الرئيسية / مقالات صحفية / مجلة وجهات نظر / نيازك الخرافة والإيقاع الحيوى بين يحيى حقى و خيرى شلبى

نيازك الخرافة والإيقاع الحيوى بين يحيى حقى و خيرى شلبى

نشرت فى وجهات نظر

عدد مارس-2006

نيازك الخرافة والإيقاع الحيوى 

بين يحيى حقى و خيرى شلبى

مقدمة

حين يواجه ناقد ما، له منظومته الأيديوولوجية، ومرجعيته العلمية، وأرضيته المعرفيه، ما يقدمه مبدع جيد جاد من رؤية تخالف ما ثبت لدى هذا الناقد “بالضرورة” (علما، أو تاريخا، أو أيديولوجية، أو حتى دينا)، أين يضعها؟ هل يحكم عليها بالصحة والخطأ؟ هل يقيسها بمقاييس ما وصل إليه من علم حتى لو كان متخصصا فيه بجوار اهتماماته النقدية؟ هل يضمها إلى نوع من الخيال البعيد، ومن ثم غير القابل للقياس بمحكات الواقع ومعطياته الحالية؟ هل يستلهمها بدهشة مسؤولة باعتبارها مصدرا مختلفا للمعرفة، فيضع لقراءتها ما يلوح له من فروض جديدة محتملة، تتحقق أو لا تتحق بإضافة من مبدعين آخرين، أو من مصادر أخرى للمعرفة: آنية، أو آتية؟

متى كان المبدع مبدعا، فعلينا أن ننحنى لما أبدع، لا أقول نستسلم له، ولكن نحترمه، ونشتغل فيه بما هو، لكى لا نحكم عليه من خارجه. لعل هذا هو ما دعانى إلى رفض، أو على الأقل التحذير من أغلب مناهج النقد النفسية، وخاصة منهج التحليل النفسى التقليدى. (فصول 1983)[1] مسموح بأن تواكب المعرفة معرفة أخرى من منظومة أخرى تدعم بعضها بعضها، أو تعارض بعضها بعضا، لعلها تجادل بعضها بعضا، لكن أن تقف منظومة معرفية، مهما كان إحكامها أو رواجها، وصية على منظومة أخرى تقيسها بأدوات من خارجها، فهذا اختزال غير مقبول.

حين قرأت لحس العتب لخيرى شلبى، وعشت جزئية التداوى الفاشل القاتل بلحس قاذورات ما تبقى من أحذية الداخلين إلى مقامات الأولياء فى مركز دسوق، جزعت، وحين مات خالد (الأخ الأصغر) نتيجة لذلك حزنت، لكننى اطمأننت للرسالة التى وصلتنى، ثم فوجئت أن شقيقه (فخرى:الرواى) المصاب بنفس المرض تقريبا قد شفى تماما، وبسرعة غير متوقعة، من وصفة أخرى لضاربة ودع أشارت على أمه ببعض الطقوس والرقى، شفى إذْ تجرع من الحياة الخميرة النابتة فى الخل التى تلقت قطر الندى، على نغمات الإيقاع الحيوى الكونى المنتظم. فوضعتُ ما حدث بين قوسين. لم أرفضه برغم مخالفته لأبسط قواعد الطب، ولم أضعه فى نفس موضع  لحس العتب باعتبارهما تطبيبا شعبيا معاً، بل رحت أحاول أن أفهم حدْس هذا المبدع الذى جعلهما عكس بعضهما تماماً، فطفقت أقرأ المرة تلو الأخرى دون حل قريب.

يبدو أن هذه الجزئية من الرواية، هى التى ذكرتنى برواية يحيى حقى الشهيرة : قنديل أم هاشم ، لم تسعفنى الذاكرة بالتفاصيل، فرجعت للرواية، فحضرنى بوضوح غامض أن قطر العين المريضة بزيت القنديل قد  فشل حتى قاربت فاطمة العمى، وأن استعمال جزئيات العلم حتى الوارد منها من “بلاد بره” قد فشل أيضا وأوصل الحالة إلى نفس المصير. لكنَّ تصالحا ما قد تم أخيرا بين إيقاع وعى المعالج والمريضة والكون فى لحن متكامل، جعل تلقى المريضة لما سبق فشله، ينجح، وبلا دهشة (أنظر بعد)

لم أجد تفسيرا علميا لما حدث هنا وهناك.  رفضت التفسير بالإيحاء السطحى، كما لم أقبل تلفيقا مختزلا يصفق لشعار يجمع لفظىْ “العلم والإيمان” معا، بشكل شعرت معه بالاستسهال حتى خشيت أن يصل هذا الكلام إلى المتلقى بتلفيق مصطنع لم تقصده الرواية. على الناقد وهو ينفى هذا التلفيق الذى لم يرد فى النص أن  يثبت عكس ذلك أو غير ذلك، الرفض هنا للتسطيح والتلفيق أو حتى للتسويه، لكنه لا يشمل رفض أى جدل حيوى محتمل.  فهى دعوة غامضة مثيرة: أن نعيد النظر فى مفهوم أعمق لما هو علم وما هو إيمان وما هو طب وما هو خرافة. وهذا ما تحاوله هذه المداخلة.

أثناء مراجعتى لقنديل أم هاشم [2]، وكنت متحفظا على ما شاع عنها، وبالذات على ما وصلنى من الفيلم بنفس الاسم، (قبل أن اشاهده) فوجئت بمنظر تم حذفه فى الفيلم وربما أغفل فى كثير من النقد، ولقد تبينت أننى لم أنتبه إليه من قبل بالقدر الكافى: منظر إسماعيل،(الدكتور إسماعيل فى نهاية الرواية) وهو كائن  ضخم الجثة، أكرش، مدمن للتدخين وربما للنساء الجميلات، مصدور، يستعمل امرأته، بأقل احترام، فيُنسلها ما شاء من نسل دون حساب (وربما دون مسئولية)، وفى نفس الوقت يعالج الفقراء بقروش، فى مكان قذر، ويشفون.  تساءلت: ما علاقة هذه النهاية (أقل من صفحتين قطع صغير)  بكل ما جاء فى الرواية من صراع بين العلم والمعتقدات الشعبية؟ بين الغرب والشرق؟ بين الشمال والجنوب؟ بين الانتماء والخلع؟. تأكدت أن وقفة أمام هذه النهاية التى حذفتها السينما، وربما تجاوزها أغلب النقاد، هى ضرورية لإعادة النظر فى النقد المتاح، ثم تأكدت أن قراءة حالة إسماعيل كنص بشرى نقدا، قد تكون لازمة لتفسير بعض أبعاد الصورة الكاملة دون الغاء صفحتىْ النهاية فأجلت ذلك لأتناوله فى  دراسة لاحقة مكتفيا أن أركز فى هذه الأطروحة على مستويين نقيضين للتطبيب الشعبى.

لحس العتب مقابل حدس الإيقاع الحيوى

بالعودة إلى رواية لحس العتب لخيرى شلبى [3] نتذكر كيف تسربت الحياة من أسرة طفلنا الراوى على أكثر من مستوى، المال تسرب بخيبة الوالد التجارية، ولم تنفعه أحلامه حالة كونه جالسا ينتظر عكس ما يجرى أمامه واقعا، هذه الأحلام كانت محل نقد أو رفض أو سخرية هامسة أو معلنة من معظم رواد المندرة، سواء وهم جلوس يتغامزون، أو بعد الانصراف، ويبدو أن بعد الوالد عن الواقع اضطره أن يفرض خياله الآملِ بقسوة جازمة، وربما هذا هو ما وصل للأولاد كنوع من القسوة حتى رفضوه: “…لقد كان يساورنا الشك فى أن يكون أبى- هذا الجلف الخشن الغليظ الصوت والرقبة – كان ذات يوم من الأيام ابن عز” (ص 7). المسألة لم تعد تدور حول ما إذا كان رب الأسرة  إبن عز أم إبن فقر، بقدر ما أنها تعلن أن هذه الأسرة لم يعد يربطها تاريخ أو أمل. وحين أعلن المرض حلوله فى فخرى وأخيه بهذه الصورة التى تنبعج فيها البطن ويذوى الجسم، كان ذلك بمثابة الإعلان الأقسى لتسرب الأشياء والحياة. كل شىء يتسرب إلا الترابيزة التى أعلن الراوى إحياؤها لتقاوم حتى النهاية، لم يستطع أى من الولدين أن يقاوم المرض مقاومة الترابيزة للإزاحة، تراجعا أمام ضربات المرض المتلاحقة . الترابيزة فعلت العكس، إذ ظلت تمتنع أن تضحى بوجودها فى سبيل توفير نفقات علاجهم، المرض الخطير المتسحب بهذه الصورة كان بمثابة إعلان هزيمة الحياة تدريجيا وباضطراد.

لم ينفع التطبيب الاجتهادى العشوائى، ولم تتيسر مصاريف علاج الطب التقليدى، فما العمل؟

 هنا، كما فى القنديل، مستويان من التطبيب الشعبى، الأول فيه من التفسخ والاغتراب ما تجسد فى قذارة منفصلة متجمدة لفضلات بشرية ساقطة كنيازك بشعة متنافرة عفنة، فالعتب الذى لحسه الطفلان لم يكن له علاقة لا بالأولياء الذى هو على بابهم، ولا بالطبيعة المحيطة النابضة ذات الإيقاع الحيوى، وحين أُفرغ العتب (بالمسح قبل اللحس) مما عليه من قاذورات  أصبح خاويا حتى من قذائفة الشاردة المتنافرة.  تبين الشيخ على بقوس (الشيخ كعبلها)، وهو الذى أشار على الأم بالوصفة ابتداء،  تبين هذا الخطأ الذى حدث نتيجة مسح العتب وتنظيفه قبل اللحس، وأفتى بأن ذلك هو الذى جرح شعور ولىّ الله،  فصحح  الوضع ونصح الأم أن يكون اللحس دون غسيل، ففعلتْ، ولحس الطفلان بقايا وشظايا ونتن القذارة والعفن: انغرست بقايا التفسخ البشرى كأنها النيازك الساقطة نافرة من لحن الحياة، انغرست فى قلب الأخ  الأصغر (خالد) فقضت عليه فى ليلته.  فشلت محاولة الاستعانة بالأولياء  لأنهم لم يكونوا هناك أصلا فى وعى طالب عونهم. حلت محلهم بقايا قاذورات أحذية ونعال وأقدام الداخلين إلى المقام، كان التبرك ببقايا نشاز قذرة  منفصلة متفسخة  وثنية، فهى الخرافة القاتلة.

  البديل التقليدى بعد هزيمة الحياة فى الأخ الأصغر “خالد”، كان زيارة الطبيب فى البندر لعله ينقذ ما تبقى أو من تبقى، لكن الإمكانيات لم تسمح  إلا بزيارة واحدة للدكتور  ألبير فهمى فى بندر دسوق حين أمكن توفير أجرة السفر والكشف من بيع نحاس الأم المرّة تلو الأخرى، فأمكن توفير قيمة الكشف ومصاريف السفر، لكن المبلغ لم يغطِّ ثمن الدواء، كذلك لم تنفع استضافة الجدة الصبية وزوجها  الفحل للطفل المريض إلا بقدر ما أتاحت استشارة عابرة لمستشفى حكومى ثبت أنها كانت مثل قلّتها، ثم سرعان ما تخلصت الجدة وزوجها من الطفل الدخيل الذى كاد يفسد عليهما شغل الليل الصارخب.

فى قنديل أم هاشم لم ينفع الزيت كجسم متعين غريب عن الوعى والإيقاع، كما لم تنفع المعلومة العلمية الجزئية المنفصلة هى أيضا كجسم غريب، لكن الذى يبدو أنه نفع هو التصالح مع أنغام الوعى البشرى ضمن لحن النغم الأكبر للإيقاع الحيوى مستعملين كل آلات عزف التوازن معا: علماً، وإخلاصاً، ومشاركةَ وعىٍ لوعىٍ، تحت مظلة وعى  ممتد أكبر.

فى لحس العتب: ضاربة الودع قدمت بحدْسها الفطرى حلا آخر له معالم أخرى، هو الذى نجح إذْ تميز بشكلٍ ما بمواكبة الإيقاع الحيوى وصْلا بين الوعى البشرى والوعى الكونى (الإيمانى) الممتد، وذلك كما ذكرنا: سواء من خلال الخميرة –  فى الخل- المخلٍّقة للحياة، أو من مواكبة الإيقاع اليومامى، فى مجال ثلاث أذانات: المغرب والعشاء حتى الفجر، ثم  مواكبة ظهور القمر أول كل شهر  لثلاثة أيام، كل ذلك ليس شافيا بذاته، لكنه قد يحمل حدسا شعبيا يقول بأن الحياة التى تسربت بالانفصال والاغتراب والتفسخ والقذارة يمكن أن تعود بالاتساق والهارمونى والصحوة التوازنية فى حضن الطبيعة.

الفرق بين لحس العتب، وبين التناغم مع الطبيعة فى مواكبة الإيقاع الحيوى (الإيمانى: العارف هو الله- شِفاه على الله وعلىّ – ص64)، هو الفرق بين نشاز الخرافة والتناغم مع لحن الطبيعة الممتد.  ضاربة الودع ليست عمياء البصيرة، ولا هى صاحبة حسم اغترابى، هى قد تكون  مجرد وسيط  فطرى يستوعب إيقاع الكون، وإيقاع البشر فى آن، فينصح كيف يصحح النشاز بالعودة إلى التكامل مع اللحن الأساسى الممتد.

 وعى هذا الحدْس الفطرى قد يكون قادرا على أن يلتقط النغمة النشاز مثل أى أذن من التى نسميها “الأذن الموسيقية” التى تلتقط أى نغمة نشاز تتداخل فى لحن تعرفه جيدا: ربما هكذا تبين لفطرة ضاربة الودع كيف تتسرب الحياة من الآلة المنفردة (فخرى) حين انفصلت – لأى سبب كان – عن اللحن الأساسى،(المرض)  فأشارت ضاربة الودع بما أشارت به مما يمكن أن يسهل طريق التصالح بين إيقاع وإيقاع، فى لحنٍ ممتد أكبر. ربما يكون  مثل هذا التصالح المحتمل قادار على أن يساهم فى إعادة  التوازن حتى التغلب على أمراض عضوية فعلا وليس فقط أمراض نفسية وظيفية، إن ذلك لا يعنى أن يكون هذا الحل بديلا عن الطب المعاصر، وإنما هو يشير إلى بعد آخر لما يسمى “الصحة”.

 قلنا فى المقدمة، نحن  لا نستطيع أن ننكر حدس المبدع لمجرد أنه يخالف معلومات جزئية فيما وصل إلينا من طب وتطبيب، إن الطب الرسمى إذ ينكر أهمية استعادة الهارمونى بين  مستويات التوازن الداخلى المتصل بالتوازن الخارجى، إنما يفّوت على نفسه فرصا ليست هينة مهما بدت غامضة له فى الوقت الحالى. المفروض أن الطبيب الحقيقى هو وسيط حقيقى لاستعادة التناغم الإيقاعى الحيوى المنطلق = الصحة. المطلوب هو أن يستعمل الطبيب كل وسائله العلمية التى تساعد على استعادة هذا التوازن (بعد التخلص من أسبابه إن وجدت)، لكن ليس هذا هو الحادث فى عالم الطب الحديث، فالاعتماد كله أو أغلبه هو على الأدوات والفحوص والمضادات والتسكين، إن إنكار الطبيب المعاصر لدور الطبيعة فى استعادة الهارمونى هو الذى يخلـّق ما يسمى “الطب البديل” بخيره وشره, ثم  إن التمادى فى هذا الإنكار هو الذى جعل الخرافة تصبح هى الغالبة والأكثر ضررا.

عودة الحياة إلى الطفل  فخرى، من خلال احتمال استعادة التوازن مع بقية دوائرها، صاحبها حادث الاضطرار للتخلص من الترابيزة بعد أن انهزمت تحت سقوط السقف فوقها حتى تهشمت.  كأن انهيار السقف على الترابيزة هكذا هو إعلان إمكان كسر الجمود حولها، بعد أن أصبحت لا تمثل الحياة، لقد بدا بمثابة “إعدام العدم” الذى أصبحت تمثله الترابيزة بعد أن كانت تمثل الحياة. إن تسليم الوالد بنزوحها كما انزاح الملك فاروق هو اعتراف بأن عز الحياة لا يعود لمجرد تمسكنا برموزه القديمة، وإنما هو يتخلق من جديد إذا تصالحنا مع أنغام الحياة المتجددة الممتدة  القادرة على استعادة التوازن بين دوائر الوعى و دوائر الكون.

هذا عن الخطوط العريضة للمرض/التسرب/ النشاز/ التوقف،

 فى مقابل

التناغم/ التوازن/التجدد/البعث،

مجرد فرض، وفى هذا إعلان أيضا عن التناقض بين التسليم النشازى المتطاير، فى مقابل استعادة مواكبة الطبيعة بيقين جديد (وليس بإيحاء مسطح)، ثم لعله تنبيه إلى موقع الطب الميكنى الحديث الذى ينبغى أن يعود ليحترم إمكانيات المريض إذ يطلب النصح، وأن ينصت إلى البدائل من واقع الحال، , ويميز منها ما يعاونه، فلا يعمم الرفض ويعتبر أن كل ما ليس فى نطاق معلوماته، هو خرافة محض وفى نفس الوقت عليه ألا يقزّم دوره حين تصبح عطاياه الجزئية منفصلة عن “تناغم الوعى الفردى فى الطبيعة” : أصل ما يمكن أن يسمى “صحة”.

الإيقاع الحيوى: نور على نور

حين حضرت لى رواية قنديل أم هاشم فارضة نفسها فرضا وأنا أقرأ لحس العتب لم أستطع أن أتبين معنى ذلك بدرجة جاهزة من البداية؟ تقارب زمن الروايتين ليس كافيا، كما أن ممارسة التطبيب الشعبى (بشقيه السلبى والإيجابى) ليس متوازيا بما يسمح بالمقارنة، إلا أن نظرة لاحقة جعلنى أربط بين هذه الممارسات النقيضية فى كلا العملين، بما قد يضيف إلى الفروض المطروحة بعض الانارة.

ليس الزيت، لكنه النور

من البداية والشيخ درديرى ينبهنا أنه “يشفى  بالزيت المبارك من كانت بصيرته وضاءة بالإيمان”  (ص 72 )، فلا بصر مع فقد البصيرة، ومن لم يُشف فليس لهوان الزيت بل لأن أم هاشم لم يسعها بعد أن تشمله برضاها، أم هاشم كما وردت فى الرواية، وفى وعى غالب فى الشعب المصرى, لها حضور حيوى نابض. هى ليست مجرد فكرة إيحائية. حين استنقذتْ نعيمة بأم هاشم طالبة التوبة ، شك إسماعيل أنها (السيدة زينب) بادلتها القبلة تعبيرا عن قبول شفاعتها “.. ومن ذا الذى يجزم بأن أم هاشم لم تسع إلى السور وقد هيأت شفتيها من ورائه لتبادلها قبلة بقبلة” (ص80).

القنديل لم يكن أبدا “فانوسا” يضىء، مساحة محدودة بجدران فحسب، هكذا أوضح الأمر الشيخ درديرى منذ البداية (ص66) قال :”هيهات للجدران أن تحجب نوره”. ثم يمضى الوصف بحيث لا يدع مجالا للشك أنه ليس قنديلا: “…وانتبه (إسماعيل) لوصف الشيخ “.. هذا القنديل الصغير .. يكاد لا يشع له ضوء، ينبعث منه عندئذ لألاء يخطف الأبصار، إننى ساعتها لا أطيق أرفع عينى إليه” ثم يردف الشيخ درديرى وهو يشير بإصبعه إلى القنديل: وسنان كالعين المطمئنة رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ، يضفو ضوؤه الخافت على المقام  كإشعاع وجه وسيم من أم تلقم رضيعها ثديها فينام فى أحضانها، ومضات الذبالة خفقات قلبها حنانا او وقفات تسبيحها همسا. يطفو (القنديل) فوق المقام كالحارس مبتعدا تبجيلا، أما السلسلة فوهم وتعلة. كل نور يفيد اصطداما بين ظلام يجثم، وضوء يدافع، إلا هذا القنديل، فإنه يضيئ بغير صراع! لا شرق هنا ولاغرب، ما النهار هنا ولا الليل، لا أمس ولا غد”، “وانتفض إسماعيل، لا يدرى ما هذا الذى مس قلبه”! ( ص 74)

نور القنديل يحضر كائنا يـَرى، يُدرك، ويُرضع ويحنـُو من البداية (ص 66) حتى قرب النهاية (17) ” .. ورفع إسماعيل بصره، فإذا القنديل فى مكانه يضئ كالعين المطمئنة رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ، خيـّل إليه أن القنديل وهو يضئ إليه ويبتسم (لاحظ تكرار نفس الألفاظ رأتْ، وأدركتْ، واستقرتْ!! (ص74).

هذه القصيدة تفرق بين النور الحانى، وبين الضوء المقتحم، وتجعل الواقع السلسلة التى تحمل القنديل (ص 74) هو الوهم (أما السلسلة فوهمُ وتعّله). حين يصل الأمر إلى الإشارة، ولو دون قصد، إلى القنديل وكأنه يستمد نوره من زيت شجرة زيتونة لا شرقية ولا غربية، حيث لا نهار ولا ليل، حيث السرمدية الحانية، فنحن أمام قبس يرمز إلى، إن لم يعرض، النور الذى هو على نور، وبالتالى لا يكون الزيت زيتا عاديا يقطر فى العين لمرضى البصر، وإنما هو الزيت الذى هو النور الذى يكاد يضىء ولم تمسسه نار، هو النور الذى ينير البصائر إيقاعا حيويا متسقا. الفرق بين الزيت حين يوضع كزيت، مادة لزجة لها قوام، فى عين رمضاء، وبين النور الذى يعيد النغـمة الشاردة النشاز (المرض) إلى موقعها فى اللحن الممتد من الإيقاع الحيوى الذاتى إلى الإيقاع الحيوى الكونى، هو الفرق بين زحف العمى إلى عيون فاطمة النبوية نتيجة التداوى بالزيت المتعين، وبين إبصارها نتيجة للتناغم مع إيقاع النور الممتزج بالعلم الصحيح. أما جزئيات العلم وهى منفصلة عن هارمونية النور الإيمانى المسئول، فهى لا تقل اغترابا عن الزيت الجسم الغريب قبحا ونشازا. هذا الفرق فى رواية حقى يكاد يكون موازيا  للفرق بين لحس العتب وبين حدس ضاربة الودع وسيطا إلى استعادة التوازن مع النبض الحيوى فى رواية شلبى.

قد يكون من السهل نسبيا أن نفهم الفرق الأول بين الزيت كزيت، وبين الزيت كنور السماوات والأرض، من خلال فرض عن علاقة الصحة بالتوازن الحيوى الممتد. الأصعب هو أن نتصور أن المؤسسة المعلوماتية الطبية المغتربة عن هارمونية الوجود الأشمل، يمكن أن تكون أحيانا لها هذا الإضرار حتى العمى. ربما يفسر بعض ذلك – فرضا – هو تلك الكلمة التى أطلقها إسماعيل وهو يهوى بعصاه على القنديل ص 194 : ” وأهوى بعصاه على القنديل فحطمه حتى تناثر زجاجه، وهو يصرخ ” أنا.. .أنا …أنا . كتب المؤلف هامشا مضافا إلى الطبعة التى بين يدى ص 104 مؤرخا سنة 1974 يعلق فيه على هذا الموقف: من النادر أن يرصد كاتب نفسه كل هذه المدة (أكثر من أسبوع) وهو يحاول أن ينتقى لفظة بذاتها لموقف بذاته، ومن النادر أن يأتى بهذا اللفظ الغاضب المنقطع “أنا..أنا” مبتدأً بلا خبر، ليفيد به (بنص هامش اعتراف الكاتب بعد ثلث قرن) أن “…هذه هى الكلمة التى كنت أبحث عنها ، لأنها تجسد كل المعانى التى طلبتها”. ما هى تلك المعانى التى طلبها المؤلف حتى تحتويها هذه الكلمة فيفرح بها ثم يفرضها وكأنه يطالبنا أن نلتقط كل المعانى التى طلبها، فجسدها فى كلمة نستعملها نحن فى معنى واحد. يضيف المؤلف إلى الهامش تفسيرا (مرفوضا منى على الأقل) لذلك:  مرة بحجة أنها الكلمة التى قالها نيتشه هابطا من بيته حين أصيب بالجنون، ومرة وهو ينتبه  إلى أن حرف النون به نغمة الأنين. بصراحة لقد تعجبت من هذا الهامش ورفضته بقدر ما فرحت به، رفضت محتواه التفسيرى أو التبريرى، فالمبدع يكتب ما يعن له دون وهو لا يحدد “كل المعانى التى طلبها”، ثم تأتى الكلمات لتحتوى ما تشاء من معان حتى لو لم تكن تحتويها قبلا، صحيح أنه بين كتابة النص وكتابة الهامش أكثر من ثلاثين سنة، لكن هذا فى ذاته يجعلنا نحترم الكلمة بقدر ما نتحفظ تجاه تبريرها. ثم إن حكاية النون والأنين هى أبعد ما تكون عن موقف الصراخ المجنون، وحتى حكاية نيتشة ليست كافية لتعلن أن مَسَّا من الجنون قد أصاب إسماعيل. إلا أننى فرحت به للتأكيد على أهمية هذا الانتقاء ولكن من وجهة نظر أخرى.

 لقد استقبلتُ صيحة “أنا.. أنا.. أنا..” باعتبارها إعلان انفصال الكيان الفردى عن النبض البشرى الجماعى، وعن النبض الكونى الكلى، هذا الانفصال الذى يلغى فاعلية الإيقاع الحيوى فى استعادة التوازن، فينقلب العلم الجيد والمعلومات المفيدة من آلات تشارك فى عزف لحن الإيقاع الكلى، إلى جسم غريب قد لا ينفع وقد يضر، فتكون بمثابة الزيت المنفصل عن النور. المعنى الذى جاء بعد ذلك فى إعلان إسماعيل  أنه ” لا علم بلا إيمان (ص 117)”، أو أنه:  وعاد من جديد إلى علمه وطبه يسنده الإيمان (ص 119) هو معنى له موقعه الدال فى عمق مضمونه، لكنه إذا أخذ بظاهره يصبح تلفيقا مسطحا من كلمات متجاورة تكاد تضيف إلى الاغتراب مزيدا من الاختزال والتجزئ على الجانيين. هذا التلفيق شائع بين الدين والعلم ، وأيضا فى السياسة والإيمان (أنظر بعد). التفيق يفقد شقيه فاعليتهما معا، بل وفاعلية كل على حدة، أما الجدل الذى أرجح هنا إمكانية أن يجرى بين الأداة الجزئية، وبين الوجود الشمولى، فهو يخـّـق مستوى جديدا من التوازن المتناغم فى تصعيد ضام.

الرسالة التى تصل من الفيلم[4]، دون الرواية، لها قيمة من حيث أنها تنبهنا أن القائمين عليه قد وصلتهم من العمل ما قد يصل العامة أو المتدينين المهزوزين من مثل هذه الأعمال الرائعة إذ يختزلونها إلى ما ليست هى، وكأن كل المراد من مثل هذا الإبداع هو إعلان انتصار ما يسمى علما على ما يسمى خرافة. ليكن، ولكن هذا ليس هو كل ما يقوله النص، ولا هو يستأهل أن يكون نصا إبداعيا ليوصل لنا هذه النصيحة الإرشادية البديهية . إن مثل هذا الاختزال والتسطيح جدير بأن يفرغ النص من مضمونه، بل وأن يشوه جماله.

إذن ماذا؟ هل ثـَمّ تفسير بديل؟

إن إسماعيل لم يصبح فى النهاية متدينا أفضل، كما أنه لم ينته مشايعا للعشوائية المتفسخة (الخرافة)، وبالتالى طبيبا أبلها يتبرّك بما شاع كيفما اتفق. إن ما بلغنى هو أن إسماعيل قد استعاد توازنه الإيمانى الإبداعى الموضوعى القادر على تدعيم وعى الطبيب، إن تفسير أسلوب هذا العلاج لا يمكن أن يطرح إلى فرضا يشير إلى احترام مستويات وعى المريض مع مستويات وعى الطبيب فى علاقتها بمستويات وعى الكون، لقد اكتشف وعى فاطمة من خلال هذا الحدس الفطرى أن معالجها – برغم أنها تحبه – فردا – حتى التقديس فالاستسلام – منفصل عن الإيقاع الجماعى. إنه جسم غريب عن الوعى الجمعى والوعى الكونى (أنا .. أنا .. أنا ..) وحين عاد مؤمنا بمعنى التناسق مع من حوله وما حوله، ناسا وطبيعة، ونورا على نور، استجاب وعى فاطمة لعودته، وشفيت بنفس الوسائل التى سبق أن فشلت.

النص الإبداعى الذى بين أيدينا يعلن أن فاعلية العلاج تتأتى بوضع كل الوسائل المفيدة: علما وإيقاعا حيويا، وإيمانا وتواصلا إنسانيا، لاستعادة التوازن الذاتى فى علاقته بالتوزان الأكمل المفتوح النهاية الذى “ليس كمثله شئ”.

النص الذى يقول: ” وعاد من جديد إلى علمه وطبه يشده الإيمان ..”  (ص 119) لا يشير إلى أية تسوية مائعة تجمع بين لفظين لهما سمعة طيبة،  لكنهما إذا ضُمّا إلى بعضهما تعسفا ضاعا فيما ليس هما. تماما مثل نفس الشعار”العلم والإيمان” حين يستعمل فى السياسة لغرض مناوراتى تسوياتى مخادع، أو حين يسَّوق فى سوق التفسير العلمى للنصوص المقدسة. كل هذا هو نوع من الاستسهال والاختزال لكل من العلم والايمان على حد سواء.

فروض متصاعدة

ليس من حق الطب والأطباء أن ينكروا – لأى سبب علمى أو شخصى أو شبه علمى أو تجارى – ما جاء فى عملٍ إبداعى ظهر نتيجة لحدس مبدع له خبرته ووعيه ورؤيته وأدواته، قد يكون من حق المؤسسة الطبية أن ترفض الممارسات الطبية الفعلية خارج نطاق قوانينها ولوائحها، وأن تسن لذلك القوانين بالحق أو بالباطل، لكن أن تـُرفض أحداثا جاءت فى عمل إبداعى جاد جيد، فهذا ليس من اختصاص المؤسسة الطبية، ولا من سلطتها.

أيضا لا يمكن أن نسائل المبدع لماذا كتب هذا الحدث هكذا، أو لماذا رجح أن هذا العلاج نجح وذاك العلاج فشل، يحدث مثل هذا أحيانا فى مقابلات صحفية أو ثقافية عابرة، بعد ظهور العمل، وهو خطأ منهجى حتى لو أجاب المبدع على أسئلة السائل إجابات مساعدة، كما قد يأتى التفسير أيضا من عالم أو طبيب حين يُسأل نفس الأسئلة فيفتى من واقع منظومة تخصصه دون الالتزام بالسياق الإبداعى واختلافات اللغة والأدوات.

إن مهمة  النقد الإبداعى هى قراءة النص لتفكيك أبجديته لإعادة تشكيله عبر كل منظومات الناقد المعرفية وحدسه الإبداعى وأدواته، يضع الناقد لذلك الفروض، ويعيد تشكيل النص، انتظارا لنقد النقد وهكذا،إلى غير نهاية.

وأخيرا فإنه ليس من حق فن لاحق (السينما أو المسرح أو المسلسل) أن يسطح إبداعا غائرا بمثل ذلك التشويه الذى طرحه الفيلم بنفس الأسم.

الخلاصة: (الفرض)

إنه ينبغى  علينا أن نقوم بمهمة النقد ونحن نحترم كل حرف ورد فى النص، نحترمه ونجادله ونتعلم منه، ونعيد تشكيله فى إبداع ناقد مستكشف. إن كلا من حدس العتب وقنديل أم هاشم يمكن أن يحمل دعوة لتعميق فهم الوعى والوجدان ليصبح إسهامهما فى استعادة التوازن نحو الصحة  فعلا بيولوجيا إيجابيا إيمانيا يكمل عمق العلم و يسهل وظيفته. إن هذا، وليس الإيحاء السطحى، هو  الذى يعيد الصحة بمعنى التوازن الإيقاعى من خلال استعمال آليات العلم بالضرورة.

الإيقاع الحيوى الكونى هو اللحن الأساسى الذى يحتاج إلى آلات تعزفه، وما الآلات البشرية إلا أدوات لعزف هذا اللحن الأعظم، تفاصيل أوتار الآلات البشرية تشمل كل شىء: من مفردات العلم إلى حدس الفطرة، إلى انتظام فحوى العبادات، كل ذلك يتكامل مع وعْـى من يستعملها من خلال إيقاعه الحيوى الخاص، وبالتالى يصبح قادراً على أن يتلاحم مع إيقاع وعى مريضه الناشز، فى حضن وعى الكون المحيط الممتد بغير نهاية، فينتظم فى لحن الوجود الأكبر إلى غيبٍ يقينىّ ليس كمثله شئ.

 بهذا تصبح أية آلة منفردة، سواء كانت معلومة علمية شاردة، مهما كانت صحيحة، أو زيت قنديل منفصل عن نوره، أو قاذورات من بقايا النعال على عتبة ولى. أو فتوى سلطوية تافهة أو منافـقة، يصبح أى من ذلك نشازا لو عزفت أية آلة منفردة وحدها لذاتها، ثم قد ينقلب النشاز المنفصل إلى نيزك ساقط، فهى الخرافة المضللة حتى القتل والكفر والشقاء أو الخدر الميت.

الأمر الذى يحتاج إلى إعادة نظر لإكمال الصورة هو ما آل إليه حال الدكتور إسماعيل (الدكتور اسماعيل) بعد شفاء فاطمة، فى نهاية الرواية، الجزء الذى  تجاوزه أغلب النقاد (غالبا)، وما كان بمقدور الفيلم الذى قدم الرواية بكل تلك السطحية أن يقترب منه أصلاً. هذه النهاية تحتاج إلى قراءة نقدية خاصة، وهو ما يمثل الجزء الثالث من هذه الدراسة، الذى أسميته “نصُ إسماعيل رجب عبد الله”.

 

[1] – يحيى الرخاوى (إشكالية العلوم النفسية والنقد الأدبى)، مجلة فصول المجلد الرابع، العدد الأول، 1983

[2] – كتبت رواية  قنديل أم هاشم فيما بين (1939 –  1940) ونشرت لأول مرة فى سلسلة أقرأ العدد 18 سنة 1944،.. ونشرت فى مكتبة الأسرة عام 2005 وهى النسخة المشار إلى صفحاتها فى هذا العمل

[3] – وصدرت رواية لحس العتب فى طبعتها  الأولى سنة 1991 ونشرت فى مكتبة الأسرة عام 2005.

[4] – كنت قد أشرت بتفصيل نسبى  فى المسودة الثانية إلى ما بلغنى من تفسير الفيلم للرواية بأن الشفاء الأخير تم بطريقة العلاج بالإيحاء، ورفضت أن نفسر المسألة بهذا الاختزال شبه العلمى، لكننى لما  أتيحت لى فرصة مشاهدة الفيلم بعد ذلك – الفضل لابنتى “نهى يحيى حقى” – قضلت أن أحذف تلك التفاصيل فى المتن، مكتفيا بهذا الهامش. إن ما جاء فى الفيلم  ليس مجرد خطإ أو تسطيح ، لكنه تشويه للنص وتوظيف له فى عكس ما يمكن أن يصل منه. لكل من الفن والطب والإيمان . ثم إنى شعرت أن ثمة أمانة فى عنقى أن أحرر النص نقدا مما يمكن أن يكون قد لحقه بما اتقرفه الفيلم فى حقه، هذه الأمانة ربما هى التى حملها لى المؤلف عفوا دون أن أتيقن ساعتها كيف أحملها، أو متى.

عرفت يحيى حقى وأنا فى الخامسة عشر (1948) طالبا فى الثانوى فى منزل أستاذنا وصديقه الحميم الأستاذ محمود شاكر، ثم التقيته فى اوائل الثمانينات عند أستاذنا أيضا، وإذا به يعلق على بعض ما أكتب نقدا أو رأيا، ويسألنى: ألا تستحق أعماله أن أدلى فيها بدلوى، خجلت بحق (بقدر ما فرحت طبعا) ولم أف بوعدى حتى الآن. بعد ستة عقود من لقاءاتنا الأولى وربع قرن من لقائنا الثانى أجد نفسى أشرف بأن استجيب لما حملنى من أمانة وأحاول أن أصحح ما أفسده الفن والجهل والمؤسسات المغلقة الفهم، فلتغفر لى يا سيدى تأخرى، ولأحمد الله على أنى فعلتها بما يستاهل، فلعلك سيدى تقبلنى.

 يقول الفيلم شيئا ينفصل تماما عن عمق المتن، بل يشوهه، الفيلم يفسد ما دعى إليه النص من إيمان بعنى التناغم الصحى مع الإيقاع الحيوى المتصاعد، وهو يضع محله تلفيقات وتسويات ليس بها إضافة، وحتى يتم له ذلك يضيف ويحذف ويبدل ويلفق مايشاء. مثلا : لم تجر فى النص أية عمليات لفاطمة، فى الفيلم عمليتان، وتبدو الثانية وكأنها عملية وهمية للإيحاء، وهذه جريمة فى ذاتها، يقوم بها الهواة من الأطباء كأنها مشروعة،ويفرحون بنتائجها التافهة التى يمكن أن نحصل عليها بأى أيحاء أخيب. كذلك  لا يوجد فى الرواية تشخيص لما ألمّ بالعين لكن الفيلم تبرع أن يحدد التشخيص على أنه “عمى هستيرى”، كما لا يوجد فى المتن إيهام وخداع باستبدال الزيت بدواء حقيقى، هذا أسلوب سطحى قد ينفع فى حالات عابرة لا تمت من قريب أو بعيد لحالة فاطمة النبوية. أضف إلى ذلك أن ما عرضه الفيلم هو تقابل بين دروشة عشوائية زائطة، وبين مجموعة أطباء رسميين  تقليديين مما أدى إلى تشوية رسالة النور من القنديل، وتشويه معنى التصوف النابض بإيقاع الحياة، القادر على تغير حتى النشاز  البيولوجى – لكل هذا وغيره ، لن أعرج على الفيلم فى متن النقد، مع التنبه ألا يحكم على النص من الفيلم وإنما من أصوله.    

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *