الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / من الألم والغضب، إلى الفعل المسئول

من الألم والغضب، إلى الفعل المسئول

نشرت فى الوفد

4-2-2011

من الألم والغضب، إلى الفعل المسئول

منذ عشر سنوات كتبت مقالا فى الوفد أيضا ( 13/8/2001) أحذر فيه من التوقف عند مرحلة الغضب، وكان ذلك بمناسبة انتفاضة فلسطينية أحدث، وشهداء كُـثر، كان عنوان المقال ” ثم ماذا بعد الغضب“، وحين عدت أقرأه الآن وأنا أتابع ما يجرى فى مصر الغالية، وجدت أنه أنسب ما يمكن أن أوجهه لشبابنا الواعد الجميل، بعد كل ما حدث:

أبدأ باقتطاف فقرات من المقال العتيق مع بعض التحديث المحدود (2001):

(1)   …..هل المطلو ب هو إظهار الغضب فى الشارع أساسا أم تماما؟

(2)   ألم تتغير المحكات التى نقيس بها معنى الغضب وجدواه، والتى تحذر من سوء استغلاله؟

(3)   هل المطلوب هو مزيد من التحليل والتفسير والتنظير على صفحات الصحف وفى اللقاءات المشتعلة كلاما وهتافات؟

المسألة أخطر من كل هذا.

….. ليس المطلوب مجرد الدعوة إلى استمرار الانتفاضة دون مشاركة حقيقية فردا فردا، وجماعة جماعة، فى دفع واستيعاب إيجابياتها .

…. إن من يجرؤ أن يعى الآلام الحقيقية التى تصله…. لا بد أن يشعر بالاستنفار لشكل جديد من المواجهة، شكل يبدأ من هذه النقطة الفارقة فى تاريخ الوطن فالبشر، وليس فى تاريخ العرب فحسب، ثم لا يتوقف أبدا، شكل مختلف عن مجرد غضب الشارع، أو التحريض على تغيير سلطة محلية قد لا يحل محلها إلا ما هو ألعن منها، قد لا نكتشف ذلك إلا بعد أسابيع أو شهور، وربما بعد أيام أو سَنَوات.

أنا لا أقلل من الحاجة إلى غضب الشارع، ولا أستهين بمعناه، ولا أرضى إلا بالتغيير، لكن كل ذلك ليس نهاية المطاف، ولا هو مطلب لذاته،….. بل هو بداية مرحلة جديدة نختبر فيها أنفسنا

…… نحن أصحاب حق، ننتصر لإحقاقه لصالح كل البشر بدءاً بوطننا الكريم.

لسنا أهلا لتاريخنا إلا إذا تحمّلنا مسئوليته.

حين يفيض الألم بالناس يصيحون : آه

وحين يفيض الغضب بالناس يصيحون : لا

وحين يفيض الضجر بالناس : يطلبون التغيير

وحين تتجمّع الآهات، مع اللاءات، مع طلب التغيير، ويتردد صداها فى الشارع، نتكلم عن غضب الشارع، وننتظر الثورة.

هل هذا هو كل المطلوب؟

هل هو نهاية المطاف أم بداية الطريق؟

ألم نتعلّم كيف أن الغضب لا يكفى؟

بل إن الثورة نفسها لم تعد تكفى.

المطلوب ألا نقف فى وجه الغضب، لكن علينا أيضا أن نعرف أنه “إعلان” وقفة وليس “بناء دولة، الغضب إرسال رسالة، واستيعاب طاقته هو ترسيخ حضارة.

المطلوب أن نعدّ عدتنا لنفسٍ طويل من الحوار والجدل والتحدى، حتى إذا تهيأنا لنقلة نوعية (الثورة) وجدنا من يرثها ويستثمرها من أصحابها، وليس ممن يركبون ظهرها لينحرفوا بها، وهكذا باستمرار مثل نبضات القلب، امتلاء وضخّ.

……

……

ثم انتهىَّ مقال الوفد القديم هكذا:

هل مــِـنْ أمل؟!

وقد جاءت الإجابة بعد عشر سنوات من تونس

ثم من مصر أنْ:

“نعم”!!    

المصيبة أن ما نطالب به من حوار ونفس طويل، يستعملونه هم للإجهاض والتسويف، ولكن إن لم تصلهم رسالة الغضب فليتحملوا مسئولية الخراب الشامل الأخطر والأصعب من أسلحة الدمار الشامل.

وبعد

دعونا نبدأ بمخاطبة الأطفال بداخلنا (وخارجنا) وهم أقرب إلى نقاء الشباب الذى أحيوا فينا كل هذا الأمل.

فى نفس السياق، وفى نفس التوقيت تقريبا، سنة 1999 كنت قد كتبت أراجيز للصغار، خارجنا أساسا، لكننى وجدت أنها تُسَمِّع فى الأطفال بداخلنا أكثر،  وقد اكتشفت وأنا أراجعها الآن، كيف أننى حذّرت بشدة من الخلط بين الفرحة بإطلاق ثورة الغضب، وبين حسابات استيعاب طاقة الغضب، والخوف من أن يستولى على ناتج غضبتنا من ليس أهلها.

المأمول هو أن نستوعب عمق ما جاء فى أرجوزة الأطفال القديمة هذه، خاصة أننى حين رجعت إليها وجدت أنها أصلح ما تكون لشباب هذه الانتفاضة، علينا أن نتعلم منهم كيف نطالب بحقنا فى الغضب ثم فى الثورة، وفى نفس الوقت علينا أن نقدم لهم خبرتنا فى “كيف نحسبها بذكاء ومسئولية، دون أن نجهض غضبهم حتى لا يستولى على نتائج ثورتنا / ثورتهم: غير أهلها.

هذه هى أغنية الأطفال فهل نستعيرها منهم ولو أسبوعين؟

*****

الغضب من حقَّى برضُهْ،

الغضبْ مِشْ كلُّه يعنى زى بعضُهْ.

ما هو لازم إنى أغضبْ،

لما يحصل إِللىِ يِـِغـْضِبْ.

 

الغضبْ للحق واجبْ

الغضب مع بعض ضدّ المفترى،

يبقى ثورة ضد ظالمْ،  ضد غاصبْ.

بس يعنى،

لو غَضَبْ كده والسلامْ

زى كورهْ فرقعتْ، لما شاطها الجون قوامْ

بعد ما دخلت شبكـْتُـهْ

راح عاملها يدارى خيبتـُهْ

يبقى مش هوّا اللَّـانا قصدى عليه،

نعمل ايه؟!!!!

 

لمَّا نغضب ننتبه: إمتى ، وإيه،

ضد مين؟ ولْحدّ فينْ؟ وبكامْ،  وليهْ؟

لما تغضبْ وانتَ مش قادر تحس،

باللى جنبك.

يعنى تتفجر وبسْ،

باللى عندك،

تبقى باظت حسبتكْ، مهما حاولت

يبقى طاش سهمك ياريتك ما غضبت

لمّا ازعّق وي خلاص دا مش غضبْ

دا ساعات يمكن يكون قلّـة أدبْ

لما باغضب وانفجرْ، مش  باجمّع يا خسارة،

يفلت المعيار كإنى وحش كاسر لسه طالع من مغارة

بانسَى نفسى، …. بالـْغِـى حِسّى

يجروا منّى،……….ألقى إنّى:

مرمى منبوذ غَصْب عنى

إنما غضبى اللى هوَا، ..

 هوا دا زادى اللى جوّهْ،

ده يا خويا حاجه تانيه، بس “هوّه”.

 

آه دا  لو وجّهنا طاقته ناحية اللى يستاهلها

راح تكون ثورة بصحيح، …بس يورثها الْعـــامِلْها

 

مش تروح ثمرتها للى كان  بيتفرّج علينا

واحنا نتسوَّح ونرضى مرة تانية باللى فينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *