الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأخبار / مستويات وتشكيلات قراءة الأحداث

مستويات وتشكيلات قراءة الأحداث

نشرت فى جريدة أخبار اليوم

03/09/2011

مستويات وتشكيلات قراءة الأحداث

مع كل هذا الفيضان الغامر من المعلومات والأخبار والآراء والنكت السخيفة، والقفشات الذكية، واللعب فى الوعى، لم يعد يصلح أن نقرأ الأحداث بنفس الطريقة التى كنت أقرأها طفلا مع والدى فى “الأهرام” فى الأربعينيات، حين فوجئت بصدور مجلة  أسبوعية شابة اسمها “أخبار اليوم” كما ذكرت فى مقال سابق، ونفس الشىء حدث لى بالنسبة للإعلام المسموع (فالمرئى)، فقد كنت أيامها أسمع القرآن الكريم من الراديو المستطيل القائم على رف عال فى الصالة، وكنت أحسب أن شيخا طيبا صغير الحجم يجلس القرفصاء بداخله.

قراءتنا للأحداث وسط هذا الفيض المعلوماتى تختلف، وقد يترتب على كيفية قراءتنا هذه اختيارات مصيرية، خاصة تحت لافتة الديمقراطية، رحت بينى وبين نفسى أعدد أنواع القراءة المحتملة فوجدتها لا تقتصر على ما خطر لى أولا من أن ثمة قراءتين أساسيتين هما: القراءة المحلية القاصرة على أحوال البلد المعنية، والقراءة العالمية (وليست المُعولمة) التى تربط بين الحدث المحلى والأحداث والتخطيطات عبر العالم، اكتشفت أنه توجد تشكيلات ومستويات تفوق ذلك بكثير، ففضلت أن أقصر المقال على عرض مجرد تعريف موجز لما خطر لى حتى نعود – أو لا نعود – إلى تفصيلها. ومن ذلك:

القراءة الجماعية الانفعالية:

وهى أن تقرأ الأحداث كما يقرأها أغلب الناس، خاصة المجتمعون معا، ناهيك عن المتظاهرين معا، أو المستثارين معا، خاصة فى بدايات تحركاتهم، وهذه قراءة قد تبلغ من الإيجابية أن تسمى “إرادة الشعب”، فى حين أنها قد تبلغ من السلبية أن تسمى “غلبة الغوغائية” أو “ديكتاتورية الجموع”.

القراءة (السببية) المحلية:

وهى القراءة التى تقرأ الأحداث وتفسرها بالأسباب الأقرب فالأقرب، مكانا وزمانا، وهى عادة تربط الأحداث ربطا خطيا بسبب – أو عدة أسباب– قريبة مباشرة، دون النظر إلى احتمالات علاقة الحدث المحلى بأحداث أوسع فأوسع، أحداث جغرافية أو تاريخية أو اقتصادية عالمية، هذه القراءة تبالغ عادة فى التركيز على السبب أكثر من التركيز على معنى الحدث أو الهدف منه.

 القراءة المثالية

وهى القراءة الطفلية الخفيفة، التى تأخذ من الأحداث ظاهرها الممتلئ بالأمل والبهجة، وعادة ما ترتبط بالتوقعات المثالية، والأحلام النظرية، وهى تتكلم عادة بلغة أخلاقية، أو دينية بسيطة، وتتغافل عن المصالح، وعن الواقع، وعن التخطيط، وهى تفرح بالتقريظ، والتصفيق والتحميس، وتتغنى بالمطلقات مثل الحرية والكمال، وهى ليست مرفوضة على طول الخط، وإن كانت قصيرة العمر، قريبة الهدف

 القراءة العقائدية (الأيديولوجية)

وهى القراءة التى تنظر للأحداث من خلال عقيدة محددة المعالم سواء أرضية (أيديولوجيا) أو سماوية (دينية مغلقة) أو حتى اقتصادية مذهبية (مثل سياسة السوق) وهى لا تقرأ الأحداث إلا بعد فك شفرتها بأبجدية أيديولوجيتها المرتبطة بوجهة نظر ومنافع أصحاب هذه الأيديولوجية أو ذاك الدين.

هذه القراءة لها علاقة ما بالقراءة المثالية من جهة، والقراءة النفعية من جهة أخرى .

القراءة النفعية

وهى ذات مستويين: (أ) الأول: القراءة النفعية العامة، وهى التى تفسر الأحداث، حاليا ولاحقا، بما ينفع الوطن وجموع ناسه، وهى لا تقتصر على النفع القريب مثل تحقيق المطالب الشخصية أو الفئوية القريبة، وإنما تمتد إلى حسابات العمل على النفع العام الذى يمكن أن تعود به هذه الأحداث على أكبر عدد من الناس.

(ب) الثانى: القراءة النفعية الخاصة والمغلقة، والتى تحكم على الأحداث وتقيمها بالنفع المباشر الذى يعود على فرد بذاته، أو شركة بذاتها، أو مجموعة صغيرة من الناس لا ترى فى هذه الدنيا إلا مصالحها حتى على حساب الصالح العالم.

 القراءة التآمرية (فى مواجهة العولمة)

وهى القراءة التى تقرأ الحدث (والأحداث) من خلال فروض شاملة تستمد أبجديتها من التاريخ وأيضا من الشكوك والحذر والبحث الأعمق عن المستفيد والمتآمر لتحقيق أغراضه الخفية عادة، وهى قراءة تتجاوز الظاهر إلى ما تحت السطح كما تتجاوز المنطق الخطى، إلى التفسير الغائى، وهذه القراءة لا تتم على جانب واحد فما دام ثَمَّ متآمر، فهو يفرز فى مواجهته متآمر مضاد، وهكذا، وهى قراءة سيئة السمعة، لكنها بقائية وقائية ضرورية.

القراءة النقدية الموضوعية

هذه القراءة تبدو ثقيلة الظل عادة، باردة التعقل، مع أنها مبدعة فى حقيقتها، إذ هى تحاول أن تتفهم ضرورة ووظيفة القراءت السابقة كلها وتستوعبها، ولكنها لا تتوقف عند أى منها، وهى تتجاوز الحكم على الأمور إلى الإسهام فى الحدث بقدر ما تقوم بإعادة تشكيل الأحداث، تماما كما يكون النقد الأدبى ليس هو مجرد إظهار الحسن من السيئ وإنما هو محاولة إعادة تشكيله على مستوى النقد، كذلك تكون قراءة الأحداث نقدا مبدعا هى الإسهام فى إعادة تشكيلها.

وللحديث بقية (وتفاصيل)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *