الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / أحلام فترة النقاهة “نص على نص” حلم 59 & 60

أحلام فترة النقاهة “نص على نص” حلم 59 & 60

“يومياً” الإنسان والتطور

29-5-2008

العدد: 272

أحلام فترة النقاهة “نص على نص”

اللحن الأساسى (حلم‏ 59)

إنه‏ ‏عجيب‏ ‏لطول‏ ‏قامته‏.. ‏عجيب‏ ‏فى ‏سلوكه‏، ‏أما‏ ‏عن‏ ‏قامته‏ ‏فهى ‏مثل‏ ‏مئذنة‏ ‏الزاوية‏، ‏وأما‏ ‏عن‏ ‏سلوكه‏ ‏فإنه‏ ‏يعترض‏ ‏سبيل‏ ‏من يختار من‏ ‏أهل‏ ‏حارتنا‏، ‏ويحنى ‏قامته‏ ‏المديدة‏ ‏حتى ‏يوازى ‏وجهه‏ ‏وجهه‏، ‏ويتفرس‏ ‏فى ‏أساريره‏ ‏بإمعان‏، ‏كأنما‏ ‏يبحث‏ ‏عن‏ ‏سر‏ ‏دفين‏، ‏ويمضى ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏نحو‏ ‏المقصد‏ ‏حتى ‏يختفى ‏عند‏ ‏المنحنى .. ‏وتلقاه‏ ‏الناس‏ ‏بدهشة‏ ‏واجمة‏ ‏وامتعاض‏ ‏شديد‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏أحدهم‏ ‏تبعه‏ عن ‏بعد‏ ‏ليكشف‏ ‏أمره‏، ‏ولما‏ ‏طالت‏ ‏غيبته‏ ‏خرجت‏ ‏جماعة‏ ‏من‏ ‏الأهل‏ ‏والجيران‏ ‏للبحث‏ ‏والإطمئنان‏ ‏ولكنها‏ ‏رجعت‏ ‏مخيبة‏ ‏الرجاء‏.‏

عند‏ ‏ذاك‏ ‏جاء‏ ‏دور‏ ‏شيخ‏ ‏الحارة‏ ‏فنهض‏ ‏ليؤدى ‏واجبه‏، ‏ورجع‏ ‏الرجل‏ ‏جريح‏ ‏الكبرياء‏، ‏وانقلب‏ ‏الحادث‏ ‏إلى ‏حكاية‏ ‏على ‏كل‏ ‏لسان‏، كثرت‏ ‏حوله‏ ‏الأفكار‏ ‏والظنون‏، ‏ولكن‏ ‏بلا‏ ‏جدوى ‏فطواه‏ ‏النسيان‏ ‏أو‏ ‏كاد‏.‏

وذات‏ ‏يوم‏ ‏كان‏ ‏شيخ‏ ‏الحارة‏ ‏يسامر‏ ‏إمام‏ ‏الزاوية‏ ‏إذ‏ ‏شعر‏ ‏بوجود‏ ‏يحل‏ ‏فى ‏وجوده‏، ‏ورأى ‏أمره‏ ‏العجيب‏ ‏بل‏ ‏ولمح‏ ‏قبسا‏ ‏من‏ ‏سره‏ ‏الذى ‏حير‏ ‏الناس‏، ‏وقرر‏ ‏فى ‏الحال‏ ‏القبض‏ ‏عليه‏، ‏وأذاع‏ ‏ما‏ ‏عرفه‏ ‏من‏ ‏سره‏ ‏على ‏الملأ‏.‏

وهم‏ ‏بالقيام‏ ‏ولكن‏ ‏خانته‏ ‏قواه‏ ‏جميعا‏، ‏فلم‏ ‏يستطع‏ ‏أن‏ ‏يتحرك‏ ‏ولم‏ ‏يستطع‏ ‏أن‏ ‏ينطق‏.‏

التقاسيم:

… شاع بين الناس أن شيخ الحارة هو الذى أخفاه داخله قصدا، ومن البداية، وبعضهم اتهمه أنه هو هو، وأنه اتفق مع إمام الزاوية على كل شئ، وان تمثيلية إذاعة السر لا تَخْفى على أحد، فقد كان الناس كلهم يعرفونه، فما معنى إذاعته هكذا؟

وظل شيخ الحارة فى موقعه لا يتحرك ولا ينطق ولا يدافع عن نفسه ولا يموت.

…انقطعت عنى أخبار حارتنا كل هذه السنين بسبب النسيان والسفر والدراسة، وبعد عودتى قابلته فى ميدان التحرير تعرفت عليه من شعاع عينيه فقط، فقد صارت قامته إلى عكس ما كانت، صار قزما أحدبا، لكنه غير منفّر، بل بدا لى أقرب إلى أقزام السيرك المهرجين بالإضافة إلى الحدبة أعلى ظهره، لكنه عاد يزاول مهمته وشعاع عينيه لم يتغير كان مازال يعترض بعض المارة وهو يشب على أطراف أصابعه فينحنون له وكأنه يجذبهم بشعاع عينيه، ولم يكن يبحث عن السر هذه المرة بل كان يقرأ الطالع، فكانوا يسلمونه عيونهم دون حرج،

لا أعرف كيف تذكّرنى بسهولة، واتفقنا أن نزور حارتنا القديمة بعد أن تأكدنا من استحاله معرفة السر برغم أن كل الناس عرفوه قبل إذاعته، طلب الرجل أن نعود شيخ الحارة حين أخبرته بما صار إليه، لا يتحرك ولا ينطق ولا يموت، فمضينا إليه، وإذا بالمفاجأة تنتظرنا لتذهلنا فور دخولنا عليه: قفز شيخ الحارة وهو يصيح “الله أكبر الله أكبر”، حدثت المعجزة، راح شيخ الحارة يفسر لنا كيف عرف الرجل بعد أن صار قزما أحدبا وهو الذى كان طول مئذنه الزاوية، إنه شعاع العينين الذى لم يتغير، وفحصه للناس وانجذابهم إليه، سأله القزم عن إمام الزاوية، فقال شيخ الحارة: لعنه الله ذهب إلى الجحيم،

لمحت فجأة تغيرا فى لهجته وتعبيرات وجهه وإشارات يديه، اختفت الفرحة بمعجزة الشفاء، وتوجستُ شرا كأنه أرسل إشارات سرية للمخبرين للقيام بالواجب، فقررت أن نهرب بأسرع ما يمكن، وحين التفت إلى جانبى لأغمز لصاحبى بالفكرة، لم أجده.

****

اللحن الأساسى (حلم‏ 60)

دققت‏ ‏جرس‏ ‏الباب‏ ‏ففتح‏ ‏عن‏ ‏ثلاث‏ ‏فتيات‏ ‏يقينا‏ ‏أنى ‏لا‏ ‏أعرفهن،‏ ‏لكننى ‏شعرت‏ ‏بأننى ‏لا‏ ‏أراهن‏ ‏لأول‏ ‏مرة‏. ‏سألت‏ ‏عن‏ ‏السيدة‏ ‏صاحبة‏ ‏الشقة‏ ‏فأجبن‏ ‏بأنها‏ ‏مازالت‏ ‏فى ‏الحج‏ ‏ولم‏ ‏يعرفن‏ ‏بعد‏ ‏ميعاد‏ ‏عودتها‏. ‏وسرن‏ ‏بى ‏إلى ‏حجرات‏ ‏الشقة‏. ‏وعند‏ ‏فتح‏ ‏كل‏ ‏باب‏ ‏أرى ‏جماعة‏ ‏حول‏ ‏مائدة‏ ‏مستديرة‏ ‏غارقين‏ ‏فى ‏مناقشة‏ ‏حادة‏ ‏ولكنى ‏لم‏ ‏أعرف‏ ‏أى ‏موضوع‏ ‏يناقشون‏ ‏من‏ ‏اختلاط‏ ‏الأصوات‏ ‏وتداخلها‏. ‏ولم‏ ‏أرغب‏ ‏فى ‏الدخول‏ ‏فى ‏أى ‏غرفة‏ ‏مفضلا‏ ‏انتظار‏ ‏السيدة‏ ‏صاحبة‏ ‏الشقة‏. ‏ولفتت‏ ‏نظرى ‏إحدى ‏الفتيات‏ ‏بأن‏ ‏السيدة‏ ‏سوف‏ ‏تتأخر‏ ‏بضعة‏ ‏أيام‏ ‏ومن يأسى ‏أجبتها‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أشتركت‏ ‏فى ‏المناقشات‏ ‏دون‏ ‏جدوى ‏أننى ‏أفضل‏ ‏انتظار‏ ‏عودة‏ ‏السيدة‏.‏

التقاسيم:

.. لا أعرف إن كنَّ قد سمحنَ لى بالانتظار أم خفنَ من إصرار عينىّ، مددت يدى على رف فى الصالة دون حاجة إلى استئذان، فقد اختفت الفتيات الثلاثة لا أعرف متى، فوجدت بين يدى كتابا من الكتب القديمة ذات الورق الأصفر والرائحة العتيقة، فتصورت أنه كتاب فى الدين أو فى الجنس أو فيهما معا، لكننى حين فتحته وجدت أن به تسجيلات كل الأحاديث التى كانت تدور فى الحجرات، وتعرفت على صوتى من خلال السطور، وتأكدت من أننى اشتركت فى المناقشات، مع أننى لم أدخل أية حجرة اصلا.

عادت صغرىِ الفتيات الثلاثة، وكانت أجملهن، وسألتنى إن كنت أشرب شيئا، فشكرتها، فأردفتْ إن كنت فعلا سوف أنتظر الحاجّة كل هذه الأيام هنا فى البيت، فأجبت بالإيجاب، قالت وهى غير متحجبة، وأين ستنام؟ قلت أنت وما ترين. وحين نبهتنى أنه لا يوجد مكان للنوم أصلا. أبديت عدم فهمى، فقالت: إن كلمات الأحاديث تشغل الحجرات كلها أكثر مما كانت أثناء المناقشات، بحيث لا تعود تتسع لموضع قدم بعد انصراف المتناقشين، فسألتها وأين تنامين أنت؟

قالت: أنت مالك؟!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *