نشرة “الإنسان والتطور”
نشرة السبت : 25-3-2017
السنة العاشرة
العدد: 3493
الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (176)
الفصام: مغارة الضياع ووعود الإبداع
المسيرة (1) الفصامية
THE SCHIZOPHRENIC MARCH
المرحلة الأولى: ما قبل الولادة
وراثة الفصام هى وراثة الحياة
مقدمة:
الترتيب الذى جاء فى الكتاب الأم قدّم “أنواع الفصام” (3) قبل أن يقدم ما أسماه المسيرة الفصامية، وقد رأيت أن اعدّل الترتيب، فأن نعرف المسيرة أولا: يمكن أن يمهد لنا أن نتعرف على أنواع الفصام من حيث أنها وقـفات متتالية، أو متبادلة، على طول هذه المسيرة،
ثم إنى اكتشفت أن فروضى اللاحقة خلال أربعة عقود قد تطورت وتفرعت، وإن كانت فى نفس الاتجاه، لكن بلغ الاختلاف فى كثير من الأحيان درجة تستحق ألا نلتزم بأن نبدأ بما جاء فى المحاولة الأولى (2) ما أمكن ذلك، حتى لا أطيل على القارئ (والمتابع) بما عدلت شخصيا عنه، لكننى سوف أظل منطلقا من هذا العمل الأول (3) ما أمكن ذلك، مشيرا إلى ذلك كلما لزم الأمر.
المتن:
إن وراثة الفصام تعنى وراثة الاستعداد للمرض من واقع التاريخ “الفيلوجينى الخاص” لقطاع من البشر، كما أنها تعنى غلبة انتقال سلوك مطبوع خاص يرجح نوعا خاصا من الوجود، وهذا النوع يعتبر صفة لمرحلة بدائية من التاريخ الحيوى بقدر مايصف استعدادا للمرض، بمعنى نوع معين للحياة، ونشاط هذه المرحلة البدائية النسبى والمحدد بتثبيت وتدعيم أسلوب سلوك خاص، هو الذى يورَّث، فإذا نشط مستقلا وعلى حساب مايليه سمى فصاما، وإذا تداخل (جدلا وإبداعا) فيما يليه كان جزءا من مكونات التطور. فوراثة الفصام إذا هى وراثة الحياة ذاتها.. وإن اختلفت قوة نشاط هذا الجزء البدائى بين قطاعات البشر المختلفة حسب تاريخ نشأتها.
إذن، فنشاط هذا الجزء مستقلا هو الاستعداد التدهورى الذى يمكن أن يورّث بقدر قوة هذا الجزء عبر التاريخ الحيوى وعبر الأجيال، ونشاطه هو هو متداخلا فى الكل هو جزء لا يتجزأ من منظومة التطور، والذى يحدد هذا أو ذاك هو الظروف المهيئة والمحيطة أثناء النمو الذاتى (الانتوجينى) ثم حسب الظروف المحيطة مؤخرا أثناء نبضة النمو بوجه خاص.
التعقيب والتحديث:
كنت قد عدلت فى نص المتن الوارد فى فقرة “المفهوم الغائى التطورى للفصام للمخ” فى النشرة السابقة (نشرة الأثنين 20-3-2017 “تعدد مفاهيم الفصام 2) عن ما جاء بالأصل من تركيز على: أنّ ثمة قوى تدهورية توجد كجزء من الطبيعة البشرية، وهو ما يتفق مع تحفظى على غريزة الموت عند فرويد، وأشرتُ فى نفس الوقت إلى أن تلاحم قوى التدهور مع قوى التطور هو حفز جدلى للمسيرة بشكل أو بآخر، ولعل الفقرة التى ميَّزتًهَا بالبنط الأسود فى هذا المقتطف من المتن والتى تقول “فوراثة الفصام إذا هى وراثة الحياة ذاتها ” تدل على أن تراجعى هذا كان واضحا منذ البداية، أضف إلى ذلك ما وصلنى من فرض جوناثان بيرنز Jonathan Burns (4) عن علاقة نشأة المخ الاجتماعى بظهور الفصام عند الجنس البشرى كثمن دفعه هذا الجنس لمواصلة تخليق هذا المخ الأحدث على مسيرة التطور (أنظر نشرة 5/11/2016 العدد: 3354 الطبنفسى الإيقاعحيوى التطورى (119) (“فروض تدعم بعضها بعضا” فروض جوناثان بيرنز: (2007) وفرض فاينبرج: (1982)
المتن
إن غائية الفصام كمرض يصيب فردا بذاته يمكن أن نجد لها جذورا فى غائية بيولوجية، تعنى أن هذا الكيان البدائى له منطقـُهُ ومبرراته وتاريخه الناجح فى زمانه، وبالتالى فهو وجود هادف وجاهز للحفاظ على استمرار الحياة (للحياة) إذا ما فشل ماهو أرقى منه.
التعقيب والتحديث
فهو وجود بديل منذر مهدد ليس له غاية تدهورية بذاتها، وإنما هو إعلان لعجز ما هو أحدث منه أو إنذار باحتمال ذلك، (ولو كان عجزا مرحليا، ولو نتيجة لحكم خاطئ) أعْنى العجز عن أن يواصل مسيرة النمو والتطور بما ينبغى إلى ما ينبغى، وما هذا النتاج التدهورى السلبى لهذا الاحتجاج المبدئى المبرر إمراضيا إلا نتيجة العجز الأخطر عن أنه لم ينتبه إلى مخاطر مغامرة التراجع، كما أنه أيضا نتيجة لفشل من حوله (بما ذلك الطب والتطبيب) فى أن يتنبهوا إلى مغزى احتجاجه بهذه الطريقة الخطرة، فيسهموا فى تحويل مسارها إلى إيجابياتها.
المتن:
إن وراثة الفصام- إذن- ليست وراثة مرض بذاته، (وخاصة مع اعتبار وتداخل أنواعه ومفاهيمه) ولكنها تشير إلى وراثة قوة تدهورية كبيرة, التى تعنى مباشرة وراثة قوة تطورية بنفس القدر وأكبر.
التعقيب و التحديث
لقد عدت فأثبت هذه الفقرة من المتن حرفيا، لأنها الفقرة التى عَدّلت فيها فى النشرة السابقة، رافضا حكاية “وراثة قوة تدهورية كبيرة “، ثم عدت الآن أثبتها مؤكدا رفضى لها وليرجع من شاء إلى الأصل فى الموقع.
المتن
لما كانت المسألة تتعلق بوراثة استعداد بيولوجى عنيف من الناحيتين، فإن البيئة التى تُنَمَى أحدهما (النشاط المستقل فى مقابل النشاط الكلى) أثناء النمو، والمجال الذى تتم فيه نبضة ”الماكروجينى” (أو السيكوباثوجينى عند الفشل) يسهمان إسهاما مباشرا وعميقا فى تحديد وترجيح النتاج السلوكى لنبضة النمو: قفزة تطورية (5) أو مرض توقفى تدهورى.
التعقيب والتحديث
الماكروجينى macrogeny هو المصطلح الذى وصفت به نبضة الإيقاع النمائية الجسيمة فى أزمات النمو أما السيكوباثوجينى Psychopathogeny فهو المصطلح الذى يصف إمراضية الإيقاع الحيوى حين يُجْهَص أو يَتَشَوَّه أو ينحرف فى دورات متتالية (ظاهرة أو خفية ) (أنظر نشرات: نشرة 21-3-2016 “الطب النفسى، ومستويات التكامل الإنساني”) و(أنظر نشرة : 7-5-2016 “التاريخ العائلى وموقع الصرْع منه!!”) و(نشرة 16-5-2016 “موقع الوراثة فى الطبنفسى الإيقاعحيوى (التطورى)
المتن
إن تحديد الصورة الكلينيكية لمرض بذاته التى هى نتاج الفشل النموى (السيكوباثوجينى) يترتب أيضا على قوة المستوى الأكثر بدائية (المقابل للفصام) بالنسبة لقوة المستويات البدائية الأعلى (المقابلة للبارانوية- والإكتئآبية.. الخ) كما يتوقف على احتمال الحلوسط، والعوامل البيئية التى ترجح هذا أو تجهض ذاك.، إذن فالوراثة……. هى وراثة إجمالية وأساسية، ويساعد فى تشكيل نتاجها سلوكيا عوامل سلوكية مطبوعة وموروثة أيضا وعوامل بيئية محيطة
التحديث والتعقيب:
وهذا هو ما أتى (نشرة 28-3-2016 ) وما سوف يأتى تفصيلا فى فرض “واحدية المرض النفسى” حين نعرض كيف أن الاكتئاب مثلا قد يحول دون التمادى إلى المصير الفصامى، وكذا حالات البارانويا هى دفاع أيضا ضد التفسخ الفصامى وأحيانا الوسواس القهرى وغيرها
المتن
فى محاولة حل التناقض الظاهر فى: كيف يكون الفصام مرضا خبيثا تطوريا (6) Evolutionary Malignant, (أى أن مدى عمر المصاب به أقل من الشخص العادى ونسبة الانجاب معه أقل أيضا فهو يعِّرض النوع للانقراض).وفى نفس الوقت، هو “شائع” (بلغة التطور) (7)Common (نسبته 1% في التعداد العام، ) كيف أنه مع ذلك لم ينقرض الجنس البشرى، حيث أن قوانين التطور تؤكد أن المرض إذا كان خبيثا تطوريا وفى نفس الوقت شائعا فلابد أن ينقرض الجنس المصاب به (8)على مدى الزمن.
فى مواجهة هذا التناقض: وُضِع “فرض” يفسر ذلك يقول “إن وراثة الفصام ليست وراثة لمرض الفصام ذاته، ولكنها وراثة لسمة تطورية إيجابية، ولاتصبح سلبية إلا فى اللقاح المماثل (هوموزيجوس Homozygos) فينتج الفصام، أما فى اللقاح المغاير(هتيروموزيجوس (Heterozygos فتظل الوراثة لنفس العوامل إيجابية، مما يفسر بعض السمات المميزة لأقارب مرضى الفصام”.
التعقيب والتحديث
بصراحة وجدت ما يصلح للتعقيب فى المتن حيث جاء هذا النص مباشرة بعد نهاية المقتطف كما ما يلى:
…والأرجح عندى، أن الفرض الأقدر على تجميع هذه المشاهدات المتنافرة يجدر أن يصاغ هكذا “إن الذى يورث هو قوة هذا المستوى البدائى، التى لاتصبح تدهورية إلا إذا عملت مستقلة، وهى ذاتها تصبح تطورية إذ عملت فى الكل”, أما الذى يحدد هذا من ذاك فليس هو اللقاح المماثل أو المغاير، وإنما ظروف تعهد هذه القوة ومجالات إطلاقها.
المتن
….فالفصام سلوك تدهورى دال على قوة سلوك بدائى متعلق بالتاريخ الفيلوجينى لقطاعات البشر المختلفة، وهذا السلوك (بالطبع imprinting ) ينتقل عبر الأجيال (9) ويتوقف النتاج المرضى للأزمة السيكوباثولوجية على قوته النسبية بالمقابلة بقوة المستويات التالية من جهة، وكذلك على تدعيم أيها أثناء النمو، وأخيرا على المجال الذى تحدث فيه النبضة.
هذا وتجهض نبضة النمو فى الفصام عند أدنى مستوى (أكثرها بدائية) فى نتاج سيكوباثولوجى تدهورى غائى.
والخلاصة
إن أول خطوات المسيرة الفصامية تتحدد قبل أن يولد المريض من خلال:
(1) أنه إنسان ذو تاريخ فيلوجينى، فهو يحمل جذور الفصام أساسا، إذ يحمل مستوياته البدائية الجاهزة للعمل كبديل مستقل فى ظروف معينة.
(ب) أنه انسان من عائلة خاصة تحمل قوة مستوى بدائى نشط، وقد عاش أجداده خبرات تدعيمية لهذا المستوى خاصة، وطبعت هذه الخبرات، وهى مستعدة للعمل منفردة (تدهوريا) أو فى الكل (وإبداعاً).
الملحق
ثم أجدنى مضطرا إلى أعادة بعض ما جاء فى نشرة الاثنين 2-5 2016 العدد 3167: (وراثة: زخم الطاقة ومدى حركية التفكيك لاحتمال التشكيل أو التفسخ)
الفروض:
انطلاقا من أن المخ هو مفاعل للطاقة والمعلومات، فإن كلاً من زخم الطاقة وأنواع المعلومات وترتيبها يعتبر من البنية الأساسية فى تركيب المخ البشرى، وعلى ذلك:
أولاً: إن ما يورث ….هو – أساسا-:
كم ومدى نشاط الطاقة الحيوية عموما. وكذلك: مدى جاهزية الحركية النوابية للتفكيك فالتشكيل أو الفشل والتفسخ.
ثانياً: إن هذين العاملين ليسا مستقلين عن بعضهما، ولكن يغذى بعضهما بعضا.
ثالثاً: إن الايقاعحيوى فى هذه الأحوال هو القادر على أن يوظف زخم الطاقة لدفع النمو (الإبداع) وهو هو إذا اختلت هارومونيته يمكن أن ينتج عنه نشاز مستويات المخ والوجود عن بعضها البعض، ومن ثمَّ المرض.
رابعاً : إن التنشئة والوعى المحيطين، والفرص المتاحة هى التى تحدد توجه هذه الطاقة الدافعة للتفكيك إلى استكمال الطريق حتى إعادة التشكيل .
خامساً: إنه بقدر تناسب زخم الطاقة مع جاهزية التفكيك مع القدرة على التشكيل فى مراحل النمو المتتابعة وفرص الإبداع الدائمة المتعلقة بالإيقاعحيوى يكون الناتج إيجابيا: إبداعا وبقدر فشل ذلك يكون الناتج سلبيا: المرض النفسى (أخطره الفصام).
سادساً: فى حالة التورط فى المسار السلبى وبالرجوع إلى فرض “واحدية المرض النفسى” فإن تحديد نوع المرض (10) بنوع الدفاعات الغالبة للحد من تمادى الإمراضية إلى ما هو أخطر فأخطر من الأمراض. (11)
(وكل هذا سوف نرجع إليه تفصيلا)
[1] – اخترت كلمة “مسيرة” March وفضلتها عن كلمة “عملية” Process حتى أؤكد المفهوم الغائى للفصام.
[2] – التى عدلت عن تسميتها : الطبعة الأولى
[3] – تاركا الفرصة لمن شاء أن يرجع إلى الكتاب الأم “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” (1979) أن يفعل ما يشاء، وهو موجود بالموقع لمن يريد
[4] – Jonathan Burns “The Descent of Madness” Evolutionary Origins of Psychosis and the Social Brain. 2007.
[5] – فى الدراسة سالفة الذكر (رسالة الدكتوراه للمرحوم الدكتور الشربينى) وجدنا نسية المبدعين فى عائلات الفصاميين أكبر منها فى العينة الضابطة.
[6] – أى أن مدى عمر المصاب به أقل من الشخص العادى ونسبة الانجاب معه أقل .
[7] – نسبته 1% في التعداد العام، والمرض يعتبر ‘شائعا’ إذا زادت نسبته عن 1 10,000
[8] – لذلك فإن أي مرض خبيث تطوريا لابد وان يكون نادرا، والمثال المعروف لذلك هو كوريا هانتنجين Huntington chorea حيث لاتزيد نسبته عن 1 وهو خبيث تطوريا بدرجة هائلة.
10,000
[9] – هذه الدراسة مبنية علي فكرة انتقال العادات المكتسبة (الدالة تطوريا) بالوراثة وهي فكرة لها أنصارها وإثباتاتها المعاصرة.
[10] – باستثناء المرض العضوى التشريحى مثل الالتهابات المخية والأورام والضمور العضوى
[11] – unitary concept of psychiatric disorders مفهوم واحدية الأمراض النفسية