اليوم السابع
الأحد : 6-10-2013
آلهة وأصنام
لا يبدوا فى الأفق – فى الوقت الحاضر- بديلا عن ما يسمى الديمقراطية، فلا مفر من أن نستعملها أمرا واقعا لكنه ينبغى أن يظل مرا علقما، لأنه يظل اضطرارا مؤقتا، أما أن نقدسها ونكرر ببلاهة مستسلمة أنها بما تلوثت به من ألاعيب الإعلام وبيع الأوهام: هى الحل، فإننا نحيلها إلى صنم يُعبد، وهى ليست إلا تصبيرة حتى يبتدع لنا الإنسان المعاصر بتكنولوجيته الفائقة القدرة، وإبداعه المتحدى، ما نقيس به “وعى” الناس الحقيقى، لا مجرد رأيهم الظاهر الملعوب فيه وبه، بما يحافظ على بقائهم ويكرمهم بشرا، فيحميهم ممن يتاجر باحتياجهم ويسخرهم لخدمة أغراض غير واعين بها وأسياد لم يختاروهم .
ذكرت فى يومية الجمعة أول أمس ما قاله روجيه جارودى عن الآلهة المزيفة المعاصرة صناعة القوى الاستعلائية المستغلة: إلهىْ “القوة”(السلطة) و”التنمية”(التكاثر)، وكنت قد ربطت ذلك بمقالى السابق عن الأديان المزيفة بطقوسها: من أبواق الإعلام المبرمج سرا وعلانية، وأصنامها من الصناديق وقرابينها من أوراق الاستفتاءات، وأيضا حَجَّهَا فى المظاهرات المدارة عن بعد بالريموت كونترول.
يمكن أن نفهم ما كان يقصده جارودى، بإلهىْ “القوة”(السلطة) و”التنمية”(التكاثر). حين يجرؤ أى واحد –مثلى- إلى التنبيه إلى مدى ضعف مصداقية الديمقراطية المتاحة وتوظيفها لخدمة المال والسيطرة، فينهَى عن تقديسها مع أنه يقبل باستعمالها اضطرارا مؤقتا، فيُتهم بالهرطقة، تماما مثلما كان يـُتهم بالهرطقة من يكتشف نظرية علمية جديدة لا تتفق مع نصوص الكتاب المقدس، وأيضا مثل من يجتهد الآن فى فهم أو استلهام ما أنزل الله تعالى فيُتهم بالكفر والزندقة لمجرد أنه قدم ما استوحاه من كتاب الله لصالح ما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، لأنه خالف ما أجمعت عليه “الجماعة” زمان (أو “الجماعة” الآن).
حين انتبه جارودى إلى زيف هذه الآلهة المعاصرة، ورأى فى الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الشرك أخفى على النفس من دبيب النملة، أسلم، لكن لا بد أنه فوجئ بعد ذلك وهو يرى أن أغلب الإسلام المعاصر (أو أغلب من يتكلم باسمه) قد توقف عند مرحلة عبادة “الحرْف”، دون مواصلة الكدْح، فكادت ألفاظ تفسيراتهم تصبح صنما لا طريقا.
من شعائر دين الديمقراطية بما أنزلته آلهتها على بنوكهم، هذا الدفاع المستميت عن الشرعية، الذى يبرر تقديس صنم مستعار من خصم متآمر، يحاولون بعبادته أن يحققوا أهدافهم السلطوية أو الفئوية الخاصة، هكذا يجتمع الصنمان المقدسان ليخدما نفس الإلهين المزيفين إلهىْ “السلطة” و”التكاثر.
المُستحدث فى هذه الوثنية المعاصرة هو تبادل المنافع بين الأصنام المتماثلة برغم ظاهر التناقض، أصبح شعار “الديمقراطية هى الحل” بمعناه الثابت الجامد الملوَّث المستورد، داعما ومكملا لشعار”الإسلام هو الحل”، ومكافئا له، وليس عجيبا أن يحتجّ أصحاب شعار الإسلام بتقديس شعار الديمقراطية، ما دام يخدم نفس الآلهه، وليس ثم فرق إن اختلف المنتفعون أو اتفقوا ليتقاسموا الأغنام.
الإسلام ليس حلا إن لم يكن طريقا حتى يدخل الإيمان إلى قلوب من يسير على دربه إلى وجه الله، ليكرم البشر جميعا، ويحطم الأصنام، ” قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ…” ، والديمقراطية ليست حلا لكنها طريق طوارئ مؤقت لا يؤدى بالضرورة إلى تحقيق الحرية والعدل لتكريم كل البشر، إلا بيقظة ناقدة مراجعة طول الوقت، مرة اخرى: ” دَمـَـقـْرَطْ بالديمقراطية حتى تَأتيكَ الحرِّية” ، قياسا على قول بلدياتنا: “تجمّز بالجمّيزْ حتى يأتيكَ التِّينْ”.