نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 10 – 1 – 2013
السنة السادسة
العدد: 1959
نواصل زيارة مكتبة الأستاذ (قراءة فى نفس الصفحة) الحلقة رقم (6)
ص 106 من الكراسة الأولى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
ودار ندامى عطلوها وادلجوا أَثْنى على الخمرِ بآلائها
وكانت في حياتك لى عظات
كل بيت(فاكره؟) (1) أو نصف بيت
(ك.غ) (2)
لنذكر الكتب التى شغلتنا عند القراءة
قصص بوليسية ماجدولين
وسيرانو دي برجراك تشارلز هارفى
ريدر هاجرد هول كين
الأيام لطه
ورفرفت أعلام سلامة موسى
اما الترتيب فقد مضى وانقضى
اما عند الترتيب
القرآن
الملاحم الشعبية
الف ليلة وليلة
مختارات الشعر العربى
ما ترجم من الاغريق والانجليزي
والفرنسى وغيرهما من الادب الغربى
ثم تجىء القراءة في اللغات الاجنبية
وقد قرأت ما قرأت بوجداني ولم ادرسه
نجيب محفوظ
القراءة:
غير معقول
صفحة واحدة تأخذ منا شهرا وبعض شهر!! إذن متى ننتهى؟
لا عندك، إنها ليست صفحة بل مكتبة!!
كنا قد توقفنا الأسبوع الماضى عند آخر سطر فى العمود الأول وفيه “الأيام لطه” ثم بداية من العامود الثانى فى نفس الصفحة حيث جاء ذكر “الديوان للعقاد“، ثم “ورفرفت أعلام سلامة موسى“، وبعد ذلك محاولة ترتيب القراءات.
دعنا نبدأ الآن بـ “الأيام لطه”
لاحظ لم يكتب الأستاذ طه حسين، أما العقاد فهو لم يكتب عباس، ولا عباس محمود، وبالنسبة لسلامة موسى لم يحدد عملاً به بالذات وإنما أعلن أنه قد “رفرفرت أعلامه”،
الذى وصلنى من هذه التلقائية عفو الخاطر وهو طابع التدريب، وهو قريب جدا مما وصلنى خلال معاشرتى له تلك السنوات الطيبة من عمرى، أنه يكِنُّ احتراما خاصا لهذا العقل الفذ، والفخامة البشرية التى يمثلها العقاد، فى حين أنه أقرب وجدانيا على حد تعبيره العام إلى “طه” هكذا فقط، وكنت فد تعلمت فى فرنسا أنه كلما ازددت قربا حقيقا من شخص ما خاطبته بانت Tu وليس انتم Vous ثم ترفع اللقب فلا تقول الأستاذ الدكتور فلان مثلا بل تقول فلان فقط وتناديه بـ “فلان” إن كنت تخاطبه، بل إن صديقا لى د. زميل فى مستشفى سانت آن فى باريس تشاجر مع زميلة لنا فى نفس المستشفى حتى الغضب واسمه هو “بيير بريتنى”، وإذا به فى ثورة غضبه يقول لها “: اسمعى أنا من الآن لن أناديك بـ أنت Tu بل بـ أنتم Je ne vous tutterai plus على ما أذكر (وعذرا للهجاء لضعف فرنسيتى)، حين يكتب شي اسمعى أنا من الآن لن أناديك بـ أنت خنا الأيام لطه.. تشعر أن طه هنا هو القريب إليه وبالذات فى هذه السيرة الذاتية الجميلة باسم “الأيام”، وإن كان لى عليها تحفظات لن أذكرها الآن، علما بأنها ليست لملاحظاتى هذه علاقة بأسلوبه الرائق الجميل الرصين السهل الممتع.
رجعت إلى كتابى فى شرف صحبة نجيب محفوظ أبحث عن ما ورد من الأستاذ فى ذكر طه حسين مصادفة أو بعد سؤال منى أو من غيرى فوجدت أن أهم ما جاء كان حول الزيارة التى رتبها أنيس منصور للتليفزيون للقاء طه حسين فى بيته، وما جاء فى حديثهم هناك عن العقاد، ففضلت الآن أن أشير إلى ما ورد فى هذه الصفحة عن العقاد قبل أن أعود إلى هذا الحدث والحديث.
ثم إنه كتب السطر الأول فى العمود الثانى “الديوان للعقاد”، فهو لم يكتب وجهة نظر العقاد فى نفسه وفى صورته وفى ثقافته كما جاء فى كتابه “أنا” مقارنة بالأيام لطه حسين السيرة الذاتية السلسلة الصادقة، وإنما ذكر ما كان العقاد يعتز به جدا مما اعتبره هو وعبد القادر المازنى وعبد الرحمن شكرى ثورة فى الأدب والنقد، وهو الكتاب الذى ألفوه مجتمعين (لست أدرى كيف) “الديوان فى الأدب والنقد” والذى صدر سنة 1921، وهو الذى يضم معالم الحركة التجديدية فى الشعر العربى خاصة وفى النقد وهى التى عرفت فيما بعد باسم “مدرسة الديوان” وظهرت فى النصف الأول من القرن العشرين وقد حُددت أهداف هذه المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: «وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق ما يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي».ومما تدعو إليه المدرسة التمرد على الأساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة، ونهجت هذه المدرسة النهج الرومانسي في شعرها.
ثم إنى رجعت إلى كتابى معه (فى شرف صحبة نجيب محفوظ) فلم أجد فيه ذكر للمازنى أو عبد الرحمن شكرى فلم أستطع أن أحدد موقفه منهما من خلال ما وصلنى مباشرة، لكننى وجدت أن العقاد جاء ذكره فى مناسبتين: الأولى وأنا أعقب على رأى كتبه محمد سلماوى على لسان الأستاذ فى الأهرام بتاريخ 20/4/95 والثانى عن مناقشتنا حول كتاب أنيس منصور عن العقاد.
نبدأ بالنبذة الأولى لعلها الأكثر مباشرة رغم قصرها النسبى:
من نشرة 18-11-2010 (الحلقة الخمسون – شرف صحبة محفوظ)
الخميس 20 / 4 / 1995 (حرافيش / سولو: دوتّو)
…………..
عرجت إلى حديثه هذا الصباح فى الأهرام عن العقاد، ورغم أنه كان موضوعيا كالعادة، فقد كان مجاملا رقيقا كالعادة أيضا، وأكثر، قلت له إننى أخشى عليه من فرط المجاملات هذه، كما أخشى حين يجمع سلماوى هذه الحوارات التى وصف من خلالها من عاصر وعاشر مِمَّن أحب وتابع ولو عن بعد، ثم أضفت: إننى أخشى أن تخرج هذه الأحاديث فى النهاية بأقل من قيمتها من واحد مثله كشاهد أمين ….. قلت له إن شهادته مهمة جدا للناس، لكنها – كما ظهرت – تبدو انتقائية، وانها تنتقى الإيجابيات دون غيرها، وتصر على المجاملات دون المؤاخذات، وهذا يضعفها بشكل أو بآخر، هز الاستاذ رأسه مليا ثم قال: إن هذه لقطات سريعة ومحدوده، وهى ليست نقدأ أو دراسة: لا للشخصية ولا لعمل بذاته، وموقفى الآن هو أن أظهر الإيجابيات أو الانطباعات الطيبة التى وصلتنى وتصلنى، وهى كثيرة وحقيقية دون مبالغة، وهذا لا يعنى بداهة إغفال أو إنكار السلبيات إن وجدت – وهناك غيرى يقوم بالإحاطة وإكمال الصورة بطريقة شاملة ومسئولة، ثم إنى لست ناقدا ولا مؤرخا لهذا أو ذاك، وأنا حين أنقد، وقد نقدت فعلا وكثيرا، أستعمل الأسلوب الذى أحذقه وأتقنه، وهو الرواية، فى زمن عبد الناصر نقدت ونقدت ونقدت، خذ عندك ميرامار، ثرثرة فوق النيل، وفى عهد السادات صباح الورد، وحب تحت المطر وكان نقدا شديدا وخطيرا، وكانوا فى السلطة، وهذا هو دورى النقدى وهو ليس مقصودا فى ذاته، لكنه حتما يظهر فى السياق الروائى، قلت له فأنت توظف الرواية للنقد، إذا عنَّ لك نقدا، وتكتفى بالمجاملة فى “الرأي” إذا طلب منك الرأى
قال بتواضع: تقدر تقول كذا (كده)
ثم أواصل الحديث عن العقاد وعن كتاب أنيس منصور، وشطحه، واستسهاله، وتجاوزاته، وأقول للاستاذ بعيدا عن ما ذكر فى الأهرام: إننى لاحظت أن العقاد كانت له سلبيات بلا حصر رغم موسوعيته وإحاطته وملاحقته للمنشور فى مختلف التخصصات، فيوميء الاستاذ برأسه متسائلا، فأكمل: إن أنيس منصور، مع حبه الشديد والبنوى لهذا الرجل العظيم، قد استطاع أن يشير إلى هذه السلبيات بشكل أو بآخر، بل إنه استطاع أن يكشف عن جوانب كثيرة من نسائياته دون أن يدخل فى التفاصيل، ودون أن يحرج ذكراه ودون أن يخفى الكثير على ما أعتقد، وأنا أعتبر هذا من أمهر مهاراته، ثم أضيف أننى أخذت على العقاد نقده لأبى نواس الحسن بن هانئ، فى حين سعدت بمالا مزيد عليه من قراءته النقدية لابن الرومى، وقد أسفت أن تصدى العقاد لمنطقة علمية طبية، هى منطقة اضطرابات الغدد الصماء، فأفتى فيها بما لا يُقبل من طالب طب فى السنة الثانية فى الكلية، ، وقد قلت لنفسى وأنا أقرأ للعقاد هذا الجزء فى كتابه الحسن بن هانى: إذا كان هذا هو شأنه وقد تجرأ على الطب هكذا، فمن يضمن لى أنه لا يفعل نفس الشيء فى الفلسفة والتاريخ؟
ويعقب الاستاذ بصدر رحب بأنه ربما كانت عقدة العقاد، نتيجة مبالغات تعويضية، بدأت بوجه خاص بعد أن رفض سعد زغلول (أو وزير المعارف العمومية فى وزارة سعد) أن يرسل العقاد إلى بعثة فى الخارج، ذلك أنه بعد أن حصل سعد باشا على عدد من المنح للبعثات باشتراطات شهادات محلية معينة وما إلى ذلك، ذهب العقاد وعرض أو طلب أن يكون أحد المرشحين، لكن الوزير اعتذر له باعتباره أن هذا يخالف ابسط قواعد المبعوثين بضرورة الحصول على الشهادة المحلية التى تؤهله لذلك، وأحس العقاد بالصفعة قاسية وأعتقد أن هذا الصد هو من أهم ما دفع العقاد إلى الانطلاق نهلا من كل مصادر المعرفة دون استثناء، وتعجبت للقصة، ولم أعلق.
ثم كان السطر التالى هكذا:
ورفرفت اعلام سلامة موسي:
ثم كما قلت فى المقدمة هو لم يذكر فى هذه الصفحة كتاب بذاته لسلامة موسى، لكننى أعتبر علاقته بسلامة موسى علاقة تحتاج أسفارا لتسجيلها، وما وصلنى هى أنها كانت علاقة عرفان واحترام وتقدير وحب معا، ومع ذلك فحين عدت إلى كتابى “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” لم يأت ذكر سلامة موسى – وهذا بسبب تقصيرى غالبا- والعجيب أن ما وجدته كان فيه ذكر العقاد مصادفة فقد جاء فى نشرة 25-11-2010 العدد: 1182 الحلقة الواحد والخمسون الجمعة 21 / 4 / 1995 جاء ما يلى:
“….. ثم عاد الحديث إلى كتاب العقاد عن سعد زغلول فأثنى عليه الاستاذ ثناء حسنا، وقال إنه من فرط إعجابه به أثناء صدوره كتب (أظن فى الاهرام) يقترح أن يقرر هذا الكتاب على الطلبة فى المدارس، فاستدعاه سلامة موسى فى مكتبه وقال له: ما هذا الذى تكتبه وتدعو له، نحن ما صدقنا (أو أنت ماصدقت) أنك أصبحت موظفا لك مرتب، هل تريد أن تجد نفسك فى الشارع غدا؟ وسألته من أى موقع قال لك سلامة موسى هذا الكلام؟ فقال: أبدا من موقع النصيحة والخبرة الأعمق بطبيعة الجارى.
وأنا أعترف أن علاقتى شخصيا بسلامة موسى (كقارئ) علاقة محدودة وناقصة وإن كنت مازلت أذكر كتابه “هؤلاء علمونى” وهو من سلسلة أقرأ (دار المعارف – 1985)، وأعتقد أن ما كتبه عن: داروين … عار العائلة – فردريك نيتشة … فتنة الشباب، وربما هربرت سبنسر كانت بداية انتمائى لفكرى التطورى.
نشر سلامة موسى لنجيب محفوظ في مجلته “الجديدة” اول مقال له “احتضار معتقدات وتولد معتقدات” في تشرين الاول (اكتوبر) 1930. ولما عُطلت المجلة شهوراً، اتجه نجيب محفوظ إلى صحف أخرى. ثم عاد فنشر في “الجديدة” في 1934 مقاله الثاني “ثلاثة من أدبائنا”. وتوالت بعد ذلك مقالاته في “الجديدة”، خصوصاً خلال السنوات 1935 وما بعدها.
وكان سلامة موسى نشر لنجيب محفوظ في 1932، اول كتاب مترجم له هو “مصر القديمة”. وفي بعض أحاديث نجيب محفوظ عن كتابة الرواية، اشار الى ان سلامة ذكر له “ان الرواية حس ادبي لا يصلح في اللغة العربية. وذلك لأن للمرأة دائماً دوراً رئيسياً في اي رواية، في حين انها لا دور لها في الحياة المصرية”. وعقب نجيب محفوظ على ذلك بقوله إن سلامة موسى ظن لهذا السبب أن الرواية “فن يناسب الغرب.
وفي 1934، نشر سلامة موسى لنجيب محفوظ أول قصة قصيرة في مجلته “الجديدة الأسبوعية” ثمن الضعف. وفي 1939، نشر له أول رواية مؤلفة “عبث الأقدار”.
ويقول إبراهيم عبد العزيز في كتابه عن نجيب محفوظ “أساتذتي” على لسان نجيب محفوظ: اذكر الآن أول رواية نُشرت لي، فتتعالى دقات قلبي. لو أنني املك قوة البعث، لبعــثت حياً ذلك الرجل العظيم الذي نشرها لي، وأثر عليّ، وعلى جيل بأكمله.
ويضيف نجيب محفوظ:
“عشر سنوات كاملة، كان سلامة موسى هو الراعي والمربي، والناقد الأدبي لي. نشر لي مقالاتي وأنا في الثانوية، ثم وأنا في الجامعة. عشرات المقالات، وكتاباً مترجماً، وأولى قصصي، وأولى رواياتي.
“إنه أستاذي العظيم. من النادر في الماضي أو الحاضر، أن نجد رجلاً مثله، يكتشف الموهبة، ويواكب نموها بالرعاية الكاملة، حتى تُعطي ثمارها. ومن النادر كذلك أن تجد مثل هذه الأخلاق الرفيعة، التي كان عليها”.
ومن مقدمة للأستاذ رءوف سلامة موسى من دورية نجيب محفوظ العدد الأول ديسمبر 2008)
“بدأت علاقة نجيب محفوظ بسلامة موسى عندما اصدر الاخير مجلته “الجديدة” في 1929، بعد تركه تحرير “الهلال”. فقد أرسل نجيب محفوظ اشتراكاً في “الجديدة” وكتب لصاحبها يُبدي اعجابه بها، ورغبته في الكتابة فيها. فكتب له سلامة موسى يشكره، ويدعوه الى زيارته. وبدأ نجيب محفوظ يتردد على منزل سلامة موسى، حيث إدارة مجلته، وينشر فيها مقالاته التي اطلق عليها اسم “الفلسفية”.
وبعد
أظن أننا نستطيع الآن أن نفهم كيف “رفرفرت أعلام سلامة موسى” على وعى شيخنا وهو يقلب فى مكتبته، هذه الصفحة الرائعة التى لا تريد أن تنتهى.
وإلى الأسبوع القادم فى نفس الصفحة نتكلم عن الترتيب.
“ولم أعرف وربما لن أعرف على أى أساس جاء هذا الترتيب، لكننى حين راجعت السطر الأخير الذى سبق أن علقت عليه بمناسبة عملى الحالى فى الإدراك والوجدان وهو السطر الذى قال فيه: “وقد قرأت ما قرأت بوجدانى ولم أدرسه” رجحت أن هذا الترتيب قد يكون بناء عن عاملين معا هما: الترتيب حسب الأقرب إلى وجدانه وايضا الترتيب حسب مدى الأثر الذى تبقى أو ترسخ فى طبقات وعيه”.
وهذا ما سوف نفصله الأسبوع القادم.
[1] – من الآن سيكون ما بين قوسين ملحوقا بعلامة استفهام، يدل على كلمة لست متأكد من قراءتى لها لكنها الأرجح وفى انتظار رأى آخر.
[2] – وسوف يكون رمز (ك . غ) مقصود به “كلمة غير مقروءة” أو “كلمة غامضة”، ومطلوب ممن يستطيع من الأصدقاء الإسهام فى فك طلسمها أن يرسل لنا ما يرى، مع الشكر.