الرئيسية / مجلة الإنسان والتطور / عدد يوليو 1984 / عدد يوليو 1984 : حنا. ك وفلسفة الدعاية الإسرائيلية لنفهم ما يقوله المسيو جافراس!

عدد يوليو 1984 : حنا. ك وفلسفة الدعاية الإسرائيلية لنفهم ما يقوله المسيو جافراس!

عدد يوليو 1984

حنا. ك وفلسفة الدعاية الإسرائيلية

لنفهم ما يقوله المسيو جافراس!

 محمد فتحى عبد الفتاح

على المرء أن يكون يقظا اذا أراد استيعاب ما يقوله انسان ذكى، فما بالك أن كان هذا الإنسان “عبقريا” وليس ذكيا فقط.

اليس عبقريا من يستطيع أن يعمل فى عصرنا بالسياسة ولا يقول فقط، أو يسمع فقط، بل ويجد من يصفقون له فى زوايا عالمنا الأربع، رغم اختلاف المشارب والاتجاهات؟‍

اليس عبقريا ثانيا من يبحر فى محيط السياسة العاصف ممتطيا “جواد” السينما، وهى فن يرتبط بمتاهة مالية بالغة التعقيد والشراسة، لم تتوان عن ابتلاع كثير من الفنانين العباقرة فعلا وفى طرفة عين؟‍

اليس عبقريا ثالثا من يستخدم الأموال الامريكية فى الهجوم على التورط الامريكى فى الانقلاب على الليندى (فيلم  MISSINGالحائز على جائزة احسن فيلم فى مهرجان كان وعلى أوسكار أحسن سيناريو، والذى أصدرت الخارجية الامريكية احتجاجا رسميا عليه ) جهارا نهارا فى العالم كله؟؟

اليس عبقريا اخيرا وليس آخرا من يجيد اللغة السينمائية بدرجة ترفعه فوق منصات الشرف فى أكثر من مهرجان ومحفل سينمائى عالمى؟

نعم لقد تجمع حسن هؤلاء العباقرة اتمنى ان يكون مفهوم العبقرية الذى أقصد قد تحدد جميعا فى رجل واحد هو كوستاجا فراس، الأمر الذى يفرض على المشاهد العربى أن يتحلى باقصى درجات اليقظة وهو يقف فى محرابه يعايش “حنا .ك”، الذى يتميز عن أفلام المخرج العبقرى الأخرى بارتباطه بوجودنا على نحو من الانحاء ..

ولا جدال فى أن تحديد هذا النحو يشكل محورا اساسيا لاى كلام عن الفيلم بالذات وقد اوقع النقاد الناس فى حيص بيص بعد أن تفرقوا (1) على طرق نقيض اولئك يعدونه فيلما يدافع عن القضية الفلسطينية، وحق العرب فى اراضيهم وهؤلاء لا يرون فيه الا ما يعبر عن وجهة النظر الصهيونية، ناهيك عن دعاوى عداء الفيلم للسامية.

الموضوعية بين النص الفنى والمتلقى

وحتى نتفق على ان الموضوعية تتجاوز ما هو مرقوم  على الشريط السينمائى لا بأس من بعض الامثلة.

قد يرتفع صوت المؤذن يدعو للصلاة، كما يتردد قوله تعالى “قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا انتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا انتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولى دين” لكننى أنا المتفرج المسلم أرى ذلك من موقعى بصورة مختلفة تماما عن الصورة التى يراه بها صليبى، أو حتى انسان عادى من بلاد الشمال، تصميه أجهزة دعائية بتحذيرات “المسلمون قادمون”

قد يظهر عربى مسلح فى الفيلم واسمعه يصيح مرة بالعربية ثورة حتى النصر، واراه اخرى يرفع اصابعه بعلامة النصر “7”، (2)لكننى انظر الى ذلك كله من موقعى بصورة مختلفة تماما عن الصورة التى ينظر بها اوربى لا يفهم حتى معنى الالفاظ العربية، وقد ارهقه الالحاح على اعصابه باحاديث عن الارهاب والهمجية والغوغائية ناهيك عن انه يجد من يصف هذا الرجل فى الفيلم بالارهابىّ

قد يظهر منزل يرجع تاريخه الى القرن التاسع عشر، شرقى الملامح راسخ البنيان تزينه الآيات القرآنية وآلة العود ……الخ، لكنى اراه من موقعى صورة مختلفة تماما عن الصورة التى يراه بها الأوربى : نسخة طبق الأصل من المتحف التركى البغيض، الذى يحرصون فى أى نجع أوربى على الابقاء عليه اينما وجد، وعلى ما يذكر به اينما لم يوجد (3) وبأى ثمن كان، ليظل نذيرا حيا امام اعين الاوربيين من تكرار صفحة سوداء فىتاريخهم، وتأكيدا على بربرية وتوحش ملوك الحريم انصار “الدين المحمدى”

قد يهزنى مشهد بيت ينسف عمدا امام سكانه لمجرد ايوائهم لعابر سبيل وقد يشاركنى الاوربى ذلك لوهلة واحدة، لكن الأمر يختلف كثيرا فى عينه بعد أن تقوده كل الملابسات الى ان هذا العابر وحش ماكر، يمارس باعصاب باردة بث الالغام وتفجير القنابل لقتل العزل الابرياء من النساء والاطفال، فى المدارس والاسواق والباصات ذلك اضافة الى ما تقوده اليه الدعاية من ان سكان البيت قوم يجزم التاريخ والتخلف على استحالة التعامل معهم دون تخويف رادع .. اليس نسف المنزل أخيرا أهون من قتل الأحياء الابرياء؟

نتمنى ان تكون هذه الامثلة كافية للايضاح ولا نقول الاقناع فهذا حديث آخر عن الموضوعية بين النص الفنى والمتلقى، ربما كان لنا معه حكاية لاحقة لكن ما يهمنا التأكيد عليه قبل الانتقال من هذه النقطة هو استحالة اعتبار ما هو مرقوم على الشريط، رغم اهميته البالغة، الفيصل الأخير فى الحكم على تأثير العمل الفنى وان كان ذلك ينطبق على الادب وللفن بوجه عام قيراطا واحدا، فهو ينطبق على فن السينما بالذات 24 قيراطا، لسعة الشقة بين العوالم التى تتلقاه من جهة، وثراء اللغة السينمائية، البعيدة عن الدلالات القاطعة أو الضيقة المحددة من جهة أخرى.

وقد يرى البعض انى اورط نفسى والفارئ  فى مشكلة لا مخرج منها فاى متفرج ناخذ مرجعا للحكم على الفيلم؟ أنا ام انت ام الصينى أم الأوربى؟ نعم قد تكون هناك مشكلة، وقد تكون أكبر أو أهون مما نتصور، لكن تجاهلها لا يلغيها بحال أن ضرورة الفهم والاستيعاب وهما ما تدعو اليه منذ البداية امر لا يترك امامنا لا ان نواجهها.

قانون ليبكين والممارسات التعددية

اى جماعة من المشاهدين يخاطب هذا الفيلم؟ وان كان يخاطب اكثر من جمهور فبأى منطق؟ … لا بأس من أن تصادر على الاسئلة الكثيرة، التى يمكن ان تترى فى هذا الصدد، بأن نقول ان ليبكين (كان استاذا للطبيعة النووية فى معهد وايزمان، وفى نفس الوقت احد الفلاسفة الذين طوروا اسس الدعاية الاسرائيلية، وقدموا لها منطقا جديدا) قد اقترح، تطبيقا للقانون الذى دخل “علم” الدعاية تحت اسمه، ان تنسى اسرائيل صورتها الذاتية، وان تجعل نفسها مرآة يرى فيها كل مستقبل اجنبى ما يعبر عن مشاكله واهدافه وذاتيته، واذا رجعنا الى نص كلمات الرجل لوجدناه يقول “يجب ان يرى كل فرد الشرق الاوسط من خلال مشاكله الشخصية، وان يرفض الانسياق وراء الوقائع او الحجج الخلقية”

وقبل أن نترك هذه النقطة ننوه بأن ليبكين طور بالفعل ممارسات تعددية اجادتها الدعاية الصهيونية، منذ فجر الحركة وقبل قيام اسرائيل.

لقد كان هرتزل يحدث السلطان عن الثراء الذى  ينتظره حالما يتولى بنو اسرائيل استغلال ارض فلسطين المملوءة بالخيرات وكان يقول لليهود ان السلطان على استعداد لفتح فلسطين امامهم اذا ما قدم له اليهود الاموال الضرورية ويشكو للصيارفة مصير اليهود الذين لا يستطيعون الذهاب الى فلسطين بسبب قلة المهاجرين وقد بلغ التضليل فى اطار التعددية مداه يوم زعم امام نادى العاملين اليهود بأنه يجرى مفاوضات مباشرة مع السلطان فى الوقت الذى لم يكن الاخير قد راى وجه هرتزل بالمرة.

المهم ليس جافراس وانما ما يقوله

وأرانى لا أستطيع أن أنحى لأطول من ذلك الأصوات التى تعترض على هذه الوجهة الانقلابية فى الحديث : مال كوستا جافراس النابغة الذى وظف فنه لمحاربة الفاشية فى كل صورها، ومال فن السينما بالدعاية؟

وأبادر بالرد أن شخص كوستا جافراس المصون لا يعنينى هنا بالمرة لأن ما يهمنى هو ما يقوله على رؤوس الاشهاد فى فيلمه ولعل القارئ يعذر لى الاهتمام بالقول دون الشخص اذا تذكر الفخ الدعائى الذى حولنا عام 67 الى بوق واحد، يردد بأعلى صوت ما يتيح ترويج واحدة من مقومات الدعاية الاسرائيلية، وما يساعدها على أن ترفع عقيرتها “بالأنين” فى انحاء العالم : ” أنظروا انهم يهمون بالقائنا فى البحر” .. لقد كان معظمنا يفعل ذلك بجهل وحسن نية وقد يكون اقول قد جافراس حسن النية فعلا لكن الطريق الى الجحيم مفروش كما يقال بالنوايا الطيبة

اما عن علاقة الفن بالدعاية فلا اعتقد اننى اقول جديدا، وان كان مما يفيد رصد بعض الخطوط العريضة فيما يخص موضوعنا :

لقد بدأت الحركة الصهيونية اساسا حركة ادبية تاريخية أى تهتم بالادب والتاريخ

أن السياسة الثقافية الاسرائيلية احد اساليب وقنوات الدعاية الاسرائيلية

أن أقوى الاعمال الدعائية هى تلك التى تقدم نفسها فى ثوب فنى بعيدا عن شبهة الدعاية وهو أمر التفتت اليه الدعاية الاسرائيلية دوما وهى تركز عليه بصورة خاصة مؤخرا.

ان التاريخ الحديث والمعاصر بالذات يعرفان افلاما صهيونية فاسرائيلية مكرسة للدعاية وقد واكب بل وسبق “حنا ك” افلام اسرائيلية تقول اهم ما يمكن ان يحسبه عربى لهذا الفيلم.

اننا بذلك لا نصادر على المطلوب وانما ندلل فقط على امكانيه أن يكون الفيلم مجرد حلقة فى سلسلة الاعمال الدعائية.

***

ولا بأس من الانتقال بعد هذا التمهيد المسهب الى “حنا . ك”.

يبدأ الفيلم وظلام الليل مازال يرخى سدوله قوة عسكرية اسرائيلية تلقى القبض على اربعة من الارهابيين (المسلحين العرب) فى احدى قرى الضفة الغربية لنهر الاردن ومن داخل احد بيوت القرية يخرج العسكر وراء الكلاب البوليسية مقنفين آثار شخص خامس ينقطع الاثر ويجذب الكلب الجندى الاسرائيلى فى سعار الى أحد الآبار يلتف الجنود حوله ويسفر ضوء كشافاتهم عن شاب قابع فى قاع البئر يرتدى ملابس مدنية يطلب العسكر منه الصعود : “أطلع اطلع بسرعة بسرعة” ويقذفون له بالدلو ليتعلق فيه ويسحبوا الحبل، ليحاصروه بالاسئلة التى تترى بسرعة : “وين سلاحك” وين خبيته ؟ احكى ما تحاولشى تتشطر كنتم رايحين وين؟ من وين جايين؟ شو اسمك؟”

نسف البيت والمحاكمة وابعاد المتسلل

ويقتاد الجنود سليم بكرى الى السيارة ليوثقوه مع الاربعة الآخرين وتنتقل الكاميرا لمتابعة البيت العربى التقليدى الذى نزل سليم به، وهو منزل ناصع البياض، لا يتلاءم بياضه مع واقع ساكنيه، وعلى طرف جبل فوق سطحه يرفرف منديل ابيض كالراية اصحاب المنزل يدخلون ويخرجون مسرعين كل منهم يحمل ما استطاع من حاجيات، ويجن المنديل فى رفرفته، وبعض العسكر منشغلين بالتجهيز لنسف البيت بينما يدفع بعضهم بامراة عجوز تحاول دخول المنزل ثانية ليحميها من الانفجار .. وبعد لحظات يتحول المنزل الى كومة من الرماد امام عيون اصحابه..

فورا يرتفع صوت آذان الفجر “الله اكبر” يلاحقه آذان مسجد آخر ورويدا تنفرج تباشير الصباح وموكب نقل المعتقلين ينهب النطقة بسرعة يرتفع صوت المسلحين برهة “ثورة ثورة حتى النصر” ونلمح بعضهم وهم بعضهم وهم يغادرون العربة الى السجن اصابعهم تصنع علامة النصر (7)

وخلال محاكمة سليم المدنى الوحيد بين المعتقلين تبدأ حكايتنا مع حنا . ك المحامية التى كلفتها السلطات بالدفاع عنه بالكاد تلحق بموعد المحاكمة وعلى عجل تخلع سترتها لترتدى ثوب المحاماة، دون أن يفوتها مداعبة من يداعبها واثناء المحاكمة يعامل المدعى العام سليم بكرى على انه ارهابى زميل للآخرين، وهى تدفع بعدم جواز عقابه على شئ لم يرتكبه بحجة انه ينتويه ان مصادفة وجوده فى مكان القبض على ارهابيين لا تعنى انه منهم انه لم يرتكب جرما، ولم يضبط معه سلاح، ولم تكشف الملابسات عن شئ يدينه، ان خطاه الوحيد هو تسلله ولا يحتاج الامر لأكثر من ابعاده الى الجانب الآخر مرة اخرى وبالرغم من رد المدعى العام لحنا خلال دفاعها الحماسى الانفعالى فى قانون ذكرت رقمه خطأ، وتأكدها من الخطأ بعد مراجعة اوراقها، برغم ذلك تقر المحكمة بدفاعها ونرى سليم وهو يرحل فى عربة جيب الى الحدود وعلى الجانب الاسرائيلى من الجسر يخلع سترة من سترات العسكر الاسرائيليين، كان يرتديها لتقيه من البرد، ويقدمها للجنود الذين يقولون له انها لك فيشكرهم ويتركها ويمضى فى صحبة احد العسكر حتى منتصف جسر اللنبى تماما، حيث يخف العسكر من الجانب الآخر للقائه.

حنا وجنينها بين الزوج والحبيب

تفرغ الساحة بعد ذلك لتقديم حنا . ك من خلال مشهدين اولهما وهى مع هرتزوج المدعى العام الذى كانت تقارعه فى المحكمة للتو ولكن هذه المرة فى نزهة خلوية على الشاطئ تخرج من البحر لتجفف جسدها وتتحسس بطنها وصدرها وصوت طفل “يواوا” من خارج الكادر ثم صور اطفال يلعبون وهى تحاول ان تقبل هرتزوج لكنه يردها غاضبا والمشهد الثانى بعد ذلك مباشرة لحنا فى المطار وهى تستقبل زوجها الفرنسى وسط مظاهر غيرة العشيق (هرتزوج) الذى خف ليرقب اللقاء من بعيد ويسأله أحدهم عن سر وجوده فى المطار : ان كان قادما أم مسافرا ام ان فى الأمر عملية ارهابية؟

ومن خلال المشهدين وما تخللهما من حوار يقدم لنا الفيلم صورة بانورامية لحنا . ك وحياتها، لقد ولدت حنا كوفمان وشبت فى امريكا، وان كانت من أصل بولندى وقد تزوجت من كاثوليكى فرنسى وحملت بذلك الجنسية الفرنسية ثم هاجرت دون ان تنفصل عن زوجها الى ارض الميعاد لتعيش فى كيبوتس مزرعة جماعية مسلحة وارتبطت فيها بشاعر رحل ليعمل سائقا فى امريكا بعد تجربة فاشلة استمرت 3 شهور ولما رحلت حنا الى القدس عاشرت المدعى العام الاسرائيلى هرتزوج دون زواج وحملت منه.

ومن خلال استقبال حنا لزوجها فى المطار، وتجوالها معه تنفتح امامنا بانوراما مدينة القدس بصبغتها الدينية الخاصة فمن حائط المبكى ومسجد عمر وكنيسة العذراء، الى جمهور المنتمين الى الاديان السماوية يبرز بينهم القساوسة المسيحيون، وصوت الاذان يقارع اصوات الكنائس على الدوام، ناهيك عن لقطة سريعة لدبابة محمولة على مقطورة قبل بانوراما القدس مباشرة.

ومن اللحظة الأولى للقاء حنا بزوجها الفرنسى نحس بالحاجز العميق الذى يفصل بينهما فهى تشرح له معنى كلمة “شالوم” انه لا يعرف شيئا عن لغتها وتراثها الذى تهتم به وتنتمى اليه وتتمسك به وبينما تحكى فى وجد عنه يبدو صاحبنا فى عالم آخر تماما ولا يكف عن محاولته مداعبتها حسيا

فى فراشه الانفرادى فى منزل حنا يقلقه صوت الآذان فيخف قاصدا غرفة حنا ليجدها فى المطبخ وكأنها تبرد جسدها بالارتكاز على الثلاجة المفتوحة الباب يتصل بينهما الحديث وتقرر السفر معه لتضع مولودها فى فرنسا.

عودة سليم وقضية المنزل / المتحف

تفاجئ عند ذهابها الى العمل بالبروفيسور الذى يتراس المكتب القانونى يوكل قضية لها بالذات، بناء على طلب صاحب القضية تذهب الى السجن وتلتقى عند الباب بميمون طبيب السجن الذى يحييها بقبلة يتضح أن صاحب القضية هو نفسه سليم بكرى الذى تسلل مرة أخرى ومعه وثائق يحاول ان يثبت بها قضائيا ملكيته لبيت اهله، بعد أن تجاهلت وزارتى الخارجية والداخلية والسلطات العسكرية طلباته المتكررة فى هذا الصدد وخلال اللقاء تكتشف حنا معرفة سليم الانجليزية رغم انه يتكلم معها عبر مترجم فتسأله “ما الخطب؟” ليقول لها انها هى التى طلبت المترجم فتجيبه نعم فقد كنت اعتقد انك لا تعرف الانجليزية اما وأنت تعرفها فيمكنك ان تتكلم بنفسك وتطرح ما تريد ان تقول ماذا تريد منى؟! فيرد عليها سليم بأنهم لا يستمعون الى ما يقوله ويسألها الا ترفض مساعدته رغم اعتذارها لاعتزامها السفر، بالذات والقضية ستنظر بعد باكر قبل موعد سفرها، ويناولها أوراقا كاملة للقضية ويسألها ان كانت 2000 دولار تكفى اتعابا ام انها فى حاجة الى مزيد؟

تصحب حنا زوجها فى ازمتها الزمانية لمعاينة الموقف ميدانيا وفى الطريق الى القرية يوقفها العسكر، ويطلبون رخصة القيادة ويسألونها عن وجهتها وينفى الشرطى وجود اسم القرية التى تذكرها “كفر الرمانة” ولما يفحصا خريطتها سويا يقول لها هناك ما يسمى “كفار ريمون” فتقول ان الفرق ليس بكبير وتمضى الى القرية.

تلتقى اول ما تلتقى بطفلة صغيرة فتسألها عن اسمها فلا ترد الصغيرة وتعاجلها امها باللغة الروسية قولى للسيدة ما اسمك؟ فترد الطفلة “ليود ميلا” ويتصل الحديث فنفهم ان السيدة، سوداء الشعر والعينين، حلت مهاجرة من الاتحاد السوفييتى قبل شهور قليلة حنا تود ان ترشدها السيدة الى مكان البيت والسيدة لا تدرى شيئا عن طبيعة المكان الذى حلت لتسكنه وما اذا كان قد شهد يوما ما قرية عربية تدعو السيدة حنا للدخول الى منزلها فتطاوعها لترى مجموعة من اولاد المهاجرين الروس فيما يشبه المدرسة تدعو السيدة حنا للجلوس وشرب الشاى لكن حنا تستأذن لعجلتها وترشدها السيدة الى مكان متحف موجود بالقرب منهم.

تدخل حنا وزوجها لتجد دليلة تحدث الزوار عن محتوياته وتشرح لهم تاريخه الذى يرجع إلى منتصف القرن التاسع عشر. فيكتور يحدث حنا فيلتفت لهم شاب معه فتاة فى استنكار واستهجان. تركز الدليلة على أماكن الصلاة المزينة بالآيات القرآنية، وعلى العود حجرات الحريم ومع تكرار الاستنكار يستأذن فيكتور من حنا قائلا سأنتظرك فى الحريم. تتحرك الدليلة ويتحرك الجمع وراءها والشاب الذى استهجن ضجة زوج حنا يحتضن زميلته. تمضى حنا وحدها فى مضاهاة مستنداتها على أجزاء المنزل وبعد أن تتأكد من تطابق ما فى يدها من مستندات مع واقع البيت، حتى صورة الأسرة الكثيرة العدد والعيال والتى يظهر فيها سليم رضيعا تخرج حنا إلى الفضاء المحيط بالبيت لتجد راعيا عربيا عجوزا يخف وراء أغنامه صائحا كالمجذوب هون كفر الرمانة. يكرر ذلك والموسيقى الشرقية – التى ركز الفيلم عليها وعلى عزف العود خاصة فى مشاهد بعينها من الفيلم – تتحول إلى لحن أكثر سذاجة.

منطق حنا فى مواجهة منطق هرتزوج

تنقلنا الكاميرا إلى قاعة المحكمة، وحنا تتحدث مع سليم الذى يروى لها عن سفراته إلى بيروت وبرلين الشرقية والغربية . . وتسلله والطلبات التى قدمها للحصول على تأشيرة والقاضى يلفت نظرها “أننا ننتظرك يا كوفمان” ويحتدم الدفاع ويطول حتى يسألها المدعى العام فى سخرية “من هم أهله – يقصد سليم – ما هى جنسيتهم أو جنسيته؟ أنه لا ينتمى إلى حد هنا ولا ينتمى إلى أى بلد وليست لديه اية جنسية. أنك تتحدثين عن شخص لا هوية ولا وطن ولا جواز سفر له” فتقاطعه حنا “وقد لا يكون موجوداً بالمرة!”.

يحل موعد الطائرة أثناء الجلسة فيغادر الزوج الكاثوليكى المحكمة إلى المطار تاركا تذكرة حنا لصحفى بروتستانتى تعرف به عرضا فى الطرقة وحين تلحق به فى آخر لحظة بالمطار بعد أرجاء الجلسة يعاملها بجفاء ويبتعد عنها وهى تحاول أن تقبله ويسألها إن كانت قد قررت شيئا بالنسبة للطفل.

تستيقظ من نومها على رنين التليفون الذى لا ينقطع حاملا لها المكالمات العدائية التى تضع حدا لها بتعليق سماعة التليفون. وهى تستعد للحاق بجلسة المحكمة فى عجلة يفاجئها جرس مزعج فتتجه نحو التليفون المعلق لتدرك أنه جرس الباب، تقف مرعوبة والجرس يدق فى عصبية تستجمع قواها وتفتح الباب لتجد المدعى العام أمامها، يتعانقان ويسألها عن التليفون المعطل ويطلب إليها أن تعد له مشروبا ساخنا ويخبرها أنه جاء ليصطحبها إلى مكتب البروفيسور. وهناك تجرى مناقشة قضية سليم بكرى، فأقل حكم يمكن أن يصدر فيها 8 شهور، وهم يقترحون مساعدة سليم فى الحصول على جنسية بلد صديق هو جنوب أفريقيا، بالذات وملامح سليم وعيونه الزرقاء تؤهله لذلك، وهكذا يصبح فى إمكانه أن يعاود المطالبة بإثبات حق ملكيته فى سياق طبيعى. ويحتدم النقاش ويتهمون حنا بأنها تبدو كوميدية إن كانت تتصور إمكانية إعطاء جنسية البلاد لكل من يطلبها من العرب. إن الأمر لا يمكن علاجه بالرومانتيكيات والمشاعر العاطفية الفجة والسذاجة. وينفجر البروفيسور العجوز “استمعى إلى جيداً يا حنا. على مدى ألفى عام عشنا شتاتا راحلين ومرحلين. عاثوا فينا محارق ومذابح. لقد مات أهلك فى الهولوكست. ثم صار لنا اليوم وطن وقومية وكيان علينا أن نحميها بكل السبل ومهما كان الثمن” فترد حنا وهل ننكر نفس هذه الحقوق على غيرنا، فيرد فى حسم “نعم لو دعت إلى ذلك ضرورة”.

سليم فى بيت حنا

وتنقلنا الكاميرا بعد ذلك إلى البيت الجديد لحنا (فيلا أنيقة على النظام الغربى) وقد وضعت طفلها الصغير داود وهى تحتفل بختان الطفل وتقف بين المدعوين تتابع عملية الختان وما يصاحبها من طقوس. وخلال الحفل يحدث سوء تفاهم بينها وبين هرتزوج الأب حول وضع علاقتهما. وتحاول هى تهدئة الموقف بتقبيله فيصفعها ثم يعتذر لها فتستسمحه البقاء مع المدعوين بعض ا لوقت لكنه يردها بأنه جاء ليرى طفله، وينصرف.

وأثناء الحفل يدرك ميمون طبيب السجن الخادمة العربية فى طرقة المنزل تحمل الشراب فيستوقفها ويتناول كأسا بيد بينما يمسك الصينية بيده الأخرى حتى لا تتحرك الخادمة ويهتبل الطبيب الفرصة ليعب عدة كئوس وهو يحدث حنا عن سليم بكرى الذى تدهورى صحته كثيرا، بعد أن أضرب عن الطعام منذ أسبوعين، وأنه يمكن إنقاذ الموقف بالإفراج عنه بضمانه أحد الإسرائيلين.

وتذهب حنا فى اليوم التالى إلى السجن، وتضمن بنفسها سليم! ويخرج ليقيم فى جراج بيتها، ترعاه معها الخادمة العربية. وتتحسن صحة سليم رويدا ويقدمه لنا المخرج وهو يرعى طفل حنا

من خلال لقاء بينه – وهو يدفع عربة الطفل وبين هرتزوج الأب (المدعى العام) المتوجه لزيارة حنا وحين يلقاها تحدث مشادة بينهما ويحاول اقناعها بأن سليم ارهابى وأنه كان ضمن الارهابيين فى المرة الأولى وقد عاد اليوم وقد غير استراتيجيته ليستغل علاقته بها ..

وبالرغم من رفض حنا لدعاوى هرتزوج تراقب سليم وفى أحد المرات ينسل من المنزل بعد أن يدفع اليها بالطفل مباشرة فتتبعه حيث يذهب الى القدس العربية ويسهب الفيلم فى تصويره هذه الرحلة بمختلف المؤثرات التى تجسم الجو العربى فمن غناء الشيخ امام علىالعود “اذا الشمس غرقت فى بحر الغمام ..” الى القرآن الكريم الى صوت أم كلثوم وفيروز ..

ولابد أن يستوقف المرء فى هذا المشهد الطويل جدا ثلاث لحظات على الأقل الأولى وسليم يتوقف أمام بائع بعد أحد المنحنيات مباشرة وكأنه يفعل ذلك عمدا ليراقب ما اذا كان احد يتبعه وبالفعل ترتبك حنا وتكاد تنكشف، لكنها تملك زمام نفسها ثم تتوقف هى الاخرى وتشترى من المأكولات والثانية وسليم يدلف بيسر قرب نهاية المشهد من باب عليه حراسة بينما يوقف البوليس حنا لتفتيش حقيبتها حين تحاول المرور بعده مباشرة واللحظة الثالثة هى لحظة لقاء سليم مع بعض العرب من بعيد (لونج شوت) بالاحضان والقبلات وتبادله معهم كلمات قليلة ليعود ادراجه بسرعة، وكأنه كان يؤدى أو يتلقى رسالة محددة من أناس يعرفهم جيدا..

بعد ذلك نرى سليم متجها الى الأوتوبيس الذاهب الى كفار ريمون وحنا تتابعه من سيارتها وصبى عربى يعرض عليها فطائره وامعانا فى اغرائها يقترح عليها ان تأخذ ثلاثة بسعر اثنين ويقطع سليم الرحلة الطويلة الى البلدة، ووراءه حنا، ولا يفعل هناك شيئا الا أن يغادر الاوتوبيس لوهلة مستأذنا السائق حتى يشرب جرعة ماء ومرة ثانية ليتسرب سليم ووراءه حنا الى القرية القديمة ويتجول فى شوارعها وبيوتها المهدمة ويرتفع ايقاع مطاردتها له فى ازقة القرية بدروبها الضيقة واشباح بيوتها المتلاصقة الساذجة وهناك يتوقف سليم وينادى حنا فهو يدرك انها تتابعه ويعرض عليها المسألة “انظرى حولك هذه البيوت المهجورة وآثار الخراب فى كل مكان لقد كانت عامرة بالناس الى ان جاء الاسرائيليون وحولوها الى خراب وكل الذى أريده أن تعود هذه البيوت الى اصحابها” وينتهى المشهد بحنا بين ذراعيه فى قبلة وسط الانقاض.

العملية الارهابية

تنتقل الكاميرا الى المطار فى لقطة لهيرتزوج تكرر لقطة وصول بونيه الفرنسى فى أول الفيلم نفس تفاصيل اللقطة والسؤال عما اذا كانت هناك عملية ارهابية ويصل فيكتور بونيه ويصحبه هرتزوج الذى استدعاه لحسم الموقف بعد ولادة حنا وتطور العلاقة بينها وبين سليم.

على باب منزل حنا يطل هرتزوج على الجراج ليجده خالبا من سليم ويدق تليفون سيارته فجأة فيعود اليها ليتلقى بلاغا حول وقوع عملية ارهابية ويكون تعليقه “مرة أخرى” ويتفق مع محدثه أن يظلا على اتصال ويصعد الى المنزل ليجتمع شمل الرجال الثلاثة سليم المقيم بالمنزل والضيفين (الزوج والعشيق) وحنا تطلب من الخادمة أن تضيف الى المائدة طاقمين جديدين.

يذهب بونيه الى حجرة الطفل ليراه وليختلى للحديث مع زوجته بينما يقف هرتزوج بالباب ينتظر النتيجة التليفزيون يعمل وسليم يتجه اليه ويحاول اغلاقه لكن هرتزوج يطلب منه أن يتركه لأن الاخبار وشيكة.

تستأذن الخادمة العربية فى مغادرة المنزل وتتشابك كل الخيوط حين تجلس حنا وسط الرجال الثلاثة حول المائدة تردد ” .. لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ..” وسليم يصحح لها ويذكرها وبونيه يسأل عما اذا كانت الابيات لبايرون .. وفجأة يذيع التليفزيون أنباء عن وقوع عملية ارهابية جديدة فى قرية كفار ريمون (البلدة التى زارها سليم) وتظهر مشاهد الجثث عبر شاشة التليفزيون (لقطة قريبة).

يسأل المدعى العام سليم أين كان ساعة تنفيذ العملية، ويشهر مسدسه فى وجهه ولا ينتظر بل يدير قرص التليفون طالبا ارسال قوة للقبض على ارهابى يدعى سليم بكرى والزوج الفرنسى يسأل سليم لماذا لا يتكلم ويرد التهمة؟ فيقول له سليم لقد اصدر الحكم فعلا فما فائدة الكلام ولأول مرة حنا مهزوزة تحاول أن تستعيد أحداث الصباح وكيف خرجت وعادت لتجد سليم فى المنزل المسدس مشرع دون أن ينطلق بينما يخف سليم لمغادرة المكان وحنا تنهر هرتزوج لاستخدامه السلاح وسليم يعود حاملا الطفل الذى وجده فى طريقة ويعطيه لأمه ويقول لهم الى اللقاء وينصرف عدوا تطرد حنا المدعى قائلة له ماذا لك هنا؟ ابنك خذه تلقى الطفل على ذراعيه لكن الزوج الفرنسى يتناوله ويعيده اليها ويخرج المدعى العام، ومن بعده الفرنسى بعد أن اخبرته حنا فى حسم أنها تود الطلاق، وتبقى حنا وحيدة بالمنزل مع الطفل وهى تسأل نفسها فى عصبية أريد أن أعرف من أنا حنا كوفمان أم حنا بونيه أم حنا هرتزوج ..”

تدخل الحمام وتمضى فى خلع ملابسها لتباغتها ضربات على الباب وهى شبه عارية ترتدى روب على عجل وتفتح الباب لترى العسكر الذين جاءوا للقبض على الارهابى يحيطون بالبيت.

مدخل الى تحليل الفيلم

وربما كان الأنسب هنا الا نقترب من تحليل “حنا .  ك” الا بعد بعض التحديدات التى تساعدنا فى مهمتنا.

ان “حنا. ك” فيلم من انتاج فرنسى وقد كان أول من اشترى حق توزيعه لأوربا وأمريكا هكذا بالذات شركة “يونيفوسال” الامريكية.

وان كان ذلك لا يعنى بحال أن المشاهد الأوربى الامريكى هو الجمهور الوحيد الذى صنع الفيلم من اجله الا أن المنطق يقول انه موجه الى هذا المشاهد بصورة اساسية، دونه أن يمنع ذلك بالطبع مخاطبته لمتفرجين آخرين (وربما مخاطبتهم بمنطق آخر كما سنشير فيما بعد).

وهنا يصبح لا مفر من تناول الفيلم آخذين بعين الاعتبار منطق الدعاية الاسرائيلية فيما يخص الجمهور(4)  الأوربى  الأمريكى بالذات.

ويهمنا التنوية ابتداء بأن منطق الدعاية الاسرائيلية منطق ديناميكى، ليس فقط بمعنى تغيير الذرائع التى تستخدم مع كل جمهور، وانما أيضا بمعنى  تغيير أولويات  الذرائع التى تطرح على جمهور معين لتناسب الموقف فى اللحظة المعينة بالذات. فقد يعمد المنطق الدعائى  حينا إلى الالحاح على مقولة شعب الله المختار، والحديث عن النبوغ اليهودى وفضله على المجتمع الغربى، لكنه يعود فيخفف قاصدا من هذا الحديث حين آخر لصالح التأكيد على وجود ارتباط روحى ومتابعة تاريخية فى العلاقة بين التراث اليهودى والتراث المسيحى، وأن كليهما تأكيد لعالمية مبادئ معينة وحقائق واحدة، وأن كل تجريح للتراث اليهودى هو تجريح للتراث المسيحى وانتقاص منه.

وفيما يخص اضطهاد اليهود قد يعمد  حينا إلى التأكيد على عقدة الذنب التى اعتمدت عليها اسرائيل ردحا فى التعامل مع الأوربى لكنه يعود بهذه العقدة الى الخلفية ويسعى الى خلق التوتر النفسى والشحن العاطفى باستغلال ما يمكن تسميته بعقدة المسئولية . . أى بالالحاح على الأوربى بكونه مصدر الحضارات، وبكونه مسئولا عن تطور الانسانية، وأن ذلك يفرض عليه عملا ايجابيا يعكس عظمته التاريخية، ويؤكد حقوقه المشروعة فى أى من مناطق عالمنا.

ان الدعاية فى هذا الصدد صاحبة نظرة مرنة قد تجمع بين الشئ ونقيضه، تبرز ما تريد أن تبرزه وتخفى ما تريد أن تخفيه بحسب الأحوال، يساعدها على ذلك ميل الجمهور إلى النسيان أو عدم قدرته على تمحيص ما يتلقى وسط طوفان الرسائل الدعائية التى يتلقاها .

وبعد هذه الجولة السريعة حول الدعاية الاسرائيلية يمكن العودة الى “حنا . ك” .

من النقاط التى تحسب لكوستا جافراس بلا جدال تمسكه دوما: من عنوان الفيلم، ومرورا باعلانه (الأفيش)، إلى اللقطة الأخيرة فيه، بأن عمله يناقش مشكلة حنا.ك. حتى فى أكثر المزانق حرجا لم يعبأ الرجل بالضغوط، وأصر بحسم على هوية المشكلة المطروحة. وهذه أمانة جديرة بأن نتعلم منها جميعا، وفى مقدمتنا من خلطوا فى أقوالهم وكتاباتهم حول هذا الفيلم، ومن بينهم الممثل محمد بكرى.

ما الذى يمنع حنا من العيش فى سلام؟

الموضوع الأساسى الذى يطرحه الفيلم هو المشكلة التى تعوق عيش حنا.ك. فى سلام لقد التحمت مواطنة الشتات حنا. ك، لحد الانجاب، بجوشوا هرتزوج اليهودى الذى ولد فى اسرائيل. انهما نتاج وضع حضارى يكاد يكون متطابقا، ناهيك عن أن الاثنين يحلمان حلما واحدا، والاثنين يدافعان عن قضية واحدة، فى اطار قانون واحد . . لكن تكوين وظروف كل منهما ساهمت فى أن يخرج دفاع كل بطريقة مختلفة ومنطق مخالف. منطق حنا. ك التى تود أن تمارس السياسة من خلال العاطفة والرومنتيكيات الساذجة التى لا تتفق مع الواقع الذى تعيش فيه. ومنطق هرتزوج – الحارس على الحلم المشترك – الذى يعرف هذا الواقع منذ نعومة أظفاره، ويفهم بالتالى أن المسألة لا تحتمل الرومنتيكيات التى تؤدى إلى كوارث. ويفهم على الهامش البروفيسور حامل الميزان . . والأب الحدوب على الجميع – حتى على سليم – الذى يعى دروس التاريخ جيدا. وان كان يفهم أن ظروف شتات حنا تبرر طابع العجلة وربما الخفة والمراقة رغم كبر السن – 35 سنة نفس عمر اسرائيل – فانه يفهم فى نفس الوقت  ان عليه ألا يدع الزمام يفلت فى ممارسات عامة لها نفس الطابع .

ويقنع الفيلم المتفرج بحق بطلته بعد شتات على كل المستويات: الروحى والعاطفى واللغوى فى أن تعيش وتحب وتتزوج وتنجب طفلا . . . ويكون لها بيت ، على أن يتواءم ذلك كله مع عالمها الروحى والحضارى. وقد دخل الأمر حيز الوجود بالفعل . لقد التحمت حنا مع هرتزوج فى لقاء روحى حول قضية، عن حب لا عن زواج بل وأسفر الالتحام عن حمل بعد “عقم” مع طول الزواج وتعدد العلاقات، وكاد كل شئ أن يصل إلى نهايته الطبيعية لولا . . .

لولا ذلك العربى الذى تفرض “قضيته” نفسها على  الاثنين هرتزوج الحارس على الحلم، وحنا التى تحركت خصوبتها بعد ركود وهى تمارس عملها آمنة على أرضها . .  لكن حلم العيش فى سلام يدفعها مع تقاليدها المتغربة الى التعاطف مع قضية سليم الذى لا يفتأ يعد ، مستغلا علاقته بها – عملياته الارهابية التى تغتال الامهات والاطفال. . .

ولأن حكاية هذا العربى هى التى اعترضت العلاقة الأمل بين حنا وهرتزوج وحولتها الى خلاف وتناقض رغم الحمل والطفل، كان من الضرورى مناقشتها باسهاب. ولهذا يكرس الفيلم مساحته الأساسية لها.

تهافت منطق حنا فى الدفاع عن سليم

وأن كان المشهد  الأول قد جاء انتصار لمنطق حنا، فى اطار العدالة الاسرائيلية القويمة، اذ اكتفى بابعاد سليم – بعد تسلله – الى الحدود،لعدم توفر الأدلة التى تثبت أنه ينتوى أكثر من ذلك. فان المشهد الأخير قد بين، وفى اطار العدالة الاسرائيلية القويمة، تهافت منطق حنا تماما ناهيك عن سذاجتها وعاطفيتها اللتين مكنتا المتسلل من أن يتابع نشاطه المريب داخل اسرائيل حتى يتكلل بعملية ارهابية يروح ضحيتها أبرياء. وبالطبع فقد جاء ذلك لحساب منطق هرتزوج. فهو من بداية الفيلم الى نهايته يدرك أبعاد الموقف بوضوح، رغم غياب الأدلة المادية، ورغم التزامه حتى النهاية بالقانون.

 وحنا الواثقة المندفعة طول الفيلم تظهر لأول مرة مهزوزة فى المشهد الأخير تحاول أن تتذكر متى عادت فى الصباح، وما اذا كانت قد رأت سليم ساعتها فى البيت، الأمر الذى لا ينفى أنه خرج فى غيابها، ثم تسال نفسها فى حيرة بعد انصراف الجميع: من أنا: حنا كوفمان أم حنا بونيه أم حنا هرتزوج؟

أنه فيلم حنا.ك النموذج الذى حرمه الشتات من حشية أو وسادة التاريخ المريحة – اللقب – من جانب، وهو يقف من جانب آخر على منعطف تغير حاسم فى موقفه وهنا مبرر جديد لأن يكون اللقب”ك” بالذات. لكن النموذج يظل مع ذلك حنا المتمسكة باسرائيليتها التى تتشبث مع أول انجاب لها بأرض الميعاد، بعد أن سدت مختارة طريق السفر باتخاذ قرار الطلاق.

ولا أعتقد أن تناول الفيلم من وجهة نظر الدعاية الاسرائيلية يمكن أن ينطوى على أدنى مفاجأة للقارئ، بعد مقدماتى المسهبة فى هذا الصدد.

وأن كانت الدعاية كما نوهنا صراع بين منطقين، فيجب أن نقر ابتداء بأن المنطق الاسرائيلى يعمل على تقويض المنطق الأوربى لا بصدد المشكلة الأساسية فى الفيلم بل بصدد المشكلة الفرعية، وهنا الذكاء والبراعة من وجهة النظر الدعائية. فمشكلة حق حنا وطفلها فى الحياة الآمنة داخل اسرائيل أمر لا تطمع الدعاية فى مجاله لأكثر من دعم الموقف الأوربى، الذى يقر بهذا الحق، أما المشكلة الفرعية فهى ترقى الى المستوى الأول من وجهة النظر الدعائية لتباين المنطقين الاسرائيلى والأوربى بصددها.

وحتى عند تناول هذه المشكلة يجتهد الفيلم فى تحديدها تحديدا قاطعا وبدقة متناهية، فمنذ المشهد الأول نحن أمام مجموعة من المتسللين العرب أربعة منهم مسلحين/ ارهابيين والخامس تحوم حوله الشبهات. الأربعة أمرهم مفروغ منه، وبالتالى يختفون من على عتبة السجن فصاعدا. أما الخامس.. ذلك الموجود الذى يطالب بمكان داخل اسرائيل فهو محور الصراع الدعائى فى الفيلم.

تبنى الموقف الأوربى توطئه لضربه

وقد عالج الفيلم هذه المشكلة المحددة فى براعة دعائية تحسب له، حين قام بتجسيد وجهة النظر الأوربية فى حنا، وسلم بالمنطق الأوربى ابتداء بالاكتفاء بترحيل سليم، بل وحين دفعت حنا بعد تسلل سليم مرة أخرى بحقه فى بيته، بل وبضمانه وايوائه فى بيتها لما حالت العوائق دون استمرار نظر القضية ناهيك عما يوحى به الفيلم من أن التعاطف يصل الى أبعد من ذلك بكثير…..

هكذا يظل المنطق الأوربى متسيدا طوال الفيلم، لكن المشهد الأخير يكشف عن مفاجأة محسوبة، توضح تهافت هذا المنطق وتنسفه من الأساس، وأجساد الأبرياء الذين راحوا ضحية العملية الارهابية- معروضة بلقطة قريبة على شاشة التليفزيون الذى ود سليم أن يغلفه – التى تمت فى أوتوبيس كفار ريمون، والتى سرد الفيلم أنباءها بطريقة تقود مع المقدمات التى سبقتها(وجود سليم فى منطقة وجود الارهابيين- زيارة سليم المريبة للقدس وكفار ريمون- تعوده التسلل من رقابة حنا – محاولته اغلاق التليفزيون) الى أن سليم بكرى شريك فيها ان لم يكن محركها الأساسى.

أن المنطق الدعائى الاسرائيلى يقول للأوربى: نحن شعب مسالم لكننا محاطون بعرب يحملون لنا العدواة يتربصون ويتحينون الفرص للقضاء علينا. وأن كان القدر قد فرض على شعبنا أن يقاتل عن نفسه وعن الحضارة الأوربية، وهما اصيلين فى سعيهما الى السلام والاستقرار، فلا تثقلوا عليه..

نحن نعرف أن تقاليدهم الليبرالية تجعلكم- وحنا نتاجكم – تجدون غضاضة فيما نسمية ردعا وأمنا وسلاما اسرائيليا. لكن من يده فى النار ليس كمن يده فى الماء. أن من حق حنا ومن حق طفلها أن يعيشا فى سلام.

وقد رأيتم مساحة العدالة والديمقراطية التى نوفرها لأعدائنا لكنهم قوم خبثاء غوغوئيون وبرابرة.. وهاكم نتيجة ترك الحبل على الغارب لهم.

أن أحدا لا يفهم التعامل معهم كما يفهمه من عاشرهم منذ نعومة أظفاره وها هو أمامكم يرفع سلاحه للتهديد لكنه يعرف الحدود الحضارية التى يتوقف عندها ولا يطلق السلاح على انسان رغم أنه ارهابى يحاول الهرب.فللسلاح فى يده وظيفة محددة…(نفس وظيفة الدبابات التى تتجول فى القدس حامية مقدساتها).

الردع مع مثل هذا المتسلل- من لبنان فى عام82- ومع من يتستر عليه واجب والا حدثت كوارث.. أليست لكم آذان وعيون؟! أليس نسف بيت تستر على ارهابى أهون فى آخر المطاف من ازهاق أرواح الأبرياء؟!

الصراع القديم وتحويل المتحف الى مسكن

وطبعا لا يقف الفيلم عند هذا الحد فالدعاية لا تؤثر فى الجمهور من خلال المنطق العقلى وحده وأنما تصطنع اطارا لخلق التوتر والتأثير العاطفى الشعورى واللاشعورى فيمن تحدثه.

ويبرز الذكاء الدعابى المنقطع النظير حين يختار الفيلم المنزل/ المتحف لتدور حوله قضية العربى وكأنه يقول للأوربى: أليست هذه الصورة هى نفس صورة المتحف الذى أبقيتموه لذكرى التركى الذى داس مقدساتكم.

 أن الصراع ليس بين اسرائيل والعرب. أنه صراع قديم وهو فى حلقة من حلقاته بين المسيحية والاسلام.. ماذا سيكون موقفكم ياترى لو تسلل أحفاد الأتراك وبعد حقب من تحريركم لأراضيكم يطالبون بتحويل المتاحف(التاريخ) الى منازل ووطن(واقع)؟ ولا يمكن أن يخفى على أحد مغزى تقديم القدس بطابعها الدينى فى هذا الاطار…

وليت الأمر يقف عند  هذا الحد أن المنطلق الدعائى يتملق النزعة العنصرية فى الأوربى ويستدعى حكايته مع الهنود الحمر فى حنا البولندية الأمريكية، ومع الأفارقة فى الاشارة الى العلاقة الطيبة مع جمهرية جنوب أفريقيا، ناهيك عن الوضع المتدنى الذى ظهر عليه العرب فى الفيلم: كخدم، وسقاه، وبائعين جائلين…

كما أن الفيلم لا يغفل العزف على وتر عقدة الذنب الأوربية: من واقع حنا البولندية، الى تذكير البروفيسور لها بهذا الواقع….

لقد دقق صانعو الفيلم فى اختيار تفاصيلهم بعناية ومضوا فى ذلك الى ما هو أبعد من كل ما ذكرنا، فبين الموسيقى الشرقية وعزف العود بالذات(5) وبين السنة الصناعية(6) التى تكتشف عنها انحناءة شقة حنا العليا، لا يمكن الا يقف المرء أمام أسماء الابطال من اسم حنا.ك، وليس كوفمان فقط، الى اسم داود، الى اسم سليم بل وشكله عامة…

وحين يقول الممثل العربى محمد بكرى أن الفيلم تأخر كثيرا بينما كان جافراس يبحث عن الممثل المناسب، فانه لا يضيف شيئا الى ما هو معروف عن دقة جافراس فى اختيار ممثليه. لقد قال جافراس نفسه فى هذا الصدد وهو يتحدث عن فيلم مفقود:” كام جاك ليمون مشغولا فى ذلك الوقت- يقصد بعد الانتهاء من اعداد الفيلم- بتصوير فيلم” صديقى… صديقى” وبحثنا عن ممثل غيره للدور، ثم فضلنا انتظاره وتأجيل تصوير الفيلم.

“أنه- يقصد ليمون- أمريكى مائة فى المائة ويستطيع التعبير عن أشياء كثيرة بالسلب والايجاب” ومع قول جافراس هذا يصبح غريبا أن تكون نتيجة التأنى والارجاء بالنسبة لفيلم”حنا.ك” هو محمد بكرى بملامحه غير العربية وعيونه الزرقاء، الأمر الذى يؤهله لأن يكون مواطنا فى جنوب أفريقيا كما جاء فى الاقتراح الاسرئيلى…

أن وجه محمد بكرى يبدو فى السوق بالقدس الشرقية وجها غريبا(متسللا) بين الوجوه العربية. ثم يأتى أمر آخر لا يخلو من دلالة هو أن يكون اسم العربى أحد أشهر أسماء سلاطين الترك من جانب بينما لا يخلو من جانب آخر من نسيج شالوم، سلام، تسليم، ولم يكن الأمر يستحق التوقف لو لم يكن جافراس قد اختار يهودية أمريكية اسمها جيل كلايبورج وسماها حنا كوفمان بينما اختار عربيا من اسرائيل اسمه محمد بكرى ليسمية سليم بكرى ويجعله متسللا عائدا من لبنان عام 1982.

الفيلم والمتفرج العربى

وربما تصلح هذه الملاحظة حول سليم مدخلا لكلمة عن الفيلم والمتفرج العربى فقد سبق أن نوهنا بأن العمل لا يتوجه بحديثه الى الجمهور الأوربى الأمريكى وحده، وأنه يحدث متفرجين آخرين بالقطع، وربما بمنطق مختلف.

أنه يقول للعربى بوضوح

– أن الحل المسلح……

– أن الحل الجماعى أو التفكير فى دولة أو خلافة مسألة غير مطروحة للنقاش.

– الهامش المطروح هو الحل الفردى وربما عن طريق جنوب أفريقيا وفى اطار القانون الاسرائيلى، وربما من خلال  حنا(7)الاسرائيلية!

– أن سياسة اليد الطولى والردع موجودة لكل من تسول له نفسه عدم احترام الارادة الاسرائيلية.

أما عن وشائج الصلة بين هذا المنطق والفاشية العسكرية فهو أمر لا يمكن حساب دلالته السلبية كميزة فيلم،لأنه يعكس فى هذا الصدد نظرة رسمية معلنة لدولة اسرائيل وقد كان يقف على رأسها – وقت صنع الفيلم- رجل له باع طويل يدعى بيجن فى ممارسة النشاط الارهابى وهذه سياسة لا تخفيها اسرائيل بل تدبح الأعمال الدعائية حول وقائعها(مثل ضرب المفاعل الذرى العراقى، وأسقاط طائرة الركاب الليبية فوق سيناء وعملية عنتابه… الخ).

البناءان الدرامى والفنى فى خدمة الموضوع

أن جافراس يرتكز عادة على سخونة المشكلة التى يطرحها فى أفلامه”السياسية”، ولا يأتيها عادة الا بعد أن يكون الاعلام قد مهد الأرض له بأمثل الصور، لكنه لا يكتفى بذلك فى الاستحواذ على تجاوب الجمهور،اذ أنه يسعى دائما الى تبنى المتفرج موقفا من المشكلة التى يطرحها.

وتكمن خطورة جافراس فى أنه يقول ما يريد بلغة فنية راقية تتسرب الى وجدان المشاهد ربما دون أن يدرى لبعدها عن المباشرة والوعظ والارشاد.

أن جافراس لا يترك متفرجه فى”حنا.ك” بعيدا عن التوتر لحظة واحدة فبعد البداية الآسرة(تسلل- توقيف- نسف- محاكمة) يجد المتفرج نفسه مباشرة فى غمار علاقة آسرة أخرى(زوج- عشيق- وطفل من عشيق) ولا يخفت التوتر بعد ذلك…….

لقد اختار جافراس البناء الدرامى الذى يجعل حنا ومعها هرتزوج يواجهان- وهما” سمنا على عسل”- مشكلة مفروضة عليهما من الخارج. أزمة جاء بها سليم المتسلل، ويكاد الصراع الدرامى ازاءها أن يتوقف بعد أبعاد سليم لتمضى حياة حنا فى سياق أوربى طبيعى، به أزمة أخرى يقرر ابطالها مصائرهم بأيديهم. لكن وصول سليم يفرض عليهم مشكلته من جديد. وهكذا يتجاوز الأمر مسألة اثراء الأزمة الرئيسية بعدد من الأزمات الفرعية التى يواجهها أبطال الفيلم الى نوع من التوازى والتقابل بين الأزمتين المشار اليهما.

واذا أخذنا التباين فى الايقاع بين الحركة السريعة للمشاهدة الأولى(تسلل، وتوقيف، ونسف،ومحاكمة) والحركة البطيئة فى المشهد الخلوى لحنا وهرتزوج على الشاطئ الذى يلى المشاهد الأولى مباشرة لوجدناه موظفا فى اضاءة الدور يلعبه سليم فى تغيير ايقاع الحياة الطبيعى والانسانى….

واذا تجاوزنا كل ذلك ومعه العناية البالغة برسم الشخصيات، على النحو الذى تحدثنا عنه بالنسبة لحنا وسليم، ومددنا البصر الى عوامل أبعد خفاء فى صناعة السينما لتجسدت خطورة ما يصنعه جافراس الفنان.

وعلى سبيل المثال اذا أخذنا مشهد ميمون- طبيب السجن- فى بيت حنا والمفارقة التى تضمنها المشهد بين ابلاغها عن تدهور حالة سليم وبين التصرف شبه الكوميدى الذى يأتى به حين يحتجز الخادمة يعب الكئوس واحدة تلو الأخرى لوجدنا المشهد موظفا فى الفيلم- الى جوار ميزة التباين- فى القاء الظل على طبيعة المتعاطفين مع العرب…..

واذا تابعنا استخدام صانعى الفيلم للكاميرا لوجدنا لقطة سليم فى البئر مأخوذة عموديا:” لقطة عين الطائر” التى تؤكد أن سليم محكوم عليه فى النهاية، ولوجدنا لقطة سليم وهو يبادل بعض العرب الحديث فى آخر رحلة القدس القديمة”لقطة بعيدة جدا” لا تشفى من جانب شغف المشاهد الذى تابع المطاردة طويلا، وتمهد من جانب آخر للمفأجاة التى ستحدث فى نهاية الفيلم، بينما تأتى لقطة جثث ضحايا العملية الارهابية لقطة قريبة جدا تفصل وتجسم النتيجة…

واذا تمعنا اللون الأبيض للبيت العربى الذى نسف فى أول الفيلم بالمنديل الأبيض الذى يرفرف لأدركنا طبيعة الاستخدام الدرامى للون الذى لا يتلاءم مع واقع ساكنى البيت…

ترجمة دقيقة لتوازنات القوة

تبقى كلمة اخيرة. أن هذه الدراسة المطولة ليست مساهمة فى نقل الاحتراب من ساحته الواجبة الى ساحة الفيلم. أنها مجرد دعوة للفهم دون مغالطة للنفس بالذات والفيلم يجئ فى توافق زمنى مع أحداث جسام تدور على الساحة العربية، والفلسطينية منها بالذات، وفى اطار تحالف استراتيجى بين أمريكا واسرائيل، ومع لغط يدور حول القدس…

ولايمكن ان يخفى على أحد أن هناك ديالكتيكية معينة تربط بن النشاط الدبلوماسى والنشاط الدعائى والنشاط العسكرى… هذا وقد أجادت الصهيونية دوما العمل الدعائى من خلال مرحلتين وبالذات منذ نشاط الحاخام سيلفر فى الولايات المتحدة خلال الأربعينات بصدد أنشاء دولة اسرائيل، حيث نظم العمل الدعائى خلال مرحلتين متعاقبتين جرى فى أولاهما التأثير على صانع القرار، وفى الثانية خلق موجات الرأى العام التى تسانده فى مواقفه..

أما عن الفيلم والقضية الفلسطينة فقد أصبح مألوفا لدينا قول القائلين بأن السياسة وحلولها ليست سوى ترجمة دقيقة لتوازنات القوة بكافة مقوماتها، ولا جدال فى أن حلول الفن، خاصة أن كان فنا على فعالية وانتشار وتكلفة فن السينما لا تختلف كثيرا عن حلول السياسة حتى لو كان صانع هذا الفن” عبقرى مثل جافراس…

نظرا لاتصال الفيلم الوثيق بالمنطق الذى تحدث به الدعاية الاسرائيلية جمهورها الأوربى راينا – كما أشرنا من قبل – أن نقدم موجزا أقرب إلى التكامل حول هذا المنطق عسى أن يجد فيه بعض القراء ما يعينهم على فهم الجو العام الذى يتحرك فيه الفيلم بين الجمهور الأوربى/الأمريكى.

فلسفة الدعاية الاسرائيلية(8)

(الدولة القائدة التى تستطيع فرض السلام)

قبل الحديث عن منطق الدعاية الاسرائيلية فيما يخص الأوربى (والأمريكى) لابأس من كلمة عن الدعاية عامة.

ان الدعاية فن يسعى إلى الاقناع وتغيير مظاهر الاستجابة باتجاه مقصود، غالبا ما يحيد عن الواقع أو الحقيقة أو المعايير الأخلاقية . . . وهو يفعل ذلك  متجاوزا الاعتماد على المنطق العقلى بالعمل على تحريك الاستجابة الشعورية واللاشعورية والتشريطية والغريزية . . .  الخ بما يجعل المتلقى يصل إلى مالايمكن أن يصل اليه لو ترك لمنطقة الذاتى.

وبالبساطة فان الدعاية امرأة تحاول التأثير عاطفيا وغريزيا فيمن أمامها سواء بارتداء بدلة للرقص، أو باتخاذ مظهر الانسانة المثقفة أو العاملة المتنفذة التى تكسب معها دائما، أو حتى بارتداء الحجاب واتخاذ مظهر المتدينة، ودون أن يكون أى من هذه الأزياء تعبيرا عن جوهر فيها بالضرورة. وقد تتزين بكل هذه  الأزياء معا، آنا تخلع الحجاب لتراها فى زى المثقفة وآنا آخر تخلع زى المثقفة لتراها فى ثوب الرقص . . .  وقد ترى بين مفرق نهديها سلسلة ذهبية مكتوب عليها ”       ” مرة و”الله” مرة أخرى . . والدعاية الذكية تغير لونها بحنكة ومهارة كالحرباء . .

* * * 

نعود الى منطق الدعاية الاسرائيلية . ان اسرائيل تخاطب الغربى قائلة (9) :

لقد انبثقت دولة اسرائيل حضاريا منذ وجود الديانة اليهودية، وقد تبلور نظامها حول الشخصية اليهودية ذات المعالم الواضحة. وهذه الحقيقة التاريخية ، قبلت المجتمعات الأخرى أو لم تقبل، حقيقة قائمة وتفرض وجودها.

وأن كانت مشكلة الدولة اليهودية لم تظهر على السطح الا خلال العقود الأخيرة من السنين فذلك لأن بلاد اليهود كانت محتلة، وكانت تكافح من أجل نيل استقلالها، ومن أجل التحرر، وقد أمكن بالفعل تحرير أجزاء منها عام 1948 وأجزاء أخرى عام 1967 (10)واستكمال هذا الاستقلال يفرض تهويد مدينة القدس التى تمثل العاصمة التاريخية للدولة اليهودية.

مهمة توفيقية بين الشرق والغرب

ومع مهمة ميلاد دولة اسرائيل لاحت الفرصة لليهودى، المثخن بجراح الشتات والمحارق، ليلتقط أنفاسه ويستقر حتى يطور- ناهيك عن ممارسته لحقه فى الحياة-من اسهامه الذى لم ينقطع فى مسيرة الحضارة البشرية من خلال الانجازات المتفرقة للانسان اليهودى.

والمواطن الاسرائيلى مدعو فى وضعه الجديد الى انجاز مهمة القدس ليس الا تعبيرا عن تلك الوظيفة التاريخية حيث تجتمع الأديان فى حقيقة واحدة فى بقعة واحدة.

ومما يؤهل الدولة الاسرائيلية لهذا الدور أنها مع كونها حقيقة تاريخية ومع انتمائها للمنطقة جغرافيا وحضاريا تنتمى ايضا، من حيث حقيقتها الفكرية والدينية وظروفها التاريخية وواقعها الاقتصادى، الى العالم الغربى، الأمر الذى ينعكس فى منطقها وحياتها وظروف معيشة أبنائها، أو بعبارة أخرى تقاليدها الحضارية، ذلك فضلا عن مصالحها ومستقبل وجودها، الذى لا يمكن أن يفصل أو أن ينفصل عن الوجود الغربى والحضارة الغربية.

أن اليهودى قد عاش برغم أصله الشرقى بين الغربيين واستقرت حياته وتقاليده الحضارية خلال خمسة عشر قرنا رغم جميع المآسى التى عانى منها فى شتاته. وبرغم ارتباط ديانته بالديانة المسيحية بروابط تاريخية وثيقة فقد جعل- اليهودى – المنطق والتفكير المجرد اساسا لوجوده الفكرى وهكذا ارتفع عن كل نسبية دينية ملتقيا مع العقلية الغربية فى أزهى صورها وفى أنقى مظاهر التعبير عنها.

بقاء ضرورى لحماية الحضارة الغربية

ويمكن أن نترك سياق الحديث هنا للفرنسى يليزيه ليساعدنا على ربط الخيوط حتى نتحرك خطوة الى الأمام. لقد كتب الرجل منذ عام 1947 بعد تحليل كامل لهذه الناحية” الصهيونيون غربيون”، ثم أضاف” اليهود فى منطقة الشرق الأوسط هم رواد الحضارة الغربية” ويمضى بعد ذلك يذكر القارئ بأن اليهودى يقوم بنفس المهمة التى قام بها الفرنسى فى شمال أفريقيا مع فارق” أن الفرنسى لم يضع فى اعتباره أن يجعل اقامته فى شمال أفريقيا دائمة وأبدية، أما اليهودى فيجب أن يضع نصب عينيه أن بقاءه واقامته فى تلك المنطقة لازمة وضرورية ودائمة.

هى لازمة للمجتمع الانسانى وضرورية لحماية الحضارة الغربية من الخطر العربى والوحشية العربية، وهى دائمة لانها تعبر عن الحقيقة التاريخية” وهكذا يفتح المسيو يليزيه الباب أمامنا لنطل على بانوراما رحبة تستحق منا وقفة متأنية ويعكس منطق الدعاية الاسرائيلية هذه النظرة متوجها الى الغربيين والمتغربين:

اننا غربيون. ألا ترون نظامنا السياسى الحزبى ناهيك عن بضع وعشرين صحيفة، حيث تتعدد مظاهر التعبير، وذلك بالاضافة الى مقومات النظام التى تعبر عن جوهر العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتتلخص فى رقابة شعبية بمختلف الصور، وعلى كل المستويات، مع حق الجميع فى مناقشة أدق القضايا وحماية الحريات، ومنها الحريات الفردية….

التخلف ليس نتيجة الاستعمار والاستغلال

أننا مع الفكر الغربى المعاصر فى رفضه لتفسير التخلف على اساس أنه النتيجة الحتمية للاستعمار والاستغلال الأوربى. فكل مجتمع مسئول مسئولية وجودية عما وصل اليه(11) أن الوضع القائم فى المجتمعات العربية هو مسئولية ذاتية لقاطنية المحليين الذين يفتقدون الى ارادة التخلص من التخلف.

أن نتاج ذلك كله: وضعنا التاريخى. ارتباطنا بالمنطقة جغرافيا وضعنا الحضارى، ومنطقنا الأوربى ومصالحنا المشتركة، تخلف العرب. يجعلنا المؤهلين للعب دور الدولة القائدة فى المنطقة المؤهلين لدور حلقة الربط بين العالم الغربى والعالم العربى.. يجعلنا أداة التفاهم أو التعامل بين هذين العالمين اذ لا يمكن لأيهما ان يستغنى عن الآخر، الغربى عن ثروات العربى، العربى عن حضارة الغربى.. بالذات والعرب على هذا التخلف ولا تسيطر عليهم سوى عوامل الفرقة والغوغائية وعدم الثقة والتناقض الحضارى.

وينبغى لنا فى هذا الصدد فى اعتبارنا- نحن نتكلم بمنطق الدعاية الاسرائيلية- أن النظم العربية ديكتاتورية ومتخلفة ورجعية يحكمها متعصبون لا هم لهم الا اطلاق الشعارات الغوغائية حول التخلص من اسرائيل. وتتخذ الأنظمة العربية من هذه المسألة ذريعة لاستمرارها. ولذلك فهى ترفض ايدينا الممدودة  للعرب دائما بالسلام..ولا يمكن أن تؤدى عافية مثل هذه النظم الا الى اللعب بالنار وقلقلة استقرار المنطقة فى الوقت الذى تحتاج فيه الحضارة الانسانية- الغربية- الى الاستقرار… والى استقرار هذه  المنطقة قبل غيرها فالنار اليوم صارت نووية تهدد المصير البشرى كله وأنتم خير من تقدرون هذه الحاجة الى الاستقرار، فكم من تضحيات تقدمون فى هذا الصدد.. وما على الراغب فى التاكد الا أن يلقى نظرة على التغيرات التى طرأت على الحدود الأوربية بعد الحرب الخيرة. فبرغم أنها تغيرات جديدة تماما من الناحية التاريخية الا أن الأوربى لا يسعى الى تغييرها جريا وراء هذا الاستقرار(12) .

حلقة فى سلسلة صراع قديم

أن الصراع بين الغرب- ونحن منه- وبين العرب ليس صراعا حديثا. انه حلقة من حلقات سلسلة مستمرة. أن التاريخ لم يعرف الالتقاء بين الشرق والغرب وربما لن يعرفه. أليست الحروب الصليبية- اذا تخطينا حلقات الصراع الأقدم- وموجات الغزو التركى بكافيه لأن تؤكد ذلك؟ ثم هل وفقت فرنسا رغم كل ما فعلته فى شمال أفريقيا، فى خلق صورة  من صور التقارب الحقيقى مع ذلك المجتمع الذى يجعله موقعه أقرب الى حضارات البحر المتوسط مه الى الحضارات العربية، لكنه رغم ذلك يحمل طابع يتشبع بمفهوم الوجود الاسلامى؟

أن اسرائيل بحكم وضعها التاريخى هى الأقدر على فهم المنطقة، وهى وحدها التى تستطيع حماية الشرعية والاستقرار فى المنطقة، وهى التى تستطيع وضع حد للاضطرابات وخلق حالة سلام اجبارى بالمنطقة حتى يقبل العرب السلام الذى نمد ايدينا لهم به. ولا باس فى سبيل ذلك السلام من تأديب الارهابيين، الذين يتحدثون عن الحرية وهو يمثلون الغوغائية.كما أننا نستطيع فى سبيل ذلك أن نضرب أى قوة محلية تسعى الى خلق أى اضطراب لتأمين المصادر البترولية، بل ونستطيع من جانب آخر حماية المحيط الهندى بالتحكم فى البحر الأحمر، بذلك نحمى المصالح الاستراتيجسة المتعلقة بالأمن القومى الغربى، ونؤكد على أنه ردع من أجل السلام ولتحقيق الاستقرار فى المنطقة وتجربة عام67 ليست ببعيدة عنا.

هذا ويعمد منطق الدعاية الاسرائيلية الى استغلال آثار تاريخية تسيطر على ملامح الصورة العربية فى ذهن الغربى. فمنذ العصور الوسطى وعقب تطورات متلاحقة استقرت فى التقاليد الغربية صورة معتمة للشرق، وليس هنا موضع تحليل عناصر هذه الصورة أو مصادرها ولكن يكفى أن نتذكر الخوف من المسلمين واعتبار الدين الاسلامى خطرا مباشرا على الحضارة الغربية، ثم صور الوحشية التركية منذ سقوط القسطنطينية حتى أواخر القرن التاسع عشر. أضف الى ذلك مفاهيم ألف ليلة وليلة والاعتقاد بأن المجتمع العربى أصيل فى استرخائه وكسله وفساده. وانه مزيج من الترف البالغ والمكر الخادع……

العربى والهندى الأحمر والأفريقى

ولاتنسى هذه الدعاية مغازلة العنصرية الأوربية واللعب على موقفها من الهندى الأحمر فى أمريكا ومن الأفارقة فى جنوب أفريقيا.. هؤلاء المتخلفين الذين يجب أن تكون نظرتنا الى المتخلفين العرب فى اطار نظرتنا لهم.

وهنا نكون قد وصلنا الى رواية هذا المنطق فيما يخص عرب اسرائيل والأرض المحتلة. لقد عمدت الدعاية الاسرائيلية طويلا الى تجهيل الأوربيين فيما يخص الوجود العربى فى أرض فلسطين.وكانت اسطورة” شعب بلا وطن ووطن بلا شعب” تجسيدا بليغا لهذا التجهيل.

لكن تطورات الموقف بعد عام1967 بالذات وفى ظل ثورة الاتصالات بينت استحالة الاستمرار فى هذا النهج. وهكذا لجأت الدعاية الاسرائيلية الى حجج مختلفة: فمرة. العرب مستعمرون أثروا أن يبيعوا ممتلكاتهم أبان التحرير قبل عودتهم الى أهلهم، ومرة أخرى تأكيدات حول مغادرتهم البلاد بناء على أوامر من الزعماء العرب.. وفى النهاية فقد بقى بعضهم يعيشون معنا فى سلام، ورغم مبادئ تكافؤ الفرص والديمقراطية التى تسود بلادنا ظلوا قابعين فى قاع المجتمع الاسرائيلى.

وحتى يتكامل حديثنا عن الدعاية لا باس من بعض الملاحظات الهامة بصددها.

أولا: يواجه القائم بالدعاية منطقا يخالف منطقه بالضرورة والا لا نتفت الحاجة الى الدعاية وهو فى سعيه الى التلاعب بمنطق الجمهور لا يسمح بالتناقض بين المنطقين. ولهذا فالمنطق الدعائى ياخذ بعين الاعتبار:

(أ) المنطق الذى يحاربه أن جزئيا أو كليا، وهو يسعى الى ابراز نقاصه وتحطيم مقوماته، وهذا هو منطق الجمهور التى تتجه اليه الدعاية والذى قد يكون خصما يريد أن يزيد صداقته، أو صديقا يريد أن يزيد من درجة استقطابه.

(ب) المنطق التى تتبناه الدعاية وتستند اليه وتحاول أن تجعله يتدفق داخل الوعاء الشعورى أواللاشعورى للجمهور المستهدف.

ثانيا: أن المنطق الدعائى فى أى من أبعاده ليس مجرد أعلان عن رأى، أو تقديم لحكم مجرد. أنه منطق كلى متكامل. وهذا يعنى أنه يتضمن مجموعة من الحجج والأسانيد المنطقية او الواقعية أو القانونية التى تؤيد وجهة النظر المطروحة وتقود الى التسليم بها.

ثالثا: أن الدعاية تفرق بين شرائح الرأى العام وهى تستبعد من جمهورها أصحاب المواقف المتعصبة.. المواقف التى تتجانس وتتفق فى جميع تفاصيلها وجزئياتها مسبقا،لأن الدعاية بالنسبة لها عبث ميئوس منه. ,ان اخذنا بعين الاعتبار أن غير المهتمين يكفيهم أى كلام عابر يبقى الجمهور أو الميدان الحقيقى للعملية الدعائية هو أصحاب المواقف غير”المتجانسة” كأن”يؤيد صاحبها الصهيونية ولكنه يرفض تشريد المواطنين العرب أو يؤيد الدولة الاسرئيلية ويرفض قرارها  بتهويد مدينة القدس أو بهدم مساكن العرب بدعوى ايوائهم فدائين”.

كما أن الهدف الذى تضعه الدعاية نصب عينيها هو التغيير فى درجة التاييد أو المعارضة لتصل الى هدفها النهائى من خلال المتابعة.

                                                                                                                                                                                                                                                           

   

[1] – جرى “النقاش” فى جو عصبى واتسم بالابتسار فى كثير من الحالات.

[2] – توفر السينما على صانع الرسالة الكثير من الجهد التلفيقى فى هذا الصدد فالتأثير الذى يجعل اذاعة مثل B.B.C. تغير خلال 15 ق (هى الفارق بين اذاعة خبر فى آخر نشراتها العربية ثم تكرار نفس الخبر فى النشرة التى تليها بالانجليزية) تغير كلمة فلسطينى أو عربى الى  TERORRIST يمكن ان تفعله السينما بيسر شديد اذ تصر رجلا مسلحا وتترك هذا يراه فلسطينيا وذاك يراه ارهابيا وجافراس يعى هذه الحقيقة جيدا فقد ختم فيلميه عن اليونان “زد” وشيلى “مفقود” دون ذكر لاى من البلدين اعتمادا على فهم المتلقى.

[3] –  لناخذ مثلا كنيسة القديس يوسف فى فينا وهى لم تقع فى يد العثمانيين يوما واحدا وبرغم ذلك لا يمكن ان تنسى دليلتها السياحية تذكرة الرواد بأنه لولا الامبراطور النمساوى وحنكته وشجاعته لكانت أوربا كلها حتى اليوم بلاد خاضعة “للدين المحمدى”، ترسف فى اغلال البرابرة العثمانيين.

[4]  –  تجد الدعاية الاسرائيلية نفسها امام شرائح مختلفة من الرأى العام تعكس كل منها خصائص معينة وتتطلب تخطيطا دعائيا مختلفا فان كانت هذه الدعاية تسعى الى خلق او تأكيد اعجاب الاجنبى بالمجتمع الاسرائيلى فهى تؤسس دعايتها بالنسبة لليهودى على رابطة التضامن، بينما تسعى الى تحطيم معنويات العربى وافقاده الثقة فى نفسه ولهذا فلدعاية اسرائيل منطق لكل من اليهودى القاطن فيها واليهودى خارجها وللعربى داخلها والعربى عامة، ونفس الشئ بالنسبة للأوربى والامريكى .. الخ ونظرا لاتصال الفيلم الوثيق بهذا المنطق دون أن يعكسه كاملا ليس ذلك هدفه راينا ان ننشر فى نهاية الدراسة موجزا لهذا المنطق الدعائى عسى ان يجد فيه بعض القراء ما يعينهم على فهم الجو الذى يتحرك فيه الفيلم.

[5]  موقف الأوربى من قضايا مثل الربع تون واعتبارها شيئا لا يمكن ان يستقيم الا من الخدر والغياب….

[6]  تعتبر من أبرز المشاكل الشخصية الجمالية والعاطفية…. الخ لجيل من الأوربيات عانى سوء التغذية أيام الحرب.

-[7]  بالمناسبة عاشت حنا فى كيبوتش وتدربت على حمل السلاح.. وكانت هناك فترة ألحت الدعاية الاسرائيلية خلالها على العربى بأن بين من انتصر عليه عام 67 كثير من النسوة بل وأن معظمهن كن حوامل أيضا!!

 -[8] اعتمدت فى اعداد هذا الموجز على مجموعة من المصادر أهمها كتابى:

“فلسفة الدعاية الاسرائيلية” د. حامد عبد الله ربيع – مركز الأبحاث الفلسطينية بيروت 1971،  “الدعاية الصهيونية” د. حامد عبد الله ربيع – معهد البحوث والدراسات العربية – جامعة الدول العربية 1975 .

 -[9] يهمنا التنويه هنا بأننا نتحدث عن منطق الدعاية الاسرائيلية وبالتالى فليس ما يعنينا فى هذا المقام هو الواقع أو الحق . . . الخ .

[10]  هنا يتضح مثلا المعنى النقيض تماما الذى يفهمه كل من العربى والغربى من قول قائل:” الأرض من حق أصحابها وليست من حق دولة الاحتلال….

الاحتلال..”

[11]  تستغل الدعاية الاسرائيلية ذلك ايضا فى التلويح بمسئولية الأوربى بصفة عامة ازاء المشكلة اليهودية فهى مسئولية جماعية لا يمكن تبريرها بالقاء المسئولية على النظام النازى. وهى تثير بذلك عقدة الذنب الألمانية الأوربية بما ينطوى عليه ذلك من دعوة للمشاركة الفعالة فى تخطى آثار أخطائه التاريخية.

[12]  القضية العربية لا يستطيع منطقها أن يقبل التسليم بالأمر الواقع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *