الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / للإبداع ثمن، ولمعرفة الله ثمن، وللثورة ثمن، وللشجاعة ثمن

للإبداع ثمن، ولمعرفة الله ثمن، وللثورة ثمن، وللشجاعة ثمن

اليوم السابع

السبت :  21 – 2 – 2014

للإبداع ثمن، ولمعرفة الله  ثمن، وللثورة ثمن، وللشجاعة ثمن

هل لم يعد أمامنا إلا المبادرة بالسخط ووضع اللوم بدلا من التعلم والإبداع؟ أنهيت مقال أمس وأنا أجيب على السؤال القبيح “بس إيه اللى ودّاهم هناك؟”: إن الذى ذهب بهؤلاء الأبرار، الراحلين والباقين إلى هناك، هو كل من: “الشباب”، و”الإبداع”، و”الشجاعة”، و”النبل”، و”الصحبة” و”مصر”، و”الطبيعة” و”الناس” و”ربنا أولا وأخيرا”. ، وكل كلمة من هذه الكلمات تحتاج إلى وقفة، وإلى مقال مستقل.

 كل ما اهتم به أغلب الناس هو توجيه الاتهامات والملام والسباب على الناحيتين، فريق ركزعلى لوم الشباب، وهو لا يعرف معنى كلمة “شباب” أو كلمة “إبداع” أو كلمة “حياة” وربما – أستغفر الله- كلمة “ربنا”، والفريق الآخر على الناحية الأخرى بادر أيضا باللوم والسخط وتوزيع الاتهامات على السلطة، أية سلطة، وكل سلطة، ويسقط يسقط حكم العسكر، حتى الذين عقبوا على مقالى أمس، لم يلتقطوا المقارنة التى أوردتها بين موقف من تبقى من هؤلاء الشباب النبيل الكريم الذى توجه بوعيه القوى الخلاق بعد الفقد، إلى أن يُحيوا أنفس أطفال (السرطان)، ليصلنى أنهم بذلك لا يفعلون إلا أن يحيوا الناس جميعا “ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”، حين واجهوا الموت الرائع فى رحاب الله مع قسوة الطبيعة، وأحسوا أنهم لم يعد فى مقدورهم أن يحيوا أصدقاءهم الذين ذهبوا أحياء عند ربهم يرزقون، اتجهوا وفورا وبتلقائية رائعة إلى”إحياء الناس جميعا”، بالإسهام فى إحياء أطفال على وشك الموت – بالسرطان- بلا جريرة.

 حمدت الله أننى لم ألمح شماتة فى موت من مات، أو اتهامهم بالفجور وقلة الأدب لاختلاط الشبان بالشابات فى هذه الأماكن الخلوية البعيدة عن أعين الرقباء، وبينهم محجبات فاضلات، وغير محجبات فاضلات أيضا، لم يدفعهم إلى هذه المغامرة الشاملة احتمال الموت إلا حب الحياة.

بتاريخ 14 فبراير كتبت هنا من بين توصياتى لتصحيح التعليم، بندا يقول:  “أن تُفرض الرحلات الخارجية كمقرر إجبارى له درجات منظمة توضع فى الاعتبار عند كل تقييم”، كنت أشير إلى أنه باختفاء معنى “المدرسة” من حياتنا اختفى معه معنى الكشف والكشافة، كما اختفى معنى الطبيعة والصحبة، وأيضا اختفت إبداعات المغامرة والإبداع، فإذا جاءت هذه المجموعة لتسترد بمنتهى الشجاعة – مع بعض أخطاء الحسابات-  ما حرمهم منه غياب المدرسة وجبن الوالدين، ودفع بعضهم الثمن فغفر الله لهم لحسن نيتهم، ولضربهم مثلا طيبا لما يحتاجه كل شبابنا مع مزيد من الحرص درءا للتهلكة، لم ينطلق منا إلا السخط عليهم “ما الذى ذهب بهم إلى هناك” مقابل وبنفس درجة السلبية: السخط على أية سلطة وكل سلطة وفى مقدمتها الجيش الذى كان عليه أن ينقذهم حالا وفورا وجدا تحت كل الظروف، ومن لا يفعل ذلك فهو بمثابة قاتلهم، وهات يا غل، وهات يا لوم، وهات يا إعلاء لشأن إسرائيل التى تنقذ قطة ونحن نهمل زهرة شبابنا جدا، فنحرمهم من فضل إبداعه، ولا نتعلم من تجربتهم ما ينقصنا وينقصهم!!

هؤلاء الذين أطلقوا كل هذه القذائف لا يعرفون معنى الشباب، ولا معنى الصحبة، ولا معنى عطاء الطبيعة والحوار معها، ولا معنى حضور الله فى الوعى فى وسط هذا الجو المطلق بلا حدود، حضوره سبحانه ليس كمثله شىء، كل ما انطلق من المتفرجين على “المقاعد” أمام الفيس بوك (دون حاجة إلى التمدد على الكنب!!)  – بعكس زملاء وأصدقاء الشهداء – هو إلقاء  اللوم، والاعتمادية بلا تعلّم، ولا حياء!!

هؤلاء الشباب الجميل النبيل الشجاع، برغم احتمال جهله بتفاصيل أصول الصنعة، الذين ذهبوا يعبدون الله ويكتشفون أنفسهم فى رحاب الطبيعة إنما ينبهوننا إلى حاجة الشباب إلى تغيير الوعى البشرى باستمرار بشكل طبيعى مغامر قوى مبدع،  دون مخدرات مذهلة ولا تشنج قاتل، ولا تغييب وعى تابع، إن الذى لا يعرف الحوار مع الطبيعة ومع الله سبحانه، يضطر إلى اللجوء إلى هذه الملعقة الكيميائية أو الأيديولجيات العمياء يقلـّبُ بها وعيه فى الوضع جالسا مسطولا، أو قاتلا مقتولا.

رحت أبحث عن مثل هذه الحوادث فى البلاد الأكثر تقدما، أو الاقرب تخلفا، وقصرت بحثى على سنة 2012 & 2013، فوجدتها شديدة التواتر، دون أى لوم من هذا النوع القبيح الذى نمارسه بجاهزية غبية تلقى بقذائف نارية على كلا الفريقين:  المكلفين بالإنقاذ، والضحايا، فجمعت – بفضل سيدنا جوجل الذى تعلمته من الشباب- عشرين حادثا كعينة مبدئية: من أول انهيار ثلجي في جبل مون بلان الفرنسي الشهير أعلى قمة.مون بلان (الألب – شامونى) ذهب ضحيته امرأتان. فى 13/8/2013 – ..وحتى اجتياح انهيار ثلجي مقر كتيبة للجيش الباكستاني في منطقة الهمالايا بالقرب من الحدود الهندية مما ادى إلى طمر مائة واربعة وعشرين جنديا وأحد عشر مدنيا. فى 8/4/2012 ومرورا بـ: “أدى انهيار ثلجي جرف مخيما لمتسلقي الجبال إلى مقتل تسعة أشخاص بينهم جنسيات اوروبية مختلفة فيما لا يزال مصير أربعة اخرين مجهولا. فى 23/9/2012 …..إلخ إلخ إلخ

وبعد

متى نتعلم أن للمخاطرة  ثمن، وأن للكدح لملاقاة ربنا  ثمن، وأن للثورة ثمن، وأن للإبداع  ثمن؟

هل نواصل حياتنا – حتى فى اكتشاف الطبيعة والسعى إلى الله بالاعتماد على المشاهدة عن بعد للطبيعة البلاستيك المستوردة، مع تعليمات الرشاوى الناعمة،  ونحن نقبل شروط التبعية المطلقة جملة وتفصيلا ،  كل ذلك بلا ضحايا شجعان، ولا شباب مبدعين، ولا أحياء يحبون الله والحياة

فكمْ ذَا إلى متَى ؟؟؟؟!!!

وللحديث بقايا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *