الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / النظام الحربى الجديد‏!!‏ … القتل عن بعد والضحايا بلا معارك‏!!‏

النظام الحربى الجديد‏!!‏ … القتل عن بعد والضحايا بلا معارك‏!!‏

نبذة: توصيف نظام عالمى يسمح بالقتل عن بعد، والإغارة دون قانون ورفض معاملة المثل وتحالف الأقوياء طول الوقت (كان ذلك بمناسبة ما جرى ليوغسلافيا – كوسوفو.. الخ).

الاهرام: 18-12-1999

النظام الحربى الجديد‏!!‏القتل عن بعد والضحايا بلا معارك‏!!‏

عولمه كالزلزال‏ (كما يقول طارق حجي‏)‏ لانملك الا ان نتكيف معها، او نتشكل لها او ان نتجرع اثارها، ثم ربما نتجاوز مضاعفاتها، والا كنا متخلفين‏ (‏عقليا وحضاريا‏)‏ ؟ حاضر‏.

‏قطار الدنيا السريع قام، والشاطر هو الذى يلحق به، لا الذى يتحدث فى ماهيته او حتى وجهته ؟ نحاول‏!!‏ ليس امامنا خيار، وما علينا الا ان ندبر حالنا، والذى عاجبه ؟‏!!!‏ ماشي‏!!‏

تتردد مثل هذه الاقوال بشكل متواتر ملح، ويبدو انها تحمل من قوه البديهه‏ (الجديده‏)‏ ومن حسم وتعميم الوثقانيه‏)‏ الدجماطيقيه‏)‏ ما بدت معه غير قابله للنقاش، او على احسن الفروض هى تناقش على مستوى الاراء المتواضعه المنذره او المحذره دون فاعليه على ارض الواقع ‏ (‏راجع المجموعه الثانيه من قضايا واراء ملف العولمه فى اهرام‏1999/4/2)‏ ان اثار ما يسمى النظام العالمى الجديد المترادف احيانا‏ (خطا غالبا‏)‏ مع العولمه انما يؤثر فى حياتنا اليوميه فردا يوميا طول الوقت، وبالتالى فجدير بنا ان نتعرف على بعض قواعده لنستعد له او نتحمل اثاره او ربما نشارك فى الحوار معه‏.‏

ولاضرب مثلا موجزا من واقع ممارستى المهنيه‏ (فى مجال الصحه والمرض‏):‏

هل تترك شركات الدواء العملاقه عابره القارات الاطباء والمرضى فى همومهم ومسئوليتهم مع مرضاهم دون ان تلاخقهم بالمؤتمرات والسفريات والهدايا وما يشبه البحث العلمي؟ ثم تسرب اليهم بالدعايه اللحوح والتهريب والترغيب ادويتها الجديده التى يبلغ ثمنها عشرات ‏ (‏واحيانا مئات‏)‏ اضعاف الادويه القديمه التى كانت ومازالت عظيمه الفائده لغالبيه المرضي؟ كل يوم بلا استثناء يفاجا الممارسون المهتمون بصحه اغلب الناس غير القادرين ‏ (‏والقادرين‏)‏ يفاجاون باختفاء الادويه الرخيصه تحت زعم وقف الانتاج لعدم كفايه الربح، اى الله، ونطالب ويطالب المرضي ‏ (‏اى نستعد للقبول‏)‏ بمضاعفه ثمن الادويه القديمه مرتين او ثلاثا او حتى خمسا، ولكن يتمادى اختفاء الادويه القديمه الرخيصه تماما لحساب الجديده الباهظه الثمن بلا مبرر انتاجى او اخلاقى او علمي، اللهم الا غلبه قوانين السوق‏.‏

هذا المثل من الممارسه اليوميه فى مجال محدود ينبهنا ان مساله النظام الجديد ليست مساله نظريه او خاصه بالمسئولين عن اتخاذ القرارات الخطيره، بل انها تكاد تصبح خبز الحياه اليوميه، فاذا علمنا ان شركات الدواء كادت تحل محل شركات السلاح كثانى كتله ضغط سياسى (‏لوبي‏)‏ فى الولايات المتحده الامريكيه، لاستطعنا ان نربط ولو من خلال التفكير التامرى بين مزاج وشطحات السيد كلينتون فى البيت الابيض، وبين هلوسات مريض فصامى فى الزاويه الحمراء، او بين العاب مستر سورس فى بورصات العالم بين تشنجات مريض صرعى فى كفر عليم مركز بركه السبع، وكل من فصامى الزاويه الحمراء وصرعى كفر عليم لم يعد يجد الدواء الرخيص الذى اعتاد عليه‏-‏ بنجاح نسبي‏-‏ عشرات السنين الماضيه ونكتشف ان العالم يعاد صياغته بشكل خفى ليس بالضروره مرتبطا بالديمقراطيه المعلنه، كما انه ليس متفقا مع الحاجات الحقيقيه للناس، بل انه يبدو ان هذه الصياغه تتم بعيدا عن الفطره التى فطر الله الناس عليها‏ (التى اصبحت هى الاخرى‏-‏ فطره الله‏-‏ اصبحت تحت رحمه تعريفات جديده، ومن ثم ممارسات جديده لاصحاب المصلحه فى البورصات العالميه‏).‏

وهذه الصياغه الجديده للعالم هى عمليه برمجه موجهه تقوم بتشكيل وعى كل فرد على حده، رضى او لم يرض، وهى تتمادى بشكل متزايد وخطير طوال الوقت، ولست بصدد مناقشه ما اذا كان ذلك حقيقه او تخوفا، او حتى ما اذا كان ذلك موضوعيا او تفكيرا تامريا، بل اننى فقط احاول ان ادعو الى التامل فيما يجرى للوصول الى القواعد والاصول التى تحكمه، فتحكمنا‏.‏

وبعض اصول هذه القواعد الجديده معلن بشكل انيق ‏ (‏شيك‏)‏ تحت لافتات براقه مثل الديمقراطيه وحقوق الانسان والبعض الاخر يمكن استنتاجه بشكل غير مباشر مثل متابعه سر تحريك اثمان الادويه، او ما وراء صفقات السلاح‏.‏

ثم ها نحن نواجه بارساء قواعد اخري‏-‏ للحرب والسلام‏-‏ كنا نحسب ان الفرصه غير متاحه لاشهارها هكذا بكل هذه الصراحه ‏‏ (او بكل هذه البجاحه او الوقاحه‏)،‏ ولنسمها بوضوح‏:‏ قواعد النظام الحربى العالمى الجديد‏.‏

وكنت قد اشرت فى هذا الباب المضياف فى مقال سابق‏-‏ بمناسبه ضرب العراق‏-‏ الى انتقال قيم الحرب من الفروسيه والشهامه الى الغدر والانقضاض، لكن يبدو ان قواعد الحرب الجديده هى اكثر تفصيلا من مجرد هذه اللافته الموجزه، فقد تكررت الصوره مع الفارق فيما يجرى حالها فى البلقان حتى اصبحت الامور اكثر تحديدا‏.‏

ان ما يجرى هذه الايام فى البلقان ‏ (‏حتى ساعه كتابه هذه السطور يوم‏1999/4/2)‏ لابد وان يرعب الشخص العادى وهو يبحث عن الف باء القواعد التى يمكن ان تحميه‏-‏ شخصيا‏-‏ من ان يجد نفسه ذات صباح لاجئا بغير وطن، او قتيلا بغير حرب او جائعا بغير ذنب، فهى ليست قضيه مسلمى كوسوفا، ولا هى قضيه سفاله الصرب او طغيان ميليسوفيتش، ولا هى قضيه حضور الناتو بعصاه الغليظه عن بعد‏-‏ ولكنها عينات داله من اخلاق السوق، وادوات السوق، وقيم السوق وما ينتظر الانسان المعاصر ليس فقط فى مجال لقمه العيش وحق العمل وموقع الايواء، ولكن فى مجال حياته وموته وانتمائه وهويته وحضارته وقيمه وحتى دينه وايمانه بالحياه وخالقها ومعناها وجدواها، يعاد صياغه كل ذلك دون اذنه‏.‏

ان اى انسان فى العالم‏ (صربى او كوسفوي، عراقى او كردى وامريكى او مصري‏)‏ يتلفت حوله وهو يتساءل‏:‏ كيف احمى نفسى من مثل ما يجرى هكذا على الجانبين، اى زعيم انتخب ‏ (‏فى الدول التى فيها انتخاب، يعني‏)،‏ واى دين اعتنق، واى موقف اتخذ، حتى احمى نفسى وربما اولادي، من مثل ما يجرى حولى هكذا؟‏.‏

وفيما يلى مجرد محاوله لاستنتاج بعض قواعد لعبه الحرب الجديده مما يجرى حولنا حالا، ولكن قبل ان نستلهم الوضع الحالى المزعج والغامض والمؤلم فى ان، دعونا نر جع قليلا الى بدايات ارهاصات اعلان تغيير القواعد القديمه الى قواعد احدث تحل محلها، اذ يبدو ان المساله كان مبيت لها بشكل او باخر منذ فصول ماسه ما سمى بحرب الخليج‏)‏ الثانيه‏)1990،‏ فقد ظهرت بوادر القواعد الجديده على الوجه التالي‏:‏

‏ (1)‏ان الحرب لم تعد حربا، وانما عاصفه هوجاء تهب بتوجيه منضبط، ودون مواجهه او معارك

(2)‏ لم يعد ثمه شيء اسمه استعمار الاوطان مما يستتبع احتمال ان تطالب الشعوب المستعمره بالجلاء‏ (بالدماء او بالمفاوضه‏!!)‏ بل صارت القاعده هى ان تستدعى الحكومات القوات الاجنبيه، وعلى الشعوب ان تدفع تكاليف استعمارها‏ (باسم حمايتها‏!!!!)‏

‏ (3)‏ لم يعد شيء اسمه التسليح للتدريب لتحرير الاوطان‏ (‏او الدفاع عنها‏)‏ حقيقه وفعلا، وانما حل محله شيء اسمه شراء احدث الاسلحه وعرضها فى المناسبات، والتباهى بها فى وسائل الاعلام، وتخزينها حتى انتهاء مده صلاحيتها ثم شراء غيرها وهكذا، وذلك استعدادا لما هو غير مطروح اصلا، وحلا لمشاكل البطاله عند الدول المنتجه للسلاح، وتهدئه او سحقا لطموحات التنميه عند مشتريها‏.‏

(4)‏ لم يعد ما كان شائعا باسم العدل الحق الواحد هو الذى يحدد مبدا الشرعيه، باعتباره مقياسا واحدا يقاس به كل من يخالفه، وانما حل محله العدل المطاط المقابل للتشكل حسب مقتضى الحال‏ (‏العدل كل المقاسات‏)،‏ فما يسرى على الاكراد لايسرى على البان كوسوفا، وما يسرى على اقليات العالم لايسرى على الاغلبيه الفلسطينيه، وما يسرى على عبد الله اوجلان لايسرى على اى منشق مدلل يدعى اضطهاده فى بدله ضمن الاقلييه العرقيه او الدينيه التى ينتمى اليها، بل ان لهذا الاخير فى معظم نظم العالم المتحضر حق اللجوء السياسي، على شرط الا يكون اسمه عبد الله اوجلان او اى اسم يمكن ان يقاس بما هو عبد الله اوجلان، كما ان حق تقرير المصير مرهون برضا رئيس العالم الجديد‏ (من هو؟ انظر بعد‏).‏

هذا ما كان من ارهاصات عامه لقواعد النظام الحربى الجديد‏.‏

ثم تجيء احداث اغارات البلقان لتحديد معالم وتفاصيل قواعد الحرب الجديده، وعلى الرغم من ان الموقف لم ينجل بعد، وعلى الرغم من انتباهنا لضروره الحذر حتى لايساء فهم ما نقدم وكاننا لانتعاطف مع كل الضحايا الابرياء على كل جانب ومن كل مله ودين، فان ما يجرى هكذا بتكرار منظم جدير بان يحدد لنا بعض الاتجاهات الجديده، وقد وصلنى منها‏-‏ كمواطن عادي‏-‏ مايشير الى الخطوط العامه للقواعد الجاريه على الوجه التالى‏:‏

‏ (1)‏ ممنوع على قاده الدول الاقوي‏-‏ بما فى ذلك اسرائيل‏-‏ ان تعرض حياه جندى واحد من جنودها لاى خطر مباشر‏ (المانع هو الصوت الانتخابى فى البلد القوي، وجمعيات امهات المفقودين والمصابين، وتاريخ حرب فيتنام وقدرات اله الحرب الجديد المسماه القتل عن بعد‏)‏

‏ (2)‏ لاحساب لارواح شعوب وجنود الدول الاضعف التى لا تسمع الكلام سواء كان الضحايا فدائيين ام اطفالا جوعي، ام ملايين مهجرين، ام جنودا نظاميين، فما دامت الضحيه لاتنتمى لحلف الناتو، وليس لاهلها صوت فى انتخاب رئيس العالم فلا داعى للتعرف على ماهيتها او اعدادها تفصيلا‏.‏

‏ (3)‏ اذا كانت الدول الاضعف تريد ان تحمى مواطنيها مما ورد فى بند‏ (2)‏ فلا بد ان تقوم بالاجراءات التاليه‏:‏

ا‏-‏ تتنازل عن كرامتها نهائيا سرا وعلانيه‏.

ب‏-‏ تسمع الكلام‏-‏ كلام رئيس العالم او من يمثله‏-‏ وبالحرف الواحد‏.

ج‏-‏ على هذه الدول الاضعف ان تستدين بضمانات كل ما تملك من مواد خام وعماله رخيصه، ويتناسب حجم الدين طرديا مع مدى قصر نظر الحكام واستسلام الشعوب، ثم عليها ان تتسلح بكل ماتستطيع الحصول عليه من ديون‏ (على الرغم من انها ممنوعه من الحرب‏).

‏‏ (ملحوظه‏):‏ مسموح لهذه الحكومات المسلحه بالدين ان تحارب‏:‏ اما شعوبها فى الداخل او اى بلد مجاور لم يسمع الكلام‏ (اكثر منها‏)‏ حسب تصنيف رئيس العالم الجديد وحتى يتم الاطمئنان الى تنفيذ هذه الشروط فان المذكره التفسيريه لهذه القواعد تبين مايلي‏:‏

أ- لدول الاقوى ان تتمتع بديمقراطيه حقيقيه تحول دون جرح طرف اصبع اى جندى من جنودها مهما يكن المبرر، وذلك فى حالتى الحرب والسلم على السواء‏.‏

ب_ يقوم بحكم الدوله الاضعف‏ (سواء سمعت الكلام او لم تسمع‏)‏ حاكم شمولى‏ (الاسم الحركى للديكتاتور‏)‏ وياحبذا لو كان ملكا او شيخ قبيله، ويفضل من به مس من جنون، وكثير من التبلد، وشهوه للدم، فان لم يتوافر الحكم الشمولى الصريح المناسب عسكريا او ايديولوجيا او دينيا، فيمكن ان يلجا حكام هذه الشعوب الى التخفى تحت مايسمى كنظام الديمقراطيه ولابأس من عدم ذكر كلمة كنظام فى الدستور الرسمى.‏

ج- يقاس نجاح الضربات الجويه والصاروخيه ليس بالقضاء على الطاغيه المجنون المتسبب فيها‏ (فهو سوف يحاكم ان شاء الله باعتباره مجرم حرب، وهو بريء حتى يمثل امام محكمه العدل فى لاهاي، وحتى تثبت ادانته، وقد لايدان لان جميع الشهود سوف يكونون قد ماتوا بالسلامه، ولكن نجاح هذه الضربات يقاس بعدد ضحايا المنكوبين‏ (اطفال العراق، او البان كوسوفا مثلا، حتى لو كانت الغارات تتم من اجلهم‏)‏.

(4)‏ فى حاله عصلجه بعض من لايفهم هذه القواعد تسرب اليهم ايه مباديء تطرفيه‏ (سلفيه، راديكاليه‏..‏ الخ‏)‏ فيصنفون متطرفين بالضروره، ومن ثم يتم اسئصالهم كل فى موقعه بكل وسيله، تحت اجمل شعارات حمايه الانسانيه من شرورهم‏.‏

‏ (5)‏ يواصل النظام العالمى الجديد بمنتهى رقه القلب وضع قواعده الخاصه جدا بحمايه اطفال العالم من ذويهم وحمايه مسنى العالم من الام الشيخوخه وعزلتها‏ (شريطه ان ينتموا الى حلف الناتو لا ان تجولوا مطرودين من بيوتهم فى شعاب الجبال‏)‏ وحمايه شباب العالم من دينهم الاصلى خوفا عليهم من التطرف‏ (اللهم الا الديانات الحديثه الديكور، او ديانات الساده الاقوي‏)‏ ويتم ذلك بالتاكيد على حقوق الطفل وحقوق المراه وحقوق المسنين وحقوق المجانين وحقوق المتخلفين عقليا، على شرط ان يظلوا كذلك‏ (يظلوا اطفالا، مسنين ضعفاء مجانين متخلفين عقليا‏)‏ وكل من يحيد عن ذلك يعتبر متعديا على حقوق الانسان، ويحرم من كل شيء‏ (اللهم الا اذا كان تعداد بلده واسواقه لازمه لتسويق بضائع النظام الجديد‏:‏ فيجوز فى هذه الحاله ان تصبح الدوله المجاوره هى هى الدوله الاولى بالرعايه‏)‏.ملحوظه‏:‏ يتم تنفيذ ماسبق تحت سمع وبصر الامم المتحده، اذ لم يعد يشترط موافقتها، لان الصمت الدبلوماسي، او التصريحات المتوازنه هما الدليل الاحدث للموافقه الضمنيه‏.‏

وبعد، ليكن كل ذلك كذلك او غير ذلك‏.ولكن اليس من حقنا، وقد تصورنا بعض هذه القواعد حتى مع قابليتها للتعديل او المراجعه اليس من حقنا ان نعرف من الذى يدير هذه الاله العالميه الحربيه الجديده؟

الحكومات ضعفت وتوارت سلطاتها امام سطوه المال المتحرك عبر القارات‏ (‏وليس امام قوه الاقتصاد او وفره الانتاج او تململ الشعوب‏)‏ والشعوب سلبت حق تقرير المصير‏ (‏مصيرها فى اوطانها، ومصيرها كبشر متطور عامه‏)‏ والامم المتحده تقف على الحياد مرغمه مع السماح لها ببعض التصريحات احيانا والنادى النووى اصبح مقصورا على الاقوياء والمغامرين‏.‏

نعم من المسئول عن اداره هذا النظام وخاصه فيما يتعلق بالحرب التى باتت تهدد كل واحد منا فى لقمه عيشه، وفى هويته، وفى دينه، وفى عرضه؟

هل هو السيد كلينتون وهو يترجح بين نزواته وكفاءته فى اداره اقتصاد بلده‏ (وليس حروبها‏)‏؟

هل هو السيد يلتسين وهو ينتقل بين المستشفى واحوال المزاج؟

هل هو السيد تونى بلير العمالى الاشتراكى المعدل على احدث طراز؟

هل هو السيد صدام حسين او ميلوسيفيتش وكلاهما مصنف مبررا لنشاط الاله الحربيه الجديده؟

هل الحاكم الحقيقى مجهول متخف وراء لوحات بورصات الاوراق الماليه المضيئه الملونه المتغيره حسب مزاج ومناورات المضاربين؟

هل هو مدير عام البنوك الرمزيه المختصه بتنظيف الاموال وتمويل صفقات السلاح والدواء؟

هل هو الراس الكبير المجهول مدير عموم المافيا العالميه تحت الارض؟

ولكن ماذا يهم اذا عرفنا رئيس العالم ام لم نعرفه، وماذا نملك ازاءه ان عرفناه؟

وبما انه لاجدوى من ياس ليس ابشع مما حدث فمن حقنا وسط كل هذا الالم المتنامى ان نصدق د‏.‏ انور عبد الملك كل اسبوعين فى الاهرام وهو يعدنا ان نرث الارض وما عليها، لا لنحتكرها دونهم، ولكن لنسلمها حضاريا لاهلها ونحن منهم تلك اليوتوبيا التى تجمع بين انضباط الصين، وامتداد الوعى الفطرى المسلم المسئول الى كل البشر من كل الاديان، وتنامى ابداع الناس الطيبين من كل الالوان‏.‏

لكن اخشى مااخشاه ان نفيق من يوتوبيا عبد الملك هذه على صوت قرقعه الذره تتفتت فلا تبقى ولا تذر هذا اذا مافاض الكيل بروسيا او بالهند، او حتى باكستان، او اذا جن نيتانياهو لو وصله تهديد‏ (مستحيل‏)‏ مماثل من حلف الناتو دون امريكا، فاذا بنا نكتشف انه لا وقت ولا معنى ولا قواعد، لانه سوف يكون لكل امريء منا يومئذ شان يغنيه عن التفكير فى مثل هذه القواعد اصلا‏.‏

اخبار لاحقه مخجله ومؤلمه ومشله بعد كتابه المقال‏:‏

شعرت بعد كتابه ماكتبت انه لامعنى لكتابه اى شيء الان، نكتب لمن؟ لماذا؟ كيف نمسك القلم والاخبار تلاحقنا بكل ما لايحتاج الى تعليق مثلا‏: (1)‏ اكد حلف الاطلنطى للمره الكذا انه لن يرسل قوات بريه‏ (لماذا اذن دخل الحرب؟ هل توجد حرب بلا قوات بريه؟؟‏) (2)‏ هدد تونى بلير انه سيواصل هذه السياسه‏ (!!!)‏ حتى لاتستمر الجريمه ضد الحضاره والمدنيه‏ (ويمكن ان نكمل نحن‏:‏ حتى يتحضر السيد ميلوسفيتش ويصير مهذبا، وحتى يفرغ اقليم كوسوفا من قاطنيه بالتهجير فالموت فتحل القضيه، ويحل محل هؤلاء وهؤلاء قوم متحضرون‏) (3)‏ زعل السيد كلينتون جدا جدا لاسر ثلاثه من جنوده وقال انه لايوجد سبب لاسرهم ولامبرر لذلك‏!! (4)‏ تقدم بابا الفاتيكان يعرض وساطته ان يكف الناتو عن ضرب يوجوسلافيا وبلجراد بالذات مقابل ان يفرج الصرب عن الجنود الامريكيين الثلاثه‏ (وليس مقابل ان يعود اللاجئون الى ديارهم المحروقه ومنازلهم التى سكنها الصرب او حتى ان توقف المذبحه والاباده والطرد‏ (سبعمائه وستون الفا حتى كتابه هذه السطور مقابل ثلاثه جنود امريكيين اسري، ومبنيين رسميين خاليين وجسرين‏!!)‏.

فما لزوم الكتابه او لزوم اى شيء‏!!‏

يارب يعدل الصديق احمد يوسف القرعى عن نشر هذا المقال ان لم يجد له جدوى مثلى‏!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *