الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / الحرب والجدية والاستسهال (تعتعة سياسية)

الحرب والجدية والاستسهال (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

30-8-2006

الحرب والجدية والاستسهال

 من أهم ما يمكن أن نخرج به من تجربة الحرب الباهظة هذه: هو إعادة النظر فى كل شىء.

 هل نحن جادون فى حياتنا فعلا؟ هل آن الأوان أن نعرف أن وقتنا – فردا فردا- محسوب علينا فردا فردا؟ ثم على الأمة مجتمعة؟ فى السلام كما فى الحرب؟  هل آن  الأوان أن نعرف معنى العمل، حتى نعرف معنى الراحة؟ نعرف معنى الحرب حتى نعرف معنى السلام؟ نعرف معنى الحياة حتى نعرف معنى الموت فى سبيلها؟ نعرف أن ما نملأ به الوقت أثناء ما نسميه السلام، كمًّا وكيفاً هو عتادنا أيضاً وأساساً أثناء الحرب وبعد الحرب؟

هذه أسئلة قديمة قديمة، لكن ما جرى لنا وحولنا مؤخرا من آلام وخراب وبطولات وروائع يلزمنا بإعادة النظر فيها، أداءُ شرفائنا فى الحرب الأخيرة كان به من الإبداع بقدر ما به من التضحية والشجاعة والبطولة. إعادة تعمير ما خرُب من بنية أساسية ومقومات مدنية وحضارية، ليس أسهل أو أهم من إعادة تعمير نفوسنا وأرواحنا بعد أن خرّبها التراخى والاستسهال والتأجيل والاعتمادية. أرواح الشهداء تنادينا، ودماء الأبرياء تزكم أنوفنا، وإعادة بناء أنفسنا وتعميرها هى الأساس فى أى حركة قادمة إن كنا تعلمنا أو نريد أن نتعلم، وإذا كان الشاعر القديم يقول “السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتبِ”، فعلينا أن نمارس كيف أنه :”الحربُ أصدقُ إحياءً من الخُـطبِ”.

تعالوا ننظر فى مستوى أدائنا فى أى مجال؟

خذ تصريح د. أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية (12 أغسطس 2006 المصرى اليوم)  بأن99.7  % من تقارير الأداء للموظفين بالحكومة “ممتازة”’(أى والله) إقرأ هذا الرقم وأنت تتذكر الأداء فى أى موقع حكومى،  ثم تصور أن حربا سوف تقوم غدا، وقل لى ما ذا تتوقع ؟ قس على ذلك تقديرات الماجستير والدكتوراة، أو دعنا نكتفى  بأرقام ونسب نتائج الثانوية العامة بما يسبقها من تصريحات المسئولين والوزير المختص، وما يلحقها من إعادة  توزيع الدرجات بعد الإجابة، والاستجابة لدموع الطالبات الخائبات، واحتجاجات الأهل الملهوفة قلوبهم على رقة مشاعر أبنائهم وبناتهم. بأى حق يعترض ولى أمر طالبة على ما تصوره من صعوبة امتحان حساب المثلثات؟ وهو لا يميز بين الجذر التربيعى والشكل شبه المنحرف؟ تشترك المعارضة فى هذه المهزلة أكثر من الحكومة،  المعارضة تلوم الحكومة على صعوبة الامتحان، والحكومة تعتذر وتقسم بالله العظيم ثلاثا أن الامتحان هو من المقرر جدا جدا، وأنه لا يحتاج إطلاقا لعناء تشغيل المخ من أصله، وأنها – الحكومة- سوف تتدارك الموقف فتعطى درجات أقل للأسئلة الأصعب، حتى تكافئ من لم يشغل مخه، ربما خوفا من أن يستمر تشغيله بعد الامتحان – لا قدّر الله – فيرى ما تفعله الحكومة على حقيقتة.

كنت مشاركا  فى برنامج تليفزيونى (ليس عن السياسة مباشرة) ، صرح فيه سياسى رسمى متحمس، لا أشك فى إخلاصه، أن السياسة هى “العمل على إرضاء الجماهير”، وبجهلى المعتاد حاولت أن أجتهد فقلت ما خطر ببالى: بل إن السياسة هى “فن أو علم تحريك الجماهير لصالحهم”. وأحسب أن زميلى السياسى لم يلتقط ما قصدت، أو لعلى أخطات، وسيادته أعلم.

 حتى الرشاوى الى ترشو بها الحكومة الناس هى رشاوى هامشية خائبة تافهة لا تعرف الحكومة ماذا تطلب من الناس مقابلها، أو لعلها تكتفى بأن تقبض مقابلها ما تيسّر “طناش” وتفويت.

حين دعا  ونستون تشرشل ناسه  للقتال ضد هتلر عام 1940، أعلمهم أنه لا يملك مايقدمه لهم أو يعدهم به سوى الدم والعرق والدموع،  فانتصر، ومع ذلك لم يستعمل تشرشل انتصاره فى أن يفرض نفسه ليستمر فى الحكم، فى هزيمة 1967 كان التبرير الذى قدمه قادتنا هو أنهم بما فعلوا حاولوا أن ينقذوا أرواح أبنائنا، فكانت النتيجة ما نعرف، ومع ذلك فقد كانت مكافأة الهزيمة هى أن يستمر الحال على ما هو عليه حتى تاريخه، باستثناءات مؤقتة مشكورة، أجُهضت بخراب النفوس، وغياب الوعى.

إذا كنا نريد أن نعرف مصير أى حرب قادمة، فلنبدأ من الآن بتقييم أدائنا فردا فردا طول الوقت. إن قوة أية أمة لا تتحدد بعدد افرادها، وإنما بمساحة وعى هؤلاء الأفراد، وكيف يصب هذا الوعى فى أداء يومى منتج جاد، فى السلم أولا، حتى إذا حل قدر الحرب – لا قدر الله – تحول زخم تلك الجدية إلى أداء فى الميدان لا يمكن أن يخيب، وإن طال الزمن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *