الدستور
24-6-2009
تعتعة
إنفلونزا الخنازير: بين الإرعاب والإلهاء…!!!
رجل فى منتصف العمر، يبدو طيبا يقظا، قال لى بعد أن ناولنى ما طلبت من محله المتواضع (سوبر ماركت صغير)”.. أنا متابع لأغلب حواراتك، وأكاد أحفظ بعضها”، سألته أى حوارات تعنى؟ فقال كلاما طيبا، فشكرته، وسألته مثل ماذا؟ قال ، مثل قولك ” أنا مش فاهم ليه الناس حريصة قوى كده على حياة همّا ما بيعيشوهاش من أصله ؟؟؟!!، تعجبت، وسألته متى كان ذلك؟ قال: منذ عامين، أيام هيصة إنفلونزا الفراخً تعجبت أننى نسيت، مع أن نفس الخاطر قد خطر لى بمناسبة هذه الاحتفالية الإعلامية الإرعابية الإلهائية الجارية حول ما يسمى” إنفلونزا الخنازير”، وانصرفت أفكر.
أنا لا أعرف من الذى يقرأ لى، أو يسمع لى، أو يشاهدنى، وكيف تتبقى لديهم مثل هذه الأقوال التى أنساها فيذكرنى بعضهم بها هكذا. ثم إننى بصراحة متهم بالغموض، أو التناقض، كاتبا، حتى أنه لا يصبر على قلمى أكثر من يدعوننى للإسهام عنده، إذ سرعان ما يتخلص منى دون شكر أو إنذار، حدث ذلك فى الصحف القومية تليدها وحديثها، وفى صحف المعارضة، وأنا لا أعرف ما الذى صبّر الإبن إبراهيم عيسى علىّ حتى الآن، لعلها ذكريات العشرة القديمة منذ الإصدار الأول للدستور.
وجدت أن ما وصل هذا المشاهد اليقظ من سنتين ينطبق الآن أكثرعلى ما يسمى إنفلونزا الخنازير، بل وعلى ما يسمى فيروس “س” الذى صدعونا به ليل نهار، مع أنه لم يستدل على وجوده شخصيا حتى الآن، اللهم إلا إشارات لأجسام مضادة غامضة افترضته فرضا، لن أدخل فى تفاصيل تفتح علىّ النار من المختصين جدا جدا، فأقصر حديثى على خبرين حديثين:
الأول: “أعلنت منظمة الصحة العالمية رفع درجة التحذير الخاصة بمرض أنفلونزا الخنازير إلى أقصى مستوى (الدستور 12 الجارى)”. الثانى: وصول ثمن عبوة عقار “التاميفلو” باعتباره العلاج المناسب لهذا المرض المزعوم، إلى 800 جنيه مصرى، تنخفض إلى 600 أو 400 حسب مدة الصلاحية!!!! (الشروق 15 الجارى أيضا)، (والتجارة شطارة!! خاصة والمصابين حتى الآن من القادرين فى الزمالك والجامعة الأمريكية!! إنفلونزا ذواتى!!)، بصراحة لم يتوان وزير الصحة عندنا، من التصريح تلو التصريح أنه: “ياجماعة مش كده، المسألة مش مستاهلة”.
الإنفلونزا هى الإنفلونزا، وهى التى كنا نحمد الله حين نصاب بها ، فيقول أحدنا للآخر: “دى شوية انفونزا وحاتعدى”، وهىَ هىَ التى كان يعتذر بها “أحمد بدير” لسهير البابلى فى مسرحية ريا وسكينة، حين يمطرها برذاذ عطسته، ويقول لها ليطمئنها: معلشى!! “الفلوِزّة”، نعم الانفلونزا هى الانفلونزا لكن إذا توحش فيروسها أحيانا، أو انتشر وباءً – الأمر الذى لم يحدث ولن يحدث حالا – فلن تصده تلك الكمامات العبثية التى تتصدر الصفحات الأولى على وجوه الأطفال الأبرياء والشيوخ المعممين، وأنصار موسوى المتظاهرين، حتى يسرا وطلبات الثانوية العامة، وكأن هذه الكمامات هى الجدار الحاجز ضد الفيروس الطائر؟؟ نتلهى بها عن الجدار الحاجز العنصرى فى فلسطين.
v ليس أغلى من الصحة، لكن، هذه ليست حملة للحفاظ على الصحة، وإنما هى حملة للإلهاء بالمرض عن حقيقة الصحة الإيجابية (بتعريف منظمة الصحة العالمية نفسها)
v ليس أغلى من الحياة، ولكن لعلنا نعرف النكتة التى حكاها أحدهم عن مأزقه فى الغابة أمام هجمة أسد جائع، حتى زعم أن الأسد أكله، فتعجب السامع قائلا “..ما انت لسه عايش اهه”، فأجاب الراوى، وهى دى عيشة دى يا حمار؟؟ (بايخة!!!، أعلم ذلك، لكنى حكيتها لعلاقتها بما حكاه لى صاحب السوبر ماركت الصغير، “لماذا نحرص – هكذا- على حياة لا نحياها أصلا”.)
v ليس أرعب من الموت، لكن هذا الموت الذى لاح لبضع عشرات فى أمريكا، وثلاثة فى الزمالك شفوا بالسلامة، واتنين فى الجامعة الأمريكية لايزالان يعطسان حتى استهلك كل منهما علبة كاملة من المناديل الورقية، (يا حرام!!!)، هذا الموت المزعوم القادم مع الخوجات، نفخوا فيه هكذا لعله ينسينا الملايين الذين يموتون جوعا أو يقتلون غدْرا فى غزة والعالم، والآلاف الذين يقتلون استباقا فى منازلهم بشكل جماعى للوصول إلى منابع البترول، والباقين الذين يموتون بالأمراض الاخطر والأكثر رسوخا وإزمانا وانتشارا، يموتون لأنهم لا يملكون ثمن الدواء الذى يتصاعد سعره لإثراء شركاته (أقوى لوبى فى الكونجرس الأمريكى) وهى التى تحرّك الحروب كما تحرك الأسعار، وتبرمج العلماء، وترشو منظمة الصحة العالمية.
فى كتاب “جاك إيلول” عن “خدعة التكنولوجيا” (ترجمة د. فاطمة نصر) تفاصيل مهمة عن دور تكنولوجيا الإعلام فى تحويل انتباه عامة الناس إلى ما لا يهمهم، حتى يتفرغ الكبار لإنهاء حياة أغلب البشر بمعرفتهم لصالح تكديس أموالهم، وبقاء صفوتهم دون غيرهم.
انتباه!!.