“يومياً” الإنسان والتطور
26-6-2008
العدد: 300
أحلام فترة النقاهة “نص على نص”
نص اللحن الأساسى (حلم 67)
بناء كبير ستجده فى الأصل كان مبنى الوزارة التى كنت موظفا بها ولما رأيت الشباب يعود إليها – راودتنى نفسى على ارتيادها. فى الداخل قابلت نفرا من الزملاء القدامى فانشرح صدرى للقائهم وسرنا من حجرة إلى حجرة ومن ذكرى إلى ذكرى حتى بعثنا الماضى من مرقده. ومررنا بسلم واسع عجيب فصعدت من فورى إلى الطابق الثانى هناك رأيت شبابا كثيرين كلما رآنى أحدهم تجهم وجهه وألقى على نظرة مستنكرة انتفض قلبى وشعرت برغبة فى التبول. وبحثت هنا وهناك حتى استقرت عيناى على لافتة ترشد إلى دورة مياه فى ممر بين الحجرات فهرعت إليه ولكنى وجدت عمالا عاكفين على إنجاز مشروع لم يتم تنفيذه لا يصلح للاستعمال رجعت من حيث أتيت. وسرعان ما اكتشفت بأنه لا سبيل إلى الفرج إلا بالعودة إلى الطريق.
التقاسيم
…لحقنى أحد الزملاء القدامى وطلب أن أؤجل هذه المهمة لأن رئيسنا السابق قد حضر لتوه، وأنه علم بوجودى فأرسله مسرعا حتى يلحقنى قبل أن أنصرف، فرحت بهذه الدعوة، فقد كان طيبا معى فوق الوصف، إلا أن رغبتى فى التبول زادت أضعافا فى نفس اللحظة، ولم أعرف هل اعتذر وأواصل البحث عن مكان أقضى فيه حاجتى، أم أفرّ بجلدى من خطر مجهول، تسمرت فى مكانى وطالت الوقفة حتى انصرف الزميل وهو يقول: أنت حر،
ظللت متجمدا وأنا أتساءل: هل أنا حر حقا؟
ثم توالت المناظر دون فواصل:
وجدت نفسى فى ميدان ليس له حدود، وحين أمعنت النظر اكتشفت مبنى أثريا على ناصية الشارع الوحيد على طرف الميدان، وتبينت أنه مبنى الوزارة الأصلى بصورته القديمة قبل التحديث، ثم فجأة اختلف الموقع، فوجدت نفسى فى مقابر الإمام الشافعى، ثم وأنا أختم صلاة العشاء إماما فى سيدنا الحسين، وحين انحرفت عن القبلة لأكمل ختم الصلاة اكتشفت أن المصلين خلفى كانوا خليطاً من أهل الصعيد، ربما من ملوى بالذات، لكن من هذا الذى بينهم؟ ياخبر!! الشيخ حسن نصر الله شخصيا؟ فخجلت، واعتذرت له أنه كان أولى بالإمامة، وإذا به ينحنى على يدى وأنا فى حال، فانهارت دموعى تبلل لحيته وهو يقبل يدى، وما أن رفع رأسه حتى سألته وأنا أكاد أحتضنه، وفى ذهنى قول زميلى “أنى حر”، سألته: يا شيخ حسن هل أنا حر حقا؟
فالتفت الشيخ حسن إلى المنبر، فنظرت حيث ينظر وإذا بعمرو موسى جالس ينتظر انتهاء المؤذن من الآذان الثانى، وهو ممسك بسيف خشبى، وهو يتمايل ويتمتم،
فتبادلنا النظرات أنا والشيخ حسن،
ولم أكرر السؤال.
* * *
نص اللحن الأساسى (حلم 68)
ما أجمل هذا المكان. إن سماءه وأرضه وما بينهما تتألق بلون الورد الأبيض. وجوه آية فى النقاء والصفاء. أما معجزته الحقيقية فهى أنه جمع أصدقاء العمر الأحياء منهم والأموات دون أن يثير ذلك دهشة أحد. فلا نحن سألناهم عما وجدوا فى العالم الآخر ولاهم سألونا عما حدث فى الدنيا عقب رحيلهم.
ولكنا وجدنا أنفسنا جميعا فى اللهو متمنين أن تدوم الحال، غير أن الحال لم تدم إذ هبطت من السماء سحابة سوداء، حتى ساد الظلام وفرق بيننا وأنهمر مطر مثل الشلالات وتتابع البرق والرعد دون هدنة حتى بلغت القلوب الحناجر.
وهنا تسلل لأذنى أصوات بعض الأصدقاء
قال الأول ‘إنها النهاية’.
وقال الثانى ‘إنى لمحت عند الأفق قبسا من الفرج’.
وقال الثالث ‘مهما يكن من الأمر فلا مفر من الحساب’.
التقاسيم
… حين انقشع الظلام وتوقف المطر – وجدنا أننا قد قسمنا إلى فريقين متميزين، الأحياء فى ناحية والأموات فى ناحية ولم أجد نفسى بين أى من الفريقين، واحتج الأموات قائلين: لقد حوسبنا مرة، فكيف نحاسب من جديد، فجاء رد ميت آخر أنه، كان علينا أن نحذر أن نختلط بهؤلاء الأحياء إذ يبدو أنهم خدعونا وحمّلونا ذنوبهم، فقال ميت ثالث: لو كنت أعرف أن المسألة هكذا كنت أقررت بكل ذنوبى، وارتحت، وأخذ الأحياء يستمعون إلى هذا الحوار فى عجب وعدم فهم بالغين.
بلغت بى الحيرة حَداً لم أعد أحتمله، وعزمت أن أنضم إلى فريقى، لكننى لم أعرف أحقية انتمائى إلى أى من الفريقين، فقرصت فخذى فتألمت فعرفت أننى من الأحياء، فاندسست بينهم، لكن أحدا منهم لم يتعرف علىّ مع أنهم أصدقاء العمر، فشككت فى نفسى، فتسحبت إلى حيث الفريق الآخر، وقرصت أحد أصدقائى الموتى فجأة وبشدة، فإذا به يقفز من فرط الألم، وحين استدار ورآنى تعرف علىّ، وتصورت أنه سيأخذنى بالحضن يعوّضننى عن تنكر الأصدقاء الأحياء، وإذا به يصفعنى حتى صفرت أذنى مثل بوق عربة بوليس النجدة، فراح يقبل رأسى وهو يعتذر ويتأسف وهو يزعم أنه لم يتحقق من أننى “أنا” هو أنا فعلاً.
صدقته وقلت له بتوسل جاد: ما دمت عرفتنى هكذا، فهل يمكن أن تخبرنى هل أنا منكم أم منهم؟
قال لى: ماذا تقول يا رجل؟ هل هذا كلام؟