الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (172) من الكراسة الأولى

قراءة فى كراسات التدريب نجيب محفوظ صفحة (172) من الكراسة الأولى

نشرة “الإنسان والتطور”

الخميس:  16-10 – 2014

السنة الثامنة

العدد: 2603

mahfouz 2

ص 172 من الكراسة الأولى

 16-10-2014بسم الله الرحمن الرحيم

نجيب محفوظ

أم كلثوم نجيب محفوظ

فاطمة نجيب محفوظ

ظهر رجل فى المدينة

جاء رجل يبشر بالفن

هواك عندى كالغناء

أجمل الأصوات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب

عصر غنى بالأصوات

ما قبل الثورة عصر غنى بالرجال

جاء رجل يسعى

الوجود وسيلة وغاية

احسان التحسين (أو ربما “الحسين”)

                     نجيب محفوظ

                    1/8/1995

  القراءة:

مفاجأتان:

الأولى: أنه لم يكرر جملة واحدة اليوم مما سبق وروده فى (الـ 171 صفحة السابقة!!).

…. هكذا تفاجئنا أبدا يا شيخنا الغالى أطال الله عمرك الباقى لنا فى أعمالك

الثانية: حديثه عن هذا الرجل: (ثم رجل، ثم رجل)، وأظن أنه لا يعنى رجلا بمعنى رجل بعينه، فالأرجح أنه يعنى إنسانا (ربما مازلت متأثرا  بالصفحة السابقة وهو يذكر الإنسان الحقيقى).

اليوم يبدأ مثلما كان يبدأ المقدمات الأولى، يبدأ بالبسملة فاسمه فاسم كريمتيه، ثم يكتب أنه

ظهر رجل فى المدينة” (إن صحت قراءتى الكلمة الأخيرة، ثم:)

جاء “رجل يبشر بالفن” (وقبل النهاية يختم:)

بأنه جاء رجل يسعى.

مَنْ هذا الرجل؟ وأية مدينة؟ وما علاقة السعى بالبشرى بالفن؟

نؤجل التداعيات عن ذلك إلى ما بعد.

بمجرد أن جاء ذكر الفن حتى قفزت دلالة الطرب فى وعيه – كما لاحظنا فى كل الصفحات السابقة، مع أن كلمة الفن عنده أوسع وأرحب من مجرد الطرب، لكنه يربط بين الحب والطرب هنا فى السطر التالى مباشرة

“هواك عندى كالغناء”،

تصورت أن علاقة شيخى بالغناء أرقى من مجرد السماع، أعتقد أنه كان يرتقى بتشكيلات الوقت فيحيى كلمات الغناء، أما أن يشبه كل هذا بحب معين فهذا عمق طيب.

وما دام ذَكَـرَ الغناء فأهلا بعميدته التى لاحت ظاهراُ وباطنا مئات المرات، هى أم كلثوم. ثم ها هو يضيف إليها اليوم محمد عبد الوهاب، وأنا لم أسمعه يذكر عبد الوهاب بشكل تلقائى بقدر ما ذكر أم كلثوم – وكما ذكرت سابقا أعيد أنه حكى لى أنه فى الخميس الأول من الشهر حين كانت أم كلثوم تحيى حفلتها الشهرية كان يضع المذياع الترانسستور تحت مقعده فى جلسة الحرافيش التى كانت تعقد أيضا يوم الخميس مساء (تماما فى نفس التوقيت كما التحقت بها) وأن أحدا لم يكن يسمع غناء أم كلثوم وسط المناقشات والقفشات والمداعبات والحوارات التى تملأ هذه الجلسات كما شاهدت بقاياها وآثارها، وأنه حين كان يُسأل كيف يسمع “الست” والمذياع تحت الكرسى، وكل المجتمعين لا يصلهم الصوت كان يجيب مداعبا أنه يسمعها بـ “لاشعوره” ويضحك الجميع – المهم هنا أنه حين ذكر أن أجمل الاصوات هو صوت “الست” ألحق بها محمد عبد الوهاب (الذى لم أكتشف شخصيا جمال صوته، وليس فقط روعة الحانه إلا بعد رحيله) لكنه يردف ربما احتراما لقانون “منع الاحتكار!!” “عصرُ غنى بالأصوات“، ولابد أنه يعنى عصر أم كلثوم ومَنْ قبلها حتى محمد عبد الوهاب وبعضُ مَنْ بعده، ويبدو أن تراجع دور الفن والسياسة الحية والفكر المضئ والثقافة المبدعه، تراجُع كل ذلك فى النصف قرن الأخير، قد تحرك فى وعيه حتى أضاف فورا “ما قبل الثورة عصر غنى بالرجال“، ولا يصلنى هذا أنه يقف على أطلال الماضى الجميل، بقدر ما يصلنى أنه يأمل فى تفريخ رجال جُـدُدْ من واقع جديد هم ثروة عصرنا الآن الذى ينبغى أن يكون جديدا. عصر ملئ بالرجال الجدد

وهكذا يرجعنا إلى بداية القراءة “رجل يظهر فى المدينه ينشر الفن” هل هو نفس الرجل الذى جاء يبشر بالفن؟

نبدأ بالتساؤل: يا تُرى أى مدينه يقصدها شيخنا، هل هى قاهرته العريقة وهو عاشقها الأول والأجمل؟ أم هى مدينة أفلاطون الفاضلة؟ أم هى المدينة الجديدة التى تتخلق من إبداعه وتتكامل باستمرار؟ وهل هذا الرجل الذى “ظهر” (ولم يقل “جاء”) ولا هو يسعى بعد كما وصف الرجل الثالث قرب النهاية، قال “ظَهَرَ”، وظهور (انسان) فى المدينة بعد ذكر العصر الغنى بالاصوات ثم “تذّكر” العصر الملئ بالرجال، أوصل لى حضور الحركة الخلاقة المتفائلة بأن مصر مازالت قادره على الحمل والولادة لأجيال وأجيال، وأن الأمر لا يحتاج إلا أن يكشف عن ما تحمله فيظهر، والأرجح أنه لا يعنى الرجال بمعنى الذكور، إذ عهدته واثقا من حتمية الكشف عن جذور حضارتنا وعمق ثقافتنا الإيمانية الإبداعية الولود أبدَا رجالا ونساءً.

هذا بالنسبة لأن الرجل “ظهر” وأنها المدينة، أما علاقة هذا ببشرى ازدهار الفن فهى التى هدتنى إلى التداعى الذى ذكرتُه حالا.

ويتأكد لى بُعْد الحركة فى فيضان وعيه حين يعود إلى الرجل قرب النهاية وهو “يسعى”.

إذا جمعنا ذكر المدينة مع الرجل الأول وذكر البشرى مع الرجل الثانى ربما أمكننا أن نربط هذا وذلك بالرجل الثالث الذى هو هو، وهو يسعى.

وهنا أرجح أن شيخى الذى خلط القرآن الكريم بلحمه ودمه حتى دعوت الله أن يكون مثل صهيب ليس للنار فيه نصيب، أرجح ان الآيات الكريمة فى صورة القصص وسورة يس معا هما أصل كل ذلك.

ففى صورة القصص كان الرجل يحذر موسى عليه السلام من المتأمرين:

” وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ” (الآية 20  القصص)

وفى صورة يس يبدو كأن الذى يسعى هو الذى ينصح قومه أن يتبعوا المرسلين:

“وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ” (الآية 20  يس)

وفى الحالين نجد أن السعى كان فى الخير إلى الخير، لكن السعى فى القرآن الكريم – كما فى وعى الأستاذ –غالبا- يرتبط أساسا بنور الهدى ونور الحق والله نور السماوات والأرض.

“…يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (الآية 12  الحديد)

“يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” (الآية 8  التحريم)

وأيضا يرتبط السعى بطلب الاهتداء إلى أن يهتدى بهدى ما أنزل الله كما يأتى فى سورة عبس التى كلما قرأتها شعرت بروعة العلاقة بين ربنا سبحانه وبين نبينا عليه الصلاة والسلام.

وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى   (سورة  عبس)

لكنه فى مرة أخرى ذكر السعى فى الاتجاة العكسى وهو يصف فرعون أنه :

فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى   ( سورة النازعات)

قبل ختام هذه الصفحة يلقى شيخنا فى وجوهنا حكمة الحكم.

الوجود وسيلة وغاية

الغاية التى وصلتنى عنه من الوجود وما صنعه فيه كانت هى مواصلة الامتداد إلى الوعى الكونى إلى وجه الله، هذه هى الغاية التى تسخر لها كل تفاصيل الوجود، وهى الغاية المفتوحة النهاية، وكل ما قبل ذلك هو وسيلة لا أكثر، وكنت عادة أصر أن الوجود كله وسيلة إلى هذه الغاية، لكن ها هو يعلمنى أن أكف عن هذه المبالغة فأرى الوجود هو أيضا غاية فى ذاته، غاية “الآن” إلى غاية المطلق، أليس هذا أوقع وأروع.

ثم هو يختم بالاحسان

وأقرأها أولا أنها “إحسان التحسين” وأتذكر الحديث الشريف أن الاحسان، وهو المرتبة بعد الإسلام والإيمان، وهو “…. أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ”، وحين نُحسن تحسين هذا الاحسان تصبح المرتبة أعلى فأعلى.

لكننى أعود فأقرأها إحسان الحسين وأتذكر العلاقة الروحية والجغرافية، والتاريخية لشيخى بسيدنا الحسين.

 وأذكر أننى ألمحت إلى ذلك فى كتابى “فى شرف صحبة محفوظ” نشرة 21-1-2010 (الأربعاء 28/12/1994):

“…… ‏وعلي‏ ‏ذكر‏ ‏الحسين، ‏كان‏ ‏الغيطاني‏ (‏بحكم‏ ‏التاريخ‏ ‏والانتماء‏ ‏لنفس‏ ‏المنطقة‏ ‏هو‏ ‏وأستاذنا‏) ‏يقترح‏ ‏مكررا‏ ‏أن‏ ‏نذهب‏ ‏إلي‏ ‏الحسين‏ ‏في‏ ‏إحدى‏ ‏خروجاتنا، ‏وفشلنا‏ ‏أن‏ ‏نجد‏ ‏اليوم‏ ‏المناسب، ‏فعرضت‏ ‏علي‏ ‏الاستاذ‏ ‏مثل‏ ‏ذلك، ‏فحسبها‏ ‏وتحفظ، ‏وقال‏ “‏شا‏ ‏الله‏ ‏يا‏ ‏حسين‏” ‏ولكن‏ ‏نأخذ‏ ‏بالأحوط، ‏إلا‏ ‏أنى‏ ‏لمحت‏ ‏داخله‏ ‏رغبة‏ ‏حقيقية‏ ‏في‏ ‏الزيارة، ‏فاستأذنت‏ ‏رجال‏ ‏الأمن‏ ‏أننا‏ ‏ونحن‏ ‏في‏ ‏طريقنا‏ ‏للهرم‏ ‏نمر‏ ‏علي‏ ‏الحسين‏ ‏من‏ ‏فوق‏ ‏كوبري‏ ‏الأزهر، ‏ونـقرأ‏ ‏الفاتحة‏ ‏في‏ ‏السيارة‏ ‏لا‏ ‏أكثر، ‏وافق‏ ‏الاستاذ‏ ‏وفرح، ‏وحين‏ ‏مررنا‏ ‏مقابل‏ ‏الحسين‏ ‏نبهته،‏ ‏فدعا،‏ ‏وقرأ‏ ‏الفاتحة‏ ‏واتسعت‏ ‏أساريره، ‏ثم‏ ‏أشار‏ ‏إلى‏ ‏اليمين‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏الأزهر‏ “‏العظيم”، ‏وأضاف: “هل‏ ‏ياترى‏ ‏قد‏ ‏رجع‏ ‏في‏ ‏كلامه‏ ‏بشأن‏ ‏أولاد‏ ‏حارتنا‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *