الكتاب الأول
بعض معالم العلاج النفسى
من خلال الإشراف عليه
الحالات: من (1) إلى (20)
أ.د. يحيى الرخاوى
2018
الإهـداء
إلى “منى” و”مصطفى” يحيى الرخاوى
أحبكما، لأننى أحبهم جدا!!
وأنتما تحبانهم أيضا…
استهلال:
أثناء إعدادى للكتاب، وصلتنى دعوة من الصديق الكريم صاحب الفضل الأستاذ الدكتور جابر عصفور للمشاركة فى صالون ثقافى يعقده المركز القومى للترجمة، (اليوم 25 يناير 2009) بمناسبة صدور الطبعة العربية لكتاب “العلاج المعرفى– الأسس والأبعاد” تأليف جوديث بيك 1995 ترجمة د. طلعت مطر، مراجعة د. إيهاب الخراط، سنة 2007، فأتيحت لى فرصة أن أقرأ الكتاب مترجما استعدادا للمناقشة، فلاحظت أن الكاتبة استشهدت بحالة واحدة طوال الكتاب، كما غامر المترجم (د.طلعت مطر) ولا بد ان المراجع (د. إيهاب الخراط) وافقه، بترجمة الحوار من الإنجليزية إلى العامية المصرية. قرأت الكتاب فى عجالة اضطرارية ، ثم اقتنيت كتابا موازيا لمؤلف زميل مصرى (أ.د. عبد الستار إبراهيم) عن “العلاج المعرفى” أيضا بعنوان “عين العقل” ، ووجدت به أيضا مقتطفات من حالات قام بعلاجها، وتعجبت أنه كتب الحوار بالفصحى، فانتبهت إلى هذا التناقض: مَنْ ترجم مِنَ الإنجليزية ترجم إلى العامية المصرية، ومن كتب حالات محلية عربية ومصرية كتب الحوار بالفصحى. وكتبت رأيى وأرسلته إلى ذلك الصالون كتابة شارحا توجه موقفى، حيث لم أتمكن من حضور اللقاء لأسباب خاصة.
أكدت لى هذه المصادفة ما ناديت به خلال نصف قرن من ضرورة الانتباه إلى الفروق الثقافية، وبالذات بالنسبة للغة، وكنت بعد صدور النشرة اليومية فى الموقع الخاص بى قد حاولت ترجمة الألعاب النفسية التى نشرناها فى الموقع (بالعامية المصرية) فى نشرة “الإنسان والتطور” إلى اللغة العربية بناء على توصية الإبن الزميل جمال التركى (من تونس) رئيس الشبكة العربية للعلوم النفسية، حتى يستطيع أن يلعبها أى مواطن عربى بالفصحى، فجاءت النتائج دالة على أن العامية – إذ تحمل عمق المشاعر ونبض الوجدان – هى الأوْلى أن تكون “لغة الأم” (وليست “اللغة الأم التى هى الفصحى الجميلة”).
شجعتنى هذه المصادفة أن أنشر نص جلسات الإشراف كما تجرى تماما ويتم تسجيلها بالعامية (بعد التحرير اللازم)، وأيضا شجعتنى أن أنشر ما يأتينى من تعقيبات بنفس نصها بالعامية أو الفصحى، وأكثرها بالعامية – على أن يجوز أن تكون الهوامش والتعقيبات فى الكتاب بالفصحى، إن لزم الأمر.
كما نبهتنى أيضا هذه المصادفة إلى أهمية نشر حالاتنا الخاصة التى تمثل بيئتنا وثقافتنا بشكل مباشر، أن أعرضها كما هى، ذلك أننى قارنت طوال قراءتى لحالة “سالى” فى الكتاب المترجم -“العلاج المعرفى”-، بالحالات التى نعرضها هنا فى هذا الكتاب، أو تلك التى نواصل نشرها فى النشرة اليومية حالا فى باب “حالات وأحوال”، أو بتلك الحالات التى سبق نشرها فى نفس الباب الذى كان يحمل نفس العنوان (حالات وأحوال) فى مجلة الإنسان والتطور (1980-2002) والجارى إعدادها للنشر فى كتاب حاليا، قارنت كل ذلك بحالة “سالى” وشعرت بمدى تقصيرنا فى حق أنفسنا، الأمر الذى يضطرنا أن نتعرف على مبادئ علمنا، وأسلوب معالجتنا من مصادر مستوردة ابتداء أو تماما.
وأخيرا: فقد تذكرت كيف أن الكتاب الذى صورت فيه خبرتى فى العلاج النفسى شعرا، كان بالعامية، وقد اضطررت أن أعتذر للفصحى –حبيبتى- آنذاك قائلا:
طب وحبيبتى.. راح اقولْ لْها إيهْ؟، للى ما عمرها قالت لأ،.. ولاَ “مِشْ قادرهْ”، ولا فيها شئ يتعايبْ: حلوة، وغَنِـيّةْ، وبنت أصولْ!، معْلشِّى النُّوبةْ، المّرا دى سَمَاحْ. أصل الَحُّدوَتةْ المّرا دِى كان كُلهَّا حِسْ، والحِسْ طَلِعْ لِىِ بالعَامَّى بالبَلَدى الحِلْو. والقلم اسْتَعْجلْ. ما لحِقْشِى يتْرجمْ، لَتفوتُـه: أيُّهاَ هَمْسَةْ، أَو لَمْسَةْ، أو فَتْفُوتِة حِسْ.
معلشى النوبهْ.
وَاهِى لسَّهْ حَبِيْبتِى..، حتَّى لَوْ ضُـرِّتها غَاِزيةْ بتدق صاجاتْ.
فتشجعت أكثر، وظهر الكتاب.
ولعله “الكتاب الأول”!! من سلسلة كتب لازمة، إن سمحت الفرصة، وكان فى العمر بقية.
المقطم 1 يونيو 2018
شكر واعتذار:
بعد أن أعددت المسودة الثانية لهذا الكتاب وقد الحقت بكل حالة كل التعقيبات التى كانت تصلنى أولا بأول، اكتشفت أن بها تكرار وانها قد تهّم المتحاورين مع متابعة الحوار فى النشر الإلكترونى المنتظم، الذى يختلف مع النشر الورقى، فقمت باختصار شديد وحذف قاس للكثير منها، مع إقرارى بعظيم فائدتها، لكننى وجدتها ضرورة مؤلمة.
وإنى أتقدم بالشكر لكل من ساهم فى التعقيب، وبالإعتذار لمن لم يـُدّرَجْ تعقيبه والرد عليه فى هذه النسخة الورقية.
============
الحالة (1) تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟
الحالة (1) تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟
الحالة: (1)
تنشيط حركية النمو أثناء العلاج: إلى أين؟([1])
بعض ملامح الحالة:
-
إيذاء الذات عموما وفى مناطق حساسة، تـَـحـَـوَّل الأعراض
-
ضبط الجرعة مع تحريك حركية النمو وضعف الكفاءة
-
حيوية العلاج ومخاطر النقلة
-
الحيرة فى التكملة فى أى اتجاه؟ إلى أى مدى
-
أبوّه طيبة ومساحة السماح
-
مغزى تغير صورة الذات
د. منصور: هى آنسة عندها 24 سنة، معاها بكالوريوس.
د. يحيى: خريجة جامعة إيه؟
د. منصور: أظن جامعة خاصة، هى الأولى من بنتين، حضرتك حولتها لى تقريباٌ من أربع شهور، كانت جايه بتشتكى إنها مش عارفه تتعامل مع والدتها ووالدها فى البيت، وشوية برضه مع الناس، ماعندهاش ثقة فى نفسها وبتعوّر نفسها.
د. يحيى: فين؟ بتعوّر نفسها فين؟
د. منصور: بتعور نفسها فى إديها ورجليها من جوه، منطقة الفخذ، بس الجروح الأكتر جوه (أشار إلى جانبَىْ الفخذين من الداخل)، من 3 أسابيع تقريباً أو شهر بدأت تقول: “أنا بطلت أعور نفسى، بس بدأت أدخن سجاير”.
د. يحيى: أبوها بيشتغل إيه؟
د. منصور: والدها مؤهل، عمل مهنى حر.
د. يحيى: هى مابتشتغلش؟
د. منصور: آه. ما بتشتغلشى لسه.
د. يحيى: بقالها معاك قد إيه ……
د. منصور: أربع شهور.
د. يحيى: هه، نخش فى الموضوع
د. منصور: هى من شهر جات قالت لى إن هى بطلت تعور نفسها بس بدأت تدخن سجاير، وعايزة تاخد رأيى فى ده، فدى حاجة أنا ماعْرفتش أعمل فيها إيه؟ الحاجة التانية من كلامها برضه هى لابسه طارحه، بس هى مش مقتنعه بالحجاب….
د. يحيى: بتصلى؟
د. منصور: بتصلى.
د. يحيى: بانتظام؟
د. منصور: لأ مش بانتظام، فبتقولى أنا عايزة أغير فى نفسى وصورتى وكده، فباقولها طب إنتى إيه اللى مش قابلاه؟ يعنى إيه اللى فى صورتك مش قابلاه تقول أنا محجبة بس مش مقتنعه بالحجاب، وعايزه أقلعه، فأنا جه فى دماغى إن هى تقلع الحجاب وهى قاعده، عرضت ده عليها بس اترددتْ، فهل مثلاً كنت أكمل وأخليها مثلاً تعملها دلوقتى ولا لأ؟ فأنا عايز أعرف فى النقطتين دول، الحجاب، والسجاير.
د. يحيى: إيه رأى أبوها وأمها؟
د. منصور: ماعندهمش مشاكل إن هى تقلعه، والحتة الأهم إن هى لما بطلت تعور نفسها ابتدت تدخن سجاير! ده جه مع ده.
د. يحيى: نفس التوقيت مش كده؟
د. منصور: أيوه
د. يحيى: طب الاحتياجات العاطفية، والميول نحو الجنس الآخر، الرجالة يعنى؟
د. منصور: مافيش خالص.
د. يحيى: ولا فى الخيال؟! ولا فى اللذة الذاتية.
د. منصور: لا..لا الحاجات دى مابتجيش فى دماغها خالص خالص.
د. يحيى: ولا فى دماغك؟
د. منصور: لا فى دماغى أنا بتيجى طبعاً.
د. يحيى: لأ مش فى دماغك لِكْ، إنت حر باللى ييجى فى دماغك، قصدى فى دماغك نيابة عنها، يعنى تقمص، فاهم؟
د. منصور: ماجربتش، ما جاش على بالى.
د. يحيى:…. هو فيه ارتباط طبعاً، شرب السجاير من ناحيه وقلع الحجاب من ناحيه ده بيدل على إنك إنت ماشى فى إتجاه فيه تحريك، فيه يعنى حركة، الإقدام ده له وعليه، بمعنى إنه ممكن يكون إقدام يعنى لخبطة أخلاقية، مش أخلاقية بالمعنى المطلق، قصدى بالمعنى الاجتماعى والسائد، المسائل دى – أخلاقيا– فى مجتمعنا مش مرحب بيها خالص لأن مافيش مساحة عندنا للحركة اللى فيها فرص ومحاولة، وتعلمّ، وتراجع وكلام من ده، إنما الحركة نفسها، التغيير اللى حصل، معناه بيبقى عادة كويس فى العلاج.
لما أى حد يعمل نقله نوعية وماكنش قادر يعملها لوحده، ويجى بعد أربع شهور من العلاج ويقدر يعملها أو ينوى يعملها ده معناه كويس، بغض النظر عن المحتوى، الحركة من حيث المبدأ هى دليل حيوية العلاج، أما اللى بعد كده فحاجة تانية، بيبقى وظيفة العلاج بعد كده، هى فى المساعدة فى استيعاب اللى حصل داخل الظروف الاجتماعية والشخصية،
لازم انت وهى تفرّقوا بين إيجابية رصد الحركة، وبين واقعية تفعيلها فى سلوك معين،
يعنى نبارك الحركة، وفى نفس الوقت نحاول توجيهها بشكل غير مباشر، فى مجتمعنا المسائل دى بقت صعبة جدا، أنا ماعرفش المجتمع ماشى إزاى دلوقتى، إنما فى خبرتى، بلاقيها خطوه مش هينة إن واحدة بنت تقلع الحجاب حتى لو ماكانتش بتصلى، والأصعب إنها تشرب سجاير خصوصاً علانية، تصور لو شربت سجاير فى مكان عام حتى مع أصحابها يبقى بتحط نفسها فى مكان يمكن أكبر من مرحلة نموها.
الحيرة هنا فى التكملة، حاتكمل فى أى اتجاه، يعنى حاتكمل فى ثورة وحرية وإبداع وكلام من ده، ولاّ حاتكمل فى بوظان وانحلال، فبيبقى الموقف اللى حصل ده أثناء العلاج جيد، لأنك إنت ممكن تحوّطه بهدوء، لأنه موقف خاص يمكن فيه القبول للمبدأ (الحركة) مع الحذر من بعض توجيهات المسار (السلوك)، يعنى موقف كده عايز أُبوّه طيبة، حازمة، وعايز مساحة.
لكن كل التفاصيل تعتمد على الحالة نفسها.
ولازم تقيس خطوتها التانية بمقاييس بعيد عن النقطة دى بالذات،
يعنى مثلا تشوف إيه اللى حصل مع النقلة دى- بمحكات الإنجاز العادى فى مجال بعيد عن إيذاء نفسها، وعن حكاية الحجاب والسجاير، مثلا:
– ماكانتش بتشتغل راحت اشتغلت أو بتدور على شغل بجـَدّ.
– ماكانتش بتفكر فى صحوبيه إبتدت تفكر فى صحوبية، ما قصدشى صحوبية رجالة بالذات، صحوبية أىّ صحوبية.
– هل ابتدت تفكر فى ملء وقتها بطريقة تانية، خصوصا بعد ما اتخرجت؟
– هل بدأت تكتب مثلا؟ إبتدت تقرا حاجات ما كانتش تطيق تقراها قبل كده؟ حاجات يمكن صغيرة، بس لها دلالة نوعية وبشكل تلقائى.
وبرضه فيه احتمال إن العكس يكون حصل مع نفس الحركة اللى العلاج حرّكها، مثلا:
إنها كانت بتصلى وبطلت.
كانت بتعمل حساب أبوها وأمها ماعدتش بتعمل حسابهم، حاجات كده، وبرضه تاخد فى الاعتبار مجالات كتير تانية زى الخيال والأحلام، مش عشان تفسرها، لأ عشان تشوف بقية أبعاد الحركة، بنت مابتفكرش فى حاجات عاطفية، أو جنسية، ليه يعنى؟ إزاى؟ مش بنى آدماية عندها 24سنة وعندها صدر ووسط، ماتفكرش ليه يعنى! هى حلوه؟
د. منصور: آه، بس هى شايفه نفسها مش حلوة.
د. يحيى: طيب دى نقطة مهمة، مجرد إن صورة الذات تتغير، إنها تشوف نفسها زى ربنا ما خلقها، نقدر نرصد اتجاه التغيير بده، تكون شايفه نفسها مش حلوه تشوف نفسها حلوه دى حاجة مش قليلّة.
رصد كل ده، والكلام فيه يِشْعرها بأبوّة حقيقية، تقدر تستوعب الحركة اللى اتحركت فيها بفضل العلاج فى اتجاه النمو.
فى بلاد بره بيقولوا العلاج النفسى صداقة للبيع([2])، عندنا إحنا بنقول الطبيب والد، والمعالج والد، مش بمعنى الوصاية، وإنما بمعنى الرعاية، ما فيش حاجة اسمها موقف محايد، بلا وجع دماغ، هذا التفجّر زى اللى بيحصل فى العلاج، بيحصل فى الحياة العادية فى سن 13، 14، مع أبوها وأمها فإذا كان أبوها وأمها واخدين موقف جامد شويتين، ده كويس فى حينه، إحنا دلوقتى فى العلاج، إحنا ولاد دلوقتى، فإنت دلوقتى أبوها وأمها، وفى أربع شهور رجعت تتحرك من جديد، وانت واضح إنك استوعبت الموقف، وقبلته
بيبقى فيه شغل مستنيكم كتير.
والحاجات دى مش سهله خالص خالص خالص مهما قلنا، يعنى، ولا عندى ولا عندك ولا عند حد.
نسمح ولاّ مانسمحشى؟ نسكت ولاّ مانسكتشى؟ نفوّت ولا نضغط؟
المسألة مش سهلة، عموما، مش بس فى العلاج.
شرب السجاير عموماً فى مجتمعنا بقى حكاية، عمال يزيد مع إن الفقر بيزيد، بس فى مجتمعنا أنا أظن إن معنى شرب السجاير بيختلف من قطاع فى المجتمع لقطاع آخر، ومن واحد لواحد، ست تشرب سجاير، غير بنت تشرب سجاير، والسجاير فى العلن، على عينك يا تاجر، غير السجاير جوه البيت.
الحكاية عايزة تتاخد واحدة واحدة، كل حالة على حده.
ثم يا أخى البنيَّة عندها اربعة وعشرين سنة، واتخرجت، وأنت والد، مش إحنا قلنا الطبيب والد، ماشغلكْشى زى أى والد حكاية جوازها، وهى حلوة زى ما بتقول؟!
د. منصور: يعنى
د. يحيى: 24سنة كفاية أوى، بس انت أول ما حاتحود فى الحتة دى، يمكن تقولك، بهزار زى ما بيحصل معايا، طب هات لى عريس، أنا شخصيا باقول فى الحالات دى: العرسان على أفا من يشيل، بس افتحى جهاز الاستقبال، مش تقفلى الراديو وتقولى ما فيش ولا محطة شغالة، أقول لها يابنتى هوّا إنتى لعبتى فى المؤشر من أصله علشان تقولى مفيش إذاعة؟
قصدى انتَ تقدر بطريق غير مباشر تعلمها استقبال الرسائل، المسألة بتحتاج صنعه من المعالج. المهم إنها تشعر إنك حامل همها بطريقة عادية، تقوم تقدر تحتوى الحركة اللى ظهرت بفضل إنصاتك، وسماحك.
****
التعقيب والحوار:
د. جمال التركى:
المقتطف: (من نص د. يحيى)
“فى بلاد بره بيقولوا العلاج النفسى صداقة للبيع، عندنا إحنا بنقول الطبيب والد، والمعالج والد، مش بمعنى الوصاية، وإنما بمعنى الرعاية، ما فيش حاجة اسمها موقف محايد، بلا وجع دماغ”.
التعقيب:
هذا الموقف العلاجي، يتكرر كثيرا فى كتاباتكم وكنت كلما تعرضت له أشعر بنسف القاعدة الأساسية التى تعلمناها مع أبجديات العلاج النفسى ألا وهى “الحيادية اليقظة”([3]).
إن موقف المعالج تجاه المريض يعد من الركائز الأساسية فى عملية العلاج النفسي، فهل على المعالج إن يحافظ على مكانته كمعالج رمزا وواقعا أم عليه أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة، الأخ/ت، الصديق/ة إلخ… (حسب ما تقتضيه الحالة) على المستوى الرمزى. هنا إسمح لى أن أتساءل على أى أساس يتحدد هذا الموقع الرمزى، متى يكون المعالج والد/ة، و متى يكون آخر…. ثم هل يسمح سن المعالج و خبرته وجهازه النفسى القيام بمثل هذا الدور الرمزى، ألا يساهم هذا فى اهتزاز صورة الآخر “الواقعى” عند المريض، عندما يكون المعالج على المستوى الرمزى هو هذا الأخر المختلف.
“ما فيش حاجة اسمها موقف محايد بلا وجع دماغ” أكيد إن “الموقف المحايد حقيقة” “مافيش”، لكنها “الحيادية اليقظة“: أن يحاول المعالج قدر المستطاع أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع. من هنا فإن “الحيادية اليقظة” وضعية دينامية فى حاجة إلى مراقبة مستمرة للذات للقرب منها، فإن كان لا وجود لـ”الموقف المحايد” بصفة مطلقة فإنه بالإمكان القرب من هذا الموقف بصفة نسبية (ترتفع كلما تمرّس المعالج على مر الزمان).
د. يحيى:
أولا: إسمح لى إن أوضح بعض عجزى الشخصى لأسباب تتعلق بمرحلة تطور فكرى، وأيضا مغالاتى فى الاندفاع وراء ما وصلنى مؤخرا، فأنا لا أستعمل كلمة “رمزى” حاليا بالمعنى الشائع، ولا حتى بالمعنى الذى يستعمله فرويد. دفعنى انشغالى بالعلم المعرفى مؤخرا (وليس فقط بالعلاج المعرفى) إلى التهوين من أننا نفكر بالرموز، لذلك لم أفهم جيدا قولك “يحافظ على مكانته رمزا وواقعا”، فى مقابلة مع “أن يكون إضافة لمكانته كمعالج على مستوى الواقع، الوالد/ة،الأخ/ت، الصديق/ة إلخ. ماذا تقصد بـ “المعالج رمزا وواقعا مثلا؟”
فى رأيى أن المعالج لا يمكن أن يكون إلا نفسه، وأنا لا أفرق بين المعالج بشرا حاضرا بذاته ودوره (والداً وغير ذلك) وبينه كموضوع. الأم يا أخى هى موضوع الطفل الأول، ثم تتلاحق الموضوعات.
المعالج هو إنسان (موضوع) له خبرة، يمارسها داخل إطار ملتزم بالوقت والهدف، تقاس مسيرته بمحكات عملية معلنة، وهو لا يمكن أن يكون إلا نفسه، لا رمزا ولا تجريدا، ولا أعرف كيف يحافظ على مكانته معالجا مسئولا أمام علمه وضميره وربه، إن لم يستعمل كل مايعرف عن نفسه (وأحيانا ما لا يعرف) لصالح مريضه؟
إننى ابتداءً أطالب نفسى وأبنائى وبناتى المعالجين أن تكون البداية مع أنفسهم، عليه أن يتساءل بوضوح: ماذا يريد لهذا المريض إن كان ابنه أو أخاه، وماذا يريد أى منهم إن يجنب هذا المريض إن كان ابنه أو أخاه، هذا السؤال يطرحه المعالج على نفسه أولا، لكنه لا يُلزم به نفسه، ولا يعلنه للمريض.
ثم بعد أن يجيب على مثل هذه الأسئلة يقيس إجابته بواقع المريض، واختلاف ظروفه عن ابنه أو عن ابنته..إلخ.
ثم يعود ويسأل المريض عن ماذا يتصور أنه يمكنه إن يعطيه من خلال خبرته، وما هى غايته من العلاج.
ثم يأخذ كل هذه الإجابات معا دون تفضيل مسبق لأى منها، ويسمح لمسيرة العلاج إن تُحدد مدى واقعيتها، وإمكانية التوفيق بينها، واحتمال نجاحها إلخ.
أغلب هذه التساؤلات لا تـُعـْلن بالألفاظ، ولا هى حتى تتكرر فكرا فى كل حالة، وإنما هى تصبح “موقفا” طبيعيا عادلا يصبغ ممارسة العلاج كله بشكل أمين، يصل إلى المريض حتما دون أى فرض عليه، ويكون هذا هو أساس الاتفاق العلاجى المبدئى.
هذا الدور المتمازج المختلط الذى يبدأ برؤية المعالج لنفسه ظاهرا وباطنا ما أمكن ذلك، وهو يتضمن تقديره للاختلافات الفردية الشخصية والواقعية، ثم يتطلب احترامه لكل ذلك معا، لا أرى فيه أى مجال لاستعمال كلمة “رمزى”. وقد سبق أن أعلنت تراجعى الأخير عن الإفراط فى استعمالها (حتى أننى خفت أحيانا من اللغة عامة، فما هى إلا مجموعة رموز، خفت أن تحل محل المعنى دون إن تحيط به كما ينبغى).
ننتقل إلى تساؤلك عن: ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزى بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟
أظن أنك الآن تعذرنى إذا أعلنت بعد كل ذلك عجزى عن التفرقة بين المستوى الرمزى ومستوى الواقع، أنا أقول للمتدرب أنت لا تستطيع أن تعالج المريض إلا بما “هو أنت”، لا أكثر ولا أقل، ما هو أنت: بنقائصك وعيوبك وخبرتك وعلمك، ومستويات وعيك، وكل ما هو أنت، يتأكد ذلك بوجه خاص مع الذهانيين، ونحن والحمد لله نمارس العلاج النفسى للذهانيين خصوصا فى العلاج الجمعى بلا تردد، المواصفات التى نطلبها من المعالج، له وللمريض، هو ألا ينسى المعالج أنه لن يستطيع إلا ما يستطيعه، وأنه، رضى أم لم يرض، سوف يصل منه، طوعا أو بالرغم عنه، ما هو، وليس فقط ما يقول، ولا ما ينوى، أعنى، أكثر مما يصل منه مما يقول أو ينوى، وبالتالى فعلى المعالج هو نفسه أن يعرف ما يمكن عن نفسه وأن يقبله، بما فى ذلك تحيزه، وتدينه، وقيمه، وأحلامه، ما أمكن ذلك، يعرفها لا ليفرضها على المريض أو يقيس بها المرض، وإنما ليحول دون ذلك، ما أمكن ذلك، لا يحول بالكلام أو تصور الحياد، وإنما بالمراجعة وقياس النتائج.
حين قلت للمتدرب “ما فيش حاجة اسمها موقف محايد…. بـَلاَ وجع دماغ”، لم أكن أعنى إنكار موقف الحياد برمته، وقد نـَـبـَّـهـّـتـْـنى ملاحظتك يا جمال أن النشر شىء، والحوار أثناء الإشراف شىء آخر، خاصة إذا كان الذين أشرف على تدريبهم هم هم، وقد سمعوا لغتى من قبل، فهم يستقبلونها كما ألـِفوها، هذا سوف يلزمنى مستقبلا أن أكون حريصا على إضافة ما يشرح للمخاطب الذى لم يألف هذه اللغة الخاصة ما يوضح الأمر، كنت أعنى بقولى هذا ما يعرفه عنى كل المتدربين معى من الإشارة إلى رفض التمادى فى ادعاء أن ثَمَّ موقفا محايدا ممكن تماما، أو بالذات أن ثم موقفا محايدا بالمعنى الغربى (ناهيك عن المعنى السياسى الذى يحايد فيه السيد بوش بين أمن إسرائيل الذى يسمح بقتل المرحوم الشيخ يس وهو خارج من صلاة الفجر على كرسيه عاجزا بأمر من مجلس وزراء رسمى لدولة مازالت عضوا بالأمم المتحدة، وبين شاب فجّر نفسه يأسا وأملا معا).
المهم، آسف للاستطراد، ولن أشطبه فى المراجعة حتى لو اكتشفت أنه خارج السياق.
المطلوب يا جمال هو الاعتراف بصعوبة، بل استحالة الحياد إلا على المستوى الظاهرى فقط، وبالتالى، فمن حق المريض، بل ومن وحقنا على أنفسنا إن نبحث فى المستوى التالى فالتالى، لا لننفى تحيزنا، ودورنا الشخصى فى التوجيه، ولكن لنحد من تدخله إراديا، علينا – ما أمكن ذلك- إن نقبله علانية ونناقشه مع المريض أحيانا، وقد يعدّلنا المريض نفسه، وبهذا يمكن أن نستمر معه، ثم مع غيره أكثر صراحة وأقل تحيزا.
تقول يا جمال إن الحيادية اليقظة هى أن يحاول (لاحظ قولك يحاول) المعالج قدر المستطاع (لاحظ قولك قدر المستطاع) أن يقف على ضفة الحياد مع المراقبة المستمرة واليقظة للحفاظ على هذا الموقع.
طيب بالله عليك: كيف نقيس كلمة “يحاول” هذه، وكيف يعرف ما هو المستطاع حتى يتحرك بقدره لا أكثر ولا أقل، المسألة – كما تعلم – ليست تدريبات عقلية، وأمانة موقفية مسبقة، إننا لا نعرف صدق المحاولة إلا بممارستها ومراقبة نتائجها، كما أننا لا نعرف ما هو المستطاع إلا من خلال تجربة الممكن تصعيدا، بل والمستحيل أحيانا([4]).
ثم هاَ أنت تقر معى أن المسألة نسبية، وأن علينا الاقتراب منها باستمرار مع نضج الذات وتعميق الخبرة والإشراف والتعلم والمراجعة (هل هذا ما تعنيه بقولك “وضعية دينامية؟) فقط أريد أن أختلف معك ألا نطمئن إلى مقولة “..مراقبة مستمرة للذات للقرب منها”، فقد عانيت الأمرين من أن تنقلب المسألة إلى استبطان معقلن([5]) وهو غير التنوير البصيرى الذى لا يظهر إلا فى أثره الإيجابى على المعالج والمريض على حد سواء.
دعنا ننتقل إلى مقتطفك التالى وهو حول نفس الموضوع بشكل أو بآخر، وقد قدمت لحوارنا هذا بالإشارة إلى هذا المبدأ الأساسى الذى ينطلق منه العلاج فى ثقافتنا خاصة، وهو مبدأ الاعتمادية الإيجابية من جهة، والوالدية المسئولة من جهة أخرى.
د. جمال التركى:
المقتطف: يا أخى البنيَّة عندها أربعة وعشرين سنة، واتخرجت، وأنت والد، مش إحنا قلنا الطبيب والد، ماشغلكْشى زى أى والد حكاية جوازها، وهى حلوة زى ما بتقول؟!
د. منصور: يعنى
التعقيب:
اسمح لى هنا بجملة من التساؤلات.
التعقيب الأول: “وأنت والد”: إذا سلمت بهذا، أتساءل هل بإمكان معالج شاب (حوالى الثلاثين من عمره) إن يخطر فى ذهنه القيام بدور الوالد (بمعنى الرعاية) تجاه مريضة تقاربه فى السن (24 عام)؟ ألا يتطلب هذا الدور على المستوى الرمزى بعض المواصفات للمعالج على مستوى الواقع؟
د. يحيى:
فى رأيى أنّه بإمكانه ونصف، على الأقل فى مدرستنا هذه.
أرجو يا جمال أن تتذكر ما سبق أن قلته لك حالا عن علاقتى بحكاية “المستوى الرمزى” هذه حتى أننى عدت لا أفهم ما تعنى، هذا عيبى، سامحنى.
المسألة عندى لا تتعلق بالسن الحقيقى للمعالج مقارنة بسن المريض، الطبيب والد ووالدة حتى لو لم يمارس العلاج النفسى، وحتى لو كان أصغر من المريض بعشرات السنين، الوالدية دور عملى، كنت بدأت الكتابة فيه([6])، وليس سنا، وسوف أعود إليه، الوالدية هى موقف له مواصفاته المحددة، فى ثقافتنا خاصة، وهى ليس لها علاقة بالسن الميلادى. هذه المواصفات منها مثلا: الرعاية، والمسئولية، وأن يكون فى المتناول، والقدرة على الحفاظ على المسافة، والتحرك المرن المتاح طول الوقت، وكذا الحضور – ولو فى الوعى- للاستشارة دون فرضها، وأمور أخرى كثيرة كثيرة قد أعود إليها تفصيلا، وكل هذه الصفات ليس لها أية علاقة بشهادة الميلاد كما قلت.
حين أعلـِّم أحدث صغار الأطباء أنه لن يحذق مهنة الطب النفسى إلا إذا أخذ مريضا متفسخا (من أى سن) أهمل نظافته الشخصية، أخذه إلى الحمام، وحمّأه وليّفه بنفسه ونشفه، فهو يقوم بدور الأم مع طفل لم يكمل الثانية من عمره، حتى لو كان المريض فى الخمسين من عمره، هذا لا يعنى – فى خبرتنا على الأقل- أننا نعامل المريض معاملة الأطفال، والأمر الذى أعتبره إهانة أو سبابا أحيانا، وإنما يعنى أن فى كل منا هو شابا أو شيخا أبا وأما، بل جّداً، وجّدة، هذه الذوات كلها جاهزة للقيام بدورها فى الوقت المناسب للفترة المناسبة للغرض المناسب.
تعلمت من “إريك بيرن”([7]) فكرة إن استحضار حالة الذات أثناء العلاج (أو التأهيل) لا يحتاج إلا إن “تضع الكوبس”، وكان يستعمل هذا التعبير بالذات وهو يتحدث عن حالة الذات الناضجة (اليافع) بقوله “ما عليك إلى إن تشغّل اليافع فيشتغل”([8])، أى أن تُكلم المريض مهما بلغت درجه نكوصه أو تفسخه كلاما بسيطا منطقيا دون افتراض أنه لن يستجيب، وقد يرد بكلام متماسك أكثر من توقعك من تشخيصه أو من أعراضه، رحت أطبق هذه الفكرة فى العلاج الجمعى، وفى المينى دراما التى نمارسها فيه، وفى الألعاب العلاجية ليس فقط على حالة اليافع وإنما على حالات الذوات الأخرى، بمعنى “شـَغـِّل الطفل”([9]): وأيضا “شـَغـِّل الوالد فيك“([10]) إن صح كل هذأ وهو صحيح بالممارسة، فالوالدية موجودة منذ الولادة، حتى الطفلة التى تهنن عروستها وتنيمها وتغطيها إنما تطلق من ذاتها تلك الوالدية بكفاءة حقيقية.
حين أقول للطبيب الصغير أنت والد مريضك حتى لو كان أكبر منك سنا، فأنا أشغـِّـل الوالد فيه.
د. جمال التركى
التعقيب الثانى: “سبق إحنا قلنا الطبيب والد”: هل هذا القول هو مجرد “وجهة نظر” قابلة لـ”الأخذ بها/عدم الأخذ بها” أم أنه يرقى إلى مستوى النظرية النهائية التى علينا (كمعالجين) الأخذ بها والتعامل على أساسها”.
د. يحيى:
يا خبر يا جمال!! وهل توجد فى العلاج نظرية نهائية أو قرب نهائية؟ وهل توجد فى الدنيا كلها نظرية نهائية؟ ألا تذكر تخريف فوكوياما حين فرح بانهيار الاتحاد السوفيتى فأعلن بخيبة بالغة وغرور أعمى نهاية التاريخ، ثم ماذا عن “علينا كمعالجين الأخذ بها والتعامل على أساسها”، يا رجل حرام عليك، إن العلاج النفسى بشكل خاص يرتبط بشخصية المعالج أكثر من ارتباطه بنظريته، وقد أجـْـرِيـَـتْ أبحاث كما تعلم على العلاج بمختلف النظريات مع مختلف المعالجين وحققت هذا الفرض، وأنا أضيف إضافة بسيطة، إن النتائج ترتبط بشخصية المعالج ظاهراً وباطنا، ومن ثم عليه أن يثابر فى التعرف على باطنه (ليس بالاستبطان المعقلن) وإنما بالممارسة، والمكابدة، والنتائج، وآلام النمو، وكدح المسئولية: طول الوقت، وهذا ممكن، وأظن أن هذا هو ما خلقنا الله له معالجين وغير معالجين.
د. جمال التركى
التعقيب الثالث: “ماشغلكش زى أى والد حكاية جوازها.
أتساءل هل شـُغـِل حقيقة فكر هذا المعالج “الشاب” بموضوع حكاية زواج مريضته، أكاد أجزم بالنفى (هذا ما وصلنى)، ولكنه احتراما للموقف، احتراما للأستاذ، احتراما للرأى السائد…كانت الإجابة بـ “يعنى” تجنبا للإحراج.
د. يحيى:
بالنسبة لتحفظك يا جمال على أنه معالج شاب، لعل ما سبق إن شرحته من موقع سن شهادة الميلاد يكفى للرد، حتى على هذه النقطة الحرجة، ثم دعنى أتكلم معك بصراحة، من منطلق الاعترافات الشخصية التى قد تعلن تحيزى فأصبح أكثر حيادًا.!!
تؤرقنى شخصيا هذه المسألة كفلاح مصرى خائف على بناتى – أنا عندى بنتان وأربع حفيدات، أحبهن أكثر من أولادى: بمجرد أن تبلغ، الواحدة منهن سن الزواج، لا أكف عن القلق والدعوة لأى منهن، ربما بطريق آخر غير حكاية تحريك مؤشر استقبال الرسائل لعلها تلتقط إشارات العروض، فأروح أدعو الواحدة منهن أن ترى حالها، وألا تفلّى فى المتقدمين، “فالعيش اللى يتفلى ما يتاكلشى”، أفعل ذلك، مرة بضحك، ومرة بضرب أمثلة، وكنت ألوم نفسى على “عدم أمانى” هذا، وعلى تدخلى المباشر وغير المباشر هكذا.
أعرف يا جمال صعوبة ما تمر به المؤسسة الزواجية عبر العالم فى عالمنا المعاصر، وعندنا فى مجتمعنا المشاكل مختلفة لكن الصعوبات تظل شديدة، كما أتابع – فيما ينشر من أبحاث- فشل زواج الحب كما يشاع عنه، بقدر فشل الزواج المـُـرَتـَّـب، وكلام من هذا، لكننى أشعر أن على الوالد أن ينبه، وينتبه طول الوقت، إلى كل هذا الجارى، وألا يخلط موقفه الشخصى (مثل موقفى هذا الذى أعلنه وأعرفه وأشتغل فيه) بموقف مريضه أو بنته، ثم إن لى أصدقاء أحبهم جدا، وأحب بناتهم جدا جدا، تعنست كثيرات منهن تحت شعار عدم تدخل آبائهن فى حرية اختيارهن وكلام من هذا، وكأننا نعرف حدود الحرية وحقيقتها، وكأننا لا نعرف ظروف مجتمعنا وحدوده.
هذه اعترافات شخصية أعلن بها جذور موقفى واحتمال تحيزى.
فإذا أنا طلبت من المتدرب أن يتقمص موقف الوالد ويحمل هم مريضته التى تقاربه فى السن، فأنا بذلك أعلن تحيزى لموقفى الشخصى، وفى نفس الوقت، أتصور أنه حين يبلغ المريضة هذا الاهتمام الوالدى الجاد من المعالج – أيا كانت سنه- يبلغها دون ضغط، أو إيحاءات غير مباشرة، كما جاء فى النقاش، فإن تصورى هو أن ذاك يوثق العلاقة العلاجية، ذات البعد الوالدى – فى ثقافتنا ومجتمعنا – طول الوقت، وهو البعد الذى سأرجع اليه غالبا وأنا أتناول مسألة “الاعتمادية”، وخاصة فيما أسميته “جدل إسماعيل/إبراهيم” بديلا عن عقدة أوديب([11])
ولكن لهذا حديث آخر.
أ. حافظ عزيز:
التعقيب: هذه المواصفات مثل: الرعاية والمسئولية وأن يكون فى المتناول والقدرة على الحفاظ على المسافة والتحرك المرن المتاح طول الوقت وكذا الحضور ولو فى الوعى – للاستشارة دون فرضها، صعبة جدا فى بداية التدريب.
ثم إن مواصفات الوالدية فى الوعى العام لا تنتبه إلى مسألة القدرة على الحفاظ على المسافة وكذا التحرك المرن المتاح طول الوقت، ناهيك عن أن المعالج حالة كونه فى علاقة مع المريض سواء كان يلعب دور الوالد أو لا، يجب أن يحافظ على المسافة وأن يتصف بالقدرة على التحرك المرن المتاح طول الوقت وهذا من شأنه إن يخلق نوعا من الالتباس.
د. يحيى:
أقدّر اعتراضك على صعوبة تحقيق كل ذلك، أو حتى بعض ذلك، لكن كان والدى يردد “مالا يُدْرك كله لا يُترك جله”.
أنا أكره المثالية كما تعرف، لكن أن ترسم صورة حقيقية وجيدة للمفروض، لا يعنى أن تلتزم بتطبيقه فوراً، “نحن نحصل على ما نريد بمجرد أن نبدأ السير نحوه، وليس حين نصل إليه”
لكن معك حق فى عموم ما ذهبْـتَ إليه، وربنا يستر.
د. محمد نشأت:
ماذا إذا طلب الممارس من المريضة خلع الحجاب..أو أوصى بالصلاة من غير وضوء مثلا؟!!
د. يحيى:
الممارس الطبيب أو المعالج لا يطلب من المريضة خلع الحجاب أو لبسه، وإنما هو يناقش رغبتها أيا كانت، ويحاول أن يصل إلى دلالة ذلك، ومعنى ظهوره فى وقت معين من تطور العلاج.
أما الصلاة بدون وضوء فهى جائزة فى الضرورة كما تعلم، فلا ضرر ولا ضرار، والمعالج لا يصدر فتاوى خاصة، كما أن المسألة ليست فتوى شرعية، ولكن البديل عن ذلك عند بعض المرضى الوسواسيين خاصة هو العدول عن الصلاة نهائيا، فأيهما أفضل أن يكسر المريض هذا الحاجز تدريجيا؟ أم أن نترك المريض يختبى وراءه؟ حتى لو لم تكن الصلاة مقبولة بدون وضوء، هذا مجرد تنبيه إلى أن تَرَك الصلاة تماما هو البديل الأسوأ الذى لا يحل إشكال الوسواس المرضى.
وأخيرا فإن المسألة ليست صلاة أم لا صلاة كشأن منفصل فى سياق دينى، الذى قلته هو جزء من تخطيط علاجى سلوكى، وحين يسترد المريض صحته، وما يكفى من إرادته يختار ما يشاء، وحسابه على الله.
أ. هالة نمّر:
وصلنى من عرض هذه الحالة أهمية التفرقة بين الحركة ورصدها، وبين استيعابها وواقعية تفعيلها، لم تكن هذه النقطة واضحة هكذا فى ذهنى قبل قراءة اليومية، كان لدى خلط بين الحركة النوعية ومحتواها أو مسارها وبالتالى قيمتها.
وصلتنى إضافة من ذكرك محكات الإنجاز العادى اللى بنقيس بيها بعيداً عن منطقة النقلة العلاجية.
د. يحيى:
هذا طيب جدا
وهو صعب أيضا
لكن مادام قد وصلك فأنا فرح بما وصلك
وأشكرك أنه قد وصلك.
==========
الحالة: (2) الاختلاف، حتى فى الدين، والحوار الحقيقى!
الحالة: (2) الاختلاف، حتى فى الدين، والحوار الحقيقى!
الحالة: (2)
الاختلاف، حتى فى الدين، والحوار الحقيقى! ([12])
بعض ملامح الحالة:
-
فوائد المواجهة وموضوعية التحاور
-
علاقات الزوج برضا الزوجة ثم تراجع الزوجة
-
تهديد المؤسسة الزوجية
-
ضرورة المعلومات (ورقة المشاهدة) ([13]) كاملة
-
الجنس المتصل، والجنس المتكامل
-
عمل المرأة (الزوجة) والوقاية من الفشل
-
السماح بميكانزمات الاستمرار فى الحياة العادية
-
فن الانتظار، فى الولادة الطبيعية والعلاج النفسى
-
علاقة المريض بتدينه وتنوع استعمالات ذلك
-
اختلاف دين المعالج عن دين المريض
-
د. مرفت: هى عيانة عندها 38 سنة عندها 3 بنات، متجوزة بقالها 13سنة وكانت هى وجوزها مخطوبين ييجى أربع سنين قبلها.
د. يحيى: يعنى سبعتاشر سنة يعرفوا بعض ماشى.
د. مرفت: هى المشكلة كلها مع جوزها، يعنى هو جوزها بيشتغل فى السياحه ودايماً بيكلم ستات وبنات، وهى عارفه كده من قبل الجواز وكانت زى ما تكون موافقة ضمنيا كده على الحكاية دى، وكل فترة لما تحصل مشكلة يعنى بتحصل حدوته كبيرة كده وتكتشف موضوع يكون شكله كبير، يحصل خناقة، الدنيا تتلم، وبعدين يحصل تانى، حوالى بمعدل كل سنة كل سنتين يحصل موضوع كده.
د. يحيى: بس هى معاكى بقالها أد إيه؟
د. مرفت: معايا بقالها حوالى شهرين.
د. يحيى: إيه بقى الموافقه الضمنيه دى؟؟ يعنى إيه بقى؟ بتوافق على إيه؟
د. مرفت: يعنى هى…
د. يحيى: هى مسلمة؟
د. مرفت: آه هى مسلمة، ومحجبة.
د. يحيى: وهى عارفه إنك مسيحية؟
د. مرفت: آه طبعا.
د. يحيى: إيه بقى محجبة، وموافقه ضمنيا دى بقى؟؟!
د. مرفت: ما هى دى الحكاية، دلوقتى جياّلى علشان المشكلة دى.
د. يحيى: هى من قبل الجواز تعرف إنه كده، زى ما قلتى؟ وبعد الجواز كان عندها الموافقة الضمنية برضه، يعنى طول الوقت موافقة، ولاّ إيه؟
د. مرفت: تقريباً، لأن هى مانـْفـَعلتش وابتدت تحتج إلا دلوقتى، يعنى هى ماجاتليش إلا علشان يعنى لما ابتدا يحصل إنها تقلق.
د. يحيى: تقمصتيها إنت؟!
د. مرفت: آه حاولت.
د. يحيى: بس هى مسلمة، يمكن هى بتقنع نفسها إنه أهو تعدد ومسموح، وكلام من ده، إنما انتِ صعب عليكى.
د. مرفت: أنا فعلا لما تقمصتها من أول جلسة رحت قايلالها رأيى تقريبا..
د. يحيى: من أول جلسة؟ ينفع أنها تبقى عندها موافقة ضمنية كده، وتروحى قايلالها رأيك المضاد من أول جلسة، خبط لزق؟
د. مرفت: ما هو عشان كده وقفت، لقيت نفسى حاخرِب عليها.
د. يحيى:… عندك حق، ما علينا. هى بتحبه أوى أوى وكلام من ده، هوه فيه حاجة تبع التعدد عموما تطوريا وتاريخيا، إحنا ما بانحبش نعرفها، إنما دى حقيقة، هوه التعدد للستات وللرجاله فيه كلام كتير أوى تاريخا، بس هو ده ما يبررشى أى حاجة، لكن ممكن ينورنا سواء واحنا بنقبل، أو واحنا بنرفض، ما قصدشى إحنا اللى حانقبل ونرفض، لأ، نبقى واعيين من موقفنا ده، وبرضه واعيين للطبيعة البشرية واحنا بنتقمص مرضانا، ونتصور معنى قبولهم، ومعنى رفضهم، ليه وإمتى، وازاى، وكده..
د. مرفت: آه، هى لأول مرة يحصل القلق ده للدرجة دى، هو جوزها دلوقتى شغال فى “…..” الخارج، مدير فندق أو حاجة كده، بيروح هناك شهور وبيقعد هنا شهور، فالمرة دى هى اكتشفت علاقته بواحدة هناك، يعنى هى ماعرفتش تحدد هى إيه بالظبط، لأن جوزها كل شوية يقول لها هى عربية، لأ هى أمريكانية، فالمرة دى أول مرة تنهار بقى وتعيط وتسيب البيت وتسيب البنات وتمشى أول مرة تحتج كده.
د. يحيى: يعنى هى شافت الواحدة الجديدة دى ولا سمعت عنها؟!
د. مرفت: لأ شافت E-mail هى بتقعد تفتح كده E-mails بتاعته، والموبايل.
د. يحيى: ماشى، صور وبتاع ومش عارف إيه؟!
د. مرفت: آه صور وموبايل هى المسألة كده طول الوقت، الحاجات دى بتحصل على طول، بس دى كانت أول مرة تبقى المسألة شديدة قوى.
د. يحيى: هى قعدت معاكى شهرين بس؟!
د. مرفت: آه شهرين، فأنا فى البداية كنت باقول لها إنتى موافقة على كده من زمان، فاشمعنى جايه دلوقتى تعملى كده معاه، يعنى زى ما يكون حبيت أحملها هى جزء من مسئولية اللى حاصل ده وبعدين لقيت إن هى عندها حق شوية.
د. يحيى: هى بتشتغل؟!
د. مرفت: لأ مابتشتغلش .
د. يحيى: معاها شهادة؟!
د. مرفت: معاها بكالوريوس
د. يحيى: التاريخ العائلى؟ فيه أى مرض نـَـفسى فى عيلتها؟
د. مرفت: لأ مفيش .
د. يحيى: متأكدة؟
د. مرفت: آه .
د. يحيى: إنتى عملتى لها ورقة مشاهدة طويلة([14])
د. مرفت: آه .
د. يحيى: مشاهدة زى بتاعتنا هنا؟ كاملة يعنى؟!
د. مرفت: آه، آه .
د. يحيى: بالمناسبة ياخوانا مافيش عيان علاج نفسى من غير مشاهدة كاملة، المعلومات الكافية جزء لا يتجزء من العلاج النفسى من البداية، يعنى أنا مثلا سألت مرفت عن التاريخ العائلى دلوقتى ليه، المسألة تفرق، الموافقة الضمنية بتاعة الست دى من واحدة من عيلة ملانة صرع أو هوس، غير من واحدة على مية بيضا، (يـُقصد: تاريخ عائلى سلبى) أنا مش حاخش فى تفاصيل، إنما مهما كان السلوك واحد، فالجذور بتعلمنا حاجات كتير. المهم خير، كمّلى يابنتى.
د. مرفت: بس، فأنا حاسة إن أنا واقفه معاها، بعد شوية وقت الدنيا هـْديـِت، من ناحية إنها مابتعملش الحاجات اللى هى كانت بتعملها، كانت بتقعد تزهق لدرجة بيجيلها أوقات هياج وصويت.
د. يحيى: بعد شهرين قدرتى تحسبى العلاقة بينهم على المستويات المتعددة بتاعة الجواز أو بتاعة أى علاقة، يعنى فكرياً إيه، وجنسياً إيه وعاطفياً إيه، واجتماعياً إيه؟
د. مرفت: هو عارف اللى هيـّا عايزاه وبيديهولها.
د. يحيى: يعنى هو بيمثل لها إيه فى الأربع مناطق دول .
د. مرفت: هو أنا طلبت أشوفه وقعدت معاه.
د. يحيى: برافو .
د. مرفت: لما قعدت معاه يعنى وافق ومستعد يتعاون علشان خاطرها، هوه مش شايف إن فيه عنده مشكلة هو شايف إن هى اللى فى مشكلة، أول جملة قالها لى “هى عارفه إن أنا كده من زمان” .
د. يحيى: يعنى إيه اللى رابطهم؟!
د. مرفت: هى بتحبه، وهو كمان عامل لها اكتفاء .
د. يحيى: أنا قلت لك أربع مجالات كلمة بتحبه دى موجوده فى مجال واحد منهم، أنا باسأل عن كله، بتقولى عامل لها اكتفاء، ده موجود فى أكتر من مجال ولا فى مجال على حساب التانيين؟ إنت عارفة طبعا، يعنى إيه فكريا: بيقعدوا يتكلموا فى إيه، وجنسياً، وعاطفياً بتاع الشوق والدم الخفيف والكلام ده، واجتماعياً، المجتمع بيشارك ويبارك بسلوك فعلى، وعلاقات، انت لازم تقيسى كل مستوى بمقاييسه.
د. مرفت: هما عاطفيا وجنسيا فيه توافق، هو بيعرف يقول لها كلام حلو، بيعرف يحتويها.
د. يحيى: بس خلى بالك حتى لو كانت المسألة جنس كويس معقول، ده جواز، أو أى علاقة ممتدة، لما يكون الجنس ناجح، لكن منفصل، مع استمرار الزمن بيبقى أكثر انفصالا خصوصا عند الست، لحد ما يتجمع التراكم ويفشل، لكن لما يكون الجنس متصل ببقية مستويات الوجود بيكبر ويخلى المشاركين أقرب فى أقرب وكلام من ده. الجنس المنفصل ما بيأديش وظيفة وجودية، بيأدى وظيفة حسية تفريغية، الوظيفة الحسية التفريغية دى طبيعة برضه، بس الجزء الأولانـِى من الطبيعة، الجزء ده له وظيفة على العين والرأس، إنما يعنى بعد 13 سنة يبقى فى الأمور أمور، ما علينا وبعدين….؟!
د. مرفت: هو ابتدى يقلق لما لقاها بتحتج، وقلقانه، وموقفها اتغير، زى مايكون قبولها اللى كان قبل كده اتهز، هوّا بقى ابتدا يقلق لأنها بتتغير فعلا، هو بيبقى مش هنا، فخايف على البيت والبنات، وهى شايلاله الدنيا كويس أوى ولمّاله الدنيا، فده حاسِّـسنى إن هو حايبقى متعاون يعنى وحياخد باله ومش حايحسسها بحاجة.
د. يحيى: إيه حكاية مش حايحسسها بحاجة دى؟ بقى ده كلام برضه؟
د. مرفت: أنا برضه مش متخيله إنه ممكن يتغير.
د. يحيى: المسألة مش مسألة يتغير، يعنى ينفع يبقى فيه حب وكلام من ده ومش حايحسسها، ما هى حاتحس إذا كانت بتحس، خصوصا إذا كانت بتحبه.
د. مرفت: آه ماهو بيقول لى ماعرفش هى بتعرف إزاى.
د. يحيى: هى حاتحس سواء قال لها أو ماقالهاش.
د. مرفت: فهو مسافر دلوقتى خلصت الإجازة بتاعته ومسافر، فابتدى يجيلها مخاوف إن هو كده مسافر ومش هايجى تانى وخلاص.
د. يحيى: معلش هى حالة صعبة شوية فى مجتمعنا خصوصا، هو إيه اللى بيخليه يعمل كده مادام هو راضى معاها؟ مش لازم يبقى فيه حاجة ناقصة.
د. مرفت: هى شخصيتة كده، شوية هايص ونشيط كده ويعنى.
د. يحيى: مافيش حاجة اسمها شخصيته كده وخلاص، فيه حاجة إسمها تحاولى تدورى على إيه اللى ناقص، فى الغالب فيه حاجة ناقصة، مش فيها بس، يمكن فى العلاقة نفسها، فى شخصيته….
د. مرفت: هو كده من قبل ما يتجوزها.
د. يحيى: يبقى يجوز هو ناقصُه حاجة من الأول.
د. مرفت: هو قال لى إنه هو كده، علاقته مفتوحة بالبنات.
د. يحيى: الظاهر إنه شكله كده إنه من النوع اللى لا يرتوى، فيه ظاهرة اسمها “الدون جوانية”، ودى ظاهره فيها كلام فى الطب، هوا فى الغالب بيستعمل الجنس عشان حاجة تانية، حاجة زى ما يكون كل ما يشرب يعطش، وعايز يتأكد إنه متعاز، متعاز وخلاص.
د. مرفت: أنا ماعنديش فرصة أشتغل معاه هوَّا أوى، وبعدين هو مش موجود طول الوقت.
د. يحيى:…، خلينا نبتدى حالة كونه “موجود”،، مش هى ابتدت ترفض، ياترى ابتدت ترفض ليه دلوقتى؟ ثم هى كانت بتقبل ليه قبل كده؟ هى شخصيتها اتغيرت؟ فين السؤال اللى انتِ مقدمة عشانه الحالة؟
د. مرفت: أنا مش عارفه أزق فى أنهى ناحية، حاسة إن أنا وقفت كده يعنى مش عارفه أزق فين؟ أزق عشان تقبل وتكمل؟ ولا هى حاترفض حاترفض مافيش فايده، هى اكتشفت تانى من 3 أيام إن هو لسه بيبعت لصاحبته E-mail.
د. يحيى: إحنا اتفقنا إنك إنتى فشلتى تعملى تقمص بيها، ده كان يمكن يخليكى تفهمى قبولها بالذات.
د. مرفت: آه ما أعرفتش أتقمص قبولها بالذات، ماعرفتش خالص.
د. يحيى: عندك حق، يبقى هى حاتتصرف، إنت مالكيش دعوة، إنت تنتظرى تفاعلها “ستاند باى”، يمكن هى حاتقبل تانى ومستنية موافقتك، إلا لو كان فيه قرار فى اتجاه الطلاق مثلا، يعنى تقول له يا كده يا نطلق، إذا كان دا مش موجود سيبيها تظبـّط أمورها بنفسها.
د. مرفت: هو أنا حاولت أشتغل معاها فى حته بعيد عن الموضوع، إن هى تشتغل، تعمل حاجة لنفسها بنفسها.
د. يحيى: ده كويس.
د. مرفت: بس هو مكفيها، بيبعت لها فلوس كتير، هو ناجح وبيكسب.
د. يحيى:..بصراحة هى حالة صعبة، لكن فى الغالب هى عندها ميكانزمات للتكيف مع الوضع ده خلتها تستحمل طول المدة دى قبل الجواز وبعد الجواز. إنت بتقولى فيه حب وجنس ناجح وكلام من ده، واستمروا 17 سنة، إحنا مالنا؟ العلاقات دى، جواز أو غير جواز، بيبقى فيه تعاقد على مستويات متعددة، يمكن هما مايعرفوهاش حتى، ولا احنا برضه ، يبقى اللى خلاهم يستمروا إنهم استمروا، ده واقع، إحنا نشتغل فى الجديد، إذاكان لسه عندها مقومات الاستمرار والقبول هى هى فسيبيها، يعنى خدى موقف انتظار يقظ، واستنى، لما يبقوا يخشوا فى أزمة حادة، وتلاقى الحكاية وصلت لقرار صعب، نعرف إن الميكانزمات اللى كانت ممشياهم ابتدت تتهز، الميكانزمات دى لا أنا ولا انت عارفينها زى ما قلنا، ومش مهم نعرفها قوى، الحكاية مش حب استطلاع، المهم الميكانزمات دى ممشياها ولا لأ، لما تبتدى ما تمشيهاش ننتبه ونقول نعمل إيه، حتى قبل ما توصل لطلاق وكلام من ده، لازم هى اللى تقرر: يا ترفض، يا تقبل، إحنا نبتدى نفكر معاها مش بدالها، نعمل كده إذا حصلت حاجة جديدة تخلى لينا دور جديد مختلف، أخطر حاجة إننا نُسقط على المريض نفسنا، لدرجة إن إحنا نقرر لنفسنا مش للعيانين وإحنا مش واخدين بالنا.
د. مرفت: يعنى إيه؟!
د. يحيى: يعنى بقالهم سبعتاشر سنة ماشيين بطريقة ما نعرفهاش، يبقى هى تقدر توصل لقرار واقعى يمشيها، أو يمكن تتوقف وتتعب أكتر وساعتها تحتاج مشورتنا بشكل مباشر، إحنا نستعجل على إيه، هى بتقول إنها ابتدت ماتطقشى اللى جارى، إيش عرفنا إنها صحيح ما عدتشى طايقة، المسألة مش كلام، هى تقول زى ما هى عايزة، هى مش طايقة بالكلام، إنما الدور ماشى، نقعد كده لحد ما يحصل أعراض تانية، ورفض فعلى، يبقى إعلان لتغير نوعى، يبقى دورنا يتغير.
د. مرفت: هى لمّت الهوجه الأخرانية دى بسرعة، أنا مش حاسه إن أنا اللى ساعدتها، هى لمت نفسها بسرعة ما اعرفشى ازاى.
د. يحيى: شفتى ازاى، الناس بتختلف، إنت تستمرى فى الدعم وبُنَا الشخصية من بعيد لبعيد، لحد ما نوصل لأزمة عملية مش بسبب العلاج يمكن بطبيعة النمو، الكبران يعنى، ساعتها نشوف سوا، إنت بقالك شهرين، ما فيش غيرهم، فتستنى، هو إيه اللى صبّرها، إحنا شغلتنا زى الوِلادة زمان، كانوا يعلمونا إن الطبيب المولد الأمين هو اللى يتقن “فن الانتظار”([15]) اليومين دول إنت عارفة هات يا بنج، وهات يا قيصرية، بيحرموا الأم وهىّ بتولد من روعة الإبداع، من خلال الوعى إنها بتخلّق مخلوق جديد، همّا بتوع أمراض النسا بطلوا ينتظروا، إحنا نستلم منهم، ولازم احنا نتقن فن الانتظار، ما نخليش حساباتنا ومواقفنا الشخصية، أو الأخلاقية أو حتى الدينية تتدخل فى مسيرة المريض.
د. مرفت: هو أنا كنت ابتديت أشتغل معاها، أزقها إنها تعمل حاجة لنفسها، تشتغل ماتبقاش طول الوقت متفانية فى البيت كده.
د. يحيى: بالظبط كده، هو ده، بمعنى إنك بتدعمى الاستقلالية، بس واحدة واحدة ماتتحمسيش أوى، عشان هى تمشى بسرعتها، لأنها لو استقلت بالزّق منك يمكن تتخذ قرار مش ناضج يبقى عمره قصير، لازم هيا تاخد قراراتها بتوقيتها هى، فى الوقت اللى يناسبها وتقدر تتحمل مسئولية قرارها.
د. مرفت: هو أنا كان رأيى بس يبقالها حاجة ليها بتاعتها، لأن أنا تخيلت إن اللى خلاها ابتدت تنهار دلوقتى إنها مثلا قربت تبقى 40 سنه، لما أنا وأنا صغيرة بيعمل كده، يعنى أنا ده كان تفسيرى إنه ليه لحد دلوقتى بيعمل كده، فابتدت تنهار يعنى يمكن فكرت بالطريقه دى.
د. يحيى: … ممكن، بس برضه المسألة محتاجة انتظار، 17 سنة كان فيها ميكانزمات شغاله كويس، قصدى كويس ليها مش ليكى وليّا، واللى كويس ليها هوه كويس ليها، خلفت 3 بنات وبتاع ومش عارف إيه، إنت تستمرى تعزمى عليها بالشغل، اشتغلت اشتغلت ماشتغلتش ما تلحّيش، تقدرى تعزمى عليها بالخروج، يعنى يبقى لها مجتمع.
د. مرفت: بس هو بيغـلس عليها.
د. يحيى: ليه بقى؟!!
د. مرفت: أنا اشتغلت معاها فى اللبس شوية فابتدت تلبس حاجات شيك جذابة.
د. يحيى: هوا قِلِق؟
د. مرفت: ما ستحملش ده، من أصله.
د. يحيى: إحنا مالنا بقى، يتفلق.
د. مرفت: ماستحملش إن إحنا خليناها تغير فى لبسها شوية.
د. يحيى: هى ما بتبصش كده ولا كده؟ فى بلاد بره بيعملوها باتفاق ضمنى، “طـنّـش وأنا طـنّـش”، إحنا ما لنا برضه، كل واحد يتصرف باختياره ومسئوليته ما دام مش صغير، الناس مش زى بعضها ولا المجتمعات زى بعضها، إنتى قولتى لى إنها محجبه باين، هى بتصلى؟
د. مرفت: آه بتصلى.
د. يحيى: هوا الدين ممكن يساعدها فى الموضوع ده، وممكن يلخبطها، أصل الدين نفسه مش حاجة ثابتة فى كتاب مدرسى زى جدول الضرب، كل واحد علاقته بالدين ما يعرفهاش غير ربنا، هى ممكن تاخد من دينها السماح وتفتى لنفسها وتعتبره متجوز وتفوّت عشان تحافظ على ميكانزماتها اللى شغالة بيها سبعتاشر سنة، طبعا ده صعب عليكى يمكن عشان إنت مسيحية، لكن المسألة مش مسيحية أو مسلمة، وخلى بالك إنها حاجة كويسة إنها عرفت إنك مسيحية من الأول، ده شىء طيب، وعميق جدا، المسألة كل واحد بيستعمل الدين ازاى، لإيه، أو يمكن هى بتستعمل دينها فى اتجاه الزقّ، يعنى تقلب السماح الناحية التانية، وتبرر غضبها وقلقها، وبدال ما تكمل فى اتجاه القبول، تلزقها فى إن ده منكر وهى بتغيـَّـره بلسانها وبعدين بطلاقها وكلام من ده، برضه ما لناش دعوة، لا إحنا بنفتى، ولا إحنا هىّ. هى مسئولة فى جميع الأحول، وهى زى أى حد كبير فـَـهـْـمـَـان لازم تتعلم من مسئوليتها، وإحنا عامل مساعد، وهو برضه مسئول، بس هوه طايح ومش على باله، كمان هو مش العيان بتاعنا، ما نقدرشى نتدخل فى أموره إلا لصالحها إذا عرفنا، أو لصالحه إذا طلب المشورة وزهق من اللى هوا بيعمله، أو من اللى هوا فيه، أو خاف من اللى هى ممكن تعمله، وجه للاستشاره لنفسه مش بس ليها، إحنا مش وظيفتنا نروَّضـْـها له، ولا إننا نفركشها لحسابنا من غير ما ندرى.
****
التعقيب والحوار:
د. محمد نشأت:
1- هل معرفة ( دين الممارس) بالنسبة للمريض تؤثر على علاجه؟
وهل يوجد حالات يفضَّل فيها إخفاؤه؟
د. يحيى:
طبعا تؤثر،
أنا أرى أنه من الأفضل إن تكون لدينا الشجاعة لنبدأ منها أو ربما نضطر أن ننتظـِر بعض الوقت ثم ننتقى لإعلانها الوقت المناسب، إن كانت أسماؤنا لا تدل عليها.
الإعلان المسئول يا محمد يفتح باب أن نتواصل بما نملك من شرف ومسئولية، فنحل الصعوبات فعلا، ونحن على يقين من أن الله سبحانه الذى جمعنا فى هذا الموقف “العلاجى” الطيب المسئول هو أرحم وأعدل من أن يفرقنا هناك، لمجرد إن أهلنا أثبتوا ديننا بحسن نية جدا.
ولأن هذه النقطة تحتاج إلى مزيد من الايضاح اللازم، وخلينى أفكرك باللى كتبته مرارا:
الحوار الحقيقى لا يتم إلا بين ناس حقيقيين، أنا أعلن هويتى، بما فى ذلك دينى، ومذهبى، وموقفى (ما أمكن ذلك)، وأنت تفعل كذلك، فيكون حوارا يحتمل إن يتحول جدلا حقيقيا، فيبزغ الجديد منّا، لك ولى معا، يتم ذلك دون إلزام بأن تتضح معالمه من البداية.
علينا أن نعتبر إخطار، أو إعلان، الطبيب أو المعالج لدينه صراحة للمريض وأهله هو خطوة أساسية مقابل سؤال المريض عن دينه.
وفى الإشراف كنا نتطرق بشجاعة إلى مناقشة هذه المسألة بصراحة مفيدة، حتى لو أخذت شكل خفيف الظل، مع أنها كلها جد فى جد. مثلا حين أسأل زميلا سؤالا لا أنتظر جوابه إلا من تعبير وجهه، أسأله: “.. بالذمة يهون عليك بعد كل هذا الجهد، أن تتصور إن ربنا سبحانه وتعالى، بعدله ورحمته، سوف يذهب بك فى الآخرة فى موقع بعيدا عن هذا الذى ولد من جديد على يديك، أو أنه سبحانه سوف سيلقيه فى مكان لا يمكنه أن يراك فيه لمجرد اختلافكما فى الدين”، وكان الحياء يغطى الوجوه بالدهشة عند أغلبهم، ثم يعرفون ما أقصد من محاولة كسر الحواجز وراء هذه السرية التى نضحك بها على أنفسنا، تحت زعم أننا نراعى بعضنا البعض، إننا بهذا الإخفاء، الذى لن يطول مفعوله عادة، إنما نعلن عدم ثقتنا بتحملنا الاختلاف، وخيبة قدرتنا على احترام بعضنا البعض.
الأمر يمتد من الدين إلى الأيديولوجى، إلى منظومة القيم، إلى الثقافة الفرعية، إلى المدرسة العلاجية التى يتبعها المعالج، أو يتصورها المريض، كل هذه المناطق حين تُعْلَن بمجرد أن تسمح الفرصة، أى فى الوقت المناسب، تقلل بشكل مباشر وغير مباشر من مناطق الظلام فى العلاقة، الإعلان فى ذاته ليس هدفا، لكنه يضىء النور فى أماكن مهمة بحيث تصبح المكاشفة هى الأصل، ومن ثـَمَّ: تصبح العلاقة أكثر فائدة وأقوى فاعلية.
===========
الحالة: (3) تقول له ..؟ أم تخفى عليه؟
الحالة: (3) تقول له ..؟ أم تخفى عليه؟
الحالة: (3)
تقول له ..؟ أم تخفى عليه؟([16])
بعض ملامح الحالة:
- الإستعجال فى المشورة
- العلاقات “الحرة” (المشبوهة) وموقف المعالج
- مصارحة الزوج الخطيب بالماضى؟
- تقمص المعالج بالخطيب وتأثير ذلك
- ذكرى العلاقة الأولى، وتأثيرها حالا
- أثر التاريخ الأسرى
د. وائل: هى الأولى من أربع إخوه وأخوات، عندها 27 سنة، بتجيلى بقالها تقريباً شهرين بانتظام كانت مشكلتها اللى جاية بيها الأساسية إنها جاية تشتكى إنها مش عارفة تتكيف مع جو البيت مش عارفة تتعامل مع باقى أفراد الأسرة.
د.يحيى: هى بتشتغل؟
د. وائل: لأ مابتشتغلش، يعنى هى اتنقلت بين كذا شغلة، بس حالياً ما بتشتغلش.
د.يحيى: كام أخ وكام أخت؟
د. وائل: 3 غيرها، بنت وولدين غيرها وهى الكبيرة هو والدها رجل أعمال، هى عربية لكن الأسرة فى مصر من زمان.
د.يحيى: رجل أعمال فين؟
د. وائل: هنا، هو شغله هنا أساسا، لكن له علاقة برضه ببره
د.يحيى: أنا اللى محولها لك؟
د. وائل: آه حضرتك محولها لى من شهرين ووصيتنى عليها خصوصا إن لها اتنين من إخوتها دخلوا فى قصة التعاطى وواحد حالته وصلت لمرحلة صعب، وبيتعالج.
د.يحيى: إنت بتشوفها بقالك شهرين بتقول مش كده؟
د. وائل: أيوه شهرين، آه.
د.يحيى: طيب فيه إيه؟ مش هى بتحضر بانتظام؟
د. وائل: أيوه ما مابتفوتش مواعيد، المهم يعنى أنا قعدت قى الأول بس أجمع معلومات عشان أفهم.
د.يحيى: طيب ما هو دا طبيعى، ومستعجل على إيه، دول شهرين، المهم، فين بقى السؤال؟
د. وائل: المشكلة إن البنت دخلت من سنتين ونص بالظبط دخلت فى علاقة كاملة مع واحد من الشباب تعرفه، كان فى علاقة عاطفية بينهم قبلها.
د.يحيى: طيب وبعدين؟
د. وائل: وبعد كده هى انفصلت عنه وسابته خالص.
د.يحيى: وبعدين؟
د. وائل: وهى دلوقتى اتعرفت على ولد تانى واضح إنه ولد كويس من اللى بتحكيه عنه، ومن طبيعة تصرفاته.
د.يحيى: والولد الأولانى؟
د. وائل: لأ أنا باحكى عن التانى، هى اتعرفت دلوقتى على واحد تانى
د.يحيى: سابت الأولانى بعد العلاقة الكاملة دى بأد إيه؟!
د. وائل: بسنة.
د.يحيى: واستمرت العلاقة الكاملة مع الأولانى قد إيه؟
د. وائل: حوالى سنة ونص.
د.يحيى: سؤالك بقى عن إيه؟
د. وائل: البنت متقدم لها التانى ده، الولد الكويس، وهى محتارة تعرّفه باللى حصل ده ولأ لأ .
د.يحيى: أنا فاكر إحنا ناقشنا الموضوع ده قبل كده، آه، إتعرّضنا له أظن فى أكتر من حالة.
د. وائل: أيوه.
د.يحيى: طيب إيه اللى انت فاكره منه، هو مافيش قاعدة عامة طبعاً، لكن لو سمحت نربط المسائل ببعضها.
د. وائل: طبعا.
د.يحيى: طيب، إيه فى اللى إحنا ناقشناه يمشى على الست دى؟ وإيه اللى عايز تعرفه جديد؟
د. وائل: أنا فاكر آه، فاكر إحنا قلنا إيه .
د.يحيى: قولنا إيه؟
د. وائل: يعنى هو حضرتك وقتها، اللى أنا فاكره، أصل الكلام دا بقاله أكتر من سنة، حضرتك قلت للدكتور”….” حاول تتقمصها من ناحية، وتتقمص خطيبها يعنى اللى حايبقى جوزها من ناحية تانية، بالدور يعنى، وإن الواحد يشوف ممكن يتصرف فى الموقف ده ازاى.
د.يحيى: طيب: وبعدين؟
د. وائل: أيوه أنا فاكر إن فى الحالة اللى فاتت قلنا لأ، البنت ماتقولش
د.يحيى: مش قوى كده، إحنا اتناقشنا وفضلنا إنها ما تقولشى فى المرحلة المعينة بتاعتها، كل حالة لها ظروفها، وبرضه كل مرحلة تختلف عن المرحلة اللى بعدها واللى قبلها، إيه الفرق بين الحالة دى والحالة اللى فاتت، حصل إيه لك وإنت بتشتغل لما افتكرت إن إحنا قلنا كده زمان؟
د. وائل: أنا شخصيا إتخضيت من الموقف، بس قلت ساعة ماكنا بنتناقش المرة اللى فاتت هوا ده يِمكن الصح، لما جت الحالة دى لقيت نفسى مستصعب إن هيـَّا ماتقلـّهوش، برضه فى نفس الوقت يعنى مستصعب إنها تقول، لما سمعت حالة د.”….” ما كنتش جوا الموقف، لكن لما لقيت نفسى مسئول عن مريضة بالذات، فَرَقت معايا، لقيت نفسى فى وسط موقف مشابه، فَرَقَتْ..
د.يحيى: فى الحالة اللى فاتت كان رأيك اللى بصحيح إيه؟!
د. وائل: أنا قلت أنا كنت موافق على رأى حضرتك
د.يحيى: هوا ما كانشى رأى حضرتى قوى، إحنا اتناقشنا ووصلنا للممكن ساعتها.
د. وائل: آه
د.يحيى: طيب، أنا مِحترم إنك شايف موقفك بأمانة، محترم ملاحظتك إن اللى بيسمع غير اللى بيمارس، وده مهم جدا فى الإشراف، إحنا مش بنحفظ ونروح نسمّع للعيانين، وأنا ما عنديش مانع نتناقش ونعيد ونزيد مهما اتكررت نفس الحالات، لأن ما فيش حالة زى التانية، ثم إن الإشراف زى ما اتفقنا بيناقش مشاعر ومواقف المعالج المتغيرة طول الوقت، تمام زى ما بيناقش مشاعر ومواقف المرضى، أنا متشكر يا وائل إنك خدت بالك من الفرق بين السماع وممارسة الصعوبة من جديد.
د. وائل: بصراحة أنا احتسْت.
د.يحيى: ده جيد، بس خلى باك إنك فى النهاية مش انت اللى حاتحكم عليها إيه اللى تعمله، إنت حاتناقش وتقترح بوضوح، ولازم تحط مرحلة المجتمع بتاعنا فى الاعتبار، مش بس المجتمع العام، لأ مجتمعها الخاص.
د. وائل: يعنى أعمل إيه، وما هو أنا جزء من المجتمع ده برضه؟!
د.يحيى: أيوه ولأه، يعنى لا إنت تمثل المجتمع، ولا هى، ولا عيلتها، ولا بلدها إحنا جزء من المجتمع صحيح، بس كل واحد له دوره المختلف فى المجتمع بتاعه، ومافيش حاجة تنفع لكل المجتمع كده مره واحده، كل مجتمع صغير له ظروفه الخاصة.
د. وائل: طيب، بس يعنى….
د.يحيى: شوف يا وائل الرجالة بصفة عامة فى مجتمعنا وصلوا لحد فين، لما يكون الرجاله هفأ، والمجتمع أى كلأم، تاخد بالك من كل ده، مش معنى كده أنا بـَاعـَمـِّمْ، أنا صحيح باستهيف الرجالة اليومين دول، وبرضه مش واثق فى نضج المجتمع كله، بس ده مش معناه إن الكل كده، خلى بالك المسألة مش مسألة تحضُّـر وحرية وكلام من ده، المسألة مسألة احترام وتعلم وكـَبـَران، ياراجل: “من كان منكم بلا خطيئة”.
د. وائل: يعنى إيه؟ أنا حاسس إن شعورها بالذنب ورا رغبتها إنها تقول له.
د.يحيى: إوعى تتطمن لحكاية الشعور بالذنب دى، دا أنا كتبت فيها كتير، أنا شرحت إزاى إن اللى بيشعر بالذنب زيادة عن اللزوم فى الغالب هو اللى ما بيتعلّمش، وده برضه مالوش دعوة بالتوبة أو بالاستغفار، التوبة هى إعلان التعلم، مش عقاب النفس زى ما بيحصل مع الشعور بالذنب.
د. وائل: طيب ونفرّق إزاى؟
د.يحيى: المفروض ده متروك ليك إنت وخبرتك ولمدى معرفتك بالبنت وباللى حواليها، وباللى حايتقدم لها، ثم إن شهرين مش كفاية، لازم تاخد وقتك لحد ما تقدر توزن الوضع، مش معنى كده إنك تقعد محتار وتدّعى الحياد، لأ، إنت تبدأ بمسئوليتك وإحساسك وخبرتك، وتشوف لو أنت أبوها، أخوها، هىّ، تشوف حاتعمل إيه دلوقتى وبعيدن، وما تفرضشى اللى شفته فى نفسك عليها، مهما تصورت إنك صح، اللى أنا بقول لك عليه له أهميته مش إنك تفهم نفسك وبس، هوه مهم إنك تعرف احتمال تداخل موقفك الشخصى مع دورك العلاجى، حاتعرفه من خلال أمانتك دى، يقوم يبقى حكمك أقرب للواقع، إنت بتشوف نفسك فيها ومعاها ومعاه، مش عشان تحكم عليها أو عليه باللى ينفع لك إنت، لأ، دا عشان تقرب من الموضوعية، وتبعد عن الأحكام المطلقة سواء من الناحية الأخلاقية أو من الناحية الاجتماعية أو حتى الدينية، إنت طبيب تساعد الناس إنهم يبقوا سُـلام عشان يحكموا بأنفسهم ويتحملوا مسئولية حكمهم زى ما أنت بتتحمل مسئولية حكمك، المسألة مش مسألة حياد، إنت بتعلن رأيك مش بتخبيه، وبس، أنا مثلا رأيى المبدئى هوا إنها ما تقولشى، لازم أعترف بده لنفسى ابتداء، باقول كده لأنى عارف الرجالة، أنا بقولك نقطة البداية عندى مش نقطة النهاية، باقولك الأصل، لكن ده مجرد إعتراف بالاحتمال الأرجح عندى، وليا شروط إنها ما تقولشى، لو وصلنى إنها اتعلمت بصحيح، اتعلمت قوى، واتوجعت قوى لدرجة إنها اتغيرت فعلا، يبقى فى الأغلب باعتبر بينى وبين نفسى إن مش هى اللى غلطت الغلط ده، دى اللى كانتها، كأنها لـَمـَّا تـِتـْعـَلمْ بصحيح: تبقى واحدة تانية، يبقى هى لما بتخبى مش بتكذب أو بتضحك عليه، يمكن تخبيتها دى تكون نوع من التقدير لضعف الرجل عموما، أو ضعف الشخص ده بالذات، وده مش عيب، الضعف مش عيب وأيضا يمكن تخبيتها تكون برضه حسن فهم للى وصل إليه المجتمع اليومين دول، المجتمع بتاعنا عمال يتدهور بسرعة فظيعة جداً فى هذه المناطق بالذات، أظن إن الممارسات دى زادت، وفى نفس الوقت الإدعاء زاد، والشهامة تراجعت، وأيضا السماح ما عدشى فيه سماح من غير لىّ دراع.
د. وائل: يعنى إيه؟!
د.يحيى: الرجالة ساعات تقولك آه آه وبتاع ومش عارف إيه ومسامح وما يجراش حاجة، سنة اتنين تلاتة، أكتر أقل، بعد كده الراجل من دول يتهز أى هزة، هب الحريقة تولع، وهات يا: “إنتى مش فاكرة كنتى كذا كذا، ياللى إنت كيت وكيت”، وحاجات فظيعة عمرها ما كانت باينة عليه فى الأول، ده ساعات بيحصل بعد 30 سنة وساعات أكتر، أنا شفت مصايب من دى كتير، يقعد الواحد من دول يقول لنفسه أنا راجل جدع وبتاع وعامل نفسه شهم وفهمان، وبعدين ييجى عند سن مثلأ 55 أو حتى 80 يقولك بقى مش إنتى بقى اللى مش عارف إيه !! أنا كمعالج لما أعرف إن موقفى كده من خلال خبرتى، أعلنه لنفسى أولا، وأقول إن الأرجح إنها ماتقلوش، آجى بقى بالنسبة للبنت دى بالذات، المسألة تتوقف عليها، ومدى قدرتها على احتواء التغيير، والمسئولية الجديدة، وده متروك لك ولها، إذا كانت البنت يعنى واثقة من نفسها فعلا (مش بس بتقول أنا واثقة)، وكانت قادرة تحط الخطأ فى مكانه، وتتحمل مسئولية اللى حصل، ومسئولية إنها تخبى ده، مش تكذب، وتقول ما هو ربنا عارف كل حاجة ومش محتاج قوالة، إذا كان الأمر كذلك، فهى حاتوصل لقرار سليم برضه من خلال وضوح موقفك اللى حايوصل لها غصبن عنك، يعنى لو انت شخصيا من غير ما تعرف حكمت عليها حكم نهائى إما بسوء الخلق زمان، أو بالكذب دلوقتى، فده حايوصل لها بشكل أو بآخر.
د. وائل: يعنى موقفى أنا شخصيا حا يأثر عليها؟
د.يحيى: طبعا، حتى من غير ما تقوله، ثم خلى بالك: فيه حاجة تانية مهمة، ساعات قولانها لخطيبها ده ما يكونشى لمجرد تجنب الكذب، أو نتيجة للشعور بالذنب والندم والتوبة، ده ساعات يكون نوع من إيذاء النفس، وتشوية لصورتها، قال يعنى بتعاقب نفسها بكده، ثم إنها برضه يمكن تطلب منه ثمن اعترافها ده بشكل خفى حتى عنها، وتبالغ فى ده، ومش ضرورى تكون عارفة الثمن، اللى بتطلبه إيه، وساعات تبالغ فى طلبات عاطفية منه، ومهما إداها يا إما ما تصدقش يا إما ماتشبعش يا إما تفركشها من غير ما تاخد بالها، وكلام من ده، كل ده طبعا بيحصل من تحت لتحت غالبا فى اللاشعور.
د.وائل: بس أنا حاسس إنها عايزة تقول له، إيه موقفى أنا؟
د.يحيى: ما هو انت مش حا توافق ولا حاتعترض بشكل مباشر، إحنا بنقلّب فى المسائل. ثم فيه حاجة غير ده كله: يمكن هى عايزة تقول له عشان تختبره، يعنى تروح رامية الكرة عنده، يقوم يبان إن كان حايستحمل ولا لأ، وحتى لو استحمل سنين، يمكن يسقط فى أول امتحان بعد كده، يسقط ويتفـقس من حاجة بسيطة، زى ما قلنا: خناقة، اختلاف رأى، رز شاط، يروح قالب الدنيا زفت، يعنى مش ضرورى تحصل حاجة كبيرة عشان يبان اللى جواه، مش ضرورى بعد الجواز يشك مثلا إنها حاتعمل علاقة، مش ضرورى يخاف على بنته لتتطلع لامها، ما حدش يقدر يحسبها بالقلم والورقة، إنه وافق أو ما وافقشى، إنه سامح أو ما سامحشى، إحنا ما نقدرشى نلزم اللى جواه بموافقته أو سماحه، الحاجات دى أنا شفتها فى عيادتى، حاجات بسيطة خالص، خناقة مع أخته يروح فايع فى مراته يقولها دى ستك، وهو عينه أو لاشعوره بيشاوروا على حاجة تانية، إتأخرت مثلا عن النزول عشان تركب العربية معاه، تروح العاصفة قايمة، مجتمعنا ضعيف جداً، عشان كده أنا بابتدى بالأرجح عندى، إنها ما تقولشى له، هى يجوز تقول، باعتبار إنها عملت اللى عليها ومسحت ذنبها وهو حر، فى حين إنها لو اكتسبت خبرة حقيقية من كل ده، ومن العلاج، حاتبقى قوية وواثقة، وحاتعرف مين ده اللى تقول له، وهوه يستاهل ده ولا لأه، وطبعا حايتضمن ده مدى نضجه ووعيه وإيمانه الحقيقى.
الحكاية محتاجة وقت ومحتاجه وعى منك جامد قوى، لو إنت رايح تتجوز واحدة فى الظروف دى، حاتفضّل إيه؟ حا تفضل إنها تقول لك مثلاً، وبعد ما تقولك حاتكذب على نفسك وتقول سامحت، ولاّ فيه احتمال إن حاجة حا تحصل جواك ما انتش عارفها؟
مرة تانية إنت مش مقياس، بس ده يساعدك على نوع من العدل ولو بنسبة بسيطة، وأيضا على احترام ضعف البنى آدمين، المسألة عايزة شغل شريف فى كل اتجاه، مع كل الأطراف، وربنا يستر.
د. وائل: ربنا يسهل.
د.يحيى: فيه حاجة بايخة أنا أحب أقولها فى الآخر، هى يمكن تكون محرجة لكم شوية، بس ده علم، إحنا هنا بنتعلم، هوا الجدع الأولانى ده كان إيه بالنسبة لها، كان بيغذى أى حتة فيها، لازم برضه تحترم ده مهما كانت فاقت وسابته، الحتة دى خلقة ربنا برضه، إيه اللى خلاها تقعد معاه المدة دى؟ سنة ونص؟ مش يمكن هى عايزة تعترف للجدع الجديد ده عشان يمشى، عشان مش لاقية الحتة دى فيه، أنا متأسف، إنما احترام النفس الإنسانية لازم يكون ما لوش حدود، وإلا ما نبقاش دكاترة، العلاقة اللى تقعد المدة دى، وعلاقة كاملة، ما هياش لعب عيال، لازم بتغذى حاجة، لازم ندور عن بقايا الخبرة الأولى ونحترمها واحنا بنرفض الغلط، الخبرة ما بتتقاسشى بس بالغلط والصح، الخبرة خبرة، والنمو نمو، أنا آسف، المسائل صعبة عليك يا وائل فى الأول إنما إنت كمان بتكبر، بنكبر سوا، إمال عاملين الإشراف ده ليه. خلى بالك الخبرة اللى فيها إعادة نظر فى أفكارك الأولى حاجة تانية، يا أخى دا حتى الجواز اللى هوا جواز على ميه بيضا بصحيح وعايز ينجح بيكون فيه إعادة نظر برضه وهوّا يا إما يفشل يا إما يتقلب كذب وتلصيم يا إما التعاقد يتجدد باستمرار، البنى آدم بنى آدم وبس، زى ربنا ما خلقه، والمسألة صعبة بجد، وإحنا اتعرضنا بمهنتنا دى لخدمة البنى آدم كله على بعضه، ولا ّ إيه !! وربنا يقدرنا.
د. وائل: طيب وحكاية أخوها وأخوها التانى وإنهم عندهم حاجات هما رخرين؟!
د.يحيى: آه، عليك نور، دى حاجة مهمة برضه، مش المسألة إنها عيلة سايبة وطلع منها كل الأخطاء دى، لأ، إنت لازم تاخد بالك إن فيه برامج جاهزة فى تركيبة العيلة دى، لازم نوفر لها الظروف اللى تستوعبها صح، وإلا خد عندك، أنا باسـَمـِّى الاستعداد الوراثى”برامج”، والبرنامج هنا مش استعداد للبوظان، ولا للمرض، هواستعداد وخلاص، استعداد بينبهنا إن مع العيلة دى لازم نبذل جهد أكتر، ونحسبها حسابات أصعب، المسألة مش ده وحش وده كويس، المسألة نبتدى من جديد ازاى.
د. وائل: بس حضرتك بتصعّبها علينا كده
د.يحيى: الله!! مش أنت اللى بتقدم الحالة، مش إنت اللى بتسأل، ثم خلى بالك أنا ما ردتشى على سؤالك
د. وائل: آه صحيح، بس أنا عرفت.
د. يحيى: أنا أشكرك.
د. وائل: شكراً يا دكتور يحيى.
****
التعقيب والحوار:
د. أسامة فيكتور:
يبدو أن من فائدة عرض حالات هكذا أن تساعدنا فى تنمية التقمص مما يفيد عملية العلاج.
د. يحيى:
لكن أرجو أن تنتبه أن أغلب التقمص، خاصة فى بداية الممارسة يحدث لا شعوريا، وعلينا أن نبحث عنه على أى مستوى من مستويات الإشراف، وأن ننتبه أنه بداية مش نهاية، أنا أتقمص اللى قدامى عشان أفهمه أكثر وأساعده أحسن، مش عشان اللى حاحس بيه وأنا متقمصه أخليه يعمله.
أ.عماد فتحى :
موافق على أنه ليست هناك حالة مشابهة لحالة أخرى ولكن هذه اليومية بهذا الشكل مفيدة جداً ونشرها هكذا بدون تعليقات نظرية يجعلها أكثر تحريكاً، ويشير إلى الخطوط العريضة التى تحرّك الأفكار.
د. يحيى:
هذا طيب، وهو غاية المراد بصراحة
أ. محمود محمد سعد:
أرى أنه مادام الزوج متفاهم، يمكن أن تخبر الزوجة زوجها بتاريخها لأن عدم الإخبار هو خيانة، أما إذا ترتب على هذا الإخبار ضرر بسيط، فيجب على الزوجة التحمل.
د. يحيى:
ما هذا يا محمود؟ سبحان الله يا أخى! عدم الإخبار لزوج مهزوز هو الخيانة؟ والضرر الذى سيترتب “بسيط” إن شاء الله!! والزوجة وحدها هى التى تتحمله؟ ما كل هذا بالله عليك؟
شعرت يا محمود أن عليك أن تقرأ المناقشة من جديد، وأن تحترم المرأة أكثر كثيرا، وأن ترى خيبة الرجال وضعفهم وغرورهم أكثر بكثير جدا، ثم إنه ليس زوجها بعد، ألم تلاحظ، هو خطيبها فقط.
ولعلك تحتاج أن ترى ذلك فى نفسك أولا، أو أساساً. أنا أسف
د. تامر فريد:
حاولت بكل أمانة إن أتقمص خطيب المريضة، وجدت صعوبة كبيرة، فى تقبل ذلك، لم أستطع مسامحتها فى البداية وفضلت ألا أعرف. أما بعد ذلك فلا أعرف ماذا جرى؟ شعرت إن شيئا ينقصنى، وأننى أحتاج فرصة كى أتخطى ذلك وأتقبل، أما كيف، لا أعرف؟
د. يحيى:
منتهى الأمانة يا تامر، هكذا يمكن أن نحترم ضعفنا وننمو ونحن ندفع الثمن متألمين فخورين بأننا نحاول ونأمل ونواصل، وعلى الله زميلك اللى أصدر أحكام نهائية حالا، الأستاذ محمود سعد، يصدقك ويفكر شويتين.
===========
الحالة: (4) ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله
الحالة: (4) ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله
الحالة: (4)
ترويض المخ البدائى فى المريض وأهله([17])
بعض ملامح الحالة:
-
العلاقة المحارمية (الجزئية)
-
دور الطرف الآخر (الأم)
-
علاقة التشخيص بذلك
-
غياب الأب وتواطؤ أفراد الأسرة
-
الجنس المنفصل الناجح (حتى فى الزواج) قد لا يروِى.
-
بعض التفويت لحساب الإيجابيات الجارية
-
التوصية بالعودة إلى الإشراف
-
القبول بقلق المعالج ومعاناته مع تعثر العلاج وتقليبه (تقليب المعالج)
-
دور العلاقة العلاجية بفرد آخر من الأسرة
د. فتحى عبده:… الحالة اللى أنا عايز أتكلم فيها: هو ولد عنده 24 سنة كان دخل المستشفى، وقعد حوالى 6 أسابيع، وخرج، وهو بقاله معايا دلوقتى بقاله معايا سنتين، وكان بييجى بانتظام، وهو فى كلية “…” (قمة)، وكان عنده تعسر فى الكلية.
د. يحيى: وبعدين؟ هوا تعسر قد إيه فى الكلية؟
د. فتحى عبده:… هو اتعسر 3 سنين، كان فى سنة أولى ودلوقتى فى سنة تانية هو ماشى كويس معايا أوى، بييجى من محافظة بعيدة شوية عن مصر، أبوه مصرى ناجح مؤهل عالى، بيشتغل فى بلد عربى، وأمه مدرسة وقاعدة له دلوقتى تقريباً بقالها سنتين برضه، مش عايزة تروح شغلها تانى يعنى هى مدرسة وقاعدة متفرغة جنبه، مش عارف ليه زى ما يكون هى مبسوطة كده.
د. يحيى: له كام أخ وكام أخت؟
د. فتحى عبده: هو الكبير، له أخت واحدة أصغر منه فى كلية هنا.
د. يحيى: أبوه مسافر بقاله أد إيه؟!
د. فتحى عبده: بقاله كتير، بقاله أكتر من 10 سنين وزى ما تكون الأم عاملة اتفاق كده مع أبوه على حاجة بين الطرفين، كله راضى.
د. يحيى: مش فاهم، علاقتهم، هوّ وأبوه ببعض، أخبارها إيه؟
د. فتحى عبده: هما بينكروا إن فيه أى مشاكل، بس أنا أعتقد إنهم بيسكتوا وخلاص، لما باضغط على أبوه فى المرات اللى شفته فيها يعنى مابيتكلمش كتير فى الحته دى، بيقول: “ماشية”..، “لأه ما فيش”، “الدنيا مافيهاش حاجة”، و”الدنيا ماشية أهه”، و”أهو الولد ماشى”.
د. يحيى: السؤال؟
د. فتحى عبده: حسيت من مدة مش كبيرة ومش قليلة إن العلاقة بين الولد وأمه فيها حاجة.
د. يحيى: حاجة إيه؟
د. فتحى عبده: حاجة أوديبية، يعنى بين الأم والولد يعنى.
د. يحيى: ليه بتسميها أوديبية كده خبط لزق([18])، هوه إسم شائع وله دلالته، بس خلى بالك إحنا اتكلمنا فى الموضوع ده كتير، وقلنا إن التطور والتاريخ بيقولوا لنا إن الحاجات دى موجودة قبل أوديب وقبل سوفوكل وقبل فرويد، وأنا كتبت فى الحكاية دى كتير، وقلتها لكم، وقدمت عدة تفسيرات ونقد لتسمية العلاقات دى بالاسم ده تحديدا، فيه علاقة! ماشى..، نوصفها قبل ما نسمّيها على الأقل، يعنى هى ليست بالضرورة أوديبية بالمعنى الشائع، وبعدين إنت فاكر إنى قلت كام مرة إن أنا شفتها بتبدأ أكتر من ناحية الأم، أقصد النداء أو الجذب أو الرغبة، مش زى ما فرويد قال، يعنى الأم هيا اللى بتنادى، بتطلب، لا شعوريا غالبا، وساعات تصل لدرجة الشعور، بشكل غامض وتعبيرك “فيها حاجة” يمكن بيشاور على الغموض ده …
د. فتحى عبده: تمام!! الحقيقة الحته دى هى اللى باسأل عنها.
د. يحيى: إيه بقى! الحكاية بدأت من ناحية الأم برضه؟
د. فتحى عبده: آه من ناحية الأم، هى بادْءة من الأم، واضحه جداً.
د. يحيى: إنت متأكد؟
د. فتحى عبده: آه، دى واضحه لدرجة إن الأم يعنى بتتكلم عليها أكثر، والولد بيتكلم برضه عليها بشكل واضح، يعنى مابينكروش.
د. يحيى: يعنى إيه؟ بيقولوا إيه؟
د. فتحى عبده: يعنى مثلأ هى تيجى تعمل ازاى…، أولا هوا ما مفيش علاقة جنسية بينها وبين جوزها.
د. يحيى: نعم؟ إنت متأكد؟
د. فتحى عبده: التسوية اللى وصلت لها مع جوزها إن خلاص ما فيش حاجة، والظاهر إنها واخده الولد بديل.
د. يحيى: هى عندها دلوقتى كام سنة؟ والعلاقة منقطعة من زمان؟ من إمتى؟
د. فتحى عبده: هى دلوقتى عندها 43 سنة.
د. يحيى: وجوزها؟
د. فتحى عبده: جوزها عنده 51 – 52
د. يحيى: وانت؟
د. فتحى عبده: أنا عندى 40 سنة.
د. يحيى: ومتزوج وتعول مش كده!! يلاّ كمّل..
د. فتحى عبده: أيوه، أنا كنت منتبه لده من الأول.
د. يحيى: العلاقة منقطعة بقالها قد إيه؟ مش الراجل مسافر؟ ما هو مافيش فرصة من أصله.
د. فتحى عبده: هى بتروح له كده فى الأعياد، وبتاع…
د. يحيى: طيب ماشى، كام مرة فى السنة؟
د. فتحى عبده: الحقيقة ماعنديش معلومات كافية يعنى..
د. يحيى: سنتين يا راجل معاهم وما عندكش معلومات كافية؟!!
د. فتحى عبده: فيه صعوبة إنها تتكلم.
د. يحيى: عندك حق، بس خلى بالك المسألة مش مسألة جنس بالمعنى المباشر المنفصل، الجنس ممكن يكون ماشى تمام التمام، وما فيش علاقة برضه، وتلاقى الجوع على آخره.
د. فتحى عبده: لأ مش جنس، العلاقة عموما، عايزة كلام كتير.
د. يحيى: باقول لك إيه، هى مش جنس لكن جنس، بس ده بعدين نتكلم فيه، إنت بتشوف الأم بانتظام؟
د. فتحى عبده: أنا طلبت من فترة من حوالى 7 شهور إن أنا أشوف الأم، بقيت يعنى باشوفها بإنتظام هى والولد، يعنى، باقسّم الجلسة كده بينهم، نص ليها ونص له، ده فى محاولة إنى أنا أخلى الأم يبقى واصل لها اهتمام، لأن أنا شايف إن عندها احتياج جامد قوى، وزى ما تكون هى قفلت على الاحتياجات دى، وعوضتها بالعلأقة مع إبنها…ينام فى حضنها على طول، هى تيجى تنام جنبه من غير ما يطلب، يعنى كده.
د. يحيى: يعنى إيه؟
د. فتحى عبده: الواد كل ما ييجى يفلفص يطلع منها ويعمل علاقة مع زميلة أو حاجة، أنا بازق الولد بشكل غير مباشر فى الناحية دى، مش قصدى…، كل ماينجح مثلأ إنه هـُبّ حايعمل صحوبية مع واحده: الأم تفضل تقفّـل تقفّل تقفّل.
د. يحيى: مش ده طبيعى فى بلدنا، ولا إيه؟
د. فتحى عبده: مش قوى كده، هما مش متزمتين، كل اللى بيعمله الواد حاجات خفيفة زى مثلأ تبادل نمر موبايلات، ممكن نتقابل، حاجات زى كده.
د. يحيى: هوه بيتقابل فعلأ؟ ولا كلام؟ ولا مشاريع فى خياله؟
د. فتحى عبده: لأ بيتكلم وكده، وبيخرج ساعات مع بنات، بس الأم بتقفل عليه بشكل واضح وباستمرار، وهبْ يلاقى نفسه بعد كده إن الحكاية فشلت.
د. يحيى: لحد دلوقتى ماشفتش العلاقة الأوديبية أوى، يعنى ممكن أى أم فى مصر تقفّل على إبنها خصوصاً لما يكون كان عيان، ومتعطل فى كلية صعبة، وانت عارف..
د. فتحى عبده: ما هو برضه حضرتك، ما فيش تبرير مثلأ إن هما يناموا مع بعض فى سرير واحد.
د. يحيى: فى سرير واحد؟! فى السن دى؟ انت متأكد؟
د. فتحى عبده: أيوه، فى سرير واحد، وهو يحط إديه فى أماكن حساسة من جسمها.
د. يحيى: هى بتطلب؟ ولاّ هو بيعملها وهى بتنطش؟
د. فتحى عبده: هى بتقعد تضحك، وكإنه هزار، وهوه نفس الحكاية.
د. يحيى: طيب وانت بقى موقفك إيه؟
د. فتحى عبده: ماهى دى بقى اللى أنا عايز أتكلم فيها: الحقيقة يعنى الفترة الأخيرة دى زى ما يكون الأم بالذات بتجيب دا كمحور أساسى فى الموضوع، أنا عايز أتكلم معاها فى حياته فى كذا، هى تقوم حضرتك مرجعانى للحته دى.
د. يحيى: اللى هى إيه؟
د. فتحى عبده: اللى هى منطقة إن الولد بيجى بيحط إيده وبيضايقها والكلام ده، طول الوقت حاطه دا فى الأول ومش شايفه هى بتعمل إيه .
د. يحيى: إنت قلت لنا الولد نجح فى سنة تانية وانت عارف السنة دى، فى الكلية دى، صعبة قد إيه .
د. فتحى عبده: لأ، هوه كان متعسر فى سنة أولى ونجح، وهو دلوقتى فى سنة تانية يعنى كان متعسر فى سنة أولى سنتين ونجح, فى الحقيقة أنا مش عارف، حاسس يعنى عندى كده مخاوف إن أنا لو بدأت بقى يعنى أشتغل فى ده بشكل مباشر إنه ما ينفعش وكلام من ده، زى ما يكون حايعطله أكتر..
د. يحيى: السؤال؟
د. فتحى عبده: ما أنا قلت، هل أشتغل فى العلاقة دى بشكل واضح كده، ولا ّ أقعد أأجل أأجل؟ ولحد إمتى؟
د. يحيى: بشكل واضح إزاى يعنى؟
د. فتحى عبده: يعنى مثلأ أقول للولد ماتعملش مثلا ده الأسبوع ده لحد ما أشوفك المرة الجاية، يعنى أمنعه بصريح العبارة، حتى لو أنا عارف إن الحكاية ما تبدأشى منه، حاجة كدا، يعنى أنا باحس إن أنا كده بأُستدرَج فى منطقة أنا يمكن مش واثق فى قدرتى فيها.
د. يحيى: وأخته موقفها إيه من ده كله، مش ده قدامها؟ أخته ملاحظة ده؟
د. فتحى عبده: آه وما بتعلقشى، وساعات تضحك، آه، فيه برضه حاجة مهمة هنا: الظاهر إن هو لمّح على أخته كبديل، الولد هدد أمه يعنى، هدد أمه عشان ماتسافرش لأبوه فى العيد اللى فات، ولمـّح إن ده عشان أخته، تقريبا قال لها إنها، أخته يعنى، حاتبقى بدالها لو سافرت بس بدالها فى إيه، مافسّرشى.
د. يحيى: بدال مين؟ فى إيه؟
د. فتحى عبده: إن هو يعاكسها يعنى بدل أمه يعنى..
د. يحيى: طيب السؤال برضه؟
د. فتحى عبده: السؤال بقى هل أنا صح؟
د. يحيى: أيوه إنت صح، وأنت بتأدى دورك العلاجى بأمانة وحيرة كده، قصدى يعنى إن مش مطلوب منك غير إنك تعمل اللى تقدر عليه، وأديك بتتونس بينا لما تقف الحكاية معاك، المعالج ما يصحش يحسب اللى بيعمله طول الوقت بإنه صح ولا غلط، هو يشك فى نفسه آه، ويراجع نفسه آه، لكن لازم يعرف إنه ما يقدرشى يعمل إلا اللى عنده، ولما يكبر فى الصنعة، حايلاقى نفسه بيعمل أحسن، وفى كل مرحلة هوا صح، إحنا ما عندناش فى العلاج النفسى نموذج إجابة للصح والغلط، نقول إيه وما نقولشى إيه .
د. فتحى عبده: يعنى مفيد إن أنا يعنى، زى ما هما بيحطوا الموضوع ده فى شكل واضح كده، إنى أنا أشتغل فيه بالشكل الواضح ده؟ طيب وإذا حسيت إنى أنا بأستدرج، فى حته أنا مش عارفها؟
د. يحيى: عندك سؤال تانى ولاّ هو ده؟ عشان أنا شاعر إنى لازم أوضح أكثر شوية.
د. فتحى عبده: لأ، ده السؤال الأساسى، ماعنديش غيره تقريبا.
د. يحيى: هو طبعاً إحنا فى العلاج النفسى بنقول إن المهم هو إن إحنا نقعد مع العيان ساعة كل أسبوع، ومش مهم الباقى، حتى التشخيص بتيجى أهميته متأخرة شوية، لأن مهما كان التشخيص فى البداية، مع مرور الوقت بيتراجع ويبقى فى الخلفية، التشخيص مش هو اللى بيحدد العلاقة، لكنه مهم، وساعات إحنا ننساه خالص مع مضى المدة فى العلاج، لكن خلوا بالكم، لما أثناء العلاج نلاقى نفسنا فى أعماق غريبة، أو تظهر صعوبة حقيقية مش عارفين لها حل، تبص تلاقى التشخيص بينط لوحده فى مخك، الواحد بينسى التشخيص من كتر ما هو مصاحب العيان، نرجع مرجوعنا للولد ده بالذات، وإنه دخل المستشفى، هبْ، هو حد فى السن دى، والظروف الاجتماعية دى يدخل المستشفى، ويقعد المدة دى إلا لما تكون الحكاية جد جد، ويكون التشخيص يستاهل، مش عايز أقول أسامى أمراض وكلام من ده، هوا التشخيص كان إيه يا دكتور فتحى؟
د. فتحى عبده: فصام.
د. يحيى: طبعا إنت عارف إن كلمة فصام دى بالنسبة لنا إحنا بالذات ما تخوفشى، وأديك قاعد معاه أهه بقالك سنتين، والواد نجح بفضل الله وفضلك، زملاءنا بتوع الكيميا، والأسامى، ويفط التشخيص، والاتنين فى اتنين باربعة، متصورين إنك لما تقول فصام يبقى كله زى كله، لأ طبعا، المسألة دى فى العلاج الكيماوى الميكانيكى أول ما تقول فصام يبقى عكّمه دوا وخلاص، إنت فى العلاج النفسى، تقول فصام تلاقى نفسك فى عمق الوجود شخصيا،..وتبتدى تحسبها واحدة واحدة، كل عيان غير التانى، عندنا أهه فى الجدع ده بالذات، كونه يستمر المدة دى معاك، دا إنجاز محترم لك وله،..اللى أنت وصلت له دا جيد لك وله. بس الزنقة اللى انت فيها دى تخلينا نعيد ترتيب أوراقنا:
إحنا لما كنا بنتكلم على حكاية البدائية فى الغرائز أو فى العواطف أو فى الجنس، قلت لكم إن الأصل هو إن ما فيش موانع بيولوجية تمنع أى علاقة جنسية بين واحد وواحدة، وأظن أنا حكيت لكم على حكاية الأم الطيبة، اللى كان عندها 56 سنة وإبنها اللى اتهجم عليها جنسيا، ما علشى حاحكيها تانى للى ماسمعهاش:
الكلام ده كان وانا نائب سنة 58 /59، الست دى كانت متجوزة وعندها خمس ست عيال، وسنها 56 وعمرها ما تعرف يعنى إيه إن الست “توصل” أو ما “توصلشى” (أورجازم يعنى)، طبعا أنا ما سألتهاش، مش هيا اللى عيانه، ده ابنها، ده جه بعدين، المهم إبنها كان شاب حوالى فى سن الشاب ده، وكان بياخد جلسات كهرباء (اللى بنسميها دلوقتى تنظيم إيقاع)، وكنت باشوفه بانتظام حتى بين الجلسات، المهم بعد جلسة من الجلسات دى جت له حالة تهيج على أمه، تهيج جنسى، وهجم عليها وحاول، وهى زقته جامد، واترعبت، لكن خافت تقول لأبوه وجت قالت لى أنا، أنا ساعتها كنت صغير، الكلام ده كان سنة 59 بقى، ولا سميت الحكاية أوديب ولا حاجة، كنت لسه ما تفالـْـحـَـسـْـتـِـشْ، ولا حطيت فروض بديلة ولا يحزنون، قلت لها معلشى دا عيان ولما حايكمل علاج حا يبقى كويس، بس خلى بالك، وكلام من ده، الوليه الطيبه صدقت، والواد ما عملهاش تانى، وبعدين فى الجلسة اللى بعدها طلبت الأم إنها تقابلنى وحدها وهى فى غاية الخجل والتردد، أنا تصورت إنها حاتقول إنه حاول تانى، سألتها، قالت أبدا، ودعت لى وكلام من ده، قلت لها إمال إيه؟ بصت فى الأرض ووشها أحمر، خليكوا فاكرين أنا قلت لكم عندها 56 سنة، حكت لى بخجل شديد وطيبة إنها بعد إبنها ما عمل كده، وكررت إنه ما عملشى حاجة تانية من دى بعد أول مرة، أمال إيه يا ستى؟ فيه إيه؟ قالت وهى بتبص فى الأرض زى بنت عندها تلاتاشر سنة، قالت لى إنها بعد الحكاية دى، لما نامت مع جوزها عادى، جوزها أبو الواد ده، حست بانبساط جامد وجسمها كله اتهز، حاجة عمرها ما حست بيها طول الكام وتلاتين سنة اللى خلفت فيهم العيال دول كلهم، وقالت لى إنها اتخضت وهى مكسوفة وخايفة بصحيح، وإنها افتكرت إن ده حرام، وخافت تنام مع جوزها تانى، وفضلت إنها تييجى تسألنى تعمل إيه؟
طبعا أنا كنت صغير، بقيت مش عارف هى بتسأل تعمل إيه فى إيه، يا ستى دا جوزك، مبروك، دا شرع الله، وهى أبداً، إمال ما حصلشى قبل كده ليه؟ وتستغفر وتعيط!!!، وأنا لسـَّه ما ربطتش نهائى ساعتها بين هجوم إبنها عليها وبين اللى حصل، الحمد لله الواد اتحسن، وقلت لها الكلمتين اللى كنت عارفهم مرة واتنين، ودَعـِت لى ومشيت، طبعا ما سألتهاش بعد كده عملت إيه، وهى ما فتحتش الموضوع، لكن لما كنت باشوفها كنت بالاقى الطيبة زادت، ووشها منور، وأيامها ما رضيتشى أزود حتى لنفسى فى التفسير.
الحكاية دى يا دكتور فتحى بقالها أكتر من نص قرن، طبعا بعد كده لما اشتغلت غوّطت فى قراية التحليل النفسى، وأوديب ومش أوديب انتبهت لمعنى دا كله، ولاحظت كتر الحالات اللى الأم فيها بتشارك فى الجذب المتبادل – لاشعوريا غالبا، أنا شخصيا ماشفتش الحالات دى بالوضوح ده إلاّ مع الذهانيين (المرضى العقليين)، وده خلانى أزيد احترامى لفرويد بصراحة–برغم اختلافى فى تفاصيل كتيرة معاه فى المسألة دى (وغيرها) إلا أنى أعترف إنى ما شفتش الظاهرة دى بتاع المحارم والأم بالذات إلا فى الذهانيين (المرضى العقليين) يعنى ماشفتهاش صريحة بالشكل ده، فرويد ما كانشى بيعالج (بيحلل) ذهانيين، ومع ذلك وصفها زى ما أنا باشوفها فى المرضى العقليين تمام التمام.
نرجع مرجوعنا للحالة بتاعتنا دى، قلنا إزاى إن التشخيص ينط فى مخك لما نحتاجه، الجدع ده كان فصامى، يعنى إحنا جوه قوى، يبقى نحسبها صح بقى، المسألة مش مسألة قلة أدب، وعقد وكلام من ده، الست بتاعة القصر العينى من خمسين سنة بتعلمنا إن المستوى البدائى اللى بينط فى الفصام من إبنها قدر يحرك فيها اللى ما قدرشى يحركه الجنس مع جوزها اللى جابت منه خمس ست عيال، غير الواجبات المنزلية السريرية عمال على بطال، يبقى المستوى البدائى اللى بيطلع فى المرض الخطير اللى زى ده، له دلالة لو استوعبناه، يبقى ما يصحش نبص للحالة دى منفصلة لا عن التشخيص بتاع الولد، ولا عن علاقة الست أم الجدع بتاعك ده بجوزها المسافر، وحتى لما بتسافر له زى ما انت قلت أو شاورت، مابتسافرشى كلها على بعضها، برضه مابيحصلشى حاجة، الحتة البدائية اللى أنا باشاور عليها اللى هى بتثير النسوان وتثير الرجالة ولها قيمة حيوية حقيقية، ما يصحش نرفضها من حيث المبدأ، لكن إحنا ما بنقفشى عندها، خلى بالك، ولا بنسقف لها لوحدها، إنت هنا بتعامل واحد فصامى، مهما كانت الأعراض الكبيرة بتاعة المرض اختفت، هو –فى الأغلب بدون قصد فى الأول- أثار فى أمه حتة بدائية فى تاريخ التطور قصاد الحتة البدائية اللى اتحركت عنده بالمرض، مش معنى كده إن الفصام بيحرك الجنس بدائى أو غير بدائى، هوا بيحرك الوجود البدائى ومن ضمنه الجنس ساعات، وبرضه ساعات تانية بيموّته، بيلغيه حسب مرحلة البدائية، فيه بدائية قبل ظهور الجنس من أصله، كل حاجة ولها حاجة، إحنا بنحاول نحط فرض يساعدك فى الزنقة دى.
وانت بتفكر فى الفرض ده، حاتلاقى نفسك فى منطقة عايزة منك موقف مسئول ونـَفَس طويل زى ما انت بتعمل كده،
الغريب فى الحالة دى إن الأم هى اللى بتصدر الموضوع لك أثناء العلاج، وتتكلم عنه وتخليه على الوش، بتبقى انت مش عارف هى بتشتكى، ولا بتاخد منك إذن خفى، ولا بتحاول توهم نفسها إنها بتعمل اللى عليها، وأهو الواد عيان بقى؟!! إنت يا دكتور فتحى لازم تستحمل ده كله من غير ما تستعجل وتدمغها، وفى نفس الوقت تاخد بالك من التعود، والتمادى، وأخته، وكلام من ده. اللى أنا تصورته إن الأم دى ما بتصدرش الموضوع عشان يتحل، كأنها بتحكى وتقول وتعيد علشان يمكن الإعلان يديله مشروعية بشكل والسلام، كلمة غريبة شوية دى اللى أنا استعملتها دلوقتى، هو فيه حاجة إسمها مشروعية فى مسألة زى دى؟ ما علينا نفكر فيها بعدين، يمكن قصدى إن إعلان العلاقة، وتكرار ذلك، لمعالج متحمِّل زيك، بتديها فرصة إنها ما تظهرشى قدام نفسها أساسا كأنها متهمة، وبالشكل ده تفضل ماسكة خيوط الحدوته كلها مادام هى أعلنتها لك، ويمكن تطمّن إنك انت حتدور على أصل وفصل الحكاية بقى بطريقتك، فبالتالى هى تخليك إنت تشتغل فى الجزء المتاح فقط اللى هى سمحت بيه وكلام من ده. خلى بالك بعد الحكاية ما بتبتدى، من الواد، من أمه مش مهم، بتستمر لوحدها من الاتنين بقى، ولا إحنا محتاجين نتمسح فى عقدة أوديب ولا عقدة خصاء ولا كلام من ده، دا مستوى بدائى بيلاغى مستوى بدائى، وربنا يستر، خلى بالك مجرد قبولك ده وانت فى مرحلة تدريبك دى، صعب جدا، أنا مثلا قبلت الست بتاع القصر العينى من خمسين سنة، لأنها هى نفسها عملت شغل بسيط وسريع، وما كانش فيه أى مشكلة بعد ما الواد اتحسن، والست ما اشتكتشى من الواد، دا هى كانت مكسوفة من نفسها إنها انبسطت، مع جوزها -اللى هوّا أبوه- فى الحلال.
المسألة هنا زى ما انت شايف، الفروق بين الحالات، وبين نوع العلاقة، وبين المستوى الاجتماعى: طبقة غير الطبقة، وظروف غير الظروف، الراجل أبو الواد بتاعك ده خالع بقى وبتاع، غير إنه مسافر، والست مش حاقول مستسهلة، إنما بتتسحب وهى عاملة مش واخدة بالها نص نص، والواد عيان، أو حتى كان عيان بمرض من اللى بيقلـّـب اللى جوانا قوى، بصراحة الله يكون فى عونك، طبعا ما تنساش دور الدوا هنا مهم جدا، لأنه بيهمد الحتة البدائية بانتقاء رائع.
د. فتحى عبده: طيب دا عند الواد، والست نعملّها إيه؟
د. يحيى: الله يكون فى عونك وباشكرك على صبرك وانتباهك بصحيح.
د. فتحى عبده: لما باخش فيها جامد يعنى بتوقّف الحاجات شوية، لكن لأه، أنا عايز أستريح شوية.
د. يحيى: تستريح من إيه، هوا ده اختيار بإيدنا، دى مسئولية، أنا قلت لك هى حالة شديدة الصعوبة، الحالة صعبة يابنى وعاوزه وقت وشغل مع نفسك علشان تستحمل وتحذر من أى تمادى! وتعرضها تانى وتالت كل ما تلاقى فيه داعى.
د. فتحى عبده: يعنى دلوقتى أعمل إيه؟
د. يحيى: قلنا نبتدى بالدوا، تعدل الجرعة شويتين وتنشن على المخ البدائى.
د. فتحى عبده: وبعدين؟!
د. يحيى: وبعدين بتشتغل فى الموضوع خفيف خفيف، لكن تشتغل برضه أكتر فى مناطق بعيدة عن الموضوع ده، فى مواضيع يجوز تحل محله، يعنى الست دى لو لقت احتياجها الإنسانى إنها تتشاف، إعتراف بحرمانها من غير لغوصة، وفى نفس الوقت إحنا همّدنا الجزء البدائى عند الواد بالدوا، يمكن نقدر نقطع الحلقة المفرغة المهببة دى، وساعتها لما تقول له يعنى ماينامش معاها فى السرير يبقى الكلام حاجة تانية، مش مجرد قهر مش حايتنفذ، وتقعد تتبع وتشوف نـِـفـِـع ولا ما نفعشى، وتستمر عجلة المذاكرة والكلية واللعب شغالة، خصوصا اللعب الجماعى يا شيخ؟! تراكم الرسائل الإيجابية بالشكل ده يديك فرصة تحقق التغيير مش بمجرد الحكم بالعيب والحرام، لأ، تغيير بحق وحقيق، يجوز تروح تلاقى هُبْ الوضع اتغير والمجتمع السليم تبع المخ الحديث اللى جواها وجواه ابتدا يشتغل صح.
وبعدين خلى بالك إنت عملت عمل مهم جدا، إنك قدرت تحافظ على علاقة طيبة، لها نتائج واضحة مع واحد فصامى فى ظروف مهببة لمدة سنتين، هوا دا شوية يا شيخ، أديك ماشى، بس لازم تهتم بالتفاصيل كلها، مش بس المذاكرة والكلية، ما فيش شىء على حساب شىء، ومن حقك إذا ما التزموش بتعليماتك حتة بحتة إنك تنذرهم بعد ما حققت دا كله، يعنى: ياتسمعوا كلامى فى جزئية صغيرة زى السرير، زى الغرفة، زى التحسيس، يا مش حاينفع أكمّل، وكل شوية، كل ما تزداد ثقتهم فيك، وعلاقتهم بيك، تزود جزئية فى التعليمات والشروط، يبقى فيه فرق بين موقفك الأخلاقى وموقفك العلاجى، إنت مش بتزود جزئية تحذير علشان إن اللى بيعملوه ده عيب، لأ إنت بتزود جزئية تحذير علشان البُنا اللى إنت بتبنيه مع المريض من أول وجديد يطلع دور بدور، ما نفضلشى فى البدروم طول العمر..
د. فتحى عبده: طيب وهى، أمه يعنى… …؟
د. يحيى: لا ما يهمكشى، إن شاء الله خير، هى لما حتلاقى منك موقف صلب، وفى نفس الوقت خالى من الحكم الفوقى عليها، غالبا حاتنتبه وتحترم اللى بيوصلها منك، وتحترم نفسها حتى مع الحرمان، ماهو إذا كان ليك أى قيمة حضورية فى وعى مثل هذه السيدات المحتاجات بتقوم بدور رائع وطيب، هيا يعنى محتاجة جنس قوى قوى كده لدرجة اللخبطة دى، ولاّ يعنى الحكاية دى مع إبنها بترضيها جنسيا؟!!! العلاقة العلاجية لما تكون طيبة ومحيطة وهادئة ودافئة وقوية وواضحة، بتقوم بأدوار كتير إحنا ما نعرفهاش، وما فيش داعى نـِـنـَـظـَّـر كتير، المهم النتائج أول بأول.
بأمانة حقيقية أنا أرجح إن الست دى، دلوقتى على الأقل، وإبنها عيان ودخل المسشفى وكلام من ده، ماهياش محتاجة جنس بدائى منفصل لذَى قوى النهارده، ثم إن الجنس لما بيبقى جزء من حدوتة العلاقة الكلية، والعلاقة العلاجية مفروض إنها كلية، بتلاقى الحكاية تمشى، ويمكن تستغنى عن الجنس المنفصل، ولو مؤقتا، يعنى تستغنى عن بعض جزئيات مش حاضرة وجاهزة، ده عكس لما جزئية زى الجنس تنفصل، فى الحالة دى بتبقى مثارة من نشاط المخ البدائى عند إبن مريض، وتبقى مصيبة لما تثير الحتة اللى قصادها عند حد له علاقة بيه زى كده، تحصل البهدلة والمضاعفات زى ما انت شايف.
معلشى ماعدشى فيه وقت، الحالة صعبة وده يوريكم حاجة مهمة غير العلاج النفسى والإشراف والكلام ده، يمكن يوريكم ليه أنا مهتم بالشيزوفرينيا، إحنا من غير ما نقلّب فى حالات شيزوفرينيا مش ممكن نعرف اللى جوه قوى فى البنى آدمين كده، وبالطريقة المباشرة دى، ثم تلاحظوا إن إحنا بنكسر الإشاعة اللى بتقول الفصام ما يتعالجشى بالعلاج النفسى إلا تدعيم وتفويت وكلام فارغ، لا، مافيش كلام من ده، العلاج علاج، وبرضه تاخدوا بالكوا إزاى اللعب والتنغيم بين الدوا، والعلاقة بالمريض، والعلاقة بأهله على كل المستويات، على فكرة هى مش صعبة قوى إلا وإحنا بنحكّى ونشرح بس
اللى بيلاقى فرصه يشتغل مع عيان فصامى مدة طويلة، بيتعلم ضمنا كل الحالات الأقل من كده، وأظن أنا قلت قبل كده: لو عرفت حالة واحدة فصام بعمق كاف ولمدة سنين طويلة حا تقدر تعرف كل حالة غيرها، أو أغلب الحالات التانية، فما بالك إذا كان علاج نفسى.
****
التعقيب والحوار:
أ. عبده السيد على:
صعب جدا انى ماحكمش على الأم من فوق وأقبل الحكاية دى، صعبة جدا جدا.
د. يحيى:
هذا صحيح، ولكن ماذا نفعل فى ما هو صعب
موقفنا من الصعب يختلف، وهذه بعض التنويعات
- أن ندعى أنه ليس صعبا (ولاحاجة) وهات يا “تلبيخ”أن نبالغ فى الصعوبة حتى تصبح مستحيلا، فنجد ما يبرر مزيدا من العجز.
- أن نواجه مسؤليتنا وعجزنا معا، ونعمل ما نستطيع، ونستعين ببعضنا البعض، وربنا يقدرنا على ما لانستطيع، ويعيننا فيما نستطيع.
- ما رأيك؟
د. محمد يحيى الرخاوى:
ما زلت أحب هذا النشاط وهذا النشر بالعامية، كما أحببت غياب التعليقات الشارحة حيث الشرح متوفر بالجلسة أصلاً وكاف.
… ما يشغلنى الآن هو: لماذا يبدو هذا التفريغ لكلام أصله شفاهى بهذا الوضوح بالمقارنة بالكلام الفصيح المجرد؟
… كان الخطاب هنا أكثر تواصلية ووضوحاً، بل ربما قل الظلم الذى لا بد أن تتعرض له كل فكرة تبحث عن التعبير عنها.
… يبدو أنه ليس من الضرورى إن يكون المخاطب مهيباً بقدر ما هو من الضرورى أن يكون الخطاب واضحاً محدداً.
شكراً على هذه الحالة.
د. يحيى:
أشكرك على مواصلة التعقيب.
=========
الحالة: (5) تفاصيل الواقع، والتعاطف الحذِر...!
الحالة: (5) تفاصيل الواقع، والتعاطف الحذِر...!
الحالة: (5)
تفاصيل الواقع، والتعاطف الحذِر…! ([19])
بعض ملامح الحالة:
-
إعلان التخوف من فرط تعاطف المعالج
-
العلاج النفسى وتوصيل الطلبات للمنازل
-
المشاكل الاقتصادية وتداخلها فى المأزق العلاجى
-
اختلاف معنى “التحرش”، وغيره
-
فرط اعتمادية أسرة المريض عليه
-
موقف المعالج من استغلال الآخرين لمريضته.
د.فوزى شحاتة: هى عيانة عندها 28 سنة خريجة تجاره، بتشتغل صاحبة شركة، ليها أخّين، كانت جت من حوالى سنة ونص وقعدت 5 شهور، وقطعت.
د.يحيى: جاتلك مباشرة، ولا أنا حوّلتها لك؟!
د.فوزى شحاتة: لأ عن طريق عيانه كنت بعالجها، قعدت 5 شهور او 6 شهور وبعد كده قطعت، وبعد كده رجعت تانى من حوالى 3 شهور فى خلال الـ5 شهور الأوّلانيين كانت بتيجى مرتين فى الأسبوع
د.يحيى: ابوها بيشتغل إيه؟
د.فوزى شحاتة: ابوها كان بيشتغل مقاول، بس زى ما يكون تقاعد كده، بيشتغل قليل دلوقتى
د.يحيى: ترتيبها إيه فى اخواتها؟
د.فوزى شحاتة: هى اكبر اخوتها هى من منطقة شعبية، وهى بنت عاديه خالص، وكانت اشتغلت فى شركة قعدت فيها 4 سنين، اتعلمت الشغلانه، فراحت فتحت شركه شِرْك مع اتنين كمان، بعد سنتين الشركه الجديده دى زى ماتكون وقعت، هى شالت الشركه بخسايرها، يعنى شالت الخساير قصاد انها تاخد الشركه لوحدها.
هى لما جت فى الأول الشكوى بتاعتها كلها كانت حاجات جسدية، وكلام فى الاتجاه ده، وكانت بتروح لدكاترة باطنه ودكاترة عظام كانوا بيدوها مسكنات، هى زى ما يكون فى الـ5 شهور اللى قعدتهم معايا، كانت دايما الحاجات سخنه طول الوقت وعمـّاله تشتكى، وانا ما كونتش باعرف اعمل حاجة غير إن أنا اعمل لها دعْم وأقف جنبها، وأحاول أفهم وبس، وهى كانت مانعانى تقريبا إن أنا اقابل حد من أهلها، كانت مش عايزه تقوللهم خالص انها بتتعالج. قعدت الـ5 شهور دول وقطعت، وبعدين رجعت تانى زى ما قلت، فى الـ5 شهور دول كانت هى مخطوبه لواحد كان متدين، وكان بيشتغل عندها فى الشركة، كان موظف تحت إيدها فى الشركة، وكان متدين قوى، فكانت هى محجبة، وكانت ملتزمة قوى فى الوقت ده، لما رجعت تانى بعدما قطعت رجعت مش محجبه، وكانت فكت خطوبتها مع خطيبها ده، وعملت علاقة جديدة، يعنى برضه المرة التانية ديه اكتشفت فيها إنها فى الشركة الأولانية اللى كانت فيها كان المدير بيتحرش بيها، وبعدين كانت عامله علاقة لمدة 4 سنين مع صاحب الشركة، علاقة يعنى علاقة متينة، بس ماكملتشى.
د. يحيى: إيه بقى المشكلة؟
د.فوزى شحاتة: أنا مشكلتى معاها إن أنا طول الوقت متعاطف معاها، وفى نفس الوقت مش عارف أحرك حاجة فيها فى اتجاه العلاج، مش عارف آخد موقف غير التعاطف، قصاد موقفى ده باشوف أى حد من اللى حواليها بالاقى موقفه مش كده خالص، هى تقريبا مسئولة ماديا عن بيتها كله، تقريبا بتصرف على البيت من حوالى 6-7 سنين، يعنى حتى من أيام ما كانت بتشتغل بس مش صاحبة شركة، هى دلوقتى الشركه بتاعتها عليها مشاكل مادية كبيره قوى، قضايا وشيكات وحاجات كده، يعنى تقريبا حاتدخل السجن، وسالفة من خالتها فلوس بضمان أمها، وعامله لها مشاكل إنها لازم ترد الفلوس، حوالى 70-80 ألف جنيه، موقف أمها وحش منها طول الوقت، وطول الوقت بتقولها إنت غرقتينا، وانت اللى ودتينا فى داهيه، بالرغم من إنها بتصرف عليهم ومعّيشاهم فى مستوى أعلى من اللى كانوا طول عمرهم عايشين فيه، وهى لها أخ أصغر منها ما بيشتغلش، يعنى خلّص وما بيشتغلش، وهى برضه بتصرف عليه، أى حد فى المحيط بتاعها من اللى بيشتغلوا لو محاسب ولاّ محامى أو كده بلاقيه بيستغلها، يعنى دايما تيجى تقول مثلا إن المحاسب عمل كذا، ودخّلنى فى موضوع كيت، وبعد كده سابنى ما عملش حاجه، الثلاث اربع محامين يستغلوها وما يكملوش معاها، حتى القضية الأخرانية بتاعت الشيك دى المحامى وعدها إن هو يحل القضيه وزى ما يكون يعنى خد موقف كده إنه كان ينفع يعمل حاجة تسهل الموضوع وتعمل تصالُحْ، لكن بعد شوية قالهـّا لأ أنا حاسيبلك القضيه وكده، لحد ما اتحكم عليها، خطيبها الأولانى دا، يعنى لما كان خاطبها، هو الوحيد اللى قدرت اقابله مرة واحدة بس، كان موقفه منها وحش برضه، هى كانت فى الفترة الأولانية اللى كانت بتيجى فيها كانت بتاخد حبوب، كانت يعنى بتاخد بكميات، وساعات كانت بتاخدها بنية الانتحار، يعنى فيه مرة منهم كنت بعتها هنا المستشفى عشان تدخل، فزميلتى “د…..” قابلتها وقابلت مامتها أيامها، وقالت لى إن مامتها طيبه، ومش بالشكل اللى هى بتوصفها بيه، يعنى مش زى ما أنا قلت لزميلتى يعنى إن مامتها صعبة قوى، وإنها بتضغط عليها طول الوقت.
فى الفترة اللى هى سابتنى فيها دى كان بيجيلها دكتور من العباسية كانت بتقول لى إن هو ماعندوش عياده، فكان بيروح لها المكتب يعمل لها علاج نفسى هناك فى الشركة بتاعتها، دى فترة حوالى 4 شهور.
د.يحيى: طيب وده ينفع؟
د.فوزى شحاتة: ما اظنش، بيتهيألى لأ ماينفعشى.
د. يحيى: طبعا لأه، العلاج النفسى مافيهوش توصيل الطلبات للمنازل.
د.فوزى شحاتة: اللى حصل.
د. يحيى: وبعدين؟
د.فوزى شحاتة: بس أنا لقيت نفسى فى زنقة لما رجعتْ تانى، أنا موقفى بقى اقوى شوية رجعت باحاول أقف معاها يعنى، مثلا العلاقة اللى هى فيها دى دلوقتى شايف برضه إن فيها استغلال من الطرف التانى، فاباحاول إنى أخليها تقف، تحاول تواجهه، وكده، وهى بقت برضه منزعجة من الموقف بتاعى ده، لكن أنا برضه فى نفس الحته المتعاطفة، وبرضه مش فاهم ليه هى دايما الدنيا واقفه ضدها فى كل الاتجاهات كده، وإن اللى حواليها ماحدش منهم بيتعاطف معاها خالص، وأنا المتعاطف معاها بس يعنى.
د.يحيى: السؤال بقى إيه؟
د.فوزى شحاتة: السؤال هو عن الفرق بين موقفى وموقف اللى حواليها كلهم، ده أنا مش فاهمه، وعايز أعرف هوّا صح كده؟
د.يحيى: خلى بالك إن مش أنا اللى حولتها لك، تبقى العلاقة على ميَّهْ بيضا، بصراحة الحالة صعبة، يعنى الكلام كده فيه تناقض داخلى، وبرضه ظاهرى، الحاجات ملخبطة، يعنى هى مستلفه، وحاتخش السجن، وهى اللى بتصرف على أهلها، دا إيه ده!! بتصرف على أهلها من الشيكات اللى من غير رصيد؟!! وعندها 28 سنه!! وعندها كل التاريخ ده من النجاح والفشل، والنجاح والفشل، والنجاح والفشل فى كل المجالات، ففيه حاجة فى الحدوتة على بعضها، حاجة جامدة يعنى، الحكاية مش واضحة، أنا ما باعرفش الأسامى دى بتاعة البزنس والكلام ده، لكن باين المسألة صعبة.
د.فوزى شحاتة: أنا شاكك إن أخوها التانى يعنى بيستغلها برضه كده على خفيف، ده من الوصف اللى هى وصفته.
د.يحيى: عموما المعلومات مش كافيه إنها تخليك تاخد موقف أحسن من اللى انت واخده، حتى إذا كنت بتشوفها مرتين أسبوعيا لمدة 5 شهور، وبعدين 3 شهور انقطاع وبعدين رجعت دلوقتى والمشاكل عمالة بتزيد، تلاحظ إن العمليات الخارجية اللى هيه مش مرض مرض، بقت أكبر من مسئوليتنا المباشرة، المسألة بقت فيها سجن وقضايا، وتفليسه، وتهديد، المسائل الواقعية دى لازم تتحسب بالورقة والقلم، دى أكبر من العلاج النفسى والكلام ده، إنت بتقعد معاها ساعة بتتكلموا فى إيه؟ فى الفلوس ولا فى العَيَا؟ ثم مش إحنا قلنا إن احنا بنتقمص الموقف والمريض عشان نفهم أحسن؟! هل تصورت نفسك مطرحها وهى عندها 28 سنه، إنت عندك كام سنة؟
د.فوزى شحاتة: 31 سنة.
د.يحيى: طب تصور إنت كده من3 سنين يا بنى وعندك كل الهالومّه دى، يبقى الوضع إيه؟ الهالومّه المادية أساسا مش الهالومّه النفسيه، دى حاجة مزعجه جدا، أنا علاقتى بالحاجات دى طول عمرها صعبه خالص، أنا عمرى ما أخدت قرش من بنك، ولا عمرى أعرف أستلف، ولا أعرف فى الحاجات دى، أنا دايما مرعوب كده وماليش دعوة بالحكومة ولا بالناس بتوع الفلوس اللى بيحيّرونى فى فهم حكاية السلف والمغامرات اللى بيعملوها دى، يمكن عشان كده مش قادر أتقمصها وأفهم اللخبطة بتاعتها دى كلها، أنا ما بافهمش الناس الكبار اللى بيقولوا أستلف مش عارف كام 100مليون وهرب، ليه الغلبان ده ليه بيستلف؟ ويقولك دى شطارة إنه مابيسددش، أنا مش عارف يعنى إيه شطارته إنه مابيسددش، دى شطاره ولاّ خيبة؟ أنا مش عارف هوه بينام إزاى ده.
د.فوزى شحاتة: هى بتقولى إن ده شائع فى الشركات دلوقتى.
د.يحيى: أنا مابفهمهاش يابنى والله العظيم، أعمل إيه؟ عشان كده مش قادر أستوعب الحالة، أنا يكون عليا 16 جنيه أقعد قلقان لحد ما اخلّى حد يوديهم البنك فى خلال 24 ساعة، إحترام الاختلاف ده يخليك حريص على إنك تتعلم من الحدوته دى، تخليك تفترض إنها يكون ليها خبره بالواقع أحسن منّا، إحنا بنتعلم من عيانينا فى المجالات اللى مالناش خبرة فيها عشان نقدر نساعدهم ونفهم العيانين اللى بعدهم، المعلومات الواقعية اللى تقدر تقيس بيها العيان وأحواله وتفاعلاته ضروريه فى العلاج النفسى، المسألة مش كلام فى كلام ساعة فى الأسبوع وخلاص، إنت لما تعرف التفاصيل، من ناحيه حاتتعلم منها، ومن ناحية حاتقدر تقيّم المسألة، ما يجوز كل السلف ده نجاح، حد مرّه قالى: إن رجل الأعمال اللى مش سالف ما يبقاش ناجح، عشان هوّا بيستلف مثلا بـ10% مثلا لازم يطلـّع 20% كده يبقى ناجح، فيستلف بقى كتير قوى عشان يبقى الفرق كتير قوى، وكلام من ده، إنما أنا ماجربتش، ومش حاجرّب، أنا ما أقدرشى أعملها، تيجى بقى لعملية إنها بنت، وحكايتها مع الجدع الأولانى، والمش عارف إيه، وهى دلوقتى عندها 28 سنه، الحاجات دى تدخلنا فى المنطقة اللى تبعنا أكثر، تسهل لنا إننا نفهم أكتر وأكتر، التصرفات دى يا مـَـرَضـِـية، يا أخلاقية، وفيه وصلة بينهم، إنت بتعرضها علينا فى الإشراف دلوقتى عشان تقولنا إزاى إنت متعاطف معاها، وغيرك مش متعاطف؟ مش كده؟ حكاية استغلالها الأولانى مثلا أنا سمعتها على إنها بدأت بحاجة زى التحرش، أنا مش عارف يعنى إيه تحرش عندنا لحد دلوقتى، خصوصا بعد الجدع وزير خارجية باكستان ما تحرش بكونداليزا رايس، قريت الخبر ده ولا لأ؟ هو راجل فاهم نفسه فِتِكْ كده يعنى فقام بص لها بصة زيادة مش عارف ولاّ إيه، وهوّ الظاهر معروف عنه حاجات من دى، ففضحوه فى أوروبا، وأنا مش عارف إزاى شخصوا البصّه دى إنها تحرش، أهو اللى حصل، قالوا تحرش، وهو باين بص لرجليها، مع إنى متصور إن رجليها وحشه، وأنا مش متأكد هو بص لأنهى حته فيها، أنا رأيى إنها شخصيا أوحش من رجليها وأوحش من خلقتها، ولاّ ماخدتش بالك؟!
د.فوزى شحاتة: ماخدتش بالى.
د.يحيى: أنا باقولك الكلام ده ليه، عشان تاخد بالك إن الكلمات ساعات بيبقى لها معانى مختلفة عند ثقافات مختلفة، لازم تدقق وتخش فى التفاصيل، إنتَ عارف تحرش – مثلا- يعنى إيه، ولاّ زيى، طيب هناك لو مافيش تحرش ومافيش بصصان، أمال حيصاحبها إزاى من غير ما يتحرش يعنى هوا لازم يكتب لها: وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق التحرش، ما هو الحاجات اللى احنا مش فاهمينها عموما أو خصوصا، نقف عندها ونتعلم، إحنا لازم نعترف باللى مش فاهمينه زى ما نفرح باللى فاهمينه، فا إزاى الست بتاعتك دى عماله تعمل البيزنس ده كله والناس بيستغلوها ماديا، وبيتحرشوا بيها، وبيحاولوا يستغلوها جنسيا وخصوصا إنها كانت عاملة علاقة مع رئيسها، ومش عارف إيه، والله أعلم فيه إيه تانى؟!
د.فوزى شحاتة: لأ بره التلات علاقات دى، بره الخطوبة والعلاقتين دول اللى هى الأولانية، واللى موجودة دلوقتى، لأ ما فيش حاجة.
د.يحيى: هى أساسا بتحصل على احتياجاتها العاطفية الأساسية منين، باقول العاطفية، بلاش الجنسية دلوقتى وطبعا بلاش المادية.
د.فوزى شحاتة: ماهى العلاقة الأولانية دى كانت بتعمل اللازم،…!
د.يحيى: بس دى خلاص، ما هى خلصت.
د.فوزى شحاتة: ماهو جزء من اللى حاصل دلوقتى إنها مافيش حد بيديها حاجة، يعنى احتياجاتها فاتحة عالآخر.
د.يحيى: طب ماهى دى عملية أساسيه فى العلاج، خلّى المشاكل الواقعية اللى مانعرفشى فيها على جنب شوية دلوقتى لحد ما نعرف عنها أكثر، يبقى حانلاقى نفسنا فى المنطقة بتاعتنا أكتر وأكتر، يمكن دا اللى مخليك تتعاطف معاها كده، لأنك حاسس إنك إنت المصدر النضيف اللى تقدر تغذى الحتة المحتاجة اللى فيها، وهى طبعا ست باين عليها إنها ناجحة وذكية وقوية وبتاخد قرارات جامدة ومستقلة، وهى عندها 28 سنة، وباين عليها إن لها حضور، على الأقل حضور عملى فى الحياة.
د.فوزى شحاتة: هى بتقول إن الناس اللى هى بتشتغل معاهم بيقولوا انها شاطره فى الشغل.
د.يحيى: شاطرة من غير مكسب؟
د.فوزى شحاتة: هى بتكسب جنب الخسارة برضه.
د.يحيى: ماهى دى لازم تفحصها قوى، لما تفحصها بدقة، يمكن تفهم أكتر، يعنى لما حد يقولك أحمد بهجت سالف 600 مليون دولار يمكن بيكسب 800 مليون دولار، يبقى مالناش دعوة، هنا لازم ترجع تفحص الحكاية بدقة كل شوية عشان نتعرف على مستجدات الواقع باستمرار، ساعتها تبقى عارف أكتر وأكتر، إنت بتشتغل مع مين، وكلام من ده، لما تقيس الشخصية والواقع والظروف المحيطة بالفلوس فى السن دى، 28سنة، لازم تندهش وهيه ست فى مجتمع زى ده، بتشتغل من سن 22 سنة، إنت أكبر منها بـ3 سنين. وأديك أهه: “ربى كما خلقتنى”، تقوم يمكن تتعلم إزاى تستلف وتروح فى ستين داهيه، يمكن تكتب شيك بدون رصيد وإنت ما انتش عارف يعنى إيه شيك من أصله (ضحك).
أنا أظن يا ابنى دى حالة صعبة فعلا ومع ذلك: طالما هى بتيجى، أديك بتدى اللى عندك، وإلاَّ حيتفضلّها إيه يعنى؟! إنت حاتكمل، وتعاطفك معاها أنا شايفه إيجابى لحد دلوقتى، برغم كل الظروف، يعنى يا أخى كمان انت مش حاتتعاطف إنت كمان؟ أنا شايف إن ده مخوّفك أحسن يمكن ده يزود سلبياتها، ويمكن اعتماديتها. عندك حق، لكن ماهو ده حقها برضه، حتى أهلها بياخدوا منها، مابيدوش، وإنت قلت هى اللى بتصرف على البيت، يعنى ما ينفعش تنتظر منهم حاجة كبيرة، مش حايدوها حاجة أساسية هى محتاجاها، فانت موقفك طبى محترم، وده موقف جيد، موقف علاجى جيد، وطيب، لما تخاف أكتر لحسَنْ يحصل مضاعفات من موقفك ده، يعنى إنها تسئ فهمه مثلا، أو تسئ استعماله بإنها تبرر اللى هى بتعمله بإنها عيانه مثلا، هنا يبقى نرجع نقف ونتساءل من أول وجديد، فى الإشراف هنا برضه، دا اللى يحتاج التساؤل من جديد، ما هو مش معقول فى الظروف الصعبة الحالية أحاسب نفسى كده هو أنا أتعاطف ولا ما اتعاطفش، أمال مين اللى حايتعاطف! لكن عندك حق فى التساؤل يمكن خايف تكون بتحبها أكثر من سماح المهنة، وده وارد، ومع الزمن حاتقدر تتعامل معاه وتكبر من خلاله ما دمنا مع بعض.
وأدى إحنا موجودين وتبقى تقولنا اللى إنت عايزه لما يجد جديد.
****
التعقيب والحوار:
د. ماجدة صالح:
أعتقد إن تعاطف د. فوزى مع المريضة (الجيد مهنيا) غير كاف لرؤية المريضة بطريقة موضوعية خاصة إن المعلومات المتاحة من طرف واحد بها كثير من التناقض، فمثلا: أنا متحفظة بعض الشىء على وصف المريضة على أنها ناجحة وذكية وقوية. فنجاحها مشكوك فيه بدليل الأزمات المالية والقانونية الموجوده. وهى ليست ذكية بهذه الدرجة حيث أنها قليلة التعلم من المواقف السابقة (العلاقات الفاشلة المتعددة) وليست بهذه القوة بمعنى هشاشة وسطحية علاقاتها.
أظن إن التعاطف المحترم الشخصى من الدكتور فوزى قد يعيق رؤيته الموضوعية لهذه المريضة ويبعده عن الهدف الحقيقى للعلاج.
د. يحيى:
عندك حق يا د. ماجدة من حيث المبدأ.
لكننى أتصور أنها يجوز أن تمتلك هذه الصفات التى وصفها بها المعالج أو أقل قليلا، لكن ليست بالضبط كما وصلتْ لك، كلاكما عنده حق.
د. تامر فريد:
مش قادر أفهم هوه تعاطف ولا قلة حيلة.
د. يحيى:
يمكن “الاثنان معا”.
أ. مياده المكاوى:
اعترض على أن التفاصيل الواردة عنها فى الاستشارة تدعو للحوسة والتساؤل أكثر من التعاطف، وإن كنت لا أعترض على التعاطف معها إلا أننى أجده فى هذه الحالة معطلا للمعالج عن رؤيتها وإمكانية مساعدتها.
د. يحيى:
التعاطف لا يمنع التساؤل، والعكس صحيح، أما نقص المعلومات، فهو من طبيعة هذا الباب، نحن نناقش ما يثار فقط، وننتظر المزيد من المعلومات مع استمرار العلاج والعودة إلى الإشراف.
أ. عماد فتحى:
أنا شخصيا ما قدرتش أتعاطف نهائيا مع المريضة، وحاولت أتقمص دور زميلى المعالج ولم أستطع إن أتخذ موقفه.
د. يحيى:
إعلان هذا الموقف المختلف جيد على مسار نمو المعالج، لك، وله ولى.
د. ناجى جميل:
أعتقد إن د. فوزى شحاته لم يكن موضوعيا بدرجة كافية فى تعاطفه مع المريضة ولم يكن حريصا أيضا فى ذلك، حيث أن هذه المريضة ربما لديها ما يسمى بالوجود المثقوب، الذى ناقشناه مرارا، فهى لا ترتوى أبدا من أية عاطفة فهى جائعة بصفة مستمرة دون شبع، مما يؤدى إلى اضطراب شديد فى العلاقات.
كل هذا يشكك فى موضوعية ما تطرحه هذه المريضة، وذلك ما لم ينتبه له المعالج فانحاز لروايتها بصورة غير حذرة .
أيضا: كثيرا ما تثير مثل هذه الحالات احتياجات المعالج العاطفية بل والجنسية (لاشعوريا) وقد تتلاعب المريضة بهما (دون قصد واعى) .
أوافق على احتمال نقص تفاصيل الإلمام بالواقع لدى المعالج بشدة، واعتقد إن المريضة تدعم ذلك حتى تكون فى وضع المتحكـِّـم.
د. يحيى:
تفسير مفيد، لا أوافق على بعض تفاصيله، لكنه يفتح أبوابا أخرى للنقاش حول مدى نضج المعالج واحتياجاته، وربما ما يسمى بالطرح المقابل Counter transferece، وهو ما انتهى إليه الحوار فى الإشراف.
أ. محمد المهدى:
اليومية دى وصـّـلت لى حاجة طمنتنى شوية، أحيانا بيبقى عندى عيان بيشتكى من مشاكل واقعية، وانا مش قادر أعمل له حاجة فيها، وأوقات كتير تبقى دى شكوته الأساسية، ساعتها أنا باحس بالتقصير لأنى مش قادر أساعده فى حلها، واليومية دى علمتنى إزاى أعرف أفرق بين موقفى العلاجى الداعم واللى أحيانا بيكون فى أوقات كفاية وفى نفس الوقت إنى مش مطالب بحل مشاكل واقعية يستحيل حلها، أو ربما حلها بيكون خارج نطاق تخصصى والوظيفة اللى بأديها للعيان.
د. يحيى:
كل هذا هو ضمن روعة ومسئولية العلاج وأمانة المعالج .
د. محمد أحمد على:
أنا مش فاهم مضاعفات إيه اللى انتوا خايفين منها، فى أى اتجاه هذه المضاعفات؟
أنا لى تعليق على موضوع الأهل، لابد –كما أرى- أن تتم مواجهة الأهل وإعطائهم درس فى هذا الوقت إنه “مش علشان هيه ضعيفة تدوسو عليها” دول ناس بتبص لمصلحتها وبس… البنت دى تقف معاهم ليه بعد ده كله؟
د. يحيى:
انفعالك جيد، وقد يكون فى الاتجاه السليم، مع أننى أشك فى ذلك، ثم دعنى أذكرك أن العلاج هو أن تقلب هذا الانفعال إلى مسئولية أو حركة عادية على أرض الواقع لصالح المريضة، نعم، مع الحذر من تصديقها على طول الخط.
أ. أيمن عبد العزيز
ألاحظ هنا إن المعالج غرق فى المشاكل الخاصة بالمريضة وتعاطفه معها حرمه من فرصة رؤية الجانب الآخر وهو دور المريضة فى ذلك، وأفَترض إن المريضة هنا تلعب دور الضحية والمستَغَّلة من الجميع.
د. يحيى:
عندك حق، مثل د. ناجى حالا وغيره من المعقبين.
د. أسامة فيكتور:
موقف د. فوزى المتعاطف الذى هو عكس الموقف الاستغلالى الذى اتسم به أغلب المحيطين بها، هو موقف مفيد، وقد وجدتنى أيضا أفعل مثله مع كثير من مرضاى فى العلاج الفردى، لكننى لم أكن أقصد ذلك تماما، كنت لا أدرى أننى أعمله.
د. يحيى:
هذا ضمن فوائد الإشراف، إن نقيّم نوع، وقدر، وتوقيت مانسميه “تعاطفا”، ثم أن نقيس معاً نتائجه وجدواه أولا بأول، ونفرح بأننا نعمل أشياء طيبة وإيجابية حتى دون تخطيط مسبق، ونراجع أنفسنا باستمرار، كل هذا هو المحور الذى يدور حوله الإشراف والتدريب.
أ. هيثم عبد الفتاح:
حاسس إن تعاطف المعالج مع المريضة كويس مش وحش، وأنا كمان متعاطف معاها، لكنى اتلخبطت، ووصلنى إن فيه تناقض من اللى العيانة بتوصله مثلا عن أمها وبين اللى شافه الدكتور فوزى، مش عارف أحط ده فين، وده فين؟
د. يحيى:
التعاطف دائما مفيد،
لكنه مجرد بداية، وأرى أن استمرار العلاج سوف يوضح الموقف، وفرصة نضج المعالج واردة ومتجددة طالما الحوار متصل والمراجعة جاهزة.
د. نعمات على:
هل يمكن أن يصل تعاطف المعالج مع المريض على إنه موافقة غير مشروطه على أفعال المريض!! وإذا شعر المعالج بذلك ماذا يفعل إذا كان لايقدر أن يغيره موقفه؟!
د. يحيى:
كل شىء ممكن،
نمو المعالج المستمر فى التدريب والإشراف فالنمو سوف يسمح له، يستطيع إن عاجلا أو آجلا أن يفرق بين التعاطف والموافقة غير المشروطة، وكلما اضطرد النمو زادت القدرة على تغيير المواقف، وكلما حصلنا على معلومات أوفر، أصبح حكمنا أكثر موضوعية، وإلى أن ينمو المعالج بدرجة كافية، فالإشراف موجود، علما بأن النمو عملية بلا نهاية.
أ. هالة نمّر:
لم يصلنى فقط من تعاطف الطبيب الحذر خوفه من أن يسبب تعاطفه هذا فى تفاقم سلبيات المريضة، ولكن أيضاً وبالأساس تلك الحيرة والزنقة التى نقع فيها حين نتعاطف فى لحظة مع آخر، ولا نجد من الوسط المحيط تعاطفاً يدعم تعاطفنا فنأتنس ونطمئن بذلك التعاطف الجماعى ونركن عليه. الأقرب حينها أن نتشكك فى موضوعية أو صدق أو احتمال ما نراه (يا إمّا شايف غلط،، يا إمّا مش شايف كل حاجة)، كيف أصدق حدسى بيسرعندما أجد نفسى وحيدة/ متورطة/ متحملة مسئولية المغامرة؟ كيف أشحذ نفسى لكى أدفع ثمناً ما لذلك وحدى؟
د. يحيى:
هذا هو طريقنا يا هالة معا: الاجتهاد، والحذر، والمراجعة، والحوار، والزمن، أليس هذا هو العلاج النفسى؟ أليس هذا هو دور الإشراف، فلماذا حكاية “أدفع الثمن وحدى” هذه.
أ. هالة نمّر:
… أرى إن تعاطف الطبيب (لو أدرنا زاوية النظر) توَلّد عن موقف يستحق التقدير؛ بمعنى إن تعاطفه هنا فى هذا السياق غير الداعم قد يحمل قدراً من الحساسية والحدس الإنسانى الجميل ومغامرة إن الإنسان يتشاف على بعضه، كما قد يشير أيضاً إلى عدم استسهال الطبيب واعتماده المفرط على ترمومترات خارجية وتحمّل شجاعة وأمانة أن يرى الراقات الأعمق والاحتمالات الأخرى رغماً عن محدودية المتاح…، ولذلك أتصور إن التفات الطبيب (والتفاتى) للزوايا المختلفة وراء موقف التعاطف، قد يكفى مبدئياً لطمأنته واتكاله على وصله هكذا دون إسقاط المؤشرات الأخرى المختلفة أو حتى المضادة من حساباته، وحقه فى المطالبة بالونس.
د. يحيى:
لو أنك راجعتِ معظم التعليقات الآن لوجدت أن أغلبها هى مكملة لرأيك مع أنها ليست مماثلة تماما، ولعل هذا يفيدك فى أن تعيدى النظر فى حماسك لهذا النوع من التعاطف، أنا لا أدعوك لاتباع رأى الأغلبية، ولكننى أعرض عليك تقليب النظر، كما أعرض على الأغلبية الاطلاع على رأيك.
ما رأيك؟
=============
الحالة: (6) حسابات الوقت، وقبول العواطف، واحترام الواقع
الحالة: (6) حسابات الوقت، وقبول العواطف، واحترام الواقع
الحالة: (6)
عدلت عن إثبات عناصر محدة بدءًا من هذه الحالة،
وحتى نهاية السلسلة،
حيث أننى فضلت أن يجد القارىء بنفسه ما يصله منها
حسابات الوقت، وقبول العواطف،
واحترام الواقع([20])
د.تيسير: هو عيان عنده 27 سنة، دخل المستشفى من سنتين نيجيرى الجنسية، كان بيدرس آداب إنجليزى فى الأزهر وكان داخل زى حالة بارانويا أو فصام بارنوى، كان فيه موقع لمغنية على النت وبيعمل شات عليه وكده، وبدأ يعتقد إن فيه مؤامرة يعنى داخل فيها أطراف تانيه جوه النت وفى الواقع، وإن المسألة لها علاقة بالمغنية دى، وكلام من ده، وده كان سبب دخوله المستشفى. هو قعد حوالى شهر فى المستشفى وخرج تقريبا الموضوع ده متصلـّح شوية، يعنى فضلت بس فكرة إن المغنية دى لها صلة بالموضوع، وإنه متأكد إن كان فيه يعنى فى الشات كلام مابينه ومابينها، وإن فيها محاولات للخبطته، لكن كل الأطراف التانية اللى كان متصور إنهم مشتركين فى حكايته بـِعـْدُوا، و بقى شايف إن هو كان عيان يعنى وإنه من قلقه من الموضوع ده بتاع الست دى، كل الحاجات اللى كان بيفكر فيها ساعة التعب كانت غلط، وبعد خروجه من المستشفى كان برضه لسه بيقول أنا مش حاسس إن أنا طبيعى، مافيش حاجة محددة، لكن أنا مش باستمتع بالحاجات، مش قادر أستمتع بالحاجات.
د.يحيى: انت بتشوفيه من سنتين؟!
د. تيسير: آه.
د.يحيى: فين؟!
د.تيسير: فى العيادة .
د.يحيى: عندى؟
د. تيسير: آه وابتدى معانا الجروب كمان فى العيادة برضه.
د.يحيى: وفى السنتين دول نجح فى دراسته؟
د. تيسير: نجح.
د.يحيى: وصل لإيه؟
د. تيسير: إتخرج دلوقتى.
د.يحيى: إتخرج من كلية إيه؟
د. تيسير: آداب إنجليزى الأزهر.
د.يحيى: إنت بتقولى نيجيرى؟!
د. تيسير: آه.
د.يحيى: وهوا حايعمل إيه بعد مايتخرج؟
د. تيسير: هو راجع نيجريا بعد أسبوعين.
د.يحيى: حياخدك معاه؟!
د. تيسير: أعتقد (ضاحكة) آه.
د.يحيى: طبعا أنا مش قصدى يا خدك ، ربنا موجود (ضحك) قصدى حاتحتلّى جزء من الوعى بتاعه وهوّا مسافر، مش ده زى ما بنقول عادة، هوّا دا قصدى، واعتقد إن باشاور على حاجة حقيقية مش ذكريات وكده؟!
د. تيسير: يعنى، مش متأكده، ما عرفتش.
د.يحيى: ما سألتيهوش؟!
د. تيسير: سألته.
د. يحيى: قال إيه؟!
د. تيسير قال ياريت وكلام من ده.
د.يحيى: طيب سيبيه يرجع بلده يا ستى وبعدين نتكلم لما يجيى تانى، مش هو راجع بلدهم بعد أسبوع زى ما بتقولى، ولا أسبوعين؟!
د.تيسير: راجع بعد أسبوعين.
د.يحيى: طيب إيه المشكلة، إنتى عملتى اللى عليكى، وخدتى أتعابك وهو خف واتخرج، إيه بقى بتعرضيه دلوقتى ليه بالذمة؟
د. تيسير: أصله هو اتعلق بىّ يعنى بشكل موجود جامد “طرح” يعنى ([21])
د.يحيى: ما هو طبعا، مش كان فى المستشفى، وبعدين علاج فردى، وبعدين علاج جماعى، وولد متغرب، ونيجيرى، ومش عايزه يبقى فيه العواطف دى، هوا إيه اللى جد جديد عشان تعرضيه علينا دلوقتى؟
د. تيسير: الطرح ده موجود طول الوقت.
د.يحيى: طيب إحنا حانعمل إيه دلوقتى، ماهو حايرجع بلدهم بالطرح، فيها إيه يعنى؟!، إحنا بنى آدمين عايشين فى واقع، يمكن كان لازم تعملى حسابك أكتر شوية عشان إنت عارفة ظروفه، وإنه مش مصرى، وإنه مسافر مسافر بعد ما يخلص بعثته، يعنى المسألة باينة زى الشمس إن لها نهاية، وإن النهاية مش بإيدنا قوى، يعنى الحالة محددة المعالم، والتوقيت مش فى إيدنا، مش زى ما يكون مصرى قاعد هنا، مش كده ولا إيه؟
د. تيسير: أيوه.
د. يحيى: ماهو من هنا تيجى ضرورة الحسابات وظهورها بوضوح فى التعاقد من البداية، وإننا ما ننساهاش مهما توثقت العلاقات، التعاقد فى الحالات اللى زى دى لازم يكون محدد المدة مش بس بالكلام، لأ لازم المشاعرتاخد خبر أول بأول، وإذا نـِـسـْـيـِـتْ نفكرها، يعنى أنا مثلا لما بيجيلى واحد فى أجازته السنوية بيشتغل فى السعودية، وإجازته تلات أسابيع أو شهر، لازم أحط ده فى حسابى حتى لو ماسميتشى اللى أنا باعمله علاج نفسى.
د. تيسير: أيوه بس ده كان مقيم فى القاهرة سنوات.
د. يحيى: ده يـُـلزمك أكتر بالوعى بالنهاية، ماهو حايرجع حايرجع، يبقى كنتى تعملى حسابك إنه حايرجع بالـ “طرح” بتاعه ده، ولا يعنى هو حيسيبلك الـ “طرح” ويسافر، على فكرة أنا ما باحبشى كلمة “طرح” دى، الله يسامحه فرويد رماها لنا واستحليناها، ولما ترجمناها بقت أبوخ، هى علاقة حقيقية بين البشر، تتسمى “حب”، تتسمى “ود”، تتسمى “اعتمادية” تتسمى “حنية”، هى وظروفها، مش ضرورى يعنى إنه بيطرح العواطف إلى كانت عنده تجاه أهله وهو صغير، بيطرحها علينا بدال منهم عشان نحللها، دى بعض جوانب اللى بيجرى بينا وبين عيانينا، بس مش دى كل الحكاية، إحنا دلوقتى بنتكلم فى علاقة الواقع، بالمرض، بالتحسن، بالاعتماد على المعالج، بعواطف المعالج مع العيان، دى كلها حاجات موجودة دلوقتى، يبقى نحترمها ونتكلم فى إيه هوه التصرف اللى يمنع أكبر كمية من الآلام والمضاعفات مع النقلات الضرورية فى ظروف العلاج على أرض الواقع، أنا ما بلومكيش يا تيسير إنك ما عملتيش حسابك، دى مرحلة حا تتعلمى منها إنك ما تنساقيش وراء التحسن فى الأعراض، وتنسى إنك تنتبهى لمراحل تطور العلاقة، ثم إنك كان عندك فرصة أكبر تخففى من حرارة العلاقة بينك وبينه، مش بتقولى إنه دخل الجروب سنة بحالها، ما هى دى كانت فرصة إن أفراد المجموعة يمتصوا حبة من العواطف دى.
د تيسير: يعنى أعمل إيه دلوقتى؟
د. يحيى، يعنى عايزانا إحنا نعمل إيه بعد سنتين، وجاية تتكلمى وباقى من الزمن أسبوعين، فيه حاجة إسمها تليفون، وده أظن بينظموه بفلوس فى بلاد بره، وده أحسن، مش بس عشان إنت بتضيعى وقتك وده حقك قصاد وقتك، لكن ده بيخلى العلاقة أكثر موضوعية، وأكثر رسمية.
د. تيسير: يعنى من الناحية العملية تبقى إزاى؟
د. يحيى: جرى إيه يا تيسير! هوا إحنا بنكتب شروط الطلاق ولا إيه !!؟ قلنا هو ممكن يبعتلك وتروحى راده عليه، ويمكن حبيب القلب يرجع يكمل دراسته فى مصر ما حدش عارف، أنا باهزر طبعا، يعنى باتكلم جد زى ما إنتِ عارفة، أنا شايف إن موقفك إنسانى بالدرجة الأولى، وده مش عيب، إذا ما كانشى عشان عواطفك الحقيقية، اللى هى ثروتنا بجد، وراسمالنا برضه، يبقى عشان جهدك وفرحتك وحرصك إن التحسن اللى تم، اللى خلى بنى آدم يتقلب من واحد فصامى وبيخرف، لواحد ناجح، وطيب ومتعاطف كده. هوه ده شوية يا بنتى؟ الموقف ده اعتبريه زى أى أم إبنها بيهاجر مثلا يا شيخة، الكلام عن الموضوع بهذا الوضوح بيدى طعم للمهنة، حتى لو ما شفتيش العيان ده تانى خالص، ده بيساعدك إنك ما تستخسريش عواطفك فى واحد عيان تانى حاتعالجيه بعدين، زيه أو مش زيه، إحنا بشر.
الحالة دى فيها حاجة واضحة ومحددة، مش حانقدر نعمل فيها حاجات كتير، الحاجة دى هيه إنه مسافر بعد أيام، هوه لو قاعد 3 شهور مثلا كنا اتكلمنا أحسن من كده، أما خلال أسبوع او اتنين فبصراحة أنا استغربت بتطرحى الحالة ليه فى الوقت ده، يمكن عشان تتونسى بينا، حاجة زى كده، وده حقك برضه. ولا إيه؟
د. تيسير: هو أنا كنت طرحته قبل كده هنا فى الإشراف علشان قصة إحساسه إن هو مختلف، ومش قادر يستمتع دى، وحضرتك كنت قلت إنها حكاية مالهاش حل سريع، وإن أنا أخليه يعمل نفس الحاجات اللى هو بيعملها بس بـطريقة مختلفة، واحدة واحدة، بس ما نجحناش قوى.
د. يحيى: طيب وفى الجروب بيعمل إيه؟ قصدى كان بيعمل إيه؟
د. تيسير: كان يعنى طول الوقت فى الجروب، كان فيه مشكلة برضه، هو أحيانا كتيرة كان ممكن يبقى قريب قوى، ويشوف، لكن ما بيعملش علاقة، حتى إنه استمر فتره كتيرة بالشكل ده مع إن إحنا بنركز معاه، ونقول له: بص للى انت بتتكلمه لو سمحت، وكده، هو فى الفترة الأخيرة عامل شغل كويس، يعنى فرقت معاه.
د.يحيى: الحمد لله، هو قعد سنتين معاكى قعد منهم فى الجروب قد إيه؟
د. تيسير: سنة.
د.يحيى: إنت معاكى مين فى الجروب؟!
د. تيسير: دكتور أسعد.
د.يحيى: لو….، واللا أقول لك ما فيش لو…، قصدى فى الحالات اللى جايه، أما يكون فيه علاقة بتنمو بالشكل ده، وعارفين الواقع، وتوقيت النهاية، ممكن تباصى لزميلك فى الجروب شوية عواطف، يقوم بدور مُخفف، تقوم لما تيجى اللحظة اللى زى دى تلاقيها تمر أسهل عليكى وعليه، مش كده ولا إيه؟ هو أثناء فترة الجروب كنت بتشوفيه علاج فردى برضه؟
د. تيسير: آه.
د.يحيى: كان بيقعد قد إيه فى كل مرة فى الجلسات الفردية؟!
د. تيسير: تلت ساعة، ربع ساعة حَسَبْ….
د.يحيى: إتكلمتوا فى الموضوع ده اللى إنت بتطرحيه دلوقتى مع زميلك بعد الجروب أول بأول؟!
د. تيسير: ساعات
د. يحيى: وبعدين؟
د. تيسير: بس فيه حاجة تانية عايزه أقول لحضرتك عليها، هوا دلوقتى بيحس بحاجة يعنى زى تقل كده فى مؤخرة رأسه، وبيقول إن ده من بعد ما خرج من المستشفى موجود وأنا اعتبرت إن دى حاتخف شوية شوية مع الشغل فى الجروب، اللى حصل إنها بتزيد، بيقول أنا حاسس إنه فى حاجة زى تقل هنا (تشير إلى خلف رأسها) بتشدنى للأرض.
د.يحيى: السؤال بقى؟
د. تيسير: هو سؤالين: السؤال الأولانى أنا مش فاهمة قوى الحاجة دى، وخايفه يكون فى حاجة تانية أنا مش فاهماها.
د.يحيى: حاجة تانية زى إيه؟ زى إيه يعنى؟
د. تيسير: أنا فكرت بس مالاقيتش إن ليها أى حاجة يعنى تنفع، يعنى ما فيش مرض محدد أعرفه يفسر شكواه دى، يعنى التقل اللى فى راسه.
د.يحيى: شوفى اما اقولك، المريض النفسى ده له جسم زى أى واحد عادى، والجسم بيعيا بأى مرض، برضه زى أى واحد عادى، مش معنى إنه مريض نفسى يبقى كل ما يظهر عليه وجع، ولا ورم، ولاّ ولاّ..، نروح لازقينها فى حالته النفسية بسرعة، خصوصا لو كانت بتزيد ما بتنقصشى زى ما انت بتقولى، إحنا دكاترة ولازم نبقى مصحصحين طول الوقت لكل احتمال، على شرط ده ما يعطلنيش عن مسيرة العلاج الأصلية ويحِّود بيا الناحية التانية، بس إيه اللى فكرك بالموضوع ده وهو بقاله سنتين زى ما بتقولى، من ساعة ما خرج من المستشفى؟!
د. تيسير: يعنى.
د.يحيى: أنا ما زلت بارجّح إن الشكوى دى داخلة فى الحالة النفسية، إنما ده ما يمنعشى إنى أعمل له أى فحوص تساعدنى على حسم الأمر خصوصا قبل ما يسافر، بس بالنسبة للإشراف وتدريبك أنا يا تيسير شايف إن ظهور هذا الانشغال دلوقتى بالصورة دى له دلالة خاصة بالنسبة للى كنا بنقول عليه، يعنى بالنسبة لعواطفك نحوه، ومسئوليتك، وكلام من ده.
د. تيسير: يعنى إيه؟!
د. يحيى: جرى إيه يا تيسير، ما انتِ عارفه!
د. تيسير: السؤال التانى، عشان الوقت: هوا أنا أقدر أعمل إيه فى خلال الأسبوعين دول؟!
د.يحيى: هو انت بتحبيه الظاهر؟ مش كده؟
د. تيسير: آه
د.يحيى: طيب خلاص خليكى حبيه، منتهى الصدق والأمانة، ما هى ثروة أهه، ثروة بحق وحقيق، إحنا فاهمين إن الثروة إننا نتحب، يمكن الثروة الأهم والأجمل إننا نحب، صحيح الفراق صعب، وإحنا بنى آدمين، بعد سنتين من العشرة، والنجاح، والمجموعة، والناس، كل ده ما يهونشى إلا على ابن الحرام، مش كده ولا إيه، حِبّى يا شيخة ولا يهمك، كله لصالح البنى آدمين اللى بحق وحقيق، أنا شاعر إن عواطفك دى مع عيانك ده جيدة، إنه يسافر ده فراق حقيقى مش هزار، يعنى السماح لنفسك إنك إنت تنشغلى بسفره هوّ لصالحه ولصالحك برضه، ده شىء إنسانى، مش ضرورى إن الحب يترتب عليه حاجة محددة، الحب هوّا نفسه حاجة محددة، ومفيدة، لكل الأطراف خصوصا فى المواقف الواضحة كده، ربنا خلقنا بمواصفات بشريه ما يصحش ندور على تبرير لها أكتر من كده، لأنها خلقة ربنا، يبقى لمّا نستعملها فى مكانها، زى مثلا إننا نحب، يبقى خير وبركة، الحكاية مش عايزة تفسير تانى، مش ضرورى ندور على قصص وحواديت، وطرح وما طـَـرْحـِـشـْـى، ورومانسية ومثالية وخيبة قوية، فى النهاية أما نيجى نلاقى إن عواطفنا مازالت زى ما ربنا خلقها، يبقى خير وبركة، دى ثروه لأى حد، إنه يحب، وبعدين حا يتحب غصبن عنه لو الناس مارست حقوقها إنها هى رخرة تحب، حا تحب مين؟ ماهى لازم حاتحب اللى قدَّامها، يبقى حاييجى عليه الدور يبقى من الكوتة بتاعة حب الناس اللى حواليه، أنا عارف إنى شطحت شوية، بس ساعات باحس إن الحاجات دى أبسط من إننا نصعبها من غير مبرر.
د. تيسير: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: الله !! حبيه يا شيخة، قريب بعيد، هوه وغيره، وربنا يرزق، وينفع بينا خلقه، بس برضه خلى بالك إوعى تفتكرى إن دى مثاليه ولا كلام من ده، إنت اللى كسبانة، دا أنا بيتهيأ لى العكس، بيتهيأ لى إن اللى إحنا بنحكى عنه ده هو عكس المثالية على طول الخط، دا أنا وصل بى الأمر إنى لقيت إن نهار ما الدنيا تزنق مع الواحد يتوكل على الله ويحب حد كدهه بالعافية، من غير ما يقوله ومن غير ما يطلب منه حاجة، يعنى الواحد يحب وخلاص، يعنى هو ضرورى يعنى ياخد مقابل ولا يبقى المحبوب قدام عينه؟ مادام ربنا خلقنا بنحب، نحب يعنى زى ما خلقنا بنجوع وناكل ناكل، فيه أبسط من كده،..
الحاجات دى على فكرة بقت بعيدة عن وعى الناس خالص، مع إنها بديهية، أنا مش ببالغ، يبقى حصل حاجة فى خلق الله خلتها بعيدة، إحنا مالنا، عيانينا يستاهلوا، وعايزين ده، عالبركة، إنت يا تيسير لما تفكرى فى عمقها ممكن تلاقيها أبسط من التعقيدات التانية، حتى لو ترتب على مجريات الواقع آلام زى اللى إحنا شايفينها عندك وغالبا عنده، فى خبرتى أكاد أجزم إن الزمن دايما فى صالح الصحة مهما كان هناك فى حالات محدودة عكس ذلك.
****
التعقيب والحوار:
د. أسامة عرفة:
فى بعض الحالات التى ارتبطت بها وتشابك البعد الشخصى مع البعد المهنى أو كاد وتم اتخاذ اجراءات فك الاشتباك الواجبة وبعد مرور سنوات اكتشفت أمرين:
الأول: إن الانتقال بالعلاقة فى داخلى من البعد الشخصى إلى البعد الانسانى الأرحب قد يحل الأمر فى زمن يتفاوت مداه.
الثانى: إن البعد الشخصى يبقى عالقا فى موقع ما على عمق ما داخل نفسى لا يواريه الزمن.
د. يحيى:
موافق
من ذا الذى يستطيع إن يفض اشتباكنا فى داخلنا، واشتباكهم معنا.. واشتباك الكل معه؟
فتح الله عليك يا شيخ.
=============
الحالة: (7) ...تسافر أم تبقى؟ والفروق الثقافية
الحالة: (7) ...تسافر أم تبقى؟ والفروق الثقافية
الحالة: (7)
“.. تسافر أم تبقى؟ والفروق الثقافية”
د.منصور حمدى: هى عيانة عندها 39 سنة آنسة الرابعة من أربعة، بتشتغل مدرسة فى حضانة.
د.يحيى: وبعدين؟
د.منصور حمدى: هى كانت هنا السنة اللى فاتت، قعدت فى المستشفى شهرين، هى معايا دلوقتى بقالها سنة وشهرين بالظبط.
د.يحيى: هنا ولاّ فى العيادة؟!
د.منصور حمدى: هى كانت هنا فى المستشفى تحويل حضرتك، بعد ما خرجت شفتها هنا شوية، بعدين فى العيادة.
د.يحيى: فاكر أعراضها؟!
د.منصور حمدى: طبعا، كان فيه شكوك ومراقبات، وأصوات وكله، هى بتيجى كل أسبوع ومنتظمة وبدأت شغل بعد ما خرجت من المستشفى والدنيا ماشية كويس. هو السؤال هى دلوقتى أخوها فى الخليج بقاله 20سنة متجوز من أجنبية أوربية وعايش هناك.
د.يحيى: وهى عايشة مع مين هنا؟!
د.منصور حمدى: هى عايشة مع والدتها هنا فى مصر.
د.يحيى: ووالدها؟
د.منصور حمدى: والدها متوفى .
د.يحيى: عايشة مع والدتها لوحدهم؟!
د.منصور حمدى: أيوه.
د.يحيى: السؤال؟
د.منصور حمدى: هى دلوقتى أخوها عارض عليها إنها تسافر معاه دولة خليجية وتعيش معاه فترة، وأنا مزنوق بصراحة، أنا خايف، هىّ بتسألنى عن العـْرض ده.
د.يحيى: هىَّ بتيجى بإنتظام؟
د.منصور حمدى: جدا، كل أسبوع.
د.يحيى: لوحدها؟!
د.منصور حمدى: لوحدها.
د.يحيى: ما عرضتش عليها أى نشاط تأهيلى مع ده؟
د.منصور حمدى: هى كانت رافضة الجروب، (العلاج الجمعى) ورافضة أى أنشطة تانية بخلاف جلسات العلاج النفسى دى.
د.يحيى: طيب، وبعدين؟
د.منصور حمدى: هى دلوقتى أخوها عارض عليها إنها تسافر دولة خليجية معاه ويجيب لها شغل.
د.يحيى: وتقعد فين؟
د.منصور حمدى: تقعد معاه.
د.يحيى: مراته بتشتغل؟
د.منصور حمدى: أيوه مراته بتشتغل.
د.يحيى: عنده عيال؟
د.منصور حمدى: لأ هى دى مراته التانية، وهى أوربية، وحامل، والأولانية هنا فى مصر، هوّ سابها.
د.يحيى: ماعندوش عيال؟
د.منصور حمدى: له أولاد من الأولانية، بس عايشين هنا فى مصر مع أمهم.
د.يحيى: هو طلق الأولانية فعلا؟
د.منصور حمدى: أيوه.
د.يحيى: عمره كام؟!
د.منصور حمدى: حوالى 45 سنة.
د.يحيى: العيانة بتاعتنا لها إخوات تانيين غيره؟ إنت قلت هى واحده من أربعة وهى الأخرانية، والأخوات الباقيين فين؟!
د.منصور حمدى: التانيين عايشين هنا فى مصر ومتجوزين وعايشين لوحدهم.
د.يحيى: هو أخوها عرض إنها تسافر، وإنها تشتغل، إيه؟
د.منصور حمدى: يعنى، هو ماحددش أوى الشغل بس قال لها تعيشى هنا وندور لك على شغل، عشان هو علاقاته كتير هناك، هو بقاله 20 سنة فى الخليج يعنى.
د.يحيى: يعنى عرض عليها تسافر تشتغل؟!
د.منصور حمدى: آه
د.يحيى: آه!! وتقعد معاهم فى نفس البيت؟!
د.منصور حمدى: أيوه تقعد معاهم فى نفس البيت.
د.يحيى: البيت مكون من كام أوضه؟!
د.منصور حمدى: هى فيلا كبيرة.
د.يحيى: سؤالك بقى تحديدا: تسافر ولا متسافرش، مش كده؟ إنت رأيك إيه؟
د.منصور حمدى: هى عايزة رأيى ورأى حضرتك.
د.يحيى: أنا شفتها آخر مرة إمتى؟
د.منصور حمدى: لا، من فترة طويلة، سنتين تقريبا.
د.يحيى: طيب وهى عايزة رأى حضرتى ليه؟ إيش عرفنى أنا إيه اللى حصل فى السنتين دول! قول لنا رأيك انت الأول؟
د.منصور حمدى: هو أنا خايف من النكسة فى أى لحظة.
د.يحيى: وبعدين؟
د.منصور حمدى: هى يعنى عندها بصيرة كويسة بالمرض.
د.يحيى: وإيه يعنى، إنت قلت لها حاجة؟ قلت لها رأيك؟
د.منصور حمدى: أنا قلت لها أنا موافق على سفرية قصيرة لكن إنها تعيش هناك وتشتغل هناك لأ.
د.يحيى: طيب خلاص، عايز منى إيه؟
د.منصور حمدى: بالنسبة لىّ أنا، هوا أنا لىّ حق أقول كده على طول؟
د.يحيى: هو أنا حاعرف أكتر منك وانت معاها بقالك سنتين؟!
د.منصور حمدى: ماهى زنقتنى فى ده، عايزة رأينا إحنا الإتنين.
د.يحيى: زى ما تكون ما اقتنعتش برأيك؟!
د.منصور حمدى: يمكن أنا نَفسْى ما اقتنعتش برأيى.
د.يحيى: كتر خيرك دا مهم جدا، إنت رأيك ماتسافرش ليه بقى؟
د.منصور حمدى: لأن هى تقريباً مش ملتزمة بالدواء.
د.يحيى: بس كده؟ ما فكرتش فى الست اللى هناك الخوجاية دى حايكون موقفها إيه؟!
د.منصور حمدى: فكرت.
د.يحيى: طيب هى حاتقعد معاهم فى نفس البيت، ولا مستقلة؟ والخوجاية دى أسلمت ولا لأ.
د.منصور حمدى: لأ.
د.يحيى: إتحجبت ولا لأ؟!
د.منصور حمدى: لأ، مش ضرورى فى المكان اللى همّ فيه إنها تتحجب.
د.يحيى: طيب البـِـنـَـيـَّـة دى حاتسافر تقعد مع واحدة خوجاية فى نفس البيت وهى عندها 39 سنة، وماتجوزتش، وكانت دخلت مستشفى نفسى، بعدها علاج نفسى سنتين بانتظام يبقى إجابتك مرحليا صحيحة يا أخى، حسبتها على قد المعلومات اللى عندك صح، إيه اللى شاغلك؟
د. منصور حمدى: أنا افترضت إن أخوها جدع.
د.يحيى: مهما كان أخوها حسن النية إحنا لازم نتقمص كل الأطراف، صحيح إحنا ما بنديش أوامر، ولا بنتخذشى قرارات بدال العيان، لكن إحنا فى مجتمع فيه الطبيب والد، ماعندناش أوهام الحرية السايبة والحياد المستحيل، إحنا نقول الاقتراح الموضوعى من وجهة نظرنا، وده مش نهاية المطاف حتى لو ماسمعتش الكلام، حايجرى إيه؟ إفرض سافرت وفشلت، ترجع يا أخى، ونكّمل، أو نبتدى من أول وجديد، إيه يعنى.
ثم إن إحنا لما نقول “خوجاية” لازم نتأنى شوية على ما نعرف يعنى إيه “خوجاية”، مش يمكن الخوجاية دى أحسن من 60 مصرية، ثم أنا سألتك سؤال شديد الأهمية بالنسبة لى اللى هو حكاية حاتسافر حاتشتغل ولا لأ؟ إذا كانت حاتسافر حاتشتغل، ودا أخوها ويمكن هوّا أبقى لها من أمها، يبقى خير وبركة أنا أظن إنك لازم تحط دا فى الاعتبار، تشكر أخوها بينك وبين نفسك وبعدين ماتحكمش على خوجاية لمجرد إنها خوجاية باللى فى مخك، وبعدين نكمل حساباتنا واحدة واحدة.
د.منصور حمدى: أنا كنت متخيل إن هى اللى حاتشك إن هو حايخدها علشان تربى البنت.
د.يحيى: بنت؟ هو فيه بنت؟
د.منصور حمدى: اللى فى بطن مراته، هى حامل فى بنت.
د.يحيى: لك حق تخاف من أى استعمال صريح أو غير صريح، يمكن الست الخوجاية مابتفكرشى كده، لكن مانضمانشى إيه اللى جوه جوزها، ولا حتى هوّا، يجوز مايقدرش يعرف إيه اللى جواه، هل حيصارح نفسه ولا لأه، أنا مش متأكد، ثم لازم تفكر همّا الخواجات حايستحملوا وضع زى ده إزاى؟ ولحد إمتى؟ أنا ما اقصدشى تعميم يعنى، ولكن الست الخوجاية دى يمكن تكون طيبة تروح لاقطة الصفقة بتاعة جوزها حتى لو كانت لاشعورية، وترفضها، وتبقى قلقانه على بنتها وعلى أخت جوزها، خلّى بالك الجماعة دول مش زينا، وهى يا ترى عارفة تاريخ أخت جوزها المرضى؟! وياترى بتعرف تحب اللى خارج دايرتها؟! ما نقدرش نحكم.
د. منصور حمدى: يعنى نعمل إيه؟.
د. يحيى: ثم خلّى بالك سن المريضة 39 سنة، ودول ناس متجوزين جديد وكلام من ده، والست خواجاية إدينى عقلك إيه إلى حايتحرك فى البنية بتاعتنا بقى، كل ده بيوضح لنا إيه اللى خلاك تقول ماتسافرش.
د. منصور حمدى: يعنى أنبهها على الحاجات دى؟!
د. يحيى: يعنى، بشكل أو بآخر تشاور من بعيد، وإذا أصرّت إنها عايزة تقابلنى، تقابلنى، أنا موجود.
د. منصور حمدى: بس كده أنا اتخذت لها القرار.
د. يحيى: مش قوى يا أخى، ثم إنك تقدر تتخذ القرار اللى إنت مقتنع بيه، وهى تخترقه، هى وشطارتها، إنت قلت اللى يرضى ضميرك من واقع علمك وخبرتك، كأنها بنتك أو أختك، إنت أب، مش قلنا الطبيب والد مسئول وهى من حقها ما تسمعشى كلامك وادى إحنا حانشوف، لكن قل لى هوّا مافيش فرصة إنك تقابل أخوها قبل ما نقرر نهائى؟!
د. منصور حمدى: مش عارف
د. يحيى: يعنى، شوف لنا الحكاية دى.
د. منصور حمدى: حاضر.
****
التعقيب والحوار:
د. تامر فريد:
لما حطيت نفسى مكان العيانة ومكان المعالج لقيت إن السؤال بتاع العيانة ممكن يبقى غير منطقى لأن شكلها مش محتاج قرار قد ما هىّ محتاجة تختبر العلاقة العلاجية زى ما تكون بتسأل أنا ماليش غيركم حاتسيبونى أسافر ولا إيه؟ هوّا إنتوا ممكن تستغنوا عنى؟
د. يحيى:
فكرة جيدة.
بصراحة لم تخطر فى بالى.
يستحسن وضعها فى الاعتبار.
د. ماجدة صالح:
افتقدت فى هذه الحالة رأى المريضة من سفرها للأخ الذى بناء عليه يمكن مناقشة الوضعين بطريقة واقعية.
ومن الضرورى أيضا معرفة مدى علاقة المريضة بهذا الأخ بالذات ومدى علاقة المريضة بالأم ووضع الأم والإبنة بعد سفر المريضة.
د. يحيى:
هذا صحيح،
وهذا يدخل ضمن التوصية المتكررة فى الإشراف بضرورة الحصول على أكبر قدر من المعلومات حتى يمكن الإسهام فى إتخاذ أى قرار.
أ. عماد فتحى:
عندى صعوبة شخصية فى الفصل بين موقفين، حضرتك علمتنا إن الواحد عرف إن ماينفعشى ياخذ قرار لمريض، وفى نفس الوقت إن الواحد بيحاول لازم يساعد العيان لما يكون عايز ياخذ قرار وييجى العيان يفتح معاه الموضوع ونتكلم فيه باللى موجود عند المعالج واللى يعرفه عن العيان.
بس طول الوقت باكون محتار لأنى حتما فى الكلام ده باكون شاورت على حاجة فى اتجاه القرار اللى أنا بارجحه، يمكن الواحد بيخاف من إنه يزق العيان ناحية معينة، وده بيخلى الواحد متحفظ فى الكلام شوية مع المريض، ودى مشكلة كبيرة، وده بيشعرنى إنى يمكن أكون مقصر فى مسئوليتى تجاه المريض.
د. يحيى:
بصراحة يا عماد هذا موقف علاجى شريف، وهو لا يعنى إطلاقا قصور أو تقصير فى واجبك نحو المريض، بل هو أمانة مرهقة، وهى أفضل مائة مرة من إدعاء الحياد ونحن لا نعرف ما بداخلنا، الأمر الذى ناقشناه سالفا مع أ.د.جمال التركى (ص 42 تعقيب وحوار الحالة الأولى) إن الحوار الوجدانى الصادق يضئ جوانب الموضوع، والقرار فى النهاية هو مسئولية المريض من موقعه بعد أن تصله كل الرسائل.
أ. عماد فتحى:
يبدو إن معرفة كل الفروق الثقافية الموجودة بين المناطق المختلفة لها أهمية خاصة فى العلاج.
د. يحيى:
هذا صحيح تماما.
أ. نادية حامد:
أوافق حضرتك على كل الاعتبارات التى ذكرتها فى هذه الحالة مثلا موقف زوجة الأخ الخواجاية، مسلمة ولا لأ، محجبة ولا لأ، سن المريضة 39 سنة، وغير متزوجه، إحتمالية الصفقة اللاشعورية عند الأخ.
لو أننى مكان المعالج كنت سوف أميل على المستوى الشخصى إلى عدم سفر المريضة، ولا حتى فترة قصيرة، كما طرح الزميل فى هذه الحالة.
كما أننى كنت سوف أعتذر عن أخذ قرار واضح بهذه الدرجة، لأن زى ما حضرتك علمتنا: إحنا لا نقرر لمرضانا.
د. يحيى:
هذا هو.
أ. محمد المهدى:
أنا مع قرار إنها ما تسافرش بس فى نفس الوقت لقيت فيه أسئلة بتلاحقنى بخصوص العيانة دى زى فرصتها فى الجواز، حاتكمل إزاى، قعدتها مع أمها وواضح إنها ست كبيرة، طب وبعدين لما تتوفى حايكون مصير العيانة دى إيه؟ طب لو قعدت لازم يبقى فى حياتها جديد خاصة هية شغالة فى حضانة، طـَبْ وبقية حياتها حاتعمل فيها إيه؟!
السؤال هو أنا ينفع أبقى موافق على عدم سفرها وأنا شايف كل ده؟ وفى نفس الوقت مش ممكن يبقى فى السفر ده فرصة ليها إنها تكمل بشكل مختلف وأنا باحرمها منه؟!
د. يحيى:
هذه الرؤية، وهذه الحيرة، هى الحياة نفسها، وبالتالى هى العلاج، لكن لا ينبغى أن نبالغ فى إعلان هذا التردد صراحة، إذ أن مرضانا عادة لا يحتملون مزيد من التردد إضافة لما هم فيه.
د. ناجى جميل:
المعالج (د. منصور) يعارض بشدة سفر المريضة بالرغم من تساؤلاته وحيرته، وذلك ربما لأنه متبنى للدور المتحفظ، المتحكم، الأكثر أماناً، وذلك قد يشير إلى عدم ثقته فى احتمالية نجاح المريضة فى الاستقلال والنمو، وربما هو بذلك يحرم المريضة من فرصة حقيقية.
ومن ناحية أخرى إصرار المريضة على الأخذ برأى أ.د. يحيى الرخاوى، والمعالج ربما ينم عن رغبة المريضة فى أن يأتى الرفض من قبل المعالجين، والمشرف الأكبر بالذات، وليس منها، مما يظهر اعتمادية شديدة.
د. يحيى:
تقليب جيد فى الموقف
أرجو إن يكون مفيدا للمعالج، كما أفادنى.
كما أرجو أن أستطيع الإسهام بما أستطيع بعد مقابلتها.
د. محمود حجازى:
لا ينبغى أن نغفل موقف أخواتها البنات المقيميات بمصر وكأنهم شركاء فى محاولة الخلاص منها بسفرها إلى أخيها وكأنها عبء عليهم خصوصا بعد رحيل والدتهم
د. يحيى:
هذا محتمل.
أ. هالة حمدى:
هو أنا خبرتى صغيرة جداً، بس ليا رأى كده إنها ماتسافرش، أو ممكن تسافر زيارة صغيرة قوى وتيجى.
أنا شايفه إن دى واحدة عندها 39 سنة وماتجوزتش وعايشه مع ناس متجوزين جداد يعنى حايبقى موقفها إيه من اللى بيحصل من اهتمام أخوها بزوجته وحبه ليها فى أول الجواز خصوصا، وده غير اختلاف طباع مرات أخوها الأوروبية يا ترى هى حاتحبها ولا حاتعاملها إزاى؟ وإيه موقفها من مرضها والدوا اللى بتاخده؟! وحاجات كتيرة زى دى.
د. يحيى:
خبرتك الصغيرة يا هالة تؤكد ثقتى فى الأصغر، وأن العلم والحرفة يبدآن من المنطق السليم، والتساؤلات الجادة، أتمنى أن تحتفظى بموقف هذا التساؤل المحيط، دون الوقوع فى شلل الحيرة، فالحياة تسير بالأسئلة كما تسير بالأجوبة طول الوقت.
أ. أيمن عبد العزيز:
هل زيادة الحسابات بهذا الشكل قد يحرم المريضة من فرصة، قد تكون فرصة لنموها.
أعتقد أن السفر مع وضع بعض الشروط مثل مقابلة الأخ، وضمان الإلتزام بالأدوية ووضع وسيلة للمتابعة، قد يكون مفيدا.
د. يحيى:
هذا طيب.
أ. علاء عبد الهادى:
يبدو أن هذه المريضة فى حالة سكون ولم تختبر، ويبدو أن العلاقة قد اقتصرت على “الكلام” بينها وبين المعالج فلم تحضر أى نشاط تأهيلى على مدى سنتين، إلى جانب أنها غير منتظمة على الدواء، كما أنها لم تعمل بعد، لذلك أنا لا أفضل سفرها.
إلى جانب الفروق الثقافية والدينية.
د. يحيى:
عندك حق، لكن وصلنى أنك اتخذت لها القرار بجرعة أكبر مما ينبغى.
أما حكاية الفروق الدينية فلا أظن أنها بنفس الأهمية التى أشرت إليها،…. لستُ متأكدا.
د. نعمات على:
لا أعرف لماذا لم يحاول المعالج ثانية معها أى نشاط تأهيلى لأنى أعتقد انها بحاجة لتعيش وسط ناس بشر، أما العلاج النفسى الفردى فأعتقد أن فيه اعتمادية كبيرة على المعالج وانها بحاجة لتنتقل من خطوه إلى خطوة!
د. يحيى:
هذا الرأى قريب من رأى علاء، لكن لا تنسى يا نعمات، أنت وهو، أن فرصة النشاط التأهيلى فى مجتمعنا سواء فى المستشفيات التقليدية (ليست: المجتمع العلاجى) أوعلى مستوى العيادة الخارحية، هى فرص محدودة تماما.
د. محمد أحمد على:
أنا شايف لأ ماتسافرش، أنا مش مع السفر، كل المعطيات تقول لأ لأ ماتسافرش، واحدة مش ملتزمة بالدواء وزوجة الأخ الخوجاية (إحنا مش عارفين دى إيه دى؟)، والمعالج خايف عليها من الانتكاس (وهو أقرب واحد ليها) وكمان لسه أخوها متجوز جديد. ليه بقى أعرضها لانتكاسه هى فى غنى عنها علشان إيه يعنى؟ هى الدنيا مش ماشية هنا؟!
د. يحيى:
يبدو أنها “مش ماشية قوى”.
ولابد من تقييم مدى تعثرها ضمن مبررات إتخاذ القرار.
أ. هيثم عبد الفتاح:
بما أن العيانة متحسنة وبتشتغل هنا، ومواظبة على العلاج النفسى وعامله علاقة كويسة مع المعالج كل دى حاجات تخلينى أرجح فكرة إنها تفضل هنا وماتسافرش، خصوصا إن الوضع بره فى الخليج هناك غير مضمون من حيث قلة المعلومات المتاحة عن طبيعة نوايا الأخ، ومدى قبول هذه الزوجة الأجنبية للمريضة.
د. يحيى:
يبدو أن أغلب الآراء تسير فى هذا الاتجاه: عدم السفر، أو تأجيله، ولعل زميلنا يضع كل ذلك فى الاعتبار، علما بأن هذه المسائل لا تؤخذ بالأغلبية، نحن لسنا فى مجلس الشعب.
=========
الحالة: (8) غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب
الحالة: (8) غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب
الحالة: (8)
غموض التشخيص، واحتمالات التلاعب([22])
د. رياض زكى: المريض عنده 24سنة، حايتخرج قريب من الجامعة (خاصة)، يعنى فاضل له مادتين يعنى، وله أخين مش شققا أكبر منه ووالده، متوفى ووالدته موجودة.
د. يحيى: وبعدين؟
د. رياض: هو تقريبا ماعندوش شكاوى، يعنى هوه شخصيا ما بيشتكيش من حاجة، الشكوى من الأم إنه سرق منها مبلغ كبير حوالى 11000 جنيه وصرفهم، وماعملش بيهم حاجة، وبقاله فترة بيكذب كتير سواء فى نتائج الكلية أو أى حاجة، وهو سقط كتير فى الكلية حوالى ثلاث سنوات، وهما عايشين جنب خاله دلوقتى، والده توفى وهو فى تالته اعدادى وهما بيمروا من فترة طويلة قوى بمشاكل قضائية عشان الورث والحاجات دى وكلها فشلت وضاع عليهم كل الورث بتاعهم.
د. يحيى: مشاكل قضائية مع مين؟
د. رياض: مع أخواته اللى هما الأكبر اللى هما مش شققا، مشاكل على الورث بتاع والده.
د. يحيى: إخواته أكبر بقد إيه؟!
د. رياض: يعنى واحد حوالى 13 سنة والتانى 10سنين.
د. يحيى: أبوه كان بيشتغل إيه؟!
د. رياض: أبوه كان مدرس بس كان عامل مشاريع، كان سافر شوية الخليج رجع عمل مزرعة دواجن، وشوية أعمال تانية.
د. يحيى: وبعدين؟
د. رياض: العيان أول ماشفته لقيته كل حاجة فى الدنيا عملها، وكل حاجة ينفع يعملها، وكل حاجة ينفع “يبقاها” حسب تعبيره هو.
د. يحيى: يبقاها يعنى إيه؟!
د. رياض: يعنى يبقى زيها، مش يقلد، لأ يبقاها بتحدى كده ما اعرفشى إزاى.
د. يحيى: وبعدين؟ يمكن ده اللى بيسموه “شخصية كأن”،([23]) اللى بيبقى زى اللى حواليه من غير ما ياخد باله أيا كانوا اللى حواليه.
د. رياض: أنا مشكلتى معاه إن التشخيص ده نفسه مش مريح، أنا مش عارف أشتغل معاه ازاى، التشخيص يعنى بالنسبة لى غريب شوية.
د. يحيى: بتشوفه بقالك قد إيه؟
د. رياض: شهر ونص، يعنى 6 مرات، إمبارح كانت سادس مرة.
د. يحيى: بس إنت ما قلتلناش إيه التشخيص لحد دلوقتى، مش مهم، مش هيه دى القضية.
د. رياض: فيه حاجة تانية جديدة، إحنا بعد ما ابتدينا تلات أربع مرات، راح اتدين وبقى يصلى ويقرأ قرآن.
د. يحيى: إمتى بالظبط؟
د. رياض: بعد تالت جلسة تلقائيا من غير ما أطلب منه أى حاجة وانتظم فى الشغل.
د. يحيى: شغل إيه؟
د. رياض: هو فاتح شركة غريبة كده ما بتعملش أى حاجة، وفيها حتة النصب دى، احتمال، هوه بيعرف ينصب وبيعرف يمثل ويقلد شخصيات ويعمل شخصيات، يعنى حتى الأهل استفادوا من ده فى القضايا لأنه كان بيعمل نفسه ظابط ويمسك طبنجة ويعمل نفسه حكومة عشان يحل المشاكل بطريقة غريبة جدا.
د. يحيى: السؤال بقى؟
د. رياض: هوه التشخيص ده بالنسبة لى غريب.
د. يحيى: تشخيص إيه !! هو إحنا فى العلاج النفسى بنبتدى بالتشخيص، دا إحنا حتى بننسى التشخيص بعد العلاقة ما تتقدم والعيان يقرّب، إنت بتتكلم عن نوع مختلط من اضطراب الشخصية، يعنى ما فيش معالم محددة أو شكوى تقول ده العرض الفلانى، كلها سمات شخصية مش مظبوطة.
د. رياض: مش لاقى حتة كده أبنى عليها خالص، كمّ فظيع من الدمار لأى حاجة.
د. يحيى: حلوة حتة أبنى عليها دى، بس هوّا يعنى إنت حاتبنى على التشخيص؟
د. رياض: أنا أقصد التركيبة دى كلها على بعضها.
د. يحيى: التركيبة معلشى، لكن التشخيص ده مجرد يافطة، إحنا فى العلاج النفسى مابننشغلشى بالتشخيص، هوه مهم، لكن إحنا بنخليه يبقى مركون على جنب، الشغل بيبقى مع “التركيبة” زى ما انت بتقول.
د. رياض: ده أول سؤال، السؤال التانى هوا راح اتدين بعد تالت جلسة، وراح اشتغل حاجة كده من عالـْوشّ، مش عارف ليه.
د. يحيى: إنت شايف فيه تناقض؟
د. رياض:…. يعنى.
د. يحيى: وبعدين؟!
د. رياض: وبعدين هوه طول الوقت بيتكلم كتير قوى وعنده أقوال فظيعة فى كل حاجة، زى ما يكون حاسس بكل حاجة باوريها له، و كل حاجة باقولها له هو شايفها، زى ما يكون بيحرق الشغل أول بأول، ده مابيسيبش حاجة تتقال خالص إلا ويعلق عليها تعليق صح تقريبا.
د. يحيى: الله نور، دول بقى يا رياض عاملين زى المثقفين اياهم، يبقى عارف كل حاجة وخلاص، بس هنا فيه حاجة مهمة، إن الرؤية دى اللى ساعات بنسميها البصيرة المعقلنة، ما مفيش لها فايدة، دا حتى ساعات تكون معطلة وتدخل صاحبها فى مناورات العلاج بلا طائل.
د. رياض: الظاهر إنه هو كمان لقط منى كده إنى حاشخصه مريض، راح موقف كل حاجة، وما مسكتشى عليه أى كدبة، لكن أنا حاسس إن دى مناورة وبس.
د. يحيى: خلى بالك المسألة مش مسألة إنت مسكت أو ما مسكتش، قلت لكم إحنا مش وكلاء نيابة، المسألة فرصة تعديل سلوك، وإعادة تشكيل شخصية.
د. رياض: إزاى؟
د. يحيى: بصراحة التركيبة دى صعبة فعلا، وبالتالى إحنا محتاجين وقت، ست أسابيع مش كفاية، لازم نستنى شوية وكل ما كانت التركيبة صعبة كل ما احتاجت لمدة أطول ويبقى السؤال الأولى بالمناقشة دلوقتى بيقول: هل العلاج النفسى بالشكل ده مفيد ولا مضرّ، القضية دلوقتى فى المقام الأول إنه “ييجى ولا ما يجيش”؟ هل فيه ضرر من مجيئه؟ يعنى يمكن يستعمل العلاج كمبرر لمزيد من السلوكيات دى، ولا هوه عايز يتغير بصحيح؟
فى الحالات دى قبل مانقول إحنا نعمل إيه، نشوف الضرر المحتمل من العملية العلاجية، أنا شخصيا عندى رغبة إنه ياخد فرصة، أنا حريص على إنه ييجى على الأقل عشان نتعرف على بقية التركيبة، أنا ما سألتكش عن أى مشاكل قانونية محددة، هل تصادم مع القانون مثلا؟
د. رياض: هو كداب ومبالغ فى كلامه بس مافيش حاجة واضحة، وكمان شغله مش منتظم اتنقل بين كذا شغلانة.
د. يحيى: بصراحة الحالة دى مهمة فى تدريبك، خصوصا بعد النقلة إلى التدين زى ما انت قلت، حتى التدين ده ما نقدرشى نسقف له من غير ما نشوف أى تغير تانى حقيقى فى السلوك، ودى حاجات تخلينا ما نستعجلشى فى الحكم، دا فيه احتمال إنه يكون بيكذب على نفسه قبل ما يكذب علينا حتى فى التدين.
ثم خد عندك حكاية التمثيل دى، ساعات بيبقى فيه احتمال إنه مايكونش تمثيل، يبقى زى مايكون تيارين من الوعى فتحوا على بعض واحد بيعمل العملة على إنها حقيقة والتانى بيلبسها ويتدبس فيها، تبان إنها تمثيل، وهو نفسه يمكن يتهم نفسه بالتمثيل، إنت ممكن تسميها “تأليف” بمعنى إن قرار المرض، أو قرار التقمص، من أى مستوى من مستويات الوعى، هو اللى أصدره، يبقى هوه اللى مسئول عنه. دا الأمر بيوصل أحيانا إن المريض يمثل الجنون، عشان تعتقد إنه بيتصنع، تقوم تحكم عليه إنه مش مجنون وإنه بيمثل، يقوم يكمل فى الجنون الحقيقى بتاعه، وأظن ده بنسموه المناورة المزدوجة Bouble Bluffing.
وبعدين حتى بعد ما نتبين التركيبة ماشية إزاى، الحكاية بتبتدى مش بتخلص، تبدأ الحكاية بالنسبة لتحديات العلاج، يعنى: تبص تلاقيك بتقول لنفسك: طب وأنا حاعمل إيه فى الهيصة دى، تلاقى قدامك مستويات للوعى متداخلة وملعبكة، تلاقيك محتاس يعنى مش عارف تتهمه، ولا تصدقه، المهم ما تتصرفشى معاه كأنك وكيل نيابة.
د. رياض: والدوا؟، ينفع أديله دوا؟
د. يحيى: طبعا ينفع ونص، بس مش دوا كذا عشان التشخيص كيت، ولا مجرد مسكنات، هى الأدوية حاتسكن الكذب ولا النصب؟؟!! لأ، إنت اتكلمت من الأول عن التركيبة، فهو لو بينام كويس، وله شغل منتظم حتى لو نصب، ممكن تأجل دور الدوا شوية، لكن مع تقدم العلاج، حاتلاقى الأمور بتتقلـّب معاك، وخلـّى بالك إن ظهور أعراض جديدة فى الحالات دى، بيبقى دليل كويس على نشاط عملية إعادة التشكيل أو شىء من هذا القبيل، وساعتها بندى الدوا المناسب سوا سوا، حسب مستوى الوعى اللى عايزين نضبطه، أو نهمّده، لحساب مستوى وعى أنضج، وأقرب للواقع وللقيم الإيجابية، وانت عارف أن منظومة أى مستوى وعى، هى عقل نيوروبيولوجى وإن الأدوية بتاعتنا، ولو بدرجة تقريبية بتنشن على العقل الناشز ساعات وتساعدنا واحنا بنظم التبادل والنبض والسلوك والكلام ده، ودى مسألة صعبة جدا بس ممكنة ورائعة.
****
التعقيب والحوار:
أ. اسلام أبو بكر:
أنا عايز أسأل سؤال مش عارف بقى حايبقى سؤال غبى ولا سؤال عادى، لو فرضنا الشخص ده ماراحش لدكتور نفسى وإنه موجود يتعايش مع المجتمع بالشكل اللى هو عليه، عايز أعرف إيه خطورة مثل هذه الشخصية على المجتمع ثم على نفسه أو العكس؟ أصلى أعتقد إن مثل هذه الشخصية يوجد منها نسخ كتيرة فى المجتمع أنا قابـِـلت كذا واحد منهم تقريبا.
شكرا.
د. يحيى:
عندك حق فى السؤال، وليس عندى إجابة محددة، فقط أذكرك بضرورة التمييز بين ما هو مرض، وما هو سمة للشخصية، وما هو أخلاق، وما هو جريمة.. وهو أمر صعب فى هذه الحالة، وعلينا أن نركز على ما يخص تخصص مهنتنا دون أن نستدرج للعب أدوار خارج نطاقها.
د. سعاد موسى:
….. حكاية تيارين للوعى دى مهمة جدا وبتسهلّ فهم العيانين، ومع الوقت بتسهل الشغل معاهم.
الشغل بيبتدى لما العيان يقدر يغزل التيارات المختلفة فى نسيج واحد أعتقد البداية ممكن تكون أثناء العلاج وساعات بيبقى العلاج تحضير لذلك والعيان يكمل المسيرة لوحده.
د. يحيى:
يا خبر يا سعاد!!
أين أنت؟ إزيّك؟
هل يا ترى الشغل يبدأ هكذا كما تقولين، يعنى (غزل التيارات المختلة فى نسيج واحد)، وعلينا أن ننتبه حتى نكتشف إنه ممكن داخلنا وبنشتغل فيه، ونكملّ؟ لو حصل أو بيحصل واحدة واحدة يبقى تحققت أهم ميزات العلاج عامة والعلاج النفسى خاصة ودورنا أن نحيط بهذه العملية وندعمها حتى يتم إعادة التشكيل إن أمكن!!
د. نرمين عبد العزيز :
فهمت ليه ساعات تخلى مريض ما ينفعش يمشى من غير دوا، تقوم توقف إنت الدوا عنه وتمشيه على العلاج النفسى فقط، لحين إشعار آخر، وذلك فى الفقرة التى ذكرت فيها: “لو بينام كويس وله شغل منتظم حتى لو نصب، ممكن تأجل دور الدوا شوية، لكن مع تقدم العلاج، تلاقى الأمور بتتقلب معاك، وظهور أعراض جديدة فى الحالات دى، بيبقى دليل كويس على نشاط عملية إعادة التشكيل أو شئ من هذا القبيل، وساعتها بندى الدوا المناسب سوا سوا حسب مستوى الوعى اللى عايزين نضبطه أو نهمده، لحساب مستوى وعى أنضج، وأقرب للواقع والقيم الإيجابية”.
د. يحيى:
شكرا يا نرمين، ولعلك تلاحظين كيف تركت تكرارك للفقرة كلها، لأنى شعرت أنك أحببتها، ولأنى أردت من خلالك إن أعيد توصيلها.
أ. هالة حمدى البسيونى:
– شخصية بهذه التركيبة الصعبة دى محتاجه وقت أطول، على الأقل لمعرفة المزيد من الأعراض أو ربما يظهر شىء جديد يفيد فى العلاج.
– أحسست بخوف من احتمال استخدام العلاج كمبرر لأفعاله، أو أن يزيد فيها بحجة أنه مريض وأنه غير مسئول عن أفعاله.
– استوقفنى التناقض الذى حدث ولم أستطع تفسيره وبالتالى لم أفهمهه حتى الآن.
د. يحيى:
تعليقاتك الدالة، لا تحتاج إلى تعليق،
حتى وقوفك عند التناقض واحترامك للعجز عن التفسير “الآن” هو موقف جيد، على الله يوصل للزميل المعالج، يأخذ وقته، ويصبر، ويواصل، والله المعين.
========
الحالة: (9) هل يخفى عليها أنه يعالج أصلا..؟
الحالة: (9) هل يخفى عليها أنه يعالج أصلا..؟
الحالة: (9)
هل يخفِى عليها أنه يُعالَج أصلا..؟
د. محمود فواز:…… هو عيان عنده 27 سنة حضرتك حولتهولى من خمس شهور كان جاى بأعراض جسدية كتيرة: بتجيله دوخة كتير قوى، وقلق وتوتر وشد فى العضلات، هو كان شغال فى شغلانة فيها ضغوط كتيرة، وكان لسه خاطب جديد، وخارج من خطوبتين ما نفعوش، وكان فيه مشاكل مترتبة على الخطوبتين دول. اللى حصل إنى لما ابتديت أشتغل معاه الأمور كانت طبيعية، وظهرت حاجات ومواقف يعنى فى العيلة والشغل، ومشى الحال أحسن فى أحسن.
د. يحيى: طيب والأعراض الجسدية؟
د. محمود فواز: هوا كان عنده خوف من العيا مع ظهور الأعراض دى، وكان بيروح لدكاترة كتير، لكن أنا وهو قدرنا نوقف الموضوع دا خالص، وابتدينا نشتغل باعتبار إن الموجود دا هو نتيجة حاجات نفسية، ابتدا يعنى يحصل شوية تحسن كده، وحتى اتحسن فى الشغل بتاعه، وابتدا يترقى، وابتدأت ثقتة فى نفسة تزيد، وعلاقتة بخطيبتة الجديدة اتحسنت.
د. يحيى: ياه كل ده فى خمس شهور، برافو، دا إيه دا كله، فيه إيه بقى بتسأل عن إيه؟
د. محمود فواز: هو بس من حوالى تلات أربع أيام كده كان قابل واحدة زمليته، ما شافهاش من زمان، يعنى قعدوا يتكلموا مع بعض فعرف منها إنها كانت متجوزة واحد واتطلقوا بسبب إن جوزها بيروح لدكتور نفسى ومخبى عليها، والعيان بتاعى خاطب وكان طول الوقت كان فى دماغه الموضوع ده، يعنى هو مخبى على خطيبته إنه بيجيلى، واتكلمنا فى الموضوع ده، يعنى هو معارض شوية فكرة إنه هو يقول لخطبيته، أنا قلت له رأيى إنى ميّال إنه ماينفعش إنهم يبتدوا مع بعض غير لما يعرّفها إنه بييجى، بس هوا مش مقتنع، وخايف من الموضوع ده.
د. يحيى: طيب، ما اتكلمتش معاه ليه فى تفاصيل أكتر عن حكاية زميلته اللى سابت جوزها عشان بيروح لطبيب نفسانى، ومخبى عليها، مش جايز الحكاية اللى حكتها له هى القشرة اللى على الوش، وفيه حاجات تانية هى السبب الحقيقى للانفصال؟ دا حتى يمكن زميلته نفسها ما تعرفشى السبب الحقيقى؟
د. محمود فواز: يجوز، طبعا فيه حاجات تانية، ما أنا قلت له ما تاخدش المسألة كده بالحرف وتقارن نفسك بجوز صاحبتك أقصد طليقها.
د. يحيى: طيب ما انت ماشى كويس أهه، بس الحكاية عايزة شوية تفاصيل زيادة كمان، عشان لما تشور عليه، تعملها وقلبك جامد، ولا إيه؟
د. محمود فواز: هى فعلا بتقول إن هما ماكانوش مستريحين لبعض وإن هو كان عنده مشاكل مدكّنْها ظهرت بعدين، مش بس إنه كان مخبى عليها العلاج.
د. يحيى: شفت إزاى، دا بالنسبة دلوقتى لجوز زميلته، طليقها يعنى، بس أنا باتكلم عليها وهيه متجوزاه، هوه عيان نفسى، أو على الأقل عنده حاجة بتخليه يروح يتعالج نفسى، ودا مش عيب ولا وصمة فى حد ذاته، لكن أهو مرض نفسى والسلام، وانت عارف إن أكتر الصعوبات بتاعة مرضانا، سيبك من حكاية إيدى وعينى وفم المعدة وقلق واكتئاب والكلام ده، بافكرك إن أكتر الصعوبات بنقابلها هى حكاية محاولة عمل علاقة حقيقية، دى يا أخى صعوبة فظيعة عند الناس العاديين لوعايزين علاقة بصحيح، أقله المرضى بتوعنا بيقولوا “آه” صريحة وأن “الحكاية صعب”، إنما العادى المطنش مطنش، المهم فيه صعوبة تواصل، ويمكن وصلت صعوبة التواصل بين الزميلة دى وبين جوزها إلى صعوبة فى “العلاقة الجسدية”، ودى حاجة لها دلالتها أكتر من مجرد العجز مثلا، ثم إنها ممكن تبقى خطيرة لما يترتب عليها من خجل واهتزاز، ومن ضمن مظاهره إنه يخبى إنه بيروح يتعالج، وده يصعّب المسألة أكتر، يبقى السبب الأصلى اللى هوه المرض أو الإعاقة موجود، وفوق منه: شعوره إنه عامل عملة وبيتعالج، ويا ترى اترتب على ده إيه بعد كده ولمدة أد إيه؟ كل ده لازم تحطه فى دماغك وانت بتحكم.
د. محمود فواز: ما أنا حطيته، بس مش قوى كده.
د. يحيى: إحنا مش فى حالة طليق زميلته دلوقتى، إحنا فى حالة مريضك انت، ما تنساش إنه خطب مرتين، وفشل، ودى التالتة.
د. محمود فواز: ما هو عشان كده.
د. يحيى: عشان كده إيه؟ ما قلتلناش، لازم نعرف بالتفصيل برضه أسباب فشله فى كل مرة، هو اللى فركش؟ ولا هما، واحدة ورا التانية؟ ويا ترى سبب الفركشة هو نفس السبب، ولا مختلف، أصل مسألة الرفض دى حاجة مش سهلة بالنسبة للرجالة، يمكن أكتر من الستات غير ما بنتصور.
د. محمود فواز: طيب وهى حا تفرق إيه فى قراره دلوقتى بالنسبة لخطيبته الجديدة؟! ما هو فى الخطوبتين الأولانيين ما كانشى بيتعالج لسه.
د. يحيى: تفرق كتير، أولا الفشل لأى سبب كان، بيخليه حريص أكتر على استمرار الخطوبة الحالية، يمكن لدرجة تبوظها، وده لوحده دافع إنه يخبى، ثانيا يجوز فعلا إن فيه هوه شخصيا حاجة بتبان للى بيخطبها بعد شوية، فبتسيبه، وده من ضمن مهمتنا فى العلاج إن إحنا نشوف الشخص ده بيكرر إيه فى حياته عشان يفشل كده، يعنى احتمال يكون فيه نصّ “سكريبت” كده، ولا كده، وخوفه إنه يقول لخطيبته الجديدة هو مجرد مظهر خارجى “لسكريبت” داخلى بيتكرر بأشكال أخرى تفشله.
د. محمود فواز: يعنى يقول لها ولا ما يقولهاش؟
د. يحيى: بصراحة يمكن أنا زيك، من حيث المبدأ: أنا أفضل إنه يقول لها، بس يعنى ما يبقاش مدب ويقعد يحكى لها عن اللى قالته زميلته، طبعا خطيبته ما تعرفهاش؟!
د. محمود فواز: طبعا
د. يحيى: وبعدين يا أخى هو شخصيا شايف إن مرواحه للعلاج النفسى نقص ولا إيه؟ ما لو كده يبقى ممكن الشعور ده يوصل لخطيبته حتى لو ما قالهاش بصراحة.
د. محمود فواز: مش متأكد هو شعوره إيه بالضبط.
د. يحيى: وبعدين فيه حاجة كمان، هو لو وافق على رأيك إنه يقول لها، يبقى فيه فرصة إنه يحكى لها عن علاقته بيك بطريقة بسيطة وواضحة، يمكن تفهم وتطلع أحسن منه، وبعد كده إنت حاتكمل معاهم همـّا الاتنين لو وافقت، إنت من حقك فى الحالة دى تشوف خطيبته، وساعتها حاتقدر تقدر شخصيتها، وحبها، ومدى نضجها، وطبعا دى حاجات مش سهلة، لأن أحيانا البنات بيسألوا أسئلة تدل على خوف حقيقى، زى مثلا هو المرض اللى عنده دا وراثى، وساعتها بتكون منشنة على عيالها وكلام من ده.
د. محمود فواز: يمكن ده اللى مش مريحه، ومزود الخوف عنده، وهو مش ناقص فركشة تالتة.
د. يحيى: هوه عنده حق، وانت عندك حق، لكن المسائل لازم تتوضح بأكبر قدر ممكن، وبشكل مبسط فى نفس الوقت، الناس مش عارفة يعنى إيه مرض نفسى إلا من المسلسلات، دا حتى الدكاترة يا شيخ وهما بيستعملوا أسماء الأمراض، ما بيبقاش فى وعيهم قوى همـَّا قصدهم إيه باليافطة اللى بيعلقوها على العيان، قال إيه تشخيص، هو فيه مريض زى التانى، حتى لو كان بنفس التشخيص.
د. محمود فواز: هى مش مسألة تشخيص، ده مجرد إنه بيروح بيتعالج أو ما بيروحشى، يقولها ولا ما يقولهاش.
د. يحيى: شوف اما أقولك، المسألة مش جدول ضرب، إحنا فى مجتمع طيب وغلبان، والرجالة بقوا مهزوزين بجد، وهى مغامرة فى كل الأحول، وإذا كنت شايف إن التجربتين الأولانيين لسه مأثرين فيه جامد، يا أخى استنى شوية، يمكن يكبر بالعلاج، وزى ما اتحسن فى شغله واترقى، ربنا يسهل وثقته بنفسه تزيد، وساعتها يقول لها ورزقه على الله، ويعرض عليها فى نفس اللحظة إنها تيجى تقابلك، أنا فى الحالات دى باخلى اللى عايز يسأل يسأل كل اللى يخطر على باله بس قدام المريض بتاعى مش من وراه، وانت وشطارتك فى الإجابات، ودى عملية مش سهلة، مش سهل إنك تقول الحقيقة بطريقة ترد على اللى جوا اللى بيسأل، على اللى ورا السؤال، مش بس على السؤال نفسه. وعندنا يا أخى فى بلدنا يقولوا إذا كانت البت شارية حايبان عليها إنها شارية، والأمور تبقى ألسطة، مين يعرف؟!
د. محمود فواز: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: يا أخى إنت مستعجل على إيه، هو مش بييجى، وبيتحسن، قول له يطنش شوية حكاية زميلته اللى اتطلقت دى، وفهـِّـمـْـه إن المعلومات ناقصة، وإنه ما يقدرشى يحكم على تجربته من خلال معلومات ناقصة سمعها من زميلته وما سمعشى أى حاجة من الطرف التانى، وأديك شايف إن علاقته بشغله عمالة تتحسن زى ما بتقول، وفى نفس الوقت حايحكى لك عن علاقته بخطيبته الجديدة وانت تقدر بذوق من بعيد كده تقارنها بالتجربتين اللى فاتوا، وساعتها يمكن هو يعملها لوحده من غير ما يسألك، ويمكن يسألك وانت تجاوبه ورزقك على الله،
وطبعا لو كان حايطوّل معاك، وكانت خطيبته ناضجة ممكن تعرض عليه إنك تتعرّف عليها وتيجى تقابلك وترد أنت على استفسارتها بأمانة وأبوة وموضوعية، وده يحصل قدامه طبعا، وهوَّا قاعد.
ويمكن ترجع لنا تانى نكمل المناقشة.
د. محمود فواز: شكرا.
د. يحيى: ربنا يخليك.
****
التعقيب والحوار:
د. أسامه فيكتور:
عندى تعقيب عام على عبارة: “هو شخصيا شايف إن مرواحه للعلاج النفسى نقص ولا إيه؟”
من خلال خبرتى مع المرضى اللى حضرتك حولتهم لىّ فى العيادة، لمّا يكون العيان جاى لوحده وحاسس إنه عنده مشكلة ما بتوقف حياته ومصدق فى إن الطب النفسى والطبيب النفسى اللى عنده خبرة حياتية (أو ذاتية) مع خبرة حرفية مهنية حايساعده على تجاوز هذه الوقفة، فهو بيعدى ويكون شخص أحسن من الأول بل ربما أحسن بالمقارنة بالطبيعيين اللى مش حاسين بحاجة، أو حاسين إن كله تمام.
أما اللى جاى عن طريق أهله فبيعتمد على موقف الأهل.. هل هم مصدقين إن الطب النفسى حايساعدهم ولا جايين تسلية وغالباً موقف الأهل هوه اللى بيتحكم فى مدة العلاج ومساره.
د. يحيى:
كلامك صحيح بصفة عامة، لكن حتى من يُحضره الأهل إذا وصلته رسالة صادقة، وشعر بتحسن نوعى، فإنه سوف يكون –بفضل الله والعلم- أفضل من العاديين (واللى عاجْبُه!!)، ثم إنى توقفت عند تعبيرك، ولا جايين “تسلية”، أظن الأهل –عادة- مابيودوش قريبهم للطبيب تسلية.
د. أسامه فيكتور:
أعتقد إن هذا المريض بينمو فى العلاج النفسى الفردى والدليل على ذلك هو نجاحه وترقيه فى العمل؟ وأعتقد أنه لو استمر مع د.محمود فإنه سيستطيع إبلاغ خطيبته بذهابه لطبيب نفسى بشكل لا يؤثر على استمرار العلاقة. بل أذهب لما هو أبعد من ذلك فأقول: إن خطيبته قد تقتنع وتطلب من د.محمود أن يحدد لها مواعيد لجلسات علاج نفسى حتى تلاحق سرعة قطار نمو خطيبها وده يعتمد على حاجتين هى فاهمة (بالبلدى) يعنى إيه نمو نفسى ولا لأ؟ وهى شاريه ولا لأ؟
د. يحيى:
أظن يا أسامة أنت تعرضت لنقطة فى غاية الأهمية من حيث الإشارة إلى احتمال أن يواصل المريض (أو من كان مريضا) مسيرة نموه على سلم التطور الذاتى بخطى أسرع من الجالس “مرتاح كده” على بَسَطة “العادية”، فماذا يكون الحال إذا كان هذا الجالس شريكه؟
لكننى لا أنصح أن يتم هذا بأن يعالج الشريك بجلسات منتظمة عند معالج نفسى أو طبيب نفسى، خصوصاً وأنت تعلم محدودية، وتواضع كفاءة القائمين بهذا النوع من العلاج، ربنا يستر، النمو بيحصل فى الظروف الطيبة الصحيحة زى ما بيحصل فى العلاج النفسى، إذا حصل.
أ. أحمد صلاح عامر:
هو مش اعتراض قد ما هو استفسار :
هل يجوز أصلا أن يتزوج المريض النفسى؟ وهل إذا تزوج يجوز أن ينجب؟
د. يحيى:
يا خبر يا بوحميد!!! يجوز ونصف، وينجب نصف دستة بعد إذن سيادة الرئيس وزير الإنجاب، أعنى وزير السكان.
ولكن علينا أن نتذكر أن الزواج فى ذاته ليس علاجا، لكنه حدث حياتى يقدم عليه أى واحد، مريضا أو غير مريض، شريطة أن يتحمل المسئولية بالشكل المناسب فى الوقت المناسب.
د. محمد الشاذلى :
وصلتنى صعوبة موقفنا من المرض النفسى والعلاج النفسى، وربما يرجع ذلك إلى أننا فعلاً لا نفهم لماذا نلجأ إلى الطبيب النفسى…. ولعل ما يساهم فى ذلك هو سهولة التعميم من ناحية، والهزل الإعلامى من ناحية أخرى.
د. يحيى:
عندك حق
==============
الحالة: (10) هل العلاج النفسى نوع من الدردشة
الحالة: (10) هل العلاج النفسى نوع من الدردشة
الحالة: (10)
هل العلاج النفسى نوع من الـدردشة([24])([25])
أ. أحمد عبد الغفور: هى بنت عندها 29 سنة من بلد عربى بتشتغل مذيعة، بقالها معايا حوالى 4 شهور، كانت جاية بأعراض حزن وقلق واضطراب فى النوم يعنى.
د. يحيى: جايالك منين؟
أ. أحمد عبد الغفور: فيه حد بيجيلى هو اللى قال لها علىّ.
د. يحيى: بتشتغل مذيعة فين؟
أ. أحمد عبد الغفور: فى قناة تبع بلدها .
د. يحيى: بتشتغل هنا فى مصر؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه هنا فى مصر.
د. يحيى: بتاخد كام؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى بتاخد تعاقد 300 جنيه وحاجة فى الحلقة الواحدة، بتعمل تلات حلقات فى الأسبوع.
د. يحيى: وانت بتاخد منها كام؟
أ. أحمد عبد الغفور: 40 جنيه.
د. يحيى: ساعة كل مرة!!!!؟ مرة فى الأسبوع؟ يعنى مدة الجلسة قد مدة الحلقة؟! مش كده؟
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه.
د. يحيى: خلّ بالك من بختك الهباب!! (ضحك) طب وبعدين؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى أول ما جت كانت جايه بأعراض حزن واكتئاب كده زى ما قلت، وهى عايشة لوحدها هنا فى مصر، جاية معاها واحدة كده قريبتها تعتبر زى خالتها بس يعنى ست كبيرة قوى، يعنى بنت خالة أمها، حاجة كده، والدتها متوفية وهى منفصلة خالص عن والدها، وعن أهلها، فيه مشاكل بينهم وعايشة فى مصر لوحدها هنا.
د. يحيى: بقالها قد إيه فى مصر؟!
أ. أحمد عبد الغفور: بقالها دلوقتى حوالى 7 شهور.
د. يحيى: وقبل كده كانت فين؟
أ. أحمد عبد الغفور: كانت فى بلدهم، وكانت اتعرضت يعنى هى وعيلتها اتعرضوا للاضطهاد هناك، واتخطفت فترة، وبعدين جه حد فك أسرهم؟
د. يحيى: وبعدين؟
أ. أحمد عبد الغفور: بدأت أنا طبعا فى الشغل معاها وكده، وكان واضح انها كانت محتاجه سند جامد قوى، المشكلة إنى حاسس إن فيه تعاطف زيادة من ناحيتها قوى؟!
د. يحيى: هى حلوة؟
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه، حلوة، آه حلوة.
د. يحيى: قوى.
أ. أحمد عبد الغفور: مذيعة!! حلوة كمذيعة، يعنى، آه حلوة.
د. يحيى: همـّا المذيعات كلهم حلوات، مش كده؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه، دى أكتر شوية، فيه مشاكل بينها وبين واحد هنا فى مصر، هى وحيده جدا يعنى فيه مشاكل مع واحد هوا اللى كان أنقذها أصلا من حركة الخطف اللى اتعرضت لها هى وعيلتها فى بلدهم، هوه دلوقتى بيطالب إن هى زى ما يكون ترد الجميل ده، هو راجل كبير فى السن، وشغال محامى وهو اللى جابها مصر، وهو اللى شغلها هنا وزى ما يكون بيطالبها بدفع الفاتورة، كان طالب منها جواز وهى رفضت.
د. يحيى: هو متجوز؟
أ. أحمد عبد الغفور: هو متجوز وكبير وعنده حوالى 50 سنة مثلا وعنده ولاد كبار، وهو اللى ماسك الفلوس بتاعتها.
د. يحيى: يعنى إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى مثلا فيه بيت فى بلدهم بيبيعه، ومش عايز يديها الفلوس إلا لما هى تتجاوب معاه، وهى رافضة خالص، هى المشكلة معاها إن هى زانقانى، عايزانى أتدخل معاه، أقعد معاه وكده.
د. يحيى: تقعد معاه بصفة إيه؟ تعمل إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: زى أفهّمه إن اللى انت بتعمله ده تاعبها نفسيا، وإنها عايزاه يقف جنبها بشكل تانى، فأنا مش عارف حاسس إن ده مش حاينفع،….
د. يحيى: هى ليها علاقات تانية؟
أ. أحمد عبد الغفور:.. هى كانت فى فترة فى بلدهم كده كانت بتتعالج برضه نفسيا، بتقول إن كان حصل لها حاجة جامدة مع خطيبها، يعنى إن هى ما كانتش تعرف إن العلاقة كانت كاملة مع خطيبها، ولما عرفت بعدها، راحت داخلة فى اكتئاب فظيع جدا.
د.يحيى: هنا؟
أ. أحمد عبد الغفور: لا لا، دا فى بلدهم.
د. يحيى: إمتى؟
أ. أحمد عبد الغفور: الكلام ده مثلا من 6 سنين.
د. يحيى: هى فى علاقات تانية دلوقتى؟
أ. أحمد عبد الغفور: لا لا، مافيش.
د. يحيى: طب واحدة حلوة، زى ما بتقول، وعندها 29 سنة وقاعدة فى مصر غريبة، ومالهاش علاقات عاطفية ولا جنسية، إيه رأيك؟
أ. أحمد عبد الغفور: فيه علاقة عاطفية على “الشات” يعنى، مع واحد فى الدنمارك كده.
د. يحيى: دانماركى؟
أ. أحمد عبد الغفور: لأ، من بلدهم، عايش فى الدنمارك، بس هى ما تعرفهوش، على الشات بس يعنى، بقالها 3 سنين كده معاه، حاسة بونس وبيفرق معاها استمرار العلاقة، وبتحبه ومستنيين فرصة، هو برضه مسافر عشان ظروف بلدهم وكده بتقول لو حصل فرصة واتقابلوا، حايتجوزوا، يعنى.
د. يحيى: السؤال بقى؟
أ. أحمد عبد الغفور: هل أنا من حقى إنى اقابل الراجل ده فعلا؟ وإنى أنا أتدخل؟ وحايكون تدخلى لحد فين، مع بنت زى كده، وخصوصا إنى أنا متعاطف مع ظروفها جدا؟ حتى تعاطفى ده مخوفنى إنى أتدخل.
د. يحيى: طب والـطّرْح([26]) وصل لحد فين، هى بتحبك يعنى؟
أ. أحمد عبد الغفور: مش عارف.
د. يحيى: طب وانت بتحبها؟
أ. أحمد عبد الغفور: أنا مش عارف وصلت لحد فين، بس أنا متعاطف معاها جدا.
د. يحيى: أنا مش عارف كلمة “متعاطف” دى عندك تعنى إيه، يعنى إيه متعاطف؟ 4 شهور ومذيعة وحلوة ووحيدة وظريفة وذكية، ولا الأسهل تستعمل “الاسم الحركى”!! للعلاقة العلاجية دى: “يعنى الطرْح” وكلام من ده؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى كمان شاعـِرَة.
د. يحيى: وكمان شاعـِرَة؟!!، وبعدين لا إنت عارف إنك بتحبها ولاّ لأ، ولا إنها هى بتحبك ولا لأ، المهم، قلة المعرفة دى مش عيب، لكن تخلينا باستمرار “ستاند باى” لحد ما نعرف، ولا إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: حضرتك ما قلتليش أقابله ولا لأ؟!
د. يحيى: هو الطبيب أو المعالج النفسى لما يكون معالج بحق وحقيق هنا فى بلدنا، هو عليه حاجات كتير، لازم يعرف حاجات كتير، وبيتدخل فى أمور كتير، زى الحكيم بتاع زمان، أنا كتبت عقود بيع وشرا فى عيادتى، وقسمة ميراث، وطلاق، وجواز، أنا ما كنتش باقوم بالحاجات دى بمعنى أفرضها، أو هى دى العلاج، لأ، ده كان جزء واقعى من اللى كنا بنتفق عليه، كان بيتم فى عيادتى نتيجة للثقة اللى بتتبنى مع كل الأطراف، إحنا مش خواجات، كان ساعات يصل الأمر لحاجة زى مجالس الصلح العرفى بتاعة الفلاحين فى عيادتى، المجالس اللى بتفض نزاعات قضائية، أحسن من المحاكم ساعات، ده مش علاج فى ذاته، لكنه حضور مسئول ضمن العلاج من غير فرض رأى، باقولك إحنا مش خواجات، الطبيب هنا والد، وحكيم، عشان كده مش كفاية تحفظ شوية اصطلاحات وأسامى أمراض وأدوية، لازم تبقى عارف طبيعة العلاقات الاجتماعية والقانونية، والدينية فى الثقافة اللى انت بتشتغل معاها، المعلومات دى تحصل عليها من العيانين نفسهم بالإضافة إلى خبرتك الشخصية واطلاعك، بعد شوية تلاقيك حافظ قوانين، ومهارات، أنا أستاذى الدكتور عبد العزيز عسكر كلمنى عن سواقة القطر بتاع زمان اللى كان بيمشى بالفحم، ولما سألته عن مصدر التفاصيل دى، قال من عيان عندى سواق قطر، إنت لازم تكون عارف معلومات كافية عن العلاقة القانونية والمالية اللى بين العيانة بتاعتك وبين الراجل ده، قبل ما تقرر أو تفكر تعمل أى حاجة، هو ماسك حساباتها، ووكيلها زى ما بتقول، على فكرة عايز اسألك: هو معاه توكيل عام؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه مدياله توكيل، آه.
د. يحيى: طيب، الأول قبل ما تقابله خالص تبقى عارف إنت بتقابل مين، ومعاه أسلحة ضغط إيه، ويقدر يضغط إزاى، يعنى قبل ما تقول لى هو شخصيته إيه، ولا هوا طيب ولا خبيث ولا بتاع، الأول تعرف العلاقة اللى بالأرقام والأوراق والفلوس والكلام ده، وإلا مش حا تبقى حكيم، راجل زى ده ممكن يلعب بيك انت زى ما هوا عايز، ثم خلى بالك من تاريخ مريضتك، واحدة زى دى، شاعرة وحلوة، واتخطفت، واتأسرت، واتفكت، وسلّمت، ووكـّلت، واتغـرّبت، دى حكاية ياابنى ملانة قوى، مش مشكلة بنحلها بنصيحة بإننا نقول للراجل ده: والنبى تسيبها فى حالها لحسن حرام!!!
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: ثم خد عنك احتياجها فى الظروف دى، ومعنى كلامها مع الجدع اللى فى الدانمارك، والشات والكلام ده، واحدة زى دى عايزة وعايزة وعايزة، حاتتروى منين؟ زى ما انت شايف بتاخد شافطة من كل حتة، فتعطش أكتر، بما فى ذلك علاقتها بيك فى العلاج.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: تبدأ بنفسك، العلاقة العلاجية دى علاقة جيدة، والبنت تستاهل، ما تخافشى من مشاعرك، وأدى إحنا بنّاقشها هنا أول بأول، ولما هى تثق فيك أكتر، وأنت تعرف معلومات أوضح، ممكن مقابلتك للراجل ده تفيد، بس بشكل حازم وبسيط فى نفس الوقت، ويبقى الهدف النهائى إنها تستغنى عن حاجتها له، وعن الشعور الداخلى بتاع الاعتراف بالجميل عشان فك أسرها، الحكاية حاتحتاج قرارات وتضحيات فى الوقت المناسب، وبدال ما تبقى لوحدها، أديك جنبها.
أ. أحمد عبد الغفور: ما أنا قلت لحضرتك إنى خايف من نفسى.
د. يحيى: يا أخى خاف زى ما انت عايز، إنت بنى آدم، وبتشتغل فى النور، وشايف نفسك يا أخى، وأدى إحنا معاك، انت توزنها واحدة واحدة، أصلك انت لو استعجلت وخفت من الخوف، سواء من نفسك، أو منها، أو من الراجل ده، واتحرمت البنت دى من العلاج نتيجة لأى حاجة من دول، لازم تفكر هوه إيه البديل، مش ربنا حايسألنا برضه عن التخلى، زى ما حايسألنا عن المبادرة؟
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أبدأ بإيه؟
د. يحيى: بالمسائل القانونية والابتزاز ولوى الدراع، لازم تحسم العلاقة دى فى وقت مناسب، طول ما فيه حاجة قانونية وشبهة استعمال وضغط، حاتقابل الراجل ده ليه؟ تعمل معاه إيه؟ وتقول له إيه؟ تقوله زى ما قلنا: “والنبى تاخد بالك من مصالحها”؟
ثم إن المسألة لازم تيجى منها هى، لما تحس بالثقة من خلال العلاج، الثقة بنفسها وبالناس من خلالك، لما تتأكد من وقوفك جنبها، وإحنا وراك، المسألة تمشى بالتدريج: مثلا تحاول تلغى التوكيل العام من طرفها واللى يحصل يحصل، وده جايز قانونا، تحاول تتفاهم معاه فى الوقت المناسب، ممكن تقلب التوكيل العام إلى توكيل خاص لقضايا ومسائل معينة، توكيل للقضية الفلانية، توكيل للاجراء العلانى، الأمور دى لازم تتحسم واحدة واحدة.
أ. أحمد عبد الغفور: وهى دى شغلة المعالج؟
د. يحيى: عندك حق، لكن زى ما انت شايف، البنى آدمين بنى آدمين، وهو العلاج إيه غير المشاركة فى المسئولية لحد الحياة ما تمشى بمعاناة معقولة، على أرض واقع محدد لكل واحد بظروفه. كل اللى إحنا اتكلمنا فيه مش حا يخليها تخف بشكل مباشر، المسالة مش حل مشاكل، لإن اللى جرى جرى، وأصبحت البنت مش مستحملة، حتى لو زالت كل الأسباب، حاتفضل محتاجة علاج عشان تكمل دعم لها، ثم نضج وكلام من ده.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أبدأ منين دلوقت؟
د. يحيى: بصراحة ما تستعجلشى، الموضوع عايز معلومات واضحة أكتر لظروف التوكيل العام ده، ويمكن لحقيقة احتياجها للراجل ده بعيد عن حكاية لى الدراع والكلام ده، مش يمكن بتحبه؟ مش قصدى يعنى شغل مسلسلات، لكن إحنا دكاترة ومعالجين، لازم ما نكتفيش بظاهر الأمور، ولاّ إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: يجوز، ده ما خطرشى فى بالى إنها بتحبه.
د. يحيى: وليه لأ، ثم خلى بالك من بقية استقبالها للرسائل اللى بتوصل لها من المريدين، مش بـَسّ المشاهدين وهى مذيعة، لأ الرجالة اللى بيحوموا حواليها، مش هى حلوة وشاعرة وكسيبة وحاجات كتير كده، أنا ساعات أسأل الحلوات دول، بتعملى إيه فى اللى بيحبوكى، تقول لى أنا ما ما باحبش حد دلوقتى، أقول لها ياستى هوا أنا قولتلك بتحبى حد، أنا باقولك فى اللى بيحبوكى، بتطفشيهم إزاى؟ يجوز ترد، يجوز تفوق لموقفها، يجوز تطنش، يجوز ماتفهمشى، المهم إنت لازم تفحص “جهاز الاستقبال” بتاع الست دى، زى ما بتفحص ألاعيب “الإرسال” إليها، ولا إيه؟
أ. أحمد عبد الغفور: آه
د. يحيى: إنت مش متصور إن الست دى فيه طابور واقف واحد ورا التانى عمالين يعملوا حركات وهما بيتقربوا لها؟ هى بتعمل إيه فى ده؟
أ. أحمد عبد الغفور: هى طول الوقت خايفة.
د. يحيى: طبعا خايفة، دا من حقها، ما احنا عارفين، دى ظروفها تخوف بلد، لكن برضه هى خايفة وعايزة، ثم خلى بالك سنها 29 سنة، وخبرتها مع الخطوبة الأولانية من ست سنين زى ما انت عارف، ثم الواد بتاع الشات ده، بتاع الدانمارك كل ده لو نسيناه حانلاقى إن الزمن بيسرقنا وإحنا مش داريانين، وهات يا تأجيل، لحد مانعرفشى حايحصل إيه.
أ. أحمد عبد الغفور: طب هى دى مسئوليتنا؟
د. يحيى: إمال مسئولية مين؟ هوا ربنا حطنا فى سكة الناس دول ليه، عشان نفك العقد؟ ولا عشان نخدرهم؟ ولا عشان نشيل المسئولية معاهم؟ يا أخى إحنا فى مصر، والطبيب والد، الله!!
أ. أحمد عبد الغفور: مش ده تدخـّـل زيادة عن اللزوم؟
د. يحيى: يا ابنى هو مين اللى حط لنا حدود اللزوم؟ دى ثقافة ودى ثقافة، والمعايير بتاعتنا: بتاعة شغلتنا، وبتاعة الواقع، وبتاعة الشغل، هى اللى بنقيس بيها، مش بنستوردها، المسألة مش جدول ضرب “اللزوم” واللى “ما لوش لزوم”، بس المهم، زى ما انت بتعمل كده بالضبط، تبقى شغال مع نفسك ومعانا طول الوقت.
أ. أحمد عبد الغفور: شغال مع نفسى إزاى؟
د. يحيى: زى ما ابتديت كدا النهاردة بالظبط، وبالمناسبة لاحظت فى البداية إنى سألتك بتاخد كام؟! قلت لى 40 جنيه فى الساعة.
أ. أحمد عبد الغفور: أيوه، وما ربّطش قوى حضرتك قصدك إيه .
د. يحيى: يعنى يا أخى هى بتاخد 300 جنيه فى الحلقة وأكتر، وتلات حلقات فى الأسبوع، وإنت 40 جنيه، وساعة فى الأسبوع، إيه رأيك؟
أ. أحمد عبد الغفور: الله !!! هو إحنا حاناخد حسب دخل العيان، إفرض واحد جالى ملياردير آخد منه كام؟
د. يحيى: من بقك لباب السما، يا راجل، مش قصدى، ولكن دى مسائل لازم تتحسب برضه من خلال واقع الواقع، فى وقت من الأوقات حا تعرف إن الناس دول، مش قصدى البنت دى بالذات، ساعات بيقيموك، ويقيموا كلامك، باللى بيدفعوه، ولو بطريقة لا شعورية.
أ. أحمد عبد الغفور: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: ولا حاجة، بس تبقى عارف، هو الشات اللى بتعمله مع صاحبها ده بفلوس؟
أ. أحمد عبد الغفور: لأ طبعا
د. يحيى: ما انا عارف!! ما انتش خايف لحسن العلاج بتاعك ده، يكون عندها، ولو لاشعوريا، شات من نوع تانى؟
أ. أحمد عبد الغفور: يا خبر !! ..!!
د. يحيى: وإيه يعنى؟! ولا يهمك، المهم النتايج هيه اللى بتحدد فايدة الشات ده من الشات دكهه، وما تخافشى، بقية حسابك عند الله، باكلمك بجد.
أ. أحمد عبد الغفور: أنا مصدق، قصدى حا حاول أصدق.
****
التعقيب والحوار:
أ. منى أحمد:
أنا مستصعبة أوى موقف الدكتور؟
ما هو كده هايتحمل مسئولية زيادة لأنه حايدّخل فى العلاقة بشكل صعب، ومن رأيى إنه لو ادّخّل لازم يكون على وعى كامل بكل التفاصيل ويكون حذر عشان مايضيعش حقها ودى مسئولية صعبة وتقيله أوى.
الإضافة الجديدة بالنسبة ليا إن المعالج يتدخل بهذه الدرجة كنت متوقعة إنه يعالج بس.
د. يحيى:
ماذا نفعل يا منى؟ المسئولية مسئولية!! وكل هذا التدخل هو علاج حقيقى، وتدخله هو مساندة، هوّا لا بيصدر أحكام ولا عنده سلطة.
وربنا معانا.
د. هانى عبد المنعم:
مررت بتجربة “الشات” فى أحد مراحل عمرى، وفى كل علاقة كانت تدور بداخلى عواطف ورغبة على الاستمرار مع الطرف الآخر، وكأن شيئا ما يلزمنى بهذه العلاقة ولم أكن أعرف ما هو، إلى أن يظهر بديل أقوى، فأتركها ببساطة.
د. يحيى:
أنا ليس لى خبرة شخصية بهذه الممارسة، وإن كنت قد كتبتها بتوظيف هام فى روايتى “ملحمة الرحيل والعود” الجزء الثالث من ثلاثيتى “المشى على الصراط”([27]) طرح المسألة هنا هو تنبيه غير مباشر أن العلاج النفسى هو علاقة حية متضفّرة على كل المستويات، وليس مجرد “دردشة” أو علاقة كلامية، لا عن بُعْد ولا عن قرب.
أما خبرتك يا هانى فى ترك هذه الممارسة إلى إن يظهر بديل قوى، فهى خبرة طبيعية جيدة، لو كان البديل كافيا ومغنيا، وأرجو ونحن نتعلم العلاج النفسى أن ندرك كيف نكون –لمن يلزمه ذلك- بديلا قويا مهنيا مسئولا.
د. هانى عبد المنعم:
أقدر فى مهنتنا لقب “حكيم” ولكن أعتقد أنه لا يتناسب مع غالبيتنا لظنى أنه يستلزم تهيئة تربوبية وتنشئة منذ الطفولة.
د. يحيى:
ليس بالضرورة يا شيخ.
مهنتا – لمن أخلص لها ودفع ثمن الاستمرار فيها، وجاهد طول الوقت متدربا ومشاركا ومشرفا ومسئولا: – تفرز حكماء قادرين على حمل الأمانة.
وإلا فلماذا هذا الإشراف؟ ولماذا هذا الجهد؟
ولماذا هذا الحوار؟ ولماذا تساؤلك هكذا؟
أ. محمود سعد:
لم أتصور أنه يمكن لشخص أن يقوم بعمل جمايل كبيرة لشخص آخر ويطالب بعد ذلك بأن يستغل ذلك الشخص الثانى.
وهل هذا حقه؟
د. يحيى:
طبعا ليس هذا حقه بهذه الصورة التى وردت فى الحالة لو كانت هذه هى كل الحقيقة، لكننى لا أرفض من حيث المبدأ أن تكون الخدمة والمساعدة بمقابل، لكن ليس هذا المقابل، وليس هكذا.
ثم إنه لا ينبغى أن ننسى أن المريضة يمكن أن تكون مشاركة – ولو لاشعوريا– فى مثل هذه الصفقة، ووظيفة العلاج النفسى ليس فى أن يحول دون الاستغلال فحسب، ولكن أن يبصر المريضة بمسئوليتها فى المشاركة المحتملة! سابقا وحالا ومستقبلا.
أ. محمود سعد:
وصلنى إن مهنة المعالج النفسى شديدة الصعوبة لدرجة أنه من الممكن أن يتحمل تبعات ما يقوم به من عقود بيع أو قسمة ميراث، وطلاق، وجواز… وغيرها.
د. يحيى:
أعتقد أن هذا دور هام جدا فى بلدنا الطيب، وأثق أن من يمارس مهنته بجدية، سوف يجد أن دوره يمتد أكثر مما يتصور، على الأقل أكثر مما يقرأ فى كتب الخواجات، على شرط ألا يفرض رأيه، لأنه يعرف حدوده طول الوقت، وكذلك لابد أن يتحرك بحذر فى حدود ما يسمح به القانون، ولا يعتمد على العرف وحده أو حسن النية.
أ. محمود سعد:
عجبنى قوى يا دكتور يحيى وحضرتك بتلفت نظرنا لسكة مختلفة خالص للحكاية إنه مش يمكن تكون البنت دى تكون بتحب الراجل ده.
د. يحيى:
هذا الاحتمال يحتاج مزيد من التحقق، وهو مهم، دون لوم مباشر للبنت، مجرد تنبيه، فلا أحد يلام على توجه عواطفه، ولكن علينا أن نبصّره بالجوانب التى تخفى عليه.
==============
الحالة: (11) آلام ومضاعفات التعرف على الآخر
الحالة: (11) آلام ومضاعفات التعرف على الآخر
الحالة: (11)
آلام ومضاعفات التعرف على الآخر([28])
د.سعيد على: أنا عايز آخد رأى حضرتك فى عيان كنت اتكلمت عليه هنا قبل كده، هو مهنى ناجح، نسبيا، وكان متشخص فصامى وقعد متوقف شوية عن ممارسة العمل، ودخل المستشفى واتعمل شغل معاه واتحسن وخرج. الراجل مش من القاهرة، (بلد قريبة نسبيا فى وجه بحرى) ومتجوز ومخلف ولدين، كنت أنا طرحت مشكلته قبل كده، هوّا معايا بقاله سنتين ونص، وهو بعد فترة من جلسات العلاج، بدأ يعلن من خلال زوجته تقريبا، يعنى، إن هو عنده ميول جنسية مثلية، وكان بيطلب من زوجته إنها تعمل له حاجات، ومش عارف إيه، عشان يستثار، وكان السؤال هو: “ليه بعد فترة طويلة من الجواز بدأت المشكلة دى تنطرح وزى ما يكون كده اتفقنا إن دى الحتة اللى فاضلة”.
هو كان ماشى كويس قوى فى بقية الحاجات، علاقاته بقت أحسن، ويمكن هى دى الحته اللى كانت فاضله اللى كانوا مكتمّين عليها، وبدأت مراته تطرحها، ودلوقتى نعمل إيه فى الحكاية دى؟ حضرتك قلت لى المرة اللى فاتت اننا نحاول ما تدقش فى السكة دى قوى وطالما هو ماشى فى الشغل، وهى مش مزرجنة قوى وحاجات زى كده، يبقى نهدّى اللعب.
د. يحيى: يا عم سعيد خلى بالك إنه كان فصامى، وده مش شىء شوية، مادام بيروح شغله وبيجيلك وبياخد الأدوية، هوّا انت عايز تخش قوى كده ليه؟
د.سعيد على: حاسس إن الاعراض اللى كانت عنده، يعنى الضلالات مثلا زى ما تكون بتقرب مع ظهور الحاجات دى.
د. يحيى: حاجات إيه؟
د.سعيد على: اللى أنا قلت عليها؟
د. يحيى: حدّدْ لو سمحت؟
د.سعيد على: هوّه لسه ناجح وماشى الحال، الجلسات تباعدت لحد ما توقفت تقريبا لكنه جه من فتره كده، ورجع كلمنى فى التليفون وقال أنا محتاج آجى عشان حاسس إن فيه حزن بيزحف، وبيزيد.
د.يحيى: هو عنده كام سنة؟
د.سعيد على: عمره 43 سنة، لقيته بيلح إن هو عايز ييجى وكده فقعدنا 4مرات، وعدينا خوفه من النكسة بإن “وإيه يعنى”، “ما إحنا مع بعض”، وبطل تانى وبعدين من حوالى 4 أسابيع جه وقالى أنا عايز أقول حاجة وبتاع، قلت له إيه؟ قالى أنا اتغيرت مع مراتى، زى ما يكون حصل كده لأول مره فى ممارسته مع زوجته إنها بقت تقريبا كويسة، أو مختلفة والسلام، زى ما يكون كده وصلته حاجة جديدة، وبرضه زى ما يكون الحاجة دى بالنسبة لزوجته وصلتها، بس للأسف مع كده بدأت تظهر عنده ضلالات على زوجته، يعنى زى ما يكون حاجه كده دخلت جديدة، وقلبت الموازين.
د.يحيى: يعنى إيه؟
د.سعيد على: ساعات يشك إنها هى كده مخابرات، وبدأ يعمل عليها حكايات إن الأمور اتغيرت، عشان تعرف حاجات عنه، وبعدين بيرجع فى كلامه.
د.يحيى: طيب وشغله؟!
د.سعيد على: لسه ماشى ميه ميه..
د.يحيى: السؤال بقى؟
د.سعيد على: هل المفروض يعنى إن إحنا نكمل ونزود الجرعة ونشتغل فى الحته دى ولا برضه نتجنبها؟
د.يحيى: أنهى حته؟
د.سعيد على: حتة إن هو شايف إن دى حاجة مراته عملتها عشان تورطه مع مخابرات وحاجات زى كده، أنا مش شايف إن ده تطور جيد قوى، صحيح أنا شايف إن دى حاجة يعنى فيها نقله وفيها حركة، لكن مش عارف اشتغل معاه فى الحته دى، أصله بقى متحمس وخايف، إزاى يعنى بعد ده كله أفضل أخلى الحاجات دى حاجة ثانوية، وأشتغل فى حاجات تانية؟ هل أخلينى زى ما أنا بعيد وأخلى الموضوع ده ييجى بشكل عفوى منه، ولا أفتحه أنا وأنكش فى إن العلاقة إزاى اتغيرت، وإيه علاقة التغير ده بالنكسة اللى شعر بيها قبل ما تيجى؟
د.يحيى: شوف يا سعيد:
أولا: دى حالة تدل على تطورك انت كمعالج بشكل جيد.
ثانياً: الحالة تشخيصها صعب، فصام، مرض صعب، عايز إيه أكثر من كده، وبعدين هوّا مرّ بأزمة جامدة اضطرته يخش مستشفى، ومع ذلك إنت أخدت الحالة بشجاعة ونجحت تعمل علاقه طويلة، وبتقيس بمقاييس جيده جدا حتى لما قلت إنه أصبح متحفز مع إنه مش عارف ليه، إنت لاحظت إن ده احسن من الرَّخَامة والاستسلام، يعنى إنه بيتحرك، ودهْ دليل على إن مسارك كصنايعى ماشى، والنقطة الإيجابية برضه إنك اتعاملت مع التفاصيل بأولويات عملية، يعنى إنت احترمت الصعوبة، ومادقيتش قوى فى تاريخ أو مشاعر ميوله الخاصة، وخدت بالك من دور زوجته الإيجابى لاحظت ده بسرعة، ولاحظت إن يجوز إن ده كويس، وحاجات كده، إنما خلى بالك إن دى مش نهاية المطاف، ولازم نحترم خوفه وحزنه اللى ظهروا دلوقتى، الظاهر إنه أول ما اتحسن، وبقى يحاول يرتبط بآخر حقيقى (زوجته) ولو بدرجة نسبية، إتحركت مخاوفه، وده وارد فى الفصامى اللى بيلم نفسه صح بفضل علاج طويل كده، ومعالج صبور زيك، العيانين دول لو استمروا بيبقوا كويسين جدا، زى ما يكون المرض حطمّ العلاقات اللى مش هيا، وفى نفس الوقت إداله الشجاعة إنه يكشف عن نوع الجنس اللى هوّا حاسس بيه لكن مش موافق عليه، حاجة كده، والبركة فى صبر مراته وسماحها، وطولة بالك يا أخى، أظن كل ده هوّا اللى شجعه إنه يعيد النظر فى الحكاية، فقرب منها بشكل جديد، زى ما يكون راجع يكمل مراحل النمو اللى مرضه سحبه بعيد عنها قوى، شكله كده فى مأزق العلاقة الإنسانية الصعبة بالموضوع بالآخر، وده يفسر الحزن اللى جدّ عليه، والظاهر إنه بيتحسس طريقة عشان يعملها، بس إيه موقف الأدوية معاه لو سمحت؟!
د.سعيد على: هو بياخد جرعة متوسطة من النيورولبتات (مضادات الذهان)([29])
د.يحيى: طيب وشغله؟
د.سعيد على: لا لسه تمام زى ما هو.
د.يحيى: طيب يا أخى إنت عمال تبنى إنت وهوّه فى بنى آدم ثانى، خلى بالك مرة ثانية ده كان فصامى وعمال بيلملم نفسه، وإحنا دلوقتى فى منطقة إعادة تشغيل العلاقات من أول وجديد، وكإنه بيتعرف يعنى إيه “آخر” من أول وجديد، ويبقى طبيعى إن التركيز هنا فى المرحلة دى يبقى على منطقة العلاقات، ولو إنها عملية صعبة، إنما الدور ماشى.
د.سعيد على: طيب والضلالات اللى ظهرت ناحية مراته؟
د. يحيى: ما هو ده دليل على بداية علاقة جديدة يا أخى، ما تستعجلش، وفى نفس الوقت ما تفوّتلوش لحسنْ الحكاية تكبر، أظن مع ضبط جرعة الدواء، ومع الاستمرار فى العلاقة العلاجية الجيدة دى، لعبة الشك دى حاتهدى شوية شوية ثم ما تنساش أن تحريك الشك فى حد ذاته دليل على استعادة نشاط مراحل النمو والعلاقة بالآخر برضه..
د.سعيد على: بس هو بيقول إنه مع النقلة دى، ابتدا يحس بحزن وقبضة خصوصا الصبح، يعنى حضرتك تنصح ندى مضادات الاكتئاب مع النيورولبتات؟
د. يحيى: ليه بس! مستعجل على إيه؟ ما تخليه يعيش الحزن شوية، ده ظهور الحزن فى المرحلة دى يعتبر لوحده دليل على احتمال نقلة جديدة نحو علاقة حلوة وصعبة وجَدّ، إنت مش عارف إنه بعد ما الواحد ما يطلع من الحوصلة بتاعته، ويعرف إن فيه “آخر” فى الدنيا، لازم يبتدى يشك، مش ده الموقف اللى نسميه الموقف البارانوى،([30]) وبعد كده يلاقى إن الآخر ده هوه اللى بيعطى لوجوده معنى (يعنى هوّه مصدر الاعتراف ومصدر الحب) وفى نفس الوقت يكتشف إن العلاقة فيها صعوبة لكن ضرورية، مش ده ضمن إيجابيات “الموقف الاكتئابى” اللى بنقول عليه؟!
د.سعيد على: بس لحد إمتى هوّا حايستحمل الاكتئاب ده، مش يمكن يفركش تانى أو ينسحب؟
د. يحيى: عندك حق، ما هو هنا بقى اللعب بالدوا، مع العلاقة بيك، مع دور زوجته الطيبة، مع العمل، ماتنساش إنك بقالك معاه سنتين ونص، وإنه ماتعرضش لنكسه جامدة تدخله المستشفى تانى، وإنه لسه بيشتغل بنجاح يا أخى إنت عايز تنهب!!!
د.سعيد على: شكراً
د. يحيى: إنت اللى شكرا
****
التعقيب والحوار:
د. أسامة فيكتور:
هو ممكن أى حاجة تطلع فى أى وقت زى حكاية الجنسية المثلية بتاعة المريض ده؟! دا أنا كنت فاكر إن الحاجات دى طالما الواحد ماعداش بيها وهو صغير يبقى خلاص راحت لحالها، لذلك أنا خايف أعرف هو العيان ده وهو صغير مارس ممارسة جنسية مثلية ولا لأ؟ وما تنظيرك فى حالة الإجابة بلا؟
د. يحيى:
ليس لى تنظير أو تفسير خاص بهذه الحالة دون سواها.
أنت تعلم يا أسامة أنه كلما حصلنا على معلومات أكثر كانت هناك فرص أكثر فأكثر، لرؤى أصدق وأصدق، ولهذا نحن نحتاج أكبر قدر من المرونة، والملاحظة، والمراجعة طول الوقت، لتقـّبل الجديد وعمل المزيد.
المسألة ليست مسألة تنظير، هى ملاحظات ورصد نتائج واستمرار باستمرار.
رأيى أن هذا المريض سواء كان مرّ بمرحلة ممارسه جنسيه مثلية أثناء الطفولة أم لا، فإنها حالة تشير إلى أن ما يسمى جنسية مثلية هو تركيب غائر فينا بشكل أو بأخر، وهو بذلك لا يحتاج إلى ممارسة فعليه ليظهر، وفى الفصام بالذات هو قد يظهر كجزء من تاريخنا الحيوى – ليس بالضرورة كأفراد، والنمو الصحيح – تلقائيا أو بالعلاج- فى جميع الأحوال يمكن أن يستوعب كل ذلك.
أ. محمود سعد:
إقامة علاقة بالآخر، رغم أنها نفسها تعتبر لُبّ جميع الأساليب العلاجية، هل يمكن أن تكون من العوامل الباعثة والمثيرة للمرض.
د. يحيى:
ليست بالضرورة أنها مثيرة للمرض، ربما يجدر بنا أن نقول أنها محركة لما يسمى “الأعراض”، إن ظهور هذه الأعراض هنا، على مسار العلاج النفسى، إنما يعلن استعادة نشاط حركية ما، والعلاج يمكن أن يجعلها حركية النمو، بدلا من أن تتمادى إلى حركية التفسخ.
تصور يا محمود أنه مع احترامى لصعوبات عمل علاقة “حقيقية” أننى صرت أعتبر العلاقة السلبية الخطـّـية غير القادرة على إفراز معاناة، وحركة، وتـَـحـَـمـُّـل فاستمرار ونمو (قد تصل أحيانا إلى درجة المعاناة حتى المرض) ليست هى العلاقة الجديرة بالإنسان بعد ما وصل إليه من هذه الدرجة الفائقة من الوعى ثم الوعى بضرورة تفاعلنا الحيوى مع بعضنا البعض، العلاقة الجديرة بالإنسان هى علاقة حركية جدلية بين مستويات الوعى والإنسان يتألم من خلالها ألما دافعا خلاقا على مسيرة النمو.
أ. منى أحمد:
أنا شايفة إن المريض وصل لمرحلة جديدة، وأن متطلباته الجنسية الجديدة دى بداية ونقطة تحول ونحاول نعديها ونشوف حايوصل لإيه؟
د. يحيى:
أظن أنك تقصدين محاولة استيعابها لينمو من خلالها، أقول هذا خشية أن يفهم البعض كلمة “نعدّيها” بمعنى أن نتجاوزها، أو نزيحها، إن كان الاستيعاب هو ما تقصدين، فهو ذاك.
د. محمد على:
ما يدور فى ذهنى ويجول بخاطرى ويترك أسئلة وعلامات استفهام حائرة تدعنى بين الشك والخوف والحيرة هو ما يلى:
إذا كانت قد علمت ما يحدث داخلى من تطور شخصيتى من شيزيدية إلى بارانوية إلى اكتئابية وهكذا، فذلك العلم بما يحدث “يخوّفنى”؛ هل فى وقت من الأوقات يقف نموى ونضجى أثناء مسيرتى فى الحياة عند أى مرحلة؟ هل هذا ممكن وكم من الوقت سأتوقف؟ وإلى أين سأذهب وكيف سأخرج من المرحلة المتوقف عندها، أم إن هذا العلم بتطورى هو ما يعصمنى ويجعلنى “مخلّى بالى من نفسى” ومنتبه؟
هذا ما يدور بخاطرى فأرجو التوضيح.
د. يحيى:
يا خبر يا محمد!! أنا لم أقصد ذلك إطلاقا، هى ليست سنة أولى ثم سنة تانية ثم سنة تالته، هى معلومات هامة وأساسية نفهم بها الجارى على مسار التطور من جهة، وهى مانكرره على مسار النمو أيضا، للمريض، مثلما هو لنا، لكن ليس المفروض إذا تقبلنا نظرياتنا: أن نضع هذه المعرفة نصب أعينا لكى نسير على هديها بوعى واستبصار معقلن هكذا.
نحن نمر بكل هذه الأطوار دون أن ندرى تقريبا،
ثم نحن نعيدها –لانستعيدها- مع كل أزمة نمو، وتواصل النمو هو أمر طبيعى والتوقف أيضا أمر طبيعى على شرط أن يكون توقفا نوْبيا أو إيقاعيّا وهذا هو ما أضافته نظريتى “النظرية التطورية الإيقاعية”([31]) .
أما التوقف الدائم فهو جائز أيضا وهو ما ينتج عنه ما نسميه “اضطراب الشخصية”([32]) أو “فرط العادية”([33]).
وفى حالات العلاج المكثف الرائع للذهان بما فى ذلك الفصام
يرتبط النجاح بتفعيل دورة استعادة Necapitulation تحت مظلة العلاج والتأهيل فنعود نمر بالمراحل فى ظروف علاجية أفضل كما فى هذه الحالة بفضل هذا الزميل وهذه الزوجة وحكمة انتقاء العقاقير وفضل الله.
د. هانى عبد المنعم:
وصلنى استخدامنا لبعضنا البعض لتكوين نمو متوازن تتبادل فيه المواقف بشكل دورى غير منتظم أو تبادلى لصالح التطور الحيوى.
د. يحيى:
هذا طيب.
وهو يحتاج شرحا طويلا، لكن ليس هنا مكانه، المهم أن أذكرك بحركية النبض والاستعادة المستمرة لهذه الحركية وهو ما يعنيه الإيقاع الحيوى، فهو ليس فقط دوريا، يحدث كل شهور أو سنين، بل هو إيقاعى يحدث كل يوم وليلة، بل كل لحظة فلحظة، بفضل حركية التطور والنمو، بالقوانين التى وضعها للأحياء خالقها.
وهو الذى قد يحدث مع العلاج المكثف وظروف مهيأة أفضل
ولنا عودة.
د. هانى عبد المنعم:
أعتقد أن القدرة على الترجمة الفورية للأعراض على أساس حركية النمو لإعادة تنظيم الذات تحتاج إلى خبرة طويلة، وموهبة نادرة فكيف الوصول إليها؟
د. يحيى:
فعلا.
سوف تكتسبها حتما، لو أصررت، وواصلت، وتعلمت من المرضى، والزمن، والنقد، والإشراف باستمرار.
==============
الحالة: (12) إبعد عن المبدع، ولا تتخلاش عنه
الحالة: (12) إبعد عن المبدع، ولا تتخلاش عنه
الحالة: (12)
إبعد عن المبدع، ولا تِتْخَلاّشْ عنه ([34])
د. محمود نصر:([35])……..، هى روائية مبدعة، ولها وزنها، وكانت تعبت قوى، لدرجة احتاجت تدخـّل حاسم، ومستشفى، وكده، وخرجت كويسة جدا، وتابـْعِتْ معايا بانتظام، وكان بداية تعبها إنها كانت شغالة فى رواية، وجت لها كده أفكار خاطئة عن اضطهاد ومؤامرات من الناس، وحاجات من دى طول الوقت، كنت مديها سماح يعنى إن إحنا نتكلم فى احتمال إن الحاجات دى مش أكيدة على الأقل مش 100% ومافيش داعى نطول فى الكلام عليها، المهم ركزنا على الانتظام فى الشغل والانتاج، وبقت تروح شغلها بانتظام وهى شغالة فى نفس الوقت مترجمة، والحقيقة ملتزمة تماما، وكانت ماشيه كويس، وبصراحة كويس قوى، بس طول الوقت تيجى متأزمة، وبتعيط كتير، وتعبر عن خوف رهيب فى البيت، وحاجات زى كده، أنا بازود فى الدواء وأنقصّه على حسب الأعراض بتاعتها، ومابرضاش أزوّد فيه عشان أحافظ على حيويتها ونشاطها الذهنى والإبداعى بصراحة.
د. يحيى: طب وبعدين؟ ما هو كله ماشى تمام أهه، برافوا عليك إنت وهىّ.
د. محمود نصر: فجأة، المرة اللى فاتت يوم الحد، جت قالت لى أنا اكتشفت إكتشاف مهول.
د. يحيى: خير !!
د. محمود نصر: قلت لها إيه؟ قالت اكتشفت إن أنا مجنونة، فقلت لها إزاى؟ كانت قربت تخلص الرواية الجديدة بتاعتها، هى إدتنى أول فصلين علشان أراجعهم، كان فيه حاجات مش متربطة كده على خفيف بس يمكن العيب منى.
د. يحيى: ياه!! هى دى الست الجميلة اللى إدتنى روايتها هدية؟!
د. محمود نصر: أيوه، هى بتقدّر إبداع حضرتك جدا .
د. يحيى: هو العمل اللى ادتهولى ده كويس جداً، رواية أصيلة بجد.
د. محمود نصر: أنا خدته معايا خميس وجمعة، وبصراحة مالحقتش أقراه كويس.
د. يحيى: هو عمل عايز يتقرا بجد، يتقرا وانت قاعد أو حتى واقف، مش وانت متصلطح، إنت رأيك فيه إيه؟
د. محمود نصر: هى فعلا موهوبة، وتبان أصغر من سنها.
د. يحيى: ماشى كمل كمل، إنت شفت الإهداء اللى هى كتبتهولى؟! (ضحك)
د. محمود نصر: آه شفته آه
د. يحيى: واتغظت طبعا؟!(ضحك)
د. محمود نصر: آه طبعاً. (ضحك)
د. يحيى: برافوا عليك، إنت جميل شايف مشاعرك صح، كده فى السليم، كمّل بقى، جرى إيه بعد ما قالت إنها اكتشفت إنها مجنونة؟ وبعدين؟
د. محمود نصر: قالت لى أنا سحبت الرواية (الجديدة) اللى هى كانت جاهزة خلاص على أساس إنها تقدمها للناشر، قامت راحت سحبتها.
د. يحيى: يا خبر!! ليه؟ ليه عملتْ كده؟
د. محمود نصر: اللى حصل إنها لما كتبتها، وأنا كنت ماشى معاها فصل بفصل وباحط لها شوية ملاحظات وكده على الفصلين اللى اديتهم لى، هى استعجلت وراحت إدتها للناشر، كان كلمها استعجلها فقالت له أنا خلصت الرواية قال لها طب ماتجيبيها.
د. يحيى: وبعدين؟
د. محمود نصر: هى حطتها على CD وطبعتها وقعدت تقراها بعد التنسيق، فاكتشفت بقى إن القصة فيها تخاريف زيادة، وحاجات من الأفكار اللى بتقولها لى فى الجلسات، فاتخضت واكتشفت الاكتشاف اللى قالت عليه ده، وراحت سحبت الرواية وقالت للناشر أنا حا أجل نشر الرواية دلوقتى على أساس إنها حست إنها كده بتظلم نفسها وبتظلم قراءها، على أساس إنها بتخّرف فى الرواية، أنا مافهمتش قوى عشان هى قالت لى أنا حاسيب الرواية خالص دلوقتى، وحاركز فى شغلى، أنا بصراحة حسيت من جوايا إنى فرحت شوية.
د. يحيى: ليه بس يا محمود يابنى؟! فرحت على إيه يا شيخ!
د. محمود نصر: أنا حاقول لحضرتك ليه، لأن أنا حسيت إن الرواية دى يعنى فيها حاجات كتير أوى راجعه للأفكار المرضية بتاعتها يعنى بشكل غير مترابط، حتى فى الكتابات بتاعتها اللى أنا شفتها ومعلم لها عليها، يعنى بس فى نفس الوقت مخضوض من إن هى حاتعمل إيه إذا كانت كتابة الرواية نفسها كانت بتديلها دفعة ولمّة، يعنى بتحتويها شوية، زى مايكون يادكتور يحيى بتخش فى حالات فركشة وتطلع منها برواية، فركشة وتلم، بس زى ما تكون المرة دى الفركشة مالمتش على شكل أحسن، فضلت شوية أفكار مرضية، يعنى لسه بتقولى رغم إنى اكتشفت إن أنا مجنونة لكن لسه الاعتقادات اياها عندها زى ما هى تقريبا، يعنى البصيرة مانفعتهاش قوى.
د. يحيى: وإنت ولاّ هى اللى بتفرق بين الأفكار المجنونة واللى مش مجنونة؟ وازاى؟ المهم: السؤال بتاع النهاردة إيه بقى؟!
د. محمود نصر: السؤال مش عارف أعمل إيه!
د. يحيى: إنت عملت عمل من أغرب ما يمكن، مش عايز أقول لك كلام جامد، بس أنا متغاظ، وماسك نفسى، هى واحدة مبدعة مبدعة، وروايتها اللى شفتها، ولما قابلتها وكلمتها، عرفت إنها أصيلة فعلا، تقوم إنت، وإنت دكتور معالج، تراجع عمل أصيل أثناء كتابته؟ وتبدى ملاحظاتك؟ ولا انت ناقد ولا حاجة، وحتى لو كنت ناقد يا شيخ، الناقد مالوش دور أثناء الكتابة، إنت قارئ جيد صحيح ولكن فيه عامل مهم فى الموضوع، زى ما يكون إنت خلطت أدوار المعالج، مع الصديق، مع القارىء مع الناقد، ماينفعش إنك انت أثناء العلاج تخرج من الموقف العلاجى، مع إنى باسميه دلوقتِ “نقد” النص البشرى، لكن لأ، ده ما يسمحلكشى تخرج منه إلى موقف تانى بالسهولة دى، المبدع، مريض أو مش مريض، وهو بيشتغل فى العمل، إذا كان إبداع حقيقى يعنى مش فتة، ماينفعش أى آخر يقعد يراجع وراه أول بأول، حتى هو نفسه لما بيراجع بيبقى بيبدع من جديد مش بيبقى وصى على نفسه، مايصحش نلعب فيه بالشكل ده، أنا لما قدمت رواية السراب بتاعة نجيب محفوظ فى ندوة ثقافية بعد خمسة وخمسين سنة من قرايتها أول مرة، لقيت فيها مناطق لغوية تحتاج لوقفة حادة ومراجعة حاسمة، وتأكدت إن هو لما قال لنا إنه ماقراش أى عمل له بعد طباعته، إنه كان صادق وبيعلمنا حاجة، وأنا لما جيت أراجع دلوقتى الرواية بتاعتى عشان الطبعة الثانية طبعاً لقيت فيها حاجات عايزة تصليح، ماقدرتش أقرب لها، الجزء الأول، الواقعة، ماغيرتش فيه حاجه، غير غلطة مطبعية، كلمة ناقصة، وخلاص. إنما الجزء التانى بتاع مدرسة العراة، مع إنه مكتوب بطريقة تشكيلية مكثفة لقيت نفسى فى حيرة شديدة جداً، أنا نفس المؤلف، وأنا اللى بقراه وباعمل مراجعة، بعد سنوات، ومن حقى أغير، ودى طبعة تانية، لقيت ماينفعش ألعب فيه إلا خفيف خفيف، دا مش عمل علمى، ولاّ كتاب مدرسى، تقوم تصدر منه طبعة “مزيدة ومنقحة“، لأ، دى رواية كلها حوارات، وأحداث تلقائية.
ماينفعشى يا محمود يا بنى إنك تراجع رواية لواحدة بهذه الأصالة، والعمق، واحدة بتخاطر بمغامرات الكشف حتى المرض، تقوم تيجى انت تراجع لها روايتها أثناء كتابتها، وكمان تقول ملاحظاتك وتربط بينها وبين أعراضها، لا.. لا.. لا..، وكمان تفرح إنها سحبتها من الناشر!!! يا شيخ حرام عليك، إنت طبعا عملتها بحسن نية، وباجتهاد رائع، لكن ده مش حلو، لا لك ولا لها ولا للعلاج.
د. محمود نصر: ما أنا باسأل عشان كده، حسيت إن فيه حاجة لازم أتكلم فيها.
د. يحيى: هى إدّتها لك من خلال ثقتها فيك طبعأ وده كويس، لكنها إداتها لك أثناء اهتزازها المرحلى، وهى الظاهر خلطت هى كمان بين اهتزازها كمريضة وبين اهتزازها الرائع كمبدعة، هى عارفة –فى الغالب– إن اللى عملته معاك فى حكاية الرواية دى، مش حلو إبداعيا، أنا باتكلم من خبرتى الخاصة وأنا باكتب، إسمح لى أقول لك مأزق شخصى يمكن ينفعنا:
أنا اكتشفت إن فيه حاجة معطلانى شويتين فى انطلاقتى فى الكتابة الإبداعية، ما هو علشان تبقى مبدع بحق وحقيق، لازم يبقى فيه حته ضلمه فى وجودك، وضلمه أوى وما تعرفش انت هيه أنهى حته، من الحدوتة بتاعتك اللى بتتشكل منك وانت بتبدع، تلاقى نفسك تخش فى الحتة الضلمة دى وتطلع من غير ما تعرف تحددها: إمتى دخلت، وإزاى خرجت، لكن تبص تلاقى نفسك مش شايف إلا الناتج بتاع العملية كلها، ولو مافيش حتت ضلمه، يمكن ماتقدرش تبدع إطلاقا، وبرضه لو الحته الضلمة دى متسنكره بالضبة والمفتاح، ما تقدرش تبدع برضه.
الحكاية دى عملت لى مشكلة بجد، يعنى إزاى أبدع وأنا متصور إنى ممكن أكون شايف كل حاجة، أو بيتهيأ لى كده، بأمارة إيه يعنى!! ما ينفعش، إنما لما تكون حته ضلمه وحركية الإبداع بما فيها من زخم شديد شغالة، وتلاقى نفسك لازم تعدى البرزج الضلمه ده، وانت بتعدى البرزخ، ومانتش عارف إنك بتعديه، ساعات يتنور منك غصب عنك، فتكمل، وتبص تلاقى نفسك الناحية التانية، وتلاقيك طالع منه وف إيدك اللى فيه القسمة، المتصوفه غالبا ما يقدروش يكتبوا قصص، مايقدروش يكتبوا إلا قصة خبرتهم، وأظن أغلب الصادقين ما بيكتبوش حاجة، حتى مولانا النفرى قالوا إنهم كتبوا عنه مش هوه اللى كتب، أصل مش ممكن الرؤية اللى بتنور كل المسرح بنور باهر قوى تسمح بإنك توصف أى حاجة بأى شكل، عينيك تعشى، بعض المتصوفة الحلوين، يمكن يكتب حكمة هنا، كلمتين هناك، يشاور على موقف، وانت وبختك، يا يوصل لك يا ما يوصلش، حاجة كده زى اللى عملها مولانا النفرى، إنما إن المتصوف يكتب قصة أو رواية فيها فلانة جت، وفلان راح، وقالى وقلت له، لا لا ما أظنش يقدر منْ أصله.
د. محمود نصر: يعنى إيه؟
د. يحيى: اللى عايز أقولهولك إن الإبداع، وحتى النقد وهو برضه إبداع، ما بيحاسبشى النص بالحسابات العادية، وإن البنى آدم، مريض أو سليم، ما فيش فرق، هو سر غامض على نفسه، وعلينا، وإحنا بنشتغل فى اللى نقدر عليه، إحنا بنـْحـَاول نخلى كل واحد يواصل المشى، يكمل، يعيش، صحيح أزمات المرض بتدى فرصة للمراجعة، لكن لا هيه ولا العلاج بيسمحوا بمعرفة كل حاجة كده عالمفتشر، الواحد ياخد بإيد العيان بعد ما وقع، يقوّمه، ويـِمـْشـِى جنبه، واحدة واحدة، ونخللى اللى جوّا جوّا إلا لو فرض نفسه علينا، وعطل اللى إحنا بنعمله، دى حاجة تانية، أما إننا نقعد نفحـّر، ونفسـّر، حتى فى شغل المبدعين، أو ننتهزها فرصة وهات يا تفتيش، وفتاوى وتفسير، لحد ما يتهيأ لنا إن الدنيا نورت، وفى الحقيقة نكون أنكرنا أو قفلنا على الزوايا الضلمة الرائعة اللى بتطلع لنا الحاجات الحلوة دى كلها، فاسمح لى، سيبك من الحداقة بتاعة التحليل النفسى والاجترار الكلامى والفتاوى العلمية الجاهزة يا شيخ، وخلى الناس تعيا وتخف، تقع وتقوم، وتضيف اللى تقدر عليه ما دام رجعت تاخد وتدى.
د. محمود نصر: وأنا إيش عرفنى؟ دلوقتى أعمل أنا إيه معاها؟
د. يحيى: شوف أما أقول لك: إنها تكتشف إنها مجنونة من خلال روايتها ماشى، إنما إنها تسحب الرواية من الناشر وترجع تعدلها بموافقتك عشان الاكتشاف ده، مش ماشى ولا نص مللى!!!!! على فكرة، دا أحياناً تبقى المسوده أرقى بكتير جداً من التعديل، بقولك ساعات، مش دايما، المسودة بيبقى التخطيط فيها سريع وتلقائى، إنما التعديل يبقى ابتدينا نولع النور، ونمسك العدسة المكبرة، والأستيكة، وربنا يستر بقى.
د. محمود نصر: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: أنا مش عارف، أنا خايف على العمل، وخايف عليها، كتر خيرك، إنت عملت معاها حاجات كتيرة كويسة، هى ما دام بتثق فيك يبقى تقدر توصـّل لها، ولنفسك، حاجات كتير، الثقة فيك كطبيب ما يصحش تبقى هى هى الثقة فيك كناقد، أو حتى قارئ فاهم، فض الاشتباك بين الأدوار اللى دخلتْ فى بعضها ده مهم جدا، وما دام هى تعرفنى بالصفات دى مع بعض، وإحنا متفقين كل أربع مرات أو حسب ما تشوفوا إنكم تقابلونى وأشوف المريض معاكم كل ما يلزم، فأنا رأيى إنك تيجى إنت وهى، وأشد ودانها وودانك قدامها، وأحاول أبين لكم إن اللعب فى الإبداع بالشكل ده يعتبر وصاية ممكن تكون له نتائج زفت، مش معنى كده إنى أهز صورتك قدامها، إنما أقول اللى أنا قلته دلوقتى بشكل تانى، إمال إشراف يعنى إيه، إنت عملت اللى عليك، وهى بنت حلال.
د. محمود نصر: هى كانت متراخية خالص فى تخليص الرواية حتى كان عندها الأفكار إياها وهى بتكتبها على الكمبيوتر ومع ذلك كتبتها.
د. يحيى (مقاطعا) ما أنا بقول لك أهه، أحسن حاجة تعملها هى إنها تحط اللى عملته بين قوسين من غير ماتقرب له دلوقتى، وتروح راكنه كل الحدوته دى شوية، وانت تبطل كلام فى الرواية ولا تاخد منها ولا فصل واحد بعد كده، وتلزم دورك كمعالج.
د. محمود نصر: الحقيقه يادكتور يحيى أنا كان هدفى إنى أنا أديها ثقة فى الشغل يعنى.
د. يحيى: كتر خيرك، لكن برضه، يعنى حكاية إنك تزقها عشان تخلص الرواية شىء وإنها تاخد رأيك أول باول فى اللى بتكتبه دلوقتى شىء تانى، ممكن إنك مثلا تقرا رواية هى كتبتها من زمان وتقول رأيك، إذا طلبته، إنما إنها تاخد رأيك فى اللى بتكتبه دلوقتى، أثناء إعدادها وقبل تقديمها للناس فيفتح الله، خلى بالك هى مش مبتدئة ناقصة تشجيع، هى خلاص أثبتت نفسها فعلا، وهى مبدعة فعلا، مش معنى كده إن أى حد مبدع مهما بلغ مش محتاج تشجيع ورؤية وحتى تصحيح، لكن يمكن التصحيح ييجى فى الرواية اللى بعدها، بعد ما يوصله نقد جيد من الشغل اللى فات، لكن كده، لأ، ما فيش نقد أثناء الكتابة.
د. محمود نصر: دا مش بس أثناء الكتابة، دى بعد ما خلصتها تراجعت على أساس إنى أنا أبدى ملاحظاتى قبل التشطيب النهائى.
د. يحيى: يا بو حنفى دى مخاطرة حقيقية، أنا مش باقلل من قيمة ملاحظاتك على اللى كتبته، إنما اللى انت بتعمله ده حتى لو بناء على طلبها، دا ضد الإبداع وضد العلاج وضدها، و حتى ضدك انت كمان. والنبى ربنا يخليك تاخد بالك من خلط الأدوار تستشير مرة واتنين وتلاتة، أنا باحب البنيَة دى، وباحب شغلها، وفى نفس الوقت إحنا دكاترة، وصحتها وسلامتها وإبداعها كمان لازم يكونوا دايما همّا الأهم فى مسئوليتنا.
د. محمود نصر: طيب إذا كان كده أجيبها لحضرتك بقى يوم الأربع اللى جى.
د. يحيى: ما تستعجلش عشان ثقتها فيك، أنا باتكلم فى الموضوع ده حفاظاً على الرواية وحفاظاً على العلاقة معاك، بلاش تجيبها، دلوقتى لو سمحت، أنا مش عايز ألعب فى العلاقة العلاجية الإيجابية دى، أنا لما بيجيلى ناس مبدعين، هم مش كتير، تشكيليين، روائيين، مخرجين، شعرا، كلام من ده، مابعالجهمش، لحد ما واحده كتبت رواية عن حياتها تقريبا، أشبه بسيرة ذاتية، ووصفت موقفى ده فيها، هى جوزها فنان رائع، وكتبت إنى رفضت أعالجه بادعاء إنى خايف على فنه، هى ما ذكرتنيش بالاسم، لكن وصفت الموقف فى الرواية، وأنا استغربت إنها فاكرة الحوار بينى وبينها تقريبا بالحرف الواحد، مع إن الحكاية بقالها سنين، الوصف اللى وصفتنى بيه فى الموقف ده كان بالغ الدقة والدلالة، هى قالت عنى “هّو رجل يعرف كيف يتخلى”. إنت بتتخلى عشانه، عشان المبدع مش بتتخلى عنه، أنا عرفت من خبرتى إن حُسْن التخلّى نفسه مسئولية أكبر من شهامة التصدى، وأصعب، صحيح أنا فاكر إنى تخليت عن المبدع ده، رفضت أفتح له باب العلاج النفسى بالكلام والتقليب، مش معنى كده إن المبدعين مش مفروض يعيوا، وإذا عيوا ما يتعالجوش، لأ طبعا، لو واحد مبدع بيمر فى أزمة شديدة معطلة لازم يبقى فيه تدخل علمى مسئول، زى بنتنا دى، بس يكون دورنا دور علاجى داعم بالأصول، ساعات باحس فى الأحوال دى إن إحنا لازم نفضل حاضرِين كده من بعيد لبعيد، أو حاجة كده زى ما تقول “تحت الطلب”، لو الأمور احتاجت قوى.
د. محمود نصر: متشكر.
د. يحيى: ربنا يخليك.
****
التعقيب والحوار:
د. محمود حجازى:
أعتقد يا دكتور يحيى إن موقفك كأديب وناقد يطغى على موقفك كطبيب فى هذه الحالة، هذه المريضة رغم أنها مبدعة أصيلة لكن زادت حدة هذه الأعراض إلى الدرجة التى أوقفت حياتها واضطرتها لدخول المستشفى، كما أن كثيراً من المحتوى للرواية هو عبارة عن ضلالات كما أكدت هى والمعالج، فأخشى إن خوفنا على إبداعها يحرمها من حقها كمريضة، أى من حقها فى الاحتياج للمساعدة، أى فى العلاج.
هى حسبة صعبة! لكن ماذا نفعل؟
د. يحيى:
من قال لك يا محمود إن كثيرا من محتوى الرواية هو عبارة عن ضلالات؟ حتى لو أكدت هى أنها ضلالات؟ هل مجرد قولها بذلك وتسَميتها من جانبها تصبح ضلالات يا أخى؟ وأين الحدّ الفاصل بين الضلال والحقيقة وإسأل بيراندللو فى “لكلِّ حقيقته” أو “هنرى الثامن”، ومن قال لك أننى (أو أننا) نحرص على إبداعها أكثر مما نحرص على صحتها؟ تريد أن تنبهنا يا محمود إن ثَمَّ تعارضا بين حقها كمريضة وحقها كمبدعة، كيف ذلك؟ الإبداع هو قمة الصحة الإنسانية، ومع ذلك فإن المغامرة بالحفاظ عليه لابد إن تصحبها المغامرة بتحمل مسئولية المرور بالجنون غير المعلن أثناء إنتاجه، وذلك فى محاولة أن تحتوى تشكيلاتُ الإبداع عشوائيةَ الجنون، إن من يحرم أغلب الناس أن يكونوا مبدعين هو خوفهم من خوض هذه المغامرة الرائعة التى لايضمن أحد كيف تنتهى.
إن أية تجربة محسومة النهاية قبل إن تبدأ لا ينتج عنها إبداع أصيل.
(تعقيب عام: جملة اعتراضية).
ما وصلنى من الأصدقاء عن هذه الحالة أزعجنى وأدهشنى، سواء ما وصلنى فى بريد الموقع، أو على “ميلى” الخاص، لم تكن دهشتى لأنه يختلف عن رأيى وموقفى، ولكن لأننى تبينت كم هو حجم الخلط الذى يعيشه أغلب الناس حين يتناولون ظواهر تتشابه فى البداية، وتنتهى إلى عكس بعضها البعض.
لا أحد يبدع بحق، حتى فى الجنس، أو فى التطور الحيوى عبر التاريخ، إلا إذا غامر بالموت أو بالجنون دون شروط مسبقة، فقط، علينا – وعليه معنا – إن نهيئ الظروف التى ترجح – ولا تحسم– نهايةً إيجابية مسبقة بشكلٍ ما.
أ. علاء عبد الهادى:
أنا مش فاهم، أنا كنت حاسس إن أى عمل روائى أو غيره لازم يتراجع، طب إذا كان فيه كلام غير مترابط وأفكار مرضية فى محتوى الرواية، طيب إيه اللى هيوْصل للقراء؟ ورغم إنى مقتنع بكلام حضرتك بس التصرف اللى عمله الدكتور المعالج ناس كتير عموما، ومن المعالجين، بتعمله.
د. يحيى:
ليس معنى إن “ناس كتير بتعمله” أنه صحيح، ثم إننى لم أخطِّئ الزميل المعالج على طول الخط، بالعكس أنا شكرته يا أخى وقدرتُ جهده بقدر ما قدرّت سؤاله، هذا هو الإشراف، أليس كذلك؟ أما حكاية مراجعة الإبداع أثناء إفرازه فهذه مسألة فيها مخاطرة تشويه المسار الغامض الرائع للإبداع، وهى (المراجعة) نادرا ما تكون مفيدة.
أنا لست ضد المراجعة بشكل مبدئى مطلق، النشرات اليومية التى أكتبها فى موقعى أعطيها أحيانا لصديق لمراجعتها مع أننى أعتبر بعضها إبداعا، فلماذا أفعل ذلك أنا شخصيا، حين أقول إن المراجعة واردة، أنبه أنها ينبغى ألا تكون مراجعة للأفكار لنحكم إن هذا مترابط وذاك ليس مترابط، أو إن هذا فكر سليم وذاك فكر خاطئ، أو إن هذا كلام معقول وذاك كلام غير معقول، لا.. لا.. لا..، المراجعة واردة والمشورة جائزة، فى ظروف نادرة ومحددة تماما، ولا يأتى ذلك عادة من قارئ عادى ولا من طبيب معالج، خاصة لأن الطبيب قد يقوم بدور الأب الوصى بشكل ما، دون إن يدرى، وقد يكون فى ذلك ما يخنق الإبداع.
ثم كيف نميز الكلام غير المترابط والأفكار المرضية من الكلام المترابط والأفكار السليمة من تداعيات الإبداع وجمالياته؟ هل قرأت مؤخرا حلمَىْ محفوظ 81، 82،([36]) ثم هل قرأت تقاسيمى عليهما؟ وهل تستطيع أن تجزم بأن هذا ترابط إبداعى أم غير ذلك، (خصوصا لو شطبنا اسمَىْ الكاتبين)؟ وهل لو جاء مريض أو مَنْ كان مريضا مثل الابن رامى عادل([37]) وقال مثل هذا الكلام: كيف ستحكم على مدى ترابطه أو سلامة أفكاره؟
يا علاء يا إبنى المسألة شديدة الصعوبة.
أ. رامى عادل:
من رأيى إن المجنون/المسخ حين يرى مدى بشاعته هو شخصيا..يصاب فى الصميم, يقتل. لا يكفى إن يتوقف أو يفر. الجميل إن تكتمل مسيرته فيأخذ – الشروة – بغثها وسمينها. مع السلامة.
د. يحيى:
هل رأيتِ يا علاء كيف أدرك الإبن “رامى” من خبرته وحدسه وإبداعه أنها شروة على بعضها، “مغامرة الجنون ووعد الإبداع”، التوقف أو الفرار يجهض العملية فتصبح مسخا مثل السَّقْط (الإجهاض) فى الشهر الثالث، أما الجميل – على رأى رامى – فهو أن تكتمل المسيرة فيأخذ صاحبها الشروة، هى ليست شروة، فاسمح لى يا رامى أن نقول: أن تكتمل شهور الحَمْل، بدلا من، أو بالإضافة إلىّ قولك “أن تكتمل مسيرته” حتى لا يكون ناتج المحاولة سقْطاً (مسخا مجهضا = جنونا)، بل طفلا (إبداعاً) كامل النمو.
د. مدحت منصور:
…..
….. وجدت فى موقعكم الكريم متنفسا للتعبير عما يجيش به صدرى ووجدت فى صدركم رحابة وعناية مما شجعنى على الاستمرار. والآن أسأل
أولا: عن الفرق بين الإبداع الصادق وتوهم الإبداع؟
ثانيا: متى يجب إن يتوقف الشخص مريضا كان أو صحيحا عن المحاولة؟
د. يحيى:
عن السؤال الأول: أرجو إن ترجع إلى أطروحتى، بالذات عن جدلية الجنون والإبداع، وفيها تمييز مرهق عن “الإبداع الزائف” و”الإبداع الفائق” وغيرهما.
أما السؤال الثانى: “متى يجب إن يتوقف الشخص مريضا كان أو صحيحا عن المحاولة”؟ فجوابه فيه مخاطرة، لأننى شخصيا أوصى بعدم التوقف أبداً، اللهم إلا إذا تكرر الإجهاض (أى لم تكتمل رحلة الإبداع، وحل محله جنون صريح المرة تلو الأخرى).
وأخيرا دعنى باستمرار أعترف لك إن أحداً لا يمكن التنبؤ بشكل كامل بمثل ذلك أى بطبيعة المآل (طبعا ولا أنا)!.
د. محمد أحمد الرخاوى:
فعلا المبدع هو الذى لا يعرف ماذا سيبدع إلا بعد إن يبدعه!!!!!
والأغرب أنه فى كثير من الأحيان يخرج أى إبداع من رحم المجهول التام فى رحلة سير مجهول قد يكشف أو لا يكشف!!!!
وبعد إن يكشف يكتشف أى مبدع حقيقى إن الإبداع هو أبدا ما لم يكشف حتى يكشف وهكذا ابدا!!!!
د. يحيى:
طيب يا أخى، يا ابن أخى، قلها لنفسك (“ما تْقًولْ لنفسك”)، ولا تتعجل الاستشهاد، وتستسهل الخطابة.
لماذا تشوه محاولاتك بخوفك من نفسك، فتسارع بالوصاية على ما تفعل، أو تمسخه بما تلحقه به؟ وفى كلّ خيرْ، ولكن….
… مع ذلك يا إبنى، فالإبداع هو أرقى أنواع الإرادة وأشملها، لكنها إرادة الإبداع بالوعى المتضّفر، وليست إرادة إتخاذ قرار الإبداع، ثم إنه لا يوجد شىء اسمه “المجهول التام”، هو فقط حضورٌ بعيد عن التناول المسطح الجاهز، صحيح إن سـَبـْر غور المجهول قد يكشِف أو لا يكشِف: وأن الإبداع هو أبدا ما لم يكشفِ حتى يكشِف، لكن دعنى أذكّرك يا محمد بدور المتلقى، وهو يكشف ما لم ينكشف حتى للمبدع، فهو الناقد الأول وليس الأخير.
د. أميمة رفعت:
أنا أيضا فزعت عند قراءة هذه الجملة: “وأنا كنت ماشى معاها فصل بفصل وباحطلها شوية ملاحظات وكده على الفصلين اللى اديتهم لى، هى استعجلت وراحت إدتها للناشر“.
أوافقك الرأى تماما أنه لابد من الفصل بين العلاج النفسى والنقد الأدبى. وردا على الضيف الفاضل الذى ظن أن ما كتبته هذه الكاتبة كله ضلالات، أسوق له بعض الأمثلة البسيطة:
الشاعر الفرنسى “جيرار دى نرفال” فى القرن التاسع عشر (وهو القرن الذهبى للأدب فى أوروبا) كان ذهانيا، وقضى فترة طويلة من حياته مترددا على المصحات النفسية وكان من عباراته الشهيرة إن “الحلم ما هو إلا حياة أخرى كاملة” “وعالم الأرواح ينفتح على مصراعيه من أجلنا” كان يكفيه فى قصائده أن تقابله كلمات بعينها فتتغير الصورة بأكملها فى ذهنه أثناء الكتابة لتنقل القارىء فجأة من بلد لآخر ومن زمن لآخر، بل ومن عالم الواقع إلى عالم الأرواح والآلهة القديمة وشياطين الأرض وما تحتها. لم يكن من الضرورى إن يفهم القارىء كل ما كان يكتبه. فشعره، برغم غرابته، كان له وقع سحرى فى النفس، حتى إن النقاد أجمعوا إن قصائده تفقد من سحرها إذا فسرت. وبذلك يكون “نرفال” قد سبق عصره فى الرمزية والسيريالية (اللامعقول) قبل إن تبدأ فعلا هذه التيارات الثقافية..فقط بذاتيته وتلقائيته وإبداعه الخاص جدا.
لم يصحح له أحد شعره، ولم يحكم أحد على أعماله من واقع حالته المرضية.
“رينيه شار” شاعر فرنسى آخر من العصر الحديث (القرن العشرين)، كان يكتب قصائدا سياسية بأسلوب سيريالى. كنت أدرس إحدى دواوينه وأجد صعوبة شديدة فى التعامل معها، فجمله و أفكاره غير مترابطة، بل أنه على مستوى اللفظ والكلمة كان يختار أحيانا كلمات لا وجود لها فى اللغة أو يستخدمها نحويا بطريقة غريبة غير معتادة… لم يصف النقاد شعره بأنها (رطانة بلا ترابط)([38] ولم يصف أحد كلماته بأنها (جَدْلَغَةْ) ([39]) بل نهوا القارىء عن فهمها بطريقتهم فهى تعنى له هو الكثير…لم يكن ” شار” ذهانيا.. بل كان مناضلا سياسيا شديد البأس…
مثال أخير هو أحلام نجيب محفوظ،، عالم الأحلام والفانتزيا هو أساس الرمزية واللامعقول. وتخفى هذه الرموز وراءها عوالم أخرى، بعضها عند الكاتب والأخرى عند القارىء، قد يستطيع هذا الأخير التعرف على صداها وقد لا يستطيع، هذا لا ينفى وجودها أصلا…فهل نمسك القلم الأحمر ونصححها حتى نتعرف على شىء ما..أى شىء.. حتى لو كان عالما مزيفا خلقناه نحن بجرة قلم؟
أعتقد إن ما يمثل عائقا أمام العلاج النفسى أو النقد الفنى هو بالأساس الأحكام المسبقة.
أشكرك يا د. يحيى على توضيحك “العلاقة بين الجنون والإبداع” وأرجو ألا تتراجع، أكمله فهو يفيد الكثيرين، ومن لا يفيده الآن سيفيده لاحقا…
د. يحيى:
أرجو ألا أتراجع ليس فقط عن مواصلة تناول وشرح “العلاقة بين الجنون والإبداع”، ولكن عن أشياء أخرى كثيرة أشعر تجاهها أحيانا أنه قد آن الآوان أن أتراجع عنها، لهذا لن أتراجع عنها. (غالبا)
د. محمد شحاته:
سؤال يلح على خاطرى كلما قرأت فى هذا الباب: أين هذا من كل ما تعلمناه فى الكلية من علوم نظرية وتطبيقية (تشريح وأنسجة وطب المجتمع…الخ) يصلنى دوماً من تعليقاتك إحساس بأن هذا العمل يحتاج إلى إنسان خبير بالحياة ودروبها أكثر مما يحتاح إلى طبيب بمعنى السماعة وجهاز الضغط، أحتاج إلى خبرتك فى بداية الطريق حتى لا أمَل.
ما علاقة كل هذا بكل ذاك؟
د. يحيى:
كله متصل بكله،
أنا طبيب، أمارس فن اللأم([40])، وأتصور أن كل طبيب هو كذلك، أواصل نقد النص البشرى لصالحه، أعيش الإبداع فى الجسم المندمل بين نصفىْ المخ ([41])، بقدر ما أعيشه فى حارة القصيَّرين، أو فى مغاور نجيب محفوظ، أو بجسدى سابحاً أو مستلقيا أو غير ذلك على شاطئ دهب، أو وسط جبال وادى فيران، أو مع نبض قلب صديقى عم على السباك، أرى أن الغوص فى خبرة الحياة ودروبها، هى هى خبرة السماعة وجهاز الضغط، ونبض الانسان، ولحن الطبيعة، وحركية الجسد ومن أىٍّ من هذه الوقائع والآليات كلها، أو منها مجتمعة، يصلنى لحن الإيقاع الحيوى المتناغم.
الله يسامح الأطباء الذين استسلموا لغير ذلك، ولا يسامح الشركات إياها التى تدفعهم إلى هذا الاستسلام، فيدفع المرضى الثمن!!
==============
الحالة: (13) ضبط الجرعة، ونقلات الاهتمام
الحالة: (13) ضبط الجرعة، ونقلات الاهتمام
الحالة: (13)
ضبط الجرعة، ونقلات الاهتمام
(القياس بالنتائج المتوسطة طول الوقت) ([42])
د.فتحى فراج: هو عيان عنده 39سنة، خريج هندسة، فاتح زى شركة صغيرة كده، شركة فيها خدمات للصحفيين والجرايد والحاجات دى، هو متجوز وعنده ولد واحد، كان حضرتك حولتهولى من سنة ونصف، حضرتك حولتهولى هو ومراته عشان أقعد معاهم جلسة يعنى مزدوجة، هوه وبعدين هيـّا، كانت شكوتهم لما جم إن هما مش عارفين يمشّوا حالهم، يعنى مش متوافقين مع بعض، حاجة زى كده.
د.يحيى: بتشوفهم على إنهم “وحدة زوجية” ولا كل واحد مستقل؟!
د.فتحى فراج: حضرتك كنت قلت إن أنا أشوف كل واحد لوحده، الأول، وماشوفهومش مع بعض إلا لما أتعرف على كل واحد كفاية.
د.يحيى: وبعدين؟
د.فتحى فراج: لما جه لىّ، هو كان عصبى شوية، وبياخد كحول شوية.
د.يحيى: قد إيه؟!
د.فتحى فراج: مش كتير، بياخد يعنى ممكن يوم إتنين فى الإسبوع، يشرب 3 قزايز بيرة وخلاص.
د.يحيى: لوحده؟
د.فتحى فراج: لا مع أصحابه.
د.يحيى: مابيشربش مع مراته أبداً؟!
د.فتحى فراج: لأ خالص، هى تركيبتها تقليدية شوية وراسية حبتين، وماكانتش عارفة تلاحقه.
د.يحيى: تلاحقه فى إيه، هوه كان بيشتكى من إيه؟
د.فتحى فراج: هما كانت شكوتهم إن هو بيتحرك ونشط وملئ بالحيوية، وهى مش عارفة تلاحقه.
د.يحيى: وبعدين؟!
د.فتحى فراج: اشتغلت معاهم حوالى أربع شهور، كان أغلب الشغل مع الزوجة، هوا كان بياخد دوا خفيف خفيف، كانت معظم القعدة معاها هى، الجلسة كانت ساعة وكانت متقسمة بينهم هما الإتنين كان أغلب شغلى معاها، هى مابتشتغلش، ست بيت، حاولت أعرض عليها إنها تحاول تشتغل حاجة بسيطة كده وإنها تحاول تتحرك شوية، إنما أبدا.
د.يحيى: السؤال بقى؟
د.فتحى فراج: أصل هو المسار طويل شوية، هو بعد الأربع خمس شهور دول هو اختفى، ماجاش، بطل ييجى.
د.يحيى: إختفى منك، ولا منها؟
د.فتحى فراج: اختفى منى.
د.يحيى: أصل اختفى دى كلمة كبيرة، غير “بطل ييجى”.
د.فتحى فراج: المهم رجع بعديها بخمس شهور، وحكى لى بقى قصة إن هو كان جاله هلع اضطر يروح للدكتور (….) وهو أستاذ برضه، فكتب له أدوية كتير، وكده اتحسن من الحالة الطارئة، وبعدين جاله شغل فى بلد عربى، وسافر الخليج واشتغل هناك، أنا كنت قلت لحضرتك هو فى الفترة اللى كان بيجىء فيها فى العلاج، كان بيجيله فترة كده مهتم بالسياسة أوى بيتكلم فيها كتير، حتى ساعات كانت تاخد السياسة الجلسة كلها، أسكـّته ما يسكتش، كان بيتكلم وكإنه بيخطب فى مظاهرة، جامد شوية فى السياسة.
د.يحيى: أنهى سياسة حدد لى؟
د.فتحى فراج: السياسة بتاعت القهاوى والقعدة على القهاوى، يعنى المثقفين، وشوية الحاجات دى يعنى.
د.يحيى: هى دى سياسة؟
د.فتحى فراج: على قد ما هو بيقول.
د.يحيى: لأ يعنى، لا دخَل حزب ولا جماعة من المحتجين، ولا كتابة فى الجورنال، ولا حاجة من دى؟
د.فتحى فراج: لا لا، مافيش كلام من ده، يعنى زى واحد من اللى بيتكلموا وبس.
د.يحيى:.. ولا بيطلع مظاهرة ولا حاجة؟! يعنى قاعدة على القهوة ودش كلام؟!
د.فتحى فراج: حاجة زى كده، بس هو الشهادة لله مثقف جداً، وبيفهم فى حاجات كتير أنا ما بافهمشى فيها، وهو كان قعد خمس سنين بيشتغل فى البحر فعرف حاجات مالهاش حصر.
د.يحيى: طيب وبعدين؟
د.فتحى فراج: هو كان جه فى مرة كده وقال لى إنه عايز يقابل حضرتك أصل هو بيفكر فكرة إن هو يعمل اعتصام وحاجة كبيرة كده.
د.يحيى: طيب وإيه دور حضرتى؟
د.فتحى فراج: هو مافيش سبب واضح بس هوا دا طلبه.
د.يحيى: طيب ما احنا متفقين إنه يقابلنى كل أربع مرات، إيه الجديد؟
د.فتحى فراج: هوا ما طلبشى قبل كده، فأنا انتظرت لما يطلب.
د.يحيى: أهلا وسهلا، فيه حاجة جديدة؟ جاب سيرة اللى أنا باكتبه مثلا؟
د.فتحى فراج: لأ، بس زى ما يكون هوه فى أزمة، ومحتاج دعم من واحد كبير، باين السياسة دى عامله له تعويض.
د.يحيى: الله يفتح عليك، ما انت ماشى صح أهه، هل عندك تفاصيل عن احتمالات الأزمة اللى بيمر بيها؟
د.فتحى فراج: هوا كان راح الخليج وقعد خمس شهور، كان جى فى حالة صعبة شوية، وحالة الهلع رجعت له شويتين.
د.يحيى: هى الحالة دى جت له بعد ما أنا حولتهولك، ما كانشى جى بيها؟!
د.فتحى فراج: آه، بعد ما حضرتك حولته.
د.يحيى: وبعدين؟
د.فتحى فراج: أنا ما ربطشى بين الحالة دى، وبين علاقته بزوجته، مش عارف ليه.
د.يحيى: هوا مين اللى كان جه عندى يكشف الأول؟ هوه ولا مراته؟
د.فتحى فراج: هما الاتنين جم لحضرتك كشفين وراء بعض، فى نفس اليوم.
د.يحيى: هما الاتنين فعلا مقتنعين؟ ولاّ واحد قاطع مجاملة؟ بيكشف عشان التانى يرضى يكشف زى ما بيحصل ساعات؟
د.فتحى فراج: هما الاتنين قطعوا كشف مع بعض فى نفس اليوم، ودخلوا لحضرتك ورا بعض.
د.يحيى: أظن فاكر، بس أصلها تفرق، ساعات أى واحد يبقى عايز يوهم نفسه إن التانى هو اللى عيان، وكلام من ده، فيه فرق بين إنهم يتفقوا على الاستشارة، ويبقوا مفتوحين لأى احتمال، وبين إنهم يلعبوا على بعض، وكتير بنكتشف إن الطرفين سُلاَمْ، وإن المرض فى العلاقة مش فى كل شخص على حدة.
د.فتحى فراج: المسألة دلوقتى ما عادش لها دعوة مباشرة بالعلاقة اللى بينهم، وهو بعد ما راح الخليج واشتغل شغلانة كويسة، وكان بياخد مرتب كويس أوى، راح داخل فى السياسة والإدارة وبوظ الدنيا هناك خالص، رجع هنا على مصر مش على بعضه، مع إنه لسه بياخد الدواء، وابتدت السياسة تهيج عليه، وهومحبط من ناحية الفلوس، وطبعاً الحاجات اللى عملها مع شريكه هنا، وهى اللى خلته ييجى يقابل حضرتك خلت شريكه يفرض شروط تقلل من دوره خالص.
د.يحيى: نرجع للسؤال برضه.
د.فتحى فراج: السؤال إن أنا يعنى..، أنا إبتديت أتعامل مع العيان دلوقتى على مستوى أقل حماسا،.. موقفى أنا بقى أقل، موقفى من ناحيته زى ما يكون متغير، حسيت إنى يعنى زى ما يكون كل اللى عايزه إنى ألمّ الدنيا، وبس، ألصّمه يعنى.
د.يحيى: ما هو ده حقك فى مرحلة حصل فيها كل التغيرات دى، سفر، وفشل، ورجوع وحوسة، زى ما يكون إنت بتهدى اللعب لحد ما تتجمع المسائل تانى فى مظاهر ومواقف معينة، تتبلور عشان تحددوا الأولويات، وبعدين نبتدى نمسكها واحدة واحدة، المتغيرات الجديدة بتفرض توجهات جديدة، وبتفرض توزيع الاهتمام على نقط أكتر من نقط، إنت بديت فى العلاقة الزوجية، ودلوقتى لقيت قدامك إحباط، وتهزىء وقلة قيمة، ونقص فلوس، راحت السياسة علتّ عليه، وبعدين الفلوس، مش معنى كده إن الشغل فى السياسة مرض أو عرض، لكن التوقيت والطريقة هوا اللى احنا بنتكلم فيهم دلوقت، ثم إيه حكاية مراته فى الهيصة دى، حصل لها إيه؟
د.فتحى فراج: أنا لقيت نفسى عايز ألم الدنيا بس وخلاص، مش عايز أفتح حاجات جديدة.
د.يحيى: هى مش جديدة قوى، على فكرة هو انت كنت اشتغلت فى العلاقة الجنسية بينهم، وشفت علاقتها بالتغيرات دى، ما هى زى السياسة، إمتى يشتد الاهتمام وإمتى يختفى، ما هى الحاجات ماسكة فى بعضها.
د.فتحى فراج: لأ ما اشتغلتش قوى، الست كانت بتقفل عادة، عموما العلاقة دلوقتى قليلة شوية.
د.يحيى: المسألة مش قليلة ولا كتيرة، المسألة الربط بين الأمور وبعضها، يعنى ميكانزم “الإزاحة” فى البنى آدمين على قفا مين يشيل، ده يسمّع فى ده، وده يسمع فى ده، مش مسألة كتيرة ولا شوية، نوع العلاقة.
د.فتحى فراج: يعنى ماشية، هى ما بقتشى زى الأول أوى، مراته كانت دائما تقول إن العلاقة كويسة، بس أنا ما بقابلهاش دلوقتى، هى بطلت تيجى يعنى هو بقى بييجى لوحده، هو أنا سؤالى مازال إنى خايف أحكم على العلاج من جوايا بالفشل، وأوقّف الدنيا، وأحرمه من حقه فى المحاولة من جديد.
د.يحيى: هو مش لسه بيجى لحد دلوقتى بانتظام؟
د.فتحى فراج: أيوه بييجى، بس مثلاً لما بيتكلم إن هو حا يعمل مشروع جديد، ما بابقاش متحمس لتشجيعه زى زمان، وهوه أصله طول الوقت عنده مشاريع، وهو نوع شغله يحتمل ده، فأنا مش عارف هل أتصنع وأغصب على نفسى وأتحمس زى زمان، ولاّ هو خلاص إنحكم عليه إن الدنيا تبقى ماشية روتين بقى وخلاص، ولاّ أوافقه على إنه من حقه يجرب تانى يحاول تانى، حتى طلبه مقابلة حضرتك، ما اتحمستش له قوى.
د.يحيى: إعمل اللى انت عايزه، بس شغله سيبه يستمر، ده أهم حاجة، سيبه ما دام شاطر مهما فشل، يا أخى هوا انت حاتشاركه؟ دا راجل عنده خبرة، وإمكانيات، وطموح، وما بيهمدشى، ودى حاجة جيدة، ينبغى أن تؤخذ فى الاعتبار، الراجل ده ما فشلشى لا مع مراته، ولا مع إخوانا فى الخليج، وهوه باين عليه له موقف عام ما قدرشى يطنّش، لا معاها ولا معاهم، مش معنى كده إنه صح على طول، بالعكس، باين على حساباته فالته حبتين، ومع ذلك ما ننساش كل الإيجابيات اللى وصلتك وما فيهاش أى مبالغة، مش انت قلت إن عنده إشى ثقافة وإشى اهتمامات عامة، وإشى ذكاء،
وبعدين يا أخى إنت تفرح إنك أمين مع مشاعرك، على شرط ما تخليهاش تتدخل أوى فى قراراته، ممكن تقولّه على مشاعرك بصراحة، ما فيهاش حاجة، هوه حايحترمها، ومن ناحية حاتخليه يمكن يتحداك وينجح، وتقلل اعتماديته على العلاج، لكن برضه خلى بالك، يمكن لما تقولّه كل اللى فى نفسك تهز ثقته بنفسه.
د.فتحى فراج: ما هوه ده اللى محيرنى.
د.يحيى: يا أخى ما هو لازم تحتار، ده منتهى الأمانة اللى انت بتعمله ده، إمال إحنا عاملين الإشراف ليه؟! وانت حاتكبر إزاى؟! أهم حاجة إن إحنا نبقى أمناء حتى مع مشاعرنا، إحنا عامل مساعد فى حياة الناس، لا أكثر، إنما ما احناش أولياء أمورهم، برغم التأكيد على إن المعالج بيقوم بدور الأب اللى احنا قبلنا بيه فى ثقافتنا، وهو دور رائع، بس حتى الأب الحقيقى له حدود برضه.
د.فتحى فراج: يعنى دلوقتى أعمل إيه؟
د.يحيى: إعمل اللى انت بتعمله بالظبط، تعلن موقفك فى حدود، وتعلن إنك تحت الطلب، وإنك واقف معاه فى جميع الأحوال، وإن الفشل وارد، لكن المرض ما هواش مبرر للفشل، وهو راجل يعرف فى البيزينس والحياة العملية أحسن منى ومنك، وإيه يعنى لما يتكسر مرة واتنين ويقوم تانى، إيه المانع؟
د.فتحى فراج: ما حضرتك بتقول إن ما فيش حاجة اسمها موقف محايد.
د.يحيى: يا بنى يا حبيبى، هو الأمر لما يوصل إنك تعلن له موقفك بهذا الوضوح، وتقوله على حيرتك، وإنك أقل حماسة، ومع ذلك مش حا تتدخل فى قراراته، وحاتفضل تمشى جنبه فى اللى بيعمله، سواء فى الشغل أو فى البيت، من غير ما يظلم اللى حواليه، تقوله كل ده، وتستمر تقوله طول ما هوه بييجى، يبقى كل ده اللى أنا شاورت على أنه مش موقف محايد؟!!. فين الحياد اللى فى الموضوع، إنت صنايعى بتاخد مقابل صنعتك، وبتأدى واجبك، وبتتحرك مع مريضك فى حدود قدرتك ورؤيتك، وبتقول اللى عندك حاتعمل إيه أكتر من كده؟
د.فتحى فراج: هو إيه الحدود اللى نقف عندها فى مشاعرنا فى الحالات دى؟!
د.يحيى: حدود إيه يا راجل يا طيب، هو إحنا حانعمل جدول ضرب للمشاعر؟ كل ما علينا هو المصارحة، والمباشرة، والمسئولية طول الوقت، بما فى ذلك الوعى بالتغيير اللى بيحصل لنا أول بأول زى ما انت بتعمل، واحترام كل ده، وطرحه بجرعات متوازنة مع العيان أول بأول هو كل المطلوب، ما تحمّلشى نفسك مسئولية نجاحه أو فشله، إنت تعمل اللى عليك كطبيب، وهو يعمل اللى يقدر عليه، والأمور بتصلح نفسها ما دام ماشيين سوا سوا وبنتعلم، وناخد وندى، سواء معاه، سواء هنا فى الإشراف.
د.فتحى فراج: يعنى المفروض إنى أقبل هدوئى وفتور حماسى بالمقارنة بزمان؟!
د.يحيى: طبعا، إحنا بنعالج العيانين بكلنا، مش بس بعقلنا، والموجود فينا حايوصلّهم غصبن عننا، إحنا بنعيش الموجود، ونقيس نجاحنا ونجاحهم بخطوات متوسطة أول بأول، وبعدين الجرعة بتتظبط لوحدها.
د.فتحى فراج: جرعة إيه؟
د.يحيى: جرعة التدخل، وجرعة النصيحة، وجرعة الاعتمادية، وجرعة الحياد وقـِلـِّته، يا أخى زيها زى جرعة الدواء بس مش فى جدول ضرب ثابت، إحنا بنمشى حسب النتايج سواء بالنسبة للأعراض أو لحالته شخصيا، أو لعلاقاته، كل ده بيبقى جوا الحسابات تلقائيا، حتى لو ماظهرشى بالوضوح ده.
د.فتحى فراج: طيب وحكاية مراته، أفتحها من جديد، ولاّ أسيبها لما هو يفتحها؟!
د.يحيى: طبعا تسيبها ونص، إسمع لما أقولك، الظاهر إن المؤسسة الزواجية دى حاتنيها تمثل تحدى واقعى محتاج لشغل كتير، مش منى ومنك، يمكن من التطور والتاريخ، وكل اتنين بيسوّوها شعوريا ولا شعوريا بطرق مختلفة، ما ينفعشى نتدخل فيها قوى إلا لما يقولوا آه، واخد بالك، ساعات بيبقى اللى مخليها تستمر جانب واحد من وظيفتها، ساعات جنس ناجح، ساعات الأولاد، ساعات الاحتيجات المادية، وده مش وحش قوى على شرط ما يبقاش فيه كذب كتير، يعنى ما يبقاش على حساب حاجات تانية غالية قوى، يمكن يعرفوها ويمكن ما يعرفوهاش، إحنا ما نفحّرشى إلا لما نشم ريحة الدخان، إحنا واقفين “ستاند باى” لا بنبالغ فى التلصيم، ولا بنفحّر أكتر من اللازم، وربنا يستر، مش انت إن شاء الله حا تتجوز قريب زى ما قلت لى؟!
د.فتحى فراج: أيوه.
د.يحيى: عالبركة، برضه واحدة واحدة، وما تفحّرشى كتير من الأول.
د.فتحى فراج: ربنا يستر
د.يحيى: ولا يهمك.
****
التعقيب والحوار:
د. ماجدة صالح:
احترمت شغل الزميل، ووصلنى إن الموقف مع هذين الزوجين شديد الصعوبة، حتى أننى احترمت فتور المعالج مع الزوج بعد عودته للعلاج وإن اعتقدت أن هذا الفتور كان من الأول فقد ركز أكثر مع الزوجة فى البداية.
د. يحيى:
احتمال وارد، أرجو إن يضعه الزميل فى الاعتبار.
أ. نادية حامد:
لم يكن واضح لى معلومات كافية عن شكل العلاقة تحديدا بين الزوج والزوجة فى هذه الحالة غير ما تم ذكره فى شكواهم فى بداية الحالة إنه هو نشط وملئ بالحيوية وهى مش عارفة تلاحقه مع إن الزميل استمر أربع – خمس شهور جلسات.
د. يحيى:
ذكرت هنا مرارا أننا فى هذا الباب لا نسأل عن ولا نناقش إلا النقطة المطروحة للإشراف، وبالتالى فإننا لا نحصل على كل المعلومات الضرورية، وكأننا نقدم “تقرير حالة” كما نفعل فى باب: “حالات وأحوال”.
أما الفرق الذى أشرتِ إليه، وهو الذى ذكره المعالج، يعنى اختلاف سرعة حركتهم بما يباعد بينهم فطبعا له دلالة مهمة جدا، رغم هذا الإيجاز الرائع فى وصفه كما جاء فى كلام الزميل المعالج.
أ. محمد المهدى:
فيه معلومات كتير كانت ناقصانى فى تاريخ المريض ده بس اللى وصلنى إنه زى ما يكون العيان فى أزمة وجودية وبيحاول طول الوقت سواء فى شغله، أو سفره، أو فشله، زواجه وهو فى سن 39 يعنى يمكن تكون دى أزمة منتصف العمر ودى مرحلة مهمة ممكن يتعمل معاه فيها شغل، لأنها مفترق طرق زى المراهقة، بس ده مفيد فى التطمين المبدئى، لازم نحفزه إنه يراجع حساباته، وإن دى فرصة، ونحاول نعمل حاجة جديدة.
د. يحيى:
ده صحيح، ومفيد.
أ. محمد المهدى:
على الرغم من صعوبات المؤسسة الزواجية إلا أنها بتستمر مهما كان السبب فى استمرارها (الجنس، الأولاد، العشرة) وطول ما هى مستمرة، لا ينبغى التدخل من جانبنا إلا إذا حصل معوقات أو ماعدتش بتأدى وظيفتها؟
د. يحيى:
يا عم، المبادئ جيدة، والكلام سهل.
هذه المؤسسة تحتاج إلى إبداع من داخلها طول الوقت (ربما مثل الديمقراطية) ثم ماهى وظائفها تحديدا حتى نحكم هل قامت بها أم لا: الجنس؟ الأولاد؟ العشرة؟ ربما، عندك حق، لكنها تظل تلقى فى وجهنا صعوبات التحديات الواقعية فى العلاقات الإنسانية.
د. ناجى جميل:
تأكيد دور المعالج الحرفى كعامل معضد ومساند للمريض هو مهم فعلا، ولابد أن يتسم بالمرونة وانفتاح الأفق دون تدخل مخل أو سلبية متفرجة.
دائما ما يثار فى فكرى تساؤلات عن تأثير نضج المعالج واحتياجاته الشخصية وثقافته الخاصة وسماته الشخصية وخبرته الإكلينيكية، على العلاج النفسى الفردى.
د. يحيى:
كل ما أثرت هو طيب، ولهذا نحاول الحرص على إعلان ضرورة الإشراف، وهو ما آمل فيه وأنا أواصل نشر حوارات الإشراف والتعليق عليها فى بريد الجمعة.
أ. ميادة المكاوى:
عندى تساؤلات عن كيفيه الوصول لجرعات متوازية من التدخل والنصيحة والاعتمادية وهل المقصود بالاعتمادية هو اعتمادية المريض؟ فماذا عن اعتمادية المعالج.
د. يحيى:
الاعتمادية المتبادلة المسئولة هى ضرورة حيوية فى أى علاقة نشطة، وهى دائمة التغير والتنقل ومرتبطة بكل حركية النمو والعلاقة بالموضوع: جدلا وتطور وإيقاعا، واعتمادية المعالج هى من ضمن مواصفات الطبيعة البشرية، لكن على المعالج أن ينتبه إليها طول الوقت حتى لا تكون على حساب المريض والعلاج!
أ. ميادة المكاوى:
يبدو أنه من الضرورى ممارسة المصارحة والمباشرة فى محاولة التفسير، خاصة فيما يتعلق بإعلان التغيير اللى بيحصل لنا، ما أمكن ذلك ولكننى أتساءل ألا يمكن أن يكون فى ذلك تعطيل ما للمريض أو ربكة له فى استقباله لى وإن كنت غالبا ألاحظ أنه فى مواقف مشابهه تزداد علاقتى بالمريض توطيدا وقربا، ولكن يبقى دائما هذا السؤال بداخلى.
د. يحيى:
ضبط الجرعة، وضرورة مراجعة كل هذه المواقف، هما السبيل للنمو المتصل، وما أصعب ذلك، لكنك تسيرين يا ميادة فى الاتجاه الصحيح، فقط ينبغى ضبط جرعة إعلان التغير الذى يحدث لنا، فلا نحن نعرفه تحديدا ولا المريض مسئول عنه بشكل مباشر، ولك الحق أن احتمال تعطيل المريض وارد إذا لم نضبط الجرعة.
أ. عبد المجيد محمد:
يبدو أنه ليس مفروضا أن أحمل نفسى مسئولية نجاح أو فشل العيان، وأن اكتفى أن أعمل اللى علىّ،
بس إزاى أعمل ده وأنا باحس إن الكلام ده تنفيذه صعب؟!
د. يحيى:
مهمتنا يا إبنى صعبة، والتدريب والإشراف والممارسة والزمن والنضج بلا توقف ولا نهاية تخفف الصعوبة باستمرار.
وربنا يسهل.
أ. منى أحمد:
أنا معترضة على فكرة إنى أصارح المريض بمشاعرى تجاهه خاصة وإن كانت جيدة، يمكن عشان خايفة إن ده هيأثر فى تعامله معى، وثقته فيا.
د. يحيى:
كل ما هو موجود يؤثر فى مسيرة العلاج، سواء أعلناه أم اخفيناه، وسواء عرفناه نحن عن أنفسنا أم ظل خافيا داخلنا، المشكلة فى ضبط جرعة وتوقيت وفائدة المصارحة، أما بالنسبة للإعلان عن هذه المشاعر فأرجو أن تعودى إلى ردى على الابنة “ميادة” حالا، ولذا وجب الإشراف.
د. محمد الشاذلى:
ربما هذه المشاعر التى تخلو من الحماس هى أكثر فائدة من تصنع الدعم والمساندة لأنها أكثر حيوية وآدمية وهى ما نحتاجه فى العلاج فى المقام الأول إنسان فى مقابل إنسان.
د. يحيى:
من حيث المبدأ هذا صحيح100% ، ولكن برجاء قبول أى جرعة من تلك المواجهة فى البداية، ثم نتركها تزيد من واقع الخبرة أساسا.
د. نرمين عبد العزيز:
أرى أن الضغط على الزوجة للتغيير لتلاحق هذا الزوج لن يجدى إذا لم يصاحبه مناقشة لموقف الزوج من زوجته لمحاولة إيجاد معادلة ما، يعنى نساعده إنه يقرب قبل ما يطلب من اللى حواليه أنهم يقربوا.
د. يحيى:
وجهة نظرك سليمة يا نرمين من حيث المبدأ.
لكنك تعرفين أن المسألة ليست مجرد موافقة، ولا هى مناقشة.
د. هانى عبد المنعم:
حاولت كثيرا الغوص أكثر فى دهاليز الحياة الزوجية لكثرة ما رأيت من مشاكل وكنت فى كل مرة أسأل نفسى كيف نحكم على تلك العلاقة بفطريتها، وهى مليئة بكل وسائل الدفاعات لإنجاحها أو حتى لتسييرها.
د. يحيى:
بالله عليك يا هانى! من الذى حكم عليها بأنها فطرية بالمعنى السهل الذى بدا لى فى سؤالك، إذا اتفقنا أن الفطرة هى حركية النمو، فهى فطرية، أما مفهوم الفطرة على أنها السذاجة والعفوية والملكية والالتهامية فهى أبعد ما تكون عن هذه العلاقة، ولا تنسَ أيضا أن الحيل الدفاعية المناسبة هى جزء من الفطرة شريطة ألا تدوم أو تثبت.
إن العلاقة الزوجية مازالت تفرض نفسها باعتبارها علاقة ضرورية صعبة متحدية طول الوقت يا رجل، ولا يعيبها أنها تستخدم الدفاعات اللازمة لكل مرحلة، إنما يعيبها الزيف الساكن والكذب الآمِنْ، أليس هذا هو ما يجرى فيها غالبا؟
د. نعمات على:
أحسست بصدق مشاعر المعالج ووضعت نفسى مكانه، فاحسست بالحيرة والصعوبة ثم أحسست بالضعف وإنى فعلا خبرتى قليلة، فاحسست بالخوف على المرضى منى !!!
وصلنى أن المعالج يساعد المريض على أى وضع هو فيه، هو لا يأخذ له قرارات، ولكنه يساعده فى اتخاذ القرار فهو بمثابه الأب والأم والأخ والصديق والحبيب كلهم معا فى شخص واحد كل منهم يظهر فى وقته.
د. يحيى:
هذا صحيح، وما أصعبه
وشعورك بقلة الخبرة رائع، وطبيعى.
لكنكِ صعّبتها عليك وعلينا يا شيخة أكثر فأكثر ما أنهيت به تعليقك، لعل كل ما قلتيه صحيح، لكن “واحدة واحدة”، ربنا يخليك.
أ. هالة نمّر:
يتهيأ لى إن الواحد لازم ينتبه كل شوية لخبث وأنانية وعمى قلة الحياد، برضه زى ما ينتبه لاستحالة ووهم الحياد.
د. يحيى:
هذا صحيح فى الاتجاهين، لذلك هو شديد الصعوبة.
أ. هالة نمّر:
عندما أتذكر نفسى حينما يأخذنى الحماس أو يبعدنى ضعفى عن الآخر، أنتبه إلى احتياجى حينها إلى مسافة ما لإنعاش مبدأ أننى لا أرى الآخر كما أريد أن يكون بل كما يستطيع، وأستنتج خبث عدم حيادى الذى قد يعكس عجز/احتياج مما يضعف من حدسى ورؤيتى.
د. يحيى:
لماذا المبالغة هكذا فى التأمل الذاتى؟
الحركة الفاعلة هى التى تخفف من التعثر التأمّلى المحتمل.
أ. هالة نمّر:
قالت لى إحداهن أنها حين تشعر بأمان أكبر فى العلاقة الخاصة عندما يتنحى الجنس قليلاً، وكأن تواتر الجنس وسيادته فى حالتها حين يهجم ويزاحم (وهو الأعفى) يكون مؤشراً وتعويضاً مباشراً على قلة الضمانات فى العلاقة، وضعف الوظائف الأخرى وليس العكس، ما رأيكم؟
أظن إن ساعات لمّا تكون العلاقات مضمونة بزيادة (اعتماداً على إشباع وظائف أخرى جوهرية برضه…)، يتنحى الجنس الأكثر حيوية قليلاً أو كثيراً؛ قد يكون لأنه الأكثر إجهاداً وتحدياً لما يتطلبه من حفز واختبار دائم لحيوية العلاقة ومسارها، ما رأيك؟
د. يحيى:
رأيى فى ماذا؟ للجنس تجليات شديدة التنوع، ووظائف شديدة التغير، وكثير منها مرتبط بالأمان والوعى والاعتراف والاحترام، وليس فقط بالرغبة والحيوية واللذه، مع إن كل هذا مهم.
لست متأكدا إن كانت ستتاح لى الفرصة، أو يطول بى العمر لأعود إلى ذلك لأرد على سؤالك أم لا.
هذا إذا كنت سوف أستطيع أصلاً.
الله أعلم.
شكرا
==============
الحالة: (14) العلاج قصير المدة لهدف محدد
الحالة: (14) العلاج قصير المدة لهدف محدد
الحالة: (14)
العلاج “قصير المدة لهدفٍ محدد!” ([43])
د. يسرا: أنا عندى حالة، 26 سنة، متجوزة بقى لها شهرين ونص.
د. يحيى: وقعدتى معاها قد إيه؟
د. يسرا: 4 مرات.
د. يحيى: ورا بعض؟
د. يسرا: لأ على مدار شهر ونص تقريباً.
د. يحيى: يعنى هى مع جوزها شهر، ومعاكى انت وجوزها شهر ونص؟!
د. يسرا: تقريبا، المشكلة إنها عايزة تتطلق، هى من أول ليلة الدخلة رفضت تنام تانى مع جوزها، قالت إن جوزها كان عنيف معاها أوى ليلتها وإنه تقريبا اغتصبها.
د. يحيى: وهى جاية تشتكى من إيه؟
د. يسرا: أعراض اكتئاب وضيق وكلام من ده.
د. يحيى: اكتئاب من اللى هوه، ولاّ بتاع سوء التكيّف، والزهق؟!
د. يسرا: أظن الاتنين، يمكن التانى أكثر.
د. يحيى: عندها إخوات بنات؟
د. يسرا: آه وهى الكبيرة، هى من شمال الصعيد، من بلد قريبه من مصر، هىّ بتسافر عشان تيجى الجلسة هنا فى القصر العينى.
د. يحيى: أبوها بيشتغل إيه؟
د. يسرا: مش فاكرة.
د. يحيى: المشكلة إيه؟ فين السؤال؟
د. يسرا: المشكلة إنى حاسة إنى مزنوقة فى الوقت، جوزها قعد معايا آخر مرة، وعنده استعداد دلوقتى إنه يطلقها، قال لى لو مش باقية علىَّ حاطلقها، مش عارفة المفروض أعمل إيه، أقعد معاها لوحدها؟ معاه وبعدين معاها؟ معاهم هما الإثنين مع بعض؟ حاعمل إيه فى الوقت الضيق ده؟
د. يحيى: جوزها بيشتغل إيه؟
د. يسرا: عامل ماهر، بس فى الخليج، ونزل اجازة 6 شهور عشان يتجوز، بقى له شهرين ونص تقريبا وراجع بعد الأجازة، هو كمان يبقى ابن عمها، كانوا يعرفوا بعض قبل الجواز، هى كانت رافضاه من الأول، وقالت إنهم أجبروها تتجوز عشان خاطر وصية أبوها.. آه افتكرتْ، أبوها متوفى.
د. يحيى: هى حلوة؟
د. يسرا: عادية.
د. يحيى: بتشتغل؟ أو كانت بتشتغل؟
د. يسرا: كانت ماسكة حسابات فى مصنع متواضع.
د. يحيى: بصراحة هى حالة صعبة، يبقى جواب أسئلتك صعب، وعشان كده ما عنديش رد جاهز، خلينا الأول نتعلم واحدة واحدة، واحنا بنشوف إيه اللى جارى حوالينا:
الحالة دى بتفكرنا “بالعلاج النفسى محدود المدة“، بيسموه ساعات “العلاج النفسى الدينامى القصير”([44])، ده علاج يتم فى خلال أسبوعين تلاتة أربعة حسب الاتفاق، وهو بيركز على نقطة محددة، لتحقيق هدف بذاته، وحكايته إن المعالج والمريض يلموا المسألة ويحوّطوا عليها زى ما يكونوا بيعملوا لبخه حوالين خُرّاج لسه ما استواش، ولما الأمور تتحدد، ومعنى المرض وأصوله تتجمع فى إيديهم، يروحوا هُبْ يفتحوا عليها، ويختبروا التفسير اللى وصلوا له، بعد ما يكون المريض جاهز للكشف والتعرية، حاجة كده زى الجراح ما بيفتح الخراج بعد ما يطمّن إن المِدّة جاهزة تخرج منه، ده علاج نفسى جيد برضه، وتكنيك محترم، بس صعب، هىًّ مش مسألة استعجال أو سريع سريع، ونجاح العلاج ده يتعرف من نتيجته، زى الجراح ما يعرف إنه فتح فى الوقت المضبوط لما الـِمدّة تخرج من الخراج قدام عينه، الحالة بتاعتك دى مش كده بالضبط، بس أنا بافكّرك إن العلاج النفسى مش ضرورى ضرورى يبقى شهور وسنين.
د. يسرا: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: الزنقة اللى انت فيها يمكن تخليكى تفكرى بإيقاع تانى، يعنى تحددى المدة، وتحددى حاتقيسى خطواتك بإيه، وعايزة توصلى لإيه، وهُبْ سوا سوا، نوصل لقرار مهما كان صعب، حاجة زى كده. يعنى عندك وقت محدد، لازم نعمل فيه حاجة، بس حاتعملى إيه بالضبط فى الوقت ده، إنتِ مش دورك إنك تقولى لها بشكل مباشر تكّمل ولا ما تكّملش، هى غالبا حاتوصل لقرارها وتحسم الأمر بمساعدتك.
د. يسرا: طيب وجوزها؟
د. يحيى: هو باين عليه راجل كويس، والدليل إنه استنى الفترة دى بهدوء، وماضغطش عليها لما رفضت، ودلوقت مستعد يطلقها، وتانى حاجة لازم نحطها فى الاعتبار أنه ممكن ما يكونش اغتصبها ولا حاجة، احتمال.
د. يسرا: هو بيقول كده.
د. يحيى: بصراحة الحالة دى بنشوف من خلالها زاوية من أبعاد مشكلة الناس اللى شغالين وشقيانين بره، وبيجوا هنا فى أجازاتهم عشان يتجوزوا قوام قوام ويرجعوا تانى، زى ما يكونوا حايشتروا شنطة هدوم مثلا، وساعات زى ما يكون بعضهم بياخد بضاعة يجّربها، إن ما نفعتش يرجعها، الألعن يا عينى إن البنت هى وعيلتها بيبقوا موافقين ومتحمسين، وفرحانين بالقرشين بتوع “بلاد بره”، أهو ستر وربنا يسهل.
د. يسرا: بس أنا حاسة إنى مزنوقة جامد.
د. يحيى: عموما إنت حاتفضلى جنبها، ها تستنى مش كتير، لغاية ما هى تقرر، وإنت تشتغلى معاها فى اللى هى حاتقرره، حاتتطلق حاتحتاجك، حاتكمل حاتحتاجك، بس ما تنسيش، الاستعجال فيه خطر تانى، هى من الصعيد، وطلاقهم دلوقتى صعب، يا إما حايقولوا إن الراجل فشل ومربوط، يا إما إنها طلعت مش بكر وكلام من ده، لازم نعمل حساب كل الاحتمالات، لكن ده ما يعوقشى القرار الأنسب! فى الوقت الملائم.
د. يسرا: بصراحة حاجة تحير، وبعدين؟
د. يحيى: إنت دكتورة بتعالجى الناس، بتعملى كل اللى تقدرى عليه، وبتستشيرينا أهُهْ، عايزه إيه أكثر من كده، إذا كانت حاتكمل حاتشتغلى معاها فى علاقتها بجوزها، إذا كانت حاتطلق حاتشتغلى معاها فى نتيجة ده، خلى بالك، لو اتطلقت وإحنا مش جنبها ومعاها، ده يمكن يأثر على فرصتها اللى جاية، ويمكن الحكاية تتكرر، يعنى ممكن تكرر الموضوع ده لو اتجوزت تانى.
د. يسرا: إزاى؟
د. يحيى: وكمان ما تنسيش إن إحنا قلنا إنه يجوز جوزها ما اغتصابهاش، ده احتمال وارد.
د. يسرا: صحيح، أصلها قالت كمان إنها هى اتعرضت لانتهاك جنسى وهى صغيرة.
د. يحيى: وده ممكن يكون سبب فى تفسيرها للى حصل ليلة الدخلة وقالت عليه اغتصاب، يمكن الخبرة الأولى وهى صغيرة خلتها تستقبل أى ممارسة على أنها اغتصاب، لازم تحطى ده فى حساباتك.
د. يسرا: ربنا يقدرنى.
****
التعقيب والحوار:
د. نرمين عبد العزيز:
وصلنى إزاى ننجح فى عمل علاج نفسى دينامى قصير المدى خصوصا إذا كانت المريضة بتشتكى بإلحاح طول الوقت،([45]) أظن لازم ناخد آراء كل المحيطين فى حالتها، ونأكد على كل خطوة ناجحة قد نصل إليها، وتوضيحها ونتفق عليها؟
بس هنا يعنى باين إنها أشبه بالمتمسكة بمرضها وخايفة تمشى فى سكة ممكن يكون آخرها حل للمشكلة؟
د. يحيى:
لا أظن أن هذه المريضة كانت كما تصفينها تماما، أنا لم أقابلها شخصيا طبعا، هكذا الإشراف، أنا علقت فقط على النقطة التى أثارتها الزميلة فى الإشراف، أنا لم يصلنى أنها تشكو طول الوقت كما وصلك، ثم إن هذا العلاج القصير ليس لمجرد توفير الوقت أو وقف الثرثرة، وإنما هو طريقة لتناول مشكلة محددة، مشكلة أدّت إلى ظهور أعراض بذاتها، فهى تحتاج إلى حسم عاجل.
هذا الأسلوب العلاجى ليس مجرد اختزال للعملية العلاجية، وإنما هو تركيز على الهدف فى حدود المتاح، والمثال الذى ضربتـُه قياسا هو وضع لَبْخَه على الالتهاب العام ليتجمع القيح فيفتح الجراح قشرته لتصفيته فى الوقت المناسب.
د. نرمين عبد العزيز:
شوف يا د يحيى بصراحة إحنا مش دايما بنقرا كل حاجة، ومش دايما بنقرا بتركيز، لكن بصراحة دائما كل ما أقرا وبتركيز ولو عدة سطور أسبوعيا من هذه اليوميات باستفيد للغاية.. لو بتكتب لتعليمنا فأكيد حايحصل، ولكن بالراحة واستمر.
ولكن لو بتكتب فى انتظار تغيير جوهرى وفورى فى المجتمع، أو حتى فى الشريحة التى تتمنى أن تصل إليها هذه اليوميات، فده صعب ومستحيل يحصل بالسرعة التى بِتنتظرها.
د. يحيى:
والله عارف،
ولا أنا مستعجل ولا حاجة،
بالمناسبة، “العلاج قصير المدة” لا يعنى استعجالا، ولكنه يؤكد الالتزام بتحقيق هدف محدد، فى المدة المتاحة ما أمكن ذلك.
أما لهفتى على أن يصل ما يفيد مما أقول فهى ترجع –غالبا- إلى حرصى على أن أطمئن إلى وصول كلمتى أو خبرتى– ولو جزئيا – قبل أن أرحل، وذلك نتيجة لوعيى بِعُمْرى الذى تعرفينه،
عذرا،
وشكرا.
أ. رامى عادل:
نتوغل داخل الأحراش، يحاصره شرك ويلتهم قدمه، اشتبكنا فى حديث دامى إن أكمل دونه. حملته ليسقط، فينتهى تسمرى بإفاقته، اللهاث والتشبث بالقدر، لا أدرى كيف نجونا، إصراره العجيب، ويقينه فى العودة، ربما ليرانى مرة أخرى.
د. يحيى:
يا رامى، يا رامى، واحدة واحدة الله يخليك.
أبقَ معنا.
==============
الحالة: (15) التحول المتعدد الأوجه
الحالة: (15) التحول المتعدد الأوجه
الحالة: (15)
“التحول” ([46]) المتعدد الأوجه
د. عبد الكريم: عندى عيان عنده 21 سنة.، وترتيبه الوسطانى فى إخواته، فوقـه أخت أكبر منه وتحته ولد صغير وهو مسيحى الديانة..، من حوالى ست سنين قابل واحد فى سوبر ماركت كدا وخده، وقعد يكلمه فى الأديان وكدا وأقنعه انه يسْلِمْ، وكدا…
د. يحيى: وهو بيتشغل إيه؟
د. عبد الكريم: بيكوى لبس فى مصنع ملابس وبيقبض حوالى 350 جنيه فى الشهر… المهم الراجل دا أقنعه إنه هو يسلم وكدا.. فأسلم، وبدا يخش الجوامع وكدا .
د. يحيى: أسلم فى الأزهر؟
د. عبد الكريم: لا ما أشهرش إسلامه، وبدا يخش الجوامع ويصلى وكدا، وبعدين المصنع اللى بيشتغل فيه كله مسيحيين.. فلما عرفوا ضربوه وكدا.
د. يحيى: عرفوا إزاى؟
د. عبد الكريم: حكى لواحدة زميلته فى المصنع محجبة وهى قالتلهم.
د. يحيى: يبقى مش كلهم مسيحيين.. تبقى تقول أغلبهم مسيحيين.
د. عبد الكريم: آه أغلبهم.. فمسكوه ضربوه وكدا، وبعد كدا هو ساب البيت ومشى وسافر بلد فى الأرياف ناحية اسكندرية كدا.
د. يحيى: هو عنده كام وعشرين؟ قلتى؟
د. عبد الكريم: هو عنده دلوقتى واحد وعشرين.. وقعد هناك مع الفلاحين سنتين، بعد ما حكى لهم قصته إنه كان مسيحى وأسلم.
د. يحيى: سنتين من 19 إلى 21؟
د. عبد الكريم: لا من 17 إلى 19 وبعدين رجع مصر لأمه وكدا..، وهو عايش مع أمه وأخوه الصغير فى البيت.. الأب سايب البيت ومش بيصرف عليهم..، و”العيان” حاليا لما رجع وكدا خدوه برضه أصحابه للقساوسة فغيروا فكره، وبقى تايه ومش عارف يروح لأى دين.. هو بيقول لى مش عارف أبقى مسلم ولا مسيحى.. وعنده مشكلة تانية إنه من وهو صغير بيحب يخش على أمه بالليل، وهى نايمة ويتحرش بيها.
د. يحيى: صغير كام سنة يعنى؟ كان سنّـه كام سنة؟
د. عبد الكريم: ماعرفش بدأ من إمتى .
د. يحيى: يعنى سبعة؟.. خمسة؟ حداشر؟
د. عبد الكريم: حاجة كدا.. يعنى خمسة كدا.
د. يحيى: طب ولما بلغ؟
د. عبد الكريم: نفس الحكاية، قاعد برضه بيتحرش بيها.
د. يحيى: يعنى من خمسة لحد تلاتاشر… أربعتاشر؟!
د. عبد الكريم: لا.. لغاية دلوقتى؟
د. يحيى: لغاية دلوقتى، لغاية دلوقتى يعنى قعد يتحرش بيها مدة قد إيه؟!
د. عبد الكريم: يعنى ييجى خمستاشر سنة؟
د. يحيى: خمستاشر سنة؟ مش كتير يا جدع أنت؟!
د. عبد الكريم: اللى حصل؟
د. يحيى: كل تحرشايه تقعد قد إيه؟
د. عبد الكريم: هو بيخش ينام جنبها.
د. يحيى: ويقعد يتحرش!!!؟
د. عبد الكريم: آه.
د. يحيى: يتحرش ولا يتهرش؟ أنا مش باقـلـّس، بس الكلمة دى عايزة توضيح لا مؤاخذة.
د. عبد الكريم: لأه..، يتحرش..
د. يحيى: وهىَّ إيه؟ أمه يعنى بتعمل إيه؟
د. عبد الكريم: ممكن تصحى فى يوم تقوله بلاش الحركات اللى أنت بتعملها دى.
د. يحيى: طيب وبعدين؟
د. عبد الكريم: وهو كمان بيقول إنه مارس علاقة كاملة مع جدته
د. يحيى: جدته لأمه؟!
د. عبد الكريم: آه.
د. يحيى: كان عنده كام سنة ساعاتها؟!
د. عبد الكريم: من أربع سنين..، يعنى كان عنده سبعتاشر سنة.
د. يحيى: أيام ما أسلم؟
د. عبد الكريم: مش عارف.
د. يحيى: يا أخى إحسبها، ومع ذلك ماشى، كمّل…
د. عبد الكريم: وحاجة كمان… إن هو أنا أول ما شفته فى العيادة كان بيهتم بشكله قوى، وبيتكلم برقة زى البنات، فأنا شكيت إنه هو “مِثــْـلى، بس هوه ما قالـْهاش غير فى خامس جلسة.
د. يحيى: قال إيه؟
د. عبد الكريم: قال إنه كان دايما العيال تاخده ويعملوا معاه كدا غصبن عنه،… كانوا يتهموه بسرقة حاجة، ويجرجروه لمكان مقطوع، ويعملوا معاه، وهو بيقول كان بيروح معاهم عادى، وساعات كان بيحب الحاجات دى، بس هو مبطل بقاله سنة.
د. يحيى: عيال إيه بقى!!،.. وهوا بقاله سنة يادوب مبطل، يعنى قعد على كده لحد ما بقى عنده عشرين سنة، مش كده؟
د. عبد الكريم: أيوه.
د. يحيى: طب مش عيال بقى اللى بياخدوه، دول بقوا كبار شوية، شويتين، ولاّ إيه؟
د. عبد الكريم: آه كبار.
د. يحيى: إنت قلت عيال؟!
د. عبد الكريم: آه، وكمان هو كان بيقول إنه بيخش على الإنترنت ويصاحب بنات من النت وينزل يقابلهم.. يعنى هو بيقول غاوى يخش فى قصص حب، على النت ويقابل البنات بس عمره ما اشتهاهم جنسيا.. بيقول إن الشهوة للجنس الآخر بتيجى ناحية أمه بس.
د. يحيى: إنت بتشوفه بقالك أد إيه؟
د. عبد الكريم: قعدنا مع بعض حوالى أربعتاشر مرة.
د. يحيى: طب كويس..، يعنى حوالى تلات شهور، السؤال بقى، إوعى تكون نسيت إن ده إشراف.
د. عبد الكريم: السؤال..!!!؟
د. يحيى: آه طبعا، هو إنت بتحكى حكاية؟ ولا عندك سؤال؟
د. عبد الكريم: ما هى الحالة كلها سؤال.. أنا مش عارف حاعمل معاه إيه .
د. يحيى: يا ابن الحلال، مش هوه بيجى فى ميعاده؟
د. عبد الكريم: آه
د. يحيى: وبيمشى فى معاده؟
د. عبد الكريم: آه
د. يحيى: وانت بتتكلم أقل ما هوه بيتكلم؟
د. عبد الكريم: آه
د. يحيى: يبقى ده هو العلاج، بس لازم فيه حاجة عندك محددة شوية هىّ اللى خلتك تحكى كل ده،…دوّر على أسئلة محددة يا ابنى.. لازم تعرف إنت حكيت ليه، أنا عاذرك، الحالة فعلا شديدة، صعبة…
د. عبد الكريم: أنا مش عارف أتعامل معاه إزاى….
د. يحيى: ما انت بتتعامل، المسألة داخلة فى بعضها صحيح، لكن إنت بتتعامل، وبتتعامل كويس، وهوّا بييجى، هى حالة تحير بصراحة، نشتغل فى إيه ولا إيه !؟ فى حكايته مع جدته؟…، ولاّ مع الشذوذ والعيال اللى بيروح معاهم؟ ولاّ مع النت؟ ولاّ مع الشات Chat؟ ولاّ مع تغيير الدين؟ ولا مع علاقته بأمه؟ ولاّ مع المجتمع اللى حواليه؟..(المجتمَعين) لكن قل لى: مش هو رجع نفس الشغل؟
د. عبد الكريم: آه فى نفس الشغلانة.
د. يحيى: اللى هما ضربوه فيها؟!
د. عبد الكريم: آه.
د. يحيى: وقال لهم بقى إنه مسيحى ولا مسلم؟!
د. عبد الكريم: ما اعرفش.
د. يحيى: بقى ده اسمه كلام!!؟ ما تعرفشى؟ رجع إمتى؟
د. عبد الكريم: رجع من سنتين وهو عنده 19 سنة.
د. يحيى: يعنى انت دلوقتى حكيت لنا تاريخه، مش ملاحظ إنك ما حكيتشى لنا أى حاجة عن الأربعتاشر مرة اللى قعدتهم معاه بانتظام، حصل إيه فى الأربعتاشر مرة دول؟ وازاى ما تعرفشى بعد كل الزحمة دى موقفه بالتفصيل هنا وهنا وهناك؟ إيه بقى اللى حصل معاك مش ده بقى العلاج؟
د. عبد الكريم: اللى حصل معايا أنا؟
د. يحيى: إمال معايا؟
د. عبد الكريم: لما عرفت موضوع أمه..ما رفضتوش.. أصل هو قعد يقول لى.. لو قلت لك انت كده حاتحتقرنى.. بس قال لى، وأنا لقيت نفسى ما رفضتوش، وإديته قرصين ستلاسيل بالليل، فالقصة هديت.
د. يحيى: برافو عليك، يارب تكون قلة الرفض دى من جوّاك، خلى بالك إنت عملت عملة كويسة، إنك بحسك الإكلينيكى، ما خدتش الحكاية حكاوى وأحكام أخلاقية وبس، كونك إديته دوا يقلل نشاط المخ القديم فى ظروف زى دى، معنى كده إنك لقطّ حركية بيولوجية عايزة يعاد تنظيمها، الله يفتح عليك، آدى وظيفة الدوا فى الوقت المناسب، وأديك شفت النتيجة، لكن، بتقول: القصة هديت، يعنى ما انتهتشى، أنهى قصة فيهم قصدك اللى ما انتهتشى؟!
د. عبد الكريم: قصة أمه.
د. يحيى: يعنى هو لما جالك 14 مرة.. يعنى تلات شهور.. كان لسه بيعملها مع أمه؟!
د. عبد الكريم: آه كان لسه، ما أنا قلت إنه بيعملها لحد دلوقتى..
د. يحيى: انت عارف يا ابنى إن الحكاية دى فى سن سبعة أو سن خمسة غيرها فى سن عشرين أو واحد وعشرين؟!
د. عبد الكريم: بس هو بيقول إنه مجرد تحرش، يعنى ما فيش علاقة جنسية كاملة خالص.
د. يحيى: يا ابنى مش بيقعد يحتك فيها وهى نايمة من ورا أو من قدام ويمسك صدرها؟!
د. عبد الكريم: آه..
د. يحيى: لمدة قد إيه؟ يعنى ثانيتين وتروح متقلبة وشاخطة فيه؟ ولا تروح فى النوم أكتر يقعد دقيقة أو عشر دقايق؟.. با ابنى الكلام ده مهم، “مهم للفهم..والعلم”، مش بس للعلاج، إحنا عايزين نعرف هل الأم دى مشاركة ولا لأ؟ قابلة ولا لأ؟، إنت عارف حكايتى مع عقدة أوديب دى، أظن أنا اتكلمت فيها عدة مرات ـ هنا، وغير هنا ـ أنا وصلت لشوية فروض تفسر الحكاية دى غير اللى قالها فرويد، من ضمنهم إن النداء بيبدأ من الأم.. الأم غالبا هى اللى بترسل الرسالة الأولى، غالبا من اللاشعور، ومش ضرورى تكون جنسية فى البداية، وبعدين يمكن يوصل لها أو لابنها الاستدعاء ده شعوريا، ده واحد من الفروض اللى أنا حطيتها، وانا واخدها من كلام أمهات بحق وحقيق، مش ضرورى مريضات، وساعات مريضات، بس من أمهات المرضى أكتر بصراحة، باقول لك المسألة ما بتبقاش جنس كده حاف ومن الأول، بيبقى زى نداء، حاجة كده زى رغبة فى استرجاع الإبن للرحم، وبعدين بيتقلب جنس لأن هى دى اللغة المتاحة للاقتراب جامد حتى الاسترجاع، كلام صعب شوية عايز شرح طويل، ومش هوه بس اللى خطر لى، المهم إنى لما كنت باسألك الأسئلة دى كلها عن تفاصيل ومدة التحرش اللى بتقول عليه، ماكنتش باتهم الأم، لأن عندى فروض أخرى كتير مش ضرورى تكون الحكاية بالضبط كده فى كل الحالات، سواء الحالات كانت سليمة أو مريضة. معظم الفروض اللى أنا وصلت لها، ولسه ما رجحتش ولا واحد منها بتستبعد شويتن حكاية التنافس مع الأب، مع إنى فى مراحل تانية، ما باستبعدشى نزعات قتل الأب الداخلية، ولا عقدة الخصاء ولا الكلام ده، البنى آدم شايل تاريخ طويل مهبب ورائع جواه، والمسألة عايزة صبر وتنوع فى الرؤى … تقوم انت تيجى فى حالة علاج نفسى، مكثفة بالشكل ده، وما تاخدشى تفصيلات كافية حول المنطقة دى، تضيع عليك حاجة مهمة اللى بنسميها العوامل المُدِيمَة([47]) (من الدوام) يعنى العوامل اللى بتخلى الحدث العابر، أو العرَض المؤقت، يستمر ويستمر ويترسخ، لحد ما يبقى نوع من السـِّمـَة فى الشخصية، أو يبقى مزمن والسلام، أصل لما يكون السلوك أو العرض بيأدى وظيفة، ويحقق استكفاء بأى شكل، مش بس للمريض، لأ لحد قريب منه مشترك معاه فى الإمراضية، بتبقى الحكاية محتاجة إننا نقطع الحلقة دى، عشان المستفيد من العرض – مرضيا طبعا – يوقـّف تغذيته وتدعيمه وحرصه على استمرارية المرض.
الحكاية دى مش ثانوية خصوصا فى الحالة بتاعتك دى: إحنا هنا قدام أزمة “تحول“، إنتو ما بتسمعوش كلمة تحول دى يمكن إلا فى الهستيريا، لما الصراع والقلق اللى ناتج عنه يتحلّ بأنه يتحول لعرض عضوى نسميه هستيريا تحولية،([48]) بصراحة أنا.. لما رحت فرنسا كنت باقضى وقت كتير فى المكتبة، وكان شاغلنى موضوع عن الهستيريا دى، فرحت أدور على كلمة “تحول”، فإذا بالتراث كله، كله تقريبا بيتكلم عن “التحول” فى الدين مش فى الهستيريا، فقعدت أقرا أقرا لقيت كلام مهم، ودلالات متنوعة للتحول من دين لدين، ومن ملة لملة،… فعملية التحول فى الدين دى عملية شديدة الأهمية فى تاريخ البنى آدمين، وفى تاريخ العلاج النفسى والإمراضية (السيكوباثولوجى) برضه.
فى الحالة دى ممكن تكون هذه العملية، قصدى عملية التحول، هى الرابطة ما بين كل المظاهر اللى تبان ما لهاش علاقة ببعضها، فنكتشف إن المسألة مش مجرد تغيير دين، أو شذوذ جنسى، أو ميول محارمية، يمكن نكتشف إن المسألة هى إن العيان ده بدال ما يكبر بالطول، انقلبت الحكاية إلى حالة “تحول مستمر”، “فى المحل“، زى محلك سر، حاجة كده تحل محل النمو، اللى بصحيح، العيان ده ما اتحددتشى معالمه بعملية نمو سليمة، ما اتبلورشى: إشى جوه، وإشى بره، عشان يبقى له معالم خاصة محددة مستقرة فى وقت بذاته، وبقية تركيباته تبقى كامنة أو مكبوتة، لحد ما يرجع يكتمل بيها فى أزمات النمو إن كان جدع، أو يقعـد كاتم على نـَفَسْها، أو تطلع بالتبادل فى الحلم أو أى حاجة.
نبتدى هنا فى الحالة دى بالموضوع الجنسى، مع إن العيان جه يشتكى من الحيرة فى موضوع تغير الدين، بس علاقته بأمه بدأت من بدرى قوى، وأبوه غايب عن البيت، “فاكر؟” وبرضه نفتكر علاقته الأغرب بجدته، على حد قوله ولو إنى مش مصدق قوى، فيه احتمال ولو بسيط يكون تخيل، هوا بيقول إنه عمل علاقة جنسية كاملة معاها، وهى أم برضه، بس يجوز اللاشعور لعب لعبة كده من وراه، واعتبرها مش أمه، المهم إبتدا الكلام ده بدرى، ومن مدة إنت مش قادر تحددها، ماشى، وقلنا إزاى أمه يمكن تكون مشتركة فى اللعبة، سواء شعورى أو تحت الشعورى أو لا شعورى، آهى مشتركة وخلاص.
الحكاية هنا تتفهم أكتر لما نبعد شوية عن اللغة الجنسية، بمعنى إننا نفهم ابتداءً حكاية الاحتياج، وطريقة إروائه، لأنه لو هو روى الاحتياج ده من أمه، بالشكل ده، سواء عينات أو أكتر، وأخد شكل جنسى، وهى وافقت على كده، وتثبـّتَ الحال، حاتلاقى حصل إعاقة فى عملية النمو، يعنى ما حصلشى استقطاب طبيعى بين ذاته وبين أمه جواه وبعدين براه، أو العكس، وأظن الحكاية دى امتدت فما حصلشى برضه استقطاب كفاية بين دينه والدين النقيض الغالب اجتماعيا، وبرضه ما حصلشى استقطاب كافى بين ذكورته إيجابيا وبين أنوثته الكامنة، من هنا يمكن نفهم احتمال إن التحول من دين إلى دين هو نوع من إعلان هذا التذبذب فى حركية النمو، وبرضه نفهم إن ممارسة الجنس مع الذكور ماشية مع كده، ثم احتكار الأم لاشتهائه الإناث دون بقية الحريم والبنات، يبين لك إن هذا التوقف الاستقطابى بالعرض، ناقص، فوقف مطرحُهْ فى معظم المناطق. الحاجة اللى على الوش اللى هوه جى يشتكى منها، (حكاية الدين):
..هو بيقول لك “..أنا مش عارف أبقى مسلم ولا مسيحى”، حاتلاقى نفسك بقى تحدد هدفك المبدئى فى التعاقد العلاجى فى النقطة دى، طبعا إحنا ما بنكتبشى كونتراتو ونسجله، إنما الأهداف المتوسطة بتنط لنا أول بأول وهى ساعات اللى بتحدد المسيرة، هو بيقولك أنا مش عارف أبقى مسلم ولا مسيحى، ده بِيْرنّ جواك غصبن عنك،.. تبص تلاقيك من غير ما تدرى رحت مرتب أهداف العلاج ورا بعض، يبقى الهدف الأولانى إيه؟ إنه يبقى مسلم ولا يبقى مسيحى..، ولا الهدف إنه يبطل تحرش بأمه، ولا الهدف إنه يقدر يعمل علاقة جيدة واقعية غير علاقات النت ومش عارف إيه؟ ولا الهدف إنه يبطل ممارسات مثلية، حاتقولى إنها كلها أهداف مهمة، حاقولك طيب بس لازم ترد على نفسك: أنهو قبل انهو؟؟؟
…غالبا حاتلاقى الرد إنك ما تعرفشى، ولا أنا طبعا، ممكن تستعبط تقول هو حر هوا اللى يحدد الأولويات، حاقولك: لا يا شيخ!!!؟؟، دا كلام بعض الخواجات اللى بيشتغلوا مع مستوى واحد من الحرية، ثم إنت من غير ما تعرف بتحدد أهدافك وأولوياتها، أظن هنا فى مصر، لازم تحاول تحدد موقفك إنت من حكاية التحول من دين لدين، أعتقد إن ده حاينط فى “لاوعيك” أكتر من الهدف الأخلاقى إنه يبطل تحرش بأمه، وأكتر برضه من حكاية الشذوذ، إحنا بنتجنب مواجهة الحكاية دى عادة لأنها صعب علينا احنا، لكن ما نقدرشى نمنع تأثيرها لمجرد تصور إننا نجحنا نتجنبها.
هل سألت نفسك إنت إيه إحساسك يا بطل لما المسلمين يزيدوا واحد؟ حاتفرح؟ ولا لأ؟
د. عبد الكريم: لأ
د. يحيى: اسم الله!! طيب.. ولما ينقصوا واحد..حاحتزعل، ولا لأ؟
د. عبد الكريم: لأ.
د. يحيى: لا يا شيخ؟
د. عبد الكريم: أنا متأكد.
د. يحيى: أنا أظن إنك مش متأكد، قصدى مش قوى يعنى، ويمكن تقول لنفسك، هما يعنى المسلمين دول مسلمين بحق وحقيق؟ وكلام من ده.
د. عبد الكريم: يعنى.
د. يحيى: مهما كانت الصعوبة، لازم تدور على الأسئلة دى جواك وانت بتشتغل، مش تقعد تحزق يعنى، وياتنفع ياماتنفعشى، وتقعد تحط احتمالات عشان تظبط نفسك وأنت بتحوّد، إذا حوّدت، وياترى..!!
د. عبد الكريم: أحوّد فين؟
د. يحيى: تحّود ناحية اللى جواك، اللى انت مش عارفه، بصراحة إنت يعنى عملت حاجة جيدة جدا.. إنك إنت وإنت قدام حالة شديدة اللخبطة كده، ولها أكتر من قضية جوه وبره، قدرت إنك تحافظ على علاقتك بيه، وإنك تخليه ييجى بانتظام شديد أربعتاشر مرة.. بتقول ماغابش ولا مرة؟!
د. عبد الكريم: لا ماغابش.
د. يحيى: لازم كان فيه جواك سماح حقيقى، أهو هوا ده من أهم معالم العلاج النفسى،…إنك تقعد مع بنى آدم مش عارف انت بتعمل إيه معاه، ولا عندك إجابات حاسمة فى أى اتجاه، وعمال تشتغل مع نفسك، ومعاه، ولا بتجاوبه إجابة محددة تريّحه، ولا بترفضه فى نفس الوقت ومع ذلك يفضل ييجى، زى ما يكون فيه عقد خفى.. ورا كل الحاجات دى، مش معنى كده إن الانتظام فى العلاج هو غاية المراد بمعنى نهاية المطاف، لكن فى معظم الحالات هو فرصة للتوجه نحو غاية المراد، مع إننا عمرنا ما بنحدد غاية المراد، لأنها عملية مفتوحة النهاية، صحيح نقدر نحدد علامات على الطريق، وأهداف متوسطة، إنما غاية المراد ده بصراحة هوه نتيجة مش غاية، تصور!! المراد هو إن الدنيا تتحرك فى الإتجاه السليم وبس.
.. فيه احتمال يكون المريض منتظم فى العلاج لأسباب سلبية، ده احتمال وارد، فى رأيى بنسبة مش أقل من عشرين أو خمسة وعشرين فى المية.. فى حالتك دى إنما كمل يابنى واصبر، وبص لنفسك، وبعدين له، وبعدين لنفسك، على طول، واطمئن باستمرار إنه بيروح شغله يوميا، حتى مع الناس اللى ضربوه دول، إياك يبطل، وكل ما تتزنق، أديك بترجع لنا مرة تانية وتالتة ورابعة ونقول ونعيد، ونغير أولوية الأهداف حسب الحالة، ولما بنخلص من هدف متوسط.. نشوف الهدف اللى بعده، وهكذا، إحنا ورانا إيه؟… مش كده برضه؟
د. عبد الكريم: كده
****
التعقيب والحوار:
د. مشيرة أنيس:
وصلنى من الحالة المعروضة كلام حضرتك عن العلاقة الجنسية مع الأم والميول المثلية والتذبذب ما بين دينين وإنها كلها أعراض إعاقة عملية النمو….لكن العمل بعد كده إيه مع العيان ده…؟
يعنى بعد ما الواحد يشتغل مع نفسه فى تقبل العيان و ما يقوله…وهناك حرص من العيان على المداومة على الجلسات….المفروض الواحد يرتب الشغل مع العيان ده إزاى…بصراحة حاسة الحالة صعبة جدا.
وسؤال آخر هل جنس المعالج (إن كان ذكر ولا أنثى) حايفرق فى العملية العلاجية؟
وحضرتك كمان اتكلمت عن المثلية ووصفتها بإعاقة نمو…يعنى تمنيت إن حضرتك تكلمنا عن رؤيتك للمثلية الجنسية خصوصا إننا نقابلها كثيرا.
د. يحيى:
أولا: ليس المطلوب من المعالج إن يصنع المعجزات، أو أن يجيب إجابات حاسمة على كل الأسئلة، وما دمنا نؤمن بإيجابيات الحياة، فإن حرصنا على الاستمرار والحوار والتعلم جدير بأن يخلق لنا حلولا لم تخطر على بالنا.
ثانيا: جنس المعالج (ذكر أو أنثى) يوضع فى الاعتبار طبعاً، لكن المعالج الكفء والمريض المثابر، يمكن لكل منهما أن يتجاوز ذلك حين يصل للمريض أن المعالج نفسه ذكر وأنثى معا، وربما يسعى المريض فى هذا الاتجاه دون أن يدرى.
وبصراحة يا مشيرة لا أخفى عليك أننى أصبحت أكثر حيرة فى مسألة الجنسية المثلية هذه، خصوصا بعد أن بدأت أتعمق فى التفرقة بين الجنس الفجّ التفريغى والجنس الحب التواصلى، محتار بجد، وأخاف أن أجد نفسى قد فهمت المسألة أكثر، فأحتاس أكثر.
نؤجل هذا الموضوع لو سمحتِ حتى نرسى على بر أو أرسى أنا على الأقل على بر، ولنتذكر دائما أن الطبيعى طبيعى مهما تَفَذْلَكْنَا.
د. نعمات على:
السماح الحقيقى ده شىء صعب جدا ومحتاج وقت وجهد وتغير فى شخصية المعالج لأنى باشعر أن المريض يلاحظ الرفض حتى فى حركات أو نظرات المعالج حتى دون أن يتكلم، أشعر أنه شىء صعب بس مهم؟ بس إزاى أوصل له؟؟
د. يحيى:
كله إلا خداع المريض، خصوصا فى حكاية السماح هذه، لكن ماذا نفعل؟
وطبعا تعرفين إن “السماح” غير “التفويت” غير “ادعاء الحرية” غير “الشفقة” غير “الطبطبة”.
د. نعمات على:
…. هل انتظام المريض فى العلاج حتى لأسباب سلبية ممكن أن يتحول لأسباب إيجابية نظراً لعلاقة المريض بالمعالج؟
د. يحيى:
ممكن.
لكن النقلة قد تحتاج وقتاً طويلا، والحذر واجب، الحذر من التمادى فى “السلبية” و”الاستعمال” و”التبرير” و”الاعتمادية”.
د. نعمات على:
عندما قرأت الحالة أحسست بموافقة الأم وأيضا الجدة على العلاقات الجنسية التى حدثت وأن ذلك ممكن إنه يكون سبب من أسباب التحول فى الدين ومواقفه الأخرى فى العلاقات التى أدت إلى تحول تانى. ممكن إن أقول حتى الآن: إن المريض لم تكن له “ذات” واضحة، هو راحل يتنقل بين عدة ذوات هشة، فإلى ماذا سوف يؤدى به الحال؟
د. يحيى:
الله أعلم،
نحن وشطارتنا، وهو وشطارته.
لكن حكاية عدة ذوات هذه لابد أن نستعملها بحذر خشية سوء الفهم، أو استسهال التفسير.
الإشكال هو أن تشريح مثل هذه الحالة يبدو سهلا، لكن حين ننتقل إلى الاستفادة من ذلك، ونحن نحاول أن ننشط عملية النمو الجدلية نحو مرحلة أعلى من الواحدية النسبية المستمرة النبض، هذا الكلام النظرى يحتاج من المعالج نفسه أن يسمح بمثل ذلك لنفسه، كما يحتاج زمنا قد يطول، وأيضا يسنده فى كل ذلك مجتمع مسامح وفى نفس الوقت منضبط.
يا ساتر! كان الله فى عوننا .
وطبعا فى عونه قبلنا ومعانا.
==============
الحالة: (16) دور المستشفى للعلاج والتأهيل، وليس للتأديب أو العقاب
الحالة: (16) دور المستشفى للعلاج والتأهيل، وليس للتأديب أو العقاب
الحالة: (16)
دور المسشفى للعلاج والتأهيل،
وليس للتأديب أو العقاب ([49])
د.جميلة: هو ولد عنده 11 سنة ونص فى خمسة ابتدائى، يعنى قرب يكمل 12 سنة، هو الولد ده مضطرب سلوكيا.. هو وحيد مالوش أخوات، مضطرب بَقَاله سنتين فى تصرفاته؛ بيكتشفوا معاه سجاير، وبرضه بيكتشفوا معاه سجاير حشيش، سيديهات جنس، وسرقة… بس مبالغ كانت معقولة يعنى، كمان ماكانش بيرضى ياخد الدواء، أهله ما جابهوش يعنى ما ابتدوش يشتكوا للدكاتره إلا لما ابتدى يسرق مبالغ كبيرة، مامته بتشتغل طول النهار وسايباه مع جدته.
د.يحيى: إنت قلتى ما عندوش أخوات مش كده؟؟
د.جميلة: أيوه، وأبوه ومامته منفصلين، مامته هى المسئولة وهى اللى بتصرف، الأب بيشتغل شغل كده يعنى مش دائم ممكن يكسب وممكن ما يكسبش، قاعد يدخن شيشة طول النهار.
د.يحيى: بقالك قد إيه بتشوفيه؟
د.جميلة: بقالى يمكن يعنى شهرين، أو شهر ونص مش فاكرة قد إيه بالظبط، هو سؤالى دلوقتى إن هو أغلب الحاجات عرفنا نعملها واحدة واحدة، الولد يعنى ذكاؤه كويس، وفى المدرسة لما ضغطت عليه ابتدى يتلم، ابتدى يزيد قعاده فى البيت، ابتدينا نظبط الوقت وكله، إلا حكاية السرقة دى، ومؤخرا ابتدت المبالغ تزيد قوى، هى مامته بيبقى معاها فلوس شغل هى مش غنية بس فلوس شغلها يعنى ممكن يسرق 7000 جنيه، 3000 جنيه، فى مَرَّات أمه بتلحق الفلوس ومَرَّات ما بتلحقهاش، وعملنا كذا مرة مواجهة، يعنى مش بيستجيب قوى، حاسة إنها مش بتفرق معاه، مثلا فى العيد كان طالع رحلة قعدناه فى البيت ما سافرش، فضل قاعد وشلت له فيشة النت وكل حاجة، برضه فضل قاعد فى الأوضة 3 أيام، ما بتفرقش معاه، زى ما يكون الحل اللى وارد على ذهنى دلوقتى هوه دخوله المستشفى بس هو ماشى فى المدرسة كويس وبيذاكر والمدرسين بيقولوا إنه كويس فى المدرسة.
د.يحيى: السؤال بقى؟
د.جميلة: أعمل إيه طيب مش عارفة أعمل إيه؟
د.يحيى: فى إيه؟
د.جميلة: فى السرقة، يعنى يبقى ماشى من عندى وعاملين اتفاقيات…….
د.يحيى: وصلت لإيه؟
د.جميلة: الأسبوع اللى فات سارق 7000 جنيه.
د.يحيى: منين بس 7000 جنيه؟!
د.جميلة: فلوس شغل أمه، وبيعمل ألاعيب لحد ما ياخد، يعنى اتفقت معاها إنها تبقى هى واخده بالها وإنها دايما تبقى قافلة الأوضة والأدراج.
د.يحيى: والقانون بيقول إيه؟
د.جميلة: مش عارفة…
د.يحيى: مش دى سرقة رسمى ولا إيه؟ خلّى بالك عشان عدم الخلط، عموما 7000 جنيه كتير يا بنتى، ودى فلوس الشغل بتقولى..
د.جميلة: آه.
د.يحيى: بيسرق 7000 جنيه وهو عنده 11 سنه من مامته، إزاى بس؟ هى أمه بتبقى حاطة الفلوس فين؟
د.جميلة: بتبقى حطاها فى شنطتها، والشنطة فى الأوضة بيعمل ألاعيب فظيعة، بيعرف يتصرف.
د.يحيى: إزاى بيعرف يابنتى؟! أنا مش فاهم، مرة مرتين فى الأول معلشى، إنما كده، على طول، أنا مش عارف!
د.جميلة: هى بتقولى إنه بيعرف ياخد المفتاح بطرق غريبة.
د.يحيى: هى يعنى للدرجة دى، تلاقيها مشتركة معاه من تحت الترابيزة، يعنى تحت الوعى.
د.جميلة: ما انا قولت لها كده برضه.
د.يحيى: لأ دى مش حاجات تتقال، دى تتحط كفرض بصفة مبدئية، أصل ده احتمال نادر، من ناحية تكون بتغطى عليه عشان تتنيها ما سكاله حاجة تكسره قدامها، ومن ناحية تانية يمكن هى اللى تكون حرامية وهو بيسرق بالنيابة عنها، حاجة على نمط اللى بيقولوا عليه “الجنون المـُقـْحـَم”([50])، ده بنشوفه فى أمراض تانية، بس نادر فى السرقة، أنا شخصيا لاحظت مثلا إن أم تجيب بنتها وتقول إنها بتهلس وكلام من ده، أبتدى أشتغل، ألاحظ إن ساعة ما تيجى بنتها تبطل تهلس تلاقى الأم قِلْقت بصحيح بدال ما تفرح وتزقطط، أتارى البنت بتتصرف –لاشعوريا- بالنيابة عن أمها، حاجة زى كده، أنا آسف، أنا قلت الحكاية دى عدة مرات، هى احتمالات بايخة لأن فيها اتهام للأم، فبتبقى دمها تقيل كده شويتين، بس الواحد يعمل إيه، الواحد بيشوفها بعينه، مثال تانى باشوفه برضه: ييجى الأب هات يا خُطَب أمر بالمعروف ومواعظ، والواد مدمن وابن ستين وبتاع، ييجى الواد يتعالج ويبطل، تلاقى الأب فى الزيارة أول مايعرف إن ابنه بطل، تلاحظى إنه مش مستريح، كإنه مش عايز ابنه يبطّل، أحط فرض إن إبنه بيضرب بالنيابه عنه، ما علينا نرجع للحالة: لما الأمور توصل لمبلغ 7000 جنيه، والأم عارفة، وبيسرق المفتاح، يبقى مافيش منطق، هوا إيه؟ أرسين لوبين؟!
د.جميلة: هو التصرفات دى مع مامته غريبة، بس هى بتأكدها.
د.يحيى: عندنا فى بلدنا يقولوا إيه “المال السايب يعلمّ السرقة” وبرضه بيقولو: “الباب المقفول يمنع القضا المستعجل” قصدهم يعنى إن القضا المصمم مافيش حاجة تمنعه، إنما لما يكون واحد ماشى كده ويقولك يلا نحوّد نسرق ما يضرش قوام قوام، ويلاقى باب مقفول يرجع فى كلامه، لو مفتوح يخش ويسرق، أنا حاسس إن الست دى مش واخداها جد قوى، مع إن هى ياعينى اللى بيتخرب بيتها، إذا ثبت لا قدر الله إن فيه اتفاق سرى (لا شعورى) بينها وبين إبنها، يبقى فيه رغبة خفية يمكن للتفويت عند الأم، لازم نبحث الأمر ونواجه الأم بطريق مباشر وغير مباشر، مهما كان احتمال انزعاجها.
د.جميلة: ما هو ساعات لما بتقّفل قوى ممكن برضه ياخد من جدته، يعنى طول الوقت موضوع السرقه هو أكتر حاجة…
د.يحيى: ما هى الجدة والدة، إنتى مش بتقولى مامته بتشتغل طول النهار، وسايباه مع جدته؟!
د.جميلة: بس هو بيسرق من مامته أكتر بكتير.
د.يحيى: ما الإمراضية (السيكوباثولوجى) مع مامته الحقيقية هى الأصل، وبرضه فلوس مامته باين أنها أكتر وأسهل، وأظن إن اللى زود الحكاية غياب الأب بالانفصال اللى بتقولى عليه.
د.جميلة: طيب نعمل إيه؟
د.يحيى: ماهو مادام المسألة برغم كل الجهود دى والاحتياطات دى مستمرة وبتزيد زى ما بتقولى، يبقى لازم فيه حاجة بتغذيها، بتساعد على استمرارها.
د.جميلة: ما هو ده اللى خلانى أفكر فى المستشفى.
د.يحيى: المستشفى مش مكان عقاب، ولو إن مجرد دخول المستشفى ساعات بيقوم بالدور ده، لكن ضمنًا، ما هو يمكن برضه يسرق هنا فى المستشفى، إيه المانع؟ ساعات دخول المستشفى بيبقى فى السن دى (وغير السن دى) نوع من الخَضَّة، أنا باسميه “دخول الصدمة:”([51])، يعنى يدخل يوم، يوم ونص، عشان من ناحية نشوف دور أمه وتفاعلها، ومن ناحية يعرف الولد إن الحكاية مش سهلة زى ما هى ماشية معاه كده.
د.جميلة: يعنى أأجل الاقتراح ده؟
د.يحيى: طبعا، ممكن تلوحى بيه، وما تنسيش إن الواد لسه سنه 11سنة، والجماعة دول لما بيكبروا يمكن توصل لهم حاجات تانية، تخلّيهم – يـِعـَدُّوا لو قِدرنا نحسـِّن الظروف المحيطة، ثم ما تنسيش انفصال أمه عن أبوه، مش يمكن هى بتلوى دراع أبوه، ولو من بعيد عشان يعرف هو جَنَى على إبنه إزاى؟!
د.جميلة: طب والدوا؟
د.يحيى: الدوا بيساعد لما يكون عندنا شك إن السلوك ده بديل عن نشاط ذهانى مثلا، وده عايز معلومات عن التاريخ العائلى بشكل دقيق شويتين، وبرضه عن النوم، وإنتى بتقولى إنه ماشى فى المدرسة، وما بيسرقشى من المدرسة، وده اللى خلأنا نركز على العلاقة بالأم (والأم الكبيرة: الجدة)، إنما برضه فيه دور للدوا لو فيه أعراض ثانوية تحتاجه، إنما إنتى بتقولى إنه مش منتظم على الدوا ومع ذلك بيذاكر وينام، يبقى الدوا فى المرحلة باين دى مالوش لازمة قوى، عموما إذا حبيتى تجييبه أشوفه معاكى متابعة هو وأمه، أنا موجود.
د.جميلة: شكرا.
****
التعقيب والحوار:
د. على الشمرى سليمان:
قد تكون الأم جزءاً – فعلا – من المشكلة. وأنا أتساءل هل هناك مايثبت أن الولد فعلا سرق مبالغ كبيرة كما ورد بالتقرير؟ هل قال صراحة أمام الدكتورة إنه فعلا أخذ المبالغ من شنطة والدته؟ وكما ألمح الدكتور يحيى إلى غرابة مايحدث، مبالغ كبيرة توضع هكذا فى أماكن يمكن الوصول إليها بسهولة! أقول ربما رواية الوالدة مفبركه من أصله وانها تهدف من وراء ذلك إلى أشياء غير التى تبدو فى الصورة. أرى أن يتم الجلوس مع الأم وعمل مايشبه دراسة للوصول إلى نتائج موضوعية حول مايحدث ومن ثم علاج ما يمكن علاجه وشكرا لاتاحتكم الفرصة لنا للمشاركة فى إبداء الرأى.
د. يحيى:
…تنبيه طيب، وأرجو من الزميلة أن تضع ذلك فى الاعتبار، مع الحذر ألا تنسى نفسها فتبدو كأنها محققة وليست أمًّا وطبيبة، وصديقة، مهما كان مدى انحراف الصبى، أو مدى مساهمة أم الصبى فى الإمراضية.
أ. محمود سعد:
أحيأنا يقوم المريض بتصرفات نيابة عن أمه أو أبوه هذا معروف لأن الجنون أحيأنا يؤدى وظيفة ما لقريب ملتصق بالمريض حسب ظنى، لكن ماذا يمكن أن تؤدى السرقة من وظائف للشخص القريب خصوصا إذا كان هو المسروق، وأيضا إذا كان المبالغ بهذا الحجم الذى يبدو وأنه يمكن أن يؤدى إلى خراب البيت؟
د. يحيى:
الجنون يؤدى وظيفة للشخص المقحِم (بكسر الحاء)، أى أن المريض يُجنّ بالنيابة، لكننى لم أقل إنه يؤدى وظيفة للشخص المسروق، الشخص الذى يُقحم اختلاله فى الأضعف أو الأصغر، هو شخص الأكبر، أو الطاغى أو المرسوم (الأم هنا)، هنا نفترض – بتردد شديد- أنه يوجد سارق بداخل هذا الأكبر (نزعة ضد المجتمع، أو نزعه امتلاكية احتكارية) فيقوم السارق الأصغر بالسرقة نيابة عنه، ويتساوى فى ذلك أن يكون المسروق هو نفس الشخص المقحِم لإمراضية فيه، أم غيره، هذه السرقة قد تكون نابعة من داخل الشخص الذى يقحم إنحرافه فى الضحية، ثم إنى يا محمود ضربت مثل البنت منحرفة السلوك، والإبن المدمن، وكيف أننى لاحظتُ فى خبرتى أن الأم لا تفرح كما أتوقع حين تتوقف البنت عن سلوكها المنحرف، وكذلك الأب يضطرب حين يكف الإبن عن التعاطى، وكلا المثلين لا يشيران إلى “مرض صريح”، أو جنون، ولكنهما يستعملان نفس الآلية “الميكانزم”، وهذه الافتراضات نفسمراضية (سيكوباثولوجية) أساساً.
أ. محمود سعد:
أنا أرى أن المستشفى فعلا قد تكون صدمة يحاول بعدها المريض التفكير فى خسائرة المحتملة إذا استمر فى مزاولة مرضه ويعرف أن للمرض ثمن، لكن يبقى تخوف وهو تكيف المريض مع مثل هذه الصدمات وهذا يـُسبب مآلا شديد السوء على المريض.
د. يحيى:
فكرة دخول المستشفى الصدْمى، ينبغى أن تحسب بدقة، وأن تكون المدة شديدة القصر (يوم أو اثنين عادة) وأن يكثف فيها التأهيل لإبلاغ الرسالة، وألا تتكرر بسهولة وإلا تفقد صدميتها، وأنا أرى أن تحفظاتك فى محلها.
أ. منى أحمد:
أولا العنوان جيد فعلا المستشفى ليست سجنا للتأديب والعقاب أعتقد أنه توجد حلقة مفقودة فى الحالة، هوّ ليه الواد ده بيسرق من أمه بس؟
د. يحيى:
فى كتابى الأول “عندما يتعرى الإنسان” كتبت قصة قصيرة كانت مباشرة تقريبا (كان ذلك سنة 1968) لكن الناس أثنوا عليها. كان بها سارق مثل حالتنا، أفتقد الرؤية والرعاية والحب من أمه بالذات، فأصيب بما أصيب به صاحبنا هذا، أنا لم أقرأ هذه القصة منذ أربعين عاما واسمها (فى القفص) “من كتاب عندما يتعرى الإنسان”، ويمكن أن ترجعى إليها فى الموقع لعلها تجيب على تساؤلك.
أ. منى أحمد:
– الولد سنه صغير أوى ولازم كل فعل معاه يكون محسوب لأنه فى سنه ده مش بينسى أى موقف وكمان بيفسره على حسب خبرته.
د. يحيى:
هذا صحيح، ولكن خبرتى تقول إن الأصغر أسهل فى تعديل سلوكه، لأنه مازال مرنا قابلا للتشكيل، وهذا أيضاً هو ما بلغنى من ابنتى “مى”، وهذا هو اختصاصها.
د. محمد الشاذلى:
– ولد عنده 11 سنة ويسرق هذه المبالغ الضخمة فى ماذا ينفقها؟
د. يحيى:
لا أعرف، ولكن أظن أن أمه أحيانا كانت تلحق بعض المبلغ قبل أن ينفقه جميعه.
د. محمد الشاذلى:
– إذا افترضنا هذا الشكل من العلاقة مع الأم، لابد أن نرى العلاقة بين الأب والأم والعلاقة بين الأب والمريض، أفترض أن هذا الشكل من العلاقة من ناحية الأم ربما لكونها علاقة تعويضية لاحتياج ما أو علاقة احتجاجيه على الأب/الزوج.
د. يحيى:
برجاء قراءة ما جاء فى الردود السابقة، وفيها إشارة إلى هذه العلاقة الاحتجاجية التى تشير إليها.
==============
الحالة: (17) الأولاد ليسوا مشروعاً استثماريا
الحالة: (17) الأولاد ليسوا مشروعاً استثماريا
الحالة: (17)
الأولاد ليسوا مشروعاً استثمارياً ([52])
د. عبده أحمد: هو حاله حضرتك محولهالى بقالها دلوقتى معايا سنتين تقريبا، شاب عمره دلوقتى 20 سنه ماشى فى الـ 21 فى سنة تانية كلية قمة جامعة إقليمية.
د.يحيى: آه آه…، أخباره إيه؟
د. عبده أحمد: أخباره مش تمام، يادوب نجح فى مادتين سهلين.
د.يحيى: طب وبعدين؟!
د. عبده أحمد: يعنى هو زى مايكون كل ما نيجى نواجهه بالموقف بتاعه يقول أنا عاوز أتقدم، أنا عندى أمل، مش عارف إيه، نفس الكلام، هوه هوه
د.يحيى: وبعدين؟
د. عبده أحمد: وبعدين الأهل موقفهم مايع، أنا مش مصدقهم، عمالين يقولوا موافقين موافقين، يعنى بيقولوا اعملوا كل اللى انتوا شايفينه مناسب إنشا الله حتى لو يسيب الكلية خالص، أو يسيب الدراسة خالص، شكلهم كده يعنى إن هما عايزين يفهمونا إنهم حاطين ثقتهم فينا.
د.يحيى: بيقولوا كده بأمارة إيه!!؟
د. عبده أحمد: ما أنا مش مصدقهم طبعا.
د.يحيى: أنا فاكر أخوه كان معاه لما جه الكشف أول مرة، حاجة زى كده.
د. عبده أحمد: أخوه سبقه فى نفس الكلية برضه.
د.يحيى: سبقه؟!! وهوّا أصغر منه!
د. عبده أحمد: بقى فى سنة تالتة .
د.يحيى: طيب وأخته؟ أظن هى كانت فى نفس السكة برضه.
د. عبده أحمد: أخته حصّلتُه بقت معاه.
د.يحيى: كده!! كده!؟
د. عبده أحمد: أيوه.
د.يحيى: اسم الله، اسم الله! وبعدين؟
د. عبده أحمد: وبعدين أنا مش عارف أعمل إيه فى الحقيقة، يعنى فكرت يدخل المستشفى للتأهيل ويذاكر، حصل ييجى أسبوعين ما نفعشى، خرجته، قلت ييجى المستشفى النهارى، النتيجة هى هى.
د.يحيى: وبعدين؟ هو ما عندوش أى أعراض تانية غير الوقفة دى؟
د. عبده أحمد: هو سلبى على طول الخط، حسب كلامهم يعنى هو ما عندوش أى أعراض تانية غير شوية شكوك على أخته وحاجات زى كده، وحتى دى اختفت كلها مافيش دلوقتى غير أعراض سلبية اللى هى الإقامة المتصلة فوق السرير.
د.يحيى: سرير انفرادى يعنى؟
د. عبده أحمد: تقريبا.
د.يحيى: والسؤال بقى؟
د. عبده أحمد: ما أنا سألت، هو بياخذ دلوقتى أدوية بجرعات محترمة عشان الأعراض السلبية دى.
د.يحيى: عايز الحق ولاّ ابن عمه؟!
د. عبده أحمد: ابن عمه.
(ضحك).
د.يحيى: أنا من يوم ما شفتة من قبل ما أحوله لك بأسبوع أو أسبوعين وأنا حاسس بالشعور ده اللى انت حاسس بيه دلوقتى، كنت حاسس برضه إنى مش عارف أعمل له حاجة، بس كان أياميها بقى كنت حاطط اللوم على أهله، كنت حاسس إن المصنع اللى أقاموه فى الخليج له وظيفتين، إنه يجيب فلوس ويدخّل العيال الكلية دى، واهو كله استثمار، ما دام أبوهم بيكسب فلوس ومضحى ومتغرب، يبقى لازم يحقق أحسن حاجة فى كل حاجة، أحسن عيال، وأحسن نمر، وأحسن كلية، وأحسن مفرش سفرة، وأحسن طقم صالون، وكلام من ده، إحنا قلنا الحكاية دى كذا مرة، كأنها بقت قاعدة، تلاته فى نفس كلية القمة، باسم الله ما شاء الله، إتنين سلكوا، يبدوا إنهم بقوا شركا فى المشروع، وواحد رقد فى الخط راح واقف وقال مش لاعب، مش عايز، مش أنا، بس ما اعـْرِفـْشـِى يحط بديل، قال لأ، وانسحب لزنزانة العيا الانفرادى على المرتبة فوق السرير فى أودته، يعنى يا عم الدكتور عبده عايزنى بعد كده أثق فى وعود الأهل الغلابة دول لمّا يقولوا لك إعملوا اللى انتو عايزينه، احنا واثقين فيكم! أهو كلام!!!
أنا باخد عليك وعلىّ إن المدة طالت زيادة عن اللزوم، لو كنا وضعنا الحكاية أبيض واسود من الأول يمكن كانوا فاقوا، بس الصعوبة إنهم مسافرين، ما فيش هنا معاه غير أخوه وأخته اللى ماشيين زى القطر، أنا عادة لما باعرض العرض البديل ده، بيبقى زى الصدمة، باقولهم يا إما يشتغل بكره بكره، سبع ساعات يوميا، أو حتى بالتدريح نبتدى ساعتين عمل يدوى تزاد ساعة كل أسبوع، وعمل بحق وحقيق، يا إما يذاكر فورا ويروح الكلية يوميا ونتابعه كأنه فى سنة أولى روضة واللى يحصل يحصل، وهو اللى يختار، الولد عادة ساعتها يبتسم ويبص لأهله عشان عارف إنه ضامنهم إنهم بعد كل الغربة والشقا ده مش حا يقدروا يشوفوا إبنهم بيشتغل عمل يدوى، أنا ليه باقول لك الكلام ده، عشان حكاية إن إحنا اتأخرنا فعلا، أنا بافكرك بحكاية “يشتغل بكره دى”، مش بعد سنة ونص يا عم عبده، هم بيقولوا يسيب الدراسة، أو يسيب الكلية بس إيه اللى جوا جواهم، هما مش مستعدين إنهم يعلنوا إن تلت المصنع اتقفل (ما هم تلاتة)، مع إن المسألة خسارة ألعن بمرور الوقت، خلى بالك إن الزمن مش فى صالحنا، المخ بيكسل يجمّع ويربّط لحد ما يقف، والإرادة بتتشل، والعواطف بتتبلد، بمرور الوقت، ونتيجة للحبس الانفرادى فوق مرتبة السرير، تلاقى التشخيص اتحول من صعوبة تكيف وموقف احتجاجى إلى شلل عام بقى زى ما انت شايف، وهات يا شيزوفرينيا سلبية وكلام من ده، والحكاية بدأت بقلة المذاكرة لواحد متفوق زيه زى أخواته، والإحراج لما تحاول تفهمهم أصل وفصل الحكاية، يقولوا لك إشمعنى اخواته، ماهم فى نفس الظروف، عندهم حق، بس الاختلافات الفردية بتسمح بكل التباديل السلبية والإيجابية.
د. عبده أحمد: يعنى نعمل إيه دلوقتى؟
د. يحيى: إذا كان الاهل جادين فى قبول النصيحة، وأنا مازلت بعد سنتين باشك فى جديتهم، مش باتهمهم يعنى، لأ دى مسألة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، إذا كانوا جادين فعلا نبتدى مغامرة الرجوع إلى أرض الواقع، نوقف قيده رسمى، ويشتغل بكره، واللى يحصل يحصل. خلى بالك وقف القيد غير سحب الأوراق، أنا ساعات باغامر بسحب الأوراق لما ألاقى اللاشعور بتاعهم أو بتاعه بيلاعبنى، إنما بشرط واضح إنه يشتغل 8 ساعات مع واحد معلم حلو وجدع، أظن لو الحكاية جد جد، شهر اتنين خمسة حايقول “حقى برقبتى”، ويرجع يتفوق تانى وبعدين تفرج بعد ما يتخرج، الاحتمال التانى اللى هو ألعن، وما باحبـُّوش برضه هو إنه يحول من كليته الهايلة دى إلى كلية ما لهاش أى لازمة، عنده أو عندهم، أهى شهادة والسلام، وأنا ما اضمنشى ساعتها حايكمل بجدية ولا لأ، حتى فى الكلية الخايبة الجديدة.
د. عبده أحمد: يعنى أبدأ معاه ومعاهم تانى بهذا الشكل؟
د.يحيى: طبعا ربنا يقدرك.
د. عبده أحمد: بهذا الوضوح؟
د.يحيى: أيوه، بس أنا رأيى تضمن الأهل الأول، إوعى تفتكر إننا اتأخرنا يعنى نبطل محاولة، اتأخرنا، ماشى، لكن ملحوقة، ويمكن قبل كده الأهل كانت حا تبقى مقاومتهم أكبر.
د. عبده أحمد: إزاى؟!
د.يحيى: خلى بالك، الأهل حا يقولو لك إعملوا اللى انتو عايزينه، إوعى يسرقوك يوم بعد يوم تانى، بكره يعنى بكره، نبقى يوم التلات تقولهم يروح لورشة الميكانيكى اللى جنبكوا يوم الأربع، وتدوا للمعلم الميكانيكى فلوس عشان يشغله بلية عنده، 8 ساعات يوميا، الخواجات يقولوا لك حرية ومش حرية، لكن عادة مافيش أب بيصرف على ابنه وهو عنده 21 سنة ويسيبه يِدْفى فى السرير كده، احنا بلد غلابة مش حِمْل الكلام اللى ببلاش ده، الحرية هى إنه يخف الأول ويستقل، ويكسب عشان يعرف يبقى حر، مش يقعد على المرتبة عالة على أهله بقية عمره، لما تبقى الحكومة تعمل تأمينات، وتستغنى عن اللى زيه طول العمر يبقوا يقولوا حرية، إنما طول ما احنا هنا غلابة، والناس بتثق فينا، نعمل كل الصالح لحد ما العيان يرجع كائن حى نافع، واللى يحصل يحصل، مش كده ولا إيه؟
د. عبده أحمد: كده،….. ربنا يسهل
د.يحيى: حايسهل، ما دام نعمل اللى علينا، حايسهل.
****
التعقيب والحوار:
د. على الشمرى:
فكرة العلاج بالعمل فكرة ممتازة ربما تعيد توسيع مساحة الوعى لدى هذا الطالب والمريض فى نفس الوقت، ولكن فى بعض الأحيان يكون التخصص يمثل مشكلة بالنسبة للطالب وقد تتحول إلى مشكلة مرضية خاصة إذا لم يتوافق التخصص مع القدرات والاستعدادات والميول والسمات الشخصية وهى شروط أساسية للنجاح عادة نهتم بها كثيرا فى عالمنا العربى.
د. يحيى:
أعتقد أنه ينبغى علىّ أن أوضح أكثر ما ذكرته فى حالة الإشراف هذه، وهو ما لا ينطبق عليه الشائع التقليدى المسمى العلاج بالعمل([53])، إن ما أعنيه هو أن مجتمعاتنا وثقافتنا التى تفتقر إلى مظلة التأمين الشامل، والتى تمارس علاقة واهية بكل ما هو عمل أو إنجاز أو إنتاج، وأيضا العلاقات مخلخلة بقيمة الوقت وإيقاع الزمن، كل هذا يحتاج منا أن نضع العمل العادى فى الحياة (وليس عنوان العلاج بالعمل) فى موضع متقدم ومحورى، كوسيلة علاجية عملية طول الوقت، وأيضا باعتباره محكّا لمسيرة العلاج، هذا ما كنت أعنيه تقريباً، ودائماً.
ومن فرط اهتمامى بأن يتضح هذا المفهوم، الذى يتكرر ذكره كثيرا هنا فى باب “الإشراف عن بعد”، وأن أميزه عن غيره، حاولت أن أنحت له اسما خاصا هو “العمل العلاجى”([54]) لأميزه عن “العلاج بالعمل”، وأعنى به أن العمل، “حالة كونى أعمل”: هو نفسه المحك الأساسى للصحة وهو شرط أن أكون سليما، وفى نفس الوقت هو الطريق إلى السلامة.
ولا ننسى حكمة فرويد قبيل رحيله حين أوجز تعريف الصحة النفسية فى: “أن نعمل” و”أن نحب”.
هذا أقرب إلى ما أعنيه.
د. على الشمرى:
هناك طريقة تستخدم فى بعض المجتمعات الغربية ولا أعرف هل يمكن تطبيقها لدينا أم لا؟ سواء من حيث الإمكانيات، وتتلخص هذه الطريقة “أن يأتى الشخص وبمحض إرادته ويدخل فى تجربة تتميز بنمط حياة صارم ويواجه ضغوط نفسية حقيقية (لمعرفة واختبار القدرة على التحمل) ويعيش بظروف فيها شى من القسوة والعزلة والمفاجآت غير السارة لمدة أسابيع أو أشهـُر حسب الإتفاق. والذين خرجوا من التجربة أشاروا أن فى حياتهم جوانب جميلة جدا لم يدركوها إلا بعد التجربة وأنه حدثت تغيرات مهمة فى حياتهم، ربما تصلح هذه الطريقة لمثل هذه الحالة لإحداث تغيير جوهرى فى حياة الإنسان.
د. يحيى:
أعتقد أن هذه التجربة هى قريبة نوعا ما مما نمارسه فى المجتمع العلاجى الذى أنتمى له فى المقطم، قد يكون الفرق فى درجة الاختيار، لأننا نمارسه مع أغلب المرضى باعتبار أنهم اختاروا “المجتمع العلاجى” بكل تفاصيله ومن بينها هذه الظروف القاسية، أو قل الخشنة، نسبيا. ربما.
د. نعمات على:
لا أعرف لماذا هذا الولد توقف ولم يتوقف أخوه وأخته؟؟
د. يحيى:
هذا سؤال مهم، خاصة حين تكون الفروق شديدة جداً، أخ مهذب ورائع ومتفوق، وأخت نموذجية (بالمقاييس التقليدية). وأخوهما متوقف أو منسحب أو على وشك التفسخ هكذا.
المنطلق الأساسى هو أنه لايجوز الربط المختزل بين السبب والنتيجة، فلا نحن متأكدون من طبيعة وحدود السبب مثل فساد الجو الأسرى، ولا نحن واثقون أن ما حدث هو نتيجة له، كما أنه علينا أن ندرس جيدا كل حالة سوية أو مرضية، على حدة، باعتبارها حالة فريدة حتى لو وجدت فى نفس الظروف حيث أن أية كلمة هنا أو موقف هناك قد يحـّول مسيرة النمو كلها إلى هذه الوجهة أو تلك.
أ. منى أحمد:
أنا رأيى إننا نوقف قيده زى ما قال د. يحيى ونخليه يشتغل عند شخص موثوق فيه حتى لو حاتعطى للشخص ده مرتب المريض عشان يحس المريض بأنه اشتغل وجنى ثمار ذلك، ربما يغير مما هو فيه.
د. يحيى:
برجاء أن تنتبهى أن الأرجح أن الأهل عادة لا يوافقون، وإن وافقوا فإنهم سرعان ما يتراجعون، بعد بضعة أيام لا أكثر حسب تجربتى للأسف.
أ. منى أحمد:
ويمكن أن يكون الشغل له نتاج جانبى.
الأول: أن يعود المريض لتفوقه ويبتعد عن الشغل.
الثانى: أن يعجب بالعمل ويكمل فيه ويترك التعليم نهائى وفى كلا الحالتين سوف يحصل على فائدة لا شك فيها.
د. يحيى:
هذا صحيح، من حيث المبدأ، لكن الخوف – وهو ما يحدث عادة- هو أن يلتقط المريض أن حكاية العمل هذه ليست بهذه الجدية التى قد تنتهى إلى أن يكون هذا هو غاية مصيره، وحين يلتقط عدم الجدية هكذا – خصوصا من الأهل– عادة ما تفشل المحاولات قبل أن تبدأ، وحتى لو التقط المريض الفكرة ووصلته إيجابية توظيفها، فإن الأهل يرفضون فورا أو بعد زمن قصير جدا، وتصبح المسألة أصعب فأصعب.
==============
الحالة: (18) ..متى نتصل بالمريض؟
الحالة: (18) ..متى نتصل بالمريض؟
الحالة: (18)
.. متى نتصل بالمريض؟ ([55])
د.مراد: هى بنت، عندها 28 سنة، بتشتكى من إنها مش قادرة تحس سواء بحزن أو بفرح، بيحصلها حاجات تانية، مثلا: رجليها توقف ما تقدرش تمشى عليها مدة قصيرة يعنى دقايق أو أقل، ساعات دراعها بيوجعها قوى وما تقدرش تحركه، مرة من المرات برضه عنيها شعلقت لفوق يمكن من الدوا، اللى أنا يعنى عايز أتكلم فيه إن الجلسة اللى قبل الأخيرة وإحنا قاعدين فى نص الجلسة بالظبط فجأه قامت وقالت أنا مش حاقدر أكمل، وراحت قايمة ماشية يعنى الحتة اللى أنا اتزنقت فيها بالظبط هى: أعمل إيه فى ده؟ يعنى أنا ما عرفتش ساعتها، ثم وبعد كده لما تيجى المرات الجاية إذا جت، اكمّل ازاى؟
د. يحيى: بتقولى قامت بعد قد ايه؟
د. مراد: بعد نص الجلسه بالظبط.
د. يحيى: بعد نص ساعة يعنى؟
د. مراد: أيوه 25 دقيقه تقريبا، يعنى إحنا قعدنا 25 دقيقة وراحت قايمة.
د. يحيى: هى بقى لها معاك قد إيه؟
د. مراد: 6 جلسات.
د. يحيى: بتشتغل؟
د. مراد: لأ هى ما بتشتلغش بس هى يعنى، خلصت دبلومة فى مجال تخصصها وبتحضر ماجستير دلوقتى يعنى حتسجل قريّب.
د. يحيى: السؤال بقى؟!
د. مراد: ما أنا سألت السؤال، هو أعمل إيه ساعتها، كنت أعمل إيه ساعتها؟
د. يحيى: طب ما تقولى لنا إنت الأول عملت إيه، وبعدين نعلق على اللى جرى.
د. مراد: يعنى اللى حصل وقتها إن اللى جه فى دماغى ساعتها يعنى، إن أنا أكمل وقت الجلسة حتى من غير ما نتكلم طالما هى مش قادره تقعد.
د. يحيى: ما خلاص، هىّ مشيت.
د. مراد: آه، ما هوّه ده المقلب، إنها هى مشيت.
د. يحيى: ليه مقلب؟!
د. مراد: أصل اللى جه فى دماغى أنا ماعملتوش، أنا لو عرفت إنى أخليها تقعد، دا كان الحل اللى فى دماغى، إننا نسكت.
د. يحيى: بصراحة اللى خطر فى دماغك ده جيد، بس صعب، لازم العلاقة تبقى أقدم شوية، ومضمونة شويتين عشان تقعدوا ساكتين قوى كده، السكات أصعب من الكلام.
د. مراد: ما أظنش كنا حانستمر مدة كده.
د. يحيى: طيب السؤال إيه دلوقتى؟ ما هى مشيت وخلاص.
د. مراد: السؤال أعمل إيه بعد كده، يعنى موقف زى ده اتصرف فيه ازاى؟
د. يحيى: هيـّا مرتبطة أو متزوجة
د. مراد: أيوه اتجوزت.
د. يحيى: يانهار أبيض، مبروك، طيب نتصور سوا، لو دى بنت عادية، يعنى قبل ما تتجوز، وإنت ماشى معاها، وقاعدين سوا فى حتة، وشديتو مع بعض، أو حصلت وقفة لأى سبب، وهى عملت معاك كده تعمل إيه؟
د. مراد: حسب يعنى..
د. يحيى: ما هو برضه فى العلاج النفسى يا أخى: “حسب يعنى”.
د. مراد: آه يعنى حسب.
د. يحيى: طيب، مش إحنا اتفقنا إن العلاقات الإنسانية واحدة، الفرق هو فى الإلتزام المهنى، والتنظيم، والتعاقد والهدف؟!
د. مراد: بصراحة، أنا ماليش خبرة.
د. يحيى: هوّا انت صاحبت بنات قبل ما تتجوز؟!
د. مراد: مرة واحدة بس مش مصاحبة مصاحبة، يعنى.
د. يحيى: خلاص خليها فى سرك، وخلى خيالك يشتغل، يعنى لو انت مصاحب واحدة وقابلتها، وراحت عاملة العملة دى، تعمل إيه؟
د. مراد: أنا قلت “حسب”.
د. يحيى: بالضبط، شوف يا ابنى، أحسن حاجة فى العلاج النفسى إنك انت تمد إيدك كده على المجتمع اللى أنت فيه، واللى المريض منه، وتروح جايب عيّنه فى خيالك أو ذكرياتك وتشوف إيه اللى جارى حواليك وتقيس بيه، وإلا حاتبقى بعيد عن الواقع الحقيقى بتاعنا، يبقى انت عليك دايما تفكّر نفسك بالفروق الثقافية دى. تفتكر الثقافة اللى انت منتمى إليها واللى مريضتك منتميه اليها، دى المقاييس اللى تقيس بيها، وما تناساش احتمال اختلاف الثقافات الفرعية، يبقى ساعتها الثقافة الفرعية بتاعة المريضة أَهَمّ، يعنى لو هى من الزمالك وانت من السيدة يبقى اللى ماشى فى الزمالك أهم، وهكذا، وبعدين تحط نفسك مرة مطرحك، ومرة مطرحها، يعنى لو انت شخصيا فى موقف زى ده، حتجرى ورا البنت صاحبتك وتلاحقها وتكلمها فى التليفون، ولا حاتتقل لحد ماتشوف آخرتها، بالنسبة للحالة دى، ولو من بعيد ولو بدرجة بسيطة المسألة فيها بُعد شخصى يتعلق بشخصيتك، وبخبراتك السابقة وفيها بُعد حرفى متعلق بالمرحلة اللى وصلتم إليها فى العلاج، يعنى مادام فيه علاقة علاجية نشوف حصل فيها إيه، يبقى لازم تبص لنفسك بهدوء وأمانة، يعنى مثلا لو إنتِ صعيدى واعتبرت إن دى إهانة لرجولتك، غير لو إنت من التجمع الخامس “ومتعووودة… داااايما”!! وكلام من ده، وكل ده ما ينفعش نحكم عليه والعلاقة مقطوعة، لازم حاتستنى تشوف إذا كانت حاتيجى تانى، ولا حاتتكلم تانى ولاّ لأه.
فيه احتمال بقى إنك انت تكون بتلوم نفسك على إنك إنت مسؤل عن مشيانها ده، يعنى إنك تتصور إنك انت كنت تقدر تأجل مشيانها أو تلغى مشيانها، وده برضه وارد، ومش عيب، بالعكس ده من حقك تحاسب نفسك، بس مش قوى، ليه بقى؟ إنت عندك كذا حالة غيرها ما مشيوش إنت تلوم نفسك أو تبص قوى فى نفسك إمتى؟ لما ده يتكرر مع واحدة واتنين وكتير بشكل غير مألوف، مقارنة بزمايلك.
النقطه التانية اللى انت لازم تحطها فى حسابك هى مصلحتها وظروفها، وهى ما بتشتغلتش مش كده؟ سيبك من حكاية الماجستير دى، دى مش شغلة، صحيح هى ممكن تملا وقتها بيها، وتمثل لها سند مؤقت لحد ما ربنا يسهل، أنا بنت فى السن دى، 28 سنة، زى ما باقول لكم دايما با ابقى مشغول على البنات، وأتصور اللى باسميه “القوة الطاردة المركزية” اللى بتزق بعيد أى راجل يقرّب بحق وحقيق، يمكن البنت بتاعتك دى إتعودت على التطفيش فعملتها معاك، وجت فيك فى سياق العلاج، أنا بأقول يجوز يعنى، مجرد احتمال.
د. مراد: يعنى ما اتصلش بيها؟ أنا معايا نمرتها.
د. يحيى: لا لا لا عندك، هنا لابد من الالتزام والحسابات حسب الاتفاق فى حدود التنظيم اللى متفقين عليه، صحيح إنت لازم يكون عندك نمرة تليفونها أو نمر تليفون قرايبها، وده مش معناه إنك تكلمها، العيان هوّا اللى يسعى للمعالج، فى بلاد بره، ساعات يدفع مقدما، ولو غاب تضيع عليه الفلوس، عشان إنت فرّغت نفسك فى الساعة دى له، وهوه ضَيّع وقتك اللى كنت مخصصه له، إحنا عندنا هنا الدكاترة طيبين، بس ما توصلش لدرجة إنك تكلمها وإلا المسائل تخش فى بعضها، فيه استثناءات طبعا، مثلا لو كان فيه احتمالات ضرر واضح وجسيم ممكن إنه يلحق بيها، أو باللى حواليها، ساعتها بيبقى عندك التليفون الأقرب ليها، وده من أساسيات التعاقد، لو إنت متأكد من احتمال الخطر ممكن تتصل بأهلها بطريقة رسمية، مش تطلب إنها تيجى، لأ، إنت تطلبهم للحصول على معلومات أكثر عن اللى جارى، وبرضه للتنبيه على الخطر المحتمل إذا شفت إن الحكاية جد، ودى مسائل صعب حسابها جدا، لأنها ساعات ما تبقاش الحكاية خطر خطر، يمكن يكون مشيانها مجرد بتزوغ من ضغطك عليها عشان تحضر إمتحان مثلا، أو عشان تعمل مقابلة مهمة للتوظف، أو عشان تلتزم بالدوا.
د. مراد: يعنى دلوقتى أعمل إيه؟
د. يحيى: ولا حاجة، اللى وصلنى من المعلومات اللى انت قلتها دلوقتى إن العلاقة (العلاجية) ماشية، وإن اللى حصل ده حصل يا دوب الجلسة اللى قبل اللى فاتت، وإن ما فيش خطر قوى ولا حاجة، إنت تستنى بهدوء، وهى حاتيجى، ولما تيجى تبقوا تتكلموا فى ده أو ما تتكلموش، ونشوف سوا، بس خلى بالك لو اتأخرت عن مرة أو جت وما جابتش سيرة خالص عن اللى حصل، ده ماينفعش، فى الأحوال دى بيحصل وقفة وتعاقد جديد، بنسيمه “إعادة تعاقد”، الأمور لازم تتحدد أكتر ونكمل، بس ببداية جديدة غالبا، وبشروط أوضح تحط اللى حصل فى الاعتبار، من غير أى تلميح بعقاب أو قَمْص أو كلام من ده، وبرضه من غير تفويت.
د. مراد: متشكر
د. يحيى: أنا اللى متشكر
****
التعقيب والحوار:
د. أحمد عثمان:
خطر ببإلى ومنذ فترة أن يقوم المريض بدفع قيمة العلاج بالجلسات النفسية الفردية مقدماً، (بمقدار جلسة واحدة فقط) وذلك لزيادة ضمان إلتزام كلٍّ من المريض والمعالج، خاصة بعد أن وجدت أنها تُطْرَح أحيانا من بعض المرضى فما رأيكم فى هذا؟
د. يحيى:
طبعا أنت تعرف يا بو حميد الفرق فى الالتزام بيننا وبين “بلاد بره”، لو أن فكرتك طرحت تطوعا من بعض المرضى، إذن لاحتاج الأمر إلى مناقشة، ويمكن تطبيقها، لكننى نادرا ما صادفت مثل ذلك.
ثم إن إشكالة الحالة التى قُدِّمت لم تكن تركز على هذه النقطة بالذات، وإنما على مسألة السماح بالاتصال بالمريضة بعد انقطاعها أم لا، وأيضا على معنى قطع الجلسة واحتمال قطع العلاج وبالذات موقف الطبيب المعالج الشخصى من شعوره بالترك أو بالهجر أو بالفشل.
د. نعمات على:
اليومية ديه فعلا جاءت فى وقتها لأن عندى مريضة كان عيد ميلادها من أسبوع وكنت عايزه اتصل أقولها كل سنة وهى طيبة ولكنى لم أفعل ولما جاءت فى الجلسة اللى بعد كده عاتبتنى بشدة وزعلت منى ما عرفتش أقولها إيه أنا عارفة أن هناك قواعد فى النظام العلاجى ولا أعرف ما فعلته صح ولا خطأ.
د. يحيى:
العتاب وارد من قبل المريضة، وهو حقها، ولكنى مازلت أنصح بعدم الاتصال من ناحيتنا حتى فى أعياد الميلاد، مع توضيح مغزى ذلك وفائدته فى تشكيل العلاقة المهنية، دون اعتذار بل بإقرار أن هذا يعطى للعلاقة شكلا مهنيا أفضل والشكل المهنى ليس مناقضا للشكل الإنسانى.
د. محمود حجازى:
أوافق على عدم الإتصال بالمريضة للحفاظ على حدود العلاقة العلاجية، أعتقد أن هذه المريضة سوف تعود مرة أخرى وأنها تختبر الطبيب.
د. يحيى:
ربما.
أ. أحمد صلاح عامر:
بالنسبة لهذه الحالة كنت أتمنى أن تساعد الدكتور وتساعدنى بخبرتك أولا لأتجنب هذا الموقف وأيضا لكيفية التصرف بطريقة علاجية حتى لا أفقد إمداد يد العون لهذه المريضة.
د. يحيى:
وهل أنا فعلت غير ذلك؟
أ. هيثم عبد الفتاح:
– هى تفرق لو كانت الحالة دى ولد مش بنت؟
– هل لو كان ولد كان ينفع الضغط عليه علشان يكمل الجلسة؟
د. يحيى:
أظن تفرق، ليس فى الضغط أثناء الجلسة ليكملها، لكن عموما، فإذا دخلنا أكثر فى عمق العلاقة العلاجية: سوف نجدها: “ما تفرقش”
أ. هالة حمدى البسيونى:
مش عارفة حسيت بلخبطة لما حطيت نفسى مكان د. مراد مش عارفة كنت أتصرف إزاى، يمكن اللخبطة دى علشان خبرتى القليلة بس فكرة إنى أتصل بيها شفتها صعبة إنى أعملها، بس ممكن كنت أعملها لو كان الموضوع فيه خطر جامد.
د. يحيى:
أليس هذا هو ما قلناه فى الرد بالضبط؟
ربنا يبارك فيك وينفع بك.
د. هانى عبد المنعم:
مقتنع جداً بأهمية أن نضع فى الاعتبار الثقافات الفرعية فى العلاج النفسى للتعرف على ثقافة المريض المتميزة ما أمكن ذلك، وأجد نفسى عاجزا فى أحيان كثيرة لتورطى مع مريض يمتلك ثقافة غريبة عنى، فماذا افعل؟
د. يحيى:
علينا أن نتعلم من مرضأنا طول الوقت، نعرف ثقافة أهل رشيد من أهل رشيد، وثقافة أهل رأس الحكمة من أهل رأس الحكمة أو الضبعة، وثقافة أهل نجع حمادى من مرضى نجع حمادى، وهكذا وذلك حتى لا نفرض على مرضأنا قيم ثقافة مستوردة، أو قيم ثقافتنا نحن (ثقافة المعالج): معنى ذلك أنه باستمرار الممارسة اليقظة يمكن أن نلم أكثر فأكثر بأبعاد كثير من الثقافات الفرعية فى بلدنا وأحيأنا عند جيراننا (العرب مثلا)، يأتى بعد ذلك دور الإطلاع والقراءة وهو دور متواضع لكنه قد يفيد.
د. عماد شكرى:
كنت أتمنى أيضا إضافة جزء آخر عن التعامل مع اختيارات المريض باستكمال العلاج أو إيقافه ودلالاته بالنسبة للصحة والمرض والنمو والتجمد فقد وصلنى من موقف المريضة اختيار واضح وحاسم بشئ ما وأيضا أتمنى مناقشة مدد العلاج ودلالاته فى يومية أخرى.
د. يحيى:
أوافقك طبعا، ولكن دعنا نؤجل الرد التفصيلى حتى تأتينا تساؤلات عملية محددة من حالات أخرى، ومبدأ إعادة التعاقد مهم أن نفهم فوقيته وشروطه بعد كل أزمة من هذا النوع أو مثله.
أ. عماد فتحى:
وصلتنى أهمية إعادة التعاقد فى مثل هذه الحالات أو المواقف.
بس فيه حاجة تانية: أنا مش فاهم تحديد عملية الإتصال بالأهل أو بالمريض فى حالة وجود خطورة وحضرتك أشرت لذلك، طبعا سبب وحجم تقييم هذه الخطورة بيدخل فيها عامل شخصى للمعالج وبرضه لازم يكون وصل لمرحلة نضج معينة لتقييم ذلك.
د. يحيى:
طبعا، العامل الشخصى مهم جدا فى كل شئ وفى كل خطوة، والإشراف الذى نمارسه وننشره هو السبيل للتقليل من تحيز المعالج وشطحه، وهو أمر إنسانى جدا، وخاص جدا، فهناك معالج يبالغ فى تقييم الخطورة فيبادر بسرعة الإتصال من جانبه، وهناك معالج آخر يقلل من حجم الخطورة، فيقع فى المحظور. الأمور صعبة ولا توجد قواعد عامة ثابتة وكل ذلك مرتبط – كما قلت أنت– بمرحلة النضج المستمّدة جزئيا من الخبرة.
أ. محمد المهدى:
وصلنى من اليومية أن هناك أسبابا قد تتيح للمعالج التدخل والاتصال بذوى المريض فى حالة الخطورة ولكن ما أود السؤال عنه هو: هل هناك مواقف أخرى يجوز للمعالج اتخاذ هذا الموقف؟ وهل يكون فى ذلك إفشاء لأسرار المريض (مثلا لو مريضة تحب شخصا ما وأهلها لا يعلمون وأخبرتنى بأنها تنوى الهرب معه والزواج به)؟
د. يحيى:
الخطورة والطوارئ تقاس بحسابات موضوعية، مثل أية خطورة، أو طوارئ طبية، كل ما يحتاج إلى تدخل فورى وإسعاف نشط لمنع ضرر جسيم هو خطر، لكن نحن هنا نناقش نقطة محددة، وسوف نعود لمناقشة مقاييس الخطورة، وكيف نتصرف فيها إذا ما قدمها زميل أو زميلة مستقبلا فى حالة إشراف أخرى لنتعلم معا بعض المحكات التى يقيم بها الخطورة، وكذلك أساليب المبادرة فى حالات الطوارئ النفسية.
أما المثال الذى ضربته فهو صعب، وأظن أن الإجابة تحتاج إلى التعرف على عمر المريضة، واستقلالها المادى، وأخلاق وشخصية الذى سوف تهرب معه..إلخ، ومع ذلك يظل الأمر صعبا، والإجابة مفتوحة.
أ. جاكلين عادل:
مش فاهمة “إن العلاقات الإنسانية واحدة، والفروق هى فى الالتزام والتنظيم والتعاقد والهدف” فين الفروق الفردية؟
د. يحيى:
أنا أقصد أن قواعد العلاقات الإنسانية واحدة، وليس تفصيلاتها أو تحديدها فى تشكيلات ثابتة لكل الناس، أقصد مثلا أن الحب هو الحب، و”القمْص” هو “القمْص”، والتخلى هو التخلى، سواء كان فى موقف علاجى أو غير ذلك، أما الفروق الفردية فهى موجودة وشديدة الأهمية ليس فقط فى المرضى، ولكن أيضا فى الحياة العادية.
أ. عبد المجيد محمد:
إذن، فالمواقف العلاجية مع المريض لها بعد شخصى يتعلق بشخصية المعالج.
د. يحيى:
طبعا.
أ. علاء عبد الهادى:
أنا ماعرفش إيه اللى دار فى الجلسة يستدعى إنها تقوم تمشى وتقطع الجلسة، هو ده المهم، وبناءاً عليه نحدد إذا كان ينفع يتصل أو لا إلى جانب العلاقة اللى تسمح بده، كما لابد من مراعاة سن المعالج وعمر المريضة، وماذا يمثل لها المعالج؟
د. يحيى:
ليس بالضرورة أن يكون ما دار فى جلسة واحدة بالذات هو سبب “مشيها”، لابد من النظر فى تراكم تفاصيل العلاقة حتى وصلت لهذه اللحظة (التى هى ليست النهاية غالبا).
أ. ميادة المكاوى:
جميع ما ورد فى اليومية أعاد تأكيد ما نشأتُ عليه من أساسيات العلاج النفسى فى هذه المؤسسة، ولكن الذى وصلنى إضافة وتأكيدا والذى كثيرا ما يغيب عن بإلى فى الممارسة انجرافا مع المريض، هو فكرة إعادة التعاقد مع المريض وأعتقد أننى شخصيا فى ممارستى أنسى التوقف فى الوقت المناسب لإعادة النظر.
د. يحيى:
وأنا كذلك أحيانا، وكثيرا ما يكون النسيان ناتج عن فرط حماسى.
أ. محمد اسماعيل:
مش فاهم يعنى إيه “العلاقات الإنسانية واحدة”.
د. يحيى:
أقصد التنبيه إلى الإقلال من تخصيص العلاقة المهنية العلاجية بما يجعلها منفصلة ولا تشبه العلاقة بين الناس بعضهم خارج إطار العلاج.
برجاء الرجوع أيضا إلى ردّى على جاكلين حالا.
==============
الحالة: (19) هدف المريض وهدف المعالج!
الحالة: (19) هدف المريض وهدف المعالج!
الحالة: (19)
هدف المريض وهدف المُعالج!([56])
د. مديحة: هو جه هنا المستشفى عشان يدخل بس أهله ماكانوش راضيين إن هم يدخلوه وهو كان جه لحضرتك قبل كده فى العيادة، وكان طالب الدخول وحضرتك برضه كتبت على الروشتة ما يدخلشى، هو بيجيلى الجلسات كل مره علشان أسهّله حكاية الدخول، عايز يدخل غصب عن عين أهله يعنى هو باباه ومامته أو أهله مش شايفين إن هو محتاج إنه يخش المستشفى شايفينه بيدلع وبيتمايص مع إن الأعراض جدّ، هو على طول بيشتكيلى إنه بيسمع أصوات فعلا.
د. يحيى: يابنتى هو دخل المستشفى أبدا قبل كده؟
د. مديحة: لأ مادخلشى.
د. يحيى: بيجى لك الجلسات للعلاج النفسى فى المستشفى؟!
د. مديحة: لأ بيجيلى العيادة.
د. يحيى: أنا حوّلته لك عشان جلسات علاج نفسى ولا جايلك من بره بره؟!
د. مديحة: لأ هو لما جه على أساس يخش المستشفى وبعدين أنا قلت له تعإلى أشوفك فى العيادة ما دخّلتهوش، أنا لما لقيت حضرتك كاتب فى الروشته مايدخلشى غير بموافقة الأهل هو كان فى الفترة بتاعة الكلية كان بيشرب حشيش ومخدرات كتير قوى، بعد الكلية حصلت نقلة، زودها شوية فى التدين كده يعنى، أول ماخلص دراسة أصحابه كل واحد راح فى سكة وهو بقى لوحده.
د. يحيى: فيه فى العيلة تاريخ مرض نفسى كبير أو صغير قريب أو بعيد؟
د. مديحة: باباه بيشرب حشيش وخمرة وحاجات كده، كتير، هما العيلة كلها بتشرب يعنى أبوه شايف وعارف، وشايف إن ده عادى يعنى.
د. يحيى: وهو عارف إن ابوه بيشرب؟
د. مديحة: آه عارف والعيلة كلها بتشرب أعمامه وولاد أعمامه ده عادى وشايفين إن العادى إن هو يشرب مش شايفين إنها مشكلة.
د. يحيى: شخـّصتيه إيه؟
د. مديحة: أنا ماعرفتش أشخصه لأن هو….
د. يحيى: (مقاطعا) بتقولى فيه هلوسة، وأصوات؟
د. مديحة: هو بيشتكى من الأصوات طول الوقت.
د. يحيى: طيب لما واحد يشتكى من الأصوات طول الوقت يبقى إيه؟
د. مديحة: فيه ذهان([57]) بس ممكن يمكن فصام وجدانى أو حاجة كده.
د. يحيى: ما هو برضه ذهان ولا إيه؟ فيه حاجة تانية فى العيلة غير الشرب والكلام ده؟
د. مديحة: لأ.
د. يحيى: بيصلى؟
د. مديحة: دلوقتى لأ، بقاله فترة ما بيصليش.
د. يحيى: آخر مرة شوفتيه إمتى، بقالك أد إيه بتشوفيه؟
د. مديحة: هو جه من حوالى شهرين، بس هو مش منتظم على الجلسات، كتير قوى بيكلمنى فى التليفون بس ممكن ييجى جلسة ويغيب مرتين، مش منتظم.
د. يحيى: هو جالك كام مرة فى الشهرين دول؟
د. مديحة: يعنى يمكن أكون شفته أربع مرات.
د. يحيى: أربعة فى شهرين؟!
د. مديحة: آه.
د. يحيى: يعنى النص؟
د. مديحة: تقريباً.
د. يحيى: السؤال؟
د. مديحة: السؤال إنه هو دايماً زانقنى فى الحتة ديه إنه متخيل إنى هادخله المستشفى، ومُصر لحد دلوقتى ومتخيل الحل بتاعه إنه يخش المستشفى ومش بيسمع الكلام وحتى لما قعدنا وبدينا نشتغل وأنظم بعض أموره وأديله تعليمات ألاقيها كلها مش بتتعمل، هو مركز إنه يخش المستشفى.
د. يحيى: السؤال؟
د. مديحة: مش عارفه أعمل إيه معاه.
د. يحيى: (بلهجة فاترة، ربما ساخرة) دخليه المستشفى!
د. مديحة: هايجى أبوه، وأمه وأبوه هايعمل مشكلة وهايخرجه بالعافية.
د. يحيى: …. أنتى ما أخدتيش بالك إنى كاتب له على الروشتة من الأول “لا يدخل المستشفى إلا بموافقة أهله”، إيه اللى حايخلينى أغير رأيى دلوقتى؟! حبيت أقولك إنه بيلح على حاجة هُوَّا مش عارف إيه هيه، ساعات لما يخش الواحد من دول ولو يوم واحد، يقول لك لا يا عم حقى برقبتى ويبطل يلح فى طلبه ده، طبعا أنا ما كانش قصدى إنه يخش فعلا، بس حبيت أوريكى إنك تاخدى بالك عشان ما يجرجركيش فى موضوع فرعى هو مش عارف عنه حاجة، لازم تشوفى إيه اللى ورا إلحاحه ده، يمكن بيلوى دراع أبوه، يمكن بيهرب.. من الدنيا برّه، يمكن عايز يجرّب، ساعات بيتصوروا إن المستشفى استرخاء وتغير جو.
د. مديحة: يعنى أعمل إيه؟
د. يحيى: الظاهر إنك بطلتى تشوفيه لأنه أخل بالشروط اللى انت اشترطتيها فى العقد العلاجى المبدئى.
د. مديحة: لأ ما بطلتش.
د. يحيى: يبقى بتشوفيه ليه؟ سألت نفسك وانتِ بالمنظر ده بتشوفيه ليه؟ فيه سبب أو سببين علشان تشوفى واحد زى ده، الهدف الأصلى علاجه طبعا بس إنتِ شخصيا ليكى هدف برضه إنك تكسبى فلوس، أو إنك تكونى بتتعلمى، غير السببين دول مافيش، لو إنت مالكيش هدف واضح يمكن أحسن له ياخد حقن وحبوب وبتاع، ويجوز يتحسن وياخذ فرصته فى مكان تانى، بطريقة علاج تانية، مش معنى كده إنك تتخلى عن مسئوليتك لأ، لازم إنت قعادك مع العيانيين ووقتك يكون له هدف للعيان، وهدف واضح ليكى، زى ما يكون فيه عقد واضح وانت الطرف الأقوى فيه.. يعنى أنتى تقررى وتمسكى الدفـّة.
د. مديحة: هو فيه حاجات صغيرة حصلت.
د. يحيى: إنت فهمتى يعنى إيه يكون ليكى هدف؟ لازم يكون فيه هدف ليكى شخصيا، زى ماهو له هدف، ولأهله كذلك، هدفك عموما قلنا يا الفلوس يا التعلّم، أنا باتكلم بجد مش بهزار، مش إحنا يا بنتى بنتعلم ونخش كلية الطب ونتعب ونتخرج علشان نجيب فلوس؟ ونجيب فلوس علشان نتجوز ونخلف ومش عارف إيه ونبقى محترمين يعنى ونحتفظ بكرامتنا وحريتنا وحاجات كده، مش كده ولآ إيه؟ نقوم بالشكل ده نعالج الناس أحسن ونجيب فلوس أكتر وأنضف، المسألة ماهياش بقششة ولا مثالية.
د. مديحة: آه.
د. يحيى: التعلم ده نفسه من الممارسة مافيهوش استغلال للمريض، ده هوا البنية الأساسية اللى العيان بيتعالج من خلالها، وبعدين خبرتك منه تعود عليه وبعدين على كل العيانين بالخير، وعليكى بالنجاح والتوفيق، الواحد لازم يحقق الحاجة اللى هى إسمها “الضرورة” ويبقى واعى هوا بيعمل إيه وهو بيبنى نفسه؟ وبعدين يتنقل لحكاية الحرية، الحرية ما تجيش إلا بعد الوفاء بالضرورة مش كده ولا إيه؟ يعنى إذا ما اتحققشى لكِ هدفك من تخصيص وقتك لعلاجه، العلاقة هاتبقى مهزوزة.
د. مديحة: فيه حاجات على مستوى بسيط يعنى اتحسنت، مثلا مستوى اهتمامه بشكله وبمظهره، ده بلاحظ فيه تغير شوية شوية.
د. يحيى: إنتى بتحبيه أو هو بيحبك؟
د. مديحة: شوية.
د. يحيى: بقالكم شهرين بأربع مرات مش كده؟
د. مديحة: آه.
د. يحيى: طيب، أظن الخلاصة إنك تستنى شوية، ومافيش دخول مستشفى ولا كلام من ده، لكن ما تتخليش عنه إلا لو هو بيستعملك، يعنى بيستعمل العلاج عشان يضر بيه نفسه أو يبرر سلبياته، أو لو فيه حد غيره أوْلى بوقتك، إحنا مش شغلتنا ننفذ اللى بيطلبه المريض، والعقد هو شريعة المتعاقدين، ولما حدّ يخل بشروط العقد، يبقى من حقنا نفسخ العقد، وبرضه تراجعى حكاية الأصوات دى، لتكون حجة لدخوله المستشفى، وتشوفى مدى تأثيرها على سلوكه اليومى، وزى ما اتفقنا: المهم هوّا شغله، ونومه وعلاقاته، حتى لو الأصوات فضلت، وطلعت جد جد، ما هياش مبرر فى ذاتها إنه يخش المستشفى، حكاية أخش أغير هوَا، وأريح أعصابى دى ما تبقاش مستشفى تبقى منتجع، لوكاندة، حاجة كده.
د. مديحة: يعنى ما يدخلش؟!
د. يحيى: أيوه، وكمان لازم يلتزم بالمواعيد والتعليمات، الضغط هنا مهم، ضغط متصاعد مهم بجرعات مناسبة، وبالتدريج، كل ده يتوقف على العلاقة اللى بتتبنى بينك وبينه، أنا مش شايف إنه منتظم، دا زى ما يكون بيكتب على سطر ويسيب سطر، ده ما ينفعش فى العلاج النفسى، وزى ما قلنا قبل كده هو لمّا بيغيب مش ده برضه على حساب وقتك، إنت مش مفروض يعنى كل ما يفرقع معاد تقعدى حاطة إيدك على خدك الساعة اللى انت خصصتيها له، ولا هو دافع مقدما ولا يحزنون!! وبعدين إذا زودها ما تفسخيش العقد إلا بعد ما يمر علىّ إنت وهوه، أمال! إشراف يعنى إيه!
د. مديحة: حاضر، ربنا يسهل.
****
التعقيب والحوار:
د. محمد شحاته فرغلى:
“العقد شريعة المتعاقدين”، نعم، لكن ما هى المسئولية الاجتماعية والأدبية للمعالج تجاه مريض يجبره مرضه على كسر قواعد هذا العقد؟ هل يتركه لمجرد عدم انتظامه فى الحضور أو العلاج؟ أرى أنها نظرة علمية بحتة لا تأخذ فى الاعتبار باقى العوامل؟
د. يحيى:
الطبيب طبيب والمعالج معالج، والمرض غالبا لا يجبر أحداً على كسر قواعد شريعة المتعاقدين، وهذه الجملة جملة “قانونية” أكثر منها علمية، وهى لا تتعارض مع القيم المهنية المحترمة أو الإنسانية والأخلاقية.
عدم انتظام المريض هو حقه، بل رفضه العلاج أيضا هو حقه، واختراق حقه هذا أو ذاك ينظمه القانون فى الخارج فى حدود منع الأضرار الجسيمة بنفسه أو بالآخرين، كما ينظمه كل من القانون والعرف عندنا فى نفس الحدود، وأكثر، ولا أعرف ماذا تعنى أنت هنا “بالنظرة العلمية البحتة” ونحن نمارس مهنة لها قواعدها وآدابها وإلتزامها على أرض الواقع.
أما باقى القواعد فنحن ليس لنا هم ولا انشغال إلا بتحديد شروط التعاقد منذ البداية، الساعة، والعمل، وتعاطى الأدوية، وبعض التعليمات السلوكية، وكل ذلك يتفق فيه مع المريض وأهله منذ البداية عادة، وإذ أخلّ به يعاد النظر، ويعاد التعاقد، وهكذا حتى يتوقف العلاج أو يلتزم بالشروط.
د. نعمات على:
لنسأل لماذا يوافق الأهل اللى هما كده على جلسات العلاج النفسى لكنهم وفى نفس الوقت لا يوافقون على إدخاله المستشفى؟
وهل يعتبرون العلاج النفسى فى بعض الأحيان مسكنا مؤقتا لهم!!
ما هو هدف الأهل؟
د. يحيى:
يا شيخة!! هل نسيت أنها مستشفى خاص؟ أو لا يحتمل أن تكون الأسباب مادية تماما وأنهم لا يملكون مصاريفها ولا يقدر على القدرة إلا الله؟. أليس لهم الحق أن توضع وجهة نظرهم فى الاعتبار بنفس الموضوعية التى ننظر بها إلى طلب المريض المُلِح للدخول إلى المستشفى، وهو طلب غير مألوف؟
جلسات العلاج النفسى أرخص، وأطيب سمعة، حتى لو كانت تسكينا مرحليا؟!.
أ. أيمن عبد العزيز:
من الأشياء الهامة التى تستأهل وتضعنى على بداية علاج المريض هى معرفة هدف المريض وذلك بوضع سؤال ماذا يقول المريض بمرضه كما تعلمت.
لكن بخلاف الأهداف الواضحة المتعلقة بالعلاج، أهدافى الشخصية أنا لا أعرفها تحديدا، وأنا أراجع نفسى كثيرا بشكل غير مفيد عادة.
د. يحيى:
نحن نمارس مهنة أهدافها الأساسية هى العمل على شفاء المريض وعودته إلى فاعليته وإعطائه الفرصة لاستمرار مساره النامى فى الحياة ما أمكن ذلك، وأثناء ذلك نتقاضى مقابلا ماديا، ومقابلا آخر ليس له حدود، كل حسب وعيه وبصيرته حتى لو كان الهدف الشخصى – غير أكل العيش- غامضا فهو موجهنا، وكلما عرفناه أوضح أمكن تحقيقه أو تغييره أو تعديله.
د. أسامة فيكتور:
ماذا تقصد بالضرورة؟ فى فقرة (الواحد لازم يحقق الحاجة اللى إسمها الضرورة..)؟ قرأت ردك على د. نعمات فى بريد الجمعة ولكن ما زلت محتاجا لتفسير؟
د. يحيى:
“مستوى الضرورة” الذى أعرفه هو أنه لابد من الحصول على الحد الأدنى من المتطلبات اللازمة لاستمرار الحياة، مثل الأكل والشرب والسكن والعمل والمواصلات والعلاج، ثم يمكن أن تضيف ما يسمى “حقوق الإنسان” الحقيقية (لا الدعائية) مما نعرف ومما لا نعرف.
أما مستوى الحرية فهو المستوى الذى فيه اختيار حقيقى بين بدائل محتملة، وهى مرحلة ينبغى أن نهدئ الدعوة إلى تحقيقها لو أن مستوى الضرورة لم يتحقق بعد.
المسألة يصعب تحديدها بالمسطرة: نحن لا نعرف تماما، أو تعميما متى تتحقق كل متطلبات الضرورة قبل أن نتمكن من أن نمارس حياتنا فى مستوى الحرية.
أ. محمد المهدى:
إذن: على المعالج أن يراجع أهدافه من الاستمرار مع بعض المرضى غير المستجيبين أو غير الملتزمين بشروط التعاقد ، وإلا فقد يقع فريسة لاستغلال المريض له.
د. يحيى:
نعم ، لكن تعبير “فريسة لاستغلال” .. صعب، دعنا نضيف: وإلا كانت المسألة مضيعة للوقت، أو وإلا تواترت النتائج السلبية..الخ.
أ. عبده السيد:
وصلنى أنه لازم أحسب حساباتى الشخصية وموقفى من المريض بعيدا عن المثاليات،
د. يحيى:
أحسن طبعا.
أ. أحمد سعيد:
وصلنى أنه يمكن إلحاحه على دخول المستشفى علشان تكمل غائية المرض النفسى وهى أنه يحل مشكلته بالوسيلة اللى ماتحلّش حاجة، ويقنع نفسه إنه جرب لكن ما نفعش، وكمان يقنع اللى حواليه كمان.
د. يحيى:
هذا جائز، لكنه ليس القاعدة، وعلى فكرة، تعبير “غائية المرض” لا تنطبق على ما ذكرتُ لأنه تعبير يعنى هدف المرض الأعمق إمراضيا (سيكوباثولوجيا)
أ. علاء عبد الهادى:
أنا غير متأكد من صدق هذا المريض فى وجود الهلاوس، فربما يكون قد اصطنعها ليجد سبباً (مبرراً) من أجل دخوله إلى المستشفى؟
د. يحيى:
كل شئ جائز، وتوجد آليات ومحكات علمية للتفرقة بين الهلاوس، والأخيلة، والتصنع، ولكن أرجوك ألا تبدأ مع أى مريض بهذه الشكوك من الأول هكذا، فالمريض – أى مريض– صادق وجاد حتى يثبت العكس.
أ. منى فؤاد:
من وجهة نظرى أن هذا المريض لو دخل المستشفى نقدر نضغط عليه ونعرف إلى أى حد هو جاد، ونضمن استمراره فى العلاج عشان نوصل لحاجة.
د. يحيى:
ليس بالضرورة، وعموما هذه ليست وظيفة المستشفى الأولى على أية حال.
أ. منى فؤاد:
أنا محتاجة معلومات عن المريض باسلوب حياته وعلاقاته مع أهله والعلاقة بينهم؟
د. يحيى:
لا تنسى يا منى ما أكرره دائما من أن “الإشراف” يتناول نقطة واحدة هى التى يعرضها المعالج على المشرف، فهى ليست عرض حالة كاملة للمناقشة الشاملة.
أ. هالة حمدى:
مش فاهمة إصراره على دخول المستشفى؟
مش عارفة حكمى صح ولا لأ، لو أنا المعالجة أنا كنت حادخله المستشفى عشان أعرف إصراره ده ليه؟ ثانيا: يعنى أعرف لو كان ده دلع وطريقة للضغط على أهله، ولا هو يستاهل دخول بصحيح؟
د. يحيى:
بعد إذنك يا هالة، مثل هذه القرارات (دخول المستشفى) أخطر من أن نتخذها لمجرد الاستكشاف،
ثم لا تنسى أن أهله لا يوافقون، وعندهم أسبابهم.
د. شوقى كريم:
توقفت طويلا أمام هذه الفقرة:
“… أنت فهمت يعنى إيه يكون ليكى هدف؟ لازم يكون فيه هدف ليكى شخصيا، زى ماهو له هدف، ولأهله كذلك، هدفك عموما يا الفلوس يا التعلّم، أنا باتكلم بجد مش بهزار، مش إحنا يا بنتى بنتعلم ونخش كلية الطب ونتعب ونتخرج علشان نجيب فلوس ونجيب فلوس، علشان نتجوز ونخلف ومش عارف إيه ونبقى محترمين يعنى ونحتفظ بكرامتنا وحريتنا وحاجات كده، مش كده ولآ إيه، نقوم بالشكل ده نعالج الناس أحسن ونجيب فلوس أكتر، المسألة ماهياش بقششة ولا مثالية”.
هذا المقطع من أفضل وأبسط واصدق ما قرأت لك أستاذى العزيز ويبدوا أن الإنسان يحتاج لمن يذكره بل ويعلمه بديهيات الحياة بين الحين والآخر التعلم ده نفسه مش إستغلال للمريض، ده هوا البنية الأساسية اللى العيان بيتعالج من خلالها، وبعدين يعود على كل العيانين بالخير، وعليك بالنجاح والتوفيق.
المقطع دا بقى فكرنى بأول ما بدأت أحضر الجروب من سنتين تقريبا…حيث قرأت لسيادتك أيامها فى كتاب ملامح من الحاضر وتحت عنوان :قياس نتائج العلاج النفسى للذهانيين ولابد أن أعلن بدورى أن أغلب الخطوات المشرقة والبهيجة التى ظهرت فى أول مراحل علاج الذهانيين فى خبرتى قد انتهت بالتتبع الأمين والتقويم الأعمق إلى الإحباط بحق، وبالمناسبة منتديات كتيرة على النت واخدة الجملة دى من الموضوع وبتشهر بيها بمعنى يعنى إنهم بيقولوا دكتور يحيى بيقول الناس دول صعب يخفوا، لما قريت الكلام دا ساعتها قلت يا نهار أسود…لما الدكتور يحيى بيقول انهم مش حيخفوا..امال أنا باصحى الساعة ستة الصبح ليه يعني!…لغاية ما فيه مرة شفت حضرتك فى الجروب بتتكلم عن استحالة الممكن وإمكانية المستحيل وقلت حضرتك ساعتها جملة غريبة عن المريض محمود اللى كان غاوى يقعد جنب حضرتك..سيادتك قلت على ما أذكر: أنا عارف إن محمود احتمال كبير مش حايخف، لكن بشغلنا معاه وسعينا المتواصل ألف عيان غيره حايخف على حس مجهودنا معاه، وبعدين فهمت رأى حضرتك فى الجروب وإنت بتقول “إحنا مش عارفين إحنا بنعمل ايه…”
أنا فيه فكرة جت لى اليومين دول بس مش عارف أعبر عنها بالكتابة بس حكتبها وأمرى لله:
لاحظت فى كتابات حضرتك أن كلمة “الوعي” عندك ليها دلالة خاصة تختلف عن المعنى الشائع، ولما سألت حضرتك قلت لى على ما أذكر: يعنى “إنه حالة معينة أو نظام معين بيسرى فى كل خليه مفردة من خلايا الجسم وكل خليه لها وعيها”…ويبدوا أن الوعى دا وحركيته هى النمو الحقيقى لأى إنسان مش العقل زى ما الناس فاكرة…فريدريك نيتشة قال كلام عن الذات بيفكرنى بكلام حضرتك عن الوعى فى “هكذا تكلم زرادشت”…يعنى كان بيقول: إنك تقول “أنا” وتنتفخ غرورا بهذه الكلمة غير أن هنالك ما هو أعظم منها، شئت أن تصدق أم لم تشأ، هو جسدك، أداة تفكيرك العظمى، وهذا الجسد لا يتبجح بكلمة (أنا) لأنه هو أنا، هو مضمر الشخصية الظاهرة، إن ما تتاثر به الحواس وما يدركه العقل لا نهاية له فى ذاته، غير أن الحس والعقل يحاولان إقناعك بأن فيهما نهاية الأشياء جميعها، فما أشد غرورهما، ما الحس والعقل إلا ادوات وألعوبة، والذات الحقيقية كامنة وراءهما مفتشة بعيون الحس ومصغية بآذان العقل، إن الذات ما تبرح مفتشة مصغية، فهى تقابل وتستنج ثم تهدم متحكمة فى الشخصية سائدة عليها، فإن وراء إحساسك وتفكيرك يا أخي، يكمن سيد، أعظم منهما سلطأنا لأنه الحكيم المجهول، وهذا الحكيم إنما هو الذات بعينها المستقرة فى جسدك وهى جسدك بعينه أيضا“.
يمكن الكلام دا يفسر كلام حضرتك ليا إنى مافكرش كتير، وماشغلش عقلى كتير بالشكل ده،…كمان يفسر إن إبداعنا لا يخضع لإرادتنا الحرة حيث لا نستطيع التحكم فى وقت ولا مكان إبداعنا، فقط بدأت بالاعتقاد بأننا نعطى العقل أكثر بكثير من قيمته الحقيقية..فالأصل هو الذات والوعي، وربما هذا ما قصدته مقولتك “لا تفكر ولكن إستعمل التفكير”…….
د. يحيى:
يا خبر يا كريم.
أشعر أن على أن أكتب كتابا بأكمله تعقيبا على تعقيبك . بل لعلى كتبته فعلا ونسيت، فأرجو أن تذكرنى به إن عثرت عليه كما تفعل الآن ([58]).
==============
الحالة: (20) ظهور أعراض واختفاء أعراض، مع حركية النقلة، فى العلاج
الحالة: (20) ظهور أعراض واختفاء أعراض، مع حركية النقلة، فى العلاج
الحالة: (20)
ظهور أعراض واختفاء أعراض،
مع حركية “النقلة”، فى العلاج ([59])
د.محمد أحمد: هى بنت عندها 20 سنة بتدرس فى معهد من المعاهد الخاصة، الأم ربة منزل وأبوها مهندس، ومستورين قوى، هى جاتلى من 3 شهور كانت المشكله الرئيسية اللى هى بتشتكى منها واللى والدتها وصلتها لى كانت فيه مشاكل بينها وبين أمها، مافيش أى تفاهم ما بينهم وعصبية زيادة والبنت طول الوقت بتشتكى إنها مخنوفة وعياط بدون سبب ومش عارف إيه، لما قعدت أنا مع أمها أول مرة لقيت إن أمها اعتمادية خالص سلبية، وغير ناضجة فعلا، طول عمرها كان لازم يبقى فيه حد شايلها طول الوقت، والحد ده يبقى هو المسئول عن كل حاجه سواء لما كانت فى بيت أبوها أو حتى لما اتجوزت، البنت دى من صغرها خالص وهى اللى شايلة المسئولية فى البيت وكانت فى الأول مبسوطه إنها بتشيل مسئوليه حاجة أكبر منها، بس لما كبرت شوية اكتشفت إن الحاجات دى كلها أمها بتفرضها عليها وإن ده واجب عليكى إنك تعمليه، إنك تريحينى وتعملى وتعملى وتعملى، كان فيه مشاكل بينها وبين أمها، ومع ذلك مستمرة فى الدور، وده تقريبا أصبح زى نمط علاقتهم وحياتهم لحد ما بقى طبع كده فى علاقة البنت دى بكل الناس اللى حواليها، إنها طول الوقت هى اللى متعوده تدى وما عندهاش إستعداد إنها تتقبل من أى حد حاجة، يعنى دايما تعمل هى سند للناس اللى حواليها لكن ما بتعرفش إن حد يعملها حاجة أو دعم، ما تعرفش حتى تستقبل ده لو حد حاول.
المهم فى البداية اشتغلنا شوية فى علاقتها بوالدتها وإن ما يبقاش فيه الصراع اللى شغال عمال على بطال كده يعنى هى تفوت شوية لأمها وأمها تستحمل شوية، لغاية لما الدنيا تعدى، بصراحة هى اتحسنت خالص فى الحته دى لقيت والدتها حتى بتكلمنى بتقولى إن العلاقة بينهم بقت احسن، ماعدش فيه المشاكل بالحجم الأولانى، بس الشغل مع البنت بقى أظهر لى حاجتين جُدَادْ، أنا ماعرفتش أتصرف فيهم، يعنى لما شيلنا الغطا والخناقات اللى هى مستمرة مع الام دى لقيت ظهر فى البنت حاجه زى وسواس قهرى على مستوى التفكير ولدرجة أقل فى السلوك.
د.يحيى: بقالك أد إيه معاها؟
د.محمد أحمد: 3 شهور.
د.يحيى: منتظمة؟
د.محمد أحمد: آه، مرة كل اسبوع آه.
د.يحيى: الحاجات اللى ظهرت دى ماكانتش موجودة قبل كده؟
د.محمد أحمد: خالص.
د.يحيى: إيه مظاهر الوسواس ده؟!
د.محمد أحمد: إنها مش نضيفة، إن هى بيجلها فكرة كده إنها ممكن تنزل الشارع وهدومها تقع وتبقى عريانة والناس تبص عليها.
د.يحيى: بتشوفها فين، الجلسات يعنى؟!
د.محمد أحمد: هنا فى المستشفى، والوسواس ده بدأ فى شكل أحلام، ساعات تحلم نفس الحلم ده إنها فى الشارع وهدومها واقعة والناس بتشوفها وتصحى مخضوضه من النوم.
د.يحيى: أنا حولتها لك؟
د.محمد أحمد: لأ، هى جت لى عن طريق عيان كان بيجيلى هنا فى المستشفى.
د. يحيى: هل كانت قبل ما تعيا خالص فيه حاجة من اللى ظهر جديد ده؟
د. محمد أحمد: هى كانت بتدقق فى كل حاجة وتحب الإتقان طول عمرها، لكن هو ماوصلتش أبدا لمرحلة الوساوس على مستوى النضافة قبل كده.
د.يحيى: وبعدين؟
د.محمد أحمد: طبعا لما الحاجات دى ظهرت، أنا فحّرت هنا وهنا لقيت فيه كبت فظيع لاحتياجاتها الجنسية بشكل صعب، يعنى حتى ماعندهاش القدره إنها تعبر إن فيه حاجة إسمها جنس عندها من أصله، لا رغبة ولا خيال، ولا حاجة.
د.يحيى: إنت قلت عندها كام سنة؟
د.محمد أحمد: 20 سنة.
د.يحيى: المعهد اللى هى فيه كام سنة؟
د.محمد أحمد: 4 سنين.
د.يحيى: فيه تاريخ مرض نفسى فى العيلة؟
د.محمد أحمد: أمها كانت كلمتنى إن أخوها تعبان شوية، ومش عارف إيه وبتاع وعايزه حضرتك تشوفه، أخوها ده أصغر منها بسنتين عنده 18 سنة، لما جابوهولى لقيت الواد بيسمع أصوات بقاله 3 سنين وإن هم يعنى زى ما يكونوا ناكرين الحكاية، أو فاكرين الواد بيدلع وبيستهبل عليهم ومش عاوز يذاكر وخلاص فسايبينه خالص، ورافضين القصة دى تكون قصة مرض.
د.يحيى: 3 سنين يعنى من سن 15 سنة عنده هلوسة؟ هى هلوسة ولا صور أصوات خيالية؟
د.محمد أحمد: لأ، هلوسة، أصوات حقيقية بيسمعها.
د. يحيى: إنت عارف الفرق بين الهلوسة وبين الأصوات الخيالية؟
د.محمد أحمد: لأ، أنا أعرف إن فيه صور خيالية بصرية، لكن أصوات خيالية صعب شوية، وما اعرفهاش.
د. يحيى: عندك حق، هى أصعب، الهلوسة السمعية زى صوتى كده بالضبط، أما الأصوات الخيالية فهى تبقى ساعات همس من بعيد، ساعات تفكير بصوت عالى مسموع، ساعات حكاوى محبوكة شويتين زيادة، مش مجسمة كده ومحسوسة، الأصوات الخيالية نابعة من خيال مصنوع، مش زى الهلوسة اللى هى إدراك فعلا، إدراك حسِّى مش خيال منسوج، إدراك زى ما انت سامع صوتى كده بالضبط.
د.محمد أحمد: ده بالنسبة لأخوها إنما السؤال هوا بالنسبة لها هى.
د. يحيى: أنا فاهم، لكن برضه عايز أسأل: فيه حد تانى فى العيلة مريض؟ مريض قوى؟ يعنى مرض عقلى؟
د.محمد أحمد: بنت خالتها عندها نهم مرضى، إفراط فى الأكل، بس على حد ما قالوا مفيش مرض شديد يعنى.
د. يحيى: طيب نرجع لسؤالك تحديدا؟
د.محمد أحمد: أنا دلوقتى مش عارف أفهم الحاجات اللى ظهرت دى، سواء الوساوس أو اكتشاف الكبت الفظيع ده، أنا مش عارف اتصرف فيهم إزاى فى وسط الجو اللى البنت عايشه فيه ده، أعمل ايه؟!
د.يحيى: هى بتيجى هنا المستشفى إزاى؟ المواصلة يعنى؟
د.محمد أحمد: بعربيتها.
د. يحيى: هى شخصيا معاها عربية؟!
د.محمد أحمد: آه.
د. يحيى: بتاعتها؟!
د.محمد أحمد: لأ مش بتاعتها لوحدها، هى بتاعتها وبتاعة أخوها يعنى.
د.يحيى: أخوها أبو 18 سنه ده؟! اللى بيهلوس؟
د.محمد أحمد: أيوه.
د. يحيى: وبتديك ملاليم مش كده؟
د.محمد أحمد: الحمد لله.
د. يحيى: طيب، كتر خيرك، إنت دلوقتى بتعرض حاجة شديدة الأهمية فى العلم والممارسة، اللى هى إن أعراض تظهر أثناء العلاج ما تكونشى موجودة قبل كده، ده ماهوش دايما سيىء أو سلبى، مادام العلاقة منتظمة، وإنت فى إيدك الدوا طالع نازل، ما يصحش نخاف قوى من الحكاية دى، دى ساعات بيبقى لها معنى إيجابى، يعنى بيبقى معنا ساعات إن العلاج حرّك الساكن، ما هو مش كل سكون سلامة، احنا متفقين على كده، والتحريك ده معناه إن العلاج بيقلـّب اللى موجود، فيظهر على السطح بأشكال أخرى، ويبقى فى متناول التعامل معاه، إحنا قلنا كده كتير فى حالات العلاج الجمعى مثلا، لما يظهر اكتئاب جد جد، معناه غالبا إن فيه مواجهة حقيقية بدأت مع عالم الداخل الحقيقى، أو مع رؤية مؤلمة للواقع، المسألة هنا عايزة ضبط الجرعة، مش نعتبرها مضاعفات ونلحق نغطيها بالدوا، أو بالهرب، مش إحنا اتكلمنا فى الحكاية دى كتير قبل كده؟
د.محمد أحمد: أيوه أنا سمعتها من حضرتك فعلا.
د. يحيى: لما تظهر الحاجات دى ساعات بتكون علامة على بداية تغيّر نوعى، حتى الشعور باحتمال الانتحار ساعات بيقى إعلان إن نمط الشخصية، نمط الوجود الموجود أصبح على وشك التغير النوعى، والانتحار هنا بنترجمه إلى التخلص من هذا النمط، مش من الحياة، يعنى لما واحد يلاقى نفسه إن العلاج عمال يخليه يتغير، وإنه حايتغير كله، فيقرر إنه موافق عالبركة، زى ما يكون بيقرر إنه ينهى هذا النوع من الوجود، لصالح حاجة واعدة أحسن، الشطارة إنه ينهيه علاجيا مش فعليا، المأزق ده بيحصل فى العلاج الجمعى أكتر من العلاج الفردى، فى حالتك هنا ده ما ظهرش فى شكل انتحار، اللى ظهر أعراض شديدة الوضوح زى اللى انت قلتها دى، لكن كونها تظهر بعد 3 شهور يعنى بعد 12 مرة أو 11 مرة، أنا أعتبر إن دى مدة قصيرة مش مريحة، أو ربما إنها شطارة منك إن البنت إنت اكتسبت ثقتها بسرعة، بس ضبط السرعة ضرورى، مش كل سرعة جدعنة.
ثم خلّى بالك الوسواس اللى ظهر أثناء العلاج، بدأ فى صورة أحلام، ونفس الحلم اللى بيتكرر ما هواش وسواس، دا إعلان عن الحركة اللى انت وهى نجحتم فى بعثها، وزى ما تكون الصورة فى الحلم مباشرة بتقول إن العلاج هز آليات دفاعها (ميكانزماتها)، وإنها بالشكل ده الناس بتشوفها وهدومها واقعة، تقوم تصحى تلحق تغطى نفسها بالوسواس.
العلاج النفسى لما بيقلّب بيقلب التركيبية اللى كانت ماشية بيها قبل كده، التركيبة اللى أظهرت الأعراض الأولانية وظيفة الأعراض عموما إما أنها تعبر عن اللى موجود، يا إما أنها تغطى اللى تحت، يا إما الاتنين مع بعض، وفى الحالة دى الظاهر إنك اتنقلت من منطقة الإعلان بالأعراض إلى منطقة التهديد بالتعرية والحاجة إلى سرعة التخبية بأعراض تانية، كده العلاج اللى انت بتمارسه باين عليه عملية نشطة، المسألة ماهياش تحسيس وتلصيم، ماهياش إن فيه قلق وبنتخلص منه، العلاج هنا بيقول إن فيه علاقة ولما يبقى فيه علاقة يبقى فيه فرصة لتحريك محسوب تستعيد بيه المريضة فرص العودة إلى مسار النمو، وساعتها يظهر اللى يظهر واحدة واحدة، هنا فى حالتك دى فيه حاجات اتقلبت، الحكاية عايزة وقفة فعلا زى ما انت بتعمل دلوقتى.
ليه أنا سألتك عن تاريخ العيلة وعن إن فيه أمراض عقلية ولا لأ، عشان إنت لما بتقلّب، لازم تعرف طبيعة استعداد المحتوى اللى بتقلبه. وبرضه خطورته، تقوم ما تتحمسش قوى، تخلى إيدك حنينة، لو اللى جوه ممكن يضرب يقلب، يعنى لو فيه فى العيلة مرض عقلى نشط، نستنتج إن فيه فى المريضة استعداد للتفسـّخ، أو للتفجـّر، تبقى البنت مستهدفة، يبقى إنت عملت حاجة كويسة بالتحريك من حيث المبدأ بس لازم تضبط الجرعة بقى، إحنا عموما بنسعى للكشف عن اللى موجود واحدة واحدة علشان ما تبقاش الحكايات مستخبية تقوم تشوه الوجود كله تحت عنوان سلامة ظاهرية، والميزة هنا عندك إن التحريك نشَّط مستخبى خطر، ساعتها إنت بتخش بشوية دواء علشان تقلل من نشاط اللى ظهر لك ده لحد ما تستوعبه البنت معاك، وتتمثله، يعنى تهضمه ويبقى جزء منها.
حكاية الهلوسة أو الصور اللى عند أخوها مهمة جدا حتى لو ما راحش لدكتور نفسانى، حتى لو ما اتجننش، حتى لو هى خيالات مجسدة مش هلوسة حقيقية، نادر لمّا هلوسة تقعد 3 سنين هىّ هىّ، ساعات تبتدى هلوسة بصحيح، لكن لما تطول المدة 3 سنين من غير علاج ومن غير مضاعفات ممكن تقلب صـُوَرْ، الهلوسة تقريبا زى ما تكون بتشوف مسرح بنى آدميين لحم ودم، إنما الصور الخيالية زى السينما القديمة خصوصا اللى مش مجسدة، يعنى لو كان اللى عند أخوها هلوسة حقيقية يبقى التهديد أكتر، وتبقى ظهور الوساوس عند البنت دليل على إنها بتحاول تغطى التحريك اللى أظهر الهلوسة عند أخوها، بتغطيه بالوساوس دى، يعنى إنت بتعمل تحريك، تقوم الأمور تتنطط منك ومنها، تروح هى مغطياها بأعراض جديدة، تظهر الوساوس، تعرف إن اللى جوه إبتدا يقرب من السطح وهو ده اللى ظهر فى الحلم قبل التغيّر ده، فهى راحت مظبّطاه بالوساوس دى.
إنت قلت إن هى لما بتقربوا للكلام عن الجنس، هُسْ هُسْ، حتى ما بتبقاش عارفه حاجة إسمها رغبة ولا خيال، وما تنساش إن البنت دى كانت شايلة أمها غصبن عنها من أيام ما كانت طفلة، وأمها هى اللى عيّله، يعنى البنت اتولدت واستلمت دورها عجوزة من بدرى، دا حتى العواجيز ياشيخ بيسمحوا للجنس يتحرك إن شالله مع عجز التنفيذ، البنت يا عينى أبداً، زى ما قلنا هُسْ هُسْ، من أصله، يبقى يمكن اللى قرب على السطح مش بس تهديد بالتفكك أحسن يطلع هلوسة زى أخوها، لأ ممكن برضه يكون الجنس المكبوت ده اتحرك بعد الطمأنينة لك، للعلاج فى الحالة دى يبقى جيد جدا لو كملت واحدة واحدة.
هو العلاج النفسى عبارة عن إيه، إن إحنا بنعمل تحريك لوقفة، وبنعمل تقريب للى جوه من اللى بره، وبالعكس، مش عشان نفبرك أى تصالح والسلام، لأه، عشان يتحركوا مع بعض فى اتجاه صحيح، أظن إن ده شئ جيد.
فاضل بقى حسابات التدخل: هل ندى دوا ضد الوساوس أو مهدئات عظيمة (نيورولبتات) علشان نهدى اللى جوه شوية؟ هل نسيبها من غير دوا مادام العلاقة بتنمو والبنت منتظمة فى الحضور وأهلها أصبحوا معقولين ومتعاونين؟ ده كله يتحسب خطوة بخطوة.
لازم تحدد موقفك إنت أول بأول من الحكايات دى وأهم حاجة هى مسألة ضبط الجرعة، ما احنا قلنا ميت مرّة إن العلاج النفسى وقت وتوقيت وجرعة، مش كده ولا إيه؟ كل ده تحدده مع نفسك ومعاها ومعانا إذا حبيت، وماتنساش علامات ومحكات ومقاييس الحياة الواقعية طول الوقت، يعنى تخلى بالك من دراستها ونومها وعلاقاتها مع اللى حواليها غير أمها، وانت قلت لنا حاجات كويسة عن تطور علاقتها بأمها نتيجة لتغيرها، وتاخد بالك إذا كان ظهور الوساوس دى بيعطلها، بندى هنا ممكن نيورولبتات([60]) بجرعة متوسطة يمكن أهم من مضادات الوساوس، يعنى مثلا ستيلازين أو حاجة مكافئة، وإحنا نخلينا فاكرين حكاية أخوها واللى عنده، ونعمل كده وإحنا بنكمل فى المناطق اللى انت شفت فيها كبت فظيع دى.
الله أعلم الحكاية هاتمشى إزاى، إنت وشطارتك، المسألة عايزة وقت، وانت بقالك يادوب تلاث شهور، ومسألة الإفراج عن المشاعر الجنسية لأول مرة فى السن دى مش سهلة فى مجتمعنا خصوصا، يعنى ما نفرحشى قوى إنها سمحت للطبيعه البشريه اللى جواها إنها تطلع إلا فى حدود سقف المجتمع اللى هى عايشة فيه، ويمكن زيادة سنّه صغيرة وبرضه خلّى بالك من تشابه الحلم مع الوسواس، وإن الإتنين بيشاورو على التعرّى، وعلى الجنس فى نفس الوقت، وده عايز شرح تانى طويل لو تطور العلاج وسمح بيه وانت سألت فى الإشراف مرة ثانية.
أنا مش فاهم لحد دلوقتى همّا سايبين أخوها كده إزاى، ومعتبرين إن الأصوات دى حاجة ماتشغلشى، بس كويس إن أمها طلبت تستشيرنى، لأ، وهى جابتهولك فعلا، ما هو ده برضه دليل على شطارتك وعلى ثقتهم فيك.
فيه صنعة ثانية أنا ما اعرفش فيها قوى، ومش بأمارسها بمنهج محدد، يعنى بافهم فيها من بره بره، خفيف خفيف، هى حكاية العلاج الأسرى، أنا بنتى وزميلتها فى قصر العينى بيشتغلوا فى الحكاية دى، وأنا باحوّل لها حالات، وبصراحة النتائج مش بطالة، وهى بتحكيلى، والعيانيين اللى باتابعهم وبيروحوا لها بيحكوا لى، الصنعة دى إن العيلة كلها أو أغلب أفرادها، اللى عيان، واللى مش عيان، يحضروا جلسة علاجية بانتظام، والتركيز يبقى على ديناميات العلاقات فى الأسرة وده يكون مهم أكثر لما يكون أكثر من فرد من أفراد الأسرة مريض أو عنده أعراض، يعنى العيلة دى مثلا: عندك البنت وأخوها رغم إنه مش تحت العلاج، والأم العيّلة المعتمدة زى ما انت وصفتها، يعنى الحكاية تستاهل، تقدر تسأل د. منى وتستشيرها ونبدأ واحدة واحدة لو العيلة عندها استعداد.
د.محمد أحمد: ربنا يسهل
د. يحيى: بصراحة دى حالة جامدة، وانت ماشى تمام، ربنا يوفقك.
****
التعقيب والحوار:
د. عماد شكرى:
أرجو عرض مقارنة توضيحية بين “ظهور أعراض” أثناء العلاج واستخدامها فى العلاج، “والعلاج بالأعراض” الذى طالما حدّثتنا عنه من قبل.
د. يحيى:
لا لا لا لا !
هذا شئ، وذاك شئ آخر.
العلاج بالأعراض هو أن تصف للمريض الذى يخاف “أن يخافَ، أو على الأقل أن يسمح لنفسه بالخوف. وهذا نوع من العلاج السلوكى المعرفى، وهو جيد جدا فى خبرتى.
أما ظهور أعراض جديدة أثناء العلاج، فهو شىء آخر، هو علامة تحريكٍ حسنٍ غالبا، وأحيأنا يكون مآله سلبيا، لو لم نتحمل نتيجته بوعى كامل ، وخبرة حاذقة، حتى يمكن توجيه مساره وضبط جرعته واستيعابه.
أ. رباب حمودة:
– لم أفهم معنى العلاج بالأعراض.
د. يحيى:
أرجو مراجعة ردى على د. عماد حالا، ففيه تأكيد أننى فى هذه اليومية لم أتطرق أصلاً للعلاج بوصفة الأعراض، وكأن المريض يتعاطى جرعات “الخوف” مثلا بأمر الطبيب وعلى مسئوليته، فبدلا من أن يقاوم الخوف وسواسيا أو رهابيا يتعاطاه وكأنه دواء.
أ. رباب حمودة:
إذن: لا ينبغى أن اقلق من ظهور أعراض جديدة ومختلفة عما جاء به المريض من قبل، كما أنه مهم جدا تحديد معنى الأعراض وتوقيت ظهورها وكيفية استخدامها.
د. يحيى:
هذا ما قصدته فعلاً.
أ. محمود محمد سعد:
– هل من الممكن أن نترك الوساوس –عند المريض- بحجة أنها تقف حائلاً دون حدوث الذهان؟
د. يحيى:
نعم، أحيانا، ثم نتناولها بالتدريج على فترة طويلة.
أ. محمود محمد سعد:
معنى ذلك أن التاريخ العائلى للمريض له أهمية فى إدارة التحريك الذى يحدث نتيجة العلاج.
د. يحيى:
طبعا، ولكن لابد أن تعرف أنه مجرد خلفية لها دلالتها لضبط جرعة وإيقاع التغير، فهو ليس عائقا فى ذاته.
أ. محمود محمد سعد:
– التحريك الذى يحدث أثناء العلاج لا يشترط أن يكون إيجابيا فقط.
د. يحيى:
بصراحة هو يشترط أن يكون إيجابيا، ولكن قد يتصادف أن تكون نتائجه سلبية فى مرحلة ما، نتيجة لحركية مندفعة، أو نتيجة لسوء الحسابات، وعلينا –مع هذا الفهم- ألا نفزع كما أنه علينا أن نسارع بتدارك الموقف بتهدئة التدخل والتقليب وضبط الجرعة.. واستعمال العقاقير وأحيانا ولو بطريقة متقطعة ليكون إيجايبا إلخ.
أ. ناديه حامد:
أوافق حضرتك كل الموافقة فى ما عرضت، وقد جاء التوقيت مناسبا بالنسبة لى، لأنه متزامن مع زنقتى فى حالة مريضة، فاستفدت من أن وظيفة الأعراض عموما هى أنها إما تعبر عن اللى موجود، يا: “إما أنها تغطى اللى تحت اللى موجود”.
د. يحيى:
الحمد لله.
أ. علاء عبد الهادى:
“إن هى بيجيلها فكرة إنها ممكن تنزل الشارع وتقلع هدومها تقع وتبقى عريانة والناس تبص عليها”.
– هل فيه علاقة بين محتوى الوسواس وبين حركة الجنس المكبوت؟ وبين جوعها العاطفى؟
د. يحيى:
طبعا، فيه علاقة ونصف، وهى ليست فكره فقط، هى حلم متكرر أيضاً، وهذا يؤكد العلاقة، وقد شرحت ذلك فى ردٍّ سابق.
أ. محمد اسماعيل:
– ما الفرق بين ظهور الاكتئاب أو أفكار الانتحار أو الوسواس اثناء العلاج؟ مع العلم أن حضرتك قلت قبل كده الوسواس هو دفاع ضد الذهان أو التفسخ.
د. يحيى:
لابد من أخذ كل ظاهرة على حدة، وأيضا كل مريض على حدة، وكما أن كل مرحلة تختلف عن المرحلة الأخرى، ومن حيث المبدأ، فإن التأنى فى إزالة الأعراض الناتجة عن ميكانزمات ضامّة. سواء كانت وسواساً أو اكتئاباً أو غير ذلك، ينبغى أن نضعه نصب أعيننا خاصة فى الحالات الهشة أو المحملة بإرث “جينى” دال فى العائلة وخاصة إذا كان هذا الإرث هو فصام خطير.
أ. محمد اسماعيل:
– لا أوافق على أن الانتحار من الممكن أن يكون إيجابى.
د. يحيى:
ومن قال إن الانتحار إيجابى!! شكراً أنك نبهتنى حتى أوضح هذه النقطة من جديد:
إننا حين نقبل الانتحار ونحاول أن نجعله إيجابيا، إنما نترجمه أولا إلى “التخلص من تنظيم (حالة وعى/حالة وجود) معوِّق كان متجمدا وجاثما باعتباره الذات الغالبة. إن هذا التخلص يصاحبه فى نفس الثانية فى العلاج، وأيضا فى غيره من تشكيلات النمو والإبداع، ولادة جديدة (تغير نوعى) هنا فقط نسمح لأنفسنا بتصور أن هذه النقلة هى “مكافئة للانتحار” وقد نسميها مجازا “الانتحار الإيجابى” أى القبول بإعادة الولادة، إذن فلا يوجد ما يسمى الانتحار الإيجابى بالمعنى الذى وصلك،
أ. هالة حمدى البسيونى:
لم أفهم ليه سايبين أخوها كده بالشكل ده، والأصوات دى، وللفترة دى، وإنهم شافوا شكوى أخته ماشافوش شكواه هو.
د. يحيى:
ولا أنا؟ ربما هو لم يشتك أصلا، أو لدرجة مزعجة، أو أن الأصوات هى حكى وليست خبرة معيشة.
أ. هالة حمدى البسيونى
الآن فهمت معنى “الأصوات الخياليه” بدرجة أفضل، أعترف أننى لم أكن أعرف عنها شيئا من قبل.
د. يحيى:
هى صعبة، الحمد لله أنها وصلتك، ومع ذلك تظل صعبة لأنها تتعلق بالتفرقة بين “الإدراك” النشط المباشر، وبين التأليف والتخيل الفكرى المجسد.
د. إسلام ابراهيم احمد:
شغلنا يحتاج احترام أى معلومة كما يحتاج عدم التسرع فى اتخاذ أى قرار.
د. يحيى:
فعلا، الله ينوّر.
==============
خاتمة
خاتمة
خاتمة
وأنا أراجع تجارب (بروفات) هذا العمل فرحت بأننى لم أتردد فى تسجيله فى نشرات الإنسان والتطور” أولا بأول، وأيضا حمدت الله أن ألحقت بكل حالة ما ورد حولها من تعقيبات فى حوار/بريد الجمعة.
ثم إنى تصورت لو أننى قمت بتسجيل كل حالات الإشراف حيثما أقوم به بنفس الطريقة وقد بلغت الآلاف (بدون مبالغة) ولا توجد حالات متماثلة أبداً، فماذا سيكون الحال وأى مساحة يمكن أن تستوعب هذا الجارى.
هذا بالإضافة إلى المهمة الجديدة التى كلفتنى بها ابنتى أسبوعيا فى المركز الذى أنشأته باسم “مركز الرخاوى للأبحاث والتدريب” وذلك يوما واحدا فى الأسبوع بدءًا من (17/9/2017 وحتى تاريخه)، وميزته أن الدعوة فيه مفتوحة لممارسة التدريب والإشراف على كل من يريد ممن يمارس العلاج النفسى أن يشارك بأنتظام، ولا يوجد تسجيل منتظم للجلسات.
ولست متأكدا من مدى نجاح هذه الفكرة مع أنها استمرت حتى الآن حوالى تسعة أشهر.
الحمد الله
شكراً.
يحيى الرخاوى
انتهى الكتاب الأول
ويليه الكتاب الثانى من (21 – 40)
[1] – نشرة الإنسان والتطور: 6-2-2008 www.rakhawy.net
[2] – Purchase of friendship
[3] – La Neutralité bien Veillante
[4] – نشرة الإنسان والتطور: 16-12-2007 “الممكن والمستحيل إن شئت” www.rakhawy.net.
[5] – Intellectual Introspection
[6] – نشرة الإنسان والتطور: 22-1-2008 الأسرة والوالدية www.rakhawy.net
[7]– Eric Berne, Transactional Analysis in Psychotherapy in 1961
[8] – Plug in the Adult
[9] – Plug in the Child
[10] -Plug in the Parent
[11] – جدل اسماعيل إبراهيم: الحلقة الخامسة والخمسون “نصف ليلة: دسمة بالتاريخ، والنقد، والسياسة والإبداع” الكتاب الثالث يحيى الرخاوى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” منشورات جمعية الطب النفسى التطورى 2018، ص 21
[12] – نشرة الإنسان والتطور: 12-2-2008، www.rakhawy.net
[13] – Sheet
[14]– Sheet.
[15] – The art of waiting
[16] – نشرة الإنسان والتطور: 16-3-2008 www.rakhawy.net
[17] – نشرة الإنسان والتطور 30-3-2008www.rakhawy.net
[18] – قدمت الأفكار المبدئية للفروض التى أعدت من خلالها تفسير ورؤية ما يسمى “عقدة أوديبيه” فى ندوة من ندوات جمعية الطب النفسى التطورى، ويوجد إشارات للمسودة فى الموقع www.rakhawy.net.
[19] – نشرة الإنسان والتطور: 6-4-2008 www.rakhawy.net
[20] – نشرة الإنسان والتطور: 23-4-2008 www.rakhawy.net
[21] – Transference
[22] – نشرة الإنسان والتطور: 25-6- 2008www.rakhawy.net
[23] – As if Personality, Helen Roich
[24] – “شات”؟ Chat
[25] – نشرة الإنسان والتطور: 6-7-2008 www.rakhawy.net
[26] – : مرة أخرىTransference
[27] – يحيى الرخاوى: “ملحمة الرحيل والعـَوْد”، الجزء الثالث من ثلاثية المشى على الصراط- الهيئة المصرية العامة للكتاب، سنة 2007 والطبعة الثانية (2018) منشورات جمعية الطب النفسى التطورى.
[28] – تحورت بعض البيانات الأساسية بالنسبة لهذه الحالة، أكثر من أية حالة، حتى لا يمكن التعرف على صاحبها، كما أن الحوار لم يكن حرفيا طول الوقت لإمكان الإيجاز.
– نشرة الإنسان والتطور: 3 – 8 – 2008 www.rakhawy.net
[29] – Neuroleptics
[30] – هامش فضلت أن أثبته موجزا لأهميته العملية ولا أكتفى بالاشارة إلى المرجع:
هذه النقلات الأساسية والمستمرة من الموقع الشيزيدى إلى البارنوى إلى الاكتئابى وصفتها أساسا مدرسة العلاقة بالموضوع Object Relation Theory باعتبار أنها تطور علاقة الطفل منذ ولادته بأمه، وقد أعطوها أسماء للأسف تبدو مرضية، وهى ليست كذلك، وسبق أن أشرتُ إليها سابقا، حين نقول الموقف الشيزيدى Schizoid لا نعنى الفصام نسبة إلى Schizophrenia، وحين نقول الموقف البارنوى أو الاكتئابى لا نعنى أيا من مرضَىْ البارانويا أو الاكتئاب.
ثم إن كلمة “موقف” أو “موقع” Position لها أهمية خاصة لأنها تشير إلى أن الموقف ليس إلا محطة مؤقتة لنوع من العلاقة ينتقل منها الطفل إلى موقع آخر وهكذا.
الموقع الشيزيدى هو موقف يبدأ داخل الرحم حيث لا موضوع أصلا ويمتد بعد الولادة لفترة قصيرة جدا.
الموقع البارنوى يبدأ حين يتعرف الطفل على الموضوع (أمه) ويعتبر أن أيا منهما هو “ليس أنا” “not me” وبهذا يستقبل “الموضوع” كنوع من التهديد بالخطر، ومن ثم يكون تفاعله هو “الكر والفر” الذى يظهر فى مظاهر الشك والحذر والتوجس وتناوب الإقدام والإجحام، كما قد يظهر فى صورته المرضية فى أمراض الشك، مثلا فى صورة أعراض الإشارة (بيشاوروا علىّ، بيتآمروا علىّ..إلخ).
أما الموقف الاكتئابى فهو الذى يصبح الآخر فيه ليس خطرا على طول الخط، بل يثبت أنه مصدر الحياة أيضا (الاعتراف – القبول – الحب) وفى هذه الحالة يكون الحزن هو إعلان أن الآخر أصبح ضرورة لتخليق الذات واستمرار نموها، لكن هذا لا ينفى أن وجود الآخر ماثلا أمام وعى مستقل هكذا هو تهديد أيضا، ليس تهديدا بالهجوم هذه المرة مثل الموقف البارنوى وإنما تهديد بالترك (يمكن الرجوع تفصيلا إلى كل هذا فى دراسة فى السيكوباثولوجى)
النظرية التطورية الإيقاعية بدأت من هنا، لكنها أضافت ما يلى:
1) إن هذه المواقف تتكرر باستمرار مع تخليق أية علاقة حقيقية، ومع استمرارها، وبالتالى اسميتها مؤخرا أطوارا تستعاد، وليست مواقع يرجع إليها.
2) إنها لا ترجع إلى علاقة الأم بابنها فحسب وإنما تمتد جذورها إلى التطور الحيوى: من الوجود أحادى الخلية/ الأميبا مثلا المستغنى عن الآخر، إلى مرحلة الكر والفر فى الغابة، ثم مرحلة الإنسان الواعى بأنه واعٍ فى حاجة لآخر، “ليكون” مع مواجهة الصعوبة النمائية.
3) إنها بذلك لها جذورها البيولوجية، وليست مجرد ظاهرة نفسية علاقاتية فقط.
4) إن تكرار خطواتها الدائم، يسمح بتصحيحها الدائم.
5) إن الثبات عند أى موقف (طور) من هذه المواقف، أو توليفة جامدة منهم، بشكل مستمر ينتج عنه توقف النمو (اضطراب الشخصية).
6) إن تعرية أى موقف (طور) منها وتفجره، ثم المضاعفات الناشئة عن ذلك ينشأ منه الموقف المرضى المقابل.
7) إن مسيرة العلاج هى تصحيح منظم مكثف لأخطاء هذه المسيرة التى ظهرت فى شكل مرض، أو لتحريك التوقف إن استمر فى شكل اضطراب شخصية أو أمراض مزمنة ثابتة.
8) إنه أثناء العلاج – كما حدث فى هذه الحالة – يمكن ترجمة ظهور هذه الأعراض أو اختفاء تلك إلى تحريك عملية النمو من جديد.
9) إن البرنامج المسمى “برنامج الدخول أو الخروج” هو يشمل إعادة تنـْشيط هذه المواقف (دعم هذه الأطوار) أثناء النمو تلقائيا، وأثناء العلاج قصدا، ونعنى بهذا البرنامج حركية الانتقال من المواقف ذهابا وإيابا – وحسب النظرية الإيقاعية: حركية وإيجابية الاستعادة فى نبضات حيوية متصلة.
10) إن هذا التطوير الذى طورته النظرية التطورية الإيقاعية يؤكد الجذور البيولوجية للنمو، وفى نفس الوقت يسمح بتعديل المسار بانتظام.
11) إن الأساس البيولوجى لهذه المواقف، مع ملاحظة عمل العقاقير المختلفة على مستويات مختلفة مرتبة هيراركيا فى تركيب الدماغ، يعطى المعالج الطبيب فرصة إعادة تنغيم إيقاع العلاج بشكل أكثر أمانا نسبيا.
12) إن ترجمة ظهور الأعراض – مثلما فعلنا فى هذه الحالة – إلى إحياء حركية النمو لإعادة التنظيم، يحوّل العلاج – بما فى ذلك العلاج الدوائى– من مجرد تسكين لقمع الحركة، ما دامت زادت عن حدهما، إلى محاولة تنظيمها، وتناغمها وترويضها لإمكان استعادة لحن النمو الأساسى.
وهذا كله وراء ما نصحنا به الزميل المستشير فى الإشراف.
[31] – www.rakhawy.net