الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الدستور ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر‍!

تعتعة الدستور ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر‍!

نشرة “الإنسان والتطور”

8-5-2010

السنة الثالثة

العدد: 981

تعتعة الدستور

ثقافة الحرب، ونظرية المؤامرة، والجهاد الأكبر‍!

حاولت فى التعتعة السابقة أن أوضح كيف أننى أكره الحرب كره العمى، عادى، وفى نفس الوقت أدعو لـ: “ثقافة الحرب” التى هى ليست “فعل الحرب”، ولا هى “حب الحرب”، ولا “اختيار الحرب”، ولا “إعلان الحرب”، …إلخ، امتد التناقض إلى تناقضات أخرى حين ميّزتُ بين السلام، الذى لم أتوانَ عن تأييد معاهدته فور توقيعها بل وقبل توقيعها، (قبول مبادرة روجرز – عبد الناصر-، وزيارة السادات للكنيست)، وبين ما أسميته “ثقافة السلام” (أهم نتائج التطيبع). رفضت أن تكون هذه الورقة (المعاهدة) مرادفة للسلام الذى يسوّقونه لنا، قبلتُها استسلاما قاسيا مرا بأثر رجعى، رافضا أنها إعلان لنهاية الحروب. لم أستطع أن أفسِّر أو أفهم هذا التناقض الذى أعيشه هكذا إلا بالرجوع إلى أصول إيجابيات “المؤامرة البيولوجية”.

المؤامرة البيولوجية هى أصل الحياة، (ماتياس بروكرز فى كتابه “نظريات المؤامرة: ترجمة 2005):  كلمة conspire تعنى أصلا “التنفس المشترك”، اشترك كل من حامضىْ الرّنا RNA والدّنا DNA فى مؤامرة فتخلقت الحياة ، بفضل الله. وحين اكتسب الإنسان العاقل “الوعى” (وأحد تجلياته يسمى “العقل”)، استطاع أن يفسر الأحداث من خلال القانون البقائى التآمرى، وبدلا من أن نفرح بوعينا،  ونحسن استعمال عقلنا، رحنا ندمغ كل من يحاول تفسير الجارى بهذا القانون البيولوجى البقائى، بأنه متواكل، ميتافيزيقى، جاهل، لأنه يفكر تآمريا بنظرية المؤامرة، مع أنه لا يفعل إلا  أن يكتشف ويعرى التهديد الملاحِق للجنس البشرى كله.

 الكتاب أصلا يتناول أحداث 11 سبمبتر 2001، فنّد الكاتب فيه كل الاعترافات، والتسجيلات، وعدّد كل الملابسات والشواهد التى تثبت دور المخابرات الأمريكية والرئيس بوش كاملا فيما حدث، هذا ما هدى الكاتب إلى التعميم قائلا: ص (5) ” …لن نتمكن من  فهم عالمنا المعقد والمؤامراتى دون نظرية مؤامرة معقولة“،  فعزى كل ما يجرى إلى: “…نشوء نخبة سلطوية فوق قومية أقل عددا،…،  وأكثر سطوة مقارنة بعلاقات السلطة السابقة”  ثم أردف مؤكدا:  أن العالم تحكمه مؤامرة كبرى تديرها: “…ثلة من عمالقة الرأسماليين يحكمون العالم سرا، تحت لافتات “المنافسة الحرة”  و”اقتصاد السوق”، ثم ينبه : ومع ذلك ما زال بيننا من السذج من ينكر ذلك!! 

  مرة أخرى: 

 ثقافة الحرب هى معايشة برنامج “البقاء التآمرى” بدرجة ما من الوعى، وهو البرنامج الذى حافظ على الأحياء التى نجحت أن تبقى حتى الآن (واحد فى الألف من بين كل الأحياء!! الجنس البشرى من ضمن هذا الواحد). العقل البشرى هو أحد تجليات هذا الوعى، وقد أصبح قادرا على إدراك تحركات التآمر وخططه بدرجات مختلفة، وبدلا من أن يستعمل البشر ذلك لمزيد من النجاح فى البقاء بشرا متطورا، انفصم البشر إلى أكثر من نوع، يهلك بعضها بعضا بالتآمر بين أفراد نفس النوع، لصالح القلة المسيطرة، على حساب كل البشر، دون استثناء القلة الغبيية المتآمرة، حيث تضعنا تصرفاتها على قمة الأحياء الجاهزة للانقراض.

ثقافة الحرب إذن هى حالة الوعى البقائى التى تلزمنا بالوقوف طول الوقت فى حالة استعداد دائم، بل وإقدام جاهز للحرب المستمرة بكل أشكالها، ليس فقط فى مواجهة هذه الثلة الطاغية، ولكن لنحارب “معا”  كل القوى التى تهدد بقاء الجنس البشرى “معا”.

 ثقافة السلام (بغض النظر عن معاهدة السلام، أو وثيقة الاستسلام) هى أن ننخدع فنصدق أنه لم تعد بنا  حاجة إلى شحن وعينا طول الوقت بأنه على بعد خطوات منا وحش مفترس، يملك سلاحا ذريا، ودعما دوليا متآمرا، يقتلنا ويطردنا يوميا من فوق أرضنا ثم من فوق الأرض كلها. المطلوب منا – حتى نعيش ثقافة السلام !!– هو أن نسترخى، ونأخذ بالأحضان هذا الصديق الجار المسالم الذى يحتفظ بالقنابل الذرية ليرصها ديكورا فى صالات المفاوضات، ويزين بها ممرات محافل مؤتمرات القمة العربية، نعم نأخذه بالأحضان مطمئنين جدا للسلام حتى ونحن نقرأ أحدث الأخبار كالتالى (المصور : 14 أبريل 2010) “..بدأت إسرائيل تطبيق الأمر العسكرى الذى يقضى بإبعاد سبعين ألف مواطن من الضفة الغربية إلى غزة ..إلخ” علينا – حسب قواعد ثقافة السلام- أن نتيقن أن هذا ليست تطهيرا عرقيا ولا حاجة، هو مجرد تنظيم سكانى لمواطنين ضائعين “ياعينى!!”، ضلوا الطريق إلى موطنهم الأصلى..قبل التاريخ !!

وبعد

..  أنا لا أقصر تفسير“الجهاد الأكبر” على مجرد جهاد النفس ضد نزعاتها الشريرة، وصلنى أن الجهاد الأصغر هو أن نحارب الطغاة الظلمة الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، اما الجهاد الأكبر، فهو الحرب التى نعيشها معا بشكل مستمر فى حالة استنفار دائم ضد مؤامرات الانقراض الشامل غباء وجشعا  واستغلالا وإذلالا، وللحديث بقية!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *