“يومياً” الإنسان والتطور
19-10-2008
السنة الثانية
العدد: 415
التدريب عن بعد:
الإشراف على العلاج النفسى (22)
عن الطبيعة البشرية وخطوات وجرعة تنظيمها
د. أحمد على: ممكن أعمل تحديث لحالة كنت اتكلمت عليها هنا مرتين.
د. يحيى: طبعا، هوا احنا لينا شغلة غير كده! بس تفكرنا بيها الأول
د. أحمد على: هى بنت، حضرتك محولها لى عندها 26 سنة، هى مساعد باحث، ووالدها طبيب، أختها الصغيرة لسه فى ثانوية عامة وأمها قاعدة فى البيت. كانت مرت بصدمة كدا، زى خبرة وعدّت مع خطيب، ما كملتشى معاها، بس زى ما تكون اكتشفت من خلال الخبرة دى إنها عندها برود، لقت نفسها مش قادرة تتجاوب مع خطيبها، مع إنها سابت نفسها ليه، بس مش سيبان كامل، وبعدين لما اكتشفت مشاعرها دى، حست إن مستقبلها حا يبقى صعب جدا مع الرجالةً، إزاى حاتتحط فى حاجه ذى كده وهى كده، المهم ما حصلشى نصيب إنها تكمل الخطوبة، وبعدين دخلت بعدها بمدة مش طويلة فى مرحلة ثانية وبدأ يجيلها تخيلات (فانتازى) على واحدة صاحبتها، وحست ياستثارة جنسية ناحية صاحبتها دى، وقعدت الحكاية مدة لحد ماراحت اجازة طويلة شوية من الشغل، الحكاية خفت.
د.يحيى: أظن أنا فاكر الحالة دى شوية، فيه حاجة تانية ظهرت؟
د. أحمد على: أيوه، كان موازى للحكاية دى إنها تقضى وقت كبير قدام الكمبيوتر، مش بتتفرج على حاجات مش هية، لكن كانت الحكاية دى بتسليها بس بتاخد وقت جامد، المهم هى انتظمت فى العلاج، وده خلاها تنتظم فى شغلها وماشى الحال، وزاد تقدير الناس لشغلها.
د. يحيى: فين المشكلة الجديدة اللى انت عايز تتكلم فيها دلوقتى بقى؟
د. أحمد على: هى كانت راحت مصيف مع أهلها فى اسكندرية ورجعت فيها نقلة كويسة، أنا متصور كده، مثلا بتقول لى إنها حاسة بلذة جامدة فى الشغل، وإنها حست إن الحياة متغيرة.
د.يحيى: طيب ما هو دا تمام التمام، فيه إيه بقى ؟ إنت بتشوفها بقالك قد إيه؟
د.أحمد على: حوالى سنة دلوقتى
د. يحيى: برافو عليك، مش ده تغيير نوعى إيجابى، هو مين بيحس بلذة فى الشغل اليومين دول؟
د. أحمد على: أنا مش مستريح قوى، يعنى فيه حاجات كثيرة هى مفتقداها لسه، صحيح هى عمالة تشتغل أحسن وبتجيب الشغل فى البيت وبتحس وهى بتنجز إنها مبسوطة، فأنا بصراحة سألتها عن القديم، وبالذات عن حتة التخيلات إياها دى، فهى بتقول لى بقالى فترة من ساعة النقلة دى مافيش الحركة اللى كانت جواها ناحية البنت دى أو أى بنت تانية وكده، يعنى وقفت خالص، بس فى نفس الوقت ما فيش قبول بالنسبة للخطاب اللى ممكن يجولها، عندها لسه قلق وخايفة بدرجة شاغلانى.
د.يحيى: السؤال ؟ فين السؤال؟
د. أحمد على: أنا باعمل تحديث لحالة أولا، بس للزملاء ولحضرتك، يعنى بالخص المشوار بتاع البنت والمسيرة بتاعها ماشية ازاى، وبانقل لحضرتك دلوقتى إنى أنا عندى تخوف، والسؤال هو: هل أزق فى اتجاه إنها تقبل اللى بيتقدمولها برغم شعورها ده؟ يعنى هل الوقت مناسب؟ أنا حاسس طول الوقت إنى عاوز أزق بشكل سريع، عشان يبقى فيه حد فى حياتها، ونشوف الدنيا حا تمشى ازاى، يعنى بصراحة فضولى إنى أنا أشوف رد فعلها يبقى إيه؟ فهل أكمل فى الزّق؟ ولا أعمل إيه؟
د. يحيى: برضه أنا بافتكر الحالة اكتر واكتر، وبصراحة أنا عايز أحترم فيك رؤيتك لنفسك، وبالذات لحكاية الفضول دى، هوه مش فضول قوى، ما تظلمشى نفسك، إحنا مش بنتفرج على عيانينا، إنت عايز تعرف هى وصلت لحد فين بعد الخبرة اللى شككتها فى نفسها، فعوضتها بالفانتازيا اللى حكيت لنا عنها، وده حقك، لأ دا مش بس حقك دا واجبك، خصوصا بعد حكاية اللذة فى الشغل، لحسن يكون الشغل هوا راخر تعويض على حساب تنمية مسئوليتها نحو علاقة حقيقية.
د. أحمد على: بصراحة أيوه، يعنى أنا عندى اهتمام أعرف هى النقلة الإيجابية فى الشغل اللى بقت تلاقى فيه نفسها ولذة وكلام من ده، هى دى بديل، ولا نقلة تطور حقيقى؟
د.يحيى: عندك حق، خصوصا إن دى مشكلة عامة شوية فى مجتمعنا بفرصه المحدودة، زى ما قلنا البنت لما بتوصل 29 يبقى فى حرج من كذا ناحية.
د. أحمد على: هى عندها 26سنة بس
د. يحيى: ما انا عارف، أنا باقولك زى ما باقول دايما، إن البنت لما بتوصل يعنى 29 سنة بيقى دخلنا منطقة الحرج، فيه حرج داخلى عادة البنت ما تعترفشى بيه، وفيه حرج خارجى اجتماعى ممكن الأهل يقلقوا من ناحيته، ولا ده عيب ولا ده غلط، يبقى الزقة من حيث المبدأ مشروعة، لأنك جزء من هذا المجتمع المتحفظ، وانت عارف اللى بنكرره دايما إن الطبيب والد، يبقى الزق مشروع، إنما الاستعجال مش مشروع، إنت قدمت لنا الحالة دى قبل كده، قلت لك إنى أنا فاكرها، وتحديث الاستشارة حسب تطور الحالة جزء مهم جدا فى الإشراف وفى العلاج، حتى لو حانعيد الكلام، إنت فاكر اللى بنكرره عمال على بطال إن العلاج النفسى “وقت” و”توقيت”، time and timing وفى الحالة دى فيه، برغم التقدم الواضح فى مسيرة العلاج، فيه ما يستدعى نظرة أعمق وإعادة حسابات بحرص جيد، عندك هنا الرغبة الجنسية المثلية، ولو على مستوى الخيال، يمكن تشير إن البنت أصبح عندها شك فى قدرتها عمل علاقة حقيقية مسئولة مع الرجل، أى رجل، خصوصا بعد مسألة البرود والسيبان اللى قالته، إللى مرت فيها البنية دى مع خطيبها فى الخطوبة إللى اتفركشت، النقلات هنا مهمة: من خطوبة، لخيالات مثلية، للذة فى العمل، مع استمرار علاقة علاجية لمدة سنة بانتظام ، أظن إنت فى وقفة جيدة، وفى وقت مناسب إنك تعمل حاجة، ويمكن ده إللى بتسميه “زق”، وبتشك فى نفسك إنها فرجة أو حب استطلاع، ولا هوا حب استطلاع ولا حاجة، دى مسئولية طبيب أب معالج يا أخى.
إنت عملت عمل جيد، بس زى ما تكون هى سحبتك بعيد عن الجنس، وعن الشغل فى حقها فى إطلاق سراح مشاعرها الطبيعية فى الاتجاه الطبيعى، سواء بخيالاتها المثلية أو بنجاحاتها فى الشغل، فإنت حسيت بده، وعايز تزقها يمكن الناحية التانية قبل ما تشوف عمق المسألة، هل هى قبلت نفسها كأنثى لها رغبة جنسية رغم خبرة البرود الباكرة، ولا لأ، ثم إن البرود نفسه ممكن يكون إشارة إلى قوة حركية الجنس فى داخلها بما يحتاج معاه إلى “لأه” جامدة تظهر على شكل برود.
أنت عملت عمل جيد إنك نجحت تحافظ على علاقة علاجية بناءة، من غير ما تتوقفوا كتير عند حكاية الطرح transference وإنها تتعلق بيك بديل عن خيالاتها، وعن تصور برودها، الانتظام هنا فى العلاج مع التغير الطيب ده، حتى لو كان مجرد غطاء مرحلى، ده كله بفضل العلاج الجاد فعلا. يبقى من حقك بعد سنة تقول آن الأوان نخطى خطوة أوسع نحو الواقع، فتجيلك رغبة إنك تزقها ناحية قبول علاقة مع رجل بيتقدم لها، أو بيتعرف عليها كخطوة أولى، ده نوع من اختبار لمستوى تانى وصل إليه العلاج، وده أوانه حسب المعلومات اللى انت قلتها، بس هو برضه مسئولية زى أى مسئولية أب ناصح حريص على بنته، وفى نفس الوقت محترم لغتها، وبيعايش مراحل تغيرها أول بأول، سنة علاج منتظم ده وقت مش قليل فى السن دى، وانت جواك بيحسبها يمكن غصبن عنك، تجتمع الأبوة، مع المجتمع، مع التقاليد، كل ده هو اللى بيزقك مش انت اللى بتزقها عشان تتفرج، يا شيخ حرام تظلم نفسك.
فى نفس الوقت ما تخافشى من الكلام اللى انا قتله دلوقتى عن سن 29 اللى بعده بسنتين تلاقى البنت نفسها فى العقد الرابع، الحمد لله ما حدش بياخد باله إن 31 سنة هى بداية العقد الرابع، إنما رابع إيه وخامس إيه، لازم واحنا بنزق نبقى متطمنين فى نفس الوقت إن الفرص موجودة فى أى وقت، والبنات فى مصر دلوقتى بقوا مريّحين ، أنا مش عارف ليه، دايما بيقولوا إن فيه احتمالات أفضل، منين ما اعرفشى، بس لازم نحترم التغيرات اللى جارية فى المجتمع، الحسبة صعبة، بس حانعمل إيه.
د. أحمد على: يعنى أعمل إيه ؟
د. يحيى: الله!! ما انت عملت وبتعمل، إنت عايز تعمل إيه أكتر من كده؟ سواء إنت أو حساباتك اللى جواك عمالة توزن الأبوة والمجتمع والتقاليد والوقت فى ناحيه، وعمالة تحسب نضج البنت وجدعنتها ورؤيتها والتزامها الناحية التانية.
د. أحمد على: يعنى أستنى كده لحد إمتى؟
د. يحيى: لأ بقى، إنت مش مستنى ولا حاجة، أنا رأيى إنك تهدى اللعب شوية ضد خوفك الداخلى عليها، وضد حماسك الأبوى، واللى يطمنك هوا انتظامها، وشغلها، واختفاء الخيالات اياها، ولو ظاهريا، أظن دى كلها حاجات إيجابية، ولا إيه؟
د. أحمد على: بس انا قلقان برضه من حكاية ميولها الجنسية المثلية دى.
د. يحيى: أولا إقلق زى ما امنت عايز، لكن يا أخى مش يمكن يكون ده دليل على إن الكبت عندها ما عادشى بالعنف اللى جعلها بارده فى الأول، خصوصا إن الميول دى مجرد ميول، لم تختبر، ثم يا أخى مش احنا متفقين إننا ما نتحمسشى قوى للاستقطاب، وإننا نقبل الطبيعة البشرية بكل تاريخها، وبعدين نحاول ننظمها من خلال السماح والدعم والانضباط المنظم واحدة واحدة، مسألة الميول الجنسية المثلية مش ضرورى تبقى جنسية حاف كده، يمكن هى شكل من أشكال التعبير عن الحاجة إلى “موضوع”، إلى “آخر”، وما تنساش إن الخبرة الأولانية كان فيها إحباط وكلام من ده، مش يمكن الخيال قال لك يجرب نفسه الناحية التانية، يبقى الحركة مطلوبة حتى لو كان الموضوع – مؤقتا- مش هوه.
د. أحمد على: يعنى إيه ؟
د. يحيى: مش عارف أقول لك إيه، المهم إنت ماشى صح والسلام، ما هو إحنا لازم نقبل الطبيعة كلها على بعضها، وبعدين ننظمها، يعنى مثلا زى ما قلنا قبل كده: إنت تحب كل الناس، كل النساء، وبعدين تحب واحدة بالنيابة عن كل الحريم بالأصاله عن نفسها وبالنيابة عن كل الناس، شىء شديد الصعوبة، وغير مقبول إعلانه على مستوى الواقع، تصور كده لو بتقول لواحدة، “أنا باحبك بالاصاله عن نفسك وبالنيابة عن بقية نساء العالم”، فى الغالب حاتقلع اللى فى رجلها وتوضبك، بس نعمل إيه الصح صح، وادى احنا بنتعلم، وإذا فيه تحديث تانى ورابع، أدى احنا موجودين، حانروح فين؟
د . أحمد على: ربنا يسهل.