الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / تعتعة الوفد ومازال نجيب محفوظ يعلمنا (9) المسلم الحقيقى مسئول عن كل “الناس”

تعتعة الوفد ومازال نجيب محفوظ يعلمنا (9) المسلم الحقيقى مسئول عن كل “الناس”

نشرة “الإنسان والتطور”

8-4-2012

السنة الخامسة

العدد: 1682

تعتعة الوفد

ومازال نجيب محفوظ يعلمنا (9)

المسلم الحقيقى مسئول عن كل “الناس”

أواصل قراءة ما خطه نجيب محفوظ بيده وهو يدربها يوميا ليعود للكتابة بعد ما حاول الجناة أن يحرمونا من عطائه، فأبى الله إلا أن يحفظه ليواصل إبداعه وهو يعيد تشكيلنا ونحن نلتف حوله، ثم لا يكفيه ذلك فيواصل التدريب على الكتابة يوميا ليرجع إلى إبداعه الأول، ويترك لنا مئات الصفحات من محاولاته اليومية، فأواصل أنا قراءتها كل خميس فى موقعى منذ أكثر من عام، وحين وصلت إلى صفحات 67، 68، 69، لم أجد عندى ما أضيفه إلى ما سبق أن قرأته بالنسبة لسورة الفاتحة وسورة الإخلاص صفحتا 67، 68، حيث وجدت أنه كتبهما من قبل وأنى استلهمت منهما ما استلهمت من تداعيات، فأكتفيت بإطلاق تداعياتى من “سورة الناس” (ص 69)، انطلاقا من علاقة محفوظ “بالناس”، كل الناس.

وجدتنا أحوج ما نكون إلى قراءة هذه السورة الكريمة معه هذه الأيام، ونحن نتذكر كيف أن هذا الرجل عاش بالناس وللناس، وأن حكامنا نسوا الناس والله فأنساهم أنفسهم، ثم ها هم الذين ولاّهم الناس علينا مؤخرا يكادون ينسون الناس لا قدّر الله، وكما اعتدت أن أرى فى تدريباته قمة جبل الوعى أستلهم منها ما يتداعى لى، أو ألمح خطوط سحابة الوعى أستستقيها حتى تمطر علىّ رذاذها، رجعت إلى سورة الناس، أتعرف على الكلمة والمضمون والرسالة والحل من خلال كتابى العظيم، القرآن الكريم، وأنا أتصور أن شيخى ما كتب هذه السورة فى هذا اليوم إلا وهو فى هذا العالم المحاط بالناس ، كل الناس، وربنا يذكرنا أنه رب الناس،ملك الناس، إله الناس.

كتبت استلهاما من صفحة التدريب هذه ما يلى:

يبدو أنه من خلال قراءتى لصفحات التدريب هذه سوف أعيد تعرفى على مزيد من إشراقاتٍ كتابى العظيم: القرآن الكريم، إشراقات لم تخطر على بالى من قبل، وإذا بشيخى يدعونى إلى مائدته فأعيد النظر فيها فتشرق بشكل جديد بفضله وفضل الله، هذه سورة الناس، تدعونى إلى تذكر علاقة محفوظ بالناس، وأقتطف حرفيا ما جاء فى كتابى تحت النشر “فى شرف صحبة نجيب محفوظ” فى أول زيارة له قمت بها وهو مازال فى مستشفى الشرطة بعد الحادث.

روشتة “الناس”

(16 نوفمبر 1994)

………..

‏ ….. ‏سألنى ‏العميد‏ ‏د‏. ‏الحسينى‏، ‏ألا تنصح بعقار معين ‏‏أو‏ ‏إجراء‏ ‏معين‏؟، ‏فأخبرته‏ ‏بعد تردد: إن‏ ‏أستاذنا‏ ‏عاش‏ ‏طول‏ ‏عمره‏، ‏يتزود‏ ‏بجرعة‏ ‏محسوبة‏ ‏من‏ “‏الناس‏” ‏الأوفياء، ‏‏ومن‏ ‏عامة‏ ‏الناس‏، ‏وأن ما‏ ‏يعانى ‏منه‏ ‏الآن‏ ‏هو‏“‏فقر‏ ‏ناس‏ علينا أن نحترمه ‏كما‏ ‏نتكلم‏ ‏عن‏ ‏فقر‏ ‏الغذاء‏، ‏وفقر‏ ‏الفيتامينات‏ … ‏الخ‏، ‏

ابتسم‏ ‏د‏. ‏الحسينى ‏وقال: ‏هل‏ ‏نضيف‏ ‏له‏ ‏على‏ ‏التذكرة‏ ‏جرعة‏ ‏معينة‏ ‏من‏ ‏الناس‏؟ عدد كذا من الناس ثلاث مرات يوميا مثلا؟ وضحك.

 ‏أخذتُ ‏ ‏ضحكته‏ ‏مأخذ الجد، وقلت له: ‏هذا‏ ‏بالضبط‏ ‏ما‏ ‏يحتاجه‏ ‏أستاذنا‏.

‏…. (وكانت) المستشفى ‏قد أصدرت القرار المعتاد فى مثل هذه الظروف بمنع الزيارة ‏إلا‏ ‏على‏ ‏الأهل‏ ‏وبعض‏ ‏الأصدقاء‏ ‏الذين‏ ‏بالغوا‏ ‏بدورهم‏ ‏فى ‏عدم‏ ‏الزيارة‏ ‏حرصا‏ ‏على‏ ‏راحته‏، ‏ولكنى أدركت، ثم تاكدت، مدى افتقاره للناس، وأنه لا شفاء له إلا باالناس مع الناس: ‏فكيف‏ ‏السبيل‏؟

‏قلت‏ ‏للدكتور‏ ‏الحسينى‏، ‏نضبط‏ ‏جرعة‏ ‏تعاطى ‏الناس‏ ‏الطيبين‏، الذين يدركون من هو، وكيف، ونبدأ بالأحوج إليهم فالأحوج، نضبط ذلك بجدول: ‏بالاسم‏ ‏والساعة‏ ‏يوميا‏،

‏وقد‏ ‏كان،

…………..

‏اتصلت‏ ‏بجمال‏ ‏الغيطانى ‏وأخبرته‏ ‏بالوصفة‏ ‏التى ‏وصفتها‏ ‏للاستاذ‏، ‏وهى ‏جرعة‏ ‏كافيه‏ ‏من‏ ‏البشر‏” ‏…..‏، ‏واتفقنا‏ ‏على ‏جدول‏ ‏بسيط‏ ‏محكم‏،….

“…اتصلوا بى من المستشفى، وأبلغونى أنه‏ ‏قد تم‏ ‏تنفيذ‏ ‏تعاطى جرعة‏ ‏الناس‏ كما أشرت (‏تقريبا‏). ذهبت واطمأننت … الحمد لله”.

وظللنا نحيط به يوميا، ممثلين للناس، وهو لا يستغنى بنا عن الناس، فراح يدرب يده يوميا ليعود إلى الناس مبدعا حتى نجح برائعته “أحلام فترة النقاهة”، بفضل تدريبات هذه الصفحات بين يدىّ الآن.

ما تحت قمة جبل الوعى

خطر لى أن شيخى حين يحضر الناس فى وعيه، يحضرون مع رب الناس ملك الناس إله الناس، وهذا ما دفع بهذه الصورة الكريمة إلى أعلى جبل الوعى فى هذا اليوم،  رجعت إلى القرآن الكريم، وإلى سورة الناس، فإذا بى أمام تشكيل جميل وربنا سبحانه يقدم لنا موقعه من الناس وموقع الناس منه وأنه “ربهم” و”ملكهم” و”إلههم”، ونتوقف لنتأكد من أنه لا تكرار ولا ترادف، بل تأكيد وتوثيق.

ثم إنى فعلت ما لا أحب أن أفعله عادة، فكانت المفاجأة كالتالى: رجعت إلى كلمة “الناس”  وورودها فى القرآن الكريم ضد مقاومة شديدة، فأنا أرفض هذه المقارنات الكمية الرقمية بكل إصرار، ومع ذلك فعلتها، ورحت أقارن بين عدد مرات ورود كلمة “الناس” فى مقابل عدد مرات ورود كلمة “المؤمنون”، و”المؤمنين” وأيضا “المسلمون”، و”المسلمين” فوجدت التواتر كما يلى : عدد كلمة “الناس” 118 مرة،  وكلمة “المؤمنين” 86 مرة، وكلمة “المؤمنون” 29 مرة، وكلمة “المسلمين” 11 مرة، وكلمة “المسلمون”  مرة واحدة، يا خبر !! ما دلالة ذلك يا ترى؟ رفضت بسرعة أن أخرج من ذلك بأية نتيجة سطحية شكلية، لكننى لم أستطع أن أمنع نفسى من الرجوع إلى بعض فروضى المتعلقة بمسألة كيف يكون “الإسلام هو الحل” لكل الناس، وليس للمسلمين فحسب، طبعا مجرد ورود كلمة الناس بهذا التواتر (118 مرة) مقارنة بكلمة “المسلمون” مثلا (مرة واحدة) لا يعنى أى تفضيل لعامة الناس عن المسلمين، لأن المسلمين ناس أيضا، لكنهم ليسوا كل الناس، فتفرع من فروضى فرض جديد يرجح أن القرآن الكريم نزل إلى الناس جميعا وليس إلى المسلمين خاصة، وأنه يخاطب كل الناس قبل ودون أن يعلنوا إسلامهم، فهذه قضية أخرى، وأنه تكليف ضمنى لمن تمتعوا بنعمة الإسلام أن يحملوا هم كل الناس، (ربما بنفس نسبة التواتر التى وردت فى القرآن الكريم) القرآن  يدعو كل  الناس للهداية، بل وللعبادة (وللحج كممثل لجمع الناس من كل فج عميق) كمثال “وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ” (سورة الحج الآية 27) وأيضا  “وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ …” (سورة التوبة الآية 3)، (وقد وصلتنى البراءة من المشركين من المسلمين وغير المسلمين فالشرك أخفى على النفس من دبيب النملة) بل إننى تماديت فى تدعيم الفرض القديم الذى لاح لى بأن من يحتكر الجنة لفصيله، أو أهل دينه، قد يكون قد تجاوز حقوق الله حين قرأت هذه الآيات الكريمة بإطلاق معناها وهى تقول : “قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ” (سورة البقرة الآية 94)، ثم يحضرنى الأصل الموحد للناس ، وأن اختلافهم هو طبيعة بشرية ليلتقوا من جديد نحو خالقهم من الآية الكريمة

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ….” (سورة النساء الآية 1)

إلى آخر ما جاء فى معظم ما وردت فيه كلمة الناس

وبعد

هذه مجرد عينة، أرى أنها قد تسمح لى بالعودة إلى توضيح ما أفادنى به  هذا الفرض وهو يقول: إن القرآن الكريم نزل للناس وليس للمسلمين فقط، وإن خطاب رب العالمين فيه وبه، هو للناس قبل وبعد أن يكون للمسلمين، وبالتالى فالمسلم  هو مسئول عن كل الناس عبر العالم (أى والله عبر العالم) وليس فقط عن المسلمين، قيل وكيف يمكن ذلك؟

الحادث الآن عبر العالم أن الناس أصبحوا أكثر قدرة على التواصل، وفى نفس الوقت، أكثر حرية فى الاختلاف، والحادث أيضا هو أن قوى الخراب والانقراض والتكاثر والاستعلاء، تلك القوى المالية المفترسة، أصبحت أقل اهتماما بالناس، عامة الناس عبر العالم، بل أصبحت أكثر استعمالا لهم، واستغلالا لطاقاتهم ومواردهم خالصة لهم من دون الناس، فتكون مهمة المسلم، وهو يستلهم كتابه، أن يشارك بكل فطرته السليمة، وحسابات إنجازاته العملية الواقعية الاقتصادية المتحدية، فى إنقاذ الناس ممن يشوه فطرتهم، وينفيهم بعيدا عن حقوقهم التى خلقهم الله بها، أقول على المسلم أن يستلهم من دينه حلا لمواجهة كل ما يحاك للناس، ولا يركز على زيادة التباهى بالألفاظ، أو حتى على زيادة عدد المسلمين بضعة مئات أو آلاف هنا وهناك، لأنه سيلقى أمام الله مسئولا عن من أسلم ومن لم يسلم، على المسلم أن يملأ الوقت بما هو أحق بالوقت، وهل هناك أحق بالوقت من زيادة ما ينفع “الناس” (وليس المسملين فقط) ويمكث فى الأرض؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *