الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / دراسة فى علم السيكوباثولوجى (الكتاب الثانى) (2) لوحات تشكيلية من العلاج النفسى شرح على المتن: ديوان اغوار النفس

دراسة فى علم السيكوباثولوجى (الكتاب الثانى) (2) لوحات تشكيلية من العلاج النفسى شرح على المتن: ديوان اغوار النفس

نشرة الإنسان والتطور

بقلم: يحيى الرخاوى

 2001-1980

نشرة يومية  من مقالات وآراء ومواقف

 تعتبر امتداداً محدوداً لمجلة الإنسان والتطور 

2009-6-10

السنة الثانية

العدد:  649    

 image003

 الفصل‏ ‏الأول:

صعوبات مبدئية، وخطوط عامة

منهج مقترح للتقديم فالقراءة :

تقديرا لما جاء من تحفظات ومخاوف من تشويه النص الشعرى بالتفسير والتداعى، سوف نتبع نظاما فيه بعض التكرار للنص الشعرى، دون التأكد من نجاح ذلك فى الحفاظ على شاعرية النص.

–   سوف نقدم النص الذى سوف نناقشه كاملا فى أول كل حلقة فى البداية

–  ثم يرد النص مقطعا مع الشرح

–  ثم نختم كل حلقة بجزء النص الذى سوف نتناوله فى الحلقة التالية.

–  وهكذا….

 *****

      ‏نص متن هذه الحلقة كاملا:

كل‏ّ ‏القلـْم‏ ‏ما‏ ا‏ْتقصـَفْ‏ ‏يطلعْ‏ ‏له‏ ‏سنّ‏ ‏جديدْ

وايش‏ ‏تعمل‏ ‏الكلمة‏ ‏يابَا‏ ‏والقدرْ‏ ‏مواعيدْ

خلق‏ ‏القلم‏ ‏ما‏ ‏العدم‏ ‏أوراق‏، ‏وِمَــــلاها

وان كانْ عاجِبْـنى وجبْ، ولاّ أتنّـى بعيدْ

الشرح على المتن:

الكتابة‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏تكاد‏ ‏تكون‏ ‏مستحيلة‏، ‏بل‏ ‏إنها‏ ‏تكاد‏ ‏تكون‏ ‏ضد‏ ‏العلاج‏ ‏النفسي‏، ‏تماما‏ ‏مثل‏ ‏الكتابة‏ ‏فى ‏الجدل‏ ‏وعن‏ ‏الجدل‏ ‏التى ‏هى ‏بالضرورة‏ ‏ضد‏ ‏مع‏ ‏الجدل‏.‏

العلاج‏ ‏النفسى ‏عملية‏ ‏حيوية‏ ‏مُعاشة‏ ‏لايمكن‏ ‏للكلمات‏ ‏أن‏ ‏تستوعبها‏، ‏ومن‏ ‏أغلط‏ ‏الغلط‏ ‏ان‏ ‏يتعلم‏ ‏أحدهم‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏من‏ ‏قراءة‏ ‏الكتب عنه، مهما بلغت دقة هذه الكتب وإحاطتها. ‏إن‏ ‏قراء‏ ‏ألف‏ ‏كتاب‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏لا‏ ‏تساوى ‏الجلوس‏ ‏مسؤولا‏ ‏أمام‏ ‏مريض‏ ‏أمى ‏يحضر‏ ‏مرة‏ ‏أسبوعيا‏ ‏لمدة‏ ‏ساعة‏ ‏خلال‏ ‏سنة‏ ‏وأكثر‏ ‏وهو‏ ‏يتحسن‏ (‏أو‏ ‏يتذبذب‏ ‏فى ‏طريقه‏ ‏إلى ‏التحسن،‏ ‏أو‏ ‏يتدهور‏ ‏رغم‏  ‏الجهد‏ ‏والصبر‏).‏

إن‏ “قصف‏ ‏القلم‏” ‏المشار‏ ‏إليه‏ ‏هنا‏ ‏هو‏ ‏إعلان‏ ‏عن‏ ‏بعض‏ ‏حلقات‏ ‏جهادى ‏ ‏فى ‏محاولة ‏ “الكتابة‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسي‏” ‏أو‏ “عن‏ ‏العلاج‏ ‏النفسي‏”، ‏ولعل‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏بعض‏ ‏ما‏ ‏أخّر‏ ‏صدور‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏.‏

تبينت صعوبة المسألة من قديم عندما كان يطلب منى زملائى الأساتذة فى كلية الطب، قصر العينى، أن‏ ‏أضع‏ ‏سؤالا‏ ‏تحريريا‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى (‏على ‏أساس‏ ‏أنهم‏ ‏يعتبرون‏ ‏أنه‏  ‏من‏ ‏أهم‏ ‏ما‏ ‏يتصورون‏ ‏أنه‏ ‏تخصصى ‏الدقيق‏) كنت أشكر، و‏أبتسم‏، ‏وأعتذر، وأرفض‏ ‏ما‏ ‏أمكن‏ ‏الرفض‏. ‏تصور معى‏ ‏- مثلا- سؤالا‏ ‏يقول‏:” ‏قل‏ ‏ما‏ ‏تعرفه‏ ‏عن‏ ‏العلاج‏ ‏بالإيحاء‏”، ‏فيأتى ‏الجواب‏ ‏متضمِّنا‏ ‏أنواع‏ ‏الأمراض‏ ‏التى ‏تستجيب‏ ‏للإيحاء‏، ‏والشخصيات‏ ‏الأكثر‏ ‏قابلية‏ ‏له‏، ‏وطرقه‏ ‏المباشرة‏ ‏وغير‏ ‏المباشرة‏، ‏ونتائجه‏ ‏المحدودة‏، ‏يجيب‏ ‏عن‏ ‏ذلك‏ ‏طالب‏ ‏شاطر حافظ‏ إجابة لا تخر الماء (ما تخرش المية)، ‏فيضطر‏ ‏الممتحن‏ المصحح أن ‏ ‏يعطيه‏ ‏عشرة‏ ‏على ‏عشرة‏!! ‏(وربما‏ ‏نجمة)‏، ‏قارن‏ ‏ذلك‏ ‏بمباشرة‏ ‏أسبوعيه‏ ‏للإشراف على ‏ ‏طبيب‏ ‏صغير‏ ‏متدرب‏، ‏وتتبع خطوات نمو خبرته، ونموه، وهو‏ ‏يحكى – ‏مع‏ ‏زملاء‏ ‏له‏ ‏فى ‏جلسات‏ ‏الاشراف‏ ‏المنتظمة‏، يحكى عن ‏ماذا‏ ‏حدث‏ ‏له‏ ‏أثناء‏ ‏جلوسه‏ ‏مع‏ ‏المريض‏ ‏قبل‏ ‏ومع‏ ‏وبعد الجلسة، وهو يحتار، وهو يحاول، ‏ثم‏ ‏ماذا‏ ‏حدث‏ ‏للمريض‏ ‏أثناء‏ ‏العلاج‏ ‏ونتيجة‏ ‏له‏، ‏خطوة‏ ‏خطوة‏، ‏ومأزق‏ ‏فاجتياز‏، أو مأزق فوقفة، ثم يسأل ويتساءل ويشارك فى الإجابة عن كل ذلك/ هذا هو ما عرضناه خلال أكثر من عام فى باب “التدريب عن بعد”، وهو ما تابعه بحماس كثيرون من أصدقاء الموقع الذين شاركوا فى التعقيبات، وهو هو ما تم إعداده أيضا  للطبع الفورى فى الكتابين الأول والثانى من سلسلة: “بعض معالم العلاج النفسى فى ثقافة عربية، من خلال الإشراف عليه” ، إذن : فماذا يفيد أن أكتب عن أصول أو قواعد أو معنى أو هدف ما يسمى “العلاج النفسى”؟ وكيف أضمن أن يسير ما يصل من ذلك جنبا إلى جنب مع التدريب والإشراف طول الوقت؟

هذه هى بعض معالم المأزق المتجدد: كلما ‏هممت‏ ‏بأن‏ ‏اكتب‏ ‏فى ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏ينقصف‏ ‏قلمي‏ فعلا. ‏فأتوقف‏، ‏وأتردد‏، ‏وأتراجع‏، لكننى لم أكف أبدا  عن الإعداد لهذا الاحتمال (الكتابة عن العلاج النفسى)، وأنا أكاد أكون على يقين معظم الوقت من أننى أعدّ لما “لن يكون أبدا”.

 ومن بين ما جمعتُ تمهيدا لهذا الاحتمال ما يلى:

‏(1) ‏تسجيل‏ ‏صوتي‏، ‏ثم‏ ‏تفريغ‏ ‏التسجيل‏ ‏كتابة‏، لما تيسر من مناقشات ‏مع‏ ‏الأطباء‏ الأصغر الذين يمارسون العلاج النفسى تحت إشرافى، وهو ما ظهر بعضه فى باب الإشراف عن بعد. (أسبوعيا بدءا من أوائل السبعينات)

‏(2) ‏تسجيل‏ ‏المناقشات‏ ‏بعد‏ ‏كل‏ ‏جلسة‏ ‏”علاج‏ ‏نفسى ‏جمعى” أقوم‏ ‏فيها‏ ‏بمسئولية العلاج فى مستشفى قصر العينى، جنبا إلى جنب مع مهمة تدريب‏ ‏الأصغر‏. وقد نشر بعض معالم نظام التدريب فى هذه النشرات5-2-2008  ، 6-2-2008 كما  جاءت فى الكتاب الأول السالف الذكر (بعض معالم العلاج النفسى….) ‏ و‏تشمل‏ ‏هذه‏ ‏المناقشات‏ ‏أسئلة‏ ‏وتعليقات‏ ‏المشاركين‏ ‏داخل‏ ‏المجموعة‏ ‏العلاجية‏، ‏بالإضافة‏ ‏إلى ‏أسئلة‏ ‏وتعليقات‏ ‏المشاهدين‏ ‏الحاضرين (بإذن المرضى والمعالجين) فى الحلقة الخارجية المحيطة بأعضاء جلسة العلاج الجمعى. وكان‏ ‏المقابل‏ ‏الذى ‏يدفعه‏ ‏المتدرب‏ ‏ليواصل‏ ‏التدريب‏، ‏خارج‏ ‏وداخل‏ ‏المجموعة‏ ‏لأكثر‏ ‏من‏ ‏سنة‏، ‏هو‏  ‏أن‏ ‏يقوم‏ ‏بتفريغ‏ ‏‏تسجيلات‏ هذه المناقشات البعدية  ‏أولا‏ ‏بأول‏. ‏ظل‏ ‏هذا‏ ‏يحدث‏،  ‏ولمدة‏ ‏عشرين‏ ‏سنة‏ ، ‏ثم‏ ‏توقف‏ ‏التسجيل‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏بعد‏ ‏أن‏ ‏تراكم‏ ‏دون‏ ‏تحرير‏ ‏أولا‏ ‏بأول، ثم حين سألت عنه مؤخرا، اكتشفت أن أغلبه قد فُقد، ولم أجزع كما ينبغى، ذلك أننى اكتشفت لاحقا أننى شخصيا الذى ينبغى عليه تحريره فى صورة مقروؤة مفيدة، وأيضا تأكدت أن ما تبقى منه عندى الآن يكفى وزيادة‏ (يكفى ماذا؟ يكفى من؟) – وعموما فإن ما نشر مؤخرا فى باب التدريب عن بعد هو بعض ما تم فى السنتين الأخيرتين فى دار المقطم أساسا، وإلى درجة أقل فى قصر العينى.

‏(3) ‏تسجيل‏ ‏مواز‏ ‏للمناقشات‏ ‏بعد‏ ‏الجلسات‏ ‏الجماعية‏ ‏فى ‏مستشفى ‏دار‏ ‏المقطم‏ ‏للصحة‏ ‏النفسية‏ ‏ثم‏ ‏تفريغ‏ ‏التسجيل‏ ‏مباشرة‏، ‏استمر‏ ذلك ‏لمدة‏ ‏تزيد‏ ‏عن‏ ‏عشر‏ ‏سنوات‏ وقد اختفى أغلبه أيضا، لكن ما تبقى يكفى، وزيادة (يكفى ماذا؟ يكفى من؟ ).‏

‏(5) ‏‏تم‏ ‏تسجيل‏ ‏جلسات‏ ‏العلاج الجمعى فى قصر العينى، وذلك لعدد من المجموعات العلاجية المتلاحقة، وهى جلسات العلاج والتدريب التى تجرى فى قصرالعينى أسبوعيا منذ سنة 1971 وذلك‏ ‏بالصوت‏ ‏والصورة‏ (‏فيديو، بعد إذن صريح من كل المشاركين مرضى وأطباء‏) ‏بالإضافة إلى تسجيل ‏المناقشات‏ ‏اللاحقة‏ ‏التى أشرنا إليها حالا، ‏ ‏(جرى ذلك بانتظام لمدة الثمان سنوات الأخيرة تقريبا)

‏(6) ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الإشراف‏ ‏على ‏رسائل‏ ‏للماجستير‏  (‏اثنتان‏) ‏والدكتوراه‏ (‏أربعة‏)،  ‏تم‏ ‏تسجيل‏ ‏صوتى ‏لأغلب‏ ‏جلسات‏ ‏العلاج‏ ‏الجمعى ‏موضوع‏ ‏الرسالة‏، لتكون‏ ‏مادة‏ ‏للاستشهاد‏ ‏ودراسة‏ ‏المحتوي‏.‏ (على سبيل المثال لا الحصر: رسالتى أ.د. عماد حمدى غز فى الماجستير والدكتوراة – رئيس قسم الطب النفسى بطب القاهرة حاليا-، ورسالة الدكتوراة أ.د. عزة البكرى، ورسالة د. نهى صبرى الدكتوراة ، ورسالة الدكتوراة فى الفلسفة  – فرع علم نفس- المرحومة د. نجاة النحراوى)

وبعد

تبلغ‏ ‏كل‏  ‏هذه‏ ‏التسجيلات‏ ‏مئات‏ ‏الأشرطة حتى الآن‏، ‏لم‏ ‏يفرغ‏ ‏أغلب ما تبقى‏ منها بنظام‏ ‏يسمح‏ ‏باستغلالها‏ فى مثل هذا الكتاب، أو أى كتاب، ‏وقد‏ ‏وجدت‏ ‏أن‏ ‏الاعتماد‏ ‏عليها‏ ‏الآن‏ ‏وأنا‏ ‏أكتب‏ ‏هذا‏ ‏العمل‏، ‏أو‏ مجرد ‏تصوُّر‏ ‏إمكان‏ ‏استغلالها‏ ‏بعد‏ ‏رحيلى ‏هو‏ ‏أمر‏ ‏يتراوح‏ ‏بين‏ ‏الاستحالة‏، ‏وترجيح‏ ‏الاختزال‏ ‏والتسطيح‏ بكل المخاطر المترتبة على ذلك، ‏خصوصا‏ ‏إذا‏ ‏قام‏ ‏بهذا‏ ‏التفريغ‏ ‏والتبويب‏ ‏من‏ ‏لم‏ ‏يعاشر‏ ‏التجربة‏ ‏شخصيا‏.‏

‏ ‏تزاحمتْ‏ ‏وتكاثفتْ‏ ‏وتداخلتْ‏ ‏وتراكمتْ‏ ‏كل‏ ‏هذه‏ ‏المادة‏، ‏وبدلا‏ ‏من‏ ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏حافزا‏ ‏للكتابة‏ ‏أصبحت‏  ‏عائقا‏ ‏لمجرد‏ ‏البداية‏ ‏فى ‏كتابة‏ ‏خبرتنا‏  ‏فى ‏موضوع‏ العلاج‏ ‏النفسي‏.‏ أمام هذا الكم الهائل من المادة الخام قُـصف قلمى المرة تلو الأخرى تلو الأخرى تلوى الأخرى..فعلا،

فأعاود المحاولة وأنا أشعر أنه لا ‏مفر‏ ‏من‏ ‏مواجهة‏ ‏الالتزام‏ ‏بالكتابة‏ ‏مهما‏ ‏كانت‏ ‏الصعوبات‏ ‏أو‏ ‏المضاعفات‏. ‏ظل‏ ‏الواجب‏ ‏ضاغطا‏، ‏والكتابة‏ ‏لحوح‏ ملوِّحة طول‏ ‏الوقت‏ (“يطلع‏ ‏له‏ ‏سن‏ ‏جديد‏”).‏

تأكد لى من خلال هذا التحدى المتجدد الموقف الخاص لما يسمى‏ “كتابة‏” ‏فى ‏العلاج‏ /‏النفسى، ‏حتى وضعت لنفسى (وربما لغيرى إن شاء) بعض الشروط والتحفظات التى أنصح بالالتزام بها لمن شاء أن يخوض هذه المخاطرة، ومن ذلك:

شروط وتحفظات:

‏1 – ‏ألا‏ ‏تكون‏ ‏الكلمة‏ ‏المكتوبة‏ ‏هى ‏الأصل‏: كنت‏ ‏وما‏ ‏زلت‏ ‏أنصح‏ ‏المتدربين‏ ‏معى على ‏العلاج‏ ‏النفسى  ‏ألا‏ ‏يقرأوا‏ ‏أصلا‏ ‏فى ‏موضوع‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏خلال‏ ‏السنة‏ ‏الأولى ‏على ‏الأقل‏،  ‏ولكن‏ ‏هذا‏ ‏لا‏ ‏يمنع‏  ‏من‏ ‏القراءة‏ ‏فى ‏نظريات‏ ‏علم‏ ‏النفس‏ ‏وبالذات‏ “علم‏ ‏السيكوباثولوجي‏”.‏

‏2 – ‏الا‏ ‏تكون‏ ‏الكتابة‏ (‏فالقراءة‏) ‏هى ‏المرجع‏ ‏الأول‏ ‏أو‏ ‏الأوحد‏ ‏لمعرفة‏ ‏ماهية‏ “فن‏ ‏العلاج‏”. ‏المرجع‏ ‏الأول‏ ‏هو‏ ‏المريض‏ ‏ومسار‏ ‏العلاج‏، ‏أما‏  ‏المرجع‏ ‏الثانى ‏فهو‏ ‏الاشراف‏ ‏من‏ ‏استاذ‏ (‏معلم‏ ‏مدرب‏) ‏بشكل‏ ‏منتظم‏. ‏ثم‏  ‏الاشراف‏ ‏من‏ ‏الأقران‏ Peer supervision (‏تم تناول ذلك بالتفصيل فى كتابى الإشراف على العلاج النفسى – تحت الطبع- وهو الكتاب السالف الذكر، وقد ثبت ذلك قبلا فى نشرات 1-2-2009 ،5-2-2008 ) ‏.‏

‏3 – ‏أن‏ ‏تتناسب‏ ‏جرعة‏ ‏القراءة‏ ‏مع‏ ‏حجم‏ ‏الممارسة‏ ‏تناسبا‏ ‏ترجح‏ ‏فيه‏ ‏كفة‏ ‏الممارسة‏ ‏على ‏كفة‏ ‏القراءة‏ ‏طول‏ ‏الوقت‏ (‏كلما‏ ‏زاد‏ ‏عدد‏ ‏المرضى، ‏أمكن‏ ‏الاستفادة‏ ‏من‏ ‏القراءة‏ ‏أكثر‏).، فقد لاحظت أنه كلما ‏زادت‏  ‏جرعة القراءة‏ ‏عن‏ فعل ‏الممارسة‏ ‏تعرض‏ ‏الممارس‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يسمى ‏العقلنة‏ Intellectualization. ‏ذلك‏ ‏لأن‏ ‏فن العلاج هذا إنما ‏ ُ‏يمارَس‏ “‏بكلية‏ وجود المعالج نفسه“، ‏وليس‏ ‏بتنفيذ أوامر العقل الحاسب المنطقى:

حدود ومعالم

من كل هذا يمكن أن نستنتج ابتداء حدود ومعالم هذا العمل، حتى لا نتوقع منه غير ما يعد به، وأيضا حتى لا نسىء فهم أوتطبيق بعض ما يصلنا منه،

هذا العمل – إذن – لا يعدو أن يكون:

‏(1) ‏ ‏إطارا‏ ‏عاما ‏لايغنى ‏عن‏ ‏الممارسة‏، ‏ولا‏ ‏يحل‏ ‏محلها‏، ‏وإن‏ ‏كنا‏ ‏نأمل‏ ‏أن‏ ‏يؤنس‏ ‏من‏ ‏يمارس‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏ويضيف‏ ‏إليه‏.‏

‏(2) ‏ ‏خبرة‏ ‏محلية‏ ‏لاتنفصل‏ ‏عن‏ ‏أحدث‏ ‏ما‏ ‏توصل‏ ‏إليه‏ ‏العلم‏ ‏والفن‏ ‏الطبي عبر العالم‏، ‏لكنها‏ ‏فى ‏النهاية‏ ‏تتطبق‏ ‏أكثر‏ ‏على ‏المجتمع‏ ‏العربى ‏خاصة‏ ‏وعلى ‏المجتمع‏ ‏المصرى ‏بشكل‏ ‏أكثر تخصيصا‏.‏

‏(3) ‏ ‏كتابا‏ ‏حواريا ‏أكثر‏ ‏منه‏ ‏تعليمات‏ ‏تلقينية‏ ‏أى ‏أن‏ ‏المعلومات‏ ‏التى  ‏يطرحها‏ ‏جديرة‏ ‏بأن‏ ‏تثير‏ ‏ما‏ ‏يقابلها‏ ‏ويعدلها‏ ‏لا‏ ‏أن‏ ‏تمثل‏ ‏للقاريء‏ ‏توليفة‏ ‏جاهزة‏ ‏للتطبيق‏ ‏الحرفي‏.‏

‏(4) ‏تطبيقا تنظيريا للفكر الذى ينتمى إليه المؤلف، الذى يمكن أن نوجز بعض معالمه فيما يلى:

  • ‏ ‏النمو‏ ‏عملية‏ ‏مستمرة‏ ‏من‏ ‏الولادة‏ ‏حتى ‏الموت‏.‏
  • ‏‏النمو‏ ‏يتم‏ ‏فى ‏دورات‏، ‏تتصل‏ ‏هذه‏ ‏الدورات‏ ‏بالدورات‏ ‏البيولوجية‏ ‏الحيوية‏ (الإيقاع الحيوى) ‏وخصوصا‏ ‏دورات‏ ‏اليقظة‏ ‏والنوم‏، ‏ودورات‏ ‏النوم‏ ‏الحالم‏ ‏متناوبا‏ ‏مع‏ ‏النوم‏ ‏غير‏ ‏الحالم‏.‏
  • ‏ ‏النمو‏ ‏يشمل‏ ‏فرص‏ ‏التغير‏ ‏الكيفى ‏بعد‏ ‏أزمات‏ ‏طفرية‏.‏
  • ‏الانسان‏ ‏مكون‏ ‏من‏ ‏شخوص‏ (‏ذوات‏) ‏متعددة‏ ‏تعمل‏ ‏كذات‏ ‏واحدة‏ ‏فى ‏لحظة‏ ‏بذاتها‏ ‏اثناء‏ ‏اليقظة‏.، وتتبادل لتتكامل من خلال كل من الإيقاع الحيوى، والتناسب الأدائى، بما يحقق عملية جدلية حيوية لا نهاية لها ..
  • ‏‏المرض‏ ‏النفسى ‏هو‏(‏آ‏) ‏انحراف‏ ‏أو‏ (‏ب‏) ‏توقف‏ ‏أو‏ (‏جـ‏)‏ نكوص‏ ‏أو‏ (‏ء‏) ‏تشوه‏ (‏بالتكلس‏ ‏أو‏ ‏التفسخ‏ ‏أو‏ ‏الاندمال‏) ‏لعملية‏ ‏النمو‏ المشار إليها سالفا ‏وهو‏ ‏يظهر‏ ‏فى ‏شكل‏ ‏نشاز‏ ‏يتجلى ‏فى ‏ظهور‏ ‏الأعراض‏ ‏من‏ ‏جهة‏، ‏وفى ‏عجز‏ ‏الأداء‏ ‏الحياتى ‏و اضطراب‏ ‏العلاقات‏ ‏البشرية‏ (‏البينشخصية‏) ‏من‏ ‏جهة‏ ‏أخرى.
  • ‏علاج‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏هو‏ ‏استعادة‏ نشاط ‏مسيرة‏ ‏النمو‏ ‏بانتظام‏ ‏واتساق‏، ‏أى ‏استعاده‏ ‏سلامة‏ ‏استيعاب توظيف‏ ‏النبض‏ ‏الحيوى ‏الذى ‏يؤدى ‏إلى ‏تكامل‏ ‏مستويات‏ ‏الدماغ‏ (‏منظومات‏ ‏الذات- مستويات الوعى ..إلخ) ‏فى ‏كلٍّ‏ حركىٍّ ‏متسق، ‏ ‏مما‏ ‏ينتج‏ ‏عنه‏ ‏اختفاء‏ ‏أعراض‏ ‏النشاز‏، ‏ونتائجه‏ ‏المعيقة‏. ‏

إعادة تنبيه

‏ ‏من حقنا بعد كل ذلك أن نعيد التساؤل ‏عن‏ ‏جدوى ‏الكتابة‏ فى مثل هذه المواضيع للقارئ العادى غير المتخصص‏ ‏بل‏ وعلينا أيضا أن تدرس ما‏ ‏هو‏ ‏الضرر‏ ‏الممكن‏ ‏إلحاقة‏ ‏بالشخص‏ ‏العادى أيضا ‏إذا‏ ‏ما‏ ‏أساء‏ ‏فهم‏ ‏المكتوب‏ ‏أو‏ ‏أساء‏ ‏تطبيقه‏؟ هذا‏ ‏تساؤل‏ ‏موضوعى ‏وأخلاقي‏، ‏حتى ‏كدت‏ ‏أرجح‏ ‏أن‏ ‏ضرر‏ ‏الكتابة‏ ‏فالقراءة‏ ‏هو‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الفائدة‏ ‏ما‏ ‏لم‏  ‏يبذل‏ ‏الجهد‏ ‏الكافى ‏فى ‏احترام‏ ‏المكتوب‏ ‏و‏ ‏التعمق‏ ‏فيه‏. ‏

بعد فترة من الحيرة استقر رأيى على مخاطبة الشخص العادى والمتخصص معا دون حرج، وأبين تبرير ما انتهيت إليه فيما يلى:

أولا‏: ‏إن‏ ‏من‏ ‏حق‏ ‏مريضنا‏ ‏وأهلنا‏، ‏وعامة‏ ‏الناس‏ ‏عندنا‏ (‏نحن‏ ‏جميعا‏ ‏مشروع‏ ‏مرضي‏) ‏أن‏ ‏يعرفوا‏ ‏وجهة‏ ‏نظر‏ ‏تــمارس‏ ‏فى ‏بيئتهم‏، ‏من‏ ‏واقع‏ ‏ثقافتهم‏ ‏بدلا‏ ‏من‏ ‏ترديد‏ ‏مقولات‏ ‏أجنبية‏ ‏وأفكار‏ ‏وتجارب‏ ‏مستوردة‏ ‏معظم‏ ‏الوقت‏. ‏هذا‏ ‏علما‏ ‏بأن‏ ‏الخبرات‏ ‏الخاصة‏ ‏تتضفر‏ ‏لتصب‏ ‏فى ‏المعرفة‏ ‏العامة‏ ‏ما‏ ‏أتيحت‏ ‏الفرصة‏ ‏لذلك‏.‏

ثانيا‏: ‏أنه‏ ‏مادام‏ ‏هناك‏ ‏ما‏ ‏هو‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏وعى ‏الناس‏ (‏منشورا‏ ‏هنا‏ ‏وهناك‏) ‏تحت‏ ‏اسم‏ “العلاج‏ ‏النفسي‏”، ‏أو‏ ‏اسماء‏ ‏قريبة‏ ‏من‏ ‏ذلك‏، ‏فينبغى ‏أن‏ ‏تتاح‏ ‏لهم‏ ‏معلومات‏ “أخري‏”، ‏من‏ ‏واقع‏ ‏التجارب‏ ‏الفعـلية‏، ‏حتى ‏تتعدد‏ ‏المصادر‏ ‏أمامهم‏، ‏وبالتالى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏ترجح‏ ‏اللغة‏ ‏الأصح‏ ‏والأنفع‏.‏

ثالثا‏: ‏إن‏ ‏الأفلام‏ ‏والمسلسلات‏ ‏تتناول‏ ‏موضوع‏ ‏العلاج‏ ‏النفسى ‏بشكل‏ ‏متواتر‏، ‏وهى ‏تقدم‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏ذلك‏  ‏أسطح‏ ‏وأغلط‏ ‏ما‏ ‏يمكن‏ ‏تقديمه‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏الصدد‏ (‏الزعم بفك‏ ‏العقد‏، ‏والغوص‏ ‏فى ‏الماضي بحثا عن الأسباب حتى التبرير‏ .‏وتشويه‏ ‏صورة‏ ‏المريض‏ ‏العقلي‏، ‏وتتـفيه‏ (‏من‏ ‏التفاهة‏) ‏صورة‏ ‏الطبيب‏ ‏النفسي‏. ‏كل‏ ‏ذلك‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏السكوت‏ ‏عليه‏ ‏ولا‏ ‏يكفى ‏التوقف‏ ‏عند‏ ‏شجبه‏ ‏أو‏ ‏مطالبة‏ ‏السلطات‏ ‏بمنعه‏، ‏وإنما‏ ‏ينبغى ‏أن‏ ‏يقابله‏ ‏ويوازيه‏ ‏فكر‏ ‏آخر‏ ‏يقدم‏ ‏المعلومات‏ ‏البديله‏ ‏للشخص‏ ‏العادي‏.‏

رابعا‏: ‏لاحظت‏  ‏أن‏ ‏المرضى ‏يفهمون‏ ‏النظريات‏ ‏التى ‏أنتمى ‏إليها‏، ‏أو‏ الفروض والتفسيرات التى ‏أضعها‏ ‏بسهولة‏ ‏ومباشرة‏ ‏ووضوح‏، ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏ذويهم‏، ‏وأحيانا‏ ‏يلتقطون‏ ‏عمق‏ ‏مغزاها‏ ‏أكثر‏ ‏من‏ ‏الزملاء‏ ‏الأطباء‏ ‏التقليديين‏. (‏يحدث‏ ‏ذلك‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏بالنسبة‏ ‏لما‏ ‏يتعلق‏ ‏بالمرض‏ ‏النفسى ‏والعقلى ‏كلغة‏ ‏واختيار‏ ‏له‏ ‏غاية‏،  ‏وأيضا‏ ‏بالنسبة‏ ‏لما‏ ‏يتعلق‏ ‏بتعدد‏ ‏الذوات‏ ‏فى ‏الكيان‏ ‏البشري، ويمكن متابعة ذلك من الحوارات التى نشرت فى هذه النشرة مع المرضى، وخصوصا آخر حالة “فصامى يعلمنا….” 29-4-2009 , 5-5-2009) . ‏

التسجيلات‏ ‏التى ‏تحت‏ ‏يدى ‏تؤكد‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏التلقى ‏المتميز‏ ‏عند‏ ‏المرضى  ‏لا‏ ‏يعتمد‏ ‏على (‏أ‏) ‏درجة‏ ‏الذكاء‏ ‏ولا‏ (‏ب‏) ‏على ‏القراءة‏ ‏السابقة‏ ‏فى ‏العلوم‏ ‏النفسية‏ ‏والنظريات‏ ‏النفسية‏ ‏ولا‏ ‏على (‏جـ‏) ‏الإيحاء‏ ‏من‏ ‏المعالج‏ ‏أو‏ ‏صاحب‏ ‏النظرية‏.‏

إن‏ ‏هؤلاء‏ ‏المرضى (‏الذهانيين‏ ‏خاصة‏: ‏المرضى ‏العقليين‏) ‏يستجيبون‏ ‏لمجرد‏ ‏الإشارة‏ ‏ولو‏ ‏من‏ ‏بعيد‏، ‏ولو‏ ‏بلغة‏ ‏غامضة‏،  ‏لمفهوم‏  ‏الغائية‏ ‏فى ‏المرض‏ ‏النفسى (‏معنى ‏المرض‏، ‏ومعنى ‏الأعراض‏ ‏وما‏ ‏تريد‏ ‏تحقيقه‏، ‏حتى ‏على ‏حساب‏ ‏الصحة‏ ).‏

كثيرٌ‏ ‏من‏ ‏هؤلاء‏ ‏المرضى ‏يتقبلون‏ (‏ويمارسون‏ ‏أثناء‏ ‏بعض‏ ‏أنواع‏ ‏العلاج‏. ‏أنظر‏ ‏بعد‏) ‏حركية‏  ‏مفهوم‏ “تعدد‏ ‏الذوات‏”، حتى ‏تظهر‏ ‏استجابتهم‏ ‏بشكل‏ ‏ملفت‏ ‏حين‏ ‏يكملون‏ ‏بشكل‏ ‏عفوى ‏بعض‏ ‏معالم‏ ‏التنظير‏ ‏والتأويل‏ ‏بمجرد‏ ‏أن‏ ‏يبدأ‏ ‏المعالج‏ ‏فى ‏الإشارة‏ ‏إليه‏. (‏وهم‏ ‏لا‏ ‏يرددون‏ ‏كل‏ ‏ما‏ ‏قاله‏ ‏المعالج‏).‏

‏ ‏إن‏ ‏استجابة‏ ‏هؤلاء‏ ‏المرضى -‏هكذا‏ – ‏هى  ‏فى ‏الأغلب‏ ‏عكس‏ ‏استجابة‏ ‏الشخص‏ ‏العادى ‏الذى يحتمى ‏عادة‏ (‏أكاد‏ ‏أقول‏ ‏دائما‏) ‏وراء‏ ‏دفاعات‏ ‏تمنع‏  ‏هذه‏ ‏الرؤية‏ ‏الأعمق‏.‏

مخاطر‏ ‏ومضاعفات‏ ‏محتملة

أما‏ ‏عن‏ ‏المخاطر‏ ‏والأضرار‏ ‏التى ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏تترتب‏ ‏على ‏حضور‏ ‏هذه‏ ‏المعلومات‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏الشخص‏ ‏العادي‏، ‏فهى ‏حقيقية‏، ‏ولا‏ ‏يخفف‏ ‏من‏ ‏أثارها‏ ‏إلا‏ ‏أنها‏ ‏أقل‏ ‏من‏ ‏الفوائد‏ ‏السابق‏ ‏ذكرها‏، ‏كما‏ ‏أنه‏ ‏يمكن‏ ‏الاقلال‏ ‏من‏ ‏هذه‏ ‏المخاطر‏ ‏باتخاذ‏ ‏الحذر‏ ‏المناسب‏ ‏من غير الناقد‏، ‏أو‏ ‏التعميم غير المتميِّز‏ ‏أو‏ ‏هواية‏ ‏التطبيب‏ ‏الذاتى ‏أو‏ ‏العائلي‏. ‏

من‏ ‏بعض‏ ‏هذه‏ ‏المخاطر‏ ‏المحتملة (‏كأمثلة‏):‏

‏(‏أ‏) ‏أن‏ ‏تزيد‏ ‏جرعة‏ ‏العقلنة‏ (‏الفهم‏) ‏فتحول‏ ‏دون‏ ‏المعايشة‏ ‏الحقيقية‏، ‏التى ‏هى ‏محور‏ ‏العلاج‏، ‏حتى ‏تحل‏ ‏محله‏. ‏بمعنى ‏أن‏ ‏تصبح‏ ‏المعلومات‏ ‏المقدمة‏ ‏هى ‏السبيل‏ ‏إلى ‏فهم‏ ‏عقلانى ‏دون‏ ‏فعل‏ ‏أو‏ ‏تغيير‏ ‏فى ‏الذات‏ ‏سلوكا‏ ‏وتركيبا‏.‏

‏(‏ب‏) ‏أن‏ ‏تتاح‏ ‏الفرصة‏ ‏لممارسة‏ ‏ما‏ ‏أسميناه‏ ‏حالا‏ “هواية‏ ‏التطبيب‏ ‏النفسي‏”على ‏حساب‏ ‏البصيرة‏ ‏الفاعلة‏.‏

‏(‏جـ‏) ‏أن‏ ‏يتلقى ‏هذا‏ ‏العمل‏ ‏قارئ‏ ‏ ‏متعجل‏ ‏مع‏ ‏ما‏ ‏يترتب‏ ‏على ‏ذلك‏ ‏من‏  ‏درجات‏ ‏مختلفة‏ ‏من‏ ‏التعميم‏ ‏والتبسيط‏، ‏مما‏ ‏قد‏ ‏يؤدى ‏إلى ‏غير‏ ‏ما‏ ‏قـُـصد‏ ‏منه‏، ‏وأحيانا‏ ‏عكس‏ ‏ما‏ ‏قصد‏ ‏منه‏.‏

‏(‏ء‏) ‏أن‏ ‏يفهم‏ ‏البعض‏ ‏غائية‏ ‏المرض‏ ‏النفسى ‏والعقلى (‏اختيار‏ ‏المريض‏ ‏لمرضه‏،  ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏اختيار‏ ‏الجنون‏) ‏على ‏أنه‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الادعاء‏ ‏أو‏ ‏حتى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏المبالغة‏ ‏والاستسهال‏ (‏الدلع‏)، ‏وهذا‏ ‏ما‏ ‏سنتـاوله‏ ‏بالتفصيل‏ ‏فى ‏معظم‏ ‏أجزاء‏ ‏العمل‏.‏

كل‏ ‏هذا‏ ‏الذى ‏ذكرته‏ ‏فى ‏الصفحات‏ ‏السابقة‏ ‏هو‏ ‏الذى ‏جعل‏ ‏القلم‏ ‏يتوقف‏ (‏ينقصف‏) ‏المرة‏ ‏تلو‏ ‏المرة‏، ‏وهو‏ ‏الذى ‏جعله‏ ‏يعاود‏ ‏المحاوله‏ (‏يطلع‏ ‏له‏ ‏سن‏ ‏جديد‏). ‏والتحذير‏(‏فى ‏البيت‏ ‏الثاني‏) ‏من‏ ‏عدم‏ ‏جدوى ‏الكلمات‏ ‏فى ‏مواجهة‏ ‏مسيرة‏ ‏الأحداث‏ ‏التى ‏تبدو‏ ‏حتميه‏ (‏والقدر‏ ‏مواعيد‏) ‏هو‏ ‏تحذير‏ ‏نسبي‏، ‏لأنه‏ ‏ليست‏ ‏كل‏ ‏الكلمات‏ ‏لها‏ ‏نفس‏ ‏الفاعلية‏، ‏أو‏ ‏اللافاعلية‏، ‏والكلمة‏ ‏الكاشفة‏ ‏المخترقه‏ ‏هى ‏نفسها‏ ‏جزء‏ ‏من‏ ‏القدر‏.‏

عن القدر والمصادفة:

كلمة‏ ‏القدر‏ ‏هنا‏ (‏وربما‏ ‏فيما‏ ‏بعد‏) ‏لها‏ ‏تفسير‏ ‏فى ‏هذا‏ ‏السياق‏ ‏العلمى ‏ليس‏ ‏له‏ ‏علاقة‏ ‏بنفس‏ ‏الكلمة‏ “‏القدر‏” ‏إذا‏ ‏استعملت‏ ‏فى ‏سياق‏ ‏دينى (‏مثلا‏)  – ‏فمن‏ ‏ناحية‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏نتصور‏ ‏أن‏ ‏حتمية‏ ‏فرويد‏ (‏الحتمية‏ ‏السببية‏ = ‏لكل‏ ‏حدث‏ ‏تفسيره‏ ‏وأسبابه‏ ‏فيما‏ ‏سبق‏ ‏من‏ ‏أحداث‏) ‏هى ‏نوع‏ ‏من‏ ‏القدر‏ ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏. وبالتالى ‏فإن‏ ‏هذه‏ ‏الحتميه‏ ‏لا‏ ‏تغيرها‏ ‏الكلمات‏، ‏وإنما‏ ‏يغيرها‏ ‏إعادة‏ ‏تنظيم‏ ‏مقومات‏ ‏الحتمية‏ ‏التى ‏جمّدت‏ ‏التركيب‏ ‏البشرى ‏بهذه‏ ‏الصورة‏.‏

لهذا‏ ‏فإن‏ ‏التحليل‏ ‏النفسى ‏الذى ‏يقال‏ ‏عنه‏ ‏أنه‏ “علاج‏ ‏بالكلام‏” ‏هو‏ ‏ليس‏ ‏كذلك‏ ‏فى ‏حقيقة‏ ‏الأمر‏، ‏فهو‏ ‏قد يستعمل‏ ‏الكلام‏ ‏بشكل‏ ‏غير‏ ‏نمطى ‏ليحقق‏ ‏هدف‏ ‏التغيير‏ ‏الحقيقي‏. وعلينا أن نقر أن الكلام ومحتواه هو من أنجع الوسائل للتواصل والتفريغ والإبلاغ ومن ثم إمكانية التفكيك لإعادة التشكيل، أما أن يكون غاية فى ذاته تهدف أساسا إلى خفض التوتر، فهذا ما لا نتفق معه. (وسوف يأتى نقد ذلك بالتفصيل لاحقا).

أما‏ ‏المعنى ‏الأخر‏ ‏المحتمل‏  ‏للقدر‏ (‏هنا‏) ‏فهو‏ ‏ما‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏التركيب‏ ‏الجينى ‏المبرمج‏ ‏فى ‏الدنا‏ ‏داخل‏ ‏الخلية‏ (‏التناسلية‏ ‏بالذات‏). ‏هذا‏ ‏التركيب‏ ‏الخلوى ‏لا‏ ‏يحمل‏ ‏فقط‏ ‏السمات‏ ‏الوراثية‏ ‏سليمة‏ ‏كانت‏ ‏أم‏ ‏مرضية‏،  ‏وإنما‏ ‏هو‏ ‏يحمل‏ ‏برامج‏ ‏مسار‏ ‏النمو‏ ‏حتى ‏نهايته‏ – ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏مدى ‏العمر‏ Life Span ‏لكل‏ ‏نوع‏ ‏من‏ ‏الأحياء‏ . ‏هذا‏ ‏القدر‏ ‏البيولوجى (‏الدنا‏) ‏ليس‏ ‏حتما‏ ‏مطلقا‏ ‏غير‏ ‏قابل‏ ‏للتغيير‏ ‏وإلا‏ ‏لما‏ ‏تطورت‏ ‏الأنواع‏، ‏ولا‏ ‏ظهر‏ ‏الابداع‏. ‏

إن‏ ‏وصف‏ ‏القدر‏ ‏بأنه‏ “مواعيد‏” ‏قد‏ ‏يشير‏ ‏إلى ‏ما‏ ‏يحمل‏ ‏الدنا‏ ‏من‏ ‏توقيت‏ ‏لبسط‏ Unfolding  ‏برامجه‏  ‏عبر‏ ‏دورات‏ ‏الملء‏ ‏والبسط‏ .Filling-Unfolding Cycles‏

بهذه‏ ‏الصورة‏ ‏فإن‏ ‏الكلمات‏ – ‏بما‏ ‏فى ‏ذلك‏ ‏هذه‏ ‏الكتابة‏  ‏الآن‏- ‏لا‏ ‏تغير‏ ‏لا‏ ‏من‏ ‏الحتمية‏ ‏السببية‏ (‏ومثالها‏ ‏الصارخ‏: ‏حتمية‏ ‏فرويد‏) ‏ولا‏ ‏من‏ ‏الحتمية‏ ‏البيولوجية‏ (‏الدنا‏) ‏إلا‏ ‏إذا‏ ‏أصبحت‏ ‏الكلمة‏ ‏بمثابة‏ ‏كيان‏ ‏بيولوجي‏ ‏قادر‏ ‏على ‏التوليف‏ ‏مع‏ ‏القدر‏ ‏الماثل‏.‏

هكذا ظهر الكتاب رغما عنى

من‏ ‏هذا‏ ‏المنطلق‏ ‏انتصر‏ (‏وينتصر‏) ‏حتم‏ ‏الكتابة‏ ‏على ‏الاكتفاء‏ ‏بالممارسة‏ ‏والنقل‏ ‏المباشر‏ ‏من‏ ‏فرد‏ ‏إلى ‏فرد‏، ‏وهو‏ ‏الأمر‏ ‏الذى ‏يتعرض‏ ‏للتشويه‏ ‏وسوء‏ ‏الفهم‏ ‏والاستعمال‏ ‏من‏ ‏خلال‏ ‏الانحرافات‏ ‏المحتملة‏

خلق‏ ‏القلم‏ ‏ما‏ ‏العدم‏ ‏أوراق‏، ‏وملاها

وإن‏ ‏كان‏ ‏عاجبنى ‏وجب‏، ‏ولا‏ ‏أتنى ‏بعيد

مهما‏ ‏بلغت‏ ‏المقاومة‏ ‏والتحفظ‏ ‏ضد‏ ‏تسجيل‏ ‏الخبرة‏، ‏فإن‏ ‏إلحاح‏ ‏إبلاغها‏ ‏إلى ‏أصحابها‏ ‏رغم‏ ‏احتمال‏ ‏تشويهها‏ ‏لا‏ ‏يتوقف‏. ‏وربما كان‏ ‏ما‏ ‏قصدت‏ ‏إليه‏ ‏من‏ ‏تخليق‏ ‏الأوراق‏ ‏من‏ ‏العدم‏ ‏هو‏ ‏تعداد‏ ‏هذه‏ ‏الأدوات‏ ‏التى ‏ما‏ ‏خطر‏ ‏على ‏بالى ‏أنى ‏أمتلكها‏.  ‏إن‏ ‏كل‏ ‏محاولاتى ‏فى ‏القص‏ ‏والشعر‏ ‏وحتى ‏فى ‏هذا‏ ‏اللعب‏ ‏بالرسم‏ ‏الذى ‏لجأت‏ ‏إليه‏ ‏مؤخرا‏ ‏لم‏ ‏تكن‏ ‏إلا‏ ‏تخليقا‏ ‏لأدوات‏ (‏أوراق‏) ‏لأملأها‏ ‏بما‏ ‏يمكن‏ ‏أن‏ ‏يوصل‏ ‏رؤيتى ‏بشكل‏ ‏أو‏ ‏بآخر‏. ‏

إن‏ ‏خبرة‏ ‏بهذا‏ ‏الإلحاح‏ ‏تفرض‏ ‏نفسها‏ ‏فرضا‏ ‏ضد‏ ‏أية ‏مقاومة‏ ‏داخلية‏، ‏أو‏ ‏نقد‏ ‏خارجي‏.‏

لو‏ ‏أننى ‏استسلمت‏ ‏لهواجس‏ ‏نفسى ‏وكتبت‏ ‏مثل‏ ‏المتهم‏ ‏الذى ‏يحاول‏ ‏أن‏ ‏يدافع‏ ‏عن‏ ‏نفسه‏ ‏بالاستشهاد‏ ‏بالقرائن‏ (‏المراجع‏، ‏والأرقام‏ ‏والاحصاء‏) ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏يقول‏ ‏كلمته‏ ‏إذن‏ ‏لما‏ ‏خططت‏ ‏حرفا‏.

 ‏كذلك‏ ‏لو‏ ‏أننى ‏عملت‏ ‏حساب‏ ‏النقد‏ (‏الموضوعى ‏أو‏ ‏المتعسف‏) ‏ليحاسبنى ‏على ‏القصة‏ ‏بمعيار‏ ‏النص‏ (‏فقط‏) ‏وعلى ‏الشعر‏ ‏بمعيار‏ ‏الشعر‏ (‏فقط‏) ‏وعلى ‏النقد‏ ‏بمعيار‏ ‏النقد‏ (‏فقط‏). ‏إذن‏ ‏لما‏ ‏كتبت‏ ‏حرفا‏ أيضا.

 ‏أعتقد‏ ‏أن‏ ‏هذا‏ ‏هو‏ ‏السبب‏ ‏الذى ‏جعلنى لا أحرص على أن أتقن‏ ‏الأداة‏ “‏جدا”‏ ‏قبل‏ ‏أن‏ ‏أتناولها‏، ‏وهو الذى جعلنى‏ ‏أرضى ‏بتواضع‏ ‏عطائها‏ ‏وهى ‏تبزغ‏ (‏إن‏ ‏كان‏ ‏عاجبنى ‏وجبْ‏)، ‏فإذا‏ ‏لم‏ ‏أفعل‏: ‏فإنها‏ (‏الأداة‏) ‏تنطلق‏ ‏منى ‏ضاربة‏ ‏عرض‏ ‏الحائط‏ ‏باعتراضاتى ‏وتحفظى ‏وخوفى ‏من‏ ‏النقد‏ ‏وعمل‏ ‏حساب‏ ‏الزملاء‏ ‏وأهل‏ ‏كل‏ ‏صنعة‏، ‏الخوجات‏ ‏جميعا، وكأنها تعمل بالتسيير الذاتى (ولا أتنى بعيد)‏، لكن كل هذا التحدى والانطلاق المقتحم لم يقلل من خوفى،  هذا‏ ‏التردد‏ ‏والحساب‏، ‏هو‏ ‏ما‏ ‏عبرت‏ ‏عنه‏ ‏الفقرات‏ ‏التالية‏ ‏مباشرة‏ ‏وبشكل‏ ‏مباشر

بصراحة‏ ‏أنا‏ ‏خفت‏.‏

يا ترى مم خفت، وممن خفت

قبل أن نشير إلى حلقة الأسبوع القادم، ومم خفت، وممن خفت نعيد نص المتن الوارد فى  هذه الحلقة كاملا كما وعدنا هكذا:

أما مصادر الخوف وتجلياته وأنواعه فهو موضوع الثلاثاء القادم نفس الفصل

فنورد النص الشعرى استعدادا لتشويهه (أو شرحه أو استلهامه إن شئت)

وهذا هو:

بصراحة انا خفتْ

خفت‏ ‏منهمْ‏، ‏خفت‏ ‏منيّ‏، ‏خفت‏ ‏مـِـــنَّا

خفت‏ ‏مالطوبْ‏ ‏والطماطمْ‏ ‏والكلامْ‏ ‏والترقيةْ

خفت‏ ‏ما‏لبِيض‏ ‏الممششْ‏، ‏والنكتْ‏ ‏والبحلقةْ ‏

قلت‏ ‏أنا‏ ‏مش‏ ‏قد‏ ‏قلمي

قلت‏ ‏أنا‏ ‏يكفينى ‏ألمي

قلت‏ ‏أنا‏ ‏ما‏ ‏لى، ‏أنا‏ ‏اسـْترزَقْ‏ ‏واعيشْ‏،‏

والهرب‏ْْ ‏فى ‏الأسْـَتـذَةْ‏  ‏زيّـُــهْ‏  ‏مافــيش‏ْ،‏

والمراكزْ‏، ‏والجوايزْ‏، ‏والـَّذى ‏ما‏ ‏بـْيـنِـْتـهيشْ

قلت‏ ‏اخبِّى ‏نفسى ‏جُـوَّا‏ ‏كامْ‏ ‏كتابْ‏.‏

قلت‏ ‏أشـْغـِـلْ‏ ‏روحى  ‏بالقولْ‏  ‏والحساب‏ْْ.‏

والمقابلاتْ‏، ‏والمجالسْ

وإلى الثلاثاء القادم، نتعرف على بعض شرح ذلك!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *