الرئيسية / مقالات صحفية / أخبار الأدب / نجيب محفوظ يتنبأ: حلم‏ (51)

نجيب محفوظ يتنبأ: حلم‏ (51)

أخبار الأدب

نشرت بتاريخ: 23-6-2013

 نبض الناس

نجيب محفوظ يتنبأ: حلم‏ (51)

وقف القطار دون وجود محطة فتساءلت صاحبتى عن السبب ولكنى لم أدر كيف أجيبها، واذا بكتائب من الجيش تطوقه فتقتحمه شاهرة أسلحتها وساقت الى الخارج كثيرين من ضباط الجيش الذين كانوا بالقطار وعددا محدودا من المدنيين. وقبض علىّ فيمن قبض عليهم فتركت صاحبتى منزعجة خائفة، وجدنا أنفسنا فى صحراء،  أمرنا الجنود المسلحون بخلع بدلنا والبقاء بملابسنا الداخلية، ولكنهم وضعوا العسكريين فى ناحية والمدنيين فى ناحية، وأخذنا نتهامس أننا ضعنا وانتهى الأمر. وجاء قائد الجنود ونادى علينا كل واحد باسمه. وتساءل صوت منا:

-هل تقتلوننا بلا محاكمة؟ ، فأجاب القائد بصراحة: الأمر لا يحتاج الى محاكمة

وتحرك القطار فتذكرت صاحبتى.

قرأت هذا الحلم ناقدا فى كتابى الذى صدر عن دار الشروق بعنوان “عن  طبيعة الحلم والإبداع”  2011، كان هذا الحلم من الأحلام التى اضطرتنى أن أقرأها بأن أفك رموزه قبل أن أهتدى إلى أن هذه الأحلام هى شعر خالص لا تـُنقد إلا شعرا، قلت فى قراءته العادية: هذا حلم آخر من الأحلام التى تفرض نفسها لنقرأها رمزا لم يعد له ضرورة .. ، …رحت أقرأ الحلم باعتبار أن الحياة كانت قد توقفتْ قبيل حركة 52 التى تثورت فيما بعد، حتى راح كل الناس يعرفون أن شيئا ما لا بد أن يحدث وإلا..، الفترة ما بين حريق القاهرة فى يناير وحركة يوليو كانت وقفة لم ينجح فى تحريكها تغيير الوزارات (حسين سرى باشا، نجيب الهلالى باشا،..إلخ)، ولا إشاعات تغيير الحاشية أو تطهيرها، ولا محاولات فى دهاليز انتخابات نادى الضباط، ولا أصوات المعارضة الحقيقية بعد أن استبعد حزب الأغلبية كالعادة” إلى أن قلت تماديا فى البحث عن الرمز:”…مضطر اضطراراً أنا أن أرى صاحبته تلك هى “مصر” (برغم تحفظى المتكرر على مثل ذلك)، مصر الحقيقية كانت منزعجة فعلا برغم الحماس المبدئى، … سُحِبت الأرض من تحت الجميع، انهارت الحياة المدنية كأصل فى تجديد الركاب ومراجعة المسار” الحلم ينتهى كما انتهى الأمر الواقع، وكما يمكن أن ينتهى حالنا هنا والآن (وقت كتابة النقد) ، برغم أن العساكر يلبسون حللا مدنية، بما تؤكده نهاية الحلم : “…وتساءل صوت منا: هل تقتلوننا بلا محاكمة؟، فأجاب القائد بصراحة: الأمر لا يحتاج الى محاكمة”

لكن القطار تحرك، وتركهم فى الصحراء ينتظرون القتل بلا محاكمة. يا ترى أين صاحبته؟ وهل تحرك بها القطار إلى المجهول؟ أم أنها تسللت من وراء هؤلاء وأولئك تبحث عن وسيلة أخرى تنقلها إلى وجهتها.

تذكر صاحبنا صاحبته بعد حركة القطار، تُرى ماذا سيفعلون بها؟  إن كانت ما زالت بداخله، فإلى أين؟ يا رب سترك!

*****

رحت الآن (يونيو 2013) أقرأ ما كتبت، فأجد أنه كم كان ناقصا،  فأكمله هكذا:

أما وقد جرى ما كان، ثم كان ما جرى، فدعونى أعتذر لشيخى عن هذا النقد الذى رفضته منذ كتابته، وأن أحيّيه متعلما متألما كيف أنه بحدسه الإبداعى الفائق، رأى ما يجرى الآن قبل حدوثه بسنوات، فصوره حرفيا دون حاجة إلى فك رموزه.

أحيانا أحمد الله أنك يا شيخى  فى رحابه وتحت مظلة رحمته لأننى لم أكن لأحتمل أن أرى ألمك وأنت ترى حالنا قد آل عيانيا  إلى ما تنبأتَ به حرفيا فى حلمك الباكر هذا .  

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *