الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أسئلة غريبة، وإجابات فاترة

أسئلة غريبة، وإجابات فاترة

نشرة “الإنسان والتطور”

14-9-2011

السنة الخامسة

العدد: 1475

أسئلة غريبة، وإجابات فاترة

مقدمة:

بظروف  خاصة وعامة تجعلنى مضطرا – بالنسبة للنشرة اليومية “الإنسان والتطور” – إلى تقديم ما لا أرضى عنه تماما، وقد يكون هو الأهم، وأكرر الاعتراف بأننى عاجز عن أستمع إلى نصيحة الإبن الجميل المثابر أ.د. جمال التركى بأن أجعلها أسبوعية،  وأتذكر كيف قامت المجلة الأم “الإنسان والتطور” بدورها خلال حوالى عشرين عاما، وهى تصدر فصلية، (كل ثلاثة أشهر) ولا يقرأها إلا بضع مئات، ومع ذلك أواصل اليومية لنصل إلى توريط نفسى فى الانسان والتطور السنة الخامسة، وأنا أدعو العلى القدير أن يهب الإبن جمال الصحة والرؤية والقدرة فى أن يواصل بدوره مسيرة الشبكة النفسية العربية، فقد بلغنى مؤخرا مثل ما أعانى وأكثر مائة مرة، ربنا يستر.

ومما يساعدنى أن أتجرأ بتقديم ما لا أرضى عنه، أن قرائى قلة تختار نفسها تلقائيا، وأغلبهم – والحمد لله – ليسوا نفسيين ، وما يصلنى من صغار الزملاء باستثناء الذين يكتبون اضطرارا لا يتجاوز أصابع أيدى اثنين منهم، إذن فلا حرج أن أنشر – حرصا على الاستمرار، مثل ما أنشره اليوم

علاقتى بالصحف التى تطلب منى الرد على أحاديث خاصة بالتخصص أو غير التخصص تزداد سوءا يوما بعد يوم، فأنا أرفض من عشرات السنين أن أدلى بأحاديث فى الهاتف، ثم عدت أرفض المقابلات الصحفية التى تتكون من أسئلة وأجوبة، وأصر أن يبعثها السائل مكتوبة بالفاكس أو بالميل، وأن أرد عليها كتابة، ثم نعتبر ذلك مسودة للقاء محتمل لاستكمال نقص المسودة، أو توضيح بعض ما جاء فيها، ودائما  لا يحتاج الصحفى (الشاب أو الشابه) أن يجرى مثل هذا اللقاء اللاحق اللهم إلا لالتقاط صورة أو اثنتين.

أتعجب كثيرا من نوع الأسئلة الصحفية المعادة، والبديهية، والمكررة، لكننى اقول لنفسى ما دامت خطرت على بال هذا الشاب (أو كلف بها من رئيسه) فهى تستأهل، وليس من حقى أن أحكم على مدى عمقها أو فائدتها ابتداء من موقف حكمى مسبق، ومن ذلك ما نشرته فى نشرة بعنوان “أين نحن الأن” بتاريخ 17/8/2011 .

أسئلة اليوم تدور حول رأيى فى مواقف مَنْ هم مع مبارك واتهاماتهم لمن يسمون الثوار، فى مقابل التعليق على مواقف الثوار على مواقف هؤلاء المبارَكَيِّين، وأعترف ابتداء أننى تعجبت لكثير من التعليقات التى وردت على لسان حال الجانبين، ولا أعرف من أين جمعتها الصحفية الشابة! ولم أتصور أنها واردة أصلا، ومع ذلك رددت عليها بعد التحفظ المبدئى فى بداية الحديث بأن هذه الردود ليست تفسيرا طبيا نفسيا، أو تحليلا نفسيا كما يتصورون.

وإليكم نص الحديث الذى لا أعرف، أو لا أذكر – على الأقل فى هذه اللحطة- اسم المجلة التى تعمل بها الشابة الصحفية التى أرسلت لى الأسئلة

د. يحيى:

من حيث المبدأ أنا لا أوافق على أن اعطى  تفسيرات طبنفسية للأحداث السياسية، الطبيب النفسى مواطن عادى، له بعض الخبرة بالأمراض، أما أن يصدر أحكاما بلغة طبية على أحداث سياسية أو على أشخاص سياسيين فينبغى أن يظل هذا فى حدود الاجتهاد الشخصى جدا.

ما تعليقك حول ما يردده انصار مبارك من شعارات مساندة له كل (واحدة على حدة من فضلك):

د. يحيى:

أولا من حق أى مواطن مصرى (بل وغير مصرى) أن يكون له رأى ما فى مبارك، وحكمه، ولا بد من قبول الاختلاف مهما بلغنا من أخبار إعلامية، لا تمثل دائما كل الحقيقة، وإن كنت أرجح شخصيا أن أغلب هذه الأخبار – وليس كلها– صحيح، فهيا إلى ما اقتطفتِ مما يقولون:

1)   الخروج عن الحاكم كفر:

د. يحيى:

أنا لم أسمع هذا الرأى، ولو من واحد سلفى حتى، وأعتقد أننا سوف نسمع مثل هذه الأقوال حين يحكمنا الذين يحتكرون تفسير كلام الله وشريعته، أما بالنسبة لمبارك، فلا أظن أن هذه حجة يرددها هو أو مؤيدوه، لأن حكمه كان أبعد ما يكون عن تمثيله للدين الحنيف الذى يقتطفون منه هذه المقولة ويستعلمونها استعمالا فى غير موضعه، وإذا كان أنصار مبارك استعملوها فما بالك للقادمين الأكثر تمسكا باستعمال مثل هذه الأقوال لتثبيت حكمهم أيا كان تحت زعم أنهم وكلاء الله

2)   الثوار المصريون وراءهم الماسونية:

د. يحيى:

أنا لا أستبعد أن يكون وراء الثوار المصريين أو غير المصريين أيد خفية لا نعرفها، لكن ليس بالضرورة الماسونية، فالذى يدير عجلة العالم الآن هى قوى خفية جدا تستعمل أى تجمع لصالحها، فلا مانع أن تستعمل الماسونية ، أو المؤسسات والجماعات غير الحكومية NGOS للحصول على مكاسب مالية واستعمارية بطرق خبيثة سفلية ملتوية، علينا أن ننتبه لكل احتمال ولا نخاف من أن يتهمونا بالتفكير التآمرى ، فلا يفل التآمر إلا التآمر

3)    مبارك لايزال الرئيس الشرعى وزعيم الامة:

د. يحيى:

أما أنه لا يزال الرئيس الشرعى فهذه مغالطة من واقع ما يسمى الشرعية الثورية، بعد أن اعلن توقف الشرعية الدستورية عن العمل مؤقتا، وهذا هو قانون الثورات الخاص، والتعامل بغيره هو غير الشرعى، حتى تستقر الأمور

أما حكاية زعيم الأمة ، فهذا أمر عجيب إذْ لم تُعط الفرصة للمصريين من أيام النحاس باشا لتختار زعيمها بحرية كافية، وإنما تسلم الزعامة العسكر من بعضهم البعض، ثم عينهم الشعب زعماء بعض الوقت فى أوقات الأزمات وبعد الخطب الرنانة ومعظمهم فشل فى الاستمرار فى زعامة الأمة لقيادتها نحو الاستقلال الحقيقى، أو التحرير الانسانى، أو الاقتصاد القادر، أو الإبداع الملهم.

4)   فساد الدولة ليس سببه حبيب العادلى او مبارك انما جماعة حزب الله:

د. يحيى:

ما هذا الكلام، ومن الذى يقول ذلك؟ أنا شخصيا لم أسمعه، ولا أوافق عليه، أنا أحترم تاريخ حزب الله ومواقفه، وإن كنت رحت أراجع نفسى فى الفترة الأخيرة نتيجة لغموض موقفه من الجارى عموما، ثم نتيجة أيضا لوقفته الغريبة مع بشار الاسد ضد المواطنين السوريين

5)   وأخيرا قالوا عنه انه ينتسب الى ال البيت وان جده كان من اولياء الله الصالحين:

د. يحيى:

الانتساب إلى آل البيت حجة قديمة غريبة، وقد استعملت هذه المقولة لتدعيم حاكم ظالم أو فاشل أو خائن من أيام الملك عبد الله الكبير الجدّ: ملك “شرق الأردن” حين قسم الغنيمة بينه وبين إسرائيل، وأيضا أرادوا أن يمدوا بها حكم الملك فاروق قبيل عزله، هذا تمحك يهين أهل البيت كما لا ينقد المتمحك به، ونبيينا الكريم صلوات الله عليه يأبى أن يٌستعمل أهله، أو الادعاء بالانتساب لأهله ، لتبرير الظلم واستمرار الطغيان أو تسويغ الخيانة.

وما تعليقك حول:

الفريق الاخر المعارض لمبارك وتفسيرك لما يقول

1- ان انصار مبارك مرتزقة وماجورين:

د. يحيى:

أظن أنهم هم أنفسهم لا يصدقون أنفسهم حين يقولون ذلك، فلمبارك أنصار حقيقيون، لا استبعد أن يستعينوا بالدولة العشوائية الأهلية الجديدة من البلطجية والشبيحة، تماما كما كان يستعملهم بوليس مبارك فى الانتخابات وغير الانتخابات،

وفى نفس الوقت ليس كل من يعارض مبارك هو من الملائكة الثوار، فقد تلوث الشباب الثائر بمداخلات سرية وعلنية شوهت صورته فى كثير من المواقف حتى بدوا هم أيضا مرتزقة، والله أعلم، والتاريخ وبعض المحاكمات سوف تحكم على هؤلاء وأولئك بشكل أو بآخر.

  1. انصار مبارك انصار اسرائيل:

د. يحيى:

أنصار إسرائيل فى مصر هم أى فريق يتهاون فى العمل على استقلال اقتصاد مصر، أو يساهم فى إضعاف جيشها، أو التفريق بين مواطنيها إلى فرق وأديان متناحرة ، مبارك نفسه لا يمكن الحكم عليه أنه من أنصار إسرائيل على طول الخط إلا فى حدود فتور مواقفه فى مواجهتها بحسم تستأهله فى كثير من الأحيان، وأيضا حين يتراخى فى حسم موقفه حول إبادة الفلسطينين، أو تجويع غزة، أو بناء السور أو حين يتهادون فى حقوق مصر السيادية والاقتصادية

  1. مبارك الرئيس النازى:

د. يحيى:

أيضا مبارك لا ينطبق عليه وصف النازى، برغم تمادى ظلمه وجبروته، لكنه ليس عنصريا، والحزب الوطنى المزعوم أخيب من أن يمثل طبقة عنصرية بذاتها فقد اكتفى بتمثيل طبقة المنتفعين اللصوص مع استثناء بعض المستثمرين الوطينيين الشرفاء حسنى النية الذين لا أستطيع أن أحددهم، وإن كنت لا استبعد إنتمائهم للسلطة لصالح أعمالهم، فالوطن

  1. انصار مبارك افراد شرطة سريين:

د. يحيى:

وهل توجد شركة علنية حتى نتكلم عن شرطة سرية، يا ابنتى خلها فى سرك، ومع ذلك فأنا لا أستبعد كما ذكرت حالا أن يستعين أى فريق بمن تولى مهام الشرطة الشعبية الغوغائية، وهم من يسمون البلطجية والشبيحة

أسئلة أخرى:

1- كيف ترى شباب الالتراس هل هم جماعة بناء ام هدم:

د. يحيى:

هذه الكلمة مستحدثة، وقد دخلت قاموس الشارع المصرى من باب لم أكن أود أن يتشوه بمثل تصرفاتهم، وهو باب الرياضة، وتحت اسم النادى الأهلى بوجه خاص، وأنا لا أتصور أنه يمكن تقسيم أنواع البلطجية إلى أهلوية وزملكاوية، أو إلى التراس وشبيحه، يكفينا ما نحن فيه من بلطجة مأجورة، وغوغائية متوحشة بدائية، مما لا يحتاج إلى أسماء تدليل مستوردة

ما تعليقك حول:

1- ما فعلوه وما قالوه من الفاظ امام وزارة الداخلية؟

د. يحيى:

أنا لم أتابع ما فعلوه أو قالوه تفصيلا إلا من أخبار الصحف، لأننى لا أتابع المليونات على مختلف تشكيلاتها، ثم إنى أحمّل الإعلام مسئولية الإثارة غير المسئولة، وأيضا مسئولية ترويج الإشاعات، والتزيد فى المبالغات، بقصد أو بجهل، وفى حدود ما قرأته فما حدث أمام وزارة الداخلية، أو فى مديرية أمن الجيزة، أو قبل ذلك عند مسرح البالون هو سلسلة متصلة تعلن غياب الدولة، والافتقار إلى الأمن أكثر مما تعلن غلبة وأهمية فريق بعينه

    2-  كيف ترى رد فعل الشارع المصرى عن عودة العمل صراحة بقانون الطوارئ؟

د. يحيى:

الشعب المصرى لا يحتمل هذا الاسم – الطوارىء– وخاصة وقد استعمله نظام مبارك طوال ثلاثين عاما دون مبرر، كلمة “الطوارئ” فى ذاتها تعنى إجراء عاجلا ومؤقتا تضطر السلطة لاتخاذه نتيجة لظروف استثنائية، وبالتالى فأى قانون يسمى بهذا الاسم هو مغالطة صريحة إذا استمر لسنوات، قوانين الطوارئ تستعمل فى حدود وجود الظرف الاستثنائى  الذى استدعى اللجوء إليها، ولا أظن أن هناك ظرفا استثنائيا يستمر ثلاثين عام

أما الآن فيوجد ظرف استثنائى فعلا، لكن لم يعد لقانون الطوارئ هيبته لمواجهة هذا الظرف، لأن الدولة القادرة على استعماله غير موجودة أصلا، ولأننا تعودنا على وجوده فلم يعد يصلح للاستعمال الاستثثنائى،

 وبعد كل هذه المقدمة، فأنا أعتقد أن الشارع المصرى يسمع مثل هذا الكلام “ويبتسم” لأنه يعيش ما جاء فى هذه المقدمة بدرجة ما من الوعى طوال تلك المدة الممتدة عدة عقود “استثنائية”.

3-كيف ترى سيناريو محاكمات مبارك وإلى أين ستنتهى؟

د. يحيى:

لم أرتح أبدا لإذاعة المحاكمات بالصوت والصورة اللهم إلا ردا على الشائعات، وقد حمدت الله أن انتبه القاضى العظيم أحمد رفعت فأوقف هذا العرض المثير للجدل، كما أننى لم أرحب بمنظر مبارك وهو على سريره أمام عدالة المحكمة، لأنه لا يوجد عنده – على ما أعلم- مرض يلزم مريضا بالاستلقاء طول الوقت راقدا، وقد خطر لى أن الجلوس على كرسى متحرك أمام المحكمة كان سيبعث رسالة احترام له وللمحكمة، بدلا من هذا المنظر الذى لا يبرره طب ولا سياسة، وأرجح أنه مناورة محامينه لاستدرار عطف الناس على حسابه وحساب المحكمة لا أكثر

أما المحاكمة ذاتها، فأنا أثق فى قضائنا المصرى ثقة بلا حدود، وسوف أقبل حكمه فى حدود مبدأ الشرعية، ما دام قانون الغدر لم يصدر ليحدد شرعية جديدة، فليس لمخلوق من أى من الجانبين أن يعلق على أحكام قضائنا حتى لو جاءت البراءة نتيجة لذكاء المتهم وليس لطهارة ذيله، ثم بعد ذلك توجد درجات قضائية للاستئناف والنقض، كما توجد محكمة التاريخ، وأيضا محكمة الله رب العالمين، وحتى محكمة الشخص نفسه على نفسه (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره).

ما التفسير النفسى لعمليات الانتقام والقتل للبلطجية والتى يتعمد فيها تقطيع وتمثيل بالجثث بصورة غير ادمية. هل من يقومون بذلك أسوياء نفسيا؟

د. يحيى:

قلت من البداية أننى لا أحكم على الساسة بالسواء النفسى من عدمه، فما بالك بالحكم على جمهور الناس، هذه الاعمال تدل أولا: على غياب الدولة. ثانيا: على سوء فهم الشرع. ثالثا: على انطلاق البدائية. رابعا: على أن الناس فى سبيلهم لأخذ حقوقهم بيدهم دون محاكمة أو محاكمة،

وكل هذا خطر وخطأ حتى لو كان الضحية بلطجى قاتل، اللهم إلا فى حالة الدفاع عن النفس

أما حكاية القسوة والوحشية هكذا، فانا أستبعد أن تكون دليلا على تحول الشعب المصرى إلى ذلك، وأرجح أن تكون حدثا استثنائيا للأسباب السالفة الذكر، ولا أتوقع أن تتكرر من الشعب الذى أعرفه وأحبه مهما أخطأ.

ما هى التركيبة النفسية  للمواطن المصرى بعد 25 يناير؟

د. يحيى:

كتبت كثيرا عن أن التغيير لا يحدث بين يوم وليلة، ولا عدة أسابيع، ولا عدة شهور، ولكنه يعلن فى وقت بذاته حين يظهر على السطح نتيجة لتراكم ممتد عبر سنوات، ثم هو يكتمل أيضا بممارسات مختلفة بعد هذا الإعلان عبر سنوات، ويمكن الرجوع إلى بعض ما كتبته فى ذلك فى موقعى www.rakhawy.org

–         نشرة : 3/8/2011 بعنوان: ماذا يحدث فى المصريين؟:”هنا والآن”؟!!

–         نشرة: 6-6-2011 بعنوان: الثورة: إبداعٌ جماعى وإيقاع حيوى

–         نشرة: 23-3-2011بعنوان: أسئلة وأجوبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *