نشرة”الإنسان والتطور”
24-6-2010
السنة الثالثة
العدد: 1028
الحلقة التاسعة والعشرون
الثلاثاء: 7/2/1995
لم يعد الثلاثاء يومى، لكن يبدو أنه أصبح من الصعب علىَّ أن يمر يوم دون أن أرى الأستاذ، أعفانى الأستاذ من الانتظام يوميا، أصدر فرمانا بذلك بطريقته، حرصا منه ألا أهمل عيادتى، ومع ذلك لم ألتزم تماما بأوامره، اليوم الثلاثاء، لم يعد يومى إلزاما، مررت عليه فى ”فرح بوت” كانت الثلة مجتمعه بكاملها رغم رمضان، بالإضافة إلى أ.د. إبراهيم كمال، وهو استاذى (أمراض نسا) وابنه م. محمود كمال، أحد أفراد الجناح الرأسمالى لجماعة العوامة، وقد استقال من هيئة تدريس كلية الهندسة ليتفرع لمصنعه وأعماله. وحضر واحد اسمه “يحيي” على ما أذكر مدير توزيع فى الأخبار، وكان يحيى هذا يذيع الأخبار بطريقته، إلا أننا، مع الأستاذ، كنا قد اعتدنا على إذاعه يوسف القعيد، فتوجه أحدهم إلى يوسف، وطلب منه أخبارا طازجة بطريقته الفوقية الساخرة عادة، وقال: “والآن سيداتى سادتى تسمعون نشرة أخبار يوسف القعيد السرية، أما صفة السرية، فلأننا عادة كنا نعتبر يوسف عالما ببواطن الأمور بطريقته أيضا.
قال عماد العبودى ملحة وهى أن أحد المصريين الطيبين أراد أن يرسل خطابا إلى أخ له كان يعمل معه فى ليبيا، فكتب على العنوان “إلى فلان” بالجماهيرة العربية الاشتراكية الليبية القومية المتحدة…، بجوار مرسى مطروح.
وضحك الأستاذ.
ولم أضحك.
ذكر جمال الغيطانى أن خطابا من د. صفر (لا أعرفه؟) بالاسكندرية وصل إليه للنشر فى أخبار الأدب ردا على عادل حموده الذى كتب فى روزاليوسف مقالا يهاجم فيه الأستاذ بعنوان “نجيب محفوظ، لقد خذلتنا”، وذلك بمناسبة رفض الأستاذ إعادة نشر أولاد حارتنا فى مصر (أو تأجيل النشر)، وحين هم يوسف أن يقرأ المقال بنفسه، قال الأستاذ “لا داعى مادام جمال سوف ينشره”.
الأربعاء 8/2/1995
اليوم هو يوم حضور الأستاذ إلى منزلى مرة أخرى (قبل أن نستقر على تخصيص يوم الجمعة لبيتى)، كم هو شرف متجدد بحق، الحمد الله، تجرأت ابنتى أن تطلب منى، ثم منه أن تأخذ معه صورة، قالت له وهى تستأذن شاكرة “تشرفنا” فإذا به يرد بمنتهى الصدق والطيبة بل نحن الذين تشرفنا، الأستاذ نجيب محفوظ شخصيا يتشرف بأخذ صورة مع ابنتي، ما الحكاية؟ لا يمكن أن يكون الأمر بهذه الصورة تماما، الوحيد الذى ينسى تماما (تماما) أنه نجيب محفوظ هو نجيب محفوظ، أقارنه بفلان وعلان ولا أجد أى وجه شبه للمقارنة أصلا، نقيض مطلق، أفراد ليس عندهم إلا ذواتهم، وأفراد شبعوا ورضوا وليس عندهم إلا الناس يرون فيهم ذواتهم الممتدة بهم، لا ذواتهم المحصورة فى أدمغتهم.
حضراللقاء للمرة الأولى د. أحمد تيمور الشاعر الطبيب الذى له وعليه، وكان يصحبه ” نعيم صبري” أحد زبائن “فرح بوت” وهو شاعر قاص مهندس وكان معهما د. أحمد عبد الله، أحد تلاميذى وصديق د.تيمور، كذلك حضر يوسف عزب، ورجل الأعمال (صاحب سلسلة أدريانى) ومعه ابنه.
بدأتُ الحديث بالإشارة إلى مقالة هويدى أمس الثلاثاء فى الأهرام التى أشار فيها (دون ادعاء تلخيص) إلى كتاب على عزت بيجوڤيتش المعنون باسم “الإسلام بين الشرق والغرب”، قلت للأستاذ: أود أن أذكر أنى اكتشفت وجه شبه بين شطحاتى الإسلامية التى يعترض عليها محمد إبنى وبين هذا الكتاب الذى كتبه بيجوڤيتش منذ عشرين عاما والذى كاد ينساه بعد ذلك، فهو قد أقر أنه لا يعطيه الأهمية التى نستقبله نحن بها الآن، بعد أن وجد نفسه فى بؤرة مستنقع السياسة والحرب، رئيسا لدولة تنهار قبل أن تتكون، لقد سمحوا للبوسنة أن تستقل حتى ينقضوا عليها بسهولة ونذالة، قلت للأستاذ تصورى على الوجه التالي:
أولا: أعتقد أن الذى أعان على عزت على أن يكتب هذا الكتاب المتميز هكذا هو أنه لا يعرف، أو لا يتقن العربية، وبالتالى فقد كان أكثر تحررا من “النص” بصورته الجامدة كما يصر أهل الاختصاص على فرضها (وذكرت ملاحظة هويدى أن الكتاب قليل الاستشهاد بالنصوص).
ثانيا: إن عقل الكاتب ترعرع فى رحاب الغرب، ورغم أنه عاش أغلب أيامه فى بلد شيوعى قاهر، إلا أن التركيبة الغربية للحرية هى التى كانت تكمن وراء قدرته على رؤية الإنسان الحر والإسلام الحرية، واعتقد أن هذا هو حال كل منشق عاش وراء الستار الحديدي، بل إن مثل هؤلاء الناس يتمتعون بأحلام ورؤى للحرية الغربية أكثر بكثير من الذين يمارسونها فعلا فى الغرب، ويكتشفون عيوبها مواجهة.
ثالثا: إن بيجوڤيتش حين كتب الكتاب راح يجمع كل ما هو خير وحركة وتكامل فيما رآه إسلاما، فكان فردا صادقا، ومنظِّرا جيدا وفيلسوفا وشاعرا كما وصفه هويدى أيضا .
رابعا: إن بيجوڤيتش حين اخُتبر ليضع أفكاره موضع التنفيذ، غامر بما هو كما هو، فوجد نفسه فى مستنقع الدم والتعصب والتطهير العرقي، بل إنى اعتبره مسئولا بدرجة ما عن ما لحق بناسه وشعبه، حين شطح وتصور أنه، بشاعريته وحسن نيته – يستطيع أن يقيم دولة من المسلمين لا يبلغ فيها المسلمون أكثر من 45%، وهذه هى المصيبة حين يتولى شاعر أو فيلسوف تطبيق أفكاره، ثم أضفت أنى أتصور أنه لو عاش المسلمون فى البوسنة مع حكم ذاتى معقول، فى إطار حتى دولة صربيا الكبرى لأخرجوا مئات من أمثال على عزت بيجوڤيتش مع احتمال اشراق كافٍ لإنارة الصرب نحو الحق بدلا من فصل المسلمين ومن ثم إبادتهم بهذا الإنتحار الذى يجرى.
ضبطت نفسى وأنا أتحدث كأننى أتحدث عن إسلامي أنا، وانبه نفسى ضمنا بالعزوف عن الأمل فى تحقيقه على أرض الواقع، ليس فقط بواسطة المسلمين المتطرفين، ولا حتى بواسطة المسلمين المعتدلين، ولكن أيضا ويقينا ليس بواسطتى أنا شخصيا لو أتيحت لى الفرصه، لاحظت فرحة محمد يحيي، باعلانى بعض هذا بعد ما طلب منى، أطرق الأستاذ صامتا بما جعلنى أكمل: “إن أفلاطون حين رسم جمهوريته وحلم بتحقيقها فشل فشلا ذريعا، وحين دفع أرسطو الإسكندر الأكبر ليكون ممثل فكره ومحققه على أرض الواقع فشل أيضا، ويبدو أن الفكر والشعر والفلسفة وحتى الإيمان على مستوى الفرد، هم شيء آخر مختلف تماما عن التطبيق الجماعى على أرض الواقع.
شمت محمد ابنى فىّ أكثر فأكثر، وقد كان يشك طول الوقت فى تنظيرى الخاص، ويتوقع أننى سأتراجع عن حماسى قبل أن أكمل حديثي.
أطرق الأستاذ وقال “.. سمعت عن أحد أفراد الدولة العباسية – لا أذكر من هو تحديدا – أنه كان يكثر من قراءة القرآن، وحين جاءته الخلافة نظر مليا فيما حوله وما ينتظره وما عليه، وأغلق القرآن ولم يعد يقرأه وذهب يدير أمور حكمه، ثم أضاف “… إن هذا لا يعنى أن هناك تناقض بين قراءة القرآن تعبدا واستلهاما، وبين إدارة الحكم، مصالحاً والتزاما، وصلنى من إشارة الأستاذ أن الفرد يقرأ كلام الله ليوازن به نفسه ويصقل إيمانه، أما الحاكم المسئول فهو يجد نفسه أمام إيقاع يومى واقعىّ متغير، وهو بحكم موقعه مكلف برعاية مصالح ناس بلا حصر وحل مشاكل متنوعة بلا حدود، وكان محمد ابنى مازال متحفزا ينتظر تراجعي، وقد كان، فمضيت أقول: ومع كل ذلك فأنا لا أملك إلا رؤيتى أدافع بها عن إيماني، وأحلم بتحقيقها، ولا أجد لها اسما آخر غير الإسلام”
قال محمد هذا ما توقعته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
غيرت الموضوع بمناسبة الحضور الجدد، خاصة أنهم لم يشاركونا نفس الحديث فى المرات السابقة، قلت للأستاذ: “… ننتهز فرصة وجود المثقفين بيننا لنعرف رأيهم فى موقف الإبداع لو ساد هذا الحكم الإسلامى المغترب” أنكر د. أحمد تيمور وكذلك نعيم صبري، أنهما مثقفان، فتواتر المزاح فى هذا الإتجاه، ورغم عزوفى عن فكاهة القافية إلا أن الأستاذ يحبها كشأن أولاد البلد جلوس المقاهي، فصالحتها حبا فيه، وقلت إذا كانت كلمة “مثقف” -ولا مؤاخذة- لا تعجبكم – فنحن معنا شعراء، ملتزمون “بوزن” الأمور، فقال د.تيمور مكملا: إذن نحافظ على الوزن “بَلَا قافية”… وضحك الأستاذ رائقا، وخجلت من سخفى.
عدنا إلى تعريف المثقف وكان الأستاذ قد سبق أن ذكر له تعريفا بناء عن تساؤلى فى أوائل خروجى معه، لا أذكر إن كنت قد سجلته فى هذه الكتابة أم لا، وحين سألت الأستاذ عنه من جديد لم يذكره، ولم يحاول التعريف ثانية، حاولت أن نذكره فجاءنى أقرب إلى رؤيتى أو رأيى، حيث ذكرت أنه لم يركز على المعلومات بقدر ما أشار إلى علاقة من هو مثقف باستيعاب الوعى العام أو شيء من هذا القبيل، قلت ساخرا، لقد أصبح المثقف هو المعقلن الذى ينجح فى الانفصال عن نبض الناس وعن الوعى العام “أضاف الاستاذ مازحا “وفى نفس الوقت، ينشر آراءه لتحرير الفكر”
ثم سرى لمز حول سعد الدين وهبه ورابطة المثقفين التى تكونت حديثا لتحرير الفكر، فأضاف أحدنا ساخرا: إنه يشترط فى العضو فيها أن يكون فكره غير محرر!! حتى تساهم الرابطة فى تحريره .
وضحك الأستاذ!!
ثم جرى نقاش مؤداه أنه إذا قُُهر الفكر فى مجتمع إسلامى (أو غير إسلامى)، فقد تقل فرص النشر، ولكن ذلك قد يعوَّض بمزيد من فرص الحوار المباشر ونشاطات الشلل الصغيرة المتعددة، واللقاءات الخاصة مثل هذا اللقاء الذى نحن فيه، فلا أحد يستطيع أن يقهر فكرا طول الوقت لكل الناس، وسوف تتراكم آثار هذه اللقاءات وهذا النوع من “الإبداع الشفاهى” تمهيدا لثورة مناسبة تعدل الأوضاع وتطلق حرية الفكر منشورا كما نعرفه هذه الأيام أو بالأسلوب الذى يليق بعصره حينذاك. شبهت هذه التجمعات الصغيرة بما يجرى فى اليمن من العصر حتى العشاء أو بعدها، من تجمعات بعد القيلولة، ولذا تسمى “المقيل”، وأن هذه التجمعات تحافظ على حركية رأى عام سياسى بشكل تلقائى، برغم أنها تجمعات اجتماعية ثللية ودود، لا أكثر. أطمأننا إلى هذا الحل، واستشهد الأستاذ بانتشار شعر بشار والحسن بن هانى فى عز الحكم الإسلامى والمنع الشرعي، ووسط هذه الطمأنينة شبه الكاملة، عاد الأستاذ يتساءل عن مزيد من الإيضاح عن تجمعات اليمن هذه، فيسميها د. رفعت محفوظ ” المقيل السياسى”، ويتمادى الأستاذ فى حب استطلاعه ويسأل المزيد أكثر، فحكيت له كيف أنه فى صنعاء وحدها يعقد يوميا حوالى 15000 مقيل للرجال على ما أذكر وعدة مئات للنساء، وأن المقيل يستغرق ثلاث ساعات يوميا، وأنه تجرى فيه كل الحوارات على كل المستويات حول القضايا الساخنة حسب مستوى الحضور بما يعتبر تحريكا ديمقراطيا شعبيا هائلا طول الوقت، بغض النظر عن النشر أو التوظيف المباشر، وبالتالى فإنى أطمئن لنفسى أنه لو حدث قهر من الذى نتصوره نتيجة لحكم إسلامى قادم، فقد يلجأ الناس إلى مثل هذه الحلول الشخصية حفاظا على أنفسهم وانتظارا للانتفاضة التالية (وربما الثورة)،
فجأة قاطعنا محمد يحيى مغيظا، “.. هل هذا تبرير للإستسلام؟”، فأرد!! وهل عندك بديل غير الاستسلام، إننا نتكلم عن توقع لم يعد هناك شك فى احتماله نظرا لقوة شيوعه، ثم إن الاستسلام الواعى ليس بالضرورة هزيمة مطلقة، بل لعله ذكاء مناسب تمهيدا لنصر قادم”
ويقرأ أحمد تيمور قصيدة جيدة للأستاذ فى الاستاذ:
فيعقب الأستاذ عليها أنها قصيدة رقيقة ويمكن أن تلحن وتغنى فيقول أحمد تيمور إن الدكتور سيد الرفاعى – صديقه وتلميذى الذى سبقت الإشارة إليه فى نشرة 6-5-2010 (الحلقة الثانية والعشرين الخميس “16-1-1995”) وسوف يحضر الليلة – قد وعد أن يلحنها أو لعله لحنها بالفعل، ويلقى أحمد تيمور قصيدة أخرى من وحى الثلاثية، والحرافيش يذكر فيها خديجة وياسين وعاشور الناجي، ويفرح الأستاذ به، ويحضر د. سيد الرفاعي، متأخراً وبعد التحيات والترحيب يسارع بإمساك عوده ليغنى للأستاذ أغنية أعرف أنه يحبها “يا حلاوة الدنيا يا حلاوة، يا حلاوْلَوْ، يا حلاوة”، أكتشف أن الأستاذ – رغم علو الصوت واقتراب العود – لا يميزها جيدا، وأتذكر قول توفيق صالح أنه لا يميز إلا ما يحب من أغانى الشيخ سيد وبالذات “سالمة يا سلامه” و””أغنيه عن العمل والعمال.. ويسأل الأستاذ فى ذلك فيقول: ”إن طبيب الأنف والأذن لم يستطيع أن يفسر له هذه الظاهرة بالذات، ظاهرة أنه يسمع ما يحب فقط
وتحضر د. إجلال رأفت زوجة د. حلمى نمر، حماة محمد وتشارك فى الجلسة بطيبة وحب، وعلى رجلها حفيدتها / حفيدتى، وتصبح الجلسة مزدحمة، وأطمئن وأنصرف.
أختم هذه اليومية بذكر حوار جانبى نسيت أن أسجله، وقد دار أثر سؤال سأله أحمد تيمور للأستاذ عن عادل إمام، بمناسبة ذكر حسين فهمى وما قاله فى البرنامج الرمضانى ”حوار صريح جدا”، فقد ذكر أثناء الحوار أن عادل إمام “فوق المنافسة”، ويسأل دكتور تيمور كيف أن شخصا – ممثلا – يصبح هكذا فوق المنافسة، فيقول الأستاذ ذلك مدهش لكنه واقع فعلا، فنحن لا يمكن أن ننكر ما وصل إليه عادل إمام من جماهيرية لابد أن تشير إلى أن عنده الموهبة التى تمكنه من ذلك، يا لهذا الرجل -الأستاذ- يحترم رأى الجماهير بشكل مزعج (لى) سواء كان رأيهم هذا فى سعد زغلول، أم فى عادل إمام، وأقول له: أليس من الممكن أن يكون انتشار عادل إمام هكذا دليلا على المستوى الذى وصل إليه ذوقنا، فلا يتراجع الأستاذ عن رأيه ويؤكد أنه: ”ليكن، ولكن موهبته هى التى سمحت له أن يمثل نفس الدور وحده تقريبا “لمدة سبع سنوات أو عشرة مثلا، ويصر د. تيمور على معرفة رأى الأستاذ أكثر وضوحا، فيقول الاستاذ: إنه لم ير عادل إمام فى أوج نجوميته، وأنه أول ما سمع اسمه وكان مسئولا عن جانب من نشاط السينما ويضيف جملة إعتراضية قائلا: “أنت تعرف طبعا أننى كنت سينارست”، ثم يكمل: كنت مع رمسيس نجيب وإذا به يقول إن عنده موعد هام مع شاب ناشيء غير معروف، لكنه يتوقع له مستقبلا متميزا، ويصف الأستاذ رمسيس نجيب بأنه كان ذو قدرة فذة فى اكتشاف المواهب والتنبؤ بمسارها، وكان هذا الشاب صاحب الموعد هو عادل إمام، ويكمل الأستاذ: ولكن حين أتيحت لى فرصة لمشاهدته فى باكر أعماله مع فؤاد المهندس مثلا فى مسرحية “أنا وهو وهي” لم يعجبني، وحين اشتهر واستقل لم أعد أسمع ولا أرى بما يسمح لى بالحكم عليه”. سأل أحدنا الأستاذ عن من يحب من الكوميديين، فلم يقبل التحديد أو التفضيل، وإن كان قد وصف عبد المنعم مدبولى بكلام طيب بشكل خاص، ويشير نعيم صبرى إلى عبد المنعم إبراهيم، وإلى أنه قام بدور ياسين فى مسرحية بين القصرين خير من السعدنى فى المسلسل، فأعترض، وأقر أن أحدا لم يستطع أن يجسد لى شخصية ”يس عبد الجواد” أبدا، مع أنه كان أقرب الشخصيات إلى نفسي، ففى حين جسد يحيى شاهين، ومحمود مرسي، شخصية السيد أحمد عبد الجواد بكفاءة كافية، فى الفيلم والمسلسل، وكذلك جسدت كل من آمال زايد وهدى سلطان الست أمينة تماما; لم ينجح لا عبد المنعم إبراهيم، ولا السعدنى فى تجسيد صورة يس، ويهز الأستاذ رأسه تلك الهزة إلى أسفل أكثر من كل الهزات النصف نصف، فأفرح وقد تعلمت أن أقيس درجة موافقاته بزاوية ميل رأسه على جسده!!
وأستأذن فقد أزف موعد عيادتى وأنصرف على عينى، وأنا أحسد من بقى مع الأستاذ،
وأتأكد أن الوقت الذى أعطيه له، ولو بلغ طول النهار، هو لى قبل أن يكون له طبعا، يا أخى ربنا يخليه.