الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / … “واحد ديمقراطية، وصلّحها”

… “واحد ديمقراطية، وصلّحها”

الوفد: 20/6/2002

…. “واحد ديمقراطية، وصلّحها”.

… نكتب، ونشرّح، ونغضب، ونصيح، ونحلل، ونفسّر، ونجتهد، ونقترح، ثم يقفز إلينا السؤال، الذى يكاد يعجّزنا، يقول: ثم ماذا؟ وقد يلحقه  سؤال أسبق يقول: إلى متى؟ الإشكال لا يتوقف عند البحث عن إجابة لمثل هذه الأسئلة، وإنما الإشكال الحقيقى هو فى العثور على الشخص المناسب لتوجيه مثل هذه الأسئلة إليه. إلى من نتوجه بالنقد أو الغضب  أوالاقتراحات؟ على مَنْ نعرض البدائل؟ ما مصير ما نقول؟

دأب المصريون من قديم أن يكتبوا شكاواهم إلى مقام الإمام الشافعى رضى الله عنه،  أما نساؤنا الطيبات فهن قد لا يكتفين بتكليف من يكتب لهم شكوى يلقونها فى صندوق النذور أو على عتبة المقام، وإنما تذهب المرأة منهم وتكشف شعرها، و”تكنس” كل أرضية مقام السيدة، وهى تدعو على الظالم. هل نكتفى بمثل هذا وذاك رغم تسارع الخط النازل وهو يعلن تراجع الإنجازات، وانهيار الاقتصاد؟  لا أريد أن أتمادى فى السخرية لذلك أُبعِدُ قسرا صوت أم كلثوم يتردد فى أذنى : “أروح لمين، واقول يا مين، ينصفنى منك؟”

التوجّه الأمثل الذى شاع أخيرا، بل وأولا، هو التوجه للرئىس شخصيا. الناس يتوجهون إليه لا ليحل مشاكل الدولار أو ليلغى مشروع قانون  للصحافة، أو ليدفع عجلة السلام  فحسب، بل إن الناس يتوجهون إليه شخصيا فى أمور صغيرة ومحدودة تماما، أمور تبدو من اختصاص المحاكم الابتدائية أو الشهر العقارى فى كثير من الأحيان.  المتابِع لبعض الإعلانات مدفوعة الأجر، وفى الصفحات الأولى من أكبر الصحف القومية يمكن أن يلاحظ هذه النداءات المتكررة من شخص أو جماعة يستغيثون بالرئىس أن  ينقذ أرضا مشاعا عليها إشكال قانونى، أو يفض الاشتباك بين شركة ناشئة  وأباطرة الاستثمار، وليس ناقصا إلا أن نقرأ نداء سيدة  تتظلم من التأخر فى حكم قضية خلع.  أتعجّب لهذه النداءات اللحوح التى يدفع فيها صاحبها الشىء الفلانى. دع جانبا بريد الأهرام وغير الأهرام وفيه من النداءات واالابتهالات الموجهة للسيد الرئيس ما يؤكد حسن ظن شعبنا به، وفى نفس الوقت يظهر مدى إحساس العامة بغياب المؤسسات، وبطء العدل، واهتزاز دور كل المسئولين دونه. بالله عليكم، هل هذه التفاصيل هى عمل الرئىس مهما حسنت نوايا الناس بقدراته، ومهما اهتز أداء المؤسسات دونه؟ هل  عند الرئيس  وقت يجيب فيه على هذه النداءات الفردية، أو ينقذ فيه  أصحاب الاستغاثات اللاهثة؟

إذا كان الأمر كذلك بالنسبة لمشاكل الأفراد والجماعات الصغيرة التى اضطـُّـرَت أن توجه خطابها للرئىس مباشرة، فهل يجوز للكتاب والمفكرين والنقاد والمهمومين بقضايا هذا الوطن الجوهرية أن يتوجهوا بخطابهم ونداءاتهم واقتراحاتهم إلى الرئيس مباشرة أيضا؟ نتوجه إليه  دون غيره نسأله : إلى متى؟ أو “ثم ماذا ؟ أو غير ذلك مما يعنّ لأى مجتهد يخطئ ويصيب.

إن أى إنسان يحب هذا البلد، ويقدّر وقت ومسئوليات الرئيس لا بد أن يتبين  فورا أن وضع الأمة هكذا فى غرفة العناية المركزة طول الوقت ليس حلا إلا للحفاظ بالكاد على استمرار حياةٍ  فى خطر، باعتبار أن مجرد دق القلب وتناوب الشهيق والزفير هما الدليلان عليها. كل الجارى حولنا -هكذا- لم يعد ينفع.

حين يتفاقم الوضع بحيث لا يمكن السكوت عليه أو إخفائه عن الرئيس وعن الناس فى آن، يتفضل سيادته مثله مثل الناس ويغضب، ثم يصدر توجيهاته حاسمة واضحة.  فى اليوم التالى تخرج علينا كل أجهزة الدولة  تقسم بأغلظ الأيمان أن الحل الأمثل هو الذى صدر عن الرئيس، وأنهم لم يكونوا آخذين بالهم قبل هذه اللحظة، كما تصلنا بيانات متتالية من  جميع الوزارات والأجهزة أنها سوف تقوم بالتنفيذ الفورى لكل تعليمات الرئيس. حتى وصل الأمر بأحد المتحمسين أن يعتبر أن توجيهات الرئيس بمثابة “مرسومات جمهورية” واجبة التنفيذ فورا. لا بد أن الرئيس يبتسم فى غيظ  مثلنا لمثل هذا الحماس والاستعداد والانطلاق إلى تنفيذ تعليماته، وتوجيهاته،  بهذه السرعة المذهلة.  هل كان كل شىء جاهزا، وكانت البنية الأساسية معدة، وكانت الكوادر مدربة، وكانت الخطط موضوعة، ولم يكن ينقص كل ذلك إلا أن يُصدر السيد الرئيس توجيهاته ليبدأ التنفيذ فورا لا يعوقه شىء ؟أى نظام حكم هذا؟

ثم تمر الأيام، وينشغل الرئىس وهو  ينتقل  من مسئولية إلى مسئولية، ومن سفر إلى سفر، ومن مؤتمر إلى مؤتمر، وهم  يخفون عنه التفاصيل،  ربما إشفاقا عليه أو إيهاما باستمرار آلية التنفيذ،  فى حين أن كل ما يحدث هو أنهم يرفعون اللافتة التى كانت  موضوعة  على حجرة المريض تقول “”العناية المركزة” ويضعون مكانها لافتة تؤكد أنها “غرفة الإفاقة”، مع أن شيئا فى داخل الحجرة  لم يتغير، وربنا يستر، ما  أمكن ذلك.

هل الديمقراطية هى الحل؟؟!!

تسأل أيا ممن واجه هذه الحقائق وقد تعرّت حتى همّ بالتوقف عن النصح، وعن النقد وعن الصراخ غضبا، تسأله : وما العمل؟  فيرد دون تردد: الديمقراطية هى الحل، لا فرق فى ذلك بين إسلامى وعَلْمانى، بين يسارى ويمينى، بين حاكم ومحكوم. رحتُ أتمعّن فى هذا الرد الجاهز جدا طول الوقت، ولا أرفضه، لكننى تساءلت:  لو أن كل واحد ممن يبادر بهذا الرد (المستورد فى الأغلب، ليس من الصين هذه المرّة)  سأل نفسه تفصيلا عن مفهومه الحقيقى للديمقراطية، وعن مدى استعداده لتحمّل مسئولية تطبيق ما يقول، إذن لتبين أغلب المتحمسين أنهم يريدون ديمقراطية خصوصية، ديمقراطية “تفصيل”، ديمقراطية قابلة للتعديل حسب الظروف والنيّـة ورضا الوالدين، و”من يكسب المليون”.

إننا لا نعرف غور أبعاد ماهية الديمقراطية، فإذا عرفناها لا نريد أن ندفع ثمنها. إن شعبا حُرم أن يشارك مشاركة حقيقية فى اتخاذ القرار، وفى تتبعه، وفى  تحمّل مسئولية أخطائه، وفى تنمية مسار صوابه، وفى تعديل خطوات تنفيذه، حُرم من كل هذا لمدة نصف قرن من الزمان،  لا يمكن  أن نضحك عليه بأن نعلن بهذه البساطة أننا نمارس الديمقراطية، أو حتى أنها الحل. إسأل أى فريق ممن ينبرى  لإعلان ذلك  عمّا يتصوره عن تسلسل الأحداث إذا ما تحقق أمله ومارسناالديمقراطية بحق وحقيق، ثم  نتصور معا الرد.

مواقف ومواقف

حاولت تخيّل عيّنات لمواقف بعض المرددين لهذا الشعار ،”الديقراطية هى الحل”، على الوجه التالى:

أولا. موقف الدولة : سوف  ينبرى أى مسئول كبير يؤكد بكل ثقة ودون أن تهتز فيه شعرة أنه : فعلا “الديمقراطية هى الحل”، وأن ثورة يوليو لم يغب عنها ذلك وأن البند السادس أو (الرابع، لا تفرق)  ينص على ضروة الديمقراطية جدا، وأن هذا البند لم يتحقق فى حينه ليس لأن مجلس قيادة الثورة لم يكن ديمقراطيا. بل بسبب تدخل مراكز القوى التى “عمِلت عمَلا” لهذا البند الخاص بالديمقراطية فرَبَطَتْهُ، ولا مؤاخذة، مثل شاب طيب فى ليلة دخلته. أما وقد انصلح الحال، وتمت ثورة التصحيح، ثم تمادى التصحيح إلى تصحيح التصحيح، فإن الدولة تعود إلى الحق، والرجوع إلى الحق فضيلة، وخذ عندك. يواصل المسئول المنّ علينا بهذا الجو الديمقراطى غير المسبوق (وبعض ذلك صحيح بدليل نشر هذا المقال) وهو يعدد لنا مكاسبنا من ديمقراطية الكلام، وديمقراطية الكتابة، وديمقراطية  القنوات الفضائية الخاصة، وديمقراطية مجلس الشعب، رغم عدم توفر النصاب القانونى فى أى اجتماع.

يكمل المسئول: ثم إن الانتخابات تجرى على كل المستويات من أول المجالس المحلية، وحتى جوائز الدولة التى تمنح بالأغلبية، ويعتقد المسئول، وقد يصرح، أنه كلما زادت النسبة المئوية التى تتفق مع التوجهات الحزبِوَطَنِيّـة تأكد النظام أنه أكثر فأكثر ديمقراطية، وهو يتصور أن نتيجة الانتخابات لحزبه هى مثل مجموع الثانوية العامة، كلما زادت النسبة المئوية  زادت ديمقراطية حزبه، – أى والله-  ويصبح الذى  نجح فى تحقيق هذا المجموع القريب من المائة % أهلا لدخول مكتب تنسيق مجلس الوزراء. إن نتائج المجالس المحلية – مثلا-(5.99%) هى مؤهل لدخول المسئول عنها أى وزارة ديمقراطية بالسلامة. يواصل المسئول شرحه أن أفضل حكم لنا هو “حكم القوى فى الضعيف”، فالضعيف يحتاج لقوىٍّ يسنده، و بدون هذه الديمقراطية  يمكن أن ينقلب الحال إلى حكم الضعيف فى الضعيف، وهذا يجعلنا أمة من الضعفاء، لا قدّر الله. فلا حل إلا الديمقراطية بفضل رضا الوالدين والبيت الأبيض، وكوفى أنان. (انتهى كلام المسئول !).

ثانيا: موقف العقلانيين (المثقفين /التنويريين..إلخ ):   هؤلاء هم أهل الديمقراطية “التى هى”. إن أغلبهم كانوا  يساريين ثم أصبحوا ليبراليين، ثم إنهم قبل ذلك وبعد ذلك إنسانيون حتى النخاع. هم ديمقراطيون خالصون.  قال لكَ: لماذا؟ قال لكَ لأنه لا إبداع، ولا تنوير، ولا حرية صحافة، ولا حرية إضافة، ولا حرية حصافة، إلا فى جو من الديمقراطية. أغلبهم لا يميزون قصدا، أو استسهالا، بين الحرية والديقراطية. تُـذكّرهم أنه إن صحّت ممارسة الديمقراطية عندنا الآن بحق “وحقيق”، فهى لن تفرز إلا  توجّه عموم الناس، وأنهم- ولا مؤاخذة – ليسوا من عموم الناس، وأنه فى حالة تطبيق الديمقراطية سوف يتولى حكم الناس عيّنة من هؤلاء الناس”العموم”، بغض النظر عن التنوير والتظليم. تأتيك إجابة التنويريين الشجاعة أنه “وَ لَـــوْ !!!”.

عليك فى هذه الحال أن تذكّرهم  بأن أغبية ناسنا، وقد يئسوا من المشاركة فى أمر دنياهم، تصوّروا ويتصورون أن الحل هو أن يتوجهوا إلى أمور آخرتهم دون دنياهم، ففعلوها من حيث المبدأ ولكن بشكل طرّفى رمزى لا أكثر، حتى صار تكرار العمرة وارتداء الحجاب هو الإعلان السياسى عن هذا التوجه. ثم انتشر هذا الحل -الديمقراطى المعدّل- يستعمل كل وسائل التكنولوجيا، بقصد سياسى أو بغُلبٍ تعويضىّ،  من أول  كاسيتات عمرو خالد حتى جلسات الوعظ الصالوناتى (خالد الجندى)  وصولا إلى المحطة المزمع إنشاؤها من التائبات الفاتنات الصالحات، ولا مانع من خلط هذا الحل ببعض التصوف أحيانا(الحبيب على).

 كل هذا قد يبدو طيبا، أو لعله طيب فعلا (أحسن من المخدرات، والحزب الوطنى، وأشياء أخرى..) وهو يدل على أن هذا الشعب العنيد-بكل طبقاته – لا يريد أن يتناثر أو يضيع إذ يفقد الآخرة بعد أن حرموه من المشاركة فى أمور الدنيا. لكن الدنيا لا تترك هؤلاء الطيبين فى حالهم، وها هم التنويريون  يعرضون عليهم المشاركة فى أمور دنياهم، وبالديمقراطية !!!! وينسى التنويريون رغم نصاحتهم أن هذا معناه أن أى انتخابات شريفة مائة فى المائة ستجعل هذا الشعب الطيب العنيد ينتخب رافع شعار الدين باعتبار أنه  سوف ينقذه من الضياع، والغموض، والتأجيل، والوعود.

تقرص أذن التنويرى لعله يتذكر أن أول ما سوف يقدم عليه هؤلاء الذين اختارهم الطيبون أولياء أمورنا  هو أن يعلنوا  تفسيرهم الخاص لما ” ثبت فى الدين بالضرورة “، وعينك لا ترى إلا النور. ساعتها يهز المتنور رأسه، ويُطَـنْبِل، لكنّه سرعان ما يتراجع ليعلن  أنه يريدها “سياسة بلا دين” حسب أصول العلمانية. يريدها ديمقراطية، ليست حريفة، مثل البتزا أو الكانتاكى دون شطة (نُتْ سبايْسِى!!).  تسأله: مَن هذا الذى له حق وضع هذا الشرط بهذا الحسم وبمقاييسه دون غيره؟ وهل سيتم ذلك بطريق ديمقراطى، أم قبل ديمقراطى، أو  متجاوزا لما هو ديمقراطى؟ فيُحرَج ويصمت،  لكنك تقرأ داخله : أن هذا هو شرطه، وإلا فهو مستعد أن يستغنى عن الديمقراطية إن لم يتوفر لها هذا الشرط، وهو ينسى أن مثل هذا الفرمان لم ينفع – فى واقع الحال – حتى فى أمريكا، فالذى أنجح السيد بوش الصغير ليس اللوبى الصهيونى، وإنما تحالف اللوبى اليهودى مع غلاة الأصولية الإنجيلية الجديدة، مع الشركات العملاقة للتمويل. يتراجع التنويرى فى خجل عن حماسه للديمقراطية، دون أن يعترف بذلك، يتراجع لأنه يتصور أن هؤلاء الذين سوف تأتى بهم الديمقراطية بقوانينها الحالية لا بد سيعتبرون أنفسهم وكلاء الله على الأرض، ثم إنهم جاؤوا بأصوات الشعب. لكل ذلك يشعرون بالراحة وهم يبادرون بإعلان، ثم فرض، تفسيراتهم أو تفسير فقهائهم لتحديد سقف لما “ورد فى تفسيرهم للدين بالضرورة”. سقف على مقاس دوام حكمهم إلى أن يرثوا الأرض و”من” عليها.

 أنا لا أعرف استثناء لهذا الموقف  إلا  واحدا اسمه نجيب محفوظ (لا بد أنه يوجد كثيرون مثله لا أعرفهم) فهو  مستعد أن يدفع حريته، وإبداعه، بل وحياته فى سبيل أن يختار الناس مَنْ يمثلهم، حتى لو اختاروا الشيطان نفسه، لأنه على يقين أن الناس – من واقع الممارسة – سوف يعدلون عن هذا الاختيار إن آجلا أو عاجلا. لا أجرؤ أن أعيد عليه نفس السؤال الذى سألته له  ألف مرة، السؤال الذى يقول: وماذا لو طال أمد هذه المراجعة إلى أجل غير مسمّى، وماذا لو ألغى هؤلاء الناس كل ديمقراطية لاتناسب ثوبهم الديمقراطى الثيوقراطى القمْعِـقراطى الخاص الذى فصّله لهم تفسيرٌ دينى محدود؟  لا أسأله هذا السؤال لأنه يرد علىّ دائما بما يفحمنى قائلا: إذا حدث ذلك ، فنحن لا  نستأهل إلا ذلك، ثم يسألنى شيخى بدوره مكررا: هل عندك حل آخر فأقول خائبا: “لا” ، ثم أُردف أنه من حقى أن أحلم وأن أجتهد بحثا عن حلِّ قادم حتى لو لم نتبين تفاصيله الآن.

ثالثا: رجال أحزاب المعارضة، الحقيقية مثلالوفد والتجمع مثلا، وحتى الأحزاب الديكور، والأحزاب الرمز، والأحزاب النكتة، والأحزاب الفكاهية، والأحزاب التاريخية.  أغلب هؤلاء الناس، إن لم يكن كلهم، هم ديمقراطيون بحق (حسب التعريف الصحيح)، على اعتبار أنهم ما أنشأوا حزبا ووضعوا برنامجا وبذلوا وقتا (ومالا) إلا لأنهم  رفضوا موقف المتفرج، وفى نفس الوقت هم مازالوا يحافظون على أملٍ ما، فى يومٍ ما، أمل لا تحققه إلا الديمقراطية، وهو ما يسمّى “تداول السُّـلـطـة” (بضم السين لا فتحها). لكن ما يجرى على أرض الواقع، و ما  يؤكده  الانتخاب بعد الانتخاب، والتزوير بعد التزوير، والبلطجة بعد الطنبلة (التطنيش)، وأسرار ومفاجآت التغيير بعد التغيير،  كل ذلك يبين أن مسألة تداول السلطة هى أبعد عنا من لبن العصفور. الثلاثة مستحيلات  العصرية المصرية الديمقراطية الحِزْبِـوَطَنية الآن أصبحت  الانتخابات النزيهة، والشفافية، وتداول السلطة. (بدلا من الغول، والعـنقاء، والخل الوفى).

رابعا: الإسلاميون. هذا هو التعبير الجديد الذى يشير إلى من يفسر الآية الكريمة عن الحكم بما أنزل الله، بأن الحكم هو كرسى الحكم، (وليس مجرد الخلاف الذى نزلت فيه الآية  على بعض بنى إسرائىل، إذا قصرنا المعنى على أسباب النزول، ولا هو ما أنزل الله من خير وقوانين وقدرات بشرية وغير بشرية وفرص تكريم بنى آدم-إذا عمّمنا المعنى على كل ما أنزل الله).

هؤلاء الإسلاميون هم، والشهادة لله، فى منتهى “الديمقراطية الوسيلة”.بعضم يطلق عليها الاسم الأرقى “الشورى”، الذى يُستعمل عند البعض الآخر على أنه الاسم الحركى، أو اسم التدليل، أو تيمُّناً بمجلس الشورى الذى هو أقرب تمثيلا للشعب المصرى لأن له “حق الكلام دون التدخل فى نظام الحكم”. أنا لا أشك أن أغلب  هؤلاء الإسلاميين  صادقون تمام الصدق فى تمسكهم بالديمقراطية وسيلة مُثْلى لتوليهم ما يريدون حسب قوانين الديمقراطية الشائعة.  صحيح أنهم سيحصلون على الأصوات من “داخل” الناس الدينى لا من ظاهرهم السياسى، بعد أن أُنْسِىَ الناس ما هى السياسة أصلا،  لكنها قواعد الديمقراطية التى ليس لها إلا عدّ الأوراق فى الصناديق دون تفحير فى خلق الله للتثبُّـت من أين أتت الأصوات. السبب الذى سوف يجعلهم  ينجحون فى تولى الحكم هوأننا قد  وصلنا إلى حال جعلت كل واحد منا يتصور أن فى دينه، حتى فى مجال السياسة، ما يمكن أن يُخرجنا مما وصلنا  إلىه من اليأس والعجز. وهو يتصور أنه بانتخابه هؤلاء الناس إنما يتقرب إلى الله. لم يعلّمه أحد أن الله يرضى عنه أكثر إذا مارس حرّيته وليس إذا اتبع من يخاطب غرائزه الدينية دون إبداعه الإيمانى.

بوضعنا الحالى لا أحد يشك أن أغلب مواطنينا الطيبين سوف يسلِّمون أمورهم  لهؤلاء الذين يحملون لافتة الدين، لعل وعسى.!”أما بعد أن يتفضّلوا ويركبوا المحمل، بالخوف (أو يقينا) سوف يجد كل واحد نفسه مخنوقا تحت سقف لم يضعه الله تعالى وإنما وضعه الذين حددوا ارتفاعه بتفسيرهم  الخاص، ويتوقف ارتفاع السقف على من يتصادف أن يتولى أمور دارالإفتاء، أو مؤسسة جديدة لأصولية النظام، التى يمكن  أن تحمل صفة  الديمقراطية احتياطا. مثلا:”المؤسسة الديمقراطية للفتوى والتشريع” أو حتى يمكن تغيير اسم الدولة لتصبح الدولة الفلانية الإسلامية الديمقراطية، مثل ألمانيا الديمقراطية (الله يرحمها).

اقتراح غير ديمقراطى

بعد أن غامرتُ بإغضاب الجميع، مع أننى أحبهم جميعا والله العظيم ثلاثا، وإلى أن يجد العقل البشرى  وسيلة أخرى تمارس بها كل مستويات وجودنا الحرية المسئولة  التى تسمح بحرية أكبر فأكبر، خطر لى أن أقترح حلا مؤقتا غير ديمقراطى وربما”غير عاقل” يقول:

1)  بعد تخلى الرئىس عنه، يُوقَـف الحزب الوطنى عن العمل، أو عن الحكم لمدة عشر سنوات،(وأراهنكم أنه لن يبقى فيه سرّيخ بن يومين، فاكـرْ “حزب مصر”).  وذلك  لأنه ثبت أن استمراره “هكذا” يهدد أمن ومستقبل البلاد الاقتصادى والسياسى. (قانون الطوارئ يسمح بذلك).

2) تُـترك بقية الأحزاب تتفاعل  مع الناس تعلّمهم أن هناك شىء اسمه سياسة، وأن الحرية غالية، وأن الله قد رزقنا أدمغة لنستعملها لا لنسلّمها إلى الأعلى صوتا، وقد تقوم هذه الأحزاب بدور استشارى للقائمين على الدولة فى الفترة الانتقالية !!.

3) بعد عشر سنوات يحكمنا الحزب (أو الأحزاب) الذى نجح أن ينمى فينا ما هو نحن كما خلقنا الله.

أما من الذى يحكمنا خلال هذه السنوات العشر، فهذا ما لا أعرفه، خلِّهم ستين سنة، لا يضرّ أكثر !!.

على الأقل: سوف نستفيد أننا توقفنا عن الكذب .

آسف.

 اعتبروها نكتة نتسلى بها حتى نبدع. (نخترع- نكتشف) أو يبدع غيرنا  ديمقراطية أصلح.  وسيحدث.

فالبقاء للأحرص على الحرية والكرامة وتعمير أرض الله لخلق الله .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *