الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / من شعبولا إلى د. أسامة الغزالى حرب (تعتعة سياسية)

من شعبولا إلى د. أسامة الغزالى حرب (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

15-3-2006

من  شعبولا إلى د. أسامة الغزالى حرب

فى التعتعة المنشورة فى 11 يناير 2006 بعنوان “حزب جديد أم وعى جديد يتخلق”؟  اكتشفت أن كثيرين، خاصة من الجيل الأصغر، لم يلتقطوا  ما عنيت بتعريفى لما هو “حزب” يتخلق فى وعى الناس قبل، وبدون،  إجازة الأوراق، لا أعرف كيف بدا المعنى غامضا حتى لبعض معارفى من دارسى السياسة (فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والتى يسميها بناتها باسم التدليل خطفا: “سياسة واقتصاد”، أى والله!! – (وعقبال ما يضيفوا إليها “إنجلش”). شعرت أنه على  أن أشرح الموقف أكثر. جاءنى الفرج مما نشر فى “المصرى اليوم” فى يومين متتاليين:

يوم الثلاثاء الموافق 7 مارس طالعتنى صورة شعبان عبد الرحيم فى سجن وادى النطرون، وهو يحتضن صديق عمره ” مصطفى أوفّا” المسجون فى قضية مخدرات،  وقد التف حوله بقية المساجين فى حميمية ودود، ثم فى اليوم التالى طالعتنى صورة د. أسامة الغزالى حرب، بكل الدماثة والجدية والألم الأمين، وهو يدلى بحديثه عن أسباب وظروف استقالته من الحزب الوطنى، وطبعا لجنة السياسات،  ثم وهو يعلن آماله فيما بعدها، أنا لا أطيق سماع حشرجة شعبولا مغنيا وهو يصرخ فينا بأغانيه التى يتصور أنها ملحنه جدا،  لكننى أطرب لسماع خطبه حتى لو لم يقل فيها إلا لزمته السياسية إييييييييييه، بمعى أننى أعامله باعتباره سياسيا رغم أنفه. أما الدكتور أسامة الغزالى حرب، فهو دكتور جدا يعرف موقعه وموقفه وعلمه ومهمته، لكننى – بالإذن-  أختلف معه  فى كثير من آرائه. موقفى الشخصى هذا اشعرنى أننى يمكن أن أكون أقرب إلى الموضوعية وأنا أعمل هذا “البحث المقارن”.

 شعبولا  كظاهرة- وليس كشخص، أو مطرب- يمثل وعيا عاما لا سبيل إلى إنكاره. الوعى العام هو الرحم الذى يتخلق فيه ومنه ما يمكن أن يسمى حزبا، سر قوة حضور شعبولا فى وعى الناس هو أنه يمثل ثقافة سائدة، ثقافة تكره إسرائيل، وتتقمص عمرو موسى حين يضع ساقا على ساق ويطلق التصريحات القومية التى هى، (والتى ليست هى أيضا). من هذه البداية انتشر شعبولا باعتباره ممثلا لوعى عام هو وعى سياسى فى المقام الأول، حتى أننى حين تلقيت أغنيته “مش حادفع الإيجار”،  باعتبارها دعوة إلى عصيان مدنى، ثم جاء الاستنقاذ به لمواجهة ذعر الناس ليس فقط من احتمال الإصابة بـ “إنفلونزا الطيور” لكن أيضا لإنقاذهم من إرعاب الحكومة والإعلام تحت لافتة  الشفافية والنصائح ذات الأثر العكسى. ظاهرة شعبولا– وليس شخصه – هى التى أطلت علىّ فى صورته (المشار إليها فى أول التعتعة) وهو يقف وسط ناسه فى سجن وادى النطرون، وهو يحتضن صديقه أوفّا”…..” وحوله ممثلوا الشعب المصرى سجناء الداخل، ممثلين لسجناء الخارج (خارج وادى النطرون) فتأكد لى حجمه السياسى، وقلت لعله مولد حزب حقيقى.

أما  د. أسامة الغزالى حرب فهو يمثل لى ظاهرة على الناحية الأخرى، رحت أراجع تصريحاته المنشورة مع صورته (المقارنة) وهو يدلى بها قائلا  إنه قد يفكر ربما مع صفوة مثله فى إنشاء حزب جديد أو الانضمام لحزب ما أو حركة  ما (لست متأكدا)، بهدف أن يملأ الفجوة بين الحزب الوطنى والإخوان، رحت أبحث عمن يقف حوله فى الصورة (مقارنة بصورة شعبولا) فتجسد لى – دون أن يظهروا صراحة فى الصورة –  عدد من الأذكياء الأحرار التنويريين الديمقراطيين المثقفين الفاهمين الذين – برغم ذلك- لا يحملون بطاقات انتخابية منظمة كافية للتأثير (مثل الإخوان)، ولا هم يمثلون وعيا شعبيا تلقائيا مثل سجناء وادى النطرون، وسجناء وادى النيل . احترمت استقالته وشجاعته، كما فهمت آماله وإصراره، لكننى توقفت طويلا عاجزا عن إجابة سؤال عن مدى إدراكه لحقيقة وحجم الوعى الشعبى الذى يمكن أن يمثله هذا الحزب الجديد.

 الحزب السياسى ينشأ فى وعى الناس ويمثلهم حتى لو كان وعيهم متخلفا، أو بدائيا أو غبيا، وعلى من يريد أن يقترف السياسة ليجاهد من خلالها الجهاد الأكبر، أن يبدأ من حيث هذا الوعى على أرض الواقع، لا من حيث تصوره له، أو آماله فيه، ثم يتقدم به – من واقع الممارسة – إلى ما يراه أصلح.

أنا لا أملك إلا أن احترم حضور شعبولا وشجاعته وهو لا يخجل من احتضان صديقه السجين فى تهمة مخدرات، كما لا أملك إلا احترام د. أسامة لشجاعته فى استقالته مع إصراره على الاستمرار. لكننى أظل برغم هذا وذاك أنتظر ولادة  قادمة لحمل غامض بحزب حقيقى يتشكل فى رحم الشعب المصرى، برغم كل الجارى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *