والآخرين، ولا هو حتى متفرج تسره ألعاب الآخرين داخل هذا السيرك، هو جسم غريب بكل معنى الكلمة.

د. مشيرة أنيس:

بدأت الأعراض فى المرحلة الثانوية…فالمستوى الدراسى سيئ…بدأ يتعرف على شباب فى الشارع وينصبوا عليه فى فلوس…ليسوا اصدقاء لكن يديهم فلوس عشان يجيبوله سيديهات جنسية أو يدفع لأحدهم عشان يجيبله بنت وياخد الفلوس ويضحكوا عليه فيها حاول انه يخطب مرتين والمرتين يشوف البنت فى الشارع يمشى وراها ويروح مكلم والدها ويخطبها والبنتين دول كانوا من مستوى اجتماعى اقل….وتقريبا كانوا يفرحوا ان الولد ابوه دكتور….لكن فى الخطوبة الأولى البنت واهلها حسوا ان فيه حاجة مش طبيعية ففسخوا الخطبة….وفى الثانية فسخ الخطبة لأنه كان يريد من خطيبته تجاوزات فى العلاقة رفضتها البنت

د.يحيى:

هل لاحظت يا مشيرة أنه كان يتعرف على شباب فى الشارع، ليسوا أصدقاء، فهو لم يعرف أبدا معنى الصداقة، ولا حتى مجرد  معنى أن هناك كيانا آخرا غير ذاته القابعة فى الحضّانَة التى تغطيها أمه صباح  مساء، ويطمئن أبوه أنه لن يتحرك، وبالتالى  فلن  يتفوق فيحبط مثله، فيفرح كلما رآه مغطى بأمه، موقوف عن التفوق،  مهما علا صراخ الرضيع.

طبعا هؤلاء الذين يتعرف عليهم ليسوا أصدقاء.

 ثم خلِّ بالك كيف كان يتبع أى أنثى  تسير فى الشارع، لا أريد أن أذكرك بما كنت أراه بلدنا من مثل ذلك، فأنت غالبا لست من بلدنا، ثم انظرى كم هو بعيد عن الواقع وهو طالب بعد (غالبا) فى معهد مجهول (لم تذكرى رتبته) ، فيذهب وراء البنت إلى والدها ليخطبها خبط لصق، ولا تتم الصفقة:  إما لاكتشاف أمره ورعونته أو حتى مرضه، وإما لاستحالة ما يحاول منطقا وواقعا.

د.مشيرة أنيس:

كمان حاول الاعتداء على بنت فى الشارع وكانت فضيحة فى الشارع وقالوا ان الولد مريض، وعدت الحكاية…..

د.يحيى:

….لا أريد أن أذكرك مرة أخرى بما لا تعرفين غالبا حين ترفس الخطيبة فى بلدنا خطيبها المتسرع وهو ينهق. آسف، لكن هذا ليس ذنبه، وأنت تعرفين.  ماذا تبقى له ليكون شابا إنسانا بسيطا يعرف ما يريد، ويسعى إليه بما يمكن.

د.مشيرة أنيس:

……الأم شكّت ان الولد كمان “مِثلى”،  لأنها لاحظت ان الولد له علاقة بسواقين مكروباص فى الشارع وتدخل بعده الحمام تلاقى آثار على ايد المقشة

د.يحيى:

هذا بعد آخر يوضح ما أبلغتكِ إياه يوم الجمعة عن حيرتى إزاءه، وهو  موضوع العلاقة المثلية، فيبدو أن بعض  إشكالة المثلية هذه ، هى أنها إحدى تجليات صعوبة العلاقة المتكاملة، وربما امتدت صحة هذا الفرض إلى الحيوانات التى وصفت فيها العلاقة المثلية بشكل أو بآخر، ولكن ألا تتعجبين معى من هذه الأم الطيّـبة التى، وهى مدرسة وليست طبيبة، أنها هى التى تلاحظ، وتحاول وتشك، فى حين زوجها الطبيب، لا يشغل باله شىء من ذلك؟ ما علينا .

د. مشيرة أنيس:

طبعا كان لا يذهب الى المعهد والأب حاول يشغله فى اكتر من مكان لكن كان يروح اسبوعين بالكتير ويترك الشغل بحجج مختلفة

د.يحيى:

بصراحة هذه نقطة لصالح الأب، وإن كان ينقصها المثابرة والجدية، فنادرا ما أنجح فى  أن أنصح طبيبا (أو من هو كالطبيب) أن عليه أن يغامر بأن يعيد ابنه الطالب إلى الحياة، وليس إلى المدرسة، حين يعلن ابنه مثل هذا التوقف أو التعثر الدراسى، يعيده إلى الحياة فورا بأن يعمل أى عمل ، هذا ما حاوله هنا  الوالد، لكن فى خبرتى كنت أعرف –عادة- أن  الوالد لا يقتنع فى داخل داخله بذلك، وأنه إذا وافق فإنه يوافق بنصف قلب، بدليل عدم الاستمرار (أسبوعين أو ما شابه مثل هذه الحالة)، لذلك أقدم له تعريفا للعمل وشروطه، أظن أننى سبق أن أشرت إليه وهو: أن يكون عملا يوميا، بالساعة، نفس الساعة(وليس كيفما اتفق) له رئيس، وعائد، وناتج، ولمدة لا تقل عن ستة أسابيع قبل أن يعاد الاختيار أمام المتوقف أن يعود إلى موقعه الطبيعى فى الحياة (الدراسة مثلا) أو تجدد المدة وهكذا، بدون ذلك، نشكر لهذا الوالد حسن نيته، ولا نثق أنها تكفى، ثم نتذكر أنه ربما بهذا الإجراء، برغم عدم استمراره،  هو يكاد يؤكد الفرض الأول الذى قدمناه وهو “ملعون أبو التفوق، (فالدكترة)،  على اللى شارْ بُه”

د. مشيرة أنيس:

طبعا العلاقة مع الأب زفت وهاج عليهم مرة وكسر البيت والزجاج وضرب ابوه بعدها دخل المستشفى للآن لا يوجد تشخيص محدد للولد ده ….فهو خرج من المستشفى متشخص انه Border line personality disorder

د.يحيى:

وماذا يهم التشخيص يا شيخة فى هذه الحالة أو فى غيرها، ثم إننى أكره هذا التشخيص بالذات، مع أنه شاع شيوعا غير مبرر خصوصا بين الإناث، أشعر انه نوع من الاستسهال، وترجمته الحرفيه “حالة اضطراب فى الشخصية من النوع البـْينِى (بين- بين)”، بين ماذا وماذا بالله عليكِ، كنا نستعمل هذا المصطلح (بين – بين) قديما استعمالا آخر لتوصيف الحالات المُـلغزة غير النموذجية، التى تستعمل حيلا عصابية هائلة (وخائبة فى نفس الوقت) تغطى بها ذهانا خطيرا، ولا تنجح تماما، فتأتى الحالة بأعراض عصابية، ودلالات ذهانية، فهى بين العصاب والذهان، وبالتالى يمكن أن نقول إنها حالة “بينية”، أما هذا الوصف كما جاء فى التصنيف الأمريكى الرابع، فهو لا يشير إلى مثل هذا الموقف البينى تحديدا، وقد أصبح يطلق على كل حالة “قلة أدب”، و”تذبذب فى السلوك”، لا نجد له تشخيصا جاهزا”!!!،

الحالة هى حالة مريضك هذا ، لا أكثر ولا أقل.

د. مشيرة أنيس:

بعد الخروج من المستشفى حاله كالتالي:

يقضى الصبح نوم للضهر, يصحى عايز مصروف اليوم ويخرج يقضى اليوم بره….إلى الليل ويرجع يقضى الوقت فى مشاهدة افلام جنسية امام الكمبيوتر رافض الشغل وعامل مشكلة كبيرة فى البيت فهو يقوم بحركات جنسية وتحرش بأمه واخواته البنات ….احتكاك بيهم ومحاولات يمسك صدر اخته وبرضه يحاول انه يزنق مامته فى الحيطة ويحضنها بطريقة غير مريحة

د.يحيى:

بالذمة هذا كلام يا مشيرة، هل تذكرين فى حالة الأسبوع الماضى حين سألت الزميل المتدرب عن دور الأم، وكم تستغرق كل “تحرشاية” من وقت، إياك أن تتصورى أننى أتهم هذه الأم الطيبة بأى اتهام معين، لكن قولك أنت هو الذى أثارنى وأنت تقررين أنه كان “يزنق مامته فى الحيطة ويحضنها بطريقة غير مريحة” هل معنى ذلك أنه كان من الأفضل أن يزنقها بطريقة مريحة، لعله خطأ غير مقصود فى تعبيرك أو تعبير الأم، لكن علينا أن نتحمل كل الاحتمالات ونحن نتابع مثل هذه التصرفات إذا تكررت واستمرت مدة طويلة، فمرة واحدة أو عدة مرات نزوية أو بالمصادفة شىء، وامتدادها لفترة من الزمن مع طرف بالذات (أو أكثر) شىء آخر.

أما توقفه عن الحياة هكذا، حتى بعد دخوله المستشفى فهذا يدعونا إلى أن نتذكر أنه إن لم يكن واضحا أن دخول المستشفى هو تمهيد لما بعد المستشفى، فليس هناك عادة مبرر لدخول المستشفى إلا لمنع ضرر طارئ واضح، علينا أن نضع شروط الخروج من المستشفى، لحظة دخول المريض المستشفى (ما أمكن ذلك)، وإلا أصبحت المسألة إسعافا، وليست علاجا.

د. مشيرة أنيس:

يتابع معى جلسة اسبوعيا وهو يأتى من سفر ساعتين ومنتظم فى الحضور، الأم متابعة معى فهى تحضر معه الجلسات ولكن لا تدخل معه الجلسة ….أما الأب حضر معهم مرة واحدة وافتعل معى مشكلة وبطل ييجى وطبعا هوه دكتور فأهم حاجة عنده الدوا وبس وكمان رفض استكمال الجلسات العائلية معى …وشايف ان المشاكل مع الأم مالهاش دعوة

د.يحيى:

لابد هنا أن أحيى فيك مهارتك المهنية والإنسانية (وهما واحد)، فمجرد نجاحك أن يحضر هذا المريض بانتظام، بعد سفر ساعتين، كل أسبوع، هذا دليل على أنه يجد عندك ما ينبغى، ما لم يجده فى منزله، حتى من أمه الواعية الطيبة، وحضور أمه معه هكذا أيضا هو دليل على استمرار  يقظتها ومسئوليتها، وأيضا على نجاحك فى عمل علاقة بها، أما تخلى الأب (الطبيب)، وافتعاله ما يبرر غيابه، ثم يقينه بمفعول الدواء، فهذا يرجعنا إلى تركيبة الأطباء الحالية التى أشرت لها فى البداية (مرة أخرى دون تعميم)، أحيانا يا مشيرة تصل بى الوقاحة حين يأتينى طبيب بابنه لاستشارتى  أن أعلنه فى البداية أننى عادة أفضل ألا أعالج أبناء الأطباء، وحين يكون طيبا ويسألنى لماذا، أقول له لأنهم لا يشفون مثل أبناء الناس، فإن كان أطيب، فهو يطلب منى أن أنسى أنه طبيب، وأنه لن يتدخل فيما أفعل بصفته طبيبا، وأحيانا يصدق وعده، وأحيانا لا يستطيع معى صبرا، ونادرا ما يشكونى فى النقابة، تصورى، ومعهم حق، لكن ماذا أفعل؟

وحين ينكر هذا الأب الطبيب هنا أن مشاكله مع الأم “مالهاش دعوة” بهذه البساطة، فهذا  دليل آخر على موقفه الإنكارى، قد يكون مقبولا أن يقول إن هذه المشاكل ليست كل السبب، أما أنها “مالهاش دعوة”، فهو يدعم يقينه الطبى أن  الخلل كيميائى، فالعلاج كيميائى، ودمتم.

د. مشيرة أنيس:

فطبعا انا باسمع من الأم بس وكمان جابت مرة الأخت الكبيرة اللى اكدت كلام الأم من معاملة الاب السيئة..للأم والأولاد…وحكاية انه اخد فلوسها وخلاها تبيع له البيت اللى بنته بفلوسها وطبعا الأم فى حاجات كتير الولد بيعملها تقوللى “زى الأب” الولد لما اكلمه فى الشغل يقعد يرص لى كل الوظائف الى هوه بيفكر يشتغلها على انه فعلا شغال الحاجات دى كلها

د.يحيى:

الظلم ظلم، ومن يرضى عن نفسه أخذ مال زوجته هكذا، وسلبها حقوقها وشقاها وهى فى الغربة مثله، يمكن أن نتصور كيف يمكن أن يظلم ابنه بإهماله، ويظلم نفسه بشقائه، أما كلام الولد عن كل هذه الوظائف التى لا وجود لها، فهى – ربما تكون – تكملة لأوهام الوالد حول ما لم يتحقق، ولن يتحقق من تفوقه شخصيا، وإذا سمح لى الزملاء أن أتكلم ، ولو على نفسى، فيمكن أن أمد التصور إلى أننا – نحن الأطباء – قد نتصور أننا ….(ولاّ بلاش).. الطيب احسن.

د. مشيرة أنيس:

الولد منكر تماما الحاجات الجنسية اللى بيعملها فى البيت مع اخواته وامه وبيقول ان هما فاهمينه غلط

د.يحيى:

أرجو يا مشيرة ألا تأخذى إنكاره هذا على أنه كذب على طول الخط، فإنه أحيانا تحدث مثل هذه التجاوزات فى حالة أخرى من الوعى، أنا لا أقول إنه ليس مسئولا عنها، لكنها عموما تكون حالة أخرى، مهما كان التغير النوعى طفيفا، لكنها تسهِّـل النسيان والإنكار على أية حال، وليس معنى هذا أن نعذره، أو أن نسمح له بالتمادى، لكن لا بد أن نفهم كل الأبعاد.

د. مشيرة أنيس:

بيكلمنى عن ممارسته للعادة السرية ومشاهدة الأفلام الجنسية وبعدها بدقيقتين يكلمنى ازاى هيكون شيخ زى الشيخ الفلانى ويقولى اقولك دلوقت حديث يخليك تخرى من الخشوع الجلسة كلها بتصفى انه بيحاول يقنعنى ان حل مشاكله كلها الزواج وان انا لازم اساعده فى اقناع والديه بزواجه

د.يحيى:

طبعا أنت تعرفين أن الزواج ليس علاجا لا للأمراض النفسية، ولا للأحوال الجنسية (حتى للأسوياء) ، الزواج مسئولية أخرى تضاف إلى المسئوليات الأخرى التى علينا أن نتحملها، مسئولية العمل، ومسئولية الرؤية، ومسئولية الرعاية، ثم مسئولية هذه العلاقة الصعبة، التذبذب الذى هو فيه يعتبر من صفات التشخيص الذى تكلمتِ عنه برغم رفضى لاسمه، وهو أيضا دليل على توقف النضج عند حركة بندولية حصيلتها صفرا (ربما مثل الحالة التى قدمناها الأسبوع الماضى، وذكرتك بحالتك هذه).

د. مشيرة أنيس:

وطبعا جزء كبير من المشكلة مع الأب انه عاوز ابوه يبيع املاك، الولد شايف انها بتاعته عشان ياخد الفلوس دى يتجوز بيها نتكلم عن انه غير مستعد للزواج وانه لازم يحسسهم انه كبر وينفع يعمل الخطوة ويوعدنى وعود ما يعملش منها حاجة

د. يحيى:

مرة أخرى الظلم ظلم، الأب الظالم الذى استحل شقى زوجته يلقى جزاءه من إبن ظالم يطالب بما لم يعرق فيه.

أما بالنسبة للوعود، فكله إلا الوعود،

 أحيانا يصل بى الأمر، خصوصا مع المدمنين، أن أشترط على الواحد منهم  البعد عن ثلاثة:  عن “الوعود”، وعن “حسن النية”، وعن “أوهام الإرادة”، وألا نحسبها إلا “بعد الإنجاز من واقع الحال”، وأكاد أقترح مثلا موازيا يقول “كلام المريض مدهون بزبده، يطلع عليه الواقع يسيح” (قياسا على المثل من بلدنا: كلام الليل مدهون بزبدة، يطلع عليه النهار يسيح)

أما مشكلة مريضك مع أبيه  الذى أستنتج أنه كتب له بعض ما جنى باسمه، فاسمحى لى، مرة أخرى،  بأن أذكرك بما فعل الوالد بأموال زوجته، دون تعليق (ومع ذلك، .. فالوالد رغم شكى فيه قد يكون أقدر على التصرف السليم فى أمواله، التى هى ليست من حق ابنه أصلا فى هذه المرحلة على الأقل) 

د. مشيرة أنيس:

انا متلخبطة جدا وقلقانة وفيه فكرة: اوقف له كل الدوا اللى بياخده واتفرج شوية لأن الولد عامل زى اللى وقف على كده لا بيتحسن ولا بيسوء

د. يحيى:

من حيث المبدأ، توقيف الأدوية للتعرف على مزيد من التركيب البيولوجى الإمراضى للحالة، هو أمر وارد، لكنه يحتاج إلى حذق شديد، المسألة ليست فى  أن نتفرج، لكنها تساعد  أن نتعرف على الصورة من مختلف زوياها، وهذا ما يدعنى – بصفة عامة– ، أفضل طريقة الذبذبة Zigzag فى إعطاء العقاقير، عندى أنه يستحسن أن يكون هناك تناسب عكسى بين جرعة الدواء فى ناحية، وبين العمل والعلاقة فى ناحية أخرى (يمكن الرجوع إلى ذلك فى أطروحة العلاج الدوائى فى العلاج النفسى الجمعى) وما دام هذا الشاب لا يعمل، ولا توجد له علاقة فعلية مع آخر، فأظن أن التوقف عن تعاطى العقاير حاليا هو مخاطرة لا أوصى بها، وإن كان لا تحسمها إلا المحاولة الحذرة.

أما أنه لا يتحسن ولا يسوء، فأنا لست معك، فمن لا يتحسن، يسوء حتما

د. مشيرة أنيس:

دكتور يحيى انا شايفة ان الأولوية فى العلاج ان الولد يشوف المشكلة لكن انا مش عارفة اوصل له الحكاية دي….ومش عارفة ايه المفروض اعمله دلوقت؟

د. يحيى:

لا يا شيخة!!!!، حرام عليك، أنت عملت اللازم وزيادة

لكن دعينى أذكرك أن أولوية العلاج ليست هى الشوفان، خصوصا فى هذه الحالة، ما ذا يمكن أن “يشوف” أكثر من ذلك، هذه قضية ينبغى أن تحسم فى ممارسة العلاج النفسى والطب النفسى،

المطلوب هو: “أن نفعل حالة كوننا نشوف”،

 “وأن نشوف ونحن نفعل”،

 أما أن يسبق “الشوفان” الفعل فهذه خدعة قد تفتح الباب “لشوفان مع وقف التنفيذ” طول العمر،

 وأيضا لا ينبغى أن نصفق طويلا “لفعل” دون درجة من “الشوفان” حتى لا يكون اغتراب صرفا.

شكرا لثقتك

وفقك الله،

 وشفى المرضى على يديك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *