الرئيسية / أسئلة وأجوبة / أسئلة وأجوبة حول الأطفال

أسئلة وأجوبة حول الأطفال

أسئلة حول الأطفال

مع أ. د. يحيى الرخاوى

ـــــ

الأطفال والمرض النفسى

س1- ما هو مفهوم الطفل التوحدى؟

جـ1- أولا: لا أوافق على ترجمة Autism إلى “التوحد” وبالتالى يكون تعبير الطفل التوحدى Autistic Child، خطأ شائع. الترجمة الصحيحة هى “الطفل الذاَتِوى” لأنه طفل “منغلق” على “ذاته” ليس متوحدا مع غيره، هذا فضلا على احتمال خلط بين التوحيد والتوحد، وكما لا يخفى كيف أن التوحيد هو معنى شديد القداسة، فى حين أن التوجد قد يختلط أحيانا بآلية (ميكانزم) التقمص .

كما أحب أن أنبه أن هذا التشخيص أصبح يستعمل بلا مسئولية لوصف بعض حالات التخلف العقلى الأولى الواضح، ويظن بعض الزملاء أن هذا يخفف الواقع على الأهل، ولا أحسب أن الأمر كذلك فضلا عن أنه قدر لا يجوز من الخداع بشكل أو بآخر.

س2- هل هو مرض نفسى أم عضوى وأسباب ظهوره؟

جـ2- التفرقة بين العضوى والنفسى لا مكان لها هنا، فالمرض النفسى، أيا كان نوعه، له جذور عضوية، وبالعكس، وعدم استعمال القدرات المعرفيه فى حالة الذاتّوية يترتب عليه خلل عضوى يسمى “ضمور عدم الاستعمال” والضمور هو أثر عضوى.

س3- ما هى أعراض مرض التوحد؟

جـ3- هى أعراض الانغلاق على الذات فى أغلب أو كل مظاهر السلوك، وأيضا فى عمق التركيب النفسى العضوى المنغلق، وهى تظهر فى شكل كمىّ فى تأخر معالم النمو عامة، لكن ذلك يحدث أيضا مع التخلف العقلى (الخِلْقى خاصة) الذى يعلن نقص أو ضمور القدرات المعرفية بشكل أولى.

الطفل الذاتوى يتأخر فى النمو ليس لقصور أولى بالضرورة ولكن لعجز عن التجاوب مع مثيرات النمو لأنه منفصل عما حوله بشكل يعلن انسحابه من الحياة، وبالتالى من العلاقة “بالآخر”: وأولهم الأم.

الجانب الأهم الذى تتجلى فيه أعراض الذاتوية الطفلية هو سلوكيات التواصل وبالذات اللغة اللفظية، ثم الإشارية والجسدية – لكن تظل هناك بؤر منفصله تبدو وكأنها تتجسس على المحيط حولها، مثل نظراته: يوصف الطفل الذاتوى أحيانا بأن نظرته مستكشفه كَمن ينظر من داخله، فهو يستكشف العالم خارجه، ويقال إنها “نظرة ذكية” تعبيرا مجازيا أو حقيقيا.

س4- من هم الأطفال الأكثر عرضه للمرض؟

جـ4- توجد نظريات كثيرة، وأرقام إحصائية مختلفة للرد على هذا السؤال، فثم احتمال لوراثه ما، ليس بالضرورة لنفس المرض، ولكن لأمراض عقلية ونفسية أخرى تصل حتى بعض أنواع عَتََهْ الشيخوخة، كما أن هناك نظريات وفروض تربط بين انغلاق الأم على نفسها وعدم قدرتها على العطاء وبين الاستهداف للذاتوية، ثم هناك احتمالات أن تكون الذاتوية نتيجة تأثيرات ضارة لحقت بالأم أثناء الحمل، وكلها فروض هامة لكنها ليست حاسمة، ولا هى فى اتجاه واحد.

س5-  ما هو سن ظهور المرض؟

جـ5- يمكن أن تلمح معالم منذرة للمرض منذ لحظة الولادة، مثل عزوف الوليد من البداية عن تناول الثدى أو تأخره الشديد فى ذلك، ورصد بداية المرض تحديدا يتوقف على مدى إنتباه الأم، والمحيطين، وأيضا على خبرة الأم بأطفال عاديين سبق أن ولدتهم حسب ترتيب الطفل الذاتوى بين إخوته، وقد لا يكتشف الوالدان والأسرة بداية المرض إلا بعد شهور وأحيانا سنوات نتيجة لفرط الرعاية العامية أو للإنكار أو للإهمال، وعادة ما تكتشف الأعراض بمقارنتها بالتوقعات المنتظرة من الطفل باعتبارها علامات على النمو، أو بمقارنته بأطفال فى سنه، أو بتاريخ نمو أطفال سبقوه.

س6- ما تأثير المرض على النمو الذهنى للطفل؟

جـ6- يؤثر المرض سلبا على نمو القدرات المعرفية والتواصلية نتيجة لعدم الاستعمال –كما قلنا- مما يؤدى إلى نوع من التخلف العقلى الذى يقاس باختبارات الذكاء، علما بأن تقييم الذكاء فى سن باكرة جدا هو أمر شديد الصعوبة. لكن فى نهاية النهاية – تضمن قدراته المعرفية فى معظم الأحوال، وإن كان يتميز أحيانا عن التخلف العقلى الأولى بأنّ ثمة بؤر متفرقه من نوعيات معينة من ذكاء خاص –كما ذكرنا- قد تكون سليمة، ويمكن رصدها باختبارات خاصة.

س7- هل أسلوب تعامل الوالدين عليه عامل فى ظهور المرض عند الطفل؟

جـ7- نعم، فالطفل الذى ينسحب من الموضوع (الأم فالأسرة) من أول لحظة لا ينبغى أن نستجيب له بانسحاب مقابل، وكأننا – ولو “لاشعوريا” – نعاقبه (واحده بواحده) – إن رصد الانغلاق على الذات عند الطفل منذ الولادة يتطلب إحاطة أكثر، وانتباها أشد حدة، وصبرا، وتدريبا، وفرصا متنوعة متغيرة حسب الاستجابة، كل ذلك يستحسن أن يجرى تحت اشراف وتدريب وتوجيه ومتابعة، وبرامج، وكل ذلك يساهم فيه الوالدين إسهاما إيجابيا إذا احسن تدريباتهم على ذلك.

س8- هل هذا المرض وراثى؟

جـ8- سبق الإشارة إلى هذا فى إجابة سؤال رقم 4

س9- ما هو علاج مرض التوحد؟

جـ9- لا يوجد علاج عضوى محدد مثل “عقاقير بذاتها” ولكن توجد برامج تأهيلية ممتده للأسرة والطفل والمؤسسات التأهيلية للأطفال عموما، ولهذا النوع تحديدا، وهى تقلل كثيرا من مدى الضمور الذى يصيب القدرات المعرفيه والتواصليه بعدم الاستعمال.

س10- هل يمكن أن يخضع الذاتوى للعلاج بمنزله؟ أم من الضرورى ذهابه لدار رعاية خاصة؟

جـ10- يمكن أن يعالج الذاتوى بالمنزل تحت إشراف مختصين يزورهم مع الأهل بانتظام، ويتوقف ذلك على مدى استعداد واستجابة وقدرة الأهل على استيعاب برامج التدريب، وخاصة الأم فى المراحل الأولى، وكأننا حين نوصى بذلك – وهو جيد جدا – نقوم بتأهيل الأهل ليؤهلوا طفلهم، كما ينبغى أن تكون هناك محكات ومقاييس منتظمة تتتبع مدى الالتزام بالبرامج، ومدى نجاحها، واحتمالات تطويلها أو تعديلها…الخ.

س11- هل يتم الشفاء كلياً من المرض ويصبح طفل طبيعى؟

جـ11- حكاية يتم الشفاء أو لا يتم هذا أمر نسبى ليس فقط بالنسبة للطفل الذاتوى ولكن بالنسبة لكل الامراض النفسية، ثم ما هى حكايه “تماما” هذه؟ وهل هناك أحد يشفى تماما؟؟!! المهم هو الحفاظ على الأمل طول الوقت واستمرار التدريب والتأهيل ربما طول العمر، “والذى فيه الخير يقدمه الله، والعلم وحب الحياة والإصرار والصبر والمثابرة طول الوقت.

س12- نسبة الشفاء من مرض التوحد؟

جـ12- تختلف المسألة من مجتمع لمجتمع، ومن طفل لطفل، ومن برنامج لبرنامج، وبالتالى لا يمكن تحديد نسبة الشفاء عامة، كما لا يمكن تعريف كلمة “شفاء” هنا تعريفا موضوعيا محددا كما أشرنا سابقا.

– حول الأطفال الذين لم يتم نسبهم لأب بحكم المحكمة؟ ووجهة النظر الطبية فى الأثر النفسى الذى قد تخلطه حوادث مثل هذه فى حياه الشخص الذى لم يتم نسبه لأب من الناحية الاجتماعية والعملية؟

هذا السؤال بديهى، الاجابة عليه “بنعم” تصبح سطحية غبية، المصيبة فى الأب الذى تنكر لابنه لو كان معروفا، مثل القضية المثارة حاليا، فإن لم يكن معروفا فهو ابن الدولة، وأخشى أن أقول ابن الله ليس بالمعنى المسيحى الكريم، يسمونه فى البلاد المتقدمة التى تحترم آدمية البشر، الطفل الطبيعى En Fant natural فى حين نسمية عن الطفل الشرعى، مع أنه شرعى مائة فى المائه، لأنه لم يخالف أى شريعة، وهو ينزل من بطن أمه، أظن أن الأب هو غير الشرعى، وخاصة إذا كان أنكره، وقد تكون الأم كذلك، عاشور الناجى الكبير، والد كل فتوات ملحمة الحرافيش، ابن لقيط، فى حين أن عز ينوى بطل رواية العطر لباتريك سوزكند هو أيضا ابن بلا أب معروف، الفرق بينهما ان الشيخ عفرة زيدان احتوى عاشور الناجى، الطفل فكان هذا الرمز للعدل والقوة، فى حين أن عز يقول الذى ولد بلا رائحة (بمعنى الوصلة بينهم وبين الخلق، والخالق) ظل طريد الكل فأصبح قاتل الكل.

الاشكال ليس فى الطفل، وإنما فينا نحن قبل وبعد ولادة الطفل البرئ إلا من جرائمنا حين يتحمل وزرها دوننا.

– أيهما طفل طبيعى المشاكس الشرس (الضارب) أم الطيب المسالم (المضروب) وأيهما يكثر وجوده فى العيادة النفسية؟

 لا يوجد تصنيف إلى ما هو طبيعى أو غير طبيعى لمجرد أن الطفل مشاكس أو مسالم خاصة إذا التصقت كلمة “مسالم” بما يسمى “المضروب”. الطفل المشاكس قد يكون مجرد طفل نشط وافر النشاط، أما المسالم فقد يكون هادئ متأملاً جميلاً (وليس بالضرورة مضروبا).

وبالتالى لا يوجد ما يبرر بأن نفترض أن العيادة النفسية هى المكان الذى يمتلئ بهذا النوع دون ذاك مادام الأمر لا يعد مرضا وإنما اختلاف طباع.

– هل تلعب الجينات الوراثية أو التربية أو مشاهدة التلفاز دوراً فى ذلك؟!

الإستعداد الوراثى وارد لوفرة النشاط أو الهدوء فى أسرة بذاتها، لكن هذا لا يعنى استعداد لمرض بذاته، وإنما هو ميل قد تغيره البيئة – بما فى ذلك التليفزيون – أو تنفخ فيه أو قد يضمر بسببها.

– ما هو التأثير النفسى لعمل الأطفال فى السينما على شخصيتهم وسلوكياتهم؟

سواء فى السينما أو غير السينما، أنا أعتبر – مع استثناءات نادرة – أن التمثيل عموما فى هذه السن نوع من “استعمال الأطفال” وليس تنمية لمواهبهم، الطفل فى مرحلة النمو يحتاج أن يكون نفسه، لا أن يلبس صورة غير صورته، ولو تمثيلا يصفق له، خاصة أن عملية التصدير شئ آخر غير ما تشهده فى نهاية المطاف.

فإذا اضطر مخرج أو منتج إلى الاستعانة بطفل لضرورة ما، فهو حق للفن، ولكن ينبغى أن نعلم أن ذلك على حساب الطفل.

إذن: قد يجوز السماح مرّة أو مرتين بمثل ذلك، أما أن يكون الطفل مشروع استثمار على حساب تكوين ذاته ونموه فهذا ضار ضار ضار.

– هل هناك أمراض معروفة أصابت نجوم الأطفال فى السينما العالمية؟

المسألة ليست مرضا بذاته، وإنما هى احتمال تشويه وتحويل لمسار نمو الطفل الطبيعى، والذين يذكرون الطفلة الرائعة فيروز مع أنور وجدى لابد أن يتعجبوا لما آلت إليه حين كبرت، وامتلأت بالبدانة، وانطفأت موهبتها، وأخشى أن أقول أنطفأت حياتها لا قدّر الله، لا توجد أمراض بذاتها يمكن تعدادها، وإنما هى تشويهات وإعاقة.

– هل تشجع عمل الأطفال فى السينما وما هى نصحيتك لأولياء الأمور الذين يقبلون على عمل أبنائهم فى هذا المجال؟

سبق الرد على هذا السؤال فيما سبق من إجابات الاسئلة السابقة، وعموما فإن الطفل المشروع الاستثمارى سواء فى السينما، أو حتى فى تحقيق تفوق عجز والده أو والدته عن تحقيقه هو من أكثر أنواع التربية إضرارا، وقد سبق أن أشرت أن التمثيل بالذات إذا جاز لظروف استثنائية، فيستحسن ألا يتكرر مهما بدا أن الطفل موهوب فيه.

– هناك رسالة دكتوراه أثبتت الآثار الضارة جداً على الأطفال نتيجة لضرب الوالدين لهم فى المنزل ما تعليق سيادتكم؟ وكيف نتعامل مع الطفل المشاغب (المستحق للضرب) دون استخدام هذه الوسيلة الضارة؟

لا يحتاج الأمر إلى رسالة دكتوراه لأثبات الآثارالضارة على الأطفال نتيجة لضرب الوالدين فى المنزل، أرجو أن نخفف تقديسنا لرسائل الدكتوراه وللأبحاث عموماً قبل أن نلجأ إلى فرض حقائق عمومية خالية من أية تفاصيل وبالتالى من أية فائدة حقيقية.

الأهم هو أن نعرف معنى الضرب إن لزم، ومكان الضرب، وسبب الضرب، وتوقيت الضرب، وعلاقة الأب الخاصة جداً بهذا الأبن أو البنت بالذات، وعلاقات أخرى كثيرا بدلا من هذا التعميم مستشهدين برسالة دكتوراه دون أن نعرف ما ينبغى عن المنهج والعينة والجديد فيها.

أما حكاية الطفل المشاغب فهى أكثر غموضاً، لأنه ليس كل مشاغب يستحق الضرب، مفرط النشاط مثلاً ليست مشاغبة وإن بدت كذلك، وعموماً لا يوجد طفل يستحق الضرب هذه الأيام ليس لأنه لا يوجد طفل بلا أخطاء، أو لايحتاج لعقاب ولكن لأن الأباء تخلوا عن مسؤولية الأقتراب من أطفالهم، ومواكبتهم، ومصاحبتهم، والترحال معهم، وبالتالى ليس من حقهم أن يقتربوا من أجسادهم عقاباً بالضرب وربما بغيره.

– هل الطفل الذى ليس له أخوات يعانى مشاكل نفسية أم يتمتع باهتمام لا مثيل له؟

فى الوقت الحاضر، وبعد أن اختفت ما يسمى “الأسرة الممتدة” التى تشمل الأعمام والخالات حتى الأجداد بل والجيران، وحلت محلها الأسرة النووية، أى المتقصرة على أب واحد وأم واحدة وطفل أو أثنين، بعد أن حدث ذلك أصبحت مشكلة الطفل الوحيد جديرة بالإهتمام….، ولكن هذا لا يعنى أنه لابد أن يعانى من مشاكل نفسية وإن كان هو أكثر عرضه لذلك ما لم يعوضه النادى والمدرسة وصداقة الوالدين.

– هل هناك ارتباط بين الطفل الوحيد وصفة الأنانية؟

نعم، ولكنها ليست القاعدة أيضا، إن ذلك يتوقف على موقف الوالدين، وتركيزهما عليه ونوع إمتلاكهما له، أو على العكس صداقتها له ولأصحابه كأولادهم.

– هل هناك سمات شخصية لهذا الطفل تظل معه بقية حياته؟

أكرر أنه لا توجد قاعدة، وأن الأمر يتوقف على عوامل أخرى كثيرة، وعلى فرص التعويض السالفة الذكر فى الإجابة على الاسئلة السابقة، فالطفل الوحيد قد يشعر بحاجة أكبر لخلق إخوة ليسوا إخوة فى الدم وبالتالى يصبح أكثر أقبالا على الناس، لكن طفلا وحيداً آخر قد يشعر أنه لم يتعود على مشاركة أقران له فى سنِّه، فينغلق على نفسه، وهكذا.

– الآثار النفسية للنظام الحالى والمرتقبة فى حالة تطبيق الإتجاه الجديد (على نفسية الطفل)؟

– أكاد لا أوافق على أى من النظامين، وإن كان من البديهى الظاهر أن يكون اليوم الكامل أفضل، ولكن هذا يتوقف على موقف المضيف (غير الحاضن) لأن النفوس إذا كانت غير صافية، فإن يوما كاملا يمكن أن يكون فرصة ليتمزق فيها الطفل أكثر تشتتا مما لو كان الأمر لبضعة ساعات.

علينا أن نحترم أعطاء الفرصة الأطول كحق للوالد أوالوالدة وليس بالضرورة، بما يفيد الطفل تلقائيا فكل حالة لها ظروفها، وتختلف أثر الضيافة على أخلاق موقف المضيف (غير الحاضن)

– الوضع الأفضل وضمانات الاستقرار النفسى بالنسبة للطفل فى حالة الأخذ بالنظام المشار إليه؟

– سبق الإجابة عليه فى سؤال (1).

– الضوابط التى يجب أن يأخذ بها المشرع كى لا يكون هناك تعميم فى التطبيق على الاطراف غير الحاضنة التى تستحق أو التى لا تستحق؟

– لأ أظن أن المشرع يستطيع أن يفرض ضوابط كافية، فالعبرة كما ذكرت ليست بعدد الساعات، وإنما بالنوايا الحسنة، والمسئولية المشتركة، والموقف الأخلاقى والدينى، وهذا كله لاينفع فيه ضوابط المشرع ولا تدخله، وإنما الله سبحانه هو الذى يحكم بيننا، وهو يرانا فى السر والعلن، أثناء الضيافة وبعيدا عن الضيافة، فإن كان الحاضن أو غير الحاضن لايرى الله، فإن الله يراه.

وربنا يستر.

– نحن نجرى تحقيقاً صحفياً حول الأطفال الذين لم يتم نسبهم لأب بحكم المحكمة ونريد أن نعرف وجهة النظر الطبية فى الأثر النفسى الذى قد تخلطه حادث مثل هذه فى حياه الشخص الذى لم يتم نسبه لأب من الناحية الاجتماعية والعملية؟

– هذا السؤال بديهى، الاجابة  عليه “بنعم” تصبح سطحية غبية، المصيبة فى الأب الذى تنكر لابنه لو كان معروفا، مثل القضية المثارة حاليا، فإن لم يكن معروفا فهو ابن الدولة، وأخشى أن أقول ابن الله ليس بالمعنى المسيحى الكريم، يسمونه فى البلاد المتقدمة التى تحترم آدمية البشر، الطفل الطبيعى En Fant natural فى حين نسمية عن الطفل الشرعى، مع أنه شرعى مائة فى المائه، لأنه لم يخالف أى شريعة، وهو ينزل من بطن أمه، أظن أن الأب هو غير الشرعى، وخاصة إذا كان أنكره، وقد تكون الأم كذلك، عاشور الناجى الكبير، والد كل فتوات ملحمة الحرافيش، ابن لقيط، فى حين أن عز ينوى بطل رواية العطر لباتريك سوزكند هو أيضا ابن بلا أب معروف، الفرق بينهما ان الشيخ عفرة زيدان احتوى عاشور الناجى، الطفل فكان هذا الرمز للعدل والقوة، فى حين أن عز يقول الذى ولد بلا رائحة (بمعنى الوصلة بينهم وبين الخلق، والخالق) ظل طريد الكل فأصبح قاتل الكل.

الاشكال ليس فى الطفل، وإنما فينا نحن قبل وبعد ولادة الطفل البرئ إلا من جرائمنا حين يتحمل وزرها دوننا.

 

نداء الوالدين بالأسم

لماذا‏ ‏اختفت‏ ‏كلمة‏ ‏بابا‏ ‏وماما‏ ‏وحل‏ ‏محلها‏ ‏نداء‏ ‏الوالدين‏ ‏باسم‏ ‏أى ‏منهما‏؟

– من‏ ‏حق‏ ‏كل‏ ‏طفل‏ ‏أن‏ ‏ينتمى ‏إلى ‏أب‏ ‏وأم، ‏حتى ‏لو‏ ‏حرم‏ ‏الأب‏ ‏والأم، ‏فإنه‏ ‏حتما‏ ‏ينتمى ‏إلى ‏من‏ ‏يقوم‏ ‏مقامهما‏.‏ والواقع أن‏ ‏نداء‏ ‏الأولاد‏ ‏والبنات‏ ‏لأهلهم‏ ‏بالأسماء‏ ‏المجردة‏ ‏يقلل‏ ‏من‏ ‏التأكيد‏ ‏على ‏هذا‏ ‏الحق‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏ ومع‏ ‏ذلك‏ ‏ففى ‏الأمر‏ ‏وجه‏ ‏آخر، ‏وجه‏ ‏طيب‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏فمن‏ ‏ناحية‏ ‏هو‏ ‏يزيل‏ ‏الحاجز‏ ‏بين‏ ‏الجيل‏ ‏الأصغر‏ ‏والأكبر‏، ‏ويكاد‏ ‏يدعو‏ ‏إلى ‏نوع من‏ ‏المساواة‏ ‏تقلل‏ ‏من‏ ‏الهيبة‏ ‏وتخفف‏ ‏من‏ ‏الرهبة‏ ‏التى ‏اعتدناها‏ ‏بين‏ ‏الأجيال‏.‏

ولكن‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏الأخرى ‏فإن‏ ‏ذلك‏ ‏قد‏ ‏يحرم‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏رؤية‏ ‏الكبير‏ ‏كبيرا، ‏قادرا، ‏ومصدرا‏ ‏للرعاية‏ ‏والاعتماد‏.‏

و‏‏يزداد‏ ‏الخطر‏ ‏حتما‏ ‏حين‏ ‏يختلط‏ ‏هذين‏ ‏البعدين، ‏ففى ‏حين‏ ‏يبدو‏ ‏ظاهر‏ ‏النداء‏ ‏مزيلا‏ ‏للحواجز، ‏قد‏ ‏تدل‏ ‏سائر‏ ‏تصرفات‏ ‏الوالدين‏ ‏على ‏القهر، ‏والقسوة‏، ‏وافتقاد‏ ‏الحوار، ‏وكأن‏ ‏المسألة‏ ‏شكلية‏ ‏تماما‏.‏

ويرجع‏ ‏الأمر‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ ‏إلى ‏استيراد‏ ‏عادات‏ ‏ليست‏ ‏من‏ ‏واقعنا‏ ‏ولا‏ ‏من‏ ‏تقاليدنا، ‏وياليتنا‏ ‏نستوردها‏ ‏صفقة‏ ‏مكتملة، ‏فالواقع‏ ‏أننا‏ ‏نستورد‏ ‏منها‏ ‏شكلها‏ ‏أو‏ ‏سطحها‏ ‏دون‏ ‏جوهرها‏ ‏أو‏ ‏عمقها‏.‏

وأظن‏ ‏أن‏ ‏نداء‏ ‏الطفل‏ ‏لوالديه‏ ‏بالاسم‏ ‏يأتى ‏مصدره‏ ‏من‏ ‏نداء‏ ‏الوالد‏ ‏للوالدة‏ ‏باسمها‏ ‏مجردا، ‏وبالعكس، ‏فيتقمص‏ ‏الطفل‏ ‏والده‏ ‏أو‏ ‏والدته‏ ‏ويناديه‏ ‏باسمه‏ ‏مقلدا‏.‏

ولا‏بد‏ ‏ونحن‏ ‏نعيد‏ ‏النظر‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الأمور‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أننا‏ ‏كونفوشيسيون‏ ‏أكثر‏ ‏منا‏ ‏فرويديون، (‏كونفوشيوس‏ ‏الفيلسوف‏ ‏الصينى ‏الذى ‏بنيت‏ ‏فلسفته‏ ‏على ‏توقير‏ ‏الكبير‏) ‏بمعنى ‏أن‏ ‏قيمنا‏ ‏ضاربة‏ ‏العمق‏ ‏فى ‏الفكر‏ ‏الشرقى، ‏وليست‏ ‏نابعة‏ ‏أصلا‏ ‏من‏ ‏الفكر‏ ‏الغربى، ‏ثم‏ ‏نحن‏ ‏مسلمون‏ ‏مصريون، ‏حيث‏ ‏للكبير‏ ‏مكانه‏ ‏ومكانته‏ ‏فى ‏الحضارة‏ ‏المصرية‏ ‏القديمة‏، ‏وفى ‏الدين‏ ‏الإسلامى ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏.‏

وأخيرا‏ ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏للمجتمع‏ ‏معالم‏ ‏تميزه‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر، ‏فما‏ ‏يجرى ‏فى ‏القرية‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏فى ‏المدينة، ‏وما‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏الأسرة‏ ‏البرجوازية‏ ‏الصغيرة‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏أسرة‏ ‏العامل‏ ‏الحرفى، ‏أو‏ ‏رجل‏ ‏الأعمال، ‏وهذا‏ ‏التضارب‏ ‏يظهر‏ ‏مجتعنا‏ ‏وكأنه‏ ‏سلاطة‏ ‏تتجمع‏ ‏كيفما‏ ‏اتفق‏.‏

****

قتل الأم رضيعها

– إن‏ ‏قتل‏ ‏الأم‏ ‏رضيعها‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏وحيدها‏ ‏أو‏ ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏خطير‏ ‏الدلالة‏ ‏شائك‏ ‏التناول‏، ‏ذلك‏ ‏لأنه‏ ‏أولا‏ ‏ضد‏ ‏الطبيعة‏ ‏البيولوجية‏ (‏الحيوانية‏ ‏والإنسانية‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏)، ‏فالقطة‏ ‏تهرب‏ ‏بأولادها‏ ‏فى ‏فمها‏ ‏قافزة‏ ‏فوق‏ ‏الأسطح‏ ‏لتحميهم‏ ‏من‏ ‏أى ‏خطر‏ ‏عابر‏، ‏والله‏ ‏سبحانه‏ ‏وضع‏ ‏غريزة‏ ‏الأمومة‏ ‏ليحافظ‏ ‏على ‏الحياة‏ ‏برمتها‏، ‏فمن‏ ‏غير‏ ‏المعقول‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏من‏ ‏وحى ‏العقل‏، ‏ولا‏ ‏حتى ‏من‏ ‏وحى ‏الغريزة‏ ‏لأنه‏ – ‏كما‏ ‏أسلفنا‏ – ‏هو‏ ‏ضد‏ ‏الحياة‏، ‏إذن‏ ‏فالأمر‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏وتفسير؟

‏1- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏قتل‏ ‏الرضيع‏ ‏نتيجة‏ ‏قد‏ ‏حدثت‏ ‏والوعى ‏مغيب‏ ‏أو‏ ‏مختلط‏، ‏وبالتالى ‏تتشوش‏ ‏الأمور‏ ‏بدرجة‏ ‏تسمح‏ ‏بإزهاق‏ ‏الروح‏ ‏دون‏ ‏إدراك‏ ‏حقيقة‏ ‏الفعل‏ ‏وحجمه.

‏2- ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏القتل‏ ‏مظهرا‏ ‏لما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمي‏ “‏الرحمة‏ ‏المجنونة‏” ‏كما‏ ‏يحدث‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏الاكتئاب‏ ‏الذهانى ‏حيث‏ ‏يرى ‏المريض‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏أن‏ ‏العالم‏ ‏سيء‏ ‏وقاس‏ ‏وبشع‏ ‏ومخيف‏، ‏فتقتل‏ ‏الأم‏ ‏رضيعها‏ ‏وهى ‏تتصور‏ ‏أنها‏ ‏ترحمه‏ ‏مما‏ ‏ينتظره‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏العالم‏ ‏الغادر‏ ‏اللئيم.

‏3- ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏القتل‏ ‏مكافئا‏ ‏للانتحار‏، ‏ويحدث‏ ‏هذا‏ ‏حين‏ ‏تقتل‏ ‏الأم‏ ‏طفلتها‏ ‏الأنثى ‏بالذات‏، ‏إذ‏ ‏تسقط‏ ‏الأم‏ ‏على ‏رضيعتها‏ ‏الطفلة‏ ‏الكامنة‏ ‏فى ‏داخلها‏، ‏وبالتالى ‏هى ‏لا‏ ‏تقتل‏ ‏ابنتها‏ ‏التى ‏ولدتها‏ ‏وأصبحت‏ ‏كيانا‏ ‏خارجا‏ ‏عنها‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏تقتلها‏ ‏وكأنها‏ ‏تقتل‏ ‏نفسها‏ “‏حالة‏ ‏كونها‏ ‏طفلة‏” ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏.‏

‏4- ‏وفى ‏حالات‏ ‏أخرى ‏قد‏ ‏تتم‏ ‏عملية‏ ‏القتل‏ ‏كجزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏منظومة‏ ‏انتقامية‏ ‏أكبر‏، ‏مثل‏ ‏الانتقام‏ ‏من‏ ‏والد‏ ‏الطفلة‏، ‏أو‏ ‏الثأر‏ ‏لكرامة‏ ‏الأم‏ ‏التى ‏امتهنها‏ ‏الوالد‏ ‏حتى ‏السحق‏، ‏أو‏ ‏للتخلص‏ ‏من‏ ‏رباط‏ ‏مع‏ ‏والد‏ ‏الطفلة‏ ‏الذى ‏بلغ‏ ‏من‏ ‏درجة‏ ‏قهره‏ ‏وامتهانه‏ ‏ما‏ ‏يبرر‏ ‏الخلاص‏ ‏من‏ ‏أى ‏ارتباط‏ ‏بأى ‏رمز‏ ‏من‏ ‏طرف‏ ‏هذا‏ ‏القاهر‏ ‏الظالم‏. ‏

وفى ‏الحالات‏ ‏الثلاثة‏ ‏الأولى ‏قد‏ ‏تسقط‏ ‏المسئولية‏ ‏عن‏ ‏القاتلة‏ ‏بسبب‏ ‏المرض‏، ‏أما‏ ‏فى ‏الحالة‏ ‏الرابعة‏ ‏فالمسألة‏ ‏تختلف‏ ‏حسب‏ ‏كل‏ ‏حالة‏ ‏على ‏حدة.

وبصفة‏ ‏عامة‏ ‏فإنه‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏الحكم‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الحالات‏ ‏من‏ ‏معلومات‏ ‏نشرت‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏لا‏ ‏نعرف‏ ‏مدى ‏مصداقيتها‏، ‏فالمسألة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏فحص‏ ‏مباشر‏،‏ و‏تدقيق‏ ‏هائل‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نتصدى ‏لأى ‏حالة‏ ‏منفردة‏. ‏

****

عن‏ ‏صور‏ ‏البطولة‏ ‏الخارقة‏ ‏والقيم‏ ‏المستوردة‏

– فى ‏هذه‏ ‏الفترة‏ ‏التى ‏يتحسس‏ ‏فيها‏ ‏العالم‏ ‏معالم‏ ‏ما‏ ‏يسمى “النظام‏ ‏العالمى ‏الجديد‏” ‏والذى ‏لم‏ ‏تتحدد‏ ‏أبعاده‏ ‏بعد‏، ‏ينظر‏ ‏كل‏ ‏إنسان‏ ‏فى ‏نفسه‏ ‏ومن‏ ‏حوله‏ ‏وإلى ‏أبنائه‏ ‏وبناته‏، ‏ليتساءل‏ ‏كيف‏ ‏وإلى ‏أين؟

وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏ننظر‏ ‏إلى ‏المستقبل‏ ‏الجامح‏ ‏ونحن‏ ‏نعد‏ ‏أطفالنا‏ ‏له‏، ‏ولاندرى ‏كيف‏ ‏نصيغهم‏ ‏ليتحملوا‏ ‏مسئوليته‏، ‏وليساهموا‏ ‏فى ‏شرف‏ ‏حضارته‏.‏

تعالوا‏ ‏نرى ‏النماذج‏ ‏المستوردة

سوبر‏ ‏ميكى (‏وليس‏ ‏ميكى‏)، ‏والرجل‏ ‏الأخضر‏، ‏وتان‏ ‏تان‏، ‏والمصارعة‏ فى ‏التليفزيون‏،…‏إلخ‏ ‏والاختباء‏ ‏فى ‏ظاهر‏ ‏الدين‏ ‏يلف‏ ‏رؤوس‏ ‏الكبار‏، ‏ويتخلل‏ ‏لحاهم‏، ‏وكأنهم‏ ‏قد‏ ‏أبرأوا‏ ‏ذممهم‏ ‏بلبس‏ ‏قشرة‏ ‏الإسلام‏ ‏والروح‏ الجاهلية‏. ‏ثم‏ ‏يفرضون‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏أطفال‏ ‏المدارس‏ ‏وكأنهم‏ ‏حققوا‏ ‏حضارة‏ ‏الإسلام‏ ‏غير‏ ‏مهتمين‏ ‏بنفس‏ ‏القدر‏ ‏بتنمية‏ ‏القيم‏ ‏الإنسانية‏ ‏التى ‏قدمها.

ولا‏بد‏ ‏من‏ ‏إعلان‏ ‏موقفى ‏ابتداء‏ ‏وأمانة‏، ‏وهو‏ ‏أننى ‏لو‏ ‏خيرت‏ ‏بين‏ ‏قهر‏ ‏الطفل‏ ‏تحت‏ ‏قشرة‏ ‏شبه‏ ‏دينية‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏معناها‏، ‏وبين‏ ‏تشويه‏ ‏عقله‏ ‏بأساطير‏ ‏القوة‏ ‏المستوردة‏، ‏لاخترت‏ ‏الأخيرة‏، ‏أملا‏ ‏فى ‏أن‏ ‏يلفظها‏ ‏حين‏ ‏يكبر‏ ‏ويعرف‏ ‏حقيقة‏ ‏انتمائه‏ ‏وجوهر‏ ‏دينه‏.‏

لكن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏الاستسلام‏ ‏دون‏ ‏شروط‏ ‏للقيم‏ ‏النابعة‏ ‏من‏ ‏قشور‏ ‏الحضارة‏ ‏الغربية‏ ‏مثل‏: ‏قيمة‏ ‏القوة‏ ‏والسيطرة‏، ‏وقيمة‏ ‏الرفاهية‏، ‏ووقيمة‏ ‏الحرية‏ ‏التى ‏أسموها‏ ‏حقوق‏ ‏الإنسان‏ (‏رغم‏ ‏سيطرة‏ ‏المافيا‏ ‏ومراكز‏ ‏القوى ‏الصهيونية‏ ‏والاستهلاكية‏)‏ وحين‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏القيم‏ ‏الرائجة‏، ‏فلا‏ ‏ضير‏ ‏عليهم‏ ‏أن‏ ‏يقدموا‏ ‏لأطفالهم‏ ‏ما‏ ‏يخدم‏ ‏هذه‏ ‏القيم‏.‏

– فهل‏ ‏نريد‏ ‏يا‏ ‏ترى ‏أ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏نريده‏ ‏تماما‏ ‏لأطفالنا‏‏؟

وقبل‏ ‏أن‏ ‏أواصل‏ ‏الأعتراض‏ ‏أو‏ ‏التحفظ‏، ‏أذكر‏ ‏نفسى ‏والقارئ‏ ‏أن‏ ‏صور‏ ‏البطولة‏ ‏العربية‏ ‏والإسلامية‏ ‏التى ‏تقدم‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏محاولات‏ ‏مجلات‏ ‏الطفل‏ ‏العربى ‏وبرامج‏ ‏التليفزيون‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏الصورة‏ ‏المثلى ‏التى ‏تنمى ‏ما‏ ‏نتصور‏ ‏أنه‏ ‏ينتمى ‏إلى ‏حضارتنا‏ ‏أو‏ ‏ينادى ‏به‏ ‏ديننا‏، ‏فهى ‏صور‏ ‏أغلبها‏ ‏أحادى ‏الجانب‏، ‏مسطح‏ ‏الأبعاد‏، ‏ليس‏ ‏فيه‏ ‏عمق‏ ‏الخيال‏، ‏ولا‏ ‏شطح‏ ‏تلقائية‏ ‏الفطرة‏، ‏ولا‏ ‏ثراء‏ ‏الغيب‏، ‏وهى ‏صور‏ ‏يغلب‏ ‏عليها‏ ‏البعد‏ ‏الأخلاقى‏، ‏والبعد‏ ‏المثالى‏، ‏والبعد‏ ‏النصائحى، ‏يغلب‏ ‏عليها‏ ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏حتى ‏يجعلها‏ ‏منفرة‏، ‏وذات‏ ‏أثر‏ ‏عكسى‏.‏

وعندنا‏ ‏أدباء‏ ‏عظام‏ ‏يكتبون‏ ‏للطفل‏، ‏ولكن‏ ‏ليس‏ ‏عندنا‏ ‏الآله ‏الإعلامية‏ ‏التى ‏تستغل‏ ‏كتاباتهم‏ ‏استغلالا‏ ‏قادرا‏ ‏على ‏أن‏ ‏ينافس‏ ‏قيم‏ ‏القوة‏ ‏المطلقة‏ ‏والسيطرة‏ ‏التنافسة‏، ‏والحرية‏ ‏المشبوهة‏.‏

ثم‏ ‏إن‏ ‏عندنا‏ ‏ما‏ ‏نعتز‏ ‏به‏ ‏من‏ ‏تاريخ‏، ‏ومن‏ ‏حاضر‏ ‏واعد‏، ‏فخذ‏ ‏مثلا‏ ‏هذه‏ ‏القيم‏ ‏ومقابلاتها‏ ‏مما‏ ‏يرد‏ ‏إلينا‏ ‏منهم‏:‏

الفروسية‏ ( ‏فى ‏مقابل‏ ‏قيمة‏ ‏السيطرة‏)،‏ النجدة‏ (‏فى ‏مقابل‏ ‏قيمة‏ ‏الحذق‏ ‏والشطارة‏)،‏ الطيبة‏ ‏القوية‏ (‏فى ‏مقابل‏ ‏قيم‏ ‏السذاجة‏)‏، الاستجارة‏ ‏والإجارة‏ (‏فى ‏مقابل‏ ‏قيمة‏ ‏التأمين‏)‏ ومرة‏ ‏أخرى ‏أنا‏ ‏أقرأ‏ ‏ميكى (وليس‏ ‏سوبر‏ ‏ميكى‏)، ‏وأشاهد‏ ‏توم‏ ‏وجيرى، (‏وليس‏ ‏الرجل‏ ‏الأخضر‏)، ‏وأحب‏ ‏أغانى ‏هجاء‏ ‏أيام‏ ‏الدراسة‏، ‏وأسخر‏ ‏من‏ ‏أغانى ‏نفاق‏ ‏المدرسة‏، ‏وذلك‏ ‏منذ‏ ‏كنت‏ ‏طفلا‏ ‏وحتى ‏الآن.

****

عقاب الأطفال

– عن‏ ‏عقاب‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏المراحل‏ ‏الدراسية‏ ‏الأولى، ‏ومدى ‏تأثيره‏ ‏على ‏نفسيته‏ ‏فى ‏الطفولة، ‏وفى ‏المراحل‏ ‏التالية‏ ‏من‏ ‏العمر‏ أظن‏ ‏أن‏ ‏فلسفة‏ ‏العقاب‏ ‏بصفة‏ ‏عامة‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏نصب‏ ‏أعين‏ ‏المربين‏ ‏جميعا‏، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏المربى ‏هو‏ ‏مدرس‏ ‏فصل، ‏أم‏ ‏والد‏، ‏أم‏ ‏والدة، ‏أم‏ ‏مربية، ‏أم‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏ فمن‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏عقاب‏ ‏وثواب‏، ‏عقاب‏ ‏على ‏الخطأ‏، ‏وثواب‏ ‏على ‏الإنجاز‏ لكن‏ ‏ثمة‏ ‏شروطا‏ ‏ينبغى ‏توافرها‏.

فمن‏ ‏الذى ‏يعاقب؟‏ ‏ومتى ‏يعاقب؟‏ ‏وما‏ ‏هى ‏أنواع‏ ‏العقاب؟‏ ‏وهل‏ ‏كل‏ ‏عقاب‏ ‏يصلح‏ ‏لكل‏ ‏سن‏؟‏ ‏وما معنى ‏العقاب‏..‏؟

إلى ‏آخر‏ ‏هذه‏ ‏التساؤلات‏ ‏الخطيرة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏يلتفت‏ ‏إليها‏ ‏أحد‏.‏

ذلك‏ ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏تختلف‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسألة‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏موقف‏ ‏متساهل‏ ‏تماما‏ ‏يمنع‏ ‏العقاب‏ (البدنى‏) ‏خاصة‏ ‏منعا‏ ‏باتا‏ وبين‏ ‏موقف‏ ‏متشدد‏ ‏يتصور‏ ‏أن‏ ‏الإيلام، ‏والجرح، ‏هو‏ ‏كاف‏ ‏لتعديل‏ ‏السلوك‏،‏ وأحسب‏ ‏أن‏ ‏كلا‏ ‏الموقفين‏ ‏خاطئ وأضع‏ ‏تصورى ‏العام‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الأمر، ‏دون‏ ‏الدخول‏ ‏فى ‏التفاصيل‏ ‏على ‏الوجه‏ ‏التالى‏:‏

‏ ‏فلا‏بد‏ ‏من‏ ‏الاعتراف‏ ‏بأن‏ ‏الطفل‏ ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏يــعاقب‏ والطفل‏ ‏الحديث‏ ‏الولادة‏، ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏لديه‏ ‏ذاكرة‏ ‏تستوعب‏، ‏أو‏ ‏قدرة‏ ‏ربط‏ ‏بين‏ ‏الأمور‏، ‏أو‏ ‏قدرة‏ ‏استيعاب‏ ‏الخبرات، ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏عوقب‏ (‏وبعض‏ ‏الأهل‏ ‏يفعلونها‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏السن‏ ‏المبكرة‏) ‏فهذه‏ ‏جريمة‏ ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏ ثم‏ ‏تبدأ‏ ‏جدوى ‏العقاب‏ ‏مع‏ ‏التدرج‏ ‏فى ‏السن‏ وفى ‏سن‏ ‏المدرسة‏ ‏الابتدائية، ‏وقبل‏ ‏ذلك‏ ‏فى ‏الحضانة‏ ‏المتأخرة‏ ‏يصبح‏ ‏العقاب‏ ‏ذا‏ ‏فائدة‏ ‏وجدوى ‏شريطة‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مناسبا‏.‏

ولكى ‏يكون‏ ‏مناسبا‏ ‏لا‏بد‏ ‏من‏ ‏توافر‏ ‏الشروط‏ ‏التالية‏:‏

‏1- ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏علاقة‏ ‏وثيقة‏ ‏بين‏ ‏الشخص‏ ‏الذى ‏يعاقب‏ ‏وبين‏ ‏الطفل‏، ‏ومعنى ‏كلمة‏ ‏علاقة‏ ‏معنى ‏خطير‏ ‏وعميق‏، ‏إذ‏ ‏لا‏ ‏يكفى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الوالد‏ ‏موجودا‏ ‏بالمنزل‏ ‏لنزعم‏ ‏أن‏ ‏ثمة‏ ‏علاقة‏، ‏فكثيرمن‏ ‏الآباء‏ ‏يتواجدون‏ ‏جسديا‏ ‏ولا‏ ‏يتواجدون‏ ‏عاطفيا‏، ‏أو‏ ‏تربويا‏ ولكن‏ ‏المقصود‏ ‏بالعلاقة، ‏هو‏ ‏مثول‏ ‏الآخر‏ ‏فى ‏الوعى، ‏أى ‏يكون‏ ‏الآخر‏، ‏وخاصة‏ ‏طفلى هو‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏وجودى ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏السبيل‏ ‏الوحيد‏، ‏وخاصة‏ ‏فى ‏السن‏ ‏الأصغر‏ ‏لأوصل‏ ‏رسالة‏ ‏ذات‏ ‏مغزى ‏لطفلى‏، ‏والعقاب‏ ‏فى ‏عمقه‏ ‏ليس‏ ‏إلا‏ ‏رسالة‏ ‏تصل‏ ‏للطفل‏ ‏لتعديل‏ ‏سلوكه‏.‏

‏2- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏العقاب‏ ‏متدرجا، ‏فيبدأ‏ ‏بالنهر‏ ‏اللفظى ‏وقد‏ ‏يتدرج‏ ‏حتى ‏الكف‏ ‏البدنى.

‏3- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مناسبا‏ ‏لحجم‏ ‏الخطأ‏.‏

‏4- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الخطأ‏ ‏معروفا‏ ‏مسبقا‏ ‏أنه‏ ‏خطأ، ‏فكثير‏ ‏من‏ ‏الأطفال‏ ‏يرتكبون‏ ‏أشياء‏ ‏لا‏ ‏يعلمون‏ ‏أنها‏ ‏خطأ‏ ‏أصلا‏، ‏وفجأة‏ ‏يلقون‏ ‏عقابا‏ ‏شديدا‏ ‏على ‏إتيانها‏، ‏فالطفل‏ ‏الذى ‏يقف‏ ‏فجأة‏ ‏فى ‏الفصل‏ ‏دون‏ ‏إذن‏ ‏فى ‏أول‏ ‏حصة‏ ‏يحضرها‏ ‏فى ‏الابتدائى ‏مثلا‏، ‏لم‏ ‏يكن‏ ‏يعرف‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏ممنوع‏ ‏أصلا‏، ‏وفجأة‏ ‏يجد‏ ‏العقاب‏ ‏قد‏ ‏دهمه‏ ‏دون‏ ‏سابق‏ ‏إنذار، ‏هذا‏ ‏خطر‏ ‏وممنوع‏ ‏تماما‏.‏

‏5-‏ أن‏ ‏نتجنب‏ ‏العقاب‏ ‏بالحرمان، ‏فالحرمان‏ ‏أقسى ‏من‏ ‏المواجهة‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يبدو‏ ‏أرق‏ ‏وأخفي‏، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏الحرمان‏ ‏موقف‏ ‏سلبى، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏بعض‏ ‏العقاب‏ ‏الجيد‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏فيه‏ ‏علاقة، ‏وحوار، ‏ومواجهة‏.‏

‏6- ‏ثم‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يأتى ‏العقاب‏ ‏عقب‏ ‏الخطأ‏ ‏مباشرة، ‏فتأجيل‏ ‏العقاب‏ ‏قد‏ ‏يجعله‏ ‏يأتى ‏فى ‏الوقت‏ ‏الذى ‏يكون‏ ‏الطفل‏ ‏فيه‏ ‏قد‏ ‏أتى ‏عملا‏ ‏حسنا‏، ‏ونسى ‏ما‏ ‏اقترف‏ ‏من‏ ‏خطأ‏، ‏وفى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏فإنه‏ ‏يحدث‏ ‏ربط‏ ‏خاطئ‏ ‏وبلبلة.

‏7- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏العقاب‏ ‏متسقا‏: ‏فلا‏ ‏أعاقب‏ ‏اليوم‏ ‏على ‏شيء‏ ‏ثم، ‏فى ‏اليوم‏ ‏التالى ‏أنسى ‏وأكافئ‏ ‏على ‏نفس‏ ‏الشئ

‏8- ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الذى ‏ينزل‏ ‏العقاب‏ ‏أشد‏ ‏تألما‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏.‏

‏9- ‏ألايستعمل‏ ‏العقاب‏ ‏تنفيسا‏ ‏عن‏ ‏المعاقب‏ ‏لمجرد‏ ‏أن‏ ‏أموره‏ ‏الخاصة‏- ‏وليس‏ ‏ما‏ ‏فعله‏ ‏الطفل‏- ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يطيقها‏. ‏

****

ظاهرة‏ ‏أبناء‏ ‏المفاتيح

– الأب‏ ‏والأم‏ ‏فى ‏العمل‏ ‏وفى ‏ظل‏ ‏الفترة‏ ‏الصباحية‏ ‏والمسائية‏ ‏فى ‏المدارس‏ ‏يتعارض‏ ‏مواعيد‏ ‏الأطفال‏ ‏مع‏ ‏مواعيد‏ ‏الأم‏ ‏وبالتالى ‏تعطيهم‏ ‏مفتاح‏ ‏الشقه‏ ‏لينتظروها‏ ‏فى ‏المنزل‏ ‏حتى ‏عودتها والأطفال‏ ‏الصغار‏ ‏يشكون‏ ‏من‏ ‏طول‏ ‏هذه‏ ‏الفترة‏ ‏لانهم‏ ‏يخافون‏ ‏من‏ ‏الجلوس‏ ‏وحدهم.

اولا‏: ‏أسباب‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏والنتائج‏ ‏النفسية‏ ‏المترتبه‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الظاهرة؟

ثانيا‏: ‏الحلول‏ ‏التى ‏يقترحها‏ ‏الدكتور يحيى‏ ‏الرخاوى لتفادى ‏تأثير‏ ‏هذه‏ ‏المشكلة‏ ‏على ‏الأطفال‏ ‏وعلى ‏مستقبلهم‏؟‏

أولا‏: ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نقول‏ ‏إن‏ ‏لهذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏أسبابا‏ ‏غير‏ ‏ما‏ ‏ذكر‏ ‏السؤال‏، ‏فأكل‏ ‏العيش‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏الرئيسى ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يبرر‏، ‏ولا‏ ‏يفسر‏، ‏هذه‏ ‏الظاهرة.

ثانيا‏: ‏لا‏ ‏أظن‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏سيئة‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط‏، ‏ذلك‏ ‏أنها‏ ‏فى ‏الوقت‏ ‏الذى ‏تحرم‏ ‏الأطفال‏ ‏من‏ ‏ذويهم‏ ‏ومن‏ ‏الشعور‏ ‏بالأمان‏ ‏وبمعنى ‏الأسرة‏ ‏ومعنى ‏المنزل‏، ‏فإنها‏ ‏تعطى ‏الطفل‏ ‏الفرصة‏ ‏للاستقلال‏، ‏وكذلك‏ ‏الفرصة‏ ‏للاقتراب‏ ‏من‏ ‏الواقع‏ ‏وفهم‏ ‏طبيعة‏ ‏خشونة‏ ‏الحياة‏ ‏وضروراتها‏، ‏وطبعا‏ ‏تختلف‏ ‏جرعة‏ ‏إيجابية‏ ‏وسلبية‏ ‏التأثير‏ ‏باختلاف‏ ‏سن‏ ‏الطفل‏، ‏فالطفل‏ ‏الأصغر‏ ‏من‏ ‏خمس‏ ‏سنوات‏ ‏مثلا‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يلتقط‏ ‏المعنى ‏الإيجابى ‏لهذه‏ ‏الظاهرة‏، ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الأكبر‏ ‏سنا‏ ‏قد‏ ‏يدرك‏ ‏معنى ‏الاضطرار‏ ‏ويبدى ‏الاستعداد‏ ‏للتعاون‏.‏

ثالثا‏: ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏أخطر‏ ‏فى ‏المدينة‏ ‏عنها‏ ‏فى ‏القرية‏، ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏القرية‏ ‏توجد‏ ‏الأسرة‏ ‏الكبيرة‏، ‏والجيران‏، ‏وأهل‏ ‏الحارة‏، ‏وكل‏ ‏هؤلاء‏ ‏يمثلون‏ ‏للطفل‏ ‏الأسرة‏ ‏الممتدة‏ ‏ويقومون‏ ‏تلقائيا‏ ‏وبالتبادل‏ ‏برعاية‏ ‏أطفال‏ ‏بعضهم‏ ‏البعض‏ ‏حتى ‏يحضر‏ ‏المشغول‏ ‏وهكذا.

أما‏ ‏فى ‏المدينة‏ ‏فالمسألة‏ ‏تختلف‏ ‏حيث‏ ‏الشقق‏ ‏مثل‏ ‏علب‏ ‏الكبريت‏، ‏والتباعد‏ ‏بين‏ ‏الجيران‏ ‏هو‏ ‏القاعدة‏، ‏واختفاء‏ ‏حوش‏ ‏العمارة‏ ‏وبئر‏ ‏السلم‏ ‏المتسع‏ ‏أصبح‏ ‏من‏ ‏قواعد‏ ‏البناء‏ ‏الحديث‏، ‏فلم‏ ‏تعد‏ ‏فرصة‏ ‏لأولاد‏ ‏العمارة‏ ‏أن‏ ‏يلعبوا‏ ‏سويا‏، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يجعل‏ ‏من‏ ‏الشقة‏ ‏المغلقة‏ ‏سجنا‏ ‏قبيحا‏ ‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏الطفل‏ ‏يحمل‏ ‏مفتاحا من‏ ‏ذهب‏.‏

‏ ‏رابعا‏: ‏لا‏ ‏أعرف‏ ‏حلا‏ ‏سهلا‏ ‏لهذه‏ ‏الظاهرة‏، ‏فأنا‏ ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنصح‏ ‏الوالدين‏ ‏المحتاجين‏ ‏لكل‏ ‏قرش‏ ‏أن‏ ‏يكفوا‏ ‏عن‏ ‏العمل‏ ‏فى ‏انتظار‏ ‏عودة‏ ‏أطفالهم‏ ‏لاستقبالهم كما‏ ‏أننى ‏لا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنصح‏ ‏بتغيير‏ ‏مواعيد‏ ‏المدارس‏ ‏بحيث‏ ‏تتفق‏ ‏مع‏ ‏السماح‏ ‏للأهل‏ ‏بانتظار‏ ‏أولادهم‏، كل‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏القول‏ ‏به‏ ‏هو‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏الأمانى ‏منه‏ ‏إلى ‏الحل‏، ‏ومثال‏ ‏ذلك‏:‏

‏1- ‏أن‏ ‏تزداد‏ ‏الروابط‏ ‏بين‏ ‏الجيران‏ ‏فيقومون‏ ‏بعمل‏ ‏ما‏ ‏يشبه‏ ‏الجمعية‏ ‏لرعاية‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏بالتناوب‏ ‏حسب‏ ‏ظروف‏ ‏العمارة‏ ‏ككل‏ (‏أسوة‏ ‏بالحارة‏ ‏فى ‏القرية‏)‏

‏2- ‏أن‏ ‏ينظر‏ ‏فى ‏مسألة‏ ‏اشتراط‏ ‏الحوش‏ ‏المشترك‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏العمارات‏، ‏ولا‏ ‏سيما‏ ‏العمارات‏ ‏التى ‏تبنيها‏ ‏الدولة‏، ‏والجمعيات‏، ‏وأن‏ ‏تنظم‏ ‏جمعيات‏ ‏لرعاية‏ ‏الأطفال‏ ‏فى ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يسمى ‏الحوش‏ ‏المشترك‏ (‏أو‏ ‏النادى ‏الصغير‏)‏

‏3- ‏ألا‏ ‏نبالغ‏ ‏فى ‏إسقاط‏ ‏مخاوفنا‏ ‏على ‏الأطفال‏، ‏فليس‏ ‏كل‏ ‏الأطفال‏ ‏المتروكين‏ ‏فى ‏المنزل‏ ‏هكذا‏ ‏يعانون‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏كما‏ ‏يقول‏ ‏السائل

‏4- ‏ينبغى ‏أن‏ ‏ننتبه‏ ‏لأخطار‏ ‏أخرى ‏غير‏ ‏الشعور‏ ‏بالخوف‏، ‏مثل‏ ‏التعرض‏ ‏لمخاطر‏ ‏اللعب‏ ‏بالكهرباء‏، ‏أو‏ ‏مخاطر‏ ‏تناول‏ ‏مواد‏ ‏سامة‏، ‏أو‏ ‏فتح‏ ‏البوتاجاز‏ ‏إلخ

‏5- ‏ينبغى ‏تعويض‏ ‏هذا‏ ‏الغياب‏ ‏بعد‏ ‏اجتماع‏ ‏الأسرة‏ ‏بنشاط‏ ‏مشترك‏، ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏بالجلوس‏ ‏أمام‏ ‏التليفزيون‏، ‏وأنصح‏ ‏بممارسة‏ ‏ألعاب‏ ‏التسلية‏ ‏معا‏ ‏بصفة‏ ‏شبه‏ ‏منتظمة‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏اضطر‏ ‏الأمر‏ ‏لعمل‏ ‏دورى ‏صغير‏ ‏بين‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏فى ‏أى ‏لعبة‏ ‏مشتركة‏، ‏كذلك‏ ‏يتم‏ ‏التعويض‏ ‏فى ‏أيام‏ ‏الأجازت‏ ‏حيث‏ ‏يراعى ‏الخروج‏ ‏معا‏ ‏والزيارات‏ ‏معا‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك‏.‏

‏ ‏ ****

‏‏‏انحراف الاطفال

– هل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏الانحراف‏ ‏استعدادا‏ ‏فطريا‏ ‏لدى ‏البعض‏‏؟

مسألة‏ ‏الاستعداد‏ ‏الفطرى ‏هذ‏ ‏مسألة‏ ‏شديدة‏ ‏التعقيد‏، ‏فليس‏ ‏معنى ‏أن‏ ‏نجد‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏فرد‏ ‏فى ‏عائلة‏ ‏مثلا‏ ‏عنده‏ ‏انحراف‏ ‏اجتماعى ‏فى ‏أى ‏سن‏ ‏كانت‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏يدل‏ ‏على ‏الاستعداد‏ ‏الفطرى، ‏لأن‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏العائلة‏ – ‏من‏ ‏واقع‏ ‏خبرتى – ‏تمتلئ‏ ‏أيضا‏ ‏بالمتميزين‏ ‏إبداعا‏، ‏ومرضى ‏العقل‏، ‏ومعنى ‏هذا‏ ‏عندى ‏أن‏ ‏الذى ‏يورث‏ ‏ليس‏ ‏الانحراف‏ ‏فى ‏ذاته، ‏وإنما‏ ‏هى ‏طاقة‏ ‏فوارة، ‏وثورة‏ ‏محتملة، ‏وإيقاع‏ ‏مختلف‏، ‏فإذا‏ ‏وجدت‏ ‏هذه‏ ‏الطاقة‏ ‏سبيلها‏ ‏إلى ‏الإبداع‏ ‏والتميز‏ ‏كان‏..، ‏وإلا‏ ‏فهى ‏إما‏ ‏تتميز‏ ” ‏ضـــد‏” ‏المجتمع‏ ‏والناس، ‏فهو‏ ‏الانحراف، ‏أوترتد‏ ‏على ‏الذات‏ ‏فتفسخها، ‏أو‏ ‏تشوهها‏، ‏أو‏ ‏تعزلها‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏المرض‏ ‏النفسى‏.‏

‏ما‏ ‏هى ‏الدوافع‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تدفع‏ ‏طفلا‏ ‏إلى ‏الانحراف‏؟

إذا‏ ‏صح‏ ‏الفرض‏ ‏السابق‏، ‏وهو‏ ‏عندى ‏الأرجح، ‏فإن‏ ‏الطفل‏ ‏قد‏ ‏ينحرف‏ ‏إذا‏‏ ‏ما‏ ‏كان‏ ‏يحمل‏ ‏هذا‏ ‏الزخم‏ ‏الحيوى ‏استعدادا‏، ‏ولم‏ ‏يجد‏ ‏المتنـفـــس‏ ‏الإيجابى ‏لاحتوائه‏، ‏أو‏ ‏هو‏ ‏وجد‏ ‏النموذج‏ ‏المنحرف‏ ‏الشاذ‏ ‏الذى ‏يسهل‏ ‏توجيه‏ ‏الطاقة‏ “ضد‏” ‏المجتمع‏ ‏والناس ومعنى ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الأسرة‏ ‏تتحمل‏ ‏مسئولية‏ ‏خطيرة‏ ‏إزاء‏ ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الناتج‏ ‏السلوكى ‏المنحرف، ‏وتتحملها‏ ‏معها‏ ‏المدرسة‏ ‏والمجتمع‏ ‏الأوسع‏ ‏بما‏ ‏يقدم‏ ‏من‏ ‏نماذج‏ ‏فاسدة، ‏أو‏ ‏يفتقر‏ ‏إلى ‏القدوة، ‏أو‏ ‏يهمل‏ ‏فى ‏الإعلام، ‏أو‏، ‏يشوه‏ ‏فى ‏الوعى…‏إلخ

‏هل‏ ‏الحدث‏ ‏مذنب‏ ‏أم‏ ‏ضحية‏ ‏الظروف‏ ‏التى ‏يعيش‏ ‏فيها‏؟

كلنا‏ ‏مذنبون‏ ‏وضحايا، ‏ليست‏ ‏المسألة‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة‏: ” ‏إمــــا‏…..‏أو‏…”،‏ ومهما‏ ‏قلنا‏ ‏إن‏ ‏الحدث‏ ‏ضحية‏ ‏الظروف، ‏فإنه‏ ‏أيضا‏ ‏سببا‏ ‏فيما‏ ‏يلى ‏انحرافه‏ ‏من‏ ‏تفسخ‏ ‏وتدهور‏ ‏فى ‏ذاته‏ ‏وفى ‏المجتمع‏ ‏ككل، ‏وهكذا، ‏نحن‏ ‏نريد‏ ‏أن‏ ‏نضع‏ ‏يدنا‏ ‏على ‏نقطة‏ ‏الضعف‏ ‏فى ‏الحلقة‏ ‏الجهنمية‏ ‏لهذه‏ ‏القضية، ‏نقطة‏ ‏الضعف‏ ‏لا‏ ‏نقطة‏ ‏البداية، ‏لأننا‏ ‏نريد‏ ‏أن‏ ‏نكسرالحلقة، ‏لا‏ ‏أن‏ ‏نتحرى ‏أصلها‏ ‏لنتفرج‏ ‏عليها، ‏ونقطة‏ ‏الضعف‏ ‏عندى ‏هى ‏فى:‏

‏‏- نقص‏ ‏فرص‏ ‏الإبداع‏ (‏المجتمع‏ ‏يعيد‏ ‏ويزيد، ‏ولا‏ ‏يستكشف‏ ‏ولا‏ ‏يسمح‏ ‏بالاستكشاف‏ ‏أو‏ ‏الخلاف‏)‏

‏- وسوء‏ ‏استعمال‏ ‏الحرية‏ (‏أحاديث‏ ‏وخطب‏ ‏وشعارات‏ ‏وتلويحات‏ ‏عن‏ ‏الحرية‏ ‏بمعنى ‏فك‏ ‏القيد‏ ‏وليس‏ ‏بمعنى ‏تحرير‏ ‏الحركة‏)‏

‏ – الفرح‏ ‏بظاهر‏ ‏السكون‏ ‏الناتج‏ ‏من‏ ‏القهر‏( ‏الأخلاق‏ ‏السطحية‏ ‏القمعية، ‏تحت‏ ‏عناوين‏ ‏نواهى ‏دينية، ‏أو‏ ‏تقاليد‏ ‏جامدة‏ ‏بأقل‏ ‏درجة‏ ‏من‏ ‏الالتزام‏ ‏التلقائي‏، ‏والوعى ‏المشارك‏)‏ هذه‏ ‏هى ‏القضية‏.‏

‏هناك‏ ‏اقتراح‏ ‏بخفض‏ ‏سن الحدث‏ ‏إلى 16 ‏عاما‏ ‏باعتباره‏ ‏مسئول‏ ‏عن‏ ‏تصرفاته‏، ما‏ ‏الأثر‏ ‏النفسى ‏لتطبيق‏ ‏هذا‏ ‏القانون‏ ‏على ‏الطفل‏ ‏عندما‏ ‏يختلط‏ ‏بمجرمين‏ ‏منحرفين؟

أولا‏: ‏لابد‏ ‏أن‏ ‏نرجع‏ ‏إلى ‏الظروف‏ ‏التى ‏رفعت‏ ‏سن‏ ‏الحدث‏ ‏إلى 18 ‏سنة، ‏وسوف‏ ‏نتبين‏ ‏للأسف‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏ظروفا‏ ‏شخصية‏ ‏وإعلامية‏ ‏أكثر‏ ‏منها‏ ‏ظروفا‏ ‏تربوية‏ ‏وإنسانية‏ ‏أو‏ ‏قانونية‏.‏

ثانيا‏: ‏لقد‏ ‏زادت‏ ‏جرائم‏ ‏الثأر‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏، ‏ممن‏ ‏هم‏ ‏أقل‏ ‏من‏ 18 ‏سنة‏ ‏لما‏ ‏رفعنا‏ ‏سن‏ ‏الحدث‏.‏وهذا‏ ‏له‏ ‏معناه‏ ‏ودلالته‏.‏

ثالثا‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الطالب‏ ‏قد‏ ‏يدخل‏ ‏الجامعة‏ ‏فى ‏سن‏ 16 ‏سنة، ‏فكيف‏ ‏لا‏ ‏يكون‏ ‏الإنسان‏ ‏مسئولا‏ ‏عن‏ ‏أفعاله‏ ‏بدءا‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏السن؟

رابعا‏: ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نفرق‏ ‏بين‏ ‏سن‏ ‏شهادة‏ ‏الميلاد، ‏وسن‏ ‏الالتزام‏ ‏الخلقى ‏والوعى، ‏وسن‏ ‏الذكاء‏، ‏فإذا‏ ‏جمعنا‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏بعضه‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏متوسط، ‏تبين‏ ‏أن‏ ‏سن‏ 16 ‏سنة‏ ‏هى ‏سن‏ ‏المسئولية‏ ‏والانطلاق‏ ‏ ‏معا‏.‏

خامسا‏: ‏إن‏ ‏مسألة‏ ‏اختلاط‏ ‏الطفل‏ ‏بمجرمين‏ ‏أكبر‏ ‏ليست‏ ‏مبررا‏ ‏لهذا‏ ‏التمادى ‏فى ‏رفع‏ ‏سن‏ ‏الحدث‏، ‏لأن‏ ‏الاختلاط‏ ‏بدون‏ ‏إشراف‏ ‏هو‏ ‏ضار‏ ‏على ‏الطفل‏ ‏وغير‏ ‏الطفل‏،‏ ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏ذا‏ ‏الستة‏ ‏عشر‏ ‏عاما‏ ‏ليس‏ ‏طفلا‏.‏

‏ ‏وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏أخطاء‏ ‏التطبيق‏ ‏فى ‏تنفيذ‏ ‏العقوبات، ‏والسماح‏ ‏بالاختلاط‏ ‏غير‏ ‏المحسوب‏ ‏بين‏ ‏الأعمار‏ ‏المختلفة، ‏والمذنبين‏ ‏المختلفين، ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏لا‏ ‏يبررالتسيب‏ ‏فى ‏مبدأ‏ ‏العقوبة‏ ‏نفسه‏.‏

‏‏الحرمان‏ ‏العاطفى، ‏وغياب‏ ‏الرعاية‏ ‏الأسرية، ‏والاهتمام‏ ‏بالطفل‏، ‏واخفاض‏ ‏مستوى ‏المعيشة، ‏وزيادة‏ ‏عدد‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏من‏ ‏الدوافع‏ ‏القوية‏ ‏للانحراف؟

طبعا‏..‏ ولكن‏..‏ أحــذر‏ ‏أكبر‏ ‏تحذير‏ ‏من‏ ‏تبسيط‏ ‏المسائل‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الدرجة، ‏وفى ‏ذلك‏ ‏أنبه‏:‏

‏- ‏أن‏ ‏كل‏ ‏عامل‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏العوامل‏ ‏على ‏حدة‏ ‏ليس‏ ‏دافعا‏ ‏كافيا‏ ‏للانحراف أنه‏ ‏يوجد‏ ‏كثيرون‏ ‏كثيرون‏ ‏يعانون‏ ‏من‏ ‏مثل‏ ‏ذلك، ‏ولا‏ ‏ينحرفون، ‏فالإحصاء‏ ‏وحدها‏ ‏ليست‏ ‏كافية

‏- ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏إن‏ ‏صح‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏مجاميع‏ ‏الناس‏ ‏فقد‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏فى ‏وصف‏ ‏فرد‏ ‏بذاته، ‏ولا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نحذر‏ ‏التعميم‏ ‏المبسط

‏- ‏أن‏ ‏وجود‏ ‏مبرر‏ ‏الانحراف، ‏وإزالته‏ ‏لن‏ ‏يحل‏ ‏قضية‏ ‏الانحراف، ‏ولنقارن‏ ‏مثلا‏ ‏هذه‏ ‏العوامل‏ ‏فى ‏بلاد‏ ‏أكثر‏ ‏ثراء، ‏وأقل‏ ‏أبناء‏..‏إلخ‏ ‏إلخ‏ ‏

وأخيرا‏ ‏فدعينى ‏أنبه‏ ‏أن‏ ‏الانحراف‏ ‏الظاهر‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏والمراهقين‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أقل‏ ‏درجة‏ ‏و‏‏أسهل‏ ‏تناولا‏ ‏من‏ ‏الانحراف‏ ‏المدعم‏ ‏بالقوانين‏ ‏من‏ ‏ذوى ‏اللياقات‏ ‏المرتفعة‏.‏

‏ ‏****

الأبرياء‏ (‏الأطفال‏)‏

– ضحايا‏ ‏الحكومة‏ ‏والجماعات‏ ‏فى ‏آن لا‏ ‏أوافق‏ ‏على ‏مقارنة‏ ‏اغتيال‏ ‏شيماء‏ ‏باغتيال‏ ‏طفل‏ ‏المجابر‏ ‏طفل‏ ‏الكهرباء‏ ‏اللهم‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏إهدار‏ ‏قيمة‏ ‏الانسان؟‏ ‏

الإنسان‏ ‏المصرى ‏قيمته‏ ‏لاترتبط‏ ‏لموقعه‏ ‏أو‏ ‏إنتاجه‏ ‏أو‏ ‏حقه‏ ‏فى ‏الحياة‏ ‏وإنما‏ ‏ترتبط‏ ‏بقدرته‏ ‏على ‏أخذ‏ ‏حقه‏ ‏بالقانون‏، ‏وعلى ‏علاقاته‏ ‏بالسلطة‏ ‏وهكذا‏ ‏فلا‏ ‏قيمة‏ – ‏تقريبا‏ – ‏للإنسان‏ ‏المصرى ‏سواء‏ ‏فى ‏نظر‏ ‏الجماعات‏ (‏لأنه‏ ‏كافر‏ ‏أو‏ ‏مشروع‏ ‏كافر‏) ‏ولا‏ ‏فى ‏نظر‏ ‏الحكومة‏ (‏لأنه‏ ‏تافه‏ ‏أو‏ ‏مشروع‏ ‏تافه‏).‏

‏- ‏أحذر‏ ‏أن‏ ‏تستدرج‏ ‏صحف‏ ‏المعارضة‏ ‏وهى ‏تلوم‏ ‏الحكومة‏ ‏إلى ‏تبريرا‏ ‏فعال‏ ‏الإرهاب‏ ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏الإسلام‏ (‏الذى ‏ترتكب‏ ‏الجرائم‏ ‏باسمه‏) ‏قد‏ ‏كرم‏ ‏الإنسان‏ ‏كما‏ ‏لم‏ ‏يكرمه‏ ‏أحد‏ ‏حتى ‏اعتبر‏ “قتل‏ ‏نفس ‏بغير‏ ‏نفس.. ‏الأرض‏” ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏أنه‏ ‏قتل‏ ‏الناس‏ ‏جميعا‏، ‏فلا‏ ‏مبرر‏ ‏للإرهاب‏ ‏مهما‏ ‏قال‏ ‏أن‏ ‏هؤلاء‏ ‏الضحايا‏ ‏الأبرياء‏ ‏شهداء‏.. ‏الخ‏.‏

أما‏ ‏إهمال‏ ‏الحكومة‏ ‏فيرجع‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏الناس‏ ‏قد‏ ‏نسوا‏.‏

‏- ‏والحكومة‏ ‏تخاف‏ ‏ولاتخجل‏ (‏ما‏ ‏تختشيش‏) ‏أما‏ ‏الجماعات‏ ‏فهم‏ ‏لايخافون‏ (‏من‏ ‏التبلد‏ ‏والقسوة‏) ‏ولا‏ ‏يخجلون‏ (‏من‏ ‏فرط‏ ‏العمى ‏وإلغاء‏ ‏الآخرين‏).‏

‏- ‏لابد‏ ‏من‏ ‏عمل‏ ‏هيئة‏ ‏تسمى “جمعية‏ ‏الرفق‏ ‏بالأطفال‏” ‏أو‏ “جمعية‏ ‏الرفق‏ ‏بالإنسان‏” ‏ودعك‏ ‏من‏ ‏حكاية‏ ‏الدفاع‏ ‏عن‏ ‏حقوق‏ ‏الإنسان‏ – ‏كل‏ ‏ما‏ ‏يأمله‏ ‏الإنسان‏ ‏المصرى ‏أن‏ ‏يرفقوا به‏ ‏وهم‏ ‏يقتلونه‏ – ‏لا‏ ‏مانع‏ ‏أن‏ ‏تموت‏ ‏تحت‏ ‏عجلات‏ ‏الأتوبيس‏، ‏أو‏ ‏أن‏ ‏تغرق‏ ‏على ‏الشاطئ ‏لعدم‏ ‏وجود‏ ‏حارس‏ ‏شاطئ‏، ‏أما‏ ‏تغرق‏ ‏فى ‏المجارى ‏ونصفق‏ ‏تحت‏ ‏عامود‏ ‏نور‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏تطلب‏ ‏صيغه‏ ‏أفضل‏ ‏على ‏الأقل‏.‏

****

اللعب عند الأطفال

– ما‏ ‏هى ‏الأسس‏ ‏السيكولوجية‏ ‏المفروض‏ ‏اتباعها‏ ‏فى ‏قضية‏ ‏لعب‏ ‏الأطفال؟

يعرف‏ ‏اللعب‏ ‏علميا‏ ‏على ‏أنه‏ ‏النشاط‏ ‏الذى ‏يتم‏ ‏بشكل‏ ‏حر‏، ‏دون‏ ‏إلزام‏، ‏ودون‏ ‏النظر‏ ‏إلى ‏عائده‏، ‏ويعود‏ ‏على ‏من‏ ‏يمارسه‏ ‏بنوع‏ ‏من‏ ‏البهجة‏ ‏والفرح وهذا‏ ‏التعريف‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏بعض‏ ‏التفاصيل‏، ‏فليس‏ ‏معنى ‏النشاط‏ ‏الحر‏ ‏أنه‏ ‏نشاط‏ ‏بلا‏ ‏قواعد‏، ‏وليس‏ ‏معنى “دون‏ ‏النظر‏ ‏إلى ‏عائده‏” ‏أن‏ ‏المكسب‏ ‏فى ‏اللعب‏ ‏غير‏ ‏مرغوب‏ ‏فيه‏، ‏وليس‏ ‏معنى ‏البهجة‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يحرص‏ ‏اللاعب‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏أن‏ ‏ينتصر‏ ‏على ‏منافسه‏‏ فهو‏ ‏نشاط‏ ‏يـعمل‏ ‏لذاته‏ ‏وليس‏ ‏لما‏ ‏بعده‏ ‏عادة‏ و‏‏اللعب‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏لا‏ ‏يختلف‏ ‏عن‏ ‏هذا‏ ‏التعريف‏ ‏العام‏، ‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏يضاف‏ ‏أن‏ ‏قدر‏ ‏الحرية‏ ‏أكبر‏، ‏وأن‏ ‏فرصة‏ ‏تنمية‏ ‏القدرات‏ ‏الخلاقة‏ ‏أكبر‏، ‏وفرص‏ ‏تنمية‏ ‏الخيال‏ ‏أكبر‏، ‏وفرص‏ ‏التعرف‏ ‏على ‏البيئة‏ ‏أكبر‏ وحتى ‏يكون‏ ‏لعب‏ ‏الأطفال‏ ‏مناسبا‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مصاحبا‏ ‏بدرجة‏ ‏واضحة‏ ‏من‏ ‏السماح‏، ‏بل‏ ‏يا‏ ‏حبذا‏ ‏لو‏ ‏شارك‏ ‏الكبار‏ ‏أطفالهم‏ ‏اللعب‏ ‏بعض‏ ‏الوقت‏، ‏على ‏شرط‏ ‏ألا‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏المشاركة‏ ‏بقصد‏ ‏غير‏ ‏قصد‏ ‏اللعب‏ ‏نفسه‏. ‏

– هل‏ ‏اللعب‏ ‏الأجنبية‏ ‏تناسب‏ ‏صغارنا؟

اللعب‏ ‏لعب‏ ‏فى ‏أى ‏مكان‏ ‏وفى ‏كل‏ ‏مكان‏، ‏والعالم‏ ‏أصبح‏ ‏قرية‏ ‏صغيرة‏ ‏بعد‏ ‏انتشار‏ ‏التليفزيون‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏الشديدة‏ ‏والملاحقة‏، ‏ولكن‏ ‏لا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏القدرات‏ ‏المادية‏ ‏تختلف‏، ‏وأن‏ ‏المجالات‏ ‏المتاحة‏ ‏تختلف‏، ‏وأن‏ ‏الفهم‏ ‏يختلف‏ ‏باختلاف‏ ‏الفرص‏ ‏والبيئة‏ ‏والتراث‏ ‏والمناخ‏ ولا‏بد‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏نحترم‏ ‏تاريخنا‏ ‏وتراثنا‏، ‏وأن‏ ‏نحترم‏ ‏قيمنا‏ ‏وأهدافنا‏، ‏وأن‏ ‏نشارك‏ ‏العالم‏ ‏فى ‏القصد‏، ‏وفعل‏ ‏الخير‏، ‏وتنمية‏ ‏الفضائل‏، ‏ولكن‏ ‏كل‏ ‏بطريقته‏، ‏وكل‏ ‏بما‏ ‏يتاح‏ ‏له‏ فمثلا‏ ‏فوانيس‏ ‏رمضان‏ ‏أليست‏ ‏لعباً‏ ‏خاصة‏ ‏بنا‏ ومراكب‏ ‏الفضاء‏ ‏أليست‏ ‏لعباً‏ ‏خاصة‏ ‏بهم ومثلا‏: ‏الميكانو‏ ‏عندهم‏ ‏يصنع‏ ‏ناطحات‏ ‏السحاب‏، ‏أليس‏ ‏مناسبا‏ ‏عندنا‏ ‏أن‏ ‏نصنع‏ ‏لعبا‏ ‏مقابلة‏ ‏نشد‏ ‏بها‏ ‏الخيام‏ ‏فى ‏البر‏ ‏كما‏ ‏يتخيله‏ ‏الطفل‏ ‏وهكذا‏.‏

– ما‏ ‏هو‏ ‏دور‏ ‏الأمهات‏ ‏والآباء‏ ‏فى ‏اختيار‏ ‏اللعب؟‏ ‏وهل‏ ‏من‏ ‏الأفضل‏ ‏ترك‏ ‏الطفل‏ ‏يختار‏ ‏لعبته؟

إن‏ ‏اللعب‏ ‏يحتاج‏ ‏أولا‏ ‏إلى ‏مكان‏ ‏متسع‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ ثم‏ ‏إن‏ ‏اختيار‏ ‏اللعب‏ ‏يتوقف‏ ‏على ‏أين‏ ‏ستوضع‏ ‏اللعبة‏، ‏وهل‏ ‏هى ‏للزينة‏ ‏أم‏ ‏للعب‏ ‏الحقيقي‏، ‏وهل‏ ‏هى ‏للاستهلاك‏ حتى ‏الكسر‏ ‏أم‏ ‏أنها‏ ‏للتباهى ‏والتفاخر‏ ‏على ‏أطفال‏ ‏العائلة‏، ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏الأمور‏ ‏ينبغى ‏الالتفات‏ ‏إليها‏ ‏بشكل‏ ‏دقيق‏ ‏ومناسب‏ ‏حتى ‏إذا‏ ‏اخترنا‏ ‏لعبة‏ ‏تؤدى ‏الغرض‏ ‏منها‏ ‏بشكل‏ ‏محسوب‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏ذلك‏ وأحيانا‏ ‏يكون‏ ‏الاختيار‏ ‏لصالح‏ ‏الكبار‏ ‏وعلى ‏مزاجهم‏، ‏وهذا‏ ‏جائز‏ ‏على ‏شرط‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏معلنا‏، ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏المشاركة‏ ‏طفلية‏ ‏حلوة‏،‏ ‏ففى ‏داخل‏ ‏كل‏ ‏منا‏ ‏طفل‏ ‏له‏ ‏علينا‏ ‏حقوق‏، ‏وإذا‏ ‏اختار‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏فى ‏داخلنا‏ ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏أنه‏ ‏سيختار‏ ‏ألعابا‏ ‏طفلية‏، ‏أما‏ ‏إذا‏ ‏اختار‏ ‏الكبير‏ ‏فينا‏ ‏للأطفال‏ ‏لعبهم‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏نستشير‏ ‏الأطفال‏، ‏فقد‏ ‏يكون‏ ‏اختيارا‏ ‏مفروضا‏ ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏اختيارا‏ ‏لألعاب‏ ‏التنافس‏ ‏دون‏ ‏ألعاب‏ ‏الخيال‏، ‏وهذه‏ ‏الأولى ‏أقل‏ ‏من‏ ‏الأخيرة‏ ‏فائدة‏ ‏وحلاوة‏ ويستحسن‏ ‏تنويع‏ ‏اختيار‏ ‏الألعاب‏ ‏فتكون‏ ‏بعض‏ ‏الألعاب‏ ‏قابلة‏ ‏للكسر‏، ‏كما‏ ‏يستحسن‏ ‏تكون‏ ‏البعض‏ ‏الآخر‏ ‏قادر‏ ‏على ‏تنمية‏ ‏القدرات‏، ‏وبعضها‏ ‏للمشاركة‏ ‏مع‏ ‏آخرين‏، ‏وهكذا.

****

الكذب‏ ‏عند‏ ‏الأطفال

‏-‏ ما‏ ‏أثر‏ ‏الكذب‏ ‏فى ‏حياتنا‏ ‏العائلية‏‏؟

الكذب‏ ‏هو‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏الحياة‏ ‏المعاصرة‏، ‏فالسياسة‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الكذب‏ ‏الوطنى‏، ‏والإعلان‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الكذب‏ ‏الجميل‏ ‏والخطير‏ ‏فى ‏آن‏، ‏بل‏ ‏إن‏ ‏الخيال‏ ‏نفسه‏ ‏يعتبر‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ ‏كذب‏ ‏مشروع‏، ‏لذلك‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏ننتبه‏ ‏ونحن‏ ‏نشجب‏ ‏الكذب‏، ‏وخاصة‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏أن‏ ‏نقلل‏ ‏من‏ ‏جرعة‏ ‏المثالية‏، ‏وفى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏نحرص‏ ‏على ‏الحفاظ‏ ‏على ‏نقاء‏ ‏الطفل‏ ‏وبراءته‏، ‏ولا‏ ‏تعنى ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏أننى ‏أبرر‏ ‏الكذب‏، ‏ولكنى ‏أريد‏ ‏أن‏ ‏أقول‏ ‏إن‏ ‏فهم‏ ‏الظاهرة‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يحدد‏ ‏الجرعة‏ ‏المناسبة‏ ‏اللائقة‏ ‏للتربية وفى ‏حياتنا‏ ‏العائلية‏ ‏نبالغ‏ ‏عادة‏ ‏فى ‏ضرورة‏ ‏الصدق‏، ‏لكن‏ ‏عند‏ ‏الممارسة‏ ‏قد‏ ‏نفتقد‏ ‏الالتزام‏ ‏الكافى ‏باتباع‏ ‏هذه‏ ‏المبادئ‏، ‏وأخطر‏ ‏الأمور‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏للطفل‏ ‏نصائح‏ ‏وإرشادات‏ ‏لا‏ ‏نلتزم‏ ‏بها‏ ‏نحن‏، ‏دون‏ ‏أن‏ ‏نفسر‏ ‏له‏ ‏أنواع‏ ‏الكذب‏ ‏وأشكاله‏ ‏الخبيثة‏، ‏ودوره‏ ‏فى ‏الخيال‏ ‏والعلاقات‏ ‏الاجتماعية.

‏- ‏ما‏ ‏رأيك‏ ‏فى ‏الكذب‏ ‏على ‏الطفل‏، ‏أوأمام‏ ‏الطفل‏‏؟‏ ‏

لا‏ ‏بد‏ ‏من‏ ‏الرجوع‏ ‏إلى ‏الإجابة‏ ‏على ‏السؤال‏ ‏الأول‏ ‏لأن‏ ‏المسألة‏ ‏لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏واقعية‏، ‏فمن‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏أن‏ ‏يستهين‏ ‏الوالدين‏ ‏بوعى ‏الطفل‏ ‏وانتباهه‏ ‏وذكاءه‏ ‏تحت‏ ‏أى ‏ظرف‏ ‏من‏ ‏الظروف‏، ‏فمثلا‏ ‏الوالد‏ ‏الذى ‏يكذب‏ ‏أمام‏ ‏طفله‏ ‏متصورا‏ ‏أن‏ ‏طفله‏ ‏صغير‏ ‏لا‏ ‏يعى ‏ما‏ ‏يجرى ‏حوله‏ ‏هو‏ ‏مخطئ‏ ‏أشد‏ ‏الخطأ‏، ‏وأكثر‏ ‏خطأ‏ ‏منه‏ ‏الوالد‏ ‏الذى ‏يستعمل‏ ‏إبنه‏ ‏للكذب‏ ‏فى ‏ا‏‏لوقت‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يكف‏ ‏عن‏ ‏إلقاء‏ ‏المحاضرات‏ ‏عليه‏ ‏عن‏ ‏ضرورة‏ ‏الامتناع‏ ‏عن‏ ‏الكذب‏ ‏وهكذا‏، ‏وإخلاف‏ ‏الوعد‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الكذب‏، ‏والرد‏ ‏على ‏التليفون‏ ‏بادعاء‏ ‏غياب‏ ‏ا‏‏لوالد‏ (‏قد‏ ‏يؤمر‏ ‏الطفل‏ ‏بالقيام‏ ‏بهذه‏ ‏المهمة‏) ‏هوأيضا‏ ‏كذب‏ ‏ضار‏، ‏وهكذا مرة‏ ‏أخرى ‏ليس‏ ‏معنى ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏يمارس‏ ‏الوالدين‏ ‏الكذب‏ ‏الأبيض‏، ‏أو‏ ‏الكذب‏ ‏الاجتماعى ‏سرا‏، ‏ولكن‏ ‏عليهم‏ ‏أن‏ ‏يتحاوروا‏ ‏مع‏ ‏أولادهم‏ ‏لمعرفة‏ ‏أنواع‏ ‏الكذب‏ ‏كما‏ ‏ذكرنا.

–  ‏ما‏ ‏هو‏ ‏واجب‏ ‏الأهل‏ ‏لتنمية‏ ‏الصدق‏ ‏عند‏ ‏الأطفال؟

المسألة‏ ‏ليست‏ ‏مسألة‏ ‏واجب‏ ‏وحق‏، ‏المسألة‏ ‏تبدأ‏ ‏من‏ ‏منظومة‏ ‏القيم‏ ‏التى ‏ينتمى ‏لها‏ ‏الوالدين‏، ‏وأن‏ ‏يتذكر‏ ‏الوالد‏ ‏والوالدة‏ ‏أن‏ ‏القيم‏ ‏التى ‏تصل‏ ‏للطفل‏ ‏هى ‏القيم‏ ‏التى ‏يعيشونها‏ ‏أمامه‏ ‏لا‏ ‏التى ‏يتحدثون‏ ‏عنها‏ ‏أويدعونها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يلموا‏ ‏بها‏ ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏، ‏والرسول‏ ‏عليه‏ ‏الصلاة‏ ‏والسلام‏ ” ‏كان‏ ‏خلقه‏ ‏القرآن‏”، ‏أى ‏أنه‏ ‏كان‏ ‏نموذجا‏ ‏حيا‏ ‏فى ‏سلوكه‏ ‏اليومى ‏العادى ‏لما‏ ‏أنزله‏ ‏الله‏ ‏سبحانه‏ ‏وتعالى ‏عليه‏، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏أعظم‏ ‏ما‏ ‏نقدمه‏ ‏لأطفالنا‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نكون‏ ‏فى ‏سلوكنا‏ ‏نحن‏ ‏قدوة‏ ‏لهم‏ ‏بمعيار‏ ‏الكذب‏ ‏والصدق‏، ‏وأكرر‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏الامتناع‏ ‏عن‏ ‏الكذب‏ ‏إطلاقا‏ ‏بما‏ ‏لا‏ ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏طبيعة‏ ‏البشر‏ ‏وطبيعة‏ ‏الحياة‏ ‏المعاصرة‏، ‏وإنما‏ ‏يعنى ‏التفرقة‏ ‏بين‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏كذب‏ ‏وما‏ ‏هو‏ ‏مجاملة‏ ‏وما‏ ‏هو‏ ‏خيال‏ ‏وما‏ ‏هو‏ ‏وعد‏ ‏آمل‏ ‏وهكذا‏، ‏وعلينا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏الأطفال‏ ‏لهم‏ ‏ذكاء‏ ‏وحدس‏ ‏يقرؤون‏ ‏به‏ ‏داخلنا‏ ‏ولا‏ ‏يكتفون‏ ‏بما‏ ‏نظهر‏ ‏لهم‏ ‏أو‏ ‏ندعى ‏أمامهم كذلك‏ ‏على ‏الأهل‏ ‏ألا‏ ‏يقللوا‏ ‏من‏ ‏خطر‏ ‏الكذبات‏ ‏الصغيرة‏، ‏فالكذب‏ ‏كذب‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏صغيرا‏ ‏أو‏ ‏كبيراً‏، ‏إنما‏ ‏الواجب‏ ‏يكون‏ ‏فى ‏التفرقة‏ – ‏كما‏ ‏قلنا‏ – ‏بين‏ ‏الكذب‏ ‏وما‏ ‏يشبهه‏ ‏مما‏ ‏هو‏ ‏ليس‏ ‏كذلك.

****

‏‏الأطفال‏ ‏المغتربون‏

‏- ‏أثر‏ ‏الغربة‏ ‏على ‏الطفل‏ ‏الذى ‏ينشأ‏ ‏بدول‏ ‏الاغتراب‏ ‏عموما؟

لايمكن‏ ‏تعميم‏ ‏الإجابة‏، ‏فظروف‏ ‏الغربة‏ ‏تختلف‏ ‏بالنسبة‏ ‏للبلد‏ ‏الذى ‏كان‏ ‏يعيش‏ ‏فيه‏ ‏الطفل‏، ‏والبلد‏ ‏الذى ‏سافر‏ ‏إليه‏، ‏كذلك‏ ‏بالنسبة‏ ‏لوجود‏ ‏الأسره‏ ‏معه‏ ‏ولسنه‏ ‏وقت‏ ‏إغترابه‏ ‏ونوع‏ ‏شخصيته‏ ‏وأخيراً‏، ‏وليس‏ ‏آخرا‏ ‏بالنسبة‏ ‏للحالة‏ ‏الاقتصادية‏، ‏لكن‏ ‏عموما‏، ‏لاشك‏ ‏أن‏ ‏ترك‏ ‏الوطن‏ ‏هو‏ ‏عامل‏ ‏ضغط‏ ‏نفسى ‏ينبغى ‏أخذه‏ ‏بعين‏ ‏الاعتبار‏ ‏توقيا‏ ‏لأى ‏مضاعفات‏ ‏خطيرة‏.‏

‏- ‏فى ‏ملاجئ‏ ‏الهجرة‏ ‏القسرية‏؟

مسألة‏ ‏ملاجئ‏ ‏الهجرة‏ ‏القسريه‏ ‏هذه‏ ‏هى ‏من‏ ‏أخطر‏ ‏أنواع‏ ‏التهجير‏، ‏لأنه‏ ‏يوجد‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الإجراء‏ ‏عاملى ‏ضغط‏ ‏من‏ ‏أصعب‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏: ‏أولهما‏: ‏القهر‏، ‏وثانيهما‏: ‏الغربة‏، ‏ومن‏ ‏البديهى ‏أن‏ ‏الآثار‏ ‏النفسية‏ ‏تكون‏ ‏غائرة‏ ‏ومتنوعة‏ ‏حسب‏ ‏الاستعداد‏، ‏ومن‏ ‏بينها‏ ‏الانسحاب‏ ‏من‏ ‏المجتمع‏ ‏وفقد‏ ‏الثقة‏ ‏أو‏ ‏على ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏تنمية‏ ‏العدوانية‏ ‏والميل‏ ‏إلى ‏القسوة‏ ‏والانتقام‏ ‏حتى ‏ممن‏ ‏لم‏ ‏يسيئوا‏ ‏إليه‏.‏

‏- ‏كيفية‏ ‏تأهيل‏ ‏الطفل‏ ‏ليرتبط‏ ‏بوطنه‏، ‏اجتماعيا‏، ‏وثقافيا‏ ‏ووطنيا‏.. (‏وهو‏ ‏خارج‏ ‏الوطن‏)؟

هذا‏ ‏أمر‏ ‏يتوقف‏ ‏على ‏موقف‏ ‏الأسرة‏، ‏وعلى ‏مدى ‏إمكانية‏ ‏التواصل‏ ‏مع‏ ‏الأهل‏ ‏فى ‏الوطن‏، ‏وأيضا‏ ‏على ‏وجود‏ ‏وقنوات‏ ‏إعلامية‏ (‏مثل‏ ‏الاذاعة‏ ‏والتليفزيون‏ ‏والصحف‏ ‏الوطنيه‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يحقق‏ ‏الأهل‏ ‏من‏ ‏خلالها‏ ‏تأكيدا‏ ‏على ‏أصول‏ ‏الطفل‏ ‏الوطنية‏ ‏ولغته‏ ‏أو‏ ‏لهجته‏ ‏المحلية‏، ‏وعلى ‏جميع‏ ‏الأحوال‏ ‏تمثل‏ ‏اللغة‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نحافظ‏ ‏عليه‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏بما‏ ‏يسمح‏ ‏لهم‏ ‏بالحفاظ‏ ‏على ‏الوصلة‏ ‏مع‏ ‏الوطن‏ ‏الأم‏.

‏- ‏الآثار‏ ‏النفسية‏ – ‏والبعد‏ ‏الوطنى- ‏لدى ‏أطفال‏ ‏يولدون‏ ‏وينشأون‏ ‏خارج‏ ‏أوطانهم‏، ‏وبروز‏ – ‏سمات‏ ‏جديدة‏ – ‏ربما‏ ‏تضارب‏ ‏مع‏ ‏اوضاعهم‏ ‏داخل‏ ‏اوطانهم‏؟

أظن‏ ‏أن‏ ‏الإجابات‏ ‏السابقة‏ ‏تشمل‏ ‏الإجابة‏ ‏على ‏هذا‏ ‏السؤال‏ ‏أيضا‏، ‏وأحب‏ ‏أن‏ ‏أنهى ‏هذا‏ ‏الحديث‏ ‏بالتأكيد‏ ‏على ‏أمرين‏: ‏الأول‏: ‏مسئولية‏ ‏الأهل‏ ‏عن‏ ‏التعويض‏ ‏على ‏ما‏ ‏يتعرض‏ ‏له‏ ‏الطفل‏ ‏المغترب‏، ‏والحرص‏ ‏على ‏عدم‏ ‏تحميل‏ ‏الوطن‏ ‏أخطاء‏ ‏بعض‏ ‏السلطات‏ ‏فيه‏، ‏والثانى: ‏مسئولية‏ ‏الأهل‏ ‏فى ‏تأكيد‏ ‏العادات‏ ‏الوطنية‏، ‏والاحتفال‏ ‏بالمناسبات‏ ‏الوطنية‏، ‏وإحياء‏ ‏الأمل‏ ‏دائما‏ ‏فى ‏العودة‏ ‏مهما‏ ‏طال‏ ‏الزمن‏.‏

***

أطفال الشوارع

– أطفال‏ ‏الشوارع‏ ‏هل‏ ‏هم‏ ‏ضحية‏ ‏أم‏ ‏مجنى ‏عليهم‏؟

هم‏ ‏ضحايا‏ ‏مجنى ‏عليهم، ‏غريبة‏ ‏صيغة‏ ‏هذا‏ ‏السؤال‏، ‏فالضحية‏ ‏هى ‏عادة‏ ‏المجنى ‏عليها‏، ‏فماذا‏ ‏تعنى؟

‏ما‏ ‏رأى ‏الدكتور‏ ‏يحيى ‏الرخاوى ‏فى ‏ظاهرة‏ ‏أطفال‏ ‏الشوارع‏، ‏ولماذا‏ ‏تزداد‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏مع‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏التقدم؟

بصراحة‏ ‏أنا‏ ‏لا‏ ‏أميل‏ ‏إلى ‏تصديق‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏ومثلها‏ ‏يزداد‏ ‏لمجرد‏ ‏أن‏ ‏الصحف‏ ‏تنشر‏ ‏حوادثهم‏، ‏أو‏ ‏صور‏ ‏بعضهم‏، ‏إننا‏ ‏لكى ‏نسمى ‏سلوكا‏ ‏معينا‏ ‏ظاهرة‏ ‏لا‏بد‏ ‏أن‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏عدد‏ ‏معين‏ ‏لا‏ ‏أظن‏، ‏والحمد‏ ‏لله‏ ‏أن‏ ‏مجتمعاتنا‏ ‏العربية‏ ‏قد‏ ‏وصلت‏ ‏إليه‏، ‏ثم‏ ‏إننا‏ ‏لكى ‏نقول‏ ‏إن‏ ‏ظاهرة‏ ‏ما‏ ‏قد‏ ‏زادت‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏عندنا‏ ‏أرقام‏ ‏سابقة‏ ‏نقارنها‏ ‏بالأرقام‏ ‏الحالية‏ ‏وبعد‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏التحذيرات‏ ‏فإنه‏ ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏أعداد‏ ‏أطفال‏ ‏الشوارع‏ ‏قد‏ ‏زادوا‏ ‏فعلا‏ ‏فإن‏ ‏الأسباب‏ ‏هى ‏الفقر‏، ‏وتفكك‏ ‏الأسرة‏، ‏وأزمة‏ ‏المساكن‏، ‏وتوقف‏ ‏التعليم‏، ‏وهى ‏أسباب‏ ‏عامة‏ ‏وتقليدية‏، ‏وليس‏ ‏فى ‏مدى ‏علمى ‏أسباب‏ ‏خاصة‏ ‏بمجتمعاتنا‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏.‏

‏- ما‏ ‏هى ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تتولد‏ ‏لدى ‏أطفال‏ ‏الشوارع؟

هذه‏ ‏الفئة‏ ‏معرضة‏ ‏لجميع‏ ‏الأمراض‏ ‏النفسية‏ ‏فى ‏الطفولة‏، ‏وبخاصة‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏اضطرابات‏ ‏السلوك‏، ‏وذلك‏ ‏لأن‏ ‏تعرض‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏لضغوط‏ ‏غير‏ ‏محسوبة‏، ‏واحتمال‏ ‏استغلالهم‏ ‏من‏ ‏مجرمين‏ ‏محترفين‏، ‏واختلاطهم‏ ‏بأمثالهم‏ ‏دون‏ ‏رعاية‏ ‏أسرية‏، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏يعرضهم‏ ‏إلى ‏هذا‏ ‏النوع‏ ‏من‏ ‏الضطراب‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏

– من‏ ‏هو‏ ‏الشخص‏ ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نطلق‏ ‏عليه‏ ‏إنه‏ ‏قدوة‏ ‏بالنسبة‏ ‏للطفل‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏النفسية؟

هو‏ ‏كل‏ ‏شخص‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يتقمصه‏ ‏الطفل‏ ‏معجبا‏ ‏منبهرا‏، ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏التقمص‏ ‏شعوريا‏ ‏أو‏ ‏غير‏ ‏شعوري‏، ‏ويشمل‏ ‏ذلك‏ ‏الوالدين‏ ‏والمدرسين‏، ‏والزعماء‏ ‏ثم‏ ‏اتسعت‏ ‏الدائرة‏ ‏لتشمل‏ ‏أبطال‏ ‏السينما‏ ‏ولاعبى ‏الكرة‏، ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏دخول‏ ‏الطبق‏ ‏الفضائى ‏إلى ‏بيوتنا‏ ‏أصبحنا‏ ‏عرضة‏ ‏أن‏ ‏نستورد‏ ‏قدوات‏ ‏أولادنا‏ ‏من‏ ‏أشخاص‏ ‏عالميين‏ ‏سواء‏ ‏كانوا‏ ‏خيرين‏ ‏أم‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏. ‏

‏- هل‏ ‏من‏ ‏الممكن‏ ‏أن‏ ‏يتخذ‏ ‏الطفل‏ ‏له‏ ‏قدوة‏ ‏من‏ ‏شخصية‏ ‏خيالية؟

‏ ‏طبعا‏ ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏أصبحت‏ ‏صورة‏ ‏الأب‏ ‏مهتزة‏، ‏واختفى ‏الزعيم‏ ‏الوطنى ‏الذى ‏نتحدث‏ ‏عنه‏ ‏مع‏ ‏أولادنا‏ ‏ونحن‏ ‏نتسامر‏، ‏وكذلك‏ ‏اختفى ‏المدرس‏ ‏القريب‏ ‏إلى ‏قلوب‏ ‏الأولاد‏ ‏والبنات‏ ‏داخل‏ ‏وخارج‏ ‏الفصل‏، ‏وأيضا‏ ‏اختفت‏ ‏القدوة‏ ‏الدينية‏ ‏وحل‏ ‏محلها‏ ‏الترهيب‏ ‏والترغيب‏ ‏دون‏ ‏سواهما‏، ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏أصبح‏ ‏مدعاة‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏يتخذ‏ ‏الطفل‏ ‏قدوة‏ ‏من‏ ‏الخيال‏ ‏سواء‏ ‏استمد‏ ‏هذا‏ ‏الخيال‏ ‏من‏ ‏التليفزيون‏، ‏أو‏ ‏القصص‏ ‏التى ‏يقرأها‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏اخترع‏ ‏صورة‏ ‏خاصة‏ ‏من‏ ‏وحى ‏شطحاته‏.‏

– ماهى ‏الآثارالنفسية‏ ‏المترتبة‏ ‏على ‏عمالة‏ ‏الأطفال‏ ‏المتواجدين‏ ‏فى ‏الشوارع‏ ‏حول‏ ‏إشارات‏ ‏المرور‏، ‏يبيعون‏ ‏المناديل‏ ‏والفل‏ ‏وأكياس‏ ‏الليمون؟

أولا‏: ‏هذه‏ ‏ظاهرة‏ ‏سيئة‏ ‏اجتماعيا‏ ‏وأخلاقيا‏ ‏لكنها‏ ‏ليست‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏الأول‏ ‏سيئة‏ ‏نفسيا‏ ‏بمعنى ‏أن‏ ‏الحالة‏ ‏النفسية‏ ‏هى ‏جزء‏ ‏من‏ ‏قبح‏ ‏الظاهرة‏ ‏وليست‏ ‏مرضا‏ ‏مختصا‏ ‏يصاب‏ ‏به‏ ‏هؤلا‏ء الأطفال‏ ‏بشكل‏ ‏خاص‏.‏

ثانيا‏: ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏نظام‏ ‏الدولة‏ ‏يسمح‏ ‏بذلك‏ ‏فأنا‏ ‏أرى ‏أنه‏ ‏فى ‏مجتمع‏ ‏فقير‏ ‏مثل‏ ‏مجتمعنا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نرى ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏الظاهرة‏ ‏هى ‏فرصة‏ ‏جيدة‏ ‏للأطفال‏ ‏يعرفون‏ ‏من‏ ‏خلالها‏ ‏طبيعة‏ ‏الحياة‏ ‏ومعنى ‏القرش‏ ‏منذ‏ ‏سن‏ ‏مبكرة.

‏ ‏أما‏ ‏إذا‏ ‏كانوا‏ ‏يخالفون‏ ‏بذلك‏ ‏القانون‏، ‏فهم‏ ‏إما‏ ‏أنهم‏ ‏سوف‏ ‏يتعلمون‏ ‏من‏ ‏صغرهم‏ ‏الاستهتار‏ ‏بالقانون‏، ‏ما‏ ‏دام‏ ‏عجز‏ ‏عن‏ ‏منعهم‏ ‏هكذا‏، ‏كذلك‏ ‏إذا‏ ‏كانوا‏ ‏يعملون‏ ‏قهرا‏ ‏لحساب‏ ‏معلمين‏ ‏مستغلين‏ ‏فإنهم‏ ‏أيضا‏ ‏سوف‏ ‏يتعلمون‏ ‏الذل‏ ‏والاغتراب‏ ‏مبكرة‏.‏

وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏قد‏ ‏يتعلمون‏ ‏الجريمة‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تعليمهم‏ ‏كيف‏ ‏يستهزئون‏ ‏هكذا بالقانون‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏.‏

فالمسألة‏ ‏الجديرة‏ ‏بالبحث‏ ‏هى ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏أنه‏:‏إما‏ ‏قانون‏ ‏يطبق‏ 100 % ‏أم‏ ‏لا‏،‏وذلك‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نبحث‏ ‏ونتكلم‏ ‏عن‏ ‏عقد‏ ‏وغيرها أما‏ ‏لو‏ ‏كان‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏يتخفون‏ ‏تحت‏ ‏إسم‏ ‏ما‏ ‏يبيعون‏ ‏فيذلون‏ ‏أنفسهم‏ ‏وهم‏ ‏يبيعون‏ ‏لدرجة‏ ‏التسول‏، ‏فلا‏ ‏وألف‏ ‏مرة‏ ‏لا‏.‏

– هل‏ ‏هذا العمل‏ ‏بمثابة‏ ‏التسول‏ ‏المقنع؟

ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏كما‏ ‏ذكرت‏ ‏حالا‏، ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏تجارة‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏تسولا‏، ‏ولا‏ ‏داعى للتعميم‏.‏

– ما هو‏ ‏المستقبل‏ ‏النفسى ‏لهؤلاء‏ ‏الأطفال؟

مثل‏ ‏المستقبل‏ ‏النفسى ‏لأى ‏أطفال‏، ‏فالأطفال‏ ‏الذين‏ ‏لا‏ ‏يبيعون‏ ‏الكبريت‏ ‏والأمشاط‏ ‏لكنهم‏ ‏ينشأون‏ ‏فى ‏أسر‏ ‏كابتة‏، ‏وعلب‏ ‏مغلقة‏ ‏تسمى ‏شققا‏ ‏بلا‏ ‏بئر‏ ‏سلم‏، ‏ولا‏ ‏حوض‏ ‏يلعبون‏ ‏فيه‏ ‏ويلتقون‏ ‏مع‏ ‏أبناء‏ ‏الجيران‏ ‏فيه‏، ‏هؤلاء‏ ‏ليسوا‏ ‏أسعد‏ ‏حظا‏ ‏من‏ ‏أولئك‏، ‏أطفالنا‏ ‏محرومون‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏والبيت‏ ‏من‏ ‏طفولتهم‏ ‏بصراحة‏، ‏ودعك‏ ‏من‏ ‏أطفال‏ ‏التليفزيون‏ ‏والمدارس‏ ‏الأجنبية

– ماهى ‏اقتراحات‏ ‏الحل‏ ‏لهذه‏ ‏الظاهرة؟

‏1) ‏تنفيذ‏ ‏القانون‏

‏2) ‏وإعطاء‏ ‏فرص‏ ‏أفضل‏ ‏للحركة‏ ‏للأطفال‏

‏3)‏ والعدل‏ ‏الاجتماعى ‏الذى ‏يغنى ‏الأهل‏ ‏عن‏ ‏استعمال‏ ‏أطفالهم

– الطفل‏ ‏المتسول‏، ‏طفل‏ ‏المقابر‏، ‏بائع‏ ‏المناديل‏، ‏منادى ‏السيارات‏، ‏طفل‏ ‏الملاجئ‏…. ‏هل‏ ‏يتولد‏ ‏لدى ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏أحقاد‏ ‏على ‏المجتمع‏، ‏وهل‏ ‏يمكن‏ ‏علاجهم، ‏وماذا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏لهم؟

أولا‏: ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏الجمع‏ ‏العشوائى ‏هكذا‏ ‏بين‏ ‏كل‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏، ‏فمثلا‏: ‏منادى ‏السيارات‏ ‏غير‏ ‏طفل‏ ‏الملاجئ‏، ‏وطفل‏ ‏المقابر‏ ‏غير‏ ‏الطفل‏ ‏المتسول‏ ‏وهكذا‏، ‏وسوف‏ ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أجيب‏ ‏إجابات‏ ‏متنوعة‏:‏

‏1- ‏الطفل‏ ‏المتسول‏: ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏أحد‏ ‏نوعين‏: ‏إما‏ ‏ضائع، ‏أقدم‏ ‏على ‏التسول‏ ‏صدفة‏، ‏أو‏ ‏جوعا‏، ‏أو‏ ‏احتجاجا‏، ‏أو‏ ‏استسهالا‏، ‏ثم‏ ‏وجدها‏ ‏وسيلة‏ ‏سهلة‏ ‏للحصول‏ ‏على ‏مطالبه‏، ‏وهو‏ ‏هنا‏ ‏ضحية‏ ‏أسرة‏ ‏أو‏ ‏مجتمع‏ – ‏فى ‏البداية‏ ‏على ‏الأقل‏- ‏ثم‏ ‏هو‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏يقترب‏ ‏قد‏ ‏ينقلب‏ ‏إلى ‏صاحب‏ ‏حرفة‏، ‏وهذا‏ ‏هو‏ ‏النوع‏ ‏الثاني‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ (‏محترف‏ ‏التسول‏) ‏هو‏ ‏الطفل‏ ‏الصبى‏، ‏أى ‏الطفل‏ ‏الذى ‏يدخل‏ ‏مدرسة‏ ‏الشحاذين‏ ‏بإرادة‏ ‏ضمنية‏ ‏منه‏ ‏وربما‏ ‏من‏ ‏أهله‏ (‏الذى ‏قد‏ ‏يمتهن‏ ‏أحدهم‏ ‏هذه‏ ‏المهنة‏) ‏وبالتالى ‏يصبح‏ ‏فى ‏مدرسة‏ ‏لها‏ ‏قواعد‏، ‏وناظر‏، ‏وأمين‏ ‏صندوق‏، ‏وضرائب‏ (‏فردة‏) ‏إلخ‏.‏

وكل‏ ‏من‏ ‏النوعين‏، ‏وإن‏ ‏التقيا‏ ‏فى ‏النهاية، ‏له‏ ‏مواصفاته‏ ‏النفسية‏ ‏المختلفة‏ ‏عن‏ ‏الآخر‏ ‏بشكل‏ ‏ما‏.‏

‏2- ‏والطفل‏ ‏بائع‏ ‏المناديل‏ ‏والأمواس‏ ‏وعلب‏ ‏الكبريت‏ ‏إلخ‏، ‏ليس‏ ‏متسولا‏ ‏رغم‏ ‏أن‏ ‏القانون‏ ‏يعتبر‏ ‏بيع‏ ‏السلع‏ ‏التافهة‏ ‏نوعا‏ ‏من‏ ‏التسول‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏السلع‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏تافهة، ‏وينبغى ‏النظر‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الحرفة‏، ‏ما‏ ‏لم‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏الاستجداء‏ ‏أو‏ ‏جرح‏ ‏الكرامة‏، ‏على ‏أنها‏ ‏تجارة‏ ‏لها‏ ‏أصولها‏ ‏وقواعدها‏، ‏ولا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نرفضها‏ ‏دون‏ ‏قيد‏ ‏أو‏ ‏شرط‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏قام‏ ‏بها‏ ‏طفل‏ ‏صغير‏ ‏السن‏ ‏جدا‏، ‏يعرض‏ ‏حياته، ‏مثلا‏ ‏عند‏ ‏إشارات‏ ‏المرور‏، ‏للخطر‏ ‏من‏ ‏خلالها‏.‏

‏3- ‏أما‏ ‏طفل‏ ‏المقابر‏، ‏فهو‏ ‏لا‏ ‏يندرج‏ ‏بأى ‏صورة‏ ‏من‏ ‏الصور‏ ‏مع‏ ‏الطفل‏ ‏المتسول‏ ‏إذا‏ ‏كنا‏ ‏نعنى ‏به‏ ‏أطفال‏ ‏سكان‏ ‏المقابر‏، ‏بل‏ ‏إننى ‏أرى ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏ساكن‏ ‏المقابر‏ ‏هو‏ ‏أسعد‏ ‏حظا‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏ساكن‏ ‏المساكن‏ ‏الشعبية‏ ‏أوالمساكن‏ ‏العشوائية‏ ‏بلا‏ ‏دورة‏ ‏مياه‏ ‏مثلا‏، ‏فالمقابر‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏المساحات‏ ‏والرحابة‏ ‏ما‏ ‏يسمح‏ ‏للأطفال‏ ‏بالجرى ‏واللعب‏ ‏فى ‏الشوارع‏ ‏والأحواض‏ ‏مما‏ ‏يفتقده‏ ‏الأطفال‏ ‏فى ‏الشقق‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تزيد‏ ‏عن‏ ‏كونها‏ ‏علب‏ ‏للكبريت‏ ‏أو‏ ‏للأسماك‏ ‏المملحة‏، ‏شقق‏ ‏فى ‏عمارات‏ ‏هزيلة تفتقر‏ ‏حتى ‏إلى ‏بئر‏ ‏للسلم‏ ‏أو‏ ‏بسطة‏ ‏يلتقى ‏فيها‏ ‏الأطفال‏.‏

أما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏السؤال‏ ‏يعنى ‏أن‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏يغريه‏ ‏سكن‏ ‏المقابر‏ ‏أن‏ ‏يمد‏ ‏يده‏ ‏بنفسه‏ ‏أو‏ ‏بإيعاز‏ ‏من‏ ‏أهله‏ ‏لأخذ‏ ‏بعض‏ ‏كحك‏ ‏أو‏ ‏قرص‏ ‏الرحمة، ‏فهذا‏ ‏أمر‏ ‏آخر‏، ‏وإن‏ ‏كنت‏ ‏لا‏ ‏أجد‏ ‏فيه‏ ‏أمرا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نبادر‏ ‏برفضه‏ ‏دون‏ ‏تمعن‏، ‏فسكان‏ ‏المقابر‏، ‏ومثل‏ ‏هؤلاء‏ ‏الأطفال‏ ‏يشعرون‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏حقهم‏ ‏أن‏ ‏يأخذوا‏ ‏هذه‏ ‏الصدقة‏، ‏بل‏ ‏أحيانا‏ ‏ما‏ ‏يشعرون‏ ‏أن‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏واجبهم‏، ‏وأنهم‏ ‏يؤدون‏ ‏خدمة‏ ‏لزوار‏ ‏الميت‏ ‏حين‏ ‏يسهلون‏ ‏عليهم‏ ‏مهمة‏ ‏إخراج‏ ‏الصدقة‏ ‏رحمة‏ ‏على ‏روح‏ ‏الميت‏ (‏ولا‏ ‏ننسى ‏أن‏ ‏قرص‏ ‏ومنين‏ ‏هذه‏ ‏المناسبات‏ ‏اسمه‏: ‏الرحمة‏)‏

‏4- ‏ثم‏ ‏يأتى ‏الطفل‏ ‏منادى ‏السيارات‏:‏ فهذا‏ ‏أحد‏ ‏طفلين‏:

الأول:‏ ‏المنادى ‏بالصدفة‏، ‏وهو‏ ‏الذى ‏يصعب‏ ‏عليه‏ ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏سيارة‏ ‏من‏ ‏موقفها‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يتقدم‏ ‏لها‏ ‏أحدهم‏ ‏يقبض‏ “المعلوم‏”، (‏هكذا‏ ‏صدفة‏)، ‏وقد‏ ‏يساعد‏ ‏صاحبها‏ ‏على ‏الإقلاع‏، ‏وقد‏ ‏يمسح‏ ‏زجاج‏ ‏سيارته‏ ‏فى ‏رشارة‏ ‏مرور‏، ‏ويأخذ‏ ‏ما‏ ‏تيسر‏ ‏دون‏ ‏إلحاح‏ ‏أوتسول‏ ‏مباشر‏، ‏وهو‏ ‏يتلفت‏ ‏وراءه‏ ‏خوفا‏ ‏من‏ ‏صاحب‏ ‏الموقف‏ (‏المنادى ‏الأكبر‏) ‏الذى ‏اشترى ‏الشارع‏ ‏وأصبح‏ ‏فتوة‏ ‏المنطقة‏.‏

أما‏ ‏الثانى – ‏وهذا‏ ‏نادر‏ – ‏فهو‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏يعمل‏ ‏من‏ ‏الباطن‏ ‏عند‏ ‏هذا‏ ‏الفتوة‏ (‏المنادى ‏المحتكر‏ ‏الموقع‏) ‏الذى ‏يقوم‏ ‏بتشغيل‏ ‏بعض‏ ‏الأطفال‏ ‏لمساعدته‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المهمة‏.‏

ونفسية‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏الصنفين‏ ‏مختلفة‏ ‏تماما‏ (‏مثل‏ ‏التسول‏ ‏بالصدفة‏، ‏والتسول‏ ‏كصبى ‏صنعة‏، ‏وقد‏ ‏أشرنا‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏حالا‏)‏

‏5- ‏وأخيرا‏ ‏فطفل‏ ‏الملاجئ‏ ‏هو‏ ‏فى ‏الملجأ‏، ‏ويختلف‏ ‏حاله‏ ‏من‏ ‏ملجأ‏ ‏إلى ملجأ‏، ‏ومن‏ ‏ظروف‏ ‏مؤسسة‏ ‏إلى ‏ظروف‏ ‏مؤسسة‏ ‏أخرى‏.‏

ولعل‏ ‏السؤال‏ ‏يشير‏ ‏أكثر‏ ‏إلى ‏خريجى ‏الملاجئ، ‏الذين‏ ‏يجدون‏ ‏أنفسهم‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏فيتسولون‏..، ‏وهنا‏ ‏يسرى ‏عليهم‏ ‏ما‏ ‏يسرى ‏على‏ ‏التصنيفات‏ ‏السابقة‏ ‏كل‏ ‏فى ‏موضعه‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏افتقادهم‏ ‏للأسرة‏ ‏الداعمة‏ ‏منذ‏ ‏البداية‏.‏

أما‏ ‏أن‏ ‏يترتب‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الأعمال‏ ‏والسلوكيات‏ ‏حقد‏ ‏على ‏المجتمع‏ ‏فهذا‏ ‏أمر‏ ‏بديهي‏، ‏إلا‏ ‏أننى ‏أذكر‏ ‏أن‏ ‏الحقد‏ ‏موجود‏ ‏حتى ‏بدون‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏السلوكيات‏، ‏وله‏ ‏أسباب‏ ‏ومواصفات‏ ‏أخرى ‏ليست‏ ‏هذه‏ ‏المظاهر‏ ‏هى ‏أهمها‏.‏

أما‏ ‏أن‏ ‏لهذه‏ ‏الظواهر‏ ‏علاج‏، ‏فبديهى ‏أن‏ ‏لها‏ ‏علاج، ‏ولكنه‏ ‏ليس‏ ‏بالضرورة‏ ‏علاجات‏ ‏تقليدية‏ ‏كما‏ ‏توحى ‏التوصيات‏ ‏والنصائح‏ ‏العامة‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏علاجات‏ ‏جذرية‏ ‏للمجتمع‏ ‏ككل‏، ‏وللأسرة‏ ‏خاصة، ‏ثم‏ ‏للطفل‏ ‏فى ‏المقام‏ ‏التالى‏.‏

وهذا‏ ‏أمر‏ ‏يحتاج‏ ‏تفصيل‏ ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏الحديث‏ ‏يحتمله‏، ‏فأكتفى ‏بتحديد‏ ‏الخطوط‏ ‏العامة‏ ‏للتناول‏ ‏التى ‏تشمل‏ ‏

أولا‏: ‏احترام‏ ‏قوانين‏ ‏الشارع‏ (‏الضبط‏ ‏والربط‏)‏

ثانيا‏: ‏احترام‏ ‏آدمية‏ ‏الإنسان‏. (‏الكرامة‏ ‏والنظافة‏)‏

ثالثا‏: ‏احترام‏ ‏خصوصية‏ ‏الآخر‏ (‏رفض‏ ‏الإتاوة‏، ‏ورفض‏ ‏الاقتحام‏)‏

رابعا‏: ‏احترام‏ ‏حقوق‏ ‏الطفل‏ (‏مكان‏ ‏رحب، ‏وغذاء‏ ‏صحى، ‏ووالدين‏ ‏فى ‏المتناول‏).‏

فما‏ ‏أصعب‏ ‏المسألة‏.‏

*****

صفة الرحمة

– وكيف‏ ‏نعلمه‏ ‏الرحمة؟

أمر‏ ‏خطير‏ ‏وشاق‏ ‏أن‏ ‏تصدم‏ ‏الناس‏ ‏بمعرفة‏ ‏لا‏ ‏يتوقعونها‏، ‏أو‏ ‏لا‏ ‏يريدونها‏، ‏فيهتز‏ ‏بعضهم‏، ‏ويزداد‏ ‏وعى ‏أقلهم‏، ‏ويلعنك‏ ‏الباقون‏، ‏ولكن‏ ‏أخطر‏ ‏منه‏ ‏أن‏ ‏تجاريهم‏ ‏لترفيههم‏، ‏فتحجب‏ ‏رؤيتك‏ ‏عنهم‏ ‏طلبا‏ ‏للسلامة‏، ‏ومسايرة‏ ‏للشائع‏، ‏حتى ‏ولو‏ ‏كان‏ ‏الشائع‏ ‏يندرج‏ ‏تحت‏ ‏ما‏ ‏يسمى “علما‏” ‏فى ‏مرحلة‏ ‏ما‏.‏

ونحن‏ ‏نتحدث‏ ‏كثيرا‏ ‏عن‏ ‏براءة‏ ‏الأطفال‏ (‏فى ‏عينيه‏) ‏وعن‏ ‏رقة‏ ‏الأطفال‏ ‏وعن‏ ‏طيبة‏ ‏الأطفال‏… ‏الخ‏، ‏وكل‏ ‏هذه‏ ‏التعابير‏ ‏صور‏ ‏شاعرية‏ ‏أكثر‏ ‏منها‏ ‏حقائق‏ ‏علمية‏، ‏فما‏زالت‏ ‏دراسة‏ ‏تصور‏ ‏عواطف‏ ‏الأطفال‏ – ‏للأسف‏ – ‏مجرد‏ ‏إسقاطات‏ ‏وتأويلات‏، ‏فالعواطف‏ ‏أقدم‏ ‏من‏ ‏التعبير‏ ‏عنها‏، ‏ومعرفتنا‏ ‏بها‏ ‏ووصفنا‏ ‏إياها‏ ‏أمور‏ ‏مشكوك‏ ‏فيها‏ ‏إذا‏ ‏نظرنا‏ ‏فى ‏أنفسنا‏ ‏فما‏ ‏بالك‏ ‏فى ‏طفل‏ ‏آخر‏ !!‏

ولكنا‏ ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏راجعنا‏ ‏تاريخ‏ ‏التطور‏ ‏من‏ ‏ناحية‏، ‏وتأملنا‏ ‏نكوص‏ ‏عواطف‏ ‏بعض‏ ‏المرضى ‏إلى مرحلة‏ ‏الطفولة‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخري‏، ‏استطعنا‏ ‏أن‏ ‏نجد‏ ‏قبولا‏ ‏للقانون‏ ‏القائل‏ “إن‏ ‏نمو‏ ‏الانسان‏ ‏الفرد‏، ‏إنما‏ ‏يكرر‏ ‏تاريخ‏ ‏نمو‏ ‏الحياة‏ (‏أى: ‏الانتوجينيا‏ ‏تعيد‏ ‏الفيلوجينيا‏) ‏لنقول‏ ‏فى ‏شجاعة‏ ‏نسبية‏ ‏إن‏ ‏التعبير‏ ‏الشائع‏ “الانسان‏‏ ‏حيوان‏ ‏ناطق‏” ‏إنما‏ ‏يصدق‏ ‏على ‏الطفل‏ ‏أساسا‏ ‏أو‏ ‏أولا‏، ‏علما‏ ‏بأن‏ ‏مجرد‏ ‏الكلام‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏التفكير‏ ‏المنطقى ‏ولا‏ ‏الفعل‏ ‏المسئول‏.‏

– فأين‏ ‏تقع‏ ‏الرحمة‏ ‏فى ‏صفات‏ ‏هذا‏ ‏الحيوان‏ ‏الناطق؟

يبدو‏ ‏أن‏ “الرحمة‏” ‏صفة‏ ‏ذات‏ ‏جلالة‏، ‏فهى ‏الصفة‏ ‏التى ‏اختارها‏ ‏الله‏ ‏تعالى ‏ليصف‏ ‏بها‏ ‏ذاته‏ ‏فى ‏كل‏ ‏بداية‏، ‏وهى ‏الصفة‏ ‏التى ‏كتبها‏ ‏على ‏نفسه‏ ‏واختص‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏يشار‏ ‏من‏ ‏عبادة‏ ‏إذا‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏نميزها‏ ‏ابتداء‏ ‏من‏ ‏الشفقة‏ ‏المتعالية‏ (‏يا‏ ‏حبة‏ ‏عينى‏!!) ‏وعن‏ ‏التأثر‏ ‏العاجز‏ (‏الصعبانية‏ ‏والمصمصة‏)، ‏والرحمة‏ ‏لا‏ ‏تكون‏ ‏رحمة‏ ‏إلا‏ ‏اذا‏ ‏اقترنت‏ ‏بالعدل‏ ‏والقدرة‏ ‏معا‏، ‏فليس‏ ‏رحيما‏ ‏من‏ ‏يتعاطف‏ ‏مع‏ ‏القريب‏ ‏دون‏ ‏الغريب‏، ‏أو‏ ‏يشعر‏ ‏بآلام‏ ‏الانسان‏ ‏دون‏ ‏الحيوان‏ ‏وليس‏ ‏رحيما‏ ‏من‏ ‏يقف‏ ‏عاجزا‏ ‏أمام‏ ‏الظلم‏، ‏أو‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏قولة‏ “لا‏” ‏ولو‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏قسوة‏ ‏ظاهرة‏ “ومن‏ ‏يكون‏ ‏حازما‏ ‏فليقس‏ ‏أحيانا‏ ‏على ‏من‏ ‏يرحم‏” ‏ولنا‏ ‏أن‏ ‏نستنتج‏ ‏أن‏ ‏صفة‏ ‏هذه‏ ‏المواصفات‏ ‏المسئولة‏ ‏الناضجة‏ ‏لا‏ ‏توجد‏ ‏عند ا‏‏لأطفال‏ – ‏مهما‏ ‏كان‏ ‏تصورنا‏ ‏لوجودهم‏ ‏أو‏ ‏انطباع‏ ‏والدى: ‏وراثى ‏أو‏ ‏بيئى (‏دون‏ ‏الدخول‏ ‏فى ‏تفاصيل‏ ‏علمية‏) ‏

والتربية‏ ‏السليمة‏ ‏هى ‏اتقان‏ ‏صحبة‏ ‏هذا‏ ‏الحيوان‏ ‏الناطق‏ ‏غير‏ ‏مراحل‏ ‏نموه‏ ‏الطبيعية‏ ‏دون‏ ‏افتراضات‏ ‏شاعرية‏، ‏حتى ‏يصل‏ ‏إلى ‏الوجود‏ ‏البشرى ‏المتكامل‏ ‏الذى ‏فيه‏ ‏من‏ ‏صفات‏ ‏الله‏ ‏ما‏ ‏فيه‏ – ‏ومن‏ ‏بينها‏ ‏الرحمة‏ ‏موضوع‏ ‏حديثنا‏ ‏هذا‏.‏

أمثلة‏ ‏من‏ ‏الريف‏ ‏والحضر‏:‏

وأكاد‏ ‏أحس‏ ‏بالتساؤل‏ ‏والرفض‏ ‏لما‏ ‏أحاول‏ ‏أن‏ ‏أصف‏ ‏به‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏قسوة‏، ‏ولكنى ‏أتذكر‏ ‏منظرنا‏ ‏فى ‏بلدنا‏ ‏ونحن‏ ‏نمسك‏ ‏بزنبور‏ ‏مسكين‏ (‏زنبور‏) ‏نخرج‏ ‏زبانه‏ (‏مع‏ ‏بعض‏ ‏أحشائها‏… ‏يا‏ ‏خيبه‏ ‏الجراحين‏ ‏الصغار‏) ‏ثم‏ ‏نزق‏ ‏رجليه‏ ‏فى ‏شق‏ ‏غابة‏ ‏مشطورة‏ ‏تدور‏ ‏أفقيا‏ ‏حول‏ ‏محور‏ ‏رأس‏ ‏قائم‏ ‏فى‏ “سلة‏” ‏من‏ ‏شجرة‏ ‏السنط‏، ‏وإذ‏ ‏يحاول‏ ‏الزنبور‏ ‏المسكين‏ ‏أن‏ ‏يطير‏ ‏ورجليه‏ ‏فى ‏شق‏، ‏يدفع‏ ‏الغابة‏ ‏فتلف‏ ‏مثل‏ “الساقية‏”، ‏ونصيح‏ ‏فى ‏سعادة‏ ‏بهذا‏ ‏الاختراع‏ ‏ونظل‏ ‏نهرج‏ ‏حواليه‏ ‏وهو‏ ‏يزن‏ ‏ويدور‏ ‏حتى ‏يموت‏.‏

– وأتساءل‏ ‏أين‏ ‏كانت‏ ‏الرحمة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏هذا؟

ثم‏ ‏منظر‏ ‏مجموعة‏ ‏من‏ ‏الأطفال‏ ‏وهم‏ ‏يربطون‏ ‏قطة‏ ‏حديثة‏ ‏الولادة‏ ‏من‏ ‏رقبتها‏ ‏يجرونها‏ ‏هنا‏ ‏وهناك‏ ‏دون‏ ‏احساس‏ – ‏حتى ‏تقضى ‏نحبها‏.‏

أما‏ ‏فى ‏مجال‏ ‏أولاد‏ ‏الذوات‏ (‏القدامى ‏والمحدثين‏) ‏فهواية‏ ‏الصيد‏ ‏العابث‏ ‏خير‏ ‏دليل‏ ‏على ‏قسوة‏ ‏القلوب‏ ‏فنحن‏ ‏ندع‏ ‏أولادنا‏ ‏يقتلون‏ ‏العصافير‏ (‏دون‏ ‏غرض‏ ‏وقاية‏ ‏لمحصول‏ ‏أو‏ ‏عنقود‏ ‏عنب‏) ‏وينتزعون‏ ‏الأسماك‏ ‏من‏ ‏مجال‏ ‏حياتهم‏ (‏دون‏ ‏دافع‏ ‏جوع‏ ‏أو‏ ‏نية‏ ‏شواء‏!! ‏ولا‏ ‏أستطرد‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏لأدلل‏ ‏على ‏قسوة‏ ‏الأطفال‏ ‏الطبيعية‏، ‏ولكنى ‏أصرخ‏ ‏فى ‏وجه‏ ‏ذويهم‏ ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏أطلق‏ ‏الطفل‏ ‏قسوته‏ ‏بلا‏ ‏حسبا‏، ‏فلأنه‏ ‏جاهل‏ ‏بعواقب‏ ‏الأمور‏، ‏والمثل‏ ‏الصينى ‏يقول‏ “يقذف‏ ‏الأطفال‏ ‏الضفادع‏ ‏بالحجارة‏ ‏وهم‏ ‏يلعبون‏، ‏ولكن‏ ‏الضفادع‏ ‏تموت‏ ‏جدا‏ ‏لا‏ ‏هزلا‏”، ‏فالطفل‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏معنى “الموت‏ ‏حقيقة‏” ‏وفلعا‏ ‏إلا‏ ‏حول‏ ‏العاشرة‏، ‏ولكن‏ ‏ما‏ ‏عذرنا‏ ‏نحن‏ ‏إذ‏ ‏نصفق‏ ‏لهذه‏ ‏الأفعال‏ ‏وننميها؟

– فإذا‏ ‏كان‏ ‏الأمر‏ ‏كذلك‏ – ‏وهو‏ ‏عندى ‏كذلك‏ – ‏فماذا‏ ‏نحن‏ ‏صانعون؟

أقول‏ ‏إن‏ ‏مجرد‏ ‏النصح‏ ‏والارشاد‏ ‏ليس‏ ‏مهمافاعلية‏ ‏ذات‏ ‏بال‏، ‏ولكن‏ ‏القدوة‏ ‏الحسنة‏ ‏فى ‏الجو‏ ‏المحيط‏ ‏الآمن‏ ‏المحب‏ ‏للحياة‏ ‏فى ‏كل‏ ‏كائن‏ ‏هو‏ ‏الخلاص‏، ‏وهو‏ ‏الأمل‏، ‏بل‏ ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏النصح‏ ‏الكاذب‏ (‏غير‏ ‏المحق‏ ‏مع‏ ‏حقيقة‏ ‏مشاعر‏ ‏الناصح‏) ‏خطيرة‏ ‏ومشوه‏ ‏فليس‏ ‏أبشع‏ ‏ولا‏ ‏أضر‏ ‏من‏ ‏منظر‏ ‏أم‏ ‏تلقن‏ ‏ابنها‏ ‏الرقة‏ ‏فى ‏مراعاة‏ ‏شعور‏ ‏الضيوف‏ ‏القادمين‏ ‏بعد‏ ‏ساعة‏ ‏ليبدو‏ ‏مهذبا‏ “ابن‏ ‏ناس‏” ‏فى ‏نفس‏ ‏اللحظة‏ ‏التى ‏تنهال‏ ‏فيها‏ ‏على ‏الخادمة‏ (‏لا‏ ‏تنافقوا‏ ‏فتقولوا‏ ‏الشغالة‏) ‏بالضرب‏ ‏والتعذيب‏ ‏والإهانة‏ ‏بلا‏ ‏حدود‏، ‏أو‏ ‏فى ‏القليل‏ (‏بعد‏ ‏ارتفاع‏ ‏أسعارهن‏ ‏فى ‏سوق‏ ‏الرقيق‏ ‏العصرى‏) ‏بالاحتقار‏ ‏والرفض‏!! ‏وأحذركم‏، ‏فالطفل‏ ‏يعلم‏ ‏جيدا‏ ‏ومباشرة‏ ‏ما‏ ‏تخفى ‏الصدور‏، ‏مهما‏ ‏رسمنا‏ ‏على ‏وجوهنا‏ ‏من‏ ‏تعبيرات‏، ‏أو‏ ‏اختبأنا‏ ‏وراء‏ ‏ألفاظ‏ ‏تزعم‏ ‏حسن‏ ‏النية‏.‏

خلاصة‏ ‏القول‏: ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏مراحله‏ ‏الأولى ‏عدوانى ‏قاس‏ ‏بطبعه‏، ‏وهذا‏ ‏ليس‏ ‏عيبا‏ ‏فى ‏دابة‏ ‏فإذا‏ ‏تقبلنا‏ ‏عدوانه‏ ‏وسمحنا‏ ‏له‏ ‏بتطويره‏ ‏وتوجيهه‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏القدوة‏ ‏والوعى ‏الهادي‏، ‏كان‏ ‏أملنا‏ ‏فى ‏الوصول‏ ‏إلى ‏صفات‏ ‏الرحمن‏ ‏الرحيم‏ ‏واقعا‏ ‏وفعلا‏.‏

على ‏أن‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نضمن‏ ‏به‏ ‏نمو‏ ‏الرحمة‏ ‏بمعناها‏ ‏الحقيقى‏، ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نهرب‏ ‏كيف‏ ‏نضيف‏ ‏إلى ‏براءة‏ ‏الطفل‏ ‏وطيبته‏ ‏صفات‏ ‏القوة‏ ‏والقدرة‏ ‏والعدل‏، ‏مع‏ ‏تدريبه‏ ‏على ‏التعامل‏ ‏المباشر‏ ‏مع‏ ‏الواقع‏ ‏المر‏ ‏بقسوته‏ ‏وتحديه‏، ‏وتعليمه‏ ‏تجنب‏ ‏الإيذاء‏ ‏فى ‏كل‏ ‏آن‏ ‏ولكن‏ ‏ما‏ ‏أصعب‏ ‏كل‏ ‏هذا‏، ‏فى ‏مجتمعنا‏ ‏هذا‏، ‏فى ‏وقتنا‏ ‏هذا”تلك‏ ‏هى ‏المسألة‏ ‏الصعبة أن‏ ‏نعطى ‏للطفل‏ ‏الحكمة‏ ‏والنضج‏، ‏أن‏ ‏نشرب‏ ‏من‏ ‏لبن‏ ‏الطيبة‏: ‏سر‏ ‏القدرة أن‏ ‏نصبح‏ ‏ناسا‏ ‏بسطاء‏ ‏فى ‏قوة لكن‏ ‏فلنحذر‏ ‏دوما‏ ‏من‏ ‏غدر‏ ‏الشر‏ ‏المتحفز بالانسان‏ ‏الطيب‏”.‏

****

‏ ‏الطفل تقليد، حلم، بكاء

‏- ‏فى ‏دراسة‏ ‏قام‏ ‏بها الأطباء‏ ‏بمعهد‏ ‏البحوث‏ ‏النفسية‏ ‏الفرنسية‏ ‏على 100 ‏طفل‏ ‏تتراوح‏ ‏أعمارهم‏ ‏بين‏ ‏الميلاد‏ ‏وست‏ ‏سنوات‏ ‏ثبت‏ ‏الآتى: ‏

أولا‏: ‏إن‏ ‏المولود‏ ‏قادر‏ ‏على ‏التقليد‏ ‏بعد‏ 36 ‏ساعة‏ ‏من‏ ‏ولادته‏.. ‏يقلد‏ ‏التعبير‏ ‏الذى ‏يظهر‏ ‏على ‏وجه‏ ‏محدثه.

ثانيا‏: ‏إن‏ ‏الصغيريبدأ‏ ‏يحلم‏ ‏فى ‏الشهر‏ ‏الرابع‏ ‏بدليل‏ ‏الابتسامة‏ ‏أو‏ ‏العبوس‏ ‏الذى ‏يظهر‏ ‏على ‏وجهه‏ ‏أثناء‏ ‏نومه.

ثالثا‏: ‏إن‏ ‏الألوان‏ ‏التى ‏يرتديها‏ ‏و‏تظهر‏ ‏من‏ ‏حوله‏ ‏فى ‏الحجرة‏ ‏تؤثر‏ على ‏حالته‏ ‏وشخصيته‏ ‏أيضا.

– فما‏ ‏رأيكم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏النتائج‏ ‏أو‏ ‏الملاحظات‏‏؟

وسوف‏ ‏أرد‏ ‏على ‏تسأولاتك‏ ‏هذه‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏هذه‏ ‏المقدمة‏ ‏الضرورية‏:

أولا‏: ‏ينبغى ‏الحذر‏ ‏الشديد‏ ‏ونحن‏ ‏ننقل‏ ‏عن‏ ‏العلماء‏ ‏نتائجهم‏، ‏فإما‏ ‏أن‏ ‏ننقل‏ ‏نفس‏ ‏الألفاظ‏ ‏مع‏ ‏مقدماتهم‏ ‏وتحفظاتهم‏ ‏وأرقامهم‏ ‏وتحذيراتهم‏، ‏وإما‏ ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏نحن‏ ‏المعلومة‏ ‏بأكبر‏ ‏قدر‏ ‏من‏ ‏الحيطة‏ ‏والحذر‏، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏اللغة‏ ‏العلمية‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏تقدم‏ ‏نتائجها‏ ‏بشكل‏ ‏شديد‏ ‏التواضع‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏العينة‏ ‏التى ‏أجرى ‏عليها‏ ‏بحث‏ ‏بذاته‏، ‏مع‏ ‏إشارة‏ ‏ضرورية‏ ‏إلى ‏محدودية‏ ‏المنهج‏ ‏وهكذا‏.

ثانيا‏: ‏إن‏ ‏ما‏ ‏يعتبره‏ ‏الباحث‏ (‏الناضج‏ ‏عادة‏) ‏تقليدا‏ ‏ليس‏ ‏هو‏ ‏التقليد‏ ‏الذى ‏اعتدنا‏ ‏أن‏ ‏نفهمه‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الكبار‏ ‏أو‏ ‏الأطفال‏ ‏الأكبر‏ ‏قليلا‏ ‏أو‏ ‏كثيرا‏، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يبديه‏ ‏الطفل‏ ‏مما‏ ‏نتصوره‏ ‏ابتساما‏ ‏مثلا‏ ‏هو‏ ‏شئ ‏أشبه‏ ‏بالإنعكاس‏ ‏الميكانيكى‏، ‏لكننا‏ ‏نترجمه‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏اعتدنا‏ ‏تسميته‏ ‏عند‏ ‏الكبار‏ ‏ونقول‏ ‏إنه‏ ‏ابتسام‏ ‏أو‏ ‏غيره‏، ‏وهذا‏ ‏لا‏ ‏ينفى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏كذلك‏، ‏لكن‏ ‏الأمر‏ ‏ليس‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة‏ ‏المباشرة‏.‏ بل‏ ‏إن‏ ‏بعض‏ ‏الباحثين‏ ‏ذهب‏ ‏إلى ‏اعتبار‏ ‏بسمة‏ ‏الطفل‏ ‏حديث‏ ‏الولادة‏ ‏هى ‏سلوك‏ ‏مطبوع‏ (موروث‏ ‏تقريبا‏) ‏وأن‏ ‏وجه‏ ‏الأم‏ (‏أو‏ ‏الوجه‏ ‏البشرى‏) ‏إنما‏ ‏يطلقه‏ ‏لا‏ ‏أكثر‏، (‏يطلقه‏: ‏أى ‏يسمح‏ ‏له‏ ‏بالظهور‏ ‏دون‏ ‏حاجة‏ ‏إلى ‏تعلم‏ ‏خاص‏) ‏وأن‏ ‏لهذا‏ ‏وذاك‏ ‏وظيفة‏ ‏بقائية‏، ‏لأن‏ ‏سعادة‏ ‏الأم‏ ‏بهذه‏ ‏الاستجابة‏ ‏الباسمة‏ ‏أو‏ ‏بهذا‏ ‏التقليد‏ ‏الجاهز‏ ‏تجعلها‏ ‏أكثر‏ ‏إقبالا‏، ‏ودفئا‏ ‏ورعاية‏ ‏لرضيعها‏، ‏مما‏ ‏يحافظ‏ ‏على ‏بقائه‏ ‏بما‏ ‏يحقق‏ ‏له‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏رعاية‏ ‏مناسبة

ثالثا‏: ‏بالنسبة‏ ‏لمسألة‏ ‏الحلم‏، ‏فإن‏ ‏الدراسات‏ ‏الأحدث‏ ‏لا‏ ‏ترصد‏ ‏الحلم‏ ‏بابتسامة‏ ‏أو‏ ‏تكشيرة‏ ‏أثناء‏ ‏النوم‏، ‏ولا‏ ‏حتى ‏بما‏ ‏يحكيه‏ ‏الحالم‏ ‏حين‏ ‏يستيقظ‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏ترصد‏ ‏الحلم‏ ‏بموجات‏ ‏مرتبطة‏ ‏بما‏ ‏يسمى ‏حركة‏ ‏العين‏ ‏السريعة‏، ‏وكأن‏ ‏العين‏ ‏تلاحق‏ ‏صورا‏ ‏تجرى ‏أمامها‏ – ‏فى ‏الحلم‏، ‏وتظهر‏ ‏هذه‏ ‏الحركات‏ ‏السريعة‏ ‏فى ‏رسام‏ ‏المخ‏ ‏الكهربائى‏، ‏سواء‏ ‏حكى ‏الحالم‏ ‏حلمه‏ ‏أم‏ ‏لا‏، ‏ولما‏ ‏رصد‏ ‏العلماء‏ ‏هذه‏ ‏الموجات‏ ‏للأجنة‏ ‏فى ‏الأرحام‏ ‏قدروا‏ ‏أن‏ ‏الحلم‏ (‏أو‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏النوم‏ ‏الحالم‏ ‏أو‏ ‏النوم‏ ‏النقيضى ‏الدال‏ ‏على ‏الحلم‏) ‏يبدأ‏ ‏فى ‏بطن‏ ‏الأم‏، ‏طبعا‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏يحكى ‏أو‏ ‏يرصد‏ ‏محتواه‏ ‏ولا‏ ‏حتى ‏يستنتج‏.‏

ونحن‏ ‏نسقط‏ ‏ما‏ ‏نتصوره‏ ‏حين‏ ‏نشاهد‏ ‏طفلا‏ ‏يبتسم‏ ‏أو‏ ‏يكشر‏ ‏وننسج‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏خيالنا‏ ‏ما‏ ‏نتصوره‏ ‏مما‏ ‏اعتدناه‏ ‏بخبراتنا‏ ‏نحن‏، ‏ولكننى – ‏استدراكا‏- ‏لا‏ ‏أستبعد‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏البحث‏ ‏المشار‏ ‏إليه‏ ‏قد‏ ‏تناول‏ ‏الأمر‏ ‏بتفاصيل‏ ‏أخرى ‏تستبعد‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏تقلل‏ ‏هذا‏ ‏الإسقاط‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر

ثالثا‏: ‏أما‏ ‏الألوان‏ ‏وتأثيرها‏، ‏فلا‏ ‏أحسب‏ ‏أيضا‏ ‏أن‏ ‏المسألة‏ ‏قد‏ ‏نشرت‏ ‏علميا‏ ‏بهذه‏ ‏البساطة‏، ‏فالألوان‏ ‏المثيرة‏، ‏وتعدد‏ ‏الألوان‏، ‏من‏ ‏الأشياء‏ ‏التى ‏توقظ‏ ‏حواس‏ ‏الطفل‏ ‏بلا‏ ‏أدنى ‏شكل‏، ‏ومتى ‏استيقظت‏ ‏الحواس‏ ‏وتدربت‏ ‏على ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏مثيرات‏ ‏البيئة‏ ‏توثقت‏ ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الطفل‏ ‏وبين‏ ‏بيئته‏ ‏وراح‏ ‏ذلك‏ ‏يساعده‏ ‏على ‏التمييز‏، ‏وعلى ‏الاستجابة‏ ‏المتنوعة‏ ‏وهكذا‏، ‏أما‏ ‏أن‏ ‏يرتبط‏ ‏لون‏ ‏بذاته‏ ‏بحالة‏ ‏مزاجية‏ ‏معينة‏ ‏عند‏ ‏الأطفال‏ ‏فهذا‏ ‏أمر‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏تدقيق‏ ‏وتحديد‏ ‏

– ‏وما‏ ‏تفسيركم‏ ‏لبكاء‏ ‏الطفل‏ ‏الصغير‏ ‏قبل‏ ‏النوم‏‏؟

أولا‏: ‏ليس‏ ‏كل‏ ‏طفل‏ ‏يبكى ‏عند‏ ‏النوم

ثانيا‏: ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏الأسباب‏ ‏تختلف‏ ‏باختلاف‏ ‏الظروف‏، ‏فمثلا‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏يبكى ‏حين‏ ‏ينام‏ ‏وحده‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تتركه‏ ‏أمه‏ ‏حسما‏ ‏لأنها‏ ‏ترى ‏ذلك‏ ‏أو‏ ‏لأنها‏ ‏مشغولة‏ ‏بما‏ ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏تأجيله‏: ‏هو‏ ‏يبكى ‏طلبا‏ ‏لأمه‏، ‏أو‏ ‏خوفا‏ ‏من‏ ‏الانفصال‏، ‏أو‏ ‏احتجاجا‏ ‏على ‏الهجر‏..‏إلخ‏، ‏هذا‏ ‏غير‏ ‏الطفل‏ ‏الذى ‏يغالبه‏ ‏النوم‏ ‏وهو‏ ‏يلعب‏ ‏فيحاول‏ ‏أن‏ ‏يقاوم‏ ‏النوم‏ ‏ليستمر‏ ‏فى ‏اللعب‏، ‏لكنه‏ ‏يفشل‏، ‏فيقاوم‏ ‏النوم‏ ‏بالبكاء‏ ‏إما‏ ‏احتجاجا‏ ‏وإما‏ ‏عنادا‏ ‏وكلا‏ ‏هذين‏ ‏الطفلين‏ ‏هما‏ ‏مختلفين‏ ‏عن‏ ‏طفل‏ ‏ينام‏ ‏فى ‏سلاسة‏ ‏وهو‏ ‏مبتسم‏.

مرة‏ ‏أخرى ‏أحذر‏ ‏من‏ ‏التعميم‏ ‏والتبسيط‏ ‏

****

‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏

 – الحديث‏ ‏عن‏ ‏نفسية‏ ‏الطفل‏ ‏الأول‏ ‏وعن‏ ‏الطفل‏ ‏الأخير‏ ‏من‏ ‏وجهة‏ ‏النظر‏ ‏النفسية‏ ‏وحتى ‏بين‏ ‏العامة‏ ‏حديث‏ ‏متواتر‏ ‏وثرى، ‏فماذا‏ ‏عن‏ ‏سائر‏ ‏الأطفال‏ ‏وبالذات‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى؟

بصراحة، ‏هذا‏ ‏سؤال‏ ‏ذكى، ‏وقد‏ ‏خطر‏ ‏على ‏بالى ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏كطبيب‏ ‏نفسى ‏من‏ ‏ناحية، ‏وكأب‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى وفى ‏رأيى ‏أنه‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏الطفل‏ ‏الأول‏ “أول‏ ‏فرحة‏” ‏و‏”البكري‏”، ‏وكان‏ ‏الطفل‏ ‏الأخير‏ “آخر‏ ‏العنقود‏”، ‏فإن‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏هو‏ ‏الإختبار‏ ‏الحقيقى ‏لنوع‏ ‏الأسرة‏ ‏ومدى ‏نضج‏ ‏والدية‏ ‏الوالدين وابتداء‏ ‏فإن‏ ‏الأسرة‏ ‏ذات‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نعتبرها‏ ‏أسرة‏ ‏لم‏ ‏تكتمل‏، ‏ولعل‏ ‏المحنة‏ ‏التى ‏تمر‏ ‏بها‏ ‏الأسرة‏ ‏فى ‏العالم‏ ‏الغربى ‏ترجع‏ ‏أساسا‏ ‏إلى ‏أنها‏ ‏أسر‏ ‏مختزلة‏، ‏أو‏ ‏أسر‏ ‏عينات‏ ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير‏، ‏إذن‏ ‏فالطفل‏ ‏الثانى ‏هو‏ ‏المسئول‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏ ‏عن‏ ‏تكوين‏ ‏الأسرة

هذه‏ ‏واحدة‏، ‏والثانية‏ ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏يأتى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏الأم‏ ‏بالذات‏ ‏قد‏ ‏مرت‏ ‏بخبرتها‏ ‏الأولى – ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏سارة‏ ‏أو‏ ‏سيئة‏ ‏مع‏ ‏طفلها‏ ‏الأول‏- ‏وبالتالى، ‏ودون‏ ‏قصد‏، ‏يدفع‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏ثمن‏ ‏هذه‏ ‏الخبرة‏، ‏وقد‏ ‏يجنى ‏ثمارها

الأمر‏ ‏الثالث‏ ‏الذى ‏يستأهل‏ ‏الانتباه‏ ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يلقاه‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏من‏ ‏غيرة‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏الأول‏، ‏ويتوقف‏ ‏تأثير‏ ‏هذا‏ ‏العامل‏ ‏على ‏عدد‏ ‏السنين‏ ‏بين‏ ‏الطفلين‏، ‏وهل‏ ‏الثانى ‏منافس‏ ‏حقيقى ‏للأول‏ ‏أم‏ ‏أن‏ ‏فارق‏ ‏السنين‏ ‏قد‏ ‏سمح‏ ‏للأول‏ ‏أن‏ ‏يتبنى ‏الثانى ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏ويحدث‏ ‏هذا‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏حين‏ ‏يكون‏ ‏الأول‏ ‏بنتا‏ ‏فهى ‏قد‏ ‏تعامل‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏باعتباره‏ “عروسة‏” ‏مثل‏ ‏عرائسها‏ ‏الخاصة، ‏وهذا‏ ‏أمر‏ ‏قد‏ ‏يقلل‏ ‏من‏ ‏الغيرة‏ ‏لكنه‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏ ‏قد‏ ‏يقلب‏ ‏وجود‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏إلى ‏دمية‏ ‏أو‏ ‏شئ، ‏وليس‏ ‏كيانا‏ ‏بشريا‏ ‏مستقلا، ‏ويبلغ‏ ‏ضرر‏ ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏إذا‏ ‏تبناه‏ ‏الوالدان‏ ‏أيضا‏- ‏دون‏ ‏قصد‏ – ‏استجابة‏ ‏لمشاعر‏ ‏الطفلة‏ ‏الأكبر.

وأخيرا‏ ‏فإن‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏قد‏ ‏يصبح‏ “الطفل‏ ‏بلا‏ ‏هوية‏” ‏إذا‏ ‏لحقه‏ ‏طفل‏ ‏ثالث‏ ‏بسرعة‏، ‏ويزداد‏ ‏الأمر‏ ‏إحراجا‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏الثالث‏ ‏هو‏ ‏الأخير‏ ‏إذ‏ ‏سيظل‏ ‏الأول‏ ‏محط‏ ‏الانتباه‏ ‏لريادته‏، ‏ويصير‏ ‏الأخير‏ ‏آخر‏ ‏العنقود‏ ‏بمعنى ‏الأصغر‏ ‏والأولى ‏بالرعاية‏ (‏وبالتدليل‏)، ‏فيقف‏ ‏الأوسط‏ ‏وكأنه‏ ‏لا‏ ‏طال‏ ‏زهو‏ ‏البداية‏ ‏ولا‏ ‏انتباه‏ ‏الختام‏ ‏وأحب‏ ‏أن‏ ‏أنوه‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏ذكره‏ ‏ليس‏ ‏قاعدة‏ ‏بحال‏ ‏من‏ ‏الأحوال، ‏فقد‏ ‏ينشأ‏ ‏الطفل‏ ‏الثانى ‏أفضل‏ ‏من‏ ‏الأول‏ ‏والأخير‏ ‏حين‏ ‏يتجنب‏ ‏الوالدان‏ ‏الأخطاء‏ ‏التى ‏ارتكبوها‏ ‏مع‏ ‏الأول‏، ‏ولا‏ ‏تتاح‏ ‏لهما‏ ‏الفرصة‏ ‏للتمادى ‏فى ‏التدليل‏ ‏المفرط‏ ‏الذى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يختص‏ ‏به‏ ‏الأخير‏!!!!‏.

****

الخوف عند الأطفال

– ما‏ ‏هو‏ ‏تعريف‏ ‏الخوف؟

لا‏ ‏يوجد‏ ‏تعريف‏ ‏محدد‏ ‏للخوف‏، ‏فهو‏ ‏انفعال‏ ‏طبيعى ‏وضعه‏ ‏الله‏ ‏أساسا‏ ‏فى ‏نفوسنا‏ ‏لنتجنب‏ ‏الخطر‏، ‏وهو‏ ‏لذلك‏ ‏ضرورى ‏ومفيد‏، ‏وهو‏ ‏يرجع‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏الهرب‏ ‏أو‏ ‏الاستعداد‏ ‏للقتال‏ ‏عند‏ ‏الحيوانات‏ ‏حفاظا‏ ‏على ‏النوع

– إذن‏ ‏فمن‏ ‏الطبيعى ‏أن‏ ‏يخاف‏ ‏الإنسان‏، ‏فلماذا‏ ‏يبالغ‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏الكلام‏ ‏عن‏ ‏الخوف‏ ‏عند‏ ‏الأطفال؟

طبعا‏ ‏من‏ ‏الطبيعى ‏أن‏ ‏يخاف‏ ‏الناس‏، ‏والطفل‏ ‏كذلك‏، ‏لكن‏ ‏الخطر‏ ‏يكمن‏ ‏فى ‏أننا‏ ‏لا‏ ‏ننمى ‏الخوف‏ ‏الطبيعى ‏عند‏ ‏الطفل‏، ‏وإنما‏ ‏نزرع‏ ‏أنواعا‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏تصدر‏ ‏منا‏ ‏نحن‏، ‏وكأننا‏ ‏نطلب‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏أن‏ ‏يخاف‏ ‏نيابة‏ ‏عنا.

– مثل‏ ‏ماذا؟

الظلام‏ ‏لا‏ ‏يخيف‏ ‏الأطفال‏ ‏مثلا‏، ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏حدث‏ ‏مفاجأة‏، ‏وصاحبه‏ ‏بعض‏ ‏المبالغة‏ ‏من‏ ‏الكبارنتغلب‏، ‏لكننا‏ ‏نحن‏ ‏الكبار‏نخاف الظلام‏ ‏لأسباب‏ ‏مكتسبة‏، ‏فنروح‏ ‏نخيف‏ ‏أطفالنا‏ ‏من‏ ‏الظلام‏، ‏أو‏ ‏ندعى ‏حمايتهم‏ ‏من‏ ‏الظلام‏، ‏فيخافون‏، ‏وكأننا‏ ‏نعلمهم‏ ‏الخوف.

– وماذا‏ ‏عن‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الحيوانات؟

الأصل‏ ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏يحب‏ ‏الحيوانات‏ ‏ما‏ ‏لم‏ ‏يؤذ‏ ‏من‏ ‏بعضهم‏، ‏وهنا‏ ‏يصبح‏ ‏الخوف‏ ‏ليس‏ ‏من‏ ‏الحيوان‏، ‏وإنما‏ ‏ارتباطا‏ ‏بخبرة‏ ‏سابقة‏ ‏مؤلمة‏، ‏والطفل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يلعب‏ ‏مثلا‏ ‏مع‏ ‏حيوان‏ ‏مفترس‏ ‏لأنه‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏أنه‏ ‏مفترس‏، ‏وليس‏ ‏معنى ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏نتركه‏ ‏يتعرض‏ ‏للخطر‏ ‏لمجرد‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يعرف‏ ‏طبيعة‏ ‏الخطر.

– وماذا‏ ‏عن‏ ‏الخوف‏ ‏الذى ‏يصل‏ ‏الأطفال‏ ‏من‏ ‏أفلام‏ ‏الرعب؟

هناك‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏حواديت‏ ‏زمان‏، ‏فيها‏ ‏ما‏ ‏يخيف‏ ‏فعلا‏ ‏مثل‏ ‏النداهة‏ ‏أو‏ ‏أبو‏ ‏رجل‏ ‏مسلوخة‏، ‏وبين‏ ‏أفلام‏ ‏الرعب‏ ‏والفزع‏، ‏وأحسب‏ ‏أن‏ ‏النوع‏ ‏الأول‏ ‏كان‏ ‏يترك‏ ‏للطفل‏ ‏مجالا‏ ‏للخيال‏ ‏يلاعب‏ ‏فيه‏ ‏الخوف‏ ‏إن‏ ‏صح‏ ‏التعبير‏، ‏فيقلله‏، ‏ويزيد‏ ‏منه‏، ‏ويتحرك‏ ‏خلاله‏، ‏أما‏ ‏أفلام‏ ‏الرعب‏ ‏فهى ‏ماثلة‏ ‏أما‏ ‏حواسه‏، ‏وبالتالى ‏قد‏ ‏تنطبع‏ ‏فى ‏وعيه‏ ‏حتى ‏تؤثر‏ ‏عليه‏ ‏فى ‏أحلامه‏ ‏ثم‏ ‏فى ‏يقظته‏، ‏وهى ‏ليست‏ ‏لها‏ ‏وظيفة‏ ‏تربوية‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏من‏ ‏الصعب‏ ‏منعها‏ ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نناقشها‏ ‏مع‏ ‏الطفل‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر.

– وهل‏ ‏يتساوى ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏أفلام‏ ‏الرعب‏ ‏مع‏ ‏الخوف‏ ‏مما‏ ‏ينشر‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏من‏ ‏جرائم‏، ‏وخاصة‏ ‏جرائم‏ ‏القتل‏ ‏والتشويه‏،‏ وما‏ ‏شابه؟

أظن‏ ‏أن‏ ‏من‏ ‏الصعب‏ ‏التعميم‏، ‏فما‏ ‏ينشر‏ ‏فى ‏الصحف‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أخف‏ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏يقع‏ ‏مباشرة‏ ‏على ‏الحواس‏، ‏ولكنه‏ ‏قد‏ ‏يكون‏ ‏أبشع‏ ‏لو‏ ‏أن‏ ‏الكتابة‏ ‏عن‏ ‏الجريمة‏ ‏وصلت‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏ذكر‏ ‏تفاصيل‏ ‏بشعة‏ ‏لكيفية‏ ‏ارتكاب‏ ‏الجريمة‏ ‏أو‏ ‏تشويه‏ ‏الجثة‏ ‏أو‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏، ‏فهنا‏ ‏يبالغ الطفل‏ ‏فى ‏خياله‏ ‏ويتصور‏ ‏أنه‏ ‏معرض‏ ‏لمثل‏ ‏ذلك‏ ‏الاحتمال‏ ‏دون‏ ‏ذنب‏ ‏جناه وماذا‏ ‏عن‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏المؤثرات‏ ‏العادية‏ ‏المفروض‏ ‏أنها‏ ‏لا‏ ‏تخيف‏، ‏مثل‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏المدرسة‏ ‏أو‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الامتحان لا‏، ‏هناك‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الذهاب‏ ‏إلى ‏المدرسة‏، ‏والخوف‏ ‏من‏ ‏الامتحان‏، ‏فالخوف‏ ‏من‏ ‏الامتحان‏ ‏وخاصة‏ ‏فى ‏سن‏ ‏أكبر‏ ‏قليلا‏ ‏هو‏ ‏شئ‏ ‏طبيعى‏، ‏وكلما‏ ‏كان‏ ‏الطالب‏ ‏طموحا‏ ‏ومتفوقا‏ ‏خاف‏ ‏أكثر‏ ‏لحرصه‏ ‏على ‏الدرجات‏ ‏والأداء‏ ‏المثالى أما‏ ‏الخو‏ ‏ف‏ ‏من‏ ‏المدرسة‏ ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏يصيب‏ ‏الأطفال‏ ‏بين‏ ‏الرابعة‏ ‏والثانية‏ ‏عشر‏ ‏وأحيانا‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏، ‏وهو‏ ‏إما‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏مرتبطا‏ ‏بخبرة‏ ‏سيئة‏ ‏عاناها‏ ‏فى ‏المدرسة‏، ‏وإما‏ ‏يكون‏ ‏مرتبطا‏ ‏بتعلق‏ ‏زائد‏ ‏بالمنزل‏ ‏وما‏ ‏يلقاه‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏حماية‏، ‏وكثيرا‏ ‏ما‏ ‏يكون‏ ‏دليلا‏ ‏على ‏الاكتئاب‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏.‏ وعلاجه‏ ‏يأتى ‏بإزالة‏ ‏أسبابه‏ ‏من‏ ‏ناحية‏ ‏وأحيانا‏ ‏بمضادات‏ ‏الاكتئآب‏ ‏إذا‏ ‏لزم‏ ‏الأمر.

– والخوف‏ ‏من‏ ‏الحشرات؟‏ ‏والفئران‏ ‏مثلا؟  المشهور‏ ‏أن‏ ‏النساء‏ ‏هن‏ ‏اللائى ‏يخفن‏ ‏من‏ ‏الفئران‏ ‏بشكل‏ ‏خاص‏، ‏ولعل‏ ‏هذا‏ ‏الخوف‏ ‏الذى ‏نراه‏ ‏فى ‏الأطفال‏ ‏من‏ ‏الفئران‏ ‏هو‏ ‏خوف‏ ‏مكتسب‏ ‏يقلد‏ ‏فيه‏ ‏الطفل‏ ‏أمه‏، ‏أما‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الحشرات‏ ‏فهذا‏ ‏يعتمد‏ ‏على ‏نوع‏ ‏الحشرة‏ ‏والخبرة‏ ‏السابقة‏، ‏وهل‏ ‏هناك‏ ‏أنواع‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏تعتبر‏ ‏مرضية؟

طبعا‏، ‏وهى ‏كذلك‏ ‏عن‏ ‏الكبار‏ ‏والصغار‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء‏، ‏وتسمى ‏أحيانا‏ ‏الرهاب‏، ‏فهناك‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الأماكن‏ ‏المغلقة‏ ‏والصغيرة‏ (‏مثل‏ ‏المصاعد‏= ‏الأسانسير‏)، ‏وهناك‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الأماكن‏ ‏المتسعة‏، ‏والخوف‏ ‏من‏ ‏الزحام‏، ‏والخوف‏ ‏من‏ ‏الأماكن‏ ‏العالية‏، ‏وقد‏ ‏تظهر‏ ‏هذه‏ ‏المخاوف‏ ‏أكثر‏ ‏عن‏ ‏الأطفال‏، ‏لكنها‏ ‏عادة‏ ‏ما‏ ‏تقل‏ ‏بمرور‏ ‏الزمن.

– وما‏ ‏علاج‏ ‏الخوف‏ ‏إذن‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏مرضا؟

مهم‏ ‏جدا‏ ‏شرط‏ ‏إن‏ ‏كان‏ ‏مرضا‏ ‏هذا‏، ‏لأن‏ ‏أول‏ ‏علاج‏ ‏للخوف‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نعتبره‏ ‏أمرا‏ ‏طبيعيا‏، ‏ثم‏ ‏أن‏ ‏نفصل‏ ‏خوف‏ ‏الكبار‏ ‏عن‏ ‏خوف‏ ‏الصغار‏، ‏وأن‏ ‏نحرص‏ ‏تماما‏ ‏ألا‏ ‏نتحدث‏ ‏أمام‏ ‏الأطفال‏ ‏عن‏ ‏أمور‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏تصور‏ ‏هم‏ ‏لمجرد‏ ‏أنها‏ ‏تهمنا‏، ‏مثل‏ ‏أثار‏ ‏ثقب‏ ‏الأوزون‏، ‏أو‏ ‏تشويهات‏ ‏القنبلة‏ ‏الذرية‏، ‏أو‏ ‏خطر‏ ‏المجاعات‏ ‏القادم‏، ‏فهذه‏ ‏كلها‏ ‏أمور‏ ‏تبعث‏ ‏على ‏عدم‏ ‏الأمان‏ ‏الذى ‏أقل‏ ‏مظاهره‏ ‏إعلان‏ ‏الخوف‏ ‏مباشرة ثم‏ ‏علينا‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏نقبل‏ ‏الخوف‏ ‏الذى ‏يتناسب‏ ‏مع‏ ‏المؤثر‏ ‏الذى ‏يخيف‏، ‏وأن‏ ‏نتخلص‏ ‏من‏ ‏العوامل‏ ‏الزائدة‏ ‏التى ‏جعلت‏ ‏الخوف‏ ‏مبالغا‏ ‏فيه‏ ‏عند‏ ‏الطفل.

وأخيرا‏ ‏لا‏ ‏ننصح‏ ‏إطلاقا‏ ‏باستعمال‏ ‏المهدئات‏، ‏أو‏ ‏حتى ‏مضادات‏ ‏الاكتئاب‏ ‏التى ‏سبق‏ ‏الإشارة‏ ‏إليها‏ ‏إلا‏ ‏فى ‏الحالات‏ ‏النادرة‏ ‏وتحت‏ ‏إشراف‏ ‏طبيب‏ ‏مختص‏.‏

‏ ‏- هل‏ ‏هناك‏ ‏فرق‏ ‏بين‏ ‏الخوف‏ ‏والجبن؟

طبعا‏، ‏الخوف‏ ‏شعور‏ ‏طبيعى ‏وتفاعل‏ ‏مناسب‏ ‏ضد‏ ‏الخطر‏، ‏أما‏ ‏الجبن‏ ‏فهو‏ ‏سمة‏ ‏من‏ ‏سمات‏ ‏الشخصية‏، ‏وهو ‏خلق‏ ‏سيئ‏ ‏يدل‏ ‏عل‏ ‏تفضيل‏ ‏الهرب‏ ‏من‏ ‏المواجهة‏، ‏وربما‏ ‏قبول‏ ‏الذل‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏التعبير‏ ‏عن‏ ‏الرأى ‏وتحمل‏ ‏المسئولية‏ ‏

– وهل‏ ‏هناك‏ ‏مظاهر‏ ‏جسدية‏ ‏للخوف؟

كلنا‏ ‏نعرف‏ ‏أنه‏ ‏فى ‏مواقف‏ ‏الخوف‏ ‏نتصبب‏ ‏عرقا‏، ‏وتشرع‏ ‏ضربات‏ ‏القلب‏، ‏ويقف‏ ‏شعر‏ ‏الرأس، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏يراه‏ ‏الطفل‏ ‏أحيانا‏ ‏فى ‏أفلام‏ ‏الكارتون‏ (‏على ‏فكرة‏ ‏أفلام‏ ‏توم‏ ‏وجيرى ‏مثلا‏ ‏من‏ ‏أحسن‏ ‏الأفلام‏ ‏التى ‏تعود‏ ‏الطفل‏ ‏على ‏مواجهة‏ ‏الخوف‏ ‏والضحك‏ ‏منه‏)‏.

‏- ‏هل‏ ‏الخوف‏ ‏مكتسب‏ ‏ام‏ ‏فطرى؟

الخوف‏ ‏غريزة‏ ‏فطرية، ‏وظيفتها‏ ‏أن‏ ‏تحمى ‏الكائن‏ ‏الحى ‏من‏ ‏الخطر‏ ‏لأنها‏ ‏دافع‏ ‏إلى ‏الكر‏ ‏والفر‏، ‏ومعنى ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الخوف‏ ‏فطرى ‏من‏ ‏حيث‏ ‏هو‏ ‏دافع‏، ‏أما‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏مكتسب‏ ‏فهو‏ ‏شكل‏ ‏الخوف‏ ‏وتحديد‏ ‏مصدره‏، ‏فلا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏ساكن‏ ‏المدن‏ ‏الذى ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏حوادث‏ ‏الطريق‏ ‏غير‏ ‏ساكن‏ ‏الريف‏ ‏الذى ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏النداهة‏، ‏وأيضا‏ ‏قارئ‏ ‏الصحف‏ ‏الذى ‏يخاف‏ ‏ثقب‏ ‏الأوزون، ‏غير‏ ‏السائر‏ ‏بجوار‏ ‏حقول‏ ‏الذرة‏ ‏الذى ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏المجهول‏ ‏المخبأ‏ ‏فيه‏.‏

‏ – ‏تأثير‏ ‏خوف‏ ‏الكبار‏ ‏على ‏الاطفال؟

فى ‏كثير‏ ‏من‏ ‏الأحيان‏ ‏يكون‏ ‏الخوف‏ ‏فعلا‏ ‏هو‏ ‏خوف‏ ‏الكبار‏ ‏وليس‏ ‏الصغار‏، ‏فمثلا‏ ‏الطفل‏ ‏لا‏ ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏الظلام، ‏ولكن‏ ‏الكبيريخاف‏ ‏مما‏ ‏يخبئه‏ ‏الظلام، ‏وينقل‏ ‏هذا‏ ‏الخوف‏ ‏للطفل‏ ‏فيبدأ‏ ‏الطفل‏ ‏بالخوف‏ ‏من‏ ‏الظلام‏، ‏ومثال‏ ‏آخر‏ ‏فالأم‏ ‏قد‏ ‏تخاف‏ ‏من‏ ‏الفأر‏ ‏فى ‏حين‏ ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏يحب‏ ‏الفأر‏ ‏وخاصة‏ ‏وقد‏ ‏تعرف‏ ‏عليه‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ميكى ‏ماوس‏، ‏ولكن‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏ينتقل‏ ‏خوف‏ ‏الأم‏ ‏إلى ‏الطفل‏ ‏وهكذا‏.‏

‏ – ‏دور‏ ‏التربية‏ ‏واثرها‏ ‏فى ‏خوف‏ ‏الطفل؟

لا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏بحق‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏الخوف‏، ‏كما‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نطلق‏ ‏خيال‏ ‏الأطفال‏ ‏دون‏ ‏وصاية‏ ‏سواء‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏الخيال‏ ‏للتعبير‏ ‏عن‏ ‏الخوف‏ ‏أو‏ ‏عن‏ ‏الأمل‏ ‏أو‏ ‏عن‏ ‏تأليف‏ ‏مدن‏ ‏خرافية‏ ‏أو‏ ‏كائنات‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لها‏، ‏وبعد‏ ‏ذلك‏ ‏نضبط‏ ‏جرعة‏ ‏الخوف‏ ‏بما‏ ‏يناسب‏ ‏السن‏ ‏واختراق‏ ‏حواجز‏ ‏الخطر‏.‏

أما‏ ‏إلغاء‏ ‏الخوف‏ ‏وتشويه‏ ‏كيان‏ ‏الطفل‏ ‏برسم‏ ‏صورة‏ ‏من‏ ‏عالم‏ ‏آمن‏ ‏لا‏ ‏مفاجآت‏ ‏فيه‏، ‏عالم‏ ‏من‏ ‏النصائح‏ ‏والواقع‏ ‏الممسوخ ‏فهذا‏ ‏أمر‏ ‏يحول‏ ‏دون‏ ‏تلقائية‏ ‏النمو‏ ‏وثراء‏ ‏الخيال‏ ‏اللازمين‏ ‏للتربية‏ ‏الصحيحة‏.‏

‏ – ‏تفسير‏ ‏حالة‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏الأب؟‏ ‏واللجوء‏ ‏دائما‏ ‏إلى ‏الأم‏ ‏فى ‏حالة‏ ‏الخوف‏؟

أظن‏ ‏أنه‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نراجع‏ ‏هذا‏ ‏الرأى، ‏لأنه‏ ‏ليس‏ ‏دائما‏ ‏صوابا‏، ‏فالطفل‏ ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏السلطة‏، ‏وبالتالى ‏فهو‏ ‏قد‏ ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏الأم‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏هى ‏صاحبة‏ ‏السلطة‏، ‏ولا‏ ‏عيب‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏على ‏شرط‏ ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏دور‏ ‏كل‏ ‏منهما‏ ‏واضحا‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏، ‏بمعنى ‏أن‏ ‏يكمل‏ ‏الأب‏ ‏دور‏ ‏الأم‏ ‏وتكمل‏ ‏الأم‏ ‏دور‏ ‏الأب، ‏أو‏ ‏كما‏ ‏يقول‏ ‏المثل‏ ‏العامى “واحد‏ ‏يضرب‏ ‏والتانى ‏يلاقى‏”، ‏والمثل‏ ‏لا‏ ‏يقصد‏ ‏هنا‏ ‏الضرب‏ ‏تحديدا‏، ‏وإنما‏ ‏يقصد‏ ‏أن‏ “واحد‏ ‏يشد‏ ‏والتانى ‏يرخى‏” فيتحرك‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏ظل‏ ‏أمان‏ ‏الأم‏ – ‏مثلا‏- ‏واحترام‏ ‏حزم‏ ‏الأب‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏.‏

‏ – ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏المدرس؟‏ ‏والضرب‏ ‏فى ‏المدارس‏ ‏هل‏ ‏هو‏ ‏صحى ‏ام‏ ‏مرض؟‏ ‏

الخوف‏ ‏من‏ ‏المدرسة‏ ‏أمر‏ ‏طبيعى‏، ‏لا‏ ‏يوجد‏ ‏أى ‏مبرر‏ ‏للكذب‏ ‏على ‏الأطفال‏ ‏بأغانى ‏مثل‏ “مدرستى ‏يا‏ ‏محلاها‏ ‏أهواها‏ ‏وأدوب‏ ‏فى ‏هواها‏” ‏لأن‏ ‏هذا‏ ‏جانب‏ ‏واحد‏ ‏من‏ ‏العلاقة‏ ‏بالمدرسة‏، ‏لكن‏ ‏ثمة‏ ‏جانب‏ ‏آخر‏ ‏يقول‏: “جه‏ ‏أستاذ‏ ‏الحصة‏ ‏الخامسة أستاذ‏ ‏هندسة‏ ‏و‏حساب‏، ‏قاللى ‏اضرب‏ ‏لى ‏ستة‏ ‏ف‏ ‏خمسة‏ ‏ولا‏ ‏اتفضل‏ ‏بره‏ ‏الباب‏”

ثم‏ ‏تكمل‏ ‏الأغنية‏ ‏بسخرية‏ ‏لطيفة‏ ‏تقول‏ ‏

قلت‏ ‏يابيه‏ ‏أضرب‏ ‏مين‏ ‏فيهم‏ ‏دول‏ ‏تلاتين‏ ‏ماقدرش ‏عليهم‏..‏إلخ

وأنا‏ ‏مازلت‏ ‏أذكر‏ ‏هذه‏ ‏الأغنية، ‏التى ‏أعتقد‏ ‏أن‏ ‏ثمة‏ ‏أغنية‏ ‏مماثلة‏ ‏لشادية‏ ‏وفاتن‏ ‏حمامة‏.‏

كذلك‏ ‏أذكر‏ ‏السماح‏ ‏لنا‏ ‏بلعن‏ ‏يوم‏ ‏السبت‏ “..‏يا برميل‏ ‏النفط‏ ‏يا‏ ‏يوم‏ ‏السبت‏ ‏على ‏الصبيان‏”

كما‏ ‏أذكر‏ ‏أغانى ‏أولادى ‏الفرنسية‏ ‏وهم‏ ‏يستقبلون‏ ‏الأجازة‏ ‏ويودعون‏ ‏أيام‏ ‏الدراسة‏ ‏هاتفين‏ ‏أنه‏ “تحيا‏ ‏الأجازة‏، ‏وسنلقى ‏بالكرايس‏ ‏فى ‏النار‏ ‏والكتب‏ ‏وسط‏ ‏الراكية‏”…‏ وكل‏ ‏هذا‏ ‏تعبير‏ ‏جيد‏ ‏عن‏ ‏جذور‏ ‏رفض‏ ‏قيود‏ ‏المدرسة‏ ‏وبعض‏ ‏الخوف‏ ‏منها‏. ‏إذن‏ ‏فالخوف‏ ‏من‏ ‏المدرسة‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏رفض‏ ‏الدراسة‏ ‏وإنما‏ ‏يعنى ‏جدية‏ ‏العلاقة والخوف‏ ‏من‏ ‏المدرس‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏كره‏ ‏المدرس‏ ‏وإنما‏ ‏يعنى ‏عمل‏ ‏حسابه

(‏ثم‏ ‏وجدت‏ ‏الرد‏ ‏الأول‏ ‏فتوقفت‏ ‏عن‏ ‏الإجابة‏ ‏الثانية)‏.‏

الرد‏ ‏الأول‏ (‏الذى ‏كان‏ ‏مفقودا‏)‏.

‏- ‏والتخويف‏ ‏من‏ ‏حجره‏ ‏الفئران؟

هذا‏ ‏أمر‏ ‏سئ ‏من‏ ‏حيث‏ ‏المبدأ‏، ‏أولا‏ ‏لأنه‏ ‏كذب‏، ‏ثانيا‏ ‏لأن‏ ‏الطفل‏ ‏لا‏ ‏يخاف‏ ‏الفأر‏ ‏وإنما‏ ‏الكبير‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏يخاف‏ ‏الفأر‏، ‏وفأر‏ ‏الميكى ‏ماوس‏ ‏مثلا‏ ‏هو‏ ‏فأر‏ ‏ذكى ‏ظريف‏ ‏وصديق‏ ‏لكل‏ ‏الأطفال‏، ‏فلماذا‏ ‏هذا‏ ‏التشوية‏ ‏المعمد‏ ‏والكذب‏ ‏غير‏ ‏الذكى؟

‏ – ‏الحكايات‏ ‏الخرافيه‏ ‏والعفاريت‏ ‏واثرها‏ ‏على ‏نفسية‏ ‏الطفل‏ ‏وخوفه؟

أعتقد‏ ‏أن‏ ‏القصص‏ ‏الخرافية‏ ‏والمخيفة‏ ‏ليست‏ ‏دائما‏ ‏ضارة‏، ‏لأنها‏ ‏قد‏ ‏تعتبر‏ ‏مسقطا‏ ‏لمخاوف‏ ‏الأطفال‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏إنكار‏ ‏حق‏ ‏الخوف‏ ‏عليهم‏ ‏على ‏طول‏ ‏الخط‏.‏ وأبو‏ ‏رجل‏ ‏مسلوخة‏، ‏وأبو‏ ‏عباية‏ ‏سودة‏، ‏والنداهة‏ ‏كلها‏ ‏كائنات‏ ‏حقيقية‏ ‏تكمن‏ ‏فى ‏داخل‏ ‏الشعور‏ ‏الجمعي‏، ‏وبالتالى ‏هى ‏موجودة‏ ‏داخل‏ ‏الأطفال‏، ‏فإذا‏ ‏حكينا‏ ‏لهم‏ ‏حكايات‏ ‏أسقطوا‏ ‏عليها‏ ‏ما‏ ‏بداخلهم‏ ‏فإنها‏ ‏تصبح‏ ‏أقرب‏ ‏إلى ‏التناول‏ ‏والسيطرة‏ ‏عن‏ ‏أن‏ ‏نحكى ‏لهم‏ ‏حكايات‏ ‏مسطحة‏ ‏تدعى ‏البراءة‏ ‏وتسطح‏ ‏عقولهم‏، ‏وبألفاظ‏ ‏أخرى ‏فالمطلوب‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏نحترم‏ ‏حق‏ ‏الخوف‏ ‏ومحتوى ‏اللاشعور‏ ‏عند‏ ‏الطفل‏، ‏ثم‏ ‏نسمح‏ ‏له‏ ‏بالتعبير‏ ‏أو‏ ‏بالإسقاط‏ ‏على ‏ما‏ ‏يشبهه‏ ‏من‏ ‏خيال‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏ما‏ ‏يسمى ‏خرافة‏، ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏ننتصر‏ ‏عليه‏ ‏ونستوعبه‏، ‏وهذا‏ ‏يتيح‏ ‏النمو‏ ‏طبيعيا‏ ‏كما‏ ‏خلقنا‏ ‏الله‏، ‏لا‏ ‏زائفا‏ ‏كما‏ ‏نتصور‏ ‏طبيعتنا.

‏- ‏تفسير‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏لاشئ ‏وتخيل‏ ‏أشياء‏ ‏غير‏ ‏موجودة؟

سأقسم‏ ‏الإجابة‏ ‏إلى ‏جزئين‏ “الخوف‏ ‏من‏ ‏لاشئ” ‏أولا، ‏وهو‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏أحيانا‏ ‏فى ‏الطب‏ ‏النفسى” ‏القلق‏”..‏وهو‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏المبهم‏ ‏من‏ ‏المجهول‏، ‏وهذا‏ ‏النوع‏ ‏إما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالمستقبل‏، ‏ولا‏ ‏شك‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏واحد‏ ‏فينا‏ ‏كبيرا‏ ‏وصغيرا‏ ‏يخاف‏ ‏المستقبل‏، ‏الذى ‏هو‏ ‏مجهول‏ ‏بالضرورة‏، ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏شئ‏ ‏هو‏ ‏خوف‏ ‏من‏ ‏ما‏ ‏نحمله‏ ‏داخل‏ ‏أنفسنا‏ ‏ولا‏ ‏نعرف‏ ‏عنه‏ ‏شيئا‏، ‏أو‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏اللاشعور‏، ‏وبالتالى ‏فإن‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏شئ غير‏ ‏موجود‏، ‏والتعبير‏ ‏الأدق‏ ‏هو‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏شئ ‏لا‏ ‏نعلمه‏، ‏ولا‏ ‏نعرف‏ ‏معالمه‏ ‏رغم‏ ‏يقين‏ ‏ما‏ ‏بوجوده‏.‏

والجزء‏ ‏الثانى ‏هو‏ ‏ما‏ ‏يترتب‏ ‏على ‏هذا‏ ‏التجهيل‏ ‏من‏ ‏تجسيد‏ ‏إسقاطى ‏لمسألة‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏المجهول، ‏فنحن‏ ‏ننسج‏ ‏من‏ ‏خيالنا‏ ‏ما‏ ‏يخيف‏ ‏لأنه‏ ‏أهون‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏نخاف‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏شئ، ‏وكما‏ ‏يقول‏ ‏المثل‏ ‏إللى ‏تعرفه‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏اللى ‏ما‏ ‏تعرفوش‏، ‏فإننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نقول‏ ‏إن‏ ‏الذى ‏تحسده‏ ‏وتخاف‏ ‏منه‏ ‏أحسن‏ ‏من‏ ‏الذى ‏تخاف‏ ‏منه‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تتبين‏ ‏معالمه‏، ‏وهذا‏ ‏بعض‏ ‏تفسير‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏الهلوسة‏، ‏وهى ‏تجسيد‏ ‏مخاوف‏ ‏لا‏ ‏وجود‏ ‏لها‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏أشكال‏ ‏تدرك‏ ‏بالحواس‏، ‏وهذا‏ ‏قريب‏ ‏بعض‏ ‏الشئ ‏من‏ ‏المثل‏ ‏الآخر‏ ‏الذى ‏يقول‏: ‏اللى ‏يخاف‏ ‏من‏ ‏العفريت‏ ‏يطلع‏ ‏له‏. ‏

****

الحالة‏ ‏النفسية‏ ‏للطفل‏ ‏المعوق

– ان‏ ‏الحديث‏ ‏عن‏ ‏المشاكل‏ ‏النفسية‏ ‏للطفل‏ ‏المعوق‏ (‏حركيا‏) ‏هو‏ ‏حديث‏ ‏محدود‏ ‏بطبيعة‏ ‏الندوة‏، ‏وطبيعة‏ ‏الدعوة‏، ‏والحق‏ ‏أقول‏ ‏أنى ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الندوات‏ ‏العلمية‏ ‏والاجتماعية‏ ‏أخشى ‏أن‏ ‏يقتصر‏ ‏حديثنا‏ ‏على ‏التذكير‏ ‏بما‏ ‏نذكر‏، ‏أو‏ ‏على ‏النقيض‏ ‏من‏ ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏ندخل‏ ‏فى ‏تفاصيل‏ ‏علمية‏ ‏شديدة‏ ‏التخصص‏، ‏ورغم‏ ‏أن‏ ‏كل‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏وذاك‏ ‏مطلوب‏ ‏ومفيد‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏ضبط‏ ‏الجرعة‏ ‏لازم‏ ‏وصعب‏ ‏فى ‏آن‏، ‏وبداية‏ ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏أحدد‏ ‏الموضع‏ ‏الذى ‏أتحدث‏ ‏منه‏، ‏اذ‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏سأقدمه‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏معلومات‏ ‏انطباعية‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ممارستى ‏الكلينيكية‏ ‏فلا‏ ‏هو‏ ‏بحث‏ ‏علمى‏، ‏ولا‏ ‏هى ‏نتائج‏ ‏احصائية‏، ‏على ‏قدر‏ ‏ما‏ ‏هى ‏فروض‏ ‏اجتهادية‏ ‏فهى ‏تقبل‏ ‏الخطأ‏ ‏والصواب‏ ‏بالضرورة‏.‏

وسوف‏ ‏يتناول‏ ‏حديثى ‏ثلاثة‏ ‏عناصر‏:

أولا‏: ‏معنى ‏الاعاقة‏ ‏ومعنى ‏الحركة‏، ‏

ثانيا‏: ‏تصحيح‏ ‏بعض‏ ‏المفاهيم‏ ‏الشائعة‏ ‏حول‏ ‏مشاكل‏ ‏المعوقين‏ ‏من‏ ‏الناحية‏ ‏النفسية‏، ‏

ثالثا‏: ‏مالا‏ ‏ينبغي‏، ‏وما‏ ‏ينبغى ‏من‏ ‏المجتمع‏، ‏بمختلف‏ ‏خلقاته‏ ‏تجاه‏ ‏هؤلاء‏ ‏المعوقين‏.‏

أولا‏: ‏معنى ‏الاعاقة‏ ‏ومعنى ‏الحركة‏:‏

1– ‏معنى ‏الاعاقة‏: ان‏ ‏الاعاقة‏ ‏بمعناها‏ ‏الأشمل‏ ‏هى ‏الحيلولة‏ ‏دون‏ ‏اطلاق‏ ‏قدرات‏ ‏الانسان‏ ‏اما‏ ‏لنقص‏ ‏أصاب‏ ‏هذه‏ ‏القدرات‏، ‏أو‏ ‏للعجز‏ ‏عن‏ ‏تنميتها‏ ‏إلى ‏المدى ‏المناسب‏، ‏أو‏ ‏للافتقار‏ ‏إلى ‏مجال‏ ‏عملها‏ ‏بالدرجة‏ ‏الكافية‏، ‏فاذا‏ ‏طبقنا‏ ‏هذا‏ ‏المفهوم‏ ‏الشامل‏ ‏على ‏قدرات‏ ‏الانسان‏ ‏المعاصر‏ ‏لوجدنا‏ ‏ان‏ ‏الاعاقة‏ ‏البشرية‏ ‏عامة‏ ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏تصور‏، ‏فالمخ‏ ‏البشرى ‏مثلا‏ ‏لا‏ ‏يعمل‏ ‏منه‏ ‏سوى ‏عشرة‏ ‏بالمائة‏ ‏من‏ ‏حجم‏ ‏المستتبات‏ ‏العصبية‏ ‏فى ‏آن‏، ‏وهو‏ ‏قادر‏ ‏أن‏ ‏يضاعف‏ ‏هذه‏ ‏النسبة‏ ‏أضعافا‏ ‏كثيرة‏ ‏فى ‏مجالات‏ ‏الابداع‏ ‏والخلق‏… ‏فمجالنا‏ ‏هذا‏ ‏المحدود‏ (‏الطفل‏ ‏المعاق‏ ‏حركيا‏) ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يكون‏ ‏تذكرة‏ ‏بمجالات‏ ‏أخرى ‏للاعاقة‏ ‏أخطر‏ ‏وأخفى‏.‏

2- ‏معنى ‏الحركة‏: فاذا‏ ‏انتقلنا‏ ‏إلى ‏معنى ‏الحركة‏، ‏فلابد‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أننا‏ ‏نركز‏ ‏هنا‏ ‏على ‏الحركة‏ ‏العضلية‏ ‏المرتبطة‏ ‏بتطور‏ ‏قدرة‏ ‏الانسان‏ (‏الطفل‏) ‏فى ‏اكتسابه‏ ‏الوضع‏ ‏واقفا‏ (‏على ‏قدميه‏) ‏ثم‏ ‏المهارة‏ ‏اليدوية‏ ‏والاصبعية‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏، ‏فالحركة‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏هى ‏وسيلة‏ ‏لاخراج‏ ‏الطاقة‏ ‏وتنمية‏ ‏القدرة‏ ‏وممارسة‏ ‏الارادة‏ ‏وتوسيع‏ ‏المجالات‏، ‏فاذا‏ ‏ما‏ ‏حرم‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏فانه‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏يتحور‏ ‏ليحقق‏ ‏حركة‏ ‏أخرى ‏من‏ ‏خلال‏ ‏قدرته‏ ‏التعويضية‏ ‏الرائعة‏ ‏وذلك‏ ‏فى ‏مجالى ‏الفكر‏ ‏والخيال‏ ‏بخاصة‏، ‏وهنا‏ ‏ينتقل‏ ‏معنى ‏الحركة‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏تفيده‏ ‏الحركة‏ ‏العقلية‏ ‏بمعنى ‏اطلاق‏ ‏القدرات‏ ‏الذهنية‏ ‏فى ‏مجالى ‏الخيال‏ ‏والابداع‏ ‏بالذات‏.‏

ونخلص‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏مفهوم‏ ‏الحركة‏ ‏بمعنى ‏التغيير‏ ‏والتجديد‏ ‏والابداع‏ ‏هو‏ ‏المفهوم‏ ‏اللائق‏ ‏بوعى ‏الانسان‏ ‏المعاصر‏، ‏فالقرد‏ ‏والغزال‏ ‏أقدر‏ ‏على ‏الحركة‏ ‏من‏ ‏الانسان‏، ‏وعلى ‏ذلك‏ ‏فان‏ ‏فخر‏ ‏الانسان‏ ‏الأسمى ‏هو‏ ‏بحركة‏ ‏عقله‏ ‏واتساع‏ ‏مجال‏ ‏وعيه‏، ‏وخاصة‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏سيطر‏ ‏على ‏وسائل‏ ‏حركته‏ ‏بتوفقه‏ ‏التكنولوجى ‏عابر‏ ‏القارات‏ ‏با‏عابر‏ ‏السماوات‏.‏

فاذا‏ ‏ما‏ ‏اتسع‏ ‏معنى ‏الحركة‏ ‏فى ‏وعينا‏ ‏هذا‏ ‏الاتساع‏، ‏فان‏ ‏بكاءنا‏ ‏على ‏العجز‏ ‏العضلى ‏لابد‏ ‏وأن‏ ‏يتضاءل‏ ‏مع‏ ‏النظر‏ ‏إلى ‏المفهوم‏ ‏الأوسع‏ ‏للحركة‏ ‏التطورية‏ ‏والحركة‏ ‏العقلية‏ ‏والحركة‏ ‏الابداعية‏.‏

ثانيا‏: ‏تصحيح‏ ‏بعض‏ ‏المفاهيم‏ ‏الشائعة‏ ‏حول‏ ‏الأطفال‏ ‏المعوقين‏:‏

‏1- ‏ان‏ ‏كثيرا‏ ‏مما‏ ‏يسمى ‏مشاكل‏ ‏الطفل‏ ‏المعوق‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏خيالنا‏ ‏أو‏ ‏اسقاطتنا‏، ‏وهذا‏ ‏بدوره‏ ‏نابع‏ ‏من‏ ‏جهلنا‏ ‏أو‏ ‏حيلنا‏ ‏النفسية‏ (‏ميكانزماتنا‏)، ‏حيث‏ ‏أننا‏ ‏نتصور‏ ‏هذه‏ ‏المشاكل‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏نختبرها‏، ‏ونسقطها‏ ‏عليه‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏نستقبلها‏ ‏منه‏، ‏فالطفل‏ ‏بقدرته‏ ‏التكيفيه‏ ‏الطبيعية‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ينسى ‏اعاقته‏ ‏ويتخطاها‏، ‏ونحن‏ ‏نذكره‏ ‏بها‏ ‏ونعوقه‏ ‏بها‏ ‏إما‏ ‏من‏ ‏فرط‏ ‏حنو‏ ‏غير‏ ‏ضرورى‏، ‏أو‏ ‏فرط‏ ‏إهمال‏ ‏غير‏ ‏انساني

‏2- ‏إن‏ ‏نسبة‏ ‏المضاعفات‏ ‏النفسية‏ ‏لا‏ ‏تتناسب‏ ‏بالضرورة‏ ‏مع‏ ‏نسبة‏ ‏الاعاقة‏ ‏الجسدية‏، ‏بل‏ ‏لعل‏ ‏العكس‏ ‏هو‏ ‏الصحيح‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏الحالات‏، ‏أى ‏أنه‏ ‏قد‏ ‏يوجد‏ ‏هناك‏ ‏تناسب‏ ‏عكسى ‏بين‏ ‏نسبة‏ ‏الاعاقة‏ ‏وبين‏ ‏مضاعفاتها‏ ‏النفسية‏ ‏وأقسى ‏أنواع‏ ‏الاضطرابات‏ ‏النفسية‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏القلق‏ ‏التشككي‏، ‏أوهام‏ ‏الإشارة‏ ‏ينتج‏ ‏من‏ ‏الاصابات‏ ‏الطفيفة‏ ‏والعجز‏ ‏الذى ‏لا‏ ‏يعرفه‏ ‏الا‏ ‏صاحبه‏، ‏وهو‏ ‏إذ‏ ‏يحاول‏ ‏إخفاءها‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ ‏مركزا‏ ‏عليها‏ ‏وعى ‏اختبار‏ ‏ما‏ ‏اذا‏ ‏كان‏ ‏الغير‏ ‏قد‏ ‏عرفها‏ ‏من‏ ‏عدمه‏، ‏وبالتالى ‏يركز‏ ‏على ‏ذاته‏ ‏وعلى ‏استقبال‏ ‏الآخرين‏ ‏له‏، ‏اى‏ ‏بفعل‏ ‏ذلك‏ ‏يحدث‏ ‏الاضطراب‏ ‏النفسى ‏سالف‏ ‏الذكر‏.‏

ومن‏ ‏هنا‏ ‏تأتى ‏التوصية‏ ‏بالوقاية‏ ‏النفسية‏ ‏بالاهتمام‏ ‏بهذه‏ ‏الاصابات‏ ‏الطفيفة‏ ‏أكثر‏ ‏فأكثر‏ ‏توقيا‏ ‏لهذه‏ ‏المضاعفات‏ ‏النفسية‏.‏

‏3- ‏ان‏ ‏صورة‏ ‏الجسم‏ ‏وتكوين‏ ‏الذات‏ ‏الجسمية‏ ‏تتعرضان‏ ‏لاهتزازات‏ ‏عند‏ ‏الطفل‏ ‏المعوق‏، ‏وخاصة‏ ‏فى ‏سن‏ ‏مبكرة‏ ‏مما‏ ‏يتطلب‏ ‏نموا‏ ‏تعويضيا‏ ‏للذات‏ ‏النفسية‏، ‏وهنا‏ ‏تنقلب‏ ‏الصورة‏ ‏عند‏ ‏المعوق‏، ‏ففى ‏حين‏ ‏يكون‏ ‏الجسم‏ ‏إطارا‏ ‏للنفس‏ ‏فى ‏الانسان‏ ‏العادى ‏تكون‏ ‏النفس‏ ‏اطارا‏ ‏محتويا‏ ‏للجسم‏ ‏عند‏ ‏المعوق‏ ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يؤكد‏ ‏ضرورة‏ ‏اعتبارا‏ ‏خاص‏ ‏لنمو‏ ‏الذات‏ ‏النفسية‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏تنمية‏ ‏العلاقة‏ ‏بالعالم‏ ‏الخارجي‏، ‏وبالواقع‏ ‏الآخر‏.‏

‏4- ‏ان‏ ‏مشاكل‏ ‏الطفل‏ ‏المعوق‏ ‏فى ‏التعليم‏ ‏والبيت‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تحصى ‏فى ‏هذه‏ ‏العجالة‏، ‏ولكن‏ ‏ينبغى ‏ألا‏ ‏نبالغ‏ ‏فى ‏تصور‏ ‏شعوره‏ ‏بالنقص‏ ‏وحاجته‏ ‏إلى ‏الاعتبار‏ ‏الخاص‏ -‏ كما‏ ‏سيلى – قد‏ ‏يعجزه‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏عجزه‏، ‏فاحترام‏ ‏عجزه‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يسير‏ ‏جنبًا‏ ‏إلى ‏جنب‏ ‏مع‏ ‏احترام‏ ‏قدرته‏، ‏لا‏ ‏قدرتنا‏ ‏فقط‏، ‏على ‏الانتصار‏ ‏على ‏هذا‏ ‏العجز‏.‏

‏5- ‏لعل‏ ‏من‏ ‏أكبر‏ ‏مشاكل‏ ‏الطفل‏ ‏العاجز‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏تستعمله‏ ‏الأسرة‏ ‏مشجبا‏ ‏تعلق‏ ‏عليها‏ ‏فشلها‏ ‏وتعاستها‏ ‏فتعطى ‏كل‏ ‏فرص‏ ‏البهجة‏ ‏ومشاركة‏ ‏الحياة‏ ‏والاسهام‏ ‏فيها‏ ‏واثراءها‏ ‏تحت‏ ما ‏هو عنوان‏ ‏المبالغة‏ ‏الخاصة‏ ‏فى ‏الاعتبارات‏ ‏المتعلقة‏ ‏باحتياجات‏ ‏طفلها‏ ‏العاجز‏ ‏وظروفه‏.‏

ثالثا‏: ‏ما‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏وما‏ ‏ينبغى

ان‏ ‏حجم‏ ‏مشكلة‏ ‏الطفل‏ ‏العاجز‏ ‏تتوقف‏ ‏على ‏موقفنا‏ ‏منه‏، ‏وهذا‏ ‏يتطلب‏ ‏الانتباه‏ ‏إلى ‏محاذير‏ ‏قد‏ ‏تدفعنا‏ ‏إليها‏ ‏حسن‏ ‏النية‏، ‏أو‏ ‏تركيبنا‏ ‏النفسى ‏الخفي‏، ‏أو‏ ‏قله‏ ‏المعلومات‏ ‏المتاحة‏ ‏موضوعيا‏ ‏حول‏ ‏هذه‏ ‏القضية‏، ‏وسوف‏ ‏أبدأ‏ ‏بما‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏حتى ‏نستنتج‏ ‏تلقائيا‏ ‏ما‏ ‏ينبغى‏:‏

‏1- ‏لا‏ ‏ينبغى ‏فرط‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏الطفل‏ ‏المعاق‏ ‏فهو‏ ‏قادر‏ ‏على ‏أن‏ ‏ينسى ‏عجزه‏، ‏فلنساعده‏ ‏فى ‏ذلك‏، ‏لا‏ ‏بأن‏ ‏ننساه‏ ‏هو‏ ‏شخصيا‏، ‏ولكن‏ ‏بأن‏ ‏نتناول‏ ‏عجزه‏ ‏بحجمه‏، ‏فالطفل‏ ‏كيان‏ ‏بشرى ‏كامل‏ ‏يستعمل‏ ‏عضلاته‏ ‏وهو‏ ‏ليس‏ ‏دمية‏ ‏فقدت‏ “زنبركها‏” ‏مع‏ ‏التذكرة‏ ‏بأن‏ ‏فرط‏ ‏الاهتمام‏ ‏الدرامى ‏قد‏ ‏يحمل‏ ‏أحيانا‏ ‏من‏ ‏المعانى ‏ما‏ ‏سبق‏ ‏الاشاره‏ ‏إليه‏ ‏وهو‏ ‏احتمال‏ ‏استعماله‏ ‏كمشجب‏ ‏نعلق‏ ‏عليه‏ ‏فشلنا‏ ‏وتعاستنا‏ ‏وهروبنا‏ ‏من‏ ‏مواجهة‏ ‏الحياة‏ ‏والاسهام‏ ‏فيها‏، ‏كما‏ ‏لا‏ ‏ينبغى‏ ‏أن‏ ‏نسقط‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏داخلنا‏ ‏العاجز‏، ‏وكأنه‏ ‏رمز‏ ‏خارجى ‏لعجزنا‏ ‏نحن‏ ‏عن‏ ‏الابداع‏، ‏أو‏ ‏كأن‏ ‏شلله‏ ‏الحركى ‏هو‏ ‏المسقط‏ ‏لشللنا‏ ‏التطورى ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يعطله‏ ‏ويعطلنا‏ ‏فى ‏آن‏ ‏واحد‏.‏

‏2- ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نعزل‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏عن‏ ‏المجتمع‏ ‏تحت‏ ‏أى ‏دعوى ‏من‏ ‏الدعاوى ‏ما‏ ‏كان‏ ‏إلى ‏ذلك‏ ‏سبيل‏، ‏ولنثق‏ ‏فى ‏قدرته‏ ‏وقدرة‏ ‏المجتمع‏ ‏التلقائية‏ ‏على ‏هذا‏ ‏التعامل‏ ‏مع‏ ‏العجز‏ ‏وقبوله‏ ‏والتكيف‏ ‏له‏، ‏ولنتذكر‏ ‏أطفالا‏ ‏يلعبون‏ ‏الكرة‏ ‏الشراب‏ ‏مع‏ ‏أقرانهم‏، ‏يزحفون‏ ‏على ‏مقعدتهم‏ ‏يسحبون‏ ‏رجلهم‏ ‏وراءهم‏ ‏فى ‏نشاط‏ ‏رائع‏ ‏فى ‏الحارات‏ ‏والقري‏، ‏فيسمح‏ ‏لهم‏ ‏تلقائيا‏ ‏باللعب‏ ‏بأيديهم‏ ‏ضاربين‏ ‏عرض‏ ‏الحائط‏ ‏بانها‏ ‏كرة‏ ‏قدم‏ ‏لا‏ ‏يخاف‏ ‏زملاؤهم‏ ‏أن‏ ‏يدوسوهم‏، ‏ولا‏ ‏يخافون‏ ‏هم‏ ‏ان‏ ‏يداسوا‏، ‏وقد‏ ‏يكون‏ ‏هذا‏ ‏المنظر‏ ‏مؤلما‏ ‏لمن‏ ‏لم‏ ‏يتعود‏ ‏عليه‏، ‏الا‏ ‏أنه‏ ‏درس‏ ‏رائع‏ ‏لمن‏ ‏يريد‏ ‏أن‏ ‏يتأكد‏ ‏من‏ ‏قدرة‏ ‏الانسان‏ ‏وفهم‏ ‏الاقران‏ ‏ورحمة‏ ‏الطبيعة‏ ‏فى ‏آن‏، ‏والتأكيد‏ ‏على ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏لا‏ ‏ينبغى‏ ‏أن‏ ‏يهون‏ ‏من‏ ‏انجازات‏ ‏الاجهزة‏ ‏التكنولوجية‏، ‏ولكنه‏ ‏يؤكد‏ ‏ضرورة‏ ‏احترام‏ ‏الطبيعة‏ ‏البشرية‏ ‏والفطرية‏ ‏قبل‏ ‏وبعد‏ ‏الاجهزة‏.‏

‏3- ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نبالغ‏ ‏فى ‏الشفقة‏ ‏على ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏، ‏ولنتذكر‏ ‏ان‏ ‏معنى ‏الشفقة‏ ‏لغة‏ ‏هو‏ ‏الخوف‏، ‏وان‏ ‏معناها‏ ‏الشائع‏ ‏هو‏ “الصعبانية‏” ‏وهى ‏بالعينين‏ ‏شعور‏ ‏قاس‏ ‏متعال‏ ‏قبيح‏، ‏أما‏ ‏الشعور‏ ‏الأرقى ‏والأنسب‏ ‏فهو‏ ‏الرحمة‏ ‏التى ‏كتبها‏ ‏الله‏ ‏على ‏نفسه‏ ‏بمعنى ‏المشاركة‏ ‏والفهم‏ ‏والاحترام‏ ‏لما‏ ‏يشمل‏ ‏العدل‏ ‏والتعاطف‏ ‏المسئول‏ ‏والألم‏ ‏الداخلي‏، ‏وهذا‏ ‏يحتاج ‏إلى ‏درجة‏ ‏من‏ ‏النضج‏ ‏النفسى ‏والعطاء‏ ‏الصامت‏ ‏أكثر‏ ‏مما‏ ‏يحتاج‏ ‏للتوعية‏ ‏الذهنية‏ ‏والنصائح‏ ‏السطحية‏.‏

‏4- ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يلهينا‏ ‏شرف‏ ‏العناية‏ ‏بهذه‏ ‏المشاكل‏ ‏الهامة‏ ‏الظاهرة‏ ‏الخطيرة‏ ‏عن‏ ‏مشاكل‏ ‏الاعاقة‏ ‏الأخفى ‏والأخطر‏ ‏اذ‏ ‏يجدر‏ ‏بنا‏ ‏أن‏ ‏نتذكر‏ ‏أن‏ ‏الانسان‏ ‏المعاصر‏ ‏عامة‏ ‏هو‏ ‏معاق‏ ‏بالضرورة‏، ‏اذ‏ ‏هو‏ ‏لا‏ ‏يستعمل‏ ‏قدراته‏ ‏التى ‏خلقها‏ ‏الله‏ ‏له ‏بالقدر‏ ‏المناسب‏ ‏لامكانياته‏ ‏أو‏ ‏لاحتياجاته‏ ‏و‏‏احتياجات‏ ‏مجتمعه‏ ‏وبنى ‏جنسه‏، ‏فتعاطفنا‏ ‏مع‏ ‏الطفل‏ ‏المعاق‏ ‏يكون‏ ‏لائقا‏ ‏ومناسبا‏ ‏ومفيدا‏ ‏اذا‏ ‏تذكرنا‏ ‏اعاقتنا‏ ‏فى ‏مجالات‏ ‏أهم‏، ‏وأننا‏ ‏كلنا‏ ‏فى ‏الهم‏ ‏شرق‏، ‏ومع‏ ‏اختلاف‏ ‏مجالات‏ ‏الاعاقة‏.‏

وبعـد

فاذا‏ ‏كان‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏ينبغى ‏فاننا‏ ‏نستطيع‏ ‏استنتاج‏ ‏ما‏ ‏ينبغى ‏تلقائيا‏، ‏فأوجز‏ ‏هذه‏ ‏التوصيات‏ ‏فى ‏خطوط‏ ‏عريضة‏ ‏محدودة‏:‏

‏1- ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نعامل‏ ‏المعوق‏ – ‏فى ‏داخلنا‏ ‏قبل‏ ‏ظاهر‏ ‏سلوكنا‏ – ‏باعتباره‏ ‏انسانا‏ ‏عاديا‏ ‏تماما‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏حسابات‏ ‏أخرى ‏فى ‏التعامل‏ ‏والفرص‏ ‏المتاحة‏ ‏لا‏ ‏أكثر‏ ‏ولا‏ ‏أقل‏ ‏بلا‏ ‏شفقة‏ ‏رخوة‏ ‏أو‏ ‏استعلاء‏ ‏دعى‏.‏

‏2-‏ ينبغى ‏أن‏ ‏تتاح‏ ‏الفرص‏ ‏الدراسية‏ ‏والثقافية‏ ‏للطفل‏ ‏المعوق‏ ‏بجرعة‏ ‏أكبر‏ ‏وأكثر‏ ‏تركيزا‏ ‏وتنوعا‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏العادى ‏وذلك‏ ‏لاتاحة‏ ‏مجال‏ ‏للحركة‏ ‏التطورية‏ ‏الفكرية‏ ‏والابداعية‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏الحركة‏ ‏الفيزيائية‏ ‏العضلية‏ ‏المفصلية‏.‏

‏3- ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تجد‏ ‏الأسرة‏ – ‏من‏ ‏خلال‏ ‏اسهام‏ ‏المجتمع‏ – ‏طريقا‏ ‏آخر‏ ‏لحل‏ ‏مشاكلها‏ ‏بعيدا‏ ‏عن‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏اعاقة‏ ‏الطفل‏، ‏فتكون‏ ‏العناية‏ ‏بالصحة‏ ‏النفسية‏ ‏لكل‏ ‏أفراد‏ ‏الأسرة‏ ‏هى ‏السبيل‏ ‏لاطلاق‏ ‏سراح‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏سجن‏ ‏شفقتهم‏ ‏وتركيزهم‏، ‏مع‏ ‏التحذير‏ ‏من‏ ‏الجانب‏ ‏الآخر‏ ‏من‏ ‏حركة‏ ‏البندول‏ ‏أى ‏من‏ ‏فرط‏ ‏الاهمال‏ ‏تجنبا‏ ‏للمشاركة‏ ‏فى ‏الألم‏.‏

‏4- ‏ينصح‏ ‏بأن‏ ‏يدخل‏ ‏المعوق‏ ‏المدارس‏ ‏العادية‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏مع‏ ‏العناية‏ ‏بترشيد‏ ‏زملائه‏ ‏بطريق‏ ‏غير‏ ‏مباشر‏ ‏بحجم‏ ‏الاعاقة‏ ‏ومعناها‏ ‏وتنمية‏ ‏المشاعر‏ ‏الانسانية‏ ‏التراحمية‏ ‏الواجبة‏، ‏والعناية‏ ‏باختبار‏ ‏المدرسين‏ ‏على ‏درجة‏ ‏مناسبة‏ ‏من‏ ‏النضج‏ ‏والوعى.

‏5- ‏ممكن‏ ‏أن‏ ‏تخصص‏ ‏برامج‏ ‏تعليمية‏ ‏كاملة‏ ‏ومنظمة‏ ‏فى ‏وسائل‏ ‏الاعلام‏ ‏المرئية‏ ‏والمسموعة‏ ‏للفئة‏ ‏التى ‏لا‏ ‏تستطيع‏ ‏الذهاب‏ ‏أصلا‏ ‏إلى ‏المدرسة‏ ‏وربما‏ ‏عمت‏ ‏الفائدة‏ ‏لدارسى ‏المنازل‏ ‏جميعا‏.‏

‏6- ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تتاح‏ ‏فرص‏ ‏أكبر‏ ‏ومخفضة‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏، ‏للمعوقين‏ ‏وأسرهم‏ ‏للحصول‏ ‏على ‏الكتب‏ ‏والأدوات‏ ‏الفنية‏ (‏اعارة‏ ‏أو‏ ‏اقتناء‏ ‏بشكل‏ ‏سهل‏ ‏ومجانى ‏أو‏ ‏بثمن‏ ‏رمزى‏)‏

‏7- ‏يمكن‏ ‏التوصية‏ ‏بأن‏ ‏تتاح‏ ‏فرصة‏ ‏أكبر‏ ‏لا‏ ‏سر‏ ‏المعوقين‏ ‏للحصول‏ ‏على ‏مسكن‏ ‏أرحب‏ ‏وتسهيلات‏ ‏مهنيه‏ ‏خاصة‏ ‏لاتاحة‏ ‏الفرصة‏ ‏المكانية‏ ‏والوقتية‏ ‏للعناية‏ ‏المناسبة‏ ‏للطفل‏ ‏المعوق‏، ‏على ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يعنى ‏تمييزا‏ ‏خاصا‏ ‏وانما‏ ‏يعنى ‏تعويضا‏ ‏واجبا‏.‏

وأخيرا

فأنى ‏اختم‏ ‏حديثى ‏بالتذكرة‏ ‏بأن‏ ‏هذه‏ ‏الرؤية‏ ‏المحدودة‏ ‏تأتى ‏بالضرورة‏ ‏بعد‏ ‏الاهتمام‏ ‏الأول‏، ‏بل‏ ‏والمطلق‏، ‏بالهجوم‏ ‏على ‏السب‏ ‏أساسا‏، ‏بالعناية‏ ‏بالوقاية‏ ‏حتى ‏تختفى ‏هذه‏ ‏الجريمة‏ – ‏شلل‏ ‏الأطفال‏ – ‏مثلما‏ ‏اختفى ‏الجدرى‏، ‏وانها‏ ‏ليس‏ ‏بديلا‏ ‏عن‏ ‏استعمال‏ ‏كل‏ ‏المتاح‏ ‏من‏ ‏جراحة‏ ‏أو‏ ‏أجهزة‏ ‏بالشكل‏ ‏المناسب‏، ‏على ‏يعفينا‏ ‏استعمال‏ ‏الجهاز‏ ‏عن‏ ‏الاهتمام‏ ‏بصاحب‏ ‏الجهاز‏ ‏فالطفل‏ “لابس‏ ‏الجهاز‏” ‏أولى ‏بالعناية‏ ‏النفسية‏ ‏وأقدر‏ ‏على ‏الافادة‏ ‏منها‏.‏

كذلك‏ ‏فانى ‏أدعو‏ ‏الله‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏دلالة‏ ‏الاهتمام‏ ‏المفرط‏ ‏بالأطفال‏ ‏المعوقين‏ ‏هو‏ ‏علامة‏ ‏صحية‏ ‏تدل‏ ‏على ‏درجة‏ ‏يقظة‏ ‏المجتمع‏ ‏ومسئوليته‏ ‏بما‏ ‏يشمل‏ ‏ضمنا‏ ‏العناية‏ ‏بغير‏ ‏المعوقين‏ ‏ظاهرا‏، ‏فالمجتمع‏ ‏الصحيح‏ ‏والصحى = ‏كما‏ ‏نأمل‏ ‏لمجتمعنا‏ – ‏هو‏ ‏المجتمع‏ ‏الذى ‏يتيح‏ ‏أكبر‏ ‏الفرص‏ ‏لقدرات‏ ‏أفراده‏ ‏فى ‏السواء‏ ‏والمرض‏، ‏فى ‏العجز‏ ‏والحركة.

وفقنا‏ ‏الله‏ ‏إلى ‏عمل‏ ‏الخير‏ ‏وخير‏ ‏العمل

****

الأم‏ ‏وغريزة‏ ‏الأمومة

– ما‏ ‏هى ‏الطبيعة‏ ‏النفسية‏ ‏لعلاقة‏ ‏الأم‏ ‏بطفلها‏ ‏حديث‏ ‏الولادة‏ (‏الرضيع‏)‏؟

هذه‏ ‏علاقة‏ ‏شديدة‏ ‏الحساسية‏ ‏متعددة‏ ‏الجوانب‏،‏بقدر‏ ‏ما‏ ‏تفرح‏ ‏الأم‏ ‏بأنها‏ ‏أصبحت‏ ‏أما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يهتز‏ ‏توازنها‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏مستعدة‏ ‏لهذا‏ ‏الدور‏ ‏الجديد‏، ‏أو‏ ‏لهذا‏ ‏الانفصال‏ ‏الجسدى ‏القوى ‏الواضح‏.‏

فالأم‏ ‏تحتوى ‏طفلها‏ ‏تسعة‏ ‏أشهر‏ ‏وتضع‏ ‏عليه‏ ‏الآمال‏ ‏والتصورات‏ ‏التى ‏قد‏ ‏تفتقدها‏ ‏عقب‏ ‏الولادة ثم‏ ‏إن‏ ‏الولادة‏ ‏النفسية‏ (‏انفصال‏ ‏ذات‏ ‏الطفل‏ ‏عن‏ ‏ذات‏ ‏الأم‏) ‏تتأخر‏ ‏عن‏ ‏الولادة‏ ‏الطبيعية‏ ‏لمدة‏ ‏طويلة‏ (‏قد‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏سنوات‏ ‏فى ‏الحالات‏ ‏غير‏ ‏الطبيعية‏)‏ كذلك‏ ‏فإن‏ ‏الأم‏ ‏المعرضة‏ ‏للإصابة‏ ‏بأمراض‏ ‏نفسية‏ ‏شديدة‏ ‏أو‏ ‏أمراض‏ ‏عقلية‏ ‏قد‏ ‏تعجز‏ ‏عن‏ ‏أن‏ ‏تفصل‏ ‏بين‏ ‏الذات‏ ‏الطفلية‏ ‏بداخلها‏ ‏فى ‏اللاشعور‏ ‏وبين‏ ‏طفلها‏ ‏الوليد؟

– ولكن‏ ‏ما‏ ‏معنى ‏الذات‏ ‏الطفلية‏ ‏بداخل‏ ‏الأم؟

كل‏ ‏إنسان‏ ‏يحمل‏ ‏فى ‏داخله‏ ‏طفلا‏ ‏ورضيعا‏ ‏وكهلا‏ ‏وغير‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏ذوات‏ ‏متعددة‏، ‏فالتركيب‏ ‏البشرى ‏لم‏ ‏يعد‏ ‏يصور‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏الشعور‏ ‏واللاشعور‏، ‏وإنما‏ ‏المفهوم الأحدث‏ ‏يعلن‏ ‏أن‏ ‏الإنسان‏ ‏مكون‏ ‏من‏ ‏ذوات‏ ‏متداخله ‏من‏ ‏أهمها‏ ‏الذات‏ ‏الطفلية‏ ‏فى ‏داخل‏ ‏الأم‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏.‏ والأم‏ ‏قد‏ ‏يختلط‏ ‏عليها‏ ‏الأمر‏ – ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تدرى‏- ‏قتستقبل‏ ‏طفلها‏ ‏الوليد‏ ‏أنه‏ ‏طفلها‏ ‏الداخلى، ‏فتنزعج‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الانفصال‏ ‏وكأنها‏ ‏انشقت‏ ‏هى ‏نفسها‏ ‏إلى ‏أجزاء‏ ‏متعددة‏ ‏بما‏ ‏يخل‏ ‏توازنها‏ ‏فتنشأ‏ ‏المضاعفات‏ ‏النفسية.

– معنى ‏هذا‏ ‏أن‏ ‏الولادة‏ ‏مأزق‏ ‏حقيقى؟

طبعا‏، ‏لكنه‏ ‏مأزق‏ ‏يعلن‏ ‏أن‏ ‏الأمهات‏ ‏انفصلن‏ ‏عن‏ ‏الطبيعة‏ ‏الفطرية‏ ‏السليمة‏، ‏لأن‏ ‏الأم‏ ‏المتصالحة‏ ‏مع‏ ‏نفسها‏ ‏لا‏ ‏تعانى ‏من‏ ‏أى ‏من‏ ‏هذا‏، ‏حتى ‏لو‏ ‏أسقطت‏ ‏طفلها‏ ‏الداخلى ‏على ‏رضيعها.

– فماذا‏ ‏عن‏ ‏الاكتئاب‏ ‏الذى ‏يصيب‏ ‏الأم‏ ‏عقب‏ ‏الولادة؟

يوجد‏ ‏فعلا‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏بكآبة‏ ‏النفاس‏، ‏وهذه‏ ‏حالة‏ ‏من‏ ‏الضيق‏ ‏تصيب‏ 40 % ‏من‏ ‏الأمهات‏ ‏وأسبابها‏ ‏متعددة‏ ‏وهى ‏تزول‏ ‏بسرعة‏ ‏وبتلقائية‏ ‏دون‏ ‏علاج‏ ‏خلال‏ ‏أسابيع‏ ‏قليلة‏، ‏لكن‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏الحالات‏ ‏يصل‏ ‏الأمر‏ ‏إلى ‏مرحلة‏ ‏ذهان‏ ‏النفاس‏ ‏وهذه‏ ‏مرحلة‏ ‏خطرة‏ ‏على ‏الأم‏ ‏وعلى ‏الطفل‏ ‏على ‏حد‏ ‏سواء ‏وهناك‏ ‏أمهات‏ ‏يقتلن‏ ‏أطفالهن‏ ‏عقب‏ ‏الولادة هذه‏ ‏حقيقة‏ ‏مؤلمة‏، ‏وهى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الانتحار‏ ‏بالمعنى ‏الذى ‏أشرت‏ ‏إليه‏ ‏حالا‏، ‏فالأم‏ ‏تقتل‏ ‏نفسها‏ ‏المتمثلة‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏طفلها‏ ‏فى ‏حالات‏ ‏اكتئاب‏ ‏النفاس‏ ‏الشديدة‏، ‏وهناك‏ ‏أمهات‏ ‏أقل‏ ‏مرضا‏ ‏يشتكين‏ ‏من‏ ‏الخوف‏ ‏من‏ ‏قتل‏ ‏الرضيع‏ ‏دون‏ ‏الإقدام‏ ‏على ‏قتله‏ ‏فعلا‏.‏

– فما‏ ‏هو‏ ‏العلاج‏ ‏أو‏ ‏ما‏ ‏هى ‏حقيقة‏ ‏الوقاية؟

الوقاية‏ ‏قبل‏ ‏العلاج‏ ‏دائما وعلى ‏الأم‏ ‏والأهل‏ (‏والطبيب‏) ‏أن‏ ‏يستعدوا‏ ‏لمثل‏ ‏هذا‏ ‏القادم‏ ‏الجديد‏، ‏وهناك‏ ‏استعدادات‏ ‏رائعة‏ ‏تصل‏ ‏إلى ‏درجة‏ ‏ما‏ ‏يسمى ‏الولادة‏ ‏بدون‏ ‏ألم‏، ‏وهو‏ ‏أمر‏ ‏طبى ‏تعليمى ‏مدروس‏، ‏حيث‏ ‏تتعلم‏ ‏الأم‏ ‏فيه‏ ‏استقبال‏ ‏طفلها‏ ‏بفرحة‏ ‏تتغلب‏ ‏بها‏ ‏على ‏آلام‏ ‏المخاض‏ ‏الطبيعية

كما‏ ‏أن‏ ‏العادات‏ ‏الشعبية‏ ‏الطيبة‏ ‏تقف‏ ‏بجوار‏ ‏الأم‏ ‏لتتخطى ‏هذه‏ ‏المرحلة‏ ‏بسلام‏، ‏فوجود‏ ‏الوالدة‏ (‏أو‏ ‏من‏ ‏يقوم‏ ‏مقامها‏ ‏مثل‏ ‏الخالة‏ ‏أو‏ ‏الجارة‏) ‏حتى ‏تتقطف‏ ‏الوالدة‏ ‏على ‏صدرها‏ ‏أثناء‏ ‏الولادة‏ ‏كما‏ ‏يقولون‏ ‏له‏ ‏دلالة‏ ‏خاصة‏ ‏وهى ‏تقوم‏ ‏بوظيفة‏ ‏دعم‏ ‏الأم‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الموقف‏ ‏الصعب‏.‏

كذلك‏ ‏فإن‏ ‏رمز‏ ‏أن‏ ‏تأكل‏ ‏الوالدة‏ ‏فرخة‏ ‏بأكملها‏ ‏من‏ ‏يد‏ ‏أمها‏ ‏عقب‏ ‏الولادة‏ ‏قد‏ ‏يحمل‏ ‏فى ‏طياته‏ ‏أن‏ ‏أم‏ ‏الوالدة‏ ‏تملأ‏ ‏وعى ‏ابنتها‏ ‏بما‏ ‏يحل‏ ‏محل‏ ‏من‏ ‏كان‏ ‏فى ‏بطنها‏، ‏حتى ‏تجمع‏ ‏نفسها‏ ‏من‏ ‏جديد ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏طقوس‏ ‏السبوع‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏، ‏تحمل‏ ‏معانى ‏رائعة‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏: ‏فدق‏ ‏الهون‏ ‏يذكر‏ ‏الأم‏ ‏أنها‏ ‏فعلا‏ ‏انفصلت‏ ‏عن‏ ‏طفلها‏ ‏وأن‏ ‏من‏ ‏كان‏ ‏برحمها‏ ‏أصبح‏ ‏خارجه‏ ‏علانية‏ ‏أمام‏ ‏شهود‏، ‏فإذا‏ ‏كان‏ ‏الزواج‏ ‏يحتاج‏ ‏للعلانية‏ ‏والفرحة‏ ‏لالتحام‏ ‏روحين‏ ‏وجسدين‏ ‏فى ‏وحدة‏ ‏بشرية‏ ‏جديدة‏، ‏فإن‏ ‏السبوع‏ ‏فرح‏ ‏آخر‏ ‏يعلن‏ ‏انفصالا‏ ‏رائعا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تعيه‏ ‏الأم‏ ‏علانية‏ ‏وسط‏ ‏المحتفلين‏ ‏الفرحين‏ ‏بها‏ ‏وبوليدها‏.

– هل‏ ‏يمكن‏ ‏للأم‏ ‏أن‏ ‏تفقد‏ ‏عاطفة‏ ‏الأمومة؟

طبعا‏ ‏لا‏، ‏ما‏ ‏دامت‏ ‏تستحق‏ ‏كلمة‏ ‏أم‏، ‏ثم‏ ‏إنها‏ ‏ليست‏ ‏عاطفة‏، ‏هى ‏غريزة‏ ‏تتصف‏ ‏بها‏ ‏الأم‏ ‏الإنسانة‏ ‏كما‏ ‏تتصف‏ ‏بها‏ ‏الأم‏ ‏الحيوان‏ ‏والأم‏ ‏الطير‏ ‏بل‏ ‏والأم‏ ‏الحشرة‏ ‏بل‏ ‏والأم‏ ‏الحية‏ ‏الرقطاء‏، ‏أحيانا‏ ‏كنت‏ ‏ألاحظ‏ ‏البومة‏ (‏وكانت‏ ‏أمى ‏تكرهها‏ ‏حتى ‏كرهناها‏ ‏بلا‏ ‏سبب‏) ‏وهى ‏تغذى ‏صغارها‏ ‏فأتعجب‏ ‏وأحبها‏ ‏غصبا‏ ‏عن‏ ‏أمي

الجواب‏ ‏لا‏، ‏لا‏ ‏يمكن‏ ‏للأم‏ ‏أن‏ ‏تتنازل‏ ‏عن‏ ‏أمومتها‏ ‏أو‏ ‏تفقدها‏ ‏بأى ‏حال‏ ‏من‏ ‏الأحوال‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏تعد‏ ‏أما‏.‏

– ومتى ‏إذن‏ ‏تكون‏ ‏الأم‏ ‏ليست‏ ‏أما‏، ‏وخاصة‏ ‏ونحن‏ ‏نسمع‏ ‏عن‏ ‏الأم‏ ‏التى ‏تقتل‏ ‏رضيعها‏، ‏والأم‏ ‏التى ‏تبيع‏ ‏طفلها‏، ‏والأم‏ ‏التى ‏تهجر‏ ‏أطفالها‏ ‏وزوجها‏ ‏لتسافر‏ ‏أو‏ ‏لأشياء‏ ‏أخرى‏، ‏فما‏ ‏تفسيرك‏ ‏لهذا‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏هذا‏ ‏الحماس؟

طبعا‏ ‏ما‏ ‏نسمع‏ ‏عنه‏ ‏حقيقة‏ ‏وحادثا‏، ‏لكنه‏ ‏ناتج‏ ‏عن‏ ‏تشوه‏ ‏الطبيعة‏ ‏وخلل‏ ‏التركيب‏ ‏الحيوى ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الأمهات‏، ‏فالطبيعة‏ ‏رغم‏ ‏أنها‏ ‏شديدة‏ ‏التناسق‏ ‏والحنو‏ ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏لها‏ ‏تشوهاتها‏ ‏وشطحاتها فالأم‏ ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏تستوعب‏ – ‏بسب‏ ‏مرض‏ ‏عقلى ‏أو‏ ‏سوء‏ ‏تنشئة‏ ‏أو‏ ‏انحراف‏ ‏خلقي‏- ‏إذا‏ ‏لم‏ ‏تستوعب‏ ‏معنى ‏أن‏ ‏تحتوى ‏الحياة‏ ‏داخلها‏ ‏ثم‏ ‏ترعاها‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏طفلها‏ ‏فهى ‏كيان‏ ‏مشوه‏ ‏لسبب‏ ‏أو‏ ‏لآخر.

فمثلا‏ ‏الأم‏ ‏التى ‏تقتل‏ ‏طفلها‏ ‏الرضيع‏ ‏هى ‏لا‏ ‏تقتل‏ ‏طفلها‏ ‏الذى ‏أخرجته‏ ‏من‏ ‏بطنها‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏تنتحر‏ ‏فى ‏صورة‏ ‏هذا‏ ‏الرضيع‏، ‏لأن‏ ‏هذه‏ ‏الأم‏ ‏حين‏ ‏ولدت‏ ‏هذا‏ ‏الطفل‏ ‏لم‏ ‏يصلها‏ – ‏بسبب‏ ‏المرض‏- ‏أنه‏ ‏كيان‏ ‏غير‏ ‏كيانها‏، ‏وأنه‏ ‏مشروع‏ ‏جديد‏ ‏غير‏ ‏الطفل‏ ‏الذى‏ ‏يمثل‏ ‏ذاتها‏ ‏الطفلية‏ ‏فى ‏داخل‏ ‏نفسها‏، ‏فهى ‏إذ‏ ‏تصاب‏ ‏بالاكتئاب‏ ‏مثلا‏ ‏تقتل‏ ‏الطفل‏ ‏النفسى ‏فى ‏داخلها‏، ‏أى ‏تقتل‏ ‏نفسها‏، ‏ولكن‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تسقطها‏ ‏على ‏طفلها‏ ‏الرضيع‏ ‏والأم‏ ‏التى ‏تبلد‏ ‏شعورها‏ ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏على ‏أولادها‏ ‏بل‏ ‏تجاه‏ ‏كل‏ ‏الناس‏، ‏هى ‏حجر‏ ‏وليست‏ ‏أما‏، ‏فهى ‏كيان‏ ‏ميت‏، ‏والميت‏ ‏لا‏ ‏يصلح‏ ‏لا‏ ‏أما‏ ‏ولا‏ ‏شيئا‏ ‏أصلا.

– ولكن‏ ‏هل‏ ‏هناك‏ ‏فروق‏ ‏بين‏ ‏الأم‏ ‏المصرية‏ ‏أو ‏العربية‏ ‏والأم‏ ‏الأجنبية‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد؟

نعم‏ ‏هناك‏ ‏فروق‏، ‏ولكنها‏ ‏فى ‏التفاصيل‏ ‏فحسب‏، ‏ذلك‏ ‏أن‏ ‏الأمومة‏ ‏لا‏ ‏تعرف‏ ‏جنسا‏ ‏ولا‏ ‏لغة‏، ‏والملاحظ‏ ‏أن‏ ‏الأم‏ ‏المصرية‏ ‏تظل‏ ‏أما‏ ‏مهما‏ ‏كبر‏ ‏إبنها‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏بلغ‏ ‏الستين‏، ‏أما‏ ‏الأم‏ ‏الأجنبية‏ ‏فهى ‏تكون‏ ‏أما‏ ‏نموذجية‏ ‏حتى ‏سن‏ ‏السادسة‏ ‏عشر‏ ‏مثلا‏.‏

– فماذ‏ا عن‏ ‏ظاهرة‏ ‏انتهاك‏ ‏الأطفال‏ ‏التى‏ ‏نسمع‏ ‏عنها‏ ‏فى‏ ‏العالم‏ ‏الغربى‏ ‏الآن؟

ظاهرة‏ ‏ضرار‏ ‏الأطفال‏ ‏أو‏ ‏انتهاك‏ ‏الأطفال‏ ‏تشير‏ ‏إلى ‏إيذاء‏ ‏أو‏ ‏سوء‏ ‏استعمال‏ ‏أو‏ ‏إهمال‏ ‏الوالدين‏ ‏لأطفالهم‏، ‏وهى ‏ظاهرة‏ ‏انتشرت‏ ‏انتشارا‏ ‏واسعا‏ ‏حتى ‏أصبحت‏ ‏تمثل‏ ‏إشكالا‏ ‏إجتماعيا‏ ‏فى ‏الغرب‏، ‏أدى‏ ‏إلى ‏أن‏ ‏تقوم‏ ‏الدولة‏ ‏والمؤسسات‏ ‏برعاية‏ ‏الأطفال‏ ‏الذين‏ ‏يضارون‏ ‏من‏ ‏والديهم‏ ‏بدلا‏ ‏منهم‏ ‏بحكم‏ ‏القانون‏، ‏وهذا‏ ‏أمر‏ ‏شديد‏ ‏الخطورة‏ ‏مفسد‏ ‏للروابط‏ ‏العائلية‏، ‏والحمد‏ ‏الله‏ ‏ليس‏ ‏عندنا‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏أصلا.

تصورى ‏أنه‏ ‏توجد‏ ‏فى ‏مدارس‏ ‏رياض‏ ‏الأطفال‏ ‏والإبتدائى ‏لافتات‏ ‏عليها‏ ‏أرقام‏ ‏تليفونات‏ ‏توضع‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏الأطفال‏ ‏ليحفظوها‏ ‏ليتصلوا‏ ‏بها‏ ‏إذا أساء‏ ‏والداهم‏ ‏معاملتهم‏، ‏هذا‏ ‏أمر‏ ‏يكاد‏ ‏يصل‏ ‏إلى ‏التحريض‏، وكل‏ ‏ذلك‏ ‏نتيجة‏ ‏لشك‏ ‏الناس‏ ‏فى ‏قوة‏ ‏ونقاء‏ ‏الغريزة‏ ‏الوالدية.

وليس‏ ‏عندنا‏ ‏مثل‏ ‏ذلك‏ ‏أصلا‏ ‏فما‏ ‏زال‏ ‏الوالدين‏ ‏أكثر‏ ‏حنانا‏ ‏ومسئولية‏ ‏من‏ ‏أى ‏مؤسسة‏، ‏رغم‏ ‏ما‏ ‏نسمع‏ ‏أحيانا‏ ‏من‏ ‏حوادث‏ ‏متفرقة‏ ‏تقول‏ ‏غير‏ ‏ذلك‏ ‏هنا‏ ‏وهناك‏.‏

****

الأسئلة المحرجة عند الأطفال

– يسأل‏ ‏الأطفال‏ ‏الكبار‏ ‏وهم‏ ‏فى ‏سن‏ ‏صغير‏ ‏عن‏ ‏ذات‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏هو‏ ‏الله‏ ‏وأين‏ ‏هو‏ ‏وهل‏ ‏له‏ ‏أخوة‏ ‏وأب‏ ‏وأم‏ ‏وما‏ ‏شكله؟‏!‏

وقد‏ ‏يسألوا‏ ‏عن‏ ‏الوحى ‏وكيف‏ ‏ينزل‏ ‏وهى ‏أسأله‏ ‏دقيقة‏ ‏تحتاج‏ ‏إلى ‏وعى ‏للأب‏ ‏وللأم‏ ‏لتوصيل‏ ‏المعلومة؟‏

هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏ليست‏ ‏فقط‏ ‏أسئلة‏ ‏الطفل‏، ‏بل‏ ‏هى ‏أسئلة‏ ‏الفلاسفة‏ ‏عبر‏ ‏التاريخ‏، ‏والعلاقة‏ ‏بين‏ ‏أسئلة‏ ‏الطفل‏ ‏وأسئلة‏ ‏الفلاسفة‏ ‏علاقة‏ ‏وثيقة‏ ‏وشريفة‏، ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏حين‏ ‏أصبحنا‏ ‏أوصياء‏ ‏على ‏فطرة‏ ‏الله‏ ‏التى ‏خلقنا‏ ‏الله‏ ‏عليها‏: ‏سواء‏ ‏جاءت‏ ‏هذه‏ ‏الوصاية‏ ‏من‏ ‏فهم‏ ‏خاطئ‏ ‏للدين‏، ‏أو‏ ‏جاءت‏ ‏من‏ ‏قهر‏ ‏أيديولوجية‏ ‏مستحدثة‏، ‏وحين‏ ‏زادت‏ ‏هذه‏ ‏الوصاية‏ ‏رحنا‏ ‏نتجنب‏ ‏التفكير‏ ‏أصلا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏لدرجة‏ ‏أنها‏ ‏أصبحت‏ ‏فى ‏عداد‏ ‏المحرمات‏، ‏ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنصح‏ ‏بماذا‏ ‏نجيب‏ ‏الطفل‏ ‏إذا‏ ‏كنا‏ ‏نحن‏ ‏الكبار‏ (‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الآباء‏ ‏والأمهات‏ ‏والمدرسين‏ ‏والمدرسات‏) ‏نتجنب‏ ‏الإجابة‏ ‏عليها‏، ‏بل‏ ‏إننا‏ ‏نتجنب‏ ‏طرحها‏ ‏كأسئلة‏ ‏أصلا‏.‏

ومع‏ ‏ذلك‏، ‏لن‏ ‏أعتذر‏، ‏وسوف‏ ‏أقول‏ ‏ما‏ ‏أعرف‏ ‏اجتهادا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الشأن‏:‏

أولا‏: ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏ننهر‏ ‏الطفل‏ ‏على ‏طرحه‏ ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏، ‏بل‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏له‏ ‏بأنه‏ ‏يسأل‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏حقوق‏ ‏عقله‏ ‏وحب‏ ‏استطلاعه‏ ‏وحتى ‏فى ‏إطار‏ ‏شطحات‏ ‏خياله

ثانيا‏: ‏ينبغى ‏ألا‏ ‏نخجل‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏أنه‏ ‏حتى ‏نحن‏ ‏الكبار‏ ‏توجد‏ ‏لدينا‏ ‏أسئلة‏ ‏لا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نجزم‏ ‏فى ‏الإجابة‏ ‏عليها‏ ‏

ثالثا‏: ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفهم‏ ‏الطفل‏ ‏أن‏ ‏الاختلاف‏ ‏حول‏ ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏وارد‏، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏الاختلاف‏ ‏بين‏ ‏الكبير‏ ‏والصغير‏، ‏أو‏ ‏بين‏ ‏أهل‏ ‏دين‏ ‏وأهل‏ ‏دين‏ ‏آخر‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏خلق‏ ‏الله‏ ‏واختلاف‏ ‏الأجناس‏ ‏والطباع‏ ‏والأماكن

وأخيرا‏: ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نحاول‏ ‏الإجابة‏ ‏إجابة‏ ‏بسيطة‏ ‏وواضحة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏ولا‏ ‏نصر‏ ‏على ‏الإجابة‏ ‏بتعريف‏ ‏المفهوم‏ ‏وكأننا‏ ‏نؤلف‏ ‏قاموسا‏ (‏معجما‏) ‏بل‏ ‏نحرص‏ ‏على ‏الناحية‏ ‏النفعية‏ ‏فى ‏الإجابة‏ ‏وضرب‏ ‏الأمثلة‏:‏

‏‏مثلا‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏الكون‏، ‏تكون‏ ‏الإجابة‏ ‏عليه‏ ‏أنه‏ ‏كل‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏حولنا‏ ‏الذى ‏نعرفه‏ ‏والذى ‏لا‏ ‏نعرفه‏ ‏مثل‏ ‏الأرض‏ ‏والشمس‏ ‏والنجوم‏ ‏وغير‏ ‏ذلك‏، ‏وأن‏ ‏العقل‏ ‏البشرى ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏بكل‏ ‏العالم‏، ‏حتى ‏الدش‏ (‏الأقمار‏ ‏الصناعية‏) ‏لا‏ ‏تبلغنا‏ ‏إلا‏ ‏بعض‏ ‏المعلومات‏ ‏دون‏ ‏سواها‏، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فقد‏ ‏وهبنا‏ ‏الله‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أكثر‏ ‏قليلا‏ ‏مما‏ ‏عرفنا‏ ‏أمس‏ ‏وهكذا

أما‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏الله‏ ‏فينبغى ‏أن‏ ‏نؤكد‏ ‏على ‏أمرين‏: ‏عجزنا‏ ‏عن‏ ‏وصفه‏ ‏أو‏ ‏رسمه‏ ‏سبحانه‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏كمثله‏ ‏شئ‏، ‏وفى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏نسمح‏ ‏لخيال‏ ‏الطفل‏ ‏بما‏ ‏يستطيع‏ ‏دون‏ ‏الحديث‏ ‏فى ‏التفصيل‏، ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏نؤكد‏ ‏على ‏صفاته‏ ‏بما‏ ‏يليق‏ ‏بعقل‏ ‏الطفل‏، ‏وخاصة‏ ‏صفتين‏ ‏هما‏: ‏العدل‏ ‏والرحمة‏، ‏ونضرب‏ ‏الأمثلة‏ ‏لذلك‏ ‏مما‏ ‏حولنا

أما‏ ‏لماذا‏ ‏خلقنا‏ ‏الله‏: ‏فالإجابة‏ ‏عن‏ ‏أنه‏ ‏خلقنا‏ ‏أساسا‏ ‏لتعمير‏ ‏الأرض‏ ‏هامة‏ ‏جدا‏ ‏ومفيدة‏ ‏وبسيطة‏، ‏وحتى ‏إذا‏ ‏قلنا‏ ‏إنه‏ ‏خلقنا‏ ‏لنعبده‏ ‏فلا‏‏بد‏ ‏أن‏ ‏نترجم‏ ‏ذلك‏ ‏إلى ‏شكل‏ ‏العبادة‏ ‏كما‏ ‏تؤدى ‏فى ‏كل‏ ‏دين‏، ‏وأن‏ ‏عبادة‏ ‏الله‏ ‏هى ‏أيضا‏ ‏فى ‏عمل‏ ‏الخير‏ ‏وتعمير‏ ‏الأرض‏.

‏وهكذا‏ ‏نؤكد‏ ‏للطفل‏ ‏أنه‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يعمر‏ ‏الأرض‏ ‏بالإنتاج‏ ‏حين‏ ‏يكبر‏، ‏بما‏ ‏يعود‏ ‏على ‏سائرالناس‏ ‏بالفائدة‏ ‏فإن‏ ‏وجوده‏ ‏نفسه‏ ‏يصبح‏ ‏بلا‏ ‏فائدة‏، ‏وكأن‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يعمر‏ ‏الأرض‏، ‏لم‏ ‏يحقق‏ ‏الهدف‏ ‏الذى ‏خلقه‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏أجله

أما‏ ‏كيف‏ ‏خلقنا‏: ‏فإذا‏ ‏كانت‏ ‏المسألة‏ ‏ترتبط‏ ‏بالخلق‏ ‏الأول‏، ‏فقصة‏ ‏سيدنا‏ ‏آدم‏ ‏بسيطة‏ ‏ويمكن‏ ‏تخيلها‏ ‏بسهولة‏. ‏

قد‏ ‏يسأل‏ ‏الأطفال‏ ‏عن‏ ‏كيفية‏ ‏الإنجاب‏ ‏وما‏ ‏معنى ‏الزواج‏ ‏وكيف‏ ‏جاء‏ ‏البشر‏ ‏وهى ‏أسأله‏ ‏محرجة‏ ‏وما‏ ‏هو‏ ‏الرد‏ ‏السليم‏؟‏ ‏وهل‏ ‏يتأثر‏ ‏الطفل‏ ‏نفسيا‏ ‏وقد‏ ‏يصاب‏ ‏بمرض‏ ‏اذا‏ ‏اخزله‏ ‏الأب‏ ‏ولم‏ ‏يجيب‏ ‏عن‏ ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏وما‏ ‏هى ‏العواقب‏ ‏اذا‏ ‏كذب‏ ‏عليه‏ ‏و‏‏أكتشف‏ ‏الطفل‏ ‏الكذب؟

أما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏أخ‏ ‏حديث‏ ‏الولادة‏ ‏أو‏ ‏عن‏ ‏سبب‏ ‏وكيفية‏ ‏ولادته‏ ‏هو‏ ‏فتكون‏ ‏الإجابة‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏مبادئ‏ ‏التربية‏ ‏السليمة‏ ‏عن‏ ‏التناسل‏ ‏والجنس‏ ‏وهذا‏ ‏له‏ ‏سن‏ ‏معين‏.‏

ولابد‏ ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏أن‏ ‏الطفل‏ ‏يعرف‏ ‏كثيرا‏ ‏من‏ ‏الإجابات‏ ‏التى ‏يسأل‏ ‏عنها‏، ‏حتى ‏فى ‏مسائل‏ ‏الجنس‏ ‏والتكاثر‏، ‏وأن‏ ‏أى ‏مناورة‏ ‏عليه‏ ‏يجعل‏ ‏صورتنا‏ ‏فى ‏نظرة‏ ‏غير‏ ‏لائقة‏، ‏فنحن‏ ‏إما‏ ‏كذابون‏، ‏وإما‏ ‏جهلة‏، ‏وثمة‏ ‏نكتة‏ ‏مشهورة‏ ‏تقول‏ (‏مع‏ ‏التحوير‏) ‏إن‏ ‏طفلا‏ ‏سأل‏ ‏والديه‏، ‏كيف‏ ‏جئت‏ ‏إلى ‏هذه‏ ‏الدنيا‏، ‏فأجاب‏ ‏الوالد‏: ‏وجدناك‏ ‏صغيرا‏ ‏فى ‏النادى ‏فى ‏لفة‏ ‏جميلة‏، ‏فسأل‏ ‏أمه‏: ‏وكيف‏ ‏جاءت‏ ‏أختى ‏الصغرى ‏فأجابت‏ ‏أمه‏: ‏وجدناها‏ ‏تخرج‏ ‏من‏ ‏زهرة‏ ‏نضرة‏ ‏فى ‏حديقة‏ ‏جميلة‏، ‏فدهش‏ ‏الطفل‏ ‏وأكمل‏ ‏لوالدية‏، ‏لماذا‏ ‏هكذا؟‏ ‏ألم‏ ‏يكن‏ ‏عندكم‏ “زواج‏” ‏أيامها؟؟

ثم‏ ‏إننا‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نكتشف‏ ‏ذكاء‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الأسئلة‏ ‏التى ‏يطرحها‏.‏

****

أغانى الأطفال

– هل‏ ‏هناك‏ ‏أغنية‏ ‏بالفعل‏ ‏تقدم‏ ‏للطفل‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نطلق‏ ‏عليها‏ “أغنية‏ ‏الأطفال‏”؟

فرق‏ ‏بين‏ ‏الأغنية‏ ‏التى ‏تقدم‏ ‏للطفل‏، ‏والأغنية‏ ‏التى ‏يغنيها‏ ‏الطفل‏، ‏وإن‏ ‏كان‏ ‏نجاح‏ ‏الأغنية‏ ‏التى ‏نقدمها‏ ‏للطفل‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏الطفل‏ ‏بدوره‏ ‏بترديدها‏.‏

وأحسب‏ ‏أن‏ ‏السؤال‏ ‏يقصد‏ ‏أساسا‏ ‏الأغانى ‏التى ‏نقدمها‏ ‏للأطفال‏ ‏على ‏تهنين‏ ‏الأطفال‏ ‏قديم‏ ‏قدم‏ ‏وجود‏ ‏الأطفال‏، ‏ولعل‏ ‏ذلك‏ ‏يتجلى ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏بأغانى ‏النوم‏: ‏نـنه‏ ‏نام‏ ‏ننــة‏ ‏نام‏ ‏وادبح‏ ‏لك‏ ‏جوزين‏ ‏حمام‏.‏

والطفل‏ ‏الرضيع‏ ‏أحيانا‏ ‏يهنن‏ ‏نفسه‏ ‏لينام‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يجد‏ ‏من‏ ‏يهننه‏ ‏بأغنية‏ ‏مناسبة ‏فالإيقاع‏ ‏والدندنة‏ ‏عموما‏ ‏يمثلان‏ ‏تناسقا‏ ‏أساسيا‏ ‏مع‏ ‏الإيقاع‏ ‏الحيوى ‏الذى ‏ينبض‏ ‏فى ‏كيان‏ ‏الطفل‏ ‏منذ‏ ‏الولادة إذن‏ ‏فأغانى ‏الأطفال‏ ‏أقدم‏ ‏وأسبق‏ ‏من‏ ‏أغانى ‏الكبار بل‏ ‏إن‏ ‏الكبار‏ ‏حين‏ ‏يغنون‏ ‏لا‏ ‏يطربون‏ ‏بحق‏ ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏حركت‏ ‏الأغنية‏ ‏طفولتهم‏ ‏الأعمق‏.‏

‏ ‏- إلى ‏أى ‏مدى ‏يكون‏ ‏تأثير‏ ‏أغنية‏ ‏الطفل‏ ‏إيجابى ‏أو‏ ‏سلبى ‏على ‏شخصية‏ ‏الطفل؟

التأثير‏ ‏ليس‏ ‏له‏ ‏جانب‏ ‏واحد‏، ‏فالأغنية‏ ‏النصائحية‏ ‏المباشرة‏ ‏هى ‏أغنية‏ ‏سيئة‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏نادت‏ ‏بمكارم‏ ‏الأخلاق‏، ‏والأغنية‏ ‏الصادقة‏ ‏الطروب‏ ‏هى ‏أغنية‏ ‏إيجابية‏ ‏حتى ‏لو‏ ‏كانت‏ ‏بلا‏ ‏معنى ‏ظاهر ثم‏ ‏إن‏ ‏التركيز‏ ‏على ‏المعنى ‏والمحتوى ‏قبل‏ ‏النغم‏ ‏والخيال‏ ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏سلبى ‏بالضرورة،‏ ‏والعكس‏ ‏صحيح.

– ما‏ ‏هى ‏مواصفات‏ ‏أغنية‏ ‏الطفل؟

أهم‏ ‏ما‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يميز‏ ‏أغنية‏ ‏الطفل‏ ‏هو‏:‏

أن‏ ‏تهتم‏ ‏باللحن‏ ‏قبل‏ ‏المحتوى، ‏وأن‏ ‏تكون‏ ‏بسيطة‏ ‏وسريعة، وأن‏ ‏تكون‏ ‏واضحة‏ ‏وقصيرة، وأن‏ ‏تكون‏ ‏خيالية‏ ‏ومفتوحة‏ ‏النهاية، وألا‏ ‏تكون‏ ‏نصائحية‏ ‏لدرجة‏ ‏الكذب.

– هل‏ ‏أغنية‏ ‏الطفل‏ ‏فى ‏مصر‏ ‏تؤدى ‏دورها‏ ‏المطلوب‏ ‏منها؟

لا‏ ‏يمكن‏ ‏التعميم‏، ‏فلا‏بد‏ ‏من‏ ‏تحديد‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏الدور‏ ‏المطلوب‏ ‏من‏ ‏الأغنية‏ ‏قبل‏ ‏الحديث‏ ‏عما‏ ‏إذا‏ ‏كانت‏ ‏تؤدى ‏دورها‏ ‏أم‏ ‏لا‏.‏ فأحيانا‏ ‏لا‏ ‏يجدر‏ ‏بنا‏ ‏أن‏ ‏نحدد‏ ‏الهدف‏ ‏من‏ ‏الأغنية‏ ‏ابتداء‏، ‏إذ‏ ‏أن‏ ‏تلقائية‏ ‏تنغيم‏ ‏الكلام‏ ‏لدرجة‏ ‏الغناء‏ ‏هى ‏أصل‏ ‏الأغنية‏ ‏بلا‏ ‏تفسير‏ ‏ولا‏ ‏تبرير وأحيانا‏ ‏ما‏ ‏تقوم‏ ‏الجدات‏ ‏وهن‏ ‏يهدهدن‏ ‏أحفادهن‏ ‏بتأليف‏ ‏أغنية‏ ‏أى ‏كلام‏، ‏وربما‏ ‏تذكر‏ ‏فيها‏ ‏إسم‏ ‏الطفل‏، ‏وتغيره‏ ‏بتغيير‏ ‏من‏ ‏تهدهد‏، ‏كما‏ ‏تغير‏ ‏بعض‏ ‏التفاصيل‏ ‏وهى ‏تهدهد‏ ‏طفلا‏ ‏آخر‏، ‏وهكذا‏، ‏فالمهم‏ ‏فى ‏الأغنية‏ ‏هو‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏أغنية‏، ‏لا‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏عصا‏ ‏مزركشة‏، ‏أو‏ ‏خطبة‏ ‏منغمة‏.‏

– إلى ‏أى ‏مدى ‏يكون‏ ‏التأثير‏ ‏الذى ‏تحدثه‏ ‏أغنية‏ ‏موجهة‏ ‏من‏ ‏الصغار‏ ‏للصغار‏، ‏وكذلك‏ ‏من‏ ‏الكبار‏ ‏للصغار؟‏ ‏وأيهما‏ ‏أكثر‏ ‏تأثيرا‏ ‏عند‏ ‏الطفل؟

لا‏ ‏يوجد‏ ‏أغان‏ ‏موجهة‏ ‏من‏ ‏الصغار‏ ‏للصغار‏ ‏بمعنى ‏التخطيط‏ ‏السابق‏ ‏والقصد‏ ‏المنظم‏ ‏من‏ ‏قبل‏، ‏وإنما‏ ‏توجد‏ ‏الأغانى ‏التلقائية‏ ‏التى ‏يشارك‏ ‏فيها‏ ‏الصغار‏ ‏بتحويرها‏، ‏ومن‏ ‏أجمل‏ ‏ ‏تلك‏ ‏الأغانى ‏أغانى ‏الأطفال‏ ‏فى ‏العمل‏، ‏أثناء‏ ‏جنى ‏القطن‏ ‏مثلا‏، ‏حين‏ ‏يهتفون‏ ‏ويرددون‏ ‏ببساطة‏:‏

اللوزة‏ ‏فين‏ ‏آهية

والتانية‏ ‏فين‏ ‏آهية‏ ‏

والتالتة‏ ‏فين‏ ‏آهية

والكبوش‏ ‏فين‏ ‏دخل‏ ‏العبين‏ ‏وبقى ‏له‏ ‏ساعتين‏ ‏

ياللوزة‏ ‏ياللوزة‏…‏خدك‏ ‏التاجر‏…‏ياللوزة

يام‏ ‏مناجل‏…‏ياللوزة‏ ‏…إلخ

أما‏ ‏أغانى ‏الكبار‏ ‏للصغار‏ ‏فهى ‏الأغانى ‏المؤلفة‏ ‏خصيصا‏ ‏للأطفال‏، ‏وهذا‏ ‏أمر‏ ‏حديث‏ ‏متصل‏ ‏بالإذاعة‏ ‏والتليفزيون‏ ‏أساسا‏، ‏وهذه‏ ‏تكون‏ ‏من‏ ‏الكبار‏ ‏للصغار‏ ‏فعلا‏، ‏وبالتالى ‏لها‏ ‏أو‏ ‏عليها‏ ‏بقدرما‏ ‏تتصف‏ ‏بالصفات‏ ‏المناسبة‏ ‏السابقة‏ ‏دون‏ ‏تعميم.

– ماذا‏ ‏عن‏ ‏الأغانى ‏الأجنبية‏ ‏التى ‏يبثها‏ ‏الإعلام‏ (‏خاصة‏ ‏التليفزيون‏) ‏بدعوى ‏أنها‏ ‏للأطفال‏، ‏وهى ‏قد‏ ‏تحدث‏ ‏تشويشا‏ ‏ما‏ ‏فى ‏نفسية‏ ‏الطفل؟

هذه‏ ‏المسألة‏ ‏لا‏ ‏ترتبط‏ ‏بالأغانى ‏فقط‏ ‏وإنما‏ ‏هى ‏مرتبطة‏ ‏بمسألة‏ ‏تقديس‏ ‏واستيراد‏ ‏لغة‏ ‏غريبة‏ ‏عن‏ ‏لساننا‏ ‏نصيغ‏ ‏بها‏ ‏فكر‏ ‏ووجدان‏ ‏أطفالنا‏ ‏بتقليد‏ ‏مباشر‏ ‏قبيح‏ ‏فى ‏العادة وأنا‏ ‏لست‏ ‏ضد‏ ‏الأغانى ‏الأجنبية‏ ‏بصفة‏ ‏عامة وقد‏ ‏وجدت‏ ‏فى ‏بعض‏ ‏الأغانى ‏الأجنبية‏ ‏التى ‏يرددها‏ ‏بعض‏ ‏أطفال‏ ‏المدارس‏ ‏الأجنبية‏ ‏فى ‏مصر‏، ‏وجدت‏ ‏صدقا‏ ‏وفائدة‏ ‏افتقدتهما‏ ‏فى ‏الأغانى ‏العربية‏ ‏المنافقة فحين‏ ‏يحتفل‏ ‏الأولاد‏ ‏بقدوم‏ ‏الإجازة‏ ‏لاعنين‏ ‏المدرسة‏، ‏والواجبات‏، ‏قاذفين‏ ‏بكتب‏ ‏الحساب‏ ‏والنحو‏ ‏وسط‏ ‏حلقة‏ ‏من‏ ‏نيران‏ ‏تحرقهم‏، ‏يغنون‏ ‏لذلك‏ ‏بالفرنسية‏ ‏فى ‏بداية‏ ‏الإجازة‏ ‏الصيفية‏ ‏أغنية‏ ‏تقول‏ ‏بعض‏ ‏كلماتها‏:‏

‏ ‏تحيا‏ ‏الإجازة‏، ‏بلا‏ ‏درجات‏ ‏عقاب‏ ‏

فلنضع‏ ‏الكراريس‏ ‏فى ‏النار‏ ‏

والكتب‏ ‏وسطهم‏ ‏

ثم‏ ‏تمضى ‏الأغنية‏ ‏لتقول‏:‏

‏ ‏إلى ‏الجحيم‏ ‏كتب‏ ‏النحو‏، ‏والإملاء‏، ‏والحساب…‏ ‏إلخ

حين‏ ‏أسمع‏ ‏هذه‏ ‏الأغنية‏ ‏أحس‏ ‏بالصدق‏ ‏العرى ‏البناء‏، ‏ورغم‏ ‏ذم‏ ‏هذه‏ ‏الكتب‏ ‏فإنه‏ ‏ذم‏ ‏لا‏ ‏ينفرنا‏ ‏منها‏ ‏وإنما‏ ‏يعلن‏ ‏حقنا‏ ‏فى ‏الإجازة‏ ‏الحقيقية‏، ‏التى ‏تمهد‏ ‏لدراسة‏ ‏حقيقية وإذا‏ ‏قارنت‏ ‏ذلك‏ ‏بأغانى ‏مسطحة‏ ‏تقول‏:‏

مدرستى ‏يا‏ ‏محلاها

أهواها‏ ‏وأدوب‏ ‏فى ‏هواها

تعرف‏ ‏كيف‏ ‏نشوه‏ ‏وجدان‏ ‏أطفالنا‏ ‏عمدا‏ ‏وبغباء ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فما‏‏زلت‏ ‏أذكر‏ ‏أغان‏ ‏تقابل‏ ‏الأغنية‏ ‏الفرنسية‏ ‏كنا‏ ‏نؤلفها‏ ‏نلعن‏ ‏بها‏ ‏يوم‏ ‏السبت‏ (‏بدايةالدراسة‏) ‏ونرددها‏ ‏فرحين‏ ‏ونحن‏ ‏ذاهبون‏ ‏إلى ‏المدرسة‏ ‏مثل‏:‏

يا‏ ‏برميل‏ ‏النفط‏ ‏يا‏ ‏يوم‏ ‏السبت‏ ‏على ‏الصبيان

يا‏ ‏منقوع‏ ‏الزفت‏ ‏يا‏ ‏يوم‏ ‏السبت‏ ‏على ‏الصبيان

بل‏ ‏إننى ‏أذكر‏ ‏أغان‏ ‏طويلة‏ ‏تكاد‏ ‏تتناول‏ ‏العلوم‏ ‏التى ‏كنا‏ ‏ندرسها‏ ‏علما‏ ‏بالسخرية‏ ‏المحببة‏ ‏مثل‏:‏

جه‏ ‏أستاذ‏ ‏الحصة‏ ‏السادسة‏ ‏

أستاذ‏ ‏هندسة‏ ‏ويا‏ ‏حساب

قاللى ‏اضرب‏ ‏لى ‏خمسة‏ ‏فى‏ ‏ستة‏ ‏واللا‏ ‏اتفضل‏ ‏برة‏ ‏الباب

‏ ‏قلت‏ ‏يا بيه‏ ‏أضرب‏ ‏مين‏ ‏فيهم‏ ‏

دول‏ ‏تلاتين‏ ‏ما قدرش‏ ‏عليهم

وهذا‏ ‏ما‏ ‏يقابل‏ ‏أغنية‏ ‏شادية‏ ‏وفاتن‏ ‏حمامة‏:‏

آلو‏ ‏آلو‏ ‏إحنا‏ ‏هنا‏ ‏ونجحنا‏ آهه‏ ‏فى ‏المدرسة‏…‏إلخ

إذن‏ ‏فالمسألة‏ ‏ليست‏ ‏مسألة‏ ‏أى ‏لغة‏ ‏نغنى ‏بها‏ ‏لأطفالنا‏، ‏وإنما‏ ‏هى ‏أى ‏مستوى ‏نتخاطب‏ ‏به‏ ‏مع‏ ‏وجداننا‏ ‏أطفالا‏ ‏وكبارا‏.‏

– بماذا‏ ‏تفسر‏ ‏علميا‏ ‏لجوء‏ ‏الأطفال‏ ‏إلى ‏أغنيات‏ ‏الكبار‏، ‏وسرعة‏ ‏حفظها‏ ‏وترديدها‏ ‏بدون‏ ‏التجاوب‏ ‏مع‏ ‏أغنيات‏ ‏الطفل‏؟

ليس‏ ‏عندى ‏خبر‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏يحدث‏ ‏بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏التى ‏يشير‏ ‏إليها‏ ‏السؤال‏.‏ فالطفل‏ ‏يتجاوب‏ ‏لما‏ ‏يريد‏، ‏إذا‏ ‏أتيحت‏ ‏له‏ ‏فرصة‏ ‏الاختيار فحين‏ ‏نصر‏ ‏على ‏أن‏ ‏نقدم‏ ‏له‏ ‏أغان‏ ‏النفاق‏ ‏مثل‏: “..‏والفضل‏ ‏كله‏ ‏لبابا‏ ‏جمال‏، ‏أو‏ ‏لبابا‏ ‏سادات‏، ‏أو‏ ‏لماما‏ ‏سوزان‏…‏إلخ‏، ‏حبن‏ ‏نفعل‏ ‏ذلك‏ ‏فلا‏ ‏ينبغى ‏علينا‏ ‏أن نلوم‏ ‏الطفل‏ ‏إذا‏ ‏راح‏ ‏يفضل‏ ‏أن‏ ‏يغنى ” ‏حبة‏ ‏فوق‏ ‏وحبة‏ ‏تحت‏” ولكن‏ ‏إذا‏ ‏قدمنا‏ ‏له‏ ‏ماما‏ ‏أغنية‏ ‏محمد‏ ‏فوزى: ‏ماما‏ ‏زمانها‏ ‏جية‏، ‏فإن‏ ‏الكبار‏ ‏هم‏ ‏الذين‏ ‏يستأذنون‏ ‏أطفالهم‏ ‏ليغنوا‏ ‏أغانى ‏أطفالهم‏.‏ المسألة‏ ‏أن‏ ‏البضاعة‏ ‏الجيدة‏ ‏تطرد‏ ‏البضاعةالرديئة‏ ‏سواء‏ ‏كانت‏ ‏للكبار‏ ‏أو‏ ‏للصغار‏ ‏بلا‏ ‏قيد‏ ‏أو‏ ‏شرط فلنكن‏ ‏تلقائيين‏ ‏ومتنوعين‏ ‏ومنفتحين‏ ‏ومتسامحين‏ ‏وصادقين‏، ‏وسيحسن‏ ‏الطفل‏ ( ‏والكبير‏) ‏الانتقاء‏ ‏بلا‏ ‏أدنى ‏شك‏.‏

‏ ‏****

كيفية الرد على اسئلة الأطفال

– فى ‏سنوات‏ ‏عمر‏ ‏الطفل‏ ‏الأولى ‏دائما‏ ‏ما‏ ‏تثار‏ ‏العديد‏ ‏من‏ ‏الأسئلة‏ ‏حول‏ ‏الكون‏، ‏الله‏، ‏الوجود‏، ‏الخلق‏، ‏كيف‏ ‏خلقنا‏ ‏ولماذا‏..، ‏وهى ‏أسئلة‏ ‏تمثل‏ ‏سنوات‏ ‏المعرفة‏ ‏الأولى ‏فى ‏عمر‏ ‏الإنسان‏.

– كيف‏ ‏نبسط‏ ‏الإجابات‏ ‏على ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏دون‏ ‏أن‏ ‏تخلف‏ ‏أمراض‏ ‏نفسية‏؟‏

هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏ليست‏ ‏فقط‏ ‏أسئلة‏ ‏الطفل‏، ‏بل‏ ‏هى ‏أسئلة‏ ‏الفلاسفة‏ ‏عبر‏ ‏التاريخ‏، ‏والعلاقة‏ ‏بين‏ ‏أسئلة‏ ‏الطفل‏ ‏وأسئلة‏ ‏الفلاسفة‏ ‏علاقة‏ ‏وثيقة‏ ‏وشريفة‏، ‏إلا‏ ‏حين‏ ‏أصبحنا‏ ‏أوصياء‏ ‏على ‏فطرة‏ ‏الله‏ ‏التى ‏خلقنا‏ ‏الله‏ ‏عليها‏: ‏سواء‏ ‏جاءت‏ ‏هذه‏ ‏الوصاية‏ ‏من‏ ‏فهم‏ ‏خاطئ‏ ‏للدين‏، ‏أو‏ ‏جاءت‏ ‏من‏ ‏قهر‏ ‏أيديولوجية‏ ‏مستحدثة‏، ‏وحين‏ ‏زادت‏ ‏هذه‏ ‏الوصاية‏ ‏رحنا‏ ‏نتجنب‏ ‏التفكير‏ ‏أصلا‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏لدرجة‏ ‏أنها‏ ‏أصبحت‏ ‏فى ‏عداد‏ ‏المحرمات‏، ‏ولا‏ ‏أستطيع‏ ‏أن‏ ‏أنصح‏ ‏بماذا‏ ‏نجيب‏ ‏الطفل‏ ‏إذا‏ ‏كنا‏ ‏نحن‏ ‏الكبار‏ (بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏الآباء‏ ‏والأمهات‏ ‏والمدرسين‏ ‏والمدرسات‏) ‏نتجنب‏ ‏الإجابة‏ ‏عليها‏، ‏بل‏ ‏إننا‏ ‏نتجنب‏ ‏طرحها‏ ‏كأسئلة‏ ‏أصلا‏.‏

ومع‏ ‏ذلك‏، ‏لن‏ ‏أعتذر‏، ‏وسوف‏ ‏أقول‏ ‏ما‏ ‏أعرف‏ ‏اجتهادا‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الشأن‏:‏

أولا‏: ‏لا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏ننهر‏ ‏الطفل‏ ‏على ‏طرحه‏ ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏، ‏بل‏ ‏لا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏له‏ ‏بأنه‏ ‏يسأل‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏حقوق‏ ‏عقله‏ ‏وحب‏ ‏استطلاعه‏ ‏وحتى ‏فى ‏إطار‏ ‏شطحات‏ ‏خياله

ثانيا‏: ‏ينبغى ‏ألا‏ ‏نخجل‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏نعترف‏ ‏أنه‏ ‏حتى ‏نحن‏ ‏الكبار‏ ‏توجد‏ ‏لدينا‏ ‏أسئلة‏ ‏لا‏ ‏نستطيع‏ ‏أن‏ ‏نجزم‏ ‏الإجابة‏ ‏عليها‏ ‏

ثالثا‏: ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نفهم‏ ‏الطفل‏ ‏أن‏ ‏الاختلاف‏ ‏حول‏ ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏وارد‏، ‏وأن‏ ‏هذا‏ ‏الاختلاف‏ ‏بين‏ ‏الكبير‏ ‏والصغير‏،‏أو‏ ‏بين‏ ‏أهل‏ ‏دين‏ ‏وأهل‏ ‏دين‏ ‏آخر‏ ‏هو‏ ‏من‏ ‏طبيعة‏ ‏خلق‏ ‏الله‏ ‏واختلاف‏ ‏الأجناس‏ ‏والطباع‏ ‏والأماكن

وأخيرا‏: ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نحاول‏ ‏الإجابة‏ ‏إجابة‏ ‏بسيطة‏ ‏وواضحة‏ ‏فى ‏نفس‏ ‏الوقت‏، ‏ولا‏ ‏نصر‏ ‏على ‏الإجابة‏ ‏بتعريف‏ ‏المفهوم‏ ‏وكأننا‏ ‏نؤلف‏ ‏قاموسا‏ (‏معجما‏) ‏بل‏ ‏نحرص‏ ‏على ‏الناحية‏ ‏النفعية‏ ‏فى ‏الإجابة‏ ‏وضرب‏ ‏الأمثلة‏:‏

‏ ‏مثلا‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏الكون‏، ‏تكون‏ ‏الإجابة‏ ‏عليه‏ ‏أنه‏ ‏كل‏ ‏العالم‏ ‏من‏ ‏حولنا‏ ‏الذى ‏نعرفه‏ ‏والذى ‏لا‏ ‏نعرفه‏ ‏مثل‏ ‏الأرض‏ ‏والشمس‏ ‏والنجوم‏ ‏وغير‏ ‏ذلك‏، ‏وأن‏ ‏العقل‏ ‏البشرى ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يلم‏ ‏بكل‏ ‏العالم‏، ‏حتى ‏الدش‏ (‏الأقمار‏ ‏الصناعية‏) ‏لا‏ ‏تبلغنا‏ ‏إلا‏ ‏بعض‏ ‏المعلومات‏ ‏دون‏ ‏سواها‏، ‏ومع‏ ‏ذلك‏ ‏فقد‏ ‏وهبنا‏ ‏الله‏ ‏القدرة‏ ‏على ‏أن‏ ‏نعرف‏ ‏كل‏ ‏يوم‏ ‏أكثر‏ ‏قليلا‏ ‏مما‏ ‏عرفناه‏ ‏أمس‏ ‏وهكذا

أما‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏الله‏ ‏فينبغى ‏أن‏ ‏نؤكد‏ ‏على ‏أمرين‏: ‏عجزنا‏ ‏عن‏ ‏وصفه‏ ‏أو‏ ‏رسمه‏ ‏سبحانه‏ ‏حيث‏ ‏أنه‏ ‏ليس‏ ‏كمثله‏ ‏شئ‏، ‏وفى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏نسمح‏ ‏لخيال‏ ‏الطفل‏ ‏بما‏ ‏يستطيع‏ ‏دون‏ ‏الحديث‏ ‏فى ‏التفصيل‏، ‏ثم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏نؤكد‏ ‏على ‏صفاته‏ ‏بما‏ ‏يليق‏ ‏بعقل‏ ‏الطفل‏، ‏وخاصة‏ ‏صفتين‏ ‏هما‏: ‏العدل‏ ‏والرحمة‏، ‏ونضرب‏ ‏الأمثلة‏ ‏لذلك‏ ‏مما‏ ‏حولنا

أما‏ ‏لماذا‏ ‏خلقنا‏ ‏الله‏: ‏فالإجابة‏ ‏عن‏ ‏أنه‏ ‏خلقنا‏ ‏أساسا‏ ‏لتعمير‏ ‏الأرض‏ ‏هامة‏ ‏جدا‏ ‏ومفيدة‏ ‏وبسيطة‏، ‏وحتى ‏إذا‏ ‏قلنا‏ ‏إنه‏ ‏خلقنا‏ ‏لنعبده‏ ‏فلا‏ ‏بد‏ ‏أن‏ ‏نترجم‏ ‏ذلك‏ ‏بشكل‏ ‏العبادة‏ ‏كما‏ ‏تؤءى ‏فى ‏كل‏ ‏دين‏، ‏وأن‏ ‏عبادة‏ ‏الله‏ ‏هى ‏أيضا‏ ‏فى ‏عمل‏ ‏الخير‏ ‏وتعمير‏ ‏الأرض‏. ‏وهكذا‏ ‏نؤكد‏ ‏للطفل‏ ‏أنه‏ ‏إن‏ ‏لم‏ ‏يعمر‏ ‏الأرض‏ ‏بالإنتاج‏ ‏حين‏ ‏يكبر‏، ‏بما‏ ‏يعود‏ ‏على ‏سائرالناس‏ ‏بالفائدة‏ ‏فإنه‏ ‏وجوده‏ ‏نفسه‏ ‏يصبح‏ ‏بلا‏ ‏فائدة‏، ‏وكأن‏ ‏من‏ ‏لا‏ ‏يعمر‏ ‏الأرض‏، ‏لم‏ ‏يحقق‏ ‏الهدف‏ ‏الذى ‏خلقه‏ ‏الله‏ ‏من‏ ‏أجله

أما‏ ‏كيف‏ ‏خلقنا‏: ‏فإذا‏ ‏كانت‏ ‏المسألة‏ ‏ترتبط‏ ‏بالخلق‏ ‏الأول‏، ‏فقصة‏ ‏سيدنا‏ ‏آدم‏ ‏بسيطة‏ ‏ويمكن‏ ‏تخيلها‏ ‏بسهولة‏ ‏بخيال‏ ‏خصب‏ ‏سليم‏، ‏أما‏ ‏إذا‏ ‏كان‏ ‏السؤال‏ ‏عن‏ ‏أخ‏ ‏حديث‏ ‏الولادة‏ ‏أو‏ ‏عن‏ ‏سبب‏ ‏وكيفية‏ ‏ولادته‏ ‏هو‏ ‏فتكون‏ ‏الإجابة‏ ‏فى ‏حدود‏ ‏مبادئ‏ ‏التربية‏ ‏السليمة‏ ‏عن‏ ‏التناسل‏ ‏والجنس‏ ‏وهذا‏ ‏له‏ ‏سن‏ ‏معين

وعلينا‏ ‏أيضا‏ ‏أن‏ ‏نستطيع‏ ‏تعليم‏ ‏الطفل‏ ‏تأجيل‏ ‏الحصول‏ ‏على ‏إجابات‏ ‏بعض‏ ‏الأسئلة‏ ‏حتى ‏يكبر‏ ‏قليلا‏ ‏أو‏ ‏كثيرا‏

لا‏ ‏خلاف‏ ‏أننا‏ ‏مقبلون‏ ‏على ‏عصر‏ ‏مغاير‏ ‏فى ‏قيمه‏ ‏ومبادئه‏ ‏وسلوكياته‏ ‏التى ‏تختلف‏ ‏عما‏ ‏تربينا‏ ‏عليه‏، ‏وعلى ‏الجانب‏ ‏الاجتماعى ‏نطرح‏ ‏الأسئلة‏ ‏نفسها‏ ‏حول‏ ‏معان‏ ‏مثل‏ ‏الديمقراطية‏، ‏الاعتقال‏ ‏السياسي‏، ‏القهر‏، ‏الاستبداد‏، ‏تزوير‏ ‏الانتخابات‏ ‏لصالح‏ ‏الحكومة‏، ‏العلاقة‏ ‏بين‏ ‏الحاكم‏ ‏والمحكوم‏ ‏فى ‏واقعنا‏ ‏المصري‏، ‏ذلك‏ ‏الواقع‏ ‏الذى ‏يمثل‏ – ‏كما‏ ‏هو‏ ‏مفترض‏- ‏نموذج‏ ‏الحياة‏ ‏العملية‏ ‏

– كيف‏ ‏نمهد‏ ‏الطفل‏ ‏لمعايشة‏ ‏هذه‏ ‏الحياة‏ ‏العملية‏ ‏بلا‏ ‏عقد؟

هذه‏ ‏القضايا‏ ‏التى ‏تشغلنا‏ ‏كبارا‏ ‏لا‏ ‏تشغل‏ ‏الأطفال‏ ‏عادة‏، ‏ويستحسن‏ ‏أن‏ ‏نتجنب‏ ‏تشجيع‏ ‏الطفل‏ ‏على ‏طرح‏ ‏قضايا‏ ‏لا‏ ‏يمارسها‏ ‏هو‏، ‏ولا‏ ‏نحن‏، ‏فمسألة‏ ‏الديمقراطية‏ – ‏فى ‏مصر‏ ‏والعالم‏ ‏العربى ‏مثلا‏،‏هى ‏إشاعة‏ ‏لا‏ ‏أساس‏ ‏لها‏ ‏من‏ ‏الصحة‏ ‏لا‏ ‏عند‏ ‏الكبار‏ ‏ولا‏ ‏عند‏ ‏الصغار‏(!!!)، ‏كذلك‏ ‏علينا‏ ‏أن‏ ‏نحذر‏ ‏من‏ ‏استيراد‏ ‏إجابات‏ ‏من‏ ‏مجتمع‏ ‏آخر‏، ‏له‏ ‏ظروف‏ ‏أخرى‏، ‏وفرص‏ ‏أخري‏، ‏وقيم‏ ‏أخري‏، ‏فمثلا‏ ‏الإعلاء‏ ‏من‏ ‏قيمة‏ ‏الحرية‏ ‏دون‏ ‏التنبيه‏ ‏إلى ‏أنه‏ ‏لا‏ ‏حرية‏ ‏إلا‏ ‏بالاستقلال‏ ‏المادى ‏أساسا‏، ‏وأنه‏ ‏لا‏ ‏حرية‏ ‏بما‏ ‏يتعارض‏ ‏مع‏ ‏بر‏ ‏الوالدين‏ ‏أو‏ ‏طاعة‏ ‏الله‏ ‏فيما‏ ‏هو‏ ‏نفع‏ ‏الناس‏ ‏مثلا‏، ‏وهكذا

أما‏ ‏مسألة‏ ‏الغش‏ ‏والتزوير‏ ‏فلا‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏نكثر‏ ‏من‏ ‏الحديث‏ ‏عنها‏ ‏حتى ‏يألفها‏ ‏الطفل‏ ‏وكأنها‏ ‏جزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏حقيقة‏ ‏مجتمعنا‏، ‏فالغش‏ ‏فى ‏الانتخابات‏ ‏حين‏ ‏أصبح‏ ‏شائعا‏ ‏وعاديا‏، ‏ومن‏ ‏صفات‏ ‏كل‏ ‏حكومة‏، ‏بل‏ ‏من‏ ‏ضرورات‏ ‏كل‏ ‏سلطة‏، ‏انتقلت‏ ‏هذه‏ ‏القيمة‏ ‏إلى ‏المدارس‏ ‏والامتحانات‏ ‏وأصبح‏ ‏الغش‏ ‏حقا‏ ‏فرديا‏ ‏أو‏ ‏جماعيا‏، ‏وأصبح‏ ‏المدرس‏ ‏يغشش‏ ‏طلبته‏ ‏ويفخر‏ ‏بذلك‏ ‏ويعتبرها‏ ‏شهامة‏ ‏ومساعدة‏، ‏وأصبح‏ ‏الطالب‏ ‏الذى ‏يرفض‏ ‏الغش‏: ‏أنانى ‏ومعقد‏..‏إلخ‏، ‏فالقيمة‏ ‏السياسية‏ ‏والاجتماعية‏ (‏سلبية‏ ‏كانت‏ ‏أو‏ ‏إيجابية‏) ‏لها‏ ‏ما‏ ‏يقابلها‏ ‏من‏ ‏قيم‏ ‏تربوية‏ ‏ونفسية‏، ‏وكل‏ ‏هذه‏ ‏المسائل‏ ‏المطروحة‏ ‏فى ‏السؤال‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏تصل‏ ‏الطفل‏ ‏من‏ ‏واقع‏ ‏ملاحظته‏ ‏للممارسة‏ ‏وليس‏ ‏بالخطب‏ ‏أو‏ ‏المناقشات‏ ‏الكلامية‏ ‏أبدا‏ ‏إننا‏ ‏نمهد‏ ‏للطفل‏ ‏أن‏ ‏يحيا‏ ‏حياة‏ ‏سليمة‏ ‏بأن‏ ‏نحيا‏ ‏نحن‏ ‏حياة‏ ‏سليمة‏ ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏.‏

– ويبرز‏ ‏دور‏ ‏الأم‏: ‏كيف‏ ‏تكتشف‏ ‏ذكاء‏ ‏طفلها‏ ‏وطرق‏ ‏تنميته‏ ‏كمواطن‏ ‏سوى؟

المسائل‏ ‏المطروحة‏ ‏فى ‏هذه‏ ‏الأسئلة‏ ‏ليس‏ ‏لها‏ ‏علاقة‏ ‏بدور‏ ‏الأم‏ ‏أو‏ ‏الأب‏ ‏فحسب‏، ‏بل‏ ‏هى ‏مسئولية‏ ‏الأم‏ ‏والأب‏، ‏والمدرس‏، ‏والمجتمع‏ ‏والصحافة‏ ‏وكل‏ ‏وسائل‏ ‏الإعلام‏ ‏ثم‏ ‏إن‏ ‏المسألة‏ ‏لا‏ ‏تتعلق‏ ‏بالذكاء‏، ‏فمنظومة‏ ‏القيم‏ ‏هى ‏منظومة‏ ‏تتعلق‏ ‏بالقيم‏ ‏الأخلاقية‏ ‏والدينية‏ ‏أكثر‏ ‏منها‏ ‏بالقدرات‏ ‏العقلية‏ ‏وتنمية‏ ‏الذكاء‏.‏

‏ ‏الإعلان‏ ‏الأول‏ “العنف‏ ‏بين‏ ‏الأطفال‏”

مجموعة‏ ‏أطفال‏ ‏يقومون‏ ‏بحبس‏ ‏صديقهم‏ ‏فى ‏حجرة‏ ‏مظلمة‏، ‏وهم‏ ‏يصيحون‏: ‏حيعيط‏.. ‏حيموت‏.. ‏حيقلد‏ ‏الكتكوت‏، ‏ثم‏ ‏يكتشفون‏ ‏إنبعاث‏ ‏ضوء‏ ‏من‏ ‏الحجرة‏ ‏المظلمة‏ ‏التى ‏حبسوا‏ ‏صديقهم‏ ‏بها‏، ‏وعندما‏ ‏يفتحون‏ ‏الباب‏، ‏يجدون‏ ‏صديقهم‏ ‏يلبس‏ ‏نوع‏ ‏معين‏ ‏من‏ ‏الأحذية‏ ‏ينبعث‏ ‏منه‏ ‏ضوء‏ ‏أحمر‏.‏

هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏خفيف‏ ‏الـظل‏، ‏وإذا‏ ‏كنا‏ ‏نعترض‏ ‏على ‏الحجرة‏ ‏المظلمة‏ ‏التى ‏هى ‏جزء‏ ‏لا‏ ‏يتجزأ‏ ‏من‏ ‏لعبة‏ “الاستغماية‏”، ‏فإن‏ ‏الاعتراض‏ ‏الأكبر‏ ‏يأتى ‏من‏ ‏التلويح‏ ‏أمام‏ ‏الأطفال‏ ‏وإغرائهم‏ ‏لاقتناء‏ ‏وشراء‏ ‏ما‏ ‏لا‏ ‏يستطيعون‏ ‏اقتناءه‏ ‏نظرا‏ ‏لثمنه‏ ‏الباهظ‏، ‏و‏‏فى ‏هذه‏ ‏الحالة‏ ‏سوف‏ ‏يسجنون‏ ‏فى ‏ظلام‏ ‏الفقر‏ ‏والحرمان‏، ‏وليس‏ ‏فقط‏ ‏فى ‏الحجرة‏ ‏المظلمة‏ ‏اعتراضى ‏على ‏هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏ليس‏ ‏لما‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏عنف‏، ‏ولكن‏ ‏لما‏ ‏فيه‏ ‏من‏ ‏إذلال

الإعلان‏ ‏الثانى ” ‏الرشوة‏”

شخص‏ ‏يقود‏ ‏سيارة‏ ‏ويطلب‏ ‏من‏ ‏عسكرى ‏المرور‏ ‏السماح‏ ‏له‏ ‏بالدخول‏.. ‏يرفض‏ ‏العسكرى ‏فى ‏البداية‏ ‏لأنه‏ ‏غير‏ ‏مسموح‏ ‏بالدخول‏ ‏من‏ ‏هذا‏ ‏الطريق‏… ‏فيقوم‏ ‏قائد‏ ‏السيارة‏ ‏بإعطائه‏ ‏كيسا‏ ‏من‏ ‏البطاطس‏… ‏فيفتح‏ ‏العسكرى ‏البوابة‏ ‏على ‏الفور‏.‏

هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏شديد‏ ‏الدلالة‏ ‏على ‏ما‏ ‏آلت‏ ‏إليه‏ ‏حال‏ ‏الدولة‏ ‏من‏ ‏هوان‏، ‏وللأسف‏ ‏الشديد‏ ‏فإنه‏ ‏يدل‏ ‏على ‏ما‏ ‏يجرى ‏فعلا‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏وعند‏ ‏التقاطعات‏، ‏فعند‏ ‏كل‏ ‏تقاطع‏ ‏يقف‏ ‏عسكرى ‏المرور‏ ‏ويمـد‏ ‏يده‏ ‏نصف‏ ‏نصف‏، ‏ويقول‏ ‏لسائق‏ ‏السيارة‏ ‏الفارهة‏: ‏كل‏ ‏سنة‏ ‏وانت‏ ‏طيب‏ (‏على ‏العمال‏ ‏على ‏البطال‏)، ‏وأعتقد‏ ‏أن‏ ‏الأطفال‏ ‏يرون‏ ‏ذلك‏، ‏ثم‏ ‏يأتى ‏التليفزيون‏ ‏ليؤكد‏ ‏لهم‏ ‏أن‏ ‏ما‏ ‏يعمـله‏ ‏ذويهم‏ ‏بالبقشيش‏ ‏عند‏ ‏إشارة‏ ‏المرور‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يعملوه‏ ‏هم‏ ‏بكيس‏ ‏من‏ ‏البطاطس‏، ‏فينشأ‏ ‏الطفل‏ ‏مستهينا‏ ‏بالعساكر‏، ‏وبالنظام‏، ‏وبالدولة‏، ‏وبالأمانة.

الإعلان‏ ‏الثالث‏ “الكذب‏ ‏وعدم‏ ‏الإلتزام‏”

فتاة‏ ‏جامعية‏، ‏يبدو‏ ‏من‏ ‏الأدوات‏ ‏التى ‏تمسك‏ ‏بها‏ ‏أنها‏ ‏طالبة‏ ‏بكلية‏ ‏الهندسة‏… ‏تشاهد‏ ‏التليفزيون‏ ‏وهى ‏منبهرة‏ ‏بجمال‏ ‏الصورة‏ ‏والألوان‏، ‏وتنبهها‏ ‏أمها‏ ‏إلى ‏تأخيرها‏ ‏عن‏ ‏موعد‏ ‏المحاضرات‏، ‏فتجيبها‏ ‏الفتاة‏: ‏أن‏ ‏المحاضرة‏ ‏قد‏ ‏ألغيت‏ ‏رغم‏ ‏أنه‏ ‏يبدو‏ ‏من‏ ‏شكل‏ ‏الفتاة‏ ‏أنها‏ ‏كانت‏ ‏متأهبة‏ ‏بالفعل‏ ‏للذهاب‏ ‏إلى ‏الجامعة‏.‏

أظن‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏إعلان‏ ‏عن‏ ‏تليفزيون‏ ‏ماركة‏ ‏معينة‏، ‏وللأسف‏ ‏فإنه‏ ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏مسألة‏ ‏تعليم‏ ‏الكذب‏، ‏الذى ‏لا‏ ‏ينقص‏ ‏طلبتنا‏ ‏فى ‏الجامعة‏ ‏أن‏ ‏يتعلموه‏، ‏هو‏ ‏يعلن‏ -‏ضمنا‏- ‏ما‏ ‏آلت‏ ‏إليه‏ ‏الجامعة‏، ‏حتى ‏كلية‏ ‏الطب‏ ‏أصبحت‏ ‏تؤخذ‏ ‏شهادتها‏:‏من‏ ‏منازلهم‏”، ‏هانت‏ ‏الجامعة‏ ‏على ‏أهلها‏ ‏فكيف‏ ‏لا‏ ‏تهون‏ ‏على ‏رجال‏ ‏الإعلان‏ ‏ورجال‏ ‏التليفزيون‏.‏

من‏ ‏يهن‏ ‏يسهل‏ ‏الهوان‏ ‏عليه‏.‏

الإعلان‏ ‏الرابع‏ “افتقاد‏ ‏السلوك‏ ‏الراقى ‏فى ‏التعامل‏ ‏كالاستئذان‏”

فى ‏أحد‏ ‏الإعلانات‏ ‏يقوم‏ ‏أحد‏ ‏لاعبى ‏الكرة‏ ‏المشهورين‏ ‏بالجلوس‏ ‏إلى ‏جانب‏ ‏طفل‏ ‏وأمه‏، ‏ويعبر‏ ‏الطفل‏ ‏عن‏ ‏سعادته‏ ‏البالغة‏ ‏بجلوس‏ ‏هذا‏ ‏اللاعب‏ ‏إلى ‏جانبه‏ ‏وذلك‏ ‏بتقديم‏ ‏قطعة‏ ‏من‏ ‏نوع‏ ‏معين‏ ‏من‏ ‏البطاطس‏ ‏إلى ‏اللاعب‏ ‏الشهير‏، ‏ويبدو‏ ‏على ‏اللاعب‏ ‏إعجابه‏ ‏بطعم‏ ‏البطاطس‏، ‏فيأخذ‏ ‏قطعة‏ ‏أخرى ‏بدون‏ ‏إستئذان‏ ‏ثم‏ ‏يخطف‏ ‏الكيس‏ ‏من‏ ‏الطفل‏ ‏ويجرى‏، ‏فينطلق‏ ‏الطفل‏ ‏وراءه‏ ‏فى ‏محاولة‏ ‏للحاق‏ ‏به‏.‏

هذا‏ ‏من‏ ‏أخف‏ ‏الإعلانات‏ ‏التى ‏لا‏ ‏أكاد‏ ‏أجد‏ ‏عليها‏ ‏اعترضا‏ ‏معينا‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏يصبح‏ ‏لا‏ ‏عب‏ ‏الكرة‏، ‏هو‏ ‏المثل‏ ‏الأعلى‏، ‏وهو‏ ‏القدوة‏، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏فى ‏لعب‏ ‏الكرة‏، ‏ولكن‏ ‏أيضا‏ ‏فى ‏خطف‏ ‏الطعام‏، ‏وخطف‏ ‏الأضواء‏ ‏وخطف‏ ‏أشياء‏ ‏أخرى

أما‏ ‏عدم‏ ‏الاستئذان‏ ‏فهذا‏ ‏هو‏ ‏القاعدة‏ ‏للأسف‏ ‏فى ‏مجتمعنا‏ ‏الآن‏ ‏بحيث‏ ‏لا‏ ‏يضيف‏ ‏مثل‏ ‏هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏إليها‏ ‏جديدا‏ ‏

الإعلان‏ ‏الخامس‏ “ترسيخ‏ ‏أن‏ ‏التدريب‏ ‏المستمر‏ ‏ليس‏ ‏مبررا‏ ‏للفوز‏

– ‏حيث‏ ‏يتم‏ ‏الفوز‏ ‏عبر‏ ‏أشياء‏ ‏أخرى‏”

فى ‏أحد‏ ‏مسابقات‏ ‏الجرى ‏يبدو‏ ‏أحد‏ ‏المتسابقين‏ ‏وهو‏ ‏بداخل‏ ‏المضمار‏ ‏فى ‏وضع‏ ‏متأخر‏، ‏وفجأة‏ ‏تقوم‏ ‏فتاة‏ ‏جالسة‏ ‏فى ‏أحد‏ ‏المدرجات‏ ‏بإعطائه‏ ‏نوع‏ ‏معين‏ ‏من‏ ‏الشيكولاتة‏، ‏و‏،‏بعد‏ ‏أن‏ ‏يأكل‏ ‏المتسابق‏ ‏الشيكولاته‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يخترق‏ ‏زملاءه‏ ‏ويسبقهم‏ ‏ليصبح‏ ‏هو‏ ‏الأول‏ ‏فى ‏الترتيب‏، ‏والفضل‏ ‏للشيكولاته‏.‏

هذا‏ ‏أيضا‏ ‏إعلان‏ ‏خطير‏، ‏ليس‏ ‏فقط‏ ‏للإستهانة‏ ‏بالتدريب‏، ‏وإنما‏ ‏لأنه‏ ‏يقول‏ ‏ما‏ ‏يجرى ‏فعلا‏ ‏فى ‏بلدنا‏ ‏الآن‏، ‏فهو‏ ‏يعرى ‏القيم‏ ‏الجديدة‏، ‏لا‏ ‏لنرفضها‏، ‏ولكن‏ ‏لنتدرب‏ ‏عليها‏ ‏منذ‏ ‏الصغر‏، ‏فهو‏ ‏يصفق‏ ‏للاستسهال‏، ‏والتفكير‏ ‏السحري‏، ‏والرشوة‏، ‏والنجاح‏ ‏بدون‏ ‏مبررات‏ ‏النجاح‏، ‏ولكن‏ ‏بإطعام‏ ‏الفم‏، ‏والإغراءات‏ ‏ذات‏ ‏المضمون‏ ‏الذى ‏فيه‏ ‏همز‏ ‏ولمز‏!!! ‏

الإعلان‏ ‏السادس‏ “السرقة‏ ‏والاعتداء‏ ‏على ‏نصيب‏ ‏الأخرين‏”

يقوم‏ ‏طفل‏ ‏لا‏ ‏يتجاوز‏ ‏العاشرة‏ ‏بفتح‏ ‏الثلاجة‏ ‏خلسة‏ ‏وأخذ‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏بها‏ ‏من‏ ‏عصائرمن‏ ‏نوع‏ ‏معين‏، ‏ويبدو‏ ‏من‏ ‏الإعلان‏ ‏أنه‏ ‏متأهب‏ ‏للذهاب‏ ‏إلى ‏رحلة‏ ‏مع‏ ‏أصدقائه‏ ‏ثم‏ ‏تقوم‏ ‏أخته‏ ‏بفتح‏ ‏الثلاجة‏، ‏فتصرخ‏ ‏قائلة‏: ‏لقد‏ ‏أخذ‏ ‏كل‏ ‏العصير‏ ‏يا‏ ‏ماما‏.‏

لا‏ ‏أظن‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏سرقة‏ ‏بالمعنى ‏المباشر‏، ‏ولا‏ ‏أجد‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏ما‏ ‏يغرينى ‏على ‏رفضه‏، ‏إلا‏ ‏أننى ‏أكره‏ ‏إعلانات‏ ‏الأكل‏ ‏عموما‏، ‏وخصوصا‏ ‏عندما‏ ‏تعرض‏ ‏المشهيات‏ ‏على ‏من‏ ‏لا‏ ‏يملك‏ ‏مجرد‏ ‏أن‏ ‏يتذوقها‏، ‏وليس‏ ‏أن‏ ‏يتنافس‏ ‏مع‏ ‏أخته‏ ‏فى ‏الحصول‏ ‏عليها‏.‏

‏ ‏الإعلان‏ ‏السابع‏ “‏ترسيخ‏ ‏فكرة‏ ‏المقابل‏ ‏لكى ‏يتغاضى ‏الآخرون‏ ‏عن‏ ‏السلوكيات‏ ‏غير‏ ‏الملتزمة”

يبدو‏ ‏بعض‏ ‏الأطفال‏ ‏وهم‏ ‏يلعبون‏ ‏الكرة‏ ‏فى ‏الشارع‏ ‏ثم‏ ‏تسقط‏ ‏الكرة‏ ‏فى ‏أحد‏ ‏الفيلات‏، ‏مما‏ ‏يثير‏ ‏غضب‏ ‏بواب‏ ‏الفيلا‏ ‏فيقوم‏ ‏بالاحتفاظ‏ ‏بالكرة‏، ‏وعدم‏ ‏السماح‏ ‏لهم‏ ‏بأخذها‏ ‏ثانية‏، ‏فيعرضون‏ ‏عليه‏ ‏كيسا‏ ‏من‏ ‏البطاطس‏، ‏فيقوم‏ ‏بإعطائهم‏ ‏الكرة‏، ‏بل‏ ‏واللعب‏ ‏معهم‏ ‏

هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏أخف‏ ‏قليلا‏ ‏من‏ ‏إعلان‏ ‏رشوة‏ ‏عسكرى ‏المرور‏،‏لأن‏ ‏الأطفال‏ ‏يستردون‏ ‏كرتهم‏ ‏على ‏كل‏ ‏حال‏، ‏ويغرمون‏ ‏مقابل‏ ‏اعتدائهم‏ ‏على ‏حرمة‏ ‏منازل‏ ‏الغير فقط‏ ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏دمه‏ ‏ثقيل

الإعلانات‏ ‏الموجهة‏ ‏للتنبيه‏ ‏على ‏ضرورة‏ ‏التطعيم‏ ‏ضد‏ ‏شلل‏ ‏الأطفال‏..‏. ‏تظهر‏ ‏طفلتان‏ ‏أحدهما‏ ‏سليمة‏ ‏والأخرى ‏مصابة‏ ‏بشلل‏ ‏الأطفال‏، ‏وتقوم‏ ‏الفتاة‏ ‏السليمة‏ ‏بالدعوة‏ ‏إلى ‏ضرورة‏ ‏التطعيم‏ ‏ناصحة‏ ‏الجمهور‏ ‏بأن‏ ‏عليهم‏ ‏أن‏ ‏يأخذوا‏ ‏عبرة‏ ‏من‏ ‏حالة‏ ‏صديقتها‏ ‏المصابة‏ ‏التى ‏تستند‏ ‏على ‏عكاز‏ ‏كله‏ ‏ملل‏.‏

– والسؤال‏ ‏الآن‏.. ‏كيف‏ ‏تؤثر‏ ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏المعالجات‏ ‏الإعلانية‏ ‏على ‏نفسية‏ ‏المصابين‏ ‏بنفس‏ ‏المرض‏ ‏الذى ‏يتم‏ ‏تحذير‏ ‏المشاهدين‏ ‏منه؟

هذا‏ ‏الإعلان‏ ‏موجه‏ ‏أساسا‏ ‏للأهل‏ ‏ليطعموا‏ ‏أطفالهم‏، ‏ويمكن‏ ‏صياغته‏ ‏بحيث‏ ‏لا‏ ‏يؤذى ‏شعور‏ ‏الطفل‏ ‏المصاب‏، ‏وأظن‏ ‏أنه‏ ‏لو‏ ‏عمل‏ ‏بطريقة‏ ‏فيها‏ ‏مسئولية‏، ‏وإنسانية‏ ‏ورقة‏، ‏فإن‏ ‏فائدته‏، ‏حتى ‏على ‏الطفل‏ ‏المصاب‏، ‏أكبر‏ ‏من‏ ‏ضرره‏.‏

– كيف‏ ‏يؤثر‏ ‏العمل‏ ‏بالإعلانات‏ ‏على ‏الأطفال‏ ‏المشتغلين‏ ‏بها‏ ‏بالنسبة‏ ‏للمحيطين‏ ‏بهم‏ ‏على ‏مستوى ‏الأسرة‏ ‏والإخوة‏ ‏والزملاء‏ ‏فى ‏المدرسة‏ ‏والنادى؟

التمثيل‏ ‏عموما‏ ‏بالنسبة‏ ‏للأطفال‏ ‏هو‏ ‏تشويه‏ ‏لطفولتهم‏،‏ ‏وظروف‏ ‏تصوير‏ ‏الإعلانات‏ ‏التى ‏يستعمل‏ ‏فيها‏ ‏الأطفال‏ ‏هى ‏ظروف‏ ‏شديد‏ ‏الإهانة‏ ‏للبراء‏ة ‏والتقائية‏، ‏وأحسب‏ ‏أن‏ ‏حماية‏ ‏الأطفال‏ ‏من‏ ‏الاستغلال‏ ‏فى ‏العمل‏ ‏لا‏بد‏ ‏أن‏ ‏تمتد‏ ‏إلى ‏مجال‏ ‏التمثيل‏ ‏عامة‏، ‏ومجال‏ ‏الإعلانات‏ ‏على ‏وجه‏ ‏الخصوص.

– الكثير‏ ‏من‏ ‏الأطفال‏ ‏الذين‏ ‏يعملون‏ ‏بالإعلانات‏ ‏يعتبرون‏ ‏تحت‏ ‏السن‏ ‏القانونية‏ ‏لعمل‏ ‏الأطفال‏… ‏كيف‏ ‏يؤثر‏ ‏ذلك‏ ‏عليهم‏ ‏فى ‏المستقبل‏ ‏على ‏المستوى ‏النفسى ‏خاصة‏ ‏وأنهم‏ ‏قد‏ ‏تعودوا‏ ‏منذ‏ ‏الصغر‏ ‏على ‏الحصول‏ ‏على ‏مبالغ‏ ‏مالية‏ ‏عالية‏ ‏نسبيا‏ ‏مقابل‏ ‏ظهورهم‏ ‏فى ‏الإعلانات؟

ليس‏ ‏الأطفال‏ ‏الذين‏ ‏يحصلون‏ ‏على ‏الأجور‏ ‏مقابل‏ ‏ظهورهم‏ ‏فى ‏الإعلانات‏ ‏وإنما‏ ‏الأهل‏ ‏عادة‏،‏ ‏والرشاوى ‏القليلة‏ ‏التى ‏تعطى ‏للأطفال‏ ‏ليست‏ ‏هى ‏القضية‏، ‏وإنما‏ ‏القضية‏ ‏كما‏ ‏ذكرت‏ ‏فى ‏الإجابة‏ ‏عن‏ ‏السؤال‏ ‏السابق‏ ‏تتعلق‏ ‏بمسألة‏ ‏استغلال‏ ‏الأطفال‏.‏

– هل‏ ‏اشتغال‏ ‏بعض‏ ‏الغنائيين‏ ‏والفنانات‏ ‏بالإعلانات‏ ‏يؤثر‏ ‏عليهم‏ ‏سلبا‏ ‏أم‏ ‏إيجابا‏ ‏بالنسبة‏ ‏للجمهور‏… ‏ومن‏ ‏ناحية‏ ‏أخرى ‏كيف‏ ‏يؤثر‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏رواج‏ ‏السلعة‏ ‏بشكل‏ ‏نفسى ‏على ‏المستهلك؟

مسألة‏ ‏أن‏ ‏نجما‏ ‏رائعا‏ ‏مثل‏ ‏جميل‏ ‏راتب‏ ‏أو‏ ‏نجمة‏ ‏مبدعة‏ ‏مثل‏ ‏سناء‏ ‏جميل‏ ‏يظهرورن‏ ‏فى ‏الإعلانات‏: ‏مسألة‏ ‏ترجع‏ ‏إلى ‏قيمهم‏ ‏وأخلاقهم‏ ‏وظروفهم‏ ‏المادية‏، ‏أما‏ ‏تأثير‏ ‏ذلك‏ ‏على ‏الجمهور‏ ‏فهذا‏ ‏يتوقف‏ ‏على ‏الجمهور‏ ‏المتلقى ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏، ‏فأحيانا‏ ‏ما‏ ‏يتقبلهم‏ ‏البعض‏ ‏ويعذر‏ ‏ظروفهم‏ ‏واضطرارهم‏ ‏إلى ‏ذلك‏ -‏إن‏ ‏كانوا‏ ‏مضطرين فعلاً، ‏ولا‏ ‏أظن‏ ‏أن‏ ‏الغالبية‏ ‏كذلك‏ – ‏وأحياناما‏ ‏تهتز‏ ‏قيمتهم‏، ‏ولعل‏ ‏فى ‏اهتزاز‏ ‏القيمة‏ ‏الأدبية‏ ‏لبعض‏ ‏هؤلاء‏ ‏النجوم‏ ‏الأصغر‏ ‏أمام‏ ‏عشاقهم‏ ‏من‏ ‏الشباب‏ ‏ما‏ ‏يقلل‏ ‏من‏ ‏دورهم‏ ‏الضار‏ ‏كمثل‏ ‏أعلى ‏لهؤلاء‏ ‏الشباب‏، ‏فلا‏ ‏يعودون‏ ‏مثلا‏ ‏أعلى ‏أوأدنى ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏يظهروا‏ ‏فى ‏مثل‏ ‏هذه‏ ‏الإعلانات‏.‏

‏ ‏البث‏ ‏المباشر‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الأقمار‏ ‏الصناعية؟‏ ‏التى ‏تحمل‏ ‏برامجا‏ ‏لا‏ ‏تتفق‏ ‏مع‏ ‏تقاليد‏ ‏ومبادئ‏ ‏المجتمع‏ ‏المصرى ‏والعربى ‏عامة‏:‏

‏- ما‏ ‏تأثير‏ ‏هذه‏ ‏البرامج‏ ‏مثل‏ ‏الأفلام‏ ‏الجنسية‏ ‏على ‏الأطفال؟

هذا‏ ‏سؤال‏ ‏صعب‏ ‏ويكاد‏ ‏يحمل‏ ‏إجابته‏ ‏فى ‏ألفاظه‏، ‏فمثلا‏ ‏هل‏ ‏تتصور‏ ‏أننى ‏سأرد‏ ‏وأقول‏ ‏إن‏ ‏تأثيرهذه‏ ‏الأفلام‏ ‏هو‏ ‏تأثير‏ ‏ثقافى ‏تحررى ‏وآخر‏ ‏تمام؟‏ ‏المسألة‏ ‏ليست‏ ‏تأثير‏ ‏على ‏الأطفال‏ ‏أو‏ ‏على ‏الكبار‏، ‏المسألة‏ ‏هى ‏حقيقية‏ ‏الحرية‏ ‏الداخلية‏ ‏والخارجية‏ ‏التى ‏يعيشها‏ ‏الصغار‏ ‏والكبار‏، ‏والفرق‏ ‏بين‏ ‏الاتزام‏ ‏والجبن‏، ‏والفرق‏ ‏بين‏ ‏السر‏ ‏والعانية‏، ‏والفرق‏ ‏بين‏ ‏التنظيم‏ ‏والسرقة‏، ‏أليس‏ ‏الأجدر‏ ‏بنا‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏نسأل‏ ‏أسئلة‏ ‏أجوبتها‏ ‏بمثابة‏ ‏تحصيل‏ ‏الحاصل‏ ‏أن‏ ‏نواجه‏ ‏المأزق‏ ‏من‏ ‏أصله تأثيرها‏ ‏ضار‏، ‏وإلغاؤها‏ ‏مستحيل‏، ‏والتنظيم‏ ‏ممكن‏.‏

*****

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *