“يومياً” الإنسان والتطور
28-8-2008
العدد: 363
أحلام فترة النقاهة “نص على نص”
نص اللحن الأساسى (حلم 85)
هذه محطة ترام وأنا حائر بين أبعادها لانتظار مجئ ترام ما، ولكن ترقبى لسطوع القمر فى النافذة المطلة على المحطة حيث أختلس نظرة بعد نظرة. وأتمادى فى الطلب وما أكثر الأصدقاء الذين يسألوننى. حتى متى تبقى وحشتى. ولكن أنا فى رحلة لا مفر منها كأنها قضاء وقدر، والحق أنها رحلة شاقة مرهقة وأطول مما تصورت وعند العودة لم يتبين لى إلا قفص مربع هو النافذة ووجدتها بموضعها ولكنها بدت واجمة لا تستجيب ولا تجيب، وكما كنت بالأمس، وقفت تحت النافذة منتظرا غير عابىء بالمارة وأخيرا هبط على صوت حديث كالهمس يتخلله ضحك مكتوم.
ثم سمعت صوتا يتساءل:
– ما حكاية الرجل الذى يقف تحت النافذة؟
فأجابه صوت ضحكتها:
– إنه يبكى عن ذكرى حبيب ومنزل.
التقاسيم:
…شككت فى نفسى، فأنا صحيح أقف من مدة تحت النافذة، لكننى لم أصدر أى صوت، ولا أنا بكيت أصلاً، فالتفت إلى يمينى فوجدته يبكى بحرقة وتساءلت كيف لم أسمعه وهو بكل هذا القرب؟ ورحت ألوم نفسى أننى لست أنا الذى كنت أبكى، وتصورت أنه كان علىّ أن أبكى وأنشج بصوت مرتفع حتى تسمعنى، وقد تتعطف علىّ بإطلالة، أو على الأقل أنال نصيبى من هذه التعليقات الحانية الساخرة معا.
لاحظت أن دموع الرجل بجوارى تسيل فعلا بغزاره، وهو غارق فى صمته، ثم أخذت الدموع تتجمع، وتتوالد، وتتكاثر، ثم تتدفق بسرعة مذهلة، وكأنها شلال يهدر، حتى راحت تحفر فى الأرض مجرى سرعان ما اتسع وصار نهرا جاريا يتلألأ ضوء القمر على صفحته، فقفزت إلى الزورق الذى اقترب من الشاطئ وكأنه يدعونى شخصيا إليه.
وجدتنى بين الأصدقاء الذين كانوا يسألوننى عن وحشتى وحتى متى تبقى، ودون أن أجيبهم وصلهم جوابى، مؤتنسا بهم، فأداروا جرامافونا راح يصدح بصوت عبد الوهاب “أنا راح زمانى هدر، ولا كانش عندك خبر”، فتغيرت حالى، وأفقت ممتلئا رعبا، ورحت أجرى حتى قفزت إلى الماء دون تردد، وعجبت أنهم لم يحاولوا أن يحولوا بينى وبين ذلك، ولا حاول أحدهم اللحاق بى لإنقاذى.
يتغير المنظر لأجدنى فى ترام آخر، ليس تراما تماما، وسمعت الميكرفون يعلن وصول الديزل الأسبانى إلى محطة طنطا، ووجدتها تركب القطار وتتجه إلى الكرسى الوحيد الخالى بجوارى، فتزحزحت قليلا نحو النافذة، لكنها مضت فى الممر حتى تجاوزتْنى، واستمرت حتى نزلت من باب العربة الناحية الأخرى،
وقام القطار مواصلا رحلته إلى الاسكندرية وقد عادونى رعب الزورق والأغنية، ونظرت من النافذة، لكن القطار كان يسير بأقصى سرعته.
* * *
(حلم 86)
كلفت بحمل رسالة إلى المرحوم الدكتور حسين فوزى، فقلت له إن معى عرضا لإعادته فى الخدمة مع زيادة ملموسة فى الراتب. وتخصيص حجرة فاخرة لمقامك.
ضحك الدكتور وقال إنه لا يهمه الراتب ولا الحجرة، ولكن يهمه احترام فكره وكرامته.
ورجعت وفى يقينى أن مهمتى قد فشلت.
التقاسيم:
… فرحت بفشلها وكنت تمنيت ألا تنجح، لكن ما أن وصلت إلى منزلى حتى دق جرس التليفون، ووجدت أن المتحدث هو الدكتور حسين فوزى، ودق قلبى خوفا من شئ ما، تحققت مخاوفى حين سألنى دون مقدمات تبريرية: هل عندك فكرة كم ستكون الزيادة فى الراتب، فأجبته أننى لست متأكدا ولكنى سمعت أنها ستكون إلى الضعف، فقال لى: قل لهم أننى قبلت العرض على شرط أن أقتسم الزيادة مع صديقنا توفيق الحكيم، أبديت دهشتى ولم أقل له، وماله توفيق الحكيم بالموسيقى، فقال: عندى مشروع سرى أنا وهو لم نخبرك به لأننا نعلم أنه لا تُبَلُّ فى فمك فوله، قلت معترضا، مع أننى أعرف صدق قوله: أنا؟ قال نعم، ومع ذلك سوف أقوله لك: إنه مشروع تحديث الحضارة الغربية بما يليق بهم.
قلت له فى دهشة بالغة: بهم أم بنا؟
قال مؤكدا: بهم، مالنا نحن والحضارة من أصله
قلت: أليسو هم أولى بتحديث أنفسهم
قال: نعم
قلت: فماذا إذن؟
قال: خلاص، أنا عند رأيى الأول، أبلغهم أننى رفضت العرض جملةً وتفصيلا، الآن ومستقبلا.