“يومياً” الإنسان والتطور
9-10-2008
السنة الثانية
العدد: 405
أحلام فترة النقاهة “نص على نص”
نص اللحن الأساسى (حلم 97)
هذه حجرة السكرتارية حيث أمضيت عمرا قبل إحالتى إلى المعاش وحيث زاملت نخبة من الموظفين شاء القدر أن أشيع جنازاتهم جميعا واسترقت نظرة من داخل الحجرة لأرى من خلفونا من الشباب فكدت أن أصعق لأنى لم أر سوى زملائى القدامى واندفعت إلى الداخل هاتفا سلام الله على الأحباب متوقعا ذهولا واضطرابا ولكن أحدا لم يرفع رأسه عن أوراقه فارتددت إلى نفسى محبطا تعسا ولما حان وقت الانصراف غادروا مكاتبهم دون أن يلتفت أحد نحوى بما فيهم المترجمة الحسناء ووجدت نفسى وحيدا فى حجرة خالية.
التقاسيم:
…حاولت أن أتأكد أننى لم أخطئ المكان، اتجهت نحو نتيجة الحائط أتأكد من التاريخ، فوجدت كل أوراقها بيضاء تماما، وحين التفتُّ ورائى وجدت المدير العام خلفى، وهو الذى كنت أحترمه ويقدرنى، فسألنى ما الذى جاء بك إلى هنا فى هذا الوقت الحرج، فحكيت له ما كان، فقال لى، لكن أغلب من تحكى عنهم قد رحلوا إلى جوار ربهم، فقلت له: “أعلم ذلك، لكن هذا هو الذى حصل”، وهنا لمح نتيجة الحائط التى كنت مازلت أقف بجوارها، ونظر إلىّ نظرة ملؤها الشك برغم ما بيننا من تقدير واحترام، وأخذ ينزع الورقة تلو الورقة فلا يجد إلا بياضا وخلفه بياض، فالتفت إلىّ وقد ازداد شكه وتغيرت ملامحه وسألنى متّهِماً: “هل أنت الذى مسحت البيانات من على أوراق النتيجة؟” قلت له بسرعة: “سيادتك هو المدير هنا، وسيادتك سيد العارفين أنه لا أحد فى الدنيا يستطيع أن يفعل ذلك”.
قال بهدوء: فى الدنيا نعم، لكن فى الآخرة يُمكن ونصف.
قلت له: وهل نحن فى الدنيا أم فى الآخرة،
قال: وكأنه يتراجع عن اتهامى: إيش عرفنى؟!!
****
نص اللحن الأساسى (حلم 98)
من موقفى على الطوار أرسلت بصرى إلى الحديقة من خلال قضبان السور الحديدية، وهناك رأيت مالكة فؤادى وهى توزع شيكولاته على المحبين فاندفعت جهة باب السور حتى بلغت مدخل الحديقة وأنا ألهث وواصلت الجرى فى الداخل ولكنى لم أعثر للمحبوبة على أثر فهتفت بحدة لاعنا الحب. وحانت منى التفاتة إلى الخارج فرأيت الفتاة فى الموضع الذى كنت فيه وهى تتأبط ذراع شاب بدا أنه خطيبها، وهممت بالرجوع من حيث أتيت ولكن أقعدنى الإرهاق وطول المساءلة وفوات الفرصة.
التقاسيم:
… وانصرفت إلى حيث كنا قد تواعدنا لتناول العشاء، وكأن الذى جرى ما كان، ونسيت ما حدث، وكأنه لم يحدث، ولم أعرف كيف نسيته، وحين حضر النادل وسألنى ماذا أشرب قلت له “كاساتاً بالكريمة، قال.. “ماذا؟” فانتبهت وتأسفت وقلت له” “أعنى أيس كريم مع سلطة فواكه، فقال: ..”يا سيدى أنت تعلم أن هذا محل أسماك، وأننا لا نقدم إلا ما هو اختصاصنا، ويمكن أن تبحث عن مطلبك فى مكان آخر”، وقبل أن يتم كلامه دخلت علينا مالكة الفؤاد وعلى وجهها ضحكه واسعة رائقة، وراحت تعتذر بأن الطريق كان مزدحما وأنها لم تترك العمل إلا متأخرة وأنها كانت متلهفة على رؤيتى طول الوقت لترتيب اللمسات النهائية لحفل خطوبتنا، وأنها نسيت المحمول بالمنزل، ففضلت أن أصدقها، وأنا أقول لنفسى يخلق من الشبه أربعين،
لكن الشاب الذى بدا لى أنه خطيبها وأنا خارج سور الحديقة دخل فى إثرها وجاء إلى مائدتنا مباشرة فقامت تستقبله بحرارة، وعرفته علىّ ثم عرفتنى به باعتباره خطيبها، فسألتها وأنا أدور حول نفسى: “ونحن”؟ قالت: “نحن مالنا”؟ هل عندك مانع؟ أخذت أقلب النظر بينها وبينه وفى نفسى، ثم قلت كأنى مخدر: “أبداً”.
فتأبطتْ ذراع الشاب، وقبّلتنى يمينا ويسارا على خدى، واستأذنا، وانصرفا.
وبقيت فى مكانى حتى جاء النادل فطلبت سمكا مشوياً حارا بالردّة دون تنظيف