ابريل1980-المبـاراة

المبـاراة

د. باهر محمد الزين

ماهذا الذى يحدث؟ كأنما وكأننا( نحن وهم) قد وقعنا فى براثن شئ مخيف لاأدرى كنهه، شئ مخيف ندور بفعله حتى أكاد أفقد وعيى، فى الفترة الأخيرة بدأت أشك أن الأمر لم يعد ممتعا، أما اليوم ومنذ أن بدأت المباراة فقد أدركت بوضوح أن ما يحدث هو شئ مخيف ومفزع، مع كل لحظة تمر كانوا يعدون بلا وعى، بل وكأن بقوة من خارجهم دخلت فيهم قد تحولوا من شئ مفهوم،من نحن وهم، فريقنا وفريقهم، تحولوا إلىهذا وذاك، فقدنا تفاهمنا وانفصل الجميع عن الجميع وأصبحت المباراة تجرى بيننا كلنا .

****

انتابنى إجهاد شديد، عميق وكأنه تعب سنين مضت من اللعب قد سيطر على جسمى اليوم فى تلك المباراة القاسية.

كانت الصيحات تدوى من حولنا وتتصاعد حتى اتصلت وكأنها زئير، فقدت تلك النغمة المحببة التى كانت تبهحنى، وبالتفاتة ميرت على وجوه القريبين من الجمهور استغراقا كاملا وكأنهم غابوا عنا من فرط استغراقهم فينا، كانت وجوههم متصلبة وارتسم التوتر فى  عيونهم ولم تكن أفواههم تتوقف عن الصياح، والكرة لا تتوقف وكأن الملعونة قد أصبحت تعقل فتراوغنا هى، وبدا من الواضح أن أيا منا لا يستطيع الاحتفاظ بها لأكثر من ثوان .

ما أن وصلتنى حتى علا الزئير فى أذنى، وبرغم الإجهاد اندفعت أجرى بأقصى سرعة، ظلت أجرى وأنا ألهث والجميع يطاردوننى، كنت أجرى منهم أكثر من أنى أجرى بها، حاولوا سد طريق المرمى أمامى فطوحت بها بضربة من قدمى، تخلصت منها بذعر ووقفت أرقبهم يقفزون ويتزاحمون عليها.تعبت، أحسست بخيوط العرق تجرى على وجهى .

****

فى الراحة القصيرة بين الشوطين تجمعنا حول المدرب، الجميع يستمعون بجدية فلم أجرؤ على الشكوى، كان يلقى تعليمات سمعتها مرارا فى السنين الماضية، ومرت الراحة سريعا، وفى الحق كانت تحفزا أكثر منها راحة. نزلنا الملعب مرة أخرى ونزلواهم أيضا،  وبصفارة قاطعة قصيرة عادت الكرة للجرى فى كل مكان تدعونا وراءها، ومثلما حدث فى الشوط الأول فإن أحدا لم يمكنه السيطرة عليها تماما، وبرغم أن أهدافا قد سجلت فى المرميين إلا أن ذلك لم يهدئ الأمر وإنما زاده اشتعالا.

تعالى الزئير إلى درجة أشعلتهم فى الملعب وبدا الموجودون فى المدرجات وقوفا بعيونهم المحملقة وأفواههم المفتوحة، اشتعل الجميع جنونا حتى لم أعد أعرفهم زاد فزعى،كم أود الخروج إلى الهواء والهدوء….. كم أود ذلك .

اقتربت من حافة الملعب وأشرت للمدرب برغبتى، كان قد وقف هو الآخر يصيح بأعلى صوته فينا، لم نكن نسمع شيئا ولكن إشارة يده لى إلى الملعب كانت آمره .

أما من طريق يخرجنى من هذا الجنون المطبق. وصلتنى الكرة وكان على أن أجرى، لاأدرى لماذا لم أعد مثلهم اليوم، جريت بآخر نفس بقى فى رئتى لمحت فى عينيه تصميما أفزعنى وشعرت بألم شديد فى ساقى وبرائحة النجيل فى أنفى.

وبرغم الألم الشديد إلا أننى أحسست براحة عميقة، سأخرج أخيرا من هذا الجحيم

أشعرنى النجيل الندى أننى مازلت حيا وواعيا. أتوا ليحملونى.

وفى محاولة أخيرة حاولت التشبث بمكانى على الأرض لإيقاف تلك الداومة. لم ينقطع الزئير وبدا أنهم يسرعون بإخراجى لاستئناف السباق الحلزوننى المجنون، لايهم، المهم النجاة، لن استطيع لهم شيئا، مساكين فلتذهب الأهداف  التى سجلت إلى الجحيم، والواقع أننى لا أذكر ما سجل اليوم من أهداف .

****

بدأت دقات قلبى تهدأ وكأننى أبعث من جديد، وبرغم بعض الألم فى ساقى فها أنا  أحيا وأعى…. فمازالت رائحة النجيل الندى الرطب عالقة بأنفى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *