“نشرة” الإنسان والتطور
السبت 6-3-2021
السنة الرابعة عشر
العدد: 4935
إغفاءات متتالية (1)
(1)
سأل صاحبه:
“هل ثمَّ بديل؟” رد صاحبه باستعباط: “ولماذا البديل؟”،
قال الأول:
هل يعجبك ما نحن فيه؟
قال الثانى:
لقد تعودنا عليه، كما تعودنا ألا يعجبنا، فأعجبنا التعود، وخلاص.
قال الأول:
هذه خيانة.
قال الثانى:
خيانة لمن؟
قال الأول:
للشعب؟
قال الثانى:
لمَنْ يا روح امك!!؟
قال الأول:
روح من؟ ماذا تقول؟
قال الثانى:
ألست روحها وقلبها وكبدتها وضناها.
قال الأول:
آه صحيح، كنت تقول خيانة لمن؟ للشعب؟.
قال الثانى:
و”كل من له نبى يصلى عليه”،
قال الأول:
يا لسخفك، إنه ليس من حقك أن تقرفنا بسخطك ليل نهار، وأنت لا تفعل إلا أن تتفرج ساخرا بثقل دمك هذا، والأمور تتدهور علانية بهذه الصورة البشعة المجرمة؟
قال الثانى:
السخط شىء مفيد لهضم الباذنجان المخلل.
قال الأول:
الله يخيبك.
(2)
قالت له:
إنى حامل،
قال:
“وأنا مالى”؟
قالت:
“إنك أبوه”،
قال:
“إيش عرّفـِك؟”،
قالت:
يا لك من سافل، فمن يمكن أن يكون أباه؟،
قال:
“أنتِ الأدرى”،
قالت:
“ماذا تقول يا مجنون، زواجنا شرعى، قانونى، وبعقد رسمى موثق دستوريا، ليس مثل هند وأحمد الفيشاوى،
قال:
من حقى أن أمتنع عن تحليل الحامض النووى DNA، مثل أحمد عز وزينة
قالت:
“وهل أنت تطول يا غبى”؟ ثم أكملت كأنها تكلم لنفسها :” فما العمل الآن؟”،
قال مستظرفا:
“تجهضين نفسك، وفورا”،
قالت:
هل تعلم فى أى شهر أنا حامل؟
قال:
لا يهمنى، الحمل الزائف ليس له مدة، ولا نهاية،
فردت:
أنا حامل يا وغد من قبل أن تولد أمك،
قال:
الحمد لله، ضمنّا أن يولد ميتا.
(3)
ما أن غادر المترو محطة سعد زغلول ودخل النفق حتى امتلأ الجو بغيامة صافية تنبعث منها رائحة عجيبة، جديدة، نفاذة، مدغدِغة، منعشة، ناعمة، حية. انقشع ضباب الرائحة الرقيق فتكشف عن جزيرة صغيرة فى وسط البحيرة يتلألأ حولها الماء بضوء فضى ساحر. من وسط الجزيرة تماما ارتفع بار دائرى جميل وحوله كراسيه المرتفعة خالية ندّاهة، رجل البار يلبس طاقية الإخفاء، فلا يراه إلا من يعرف شفرة المزاج، راح صاحبنا (أحد هؤلاء ممن لم يرد ذكرهم أصلا) يعب ويعب مما يقدمه رجل البار الخفى، غيّر الصنف، وضاعف الجرعات، وهو لا يستشعر أى تغيير،
فسأل الزبون رجل البار محتجا:
“مالحكاية”؟
قال:
“حكاية ماذا يا سيدى؟”
قال:
“هذا الخمر ليس له أى أثر؟”،
قال رجل البار فى أدب:
أى أثر تعنى يا سيدى؟
أجاب صاحبنا بغضب:
ماذا تفعل هنا بالله عليك؟ ألا تعرف الآثار التى أسأل عنها، أليس هذا بارا، وهذه الخمور المعروفة عالميا، مستوردة من فرع وكالات حقوق الإنسان الذى افتتحته الولايات المتحدة الأمريكية فى بغداد بموافقة ملتبسة من الأمم المتحدة؟ أجاب رجل البار بـ”نعم” لكل ذلك، ثم أردف بهدوء: “إن خمرتنا يا سيدى قد خصصت للمطيعين الذين “يسمعون الكلام” كما ينبغى، لما ينبغى، وهم لا يحتاجون تلك الآثار التى تتحدث عنها، فهم يشربونها نصف نائمين، فإن كانت خمرتنا لا تعجبك يا سيدى فيمكنك أن تبحث عن بار آخر”. تلفت الرجل حوله مغيظا وهو يتمتم: بار آخر؟ أين يا ابن الأبالسة بعد كل الذى كان؟ ثم أردف: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، أستغفرك يارب، وصل الغش إلى الخمور المستوردة”.
(4)
صعد الشيخ درويش عبد ربه من عمق البحيرة إلى سطحها بهدوء نشوان، وراح يسير على سطحها بانسياب غامض وقد تأبط ذراع نجيب محفوظ الذى كان يحمل تحت إبطه روايته “زقاق المدق”، سأل محفوظ الشيخ درويش: أليس لكل شىء نهاية؟
قال الشيخ: بلى لكل شىء نهاية، و”نهاية” معناها بالإنجليزية end وتهجيتها… e n d .
توقف المترو بهزة عنيفة، فانتبه الرجل وتلفت حوله وهو لا يعرف إن كان فى محطة السيدة زينب أم عزبة النخل، وهمّ بالنزول دون أن يسأل، لكنه عاد وجلس بعد أن عرف أنه ما زال فى البداية، أمسك بالصحيفة لكنه لم يعرف ماذا يقرأ وجفونه تسقط منه.
(5)
جاءها المخاض هذه المرة عنيفا عنفا لم تشهده فى كل ولاداتها السابقة، مع أنها بكرية، فاضطروا لعملية قيصرية، لكن بعد فوات الأوان، خرج الجنين ميتا كما تمنى أبوه، ثم لحقته أمه، وقبل الدفن أثار أهلها احتمال إهمال جسيم أثناء العملية، وطلبوا تشريح الجثة، وإذا بجنين كامل آخر لم ينتبهوا إليه ما زال فى تمام الصحة والعافية. قاوم الخروج حتى لا يغتاله متربص، ثم قرر أن يخرج قبل الدفن مباشرة حاملا قدره بشجاعة، فبدا سليما فتيا فى تمام العافية.
هز الرجل رأسه هزا عنيفا وأسرع بالخروج عدْوًا وهو يتلفت، ولم ينتبه أن المحمول قد وقع منه، إلا بعد أن بحث عنه ولم يجده، لم يتوقف، كما لم يتردد فى أن يواصل صعود الدرج مسرعا وهو يتلفت.
[1] – نشرت بالدستور بتاريخ: 26-7-2006، بعنوان “حتى لو أجهضوها ألف عام، ثم فضلت تغيير العنوان الأصلى إلى العنوان الحالى .