الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (60) الإدراك (21) عن ثقافتنا: ومحاولاتنا للتميز (المنطلق والمنهج والغاية)

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (60) الإدراك (21) عن ثقافتنا: ومحاولاتنا للتميز (المنطلق والمنهج والغاية)

نشرة “الإنسان والتطور”

21-3-2012

السنة الخامسة25-1-2012

 العدد:  1664

الأساس: الكتاب الأول: الافتراضات الأساسية (60)

الإدراك (21)

عن ثقافتنا: ومحاولاتنا للتميز

(المنطلق والمنهج والغاية)

مقدمة:

تجمعت هذه المجموعة الكريمه من المشاركين فى محاولة تحديد “المنطلق”، للاسهام فى السعى إلى تميزنا فى هذه البقعه من أرض الله، بهذه اللغة من فضل الله، تجمعت بفضل هذه الشبكة وفضل مؤسسها ورئيسها د.جمال التركى وكل من عاونه ويعينه على استمرارها، وقد حاولت فى نشرة أمس أن أرصد مجرد الأسماء التى شاركتْ، وعناوين المداخلات التى طرحت لبضعة أسابيع لأشارك بالرد، لكننى عجزت تماما عن مسايرة الإيقاع الجارى، بما يفيد مناقشه مداخلة مداخلة ورأيا رأيا، وذلك لأسباب بينتها فى نشرة أمس، وإلى أن أتمكن من ذلك سوف أعرض اليوم وجهة نظرى دون إحالة إلى موقعها فى النشرة اليومية (الانسان والتطور) ولا فى سائر أعمالى التى سُجّل بعضها فقط فى موقعى الخاص. ولا بالإشارة إلى ما يخص كل رد على حدة.

ومن غير المناسب ولا هو مطلوب أن أطلب من أى من المشاركين أن يحيط بردودى المفصلة من خلال موقعى او نشرات الانسان والتطور فأنا شخصيا عجزت عن ذلك، فأكتفى اليوم بوضع الخطوط العريضه التى هى جميعها – تقريبا- بمثابة فروض عاملة، تُثْبت أو تُنفى، أو يتفرع منها فروض أكثر عطاء وثراء، وفى كلٍّ خير.

شكرا للجميع مرة أخرى.

****

الخطوط العريضه لموقفى عامة:

أولاً: يستحيل أن نتميز “بما هو نحن” إلا انطلاقا من ثقافتنا الآن، حتى بعد أن تشوهت وكادت تصبح هجينا، فمازالت لغتنا العبقرية الحضارة صرحا شامخا، ومازالت أدياننا نورا هاديا، والثقافة تبنى على هذين العمودين أساسا.

ثانياً: حين أشير إلى عمودى الثقافة: اللغة والدين أعتمد على رأى ت. س. إليوت فى تفسير ماهية الثقافة، ولا أقصر الثقافة عليهما، وأنا لا أعنى دينا بذاته، ولا أستبعد العرف والعادات والتقاليد طبعا …الخ.

ثالثاً: أرى من اللازم أن ننتبه أننا حين نستلهم بعض نصوص الإسلام الحنيف علينا أن نحدد ابتداءً أننا لا نفسر هذه النصوص بالعلم، وخاصة العلم المؤسسى، وإنما نحن نتناولها لنتعامل معها كنموذج أو مثال لنوع من الحياة مختلف عن النوع المستورد المعروض علينا من ثقافة أخرى لها مالها وعليها وما عليها، كما أن نموذج الاسلام، حتى لو سمى أى علم باسمه، ليس جامعا مانعا إذ هو لا يستبعد أى دين آخر لم يتشوه بالوصاية عليه ولم يخنق بالتفسير والاحتكار والاختزال والاغتراب، ودينى وما بلغنى منه – ولو متحيزا- وهو “الاسلام” كان ومازال من أهم مصادر معارفى، وقد اعتبرته من أقل الأديان –فى حدود علمى- التى تعرضت للتحريف المبدئى، وإن كان التفسير الوصى قد خنقه وحل محل الكثير من أصوله وحال دون استلهام نصوصه، ومع ذلك فهو ليس مصدرى الأول لأننى أعلنت مرارا أن مصدرى الأول هو مرضاى.

رابعاً: الأرجح عندى أن تسمية ما يميزنا بأسماء دين بذاته: علم النفس الاسلامى أو الطب النفسى الاسلامى…الخ هو أمر معطِّل ويبتعد كثيرا أو قليلا عن ما نعنيه بالثقافة تحديداً، وإنما نحن بانطلاقنا من ديننا إنما نضيف إلى وسائل ومصادر معرفتنا بالنفس البشرية، كما تطورت بفضل الله، مصدرا أساسيا قد يسهم فى أن يكمل ما وصلنا، شرط ألا يكون مصدرا وصيا ولا ثانويا.

خامساً: فى محاولتنا تلك لا بديل عن الاعتماد الأساسى على اللغة العربية الفصحى فهى التى تجمعنا، لكن هذا لا ينبغى أن يبعدنا عن الانطلاق من لهجاتنا العامية أيضا مهما اختلفت، عن بعضها البعض، وإلا فنحن نبتعد عن “ثقافتنا”، ففى حين أن الفصحى هى “اللغة الأم”، فإن العامية هى “لغة الأم”، وكلاهما يعتبران البنية الأساسية لأية ثقافة لأية مجموعة من البشر لها مثل هذا التاريخ.

سادساً: لابد من التفرقة بين الدين والإيمان “قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ …..، الإيمان يدور حول علاقتنا جميعا بخالقنا عبر التطور بفضله، أما الدين فهو يعبر عن الإيمان حين نزوله قبل الوصاية عليه، لكنه للأسف تحوّل أغلبه إلى مؤسسات انغلقت على نفسها دونه أحيانا (ولهذا حديث آخر)

سابعاً: إن الفرق الأساسى بيننا وبين غيرنا إنما ينبع من عروبتنا بما تمثله الفصحى، وأيضا من انتمائنا أكثر، وربما أرحب بدائيه، إلى رب واحد حاضر فينا وبنا وحولنا إلى ما ندرك وما لا ندرك…

ثامناً: مرة أخرى إن التأكيد على أن “المنطلق الأهم، وليس الأوحد، هو من نبض اللغة العربية، وهو أمر طبيعى لأنها اللغة التى أفرزها دنا ANA خلايانا لنا، ولمن اتصل بنا، وقد استطاعت أن تكون وتبقى لتصبح حضارة فى ذاتها، لا يعنى بأية حال التهوين من اللغات الأخرى، أو الدعوة إلى عدم اتقانها.

تاسعاً: أؤكد على أهمية المصدر العملى الخبراتى، لمعرفة علوم ومعارف تخصصنا بما يتطلب الانطلاق من اللهجات العامية (لتصب فى الفصحى ما أمكن ذلك)، هذه ضرورة تساير هدفنا، ومنهجنا معا فنحن “نحب بالعامية” و”نكره بالعامية” و”نمرض بالعامية” و”نعالج بالعامية” و”نشفى بالعامية”، وتظل الفصحى الوسيلة الرائعة لتواصلنا عن بعد، وهى تحمل نبض عامية كل منا.

عاشراً: البداية من العربية (فصحى وعامية) جدير بأن يقلل من حرصنا المتزايد على تقديس الترجمة وعبادة المعاجم، فاللغة ممارسة حيه، والمعاجم ليست إلا علامة تاريخية متوقفة عند مرحلة بذاتها من مراحل تطور اللغة التى لابد أن تظل كائنا حيا يتخلق ويتجدد من الممارسة.

حادى عشر: إننى أرفض بشده مصطلح “تعريب الطب النفسى” (أو تعريب الطب عموما) فالطب ليس أعجميا، يحتاج إلى أن نعربه، وإنما هو جزء لا يتجزأ من تاريخ أية ثقافة، بل من تاريخ أية حياة (حتى قبل الانسان)

ثانى عشر: إن ما يسمى التفسير العلمى للقرآن أو لأى نص دينى يحمل تقديسا هو تقديس للعلم كأيديولوجيا (الحديث) بما لا يستحقه، وفى نفس الوقت فيه من التعسف والسطحية ما يقزم النص الدينى وأحياناً يشوهه.

ثالث عشر: إنه لا يوجد شئ واحد اسمه “العلم الحديث” وإنما هم كُثْر، وقد انتبه أصحاب الثقافة الغربية مؤخرا إلى خطورة ما يسمى العلم المؤسسى (مثل الدين المؤسسى) الذى كاد يصبح دينا بديلا متجمدا، فاجتهدوا فى ابتداع مناهج أخرى وآليات أخرى ومنطلقات أخرى استلهاما من الطبيعة الكموية والرياضية الكمويه وعلوم الشواش والتركيبيه، ليتجاوزوا هذا المسمى العلم الحديث دون الإقلال من دوره التاريخى، وضرورته الحاليه. وبالتالى تصبح محاولات التفسير العلمى للنص الدينى كما تجرى الآن بمثابه تقزيم (إن لم تكن امتهانا) لمصادر معرفة أرحب وأكثر ثراء، ولا يعنى ذلك الخصام بين العلم والنصوص المقدسة ولكن هى دعوة للمعرفة من أكثر من مصدر آملين فى لقاء أو اقتراب ما عند الهدف أو صوب الهدف.

رابع عشر: إن تعدد مناهل المعرفة بالنسبة لتخصصنا بالذات (الطب النفسى والممارسات العلاجية النفسية عموما)، هو ضرورة حتمية، لكن علينا أن نبدأ من الممارسة الموضوعية الجادة التى ترصد ما يجرى فينا وفى مرضانا ومعهم فى تفاعل جدلى مستمر – فهذا هو المصدر الذى ننطلق منه إلى المعرفة الأخرى، وعلم النفس الآخر (ليس الاسلامى ولا المؤسسى) والطب النفسى الآخر (ليس الاسلامى ولا المؤسسى أيضا) (مرة أخرى كلمة “آخر” هى كلمة مرحلية لو سمحت!)

خامس عشر: يتم من خلال ذلك، وغيره وما بعده – ما أسميته “نقد النص البشرى” لكل من المريض والممارس على حد سواء (ويوجد تفاسير لهذا المصطلح ظهرت مكررا عبر نشرات الانسان والتطور وبالذات عبر حواراتى مع د.جمال التركى) وهو “نقد” بكل معانى “القراءة” و”الفحص”، و”القبول” و”الرفض” “فإعادة التشكيل” إبداعا على إبداع، وهو يتم فى واقع الثقافة الماثلة أمامنا فى الممارسة، ثم تتطور الفروض، ويتجلى الحق بالرجوع  إلى مصادر المعرفة الأخرى، دون وصاية من أيها على الآخر أو على الواقع.

سادس عشر: إن نقد النص البشرى ليس علما بديلا، فهو لا يقاس بمقاييس العلم الحسابى، أو المنطق الأسطى، وإلا أصابته الكارثة التى أصابت النقد الأدبى حين حاولو أن يجعلوه “علم النقد الأدبى”، وإنما هى قراءة واقعية لنصَّين معا كما خلقهما الله، وعبر التطور، (المريض والممارس) مقاسا بنتائج إعادة التشكيل لهما إمبريقيا حيث تقاس النتيجة بعدة مقاييس وليس بمجرد اختفاء الأعراض أوتحقيق الرفاهية، ومن بين هذه المقاييس: انطلاق مسيرة النمو وتحريك الإبداع ودعم برامج وقوانين البقاء، ومدى انتشار نفع النتيجه، وكل هذا هو ألف باء ما حفظ استمرار الواحد فى الألف من الأحياء التى استطاعت أن تقاوم الانقراض حتى الأن.

سابع عشر: إن الجارى فى العالم بالنسبة لنقد المنهج العلمى المؤسسى السائد هو من أروع ما مرت به البشرية رغم الصعوبات الهائلة فى مواجهة وصاية واحتكار هذا العلم المؤسسى الباهظ التكاليف، ورغم الهالة التى تعشى أبصار كل من يقترب من محرابه.

ثامن عشر: إن فرصتنا النادرة التى سمحت لنا بها الممارسة فى مواجهة الفطرة البشرية بما هى، سوف يحاسبنا الله عليها إن لم ننتهزها بكل أمانة لقراءة فطرة هذا الكائن الرائع المسمى “الانسان” لصالح استمراره وصالح بقائه فى مواجهة الإغارة العمياء المنذرة بإنقراضه بكل العنف والغباء والعلم الزائف، والمؤسسات الجامدة بما فى ذلك المؤسسة الدينية الجاثمة.

تاسع عشر: إن التفكيك الذى يراد بالمنطقة العربية، والذى يختفى بخبث تحت ما يسمى “ثورات الربيع العربى” وهو ما ينكره أغلبنا فرحين بالخلاص مما كان أغبى وأعمى، هذا التفكيك قد بدأ منذ عقود طويلة بتفكيك لغتنا التى جمعتنا قرونا طويلة، ثم ها هو يمتد إلى تفكيك الاقتصاد ثم تفكيك الأرض (الأوطان)…لنحذر

عشرون: إن من حقنا أن نبتدع منهجنا الخاص ونحن ننطلق من لغتنا وثقافتنا من واقع ناسنا وخبراتنا العملية الآنية وليس بالضرورة من ماضينا (تراثنا) إلا فى حدود ما يتاح من دعم محدود دون تقديس، وعلينا أن نحرص على تعديل المنهج بقدر ما نحرص على مراجعة نتائج اختبار الفروض من واقع الممارسة، واضعين فى اعتبارنا مدى تحقيق الهدف وليس التقييم بوصاية سابقة ولا جاهزة ولا مستورد.

حادى وعشرون: إن النقاش الدائر حاليا فى الشكبة وغيرها لا يكتمل إلا بتقديم ولو عينات عملية من الممارسة الفعلية وإلا فإنه سيظل معتمدا على ما نقرأ أو نتذكر نفكر فيه، وليس على نفعل ونرى و”ندرك” (“ولاندرك”) ونحن ننقد ونصحح.

ثانى وعشرون: إننا لا ينبغى أن نعول كثيرا على “اتفاق الأغلبية”، فالعلم والمعرفة ليس لهما صناديق انتخاب، وإنما البقاء لما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، ونظرا للمرحلة الراهنة التى وصلنا إليها للأسف فإننى، أرجح أن الأغلبية يمكن أن تتفق على التبعية بشكل مباشر حتى لو لبست ثوبا محليا، أو تكلمت بلغة عربية، وذلك تحت عنوان توحيد العلم أو الالتزام بالتجريب أو التشريط بالنشر…الخ أو بالعكس، فقد تتفق الأغلبية على التميز المنغلق علينا بسياج من تفسيرات دينية جامدة انتهى عمرها الافتراضى حتما.

ثالث وعشرون: كما ذكرنا يمكن أن يسمى –ولو مرحليا- ما نحاوله من خلال ثقافتنا باسم علم النفس “الآخر” والطب النفسى “الآخر” أو علم النفس “الشرقى” والطب النفسى “الشرقى”، أو علم النفس “العربى” والطب النفسى العربى، ولكن وليس الاسلامى بوجه خاص. (طبعا هذه اسماء مرحلية كما ذكرنا حتى نتبين)

رابع وعشرون: إن المسار الحقيقى الذى يمكن أن نتميز به قد يستغرق عشرات السنين وربما عقودا أو حتى قرونا، ليكن، فتاريخ الحياة أطول من ذلك بكثير وهذا الكائن البشرى الرائع كما خلقه رب العالمين يستأهل أن يستمر أفراده فى معركة البقاء، وسوف نسأل عن حمل تلك الأمانه حين يأتى وقت السؤال، ومن لا يهمه هذه السؤال فليعرف أن التاريخ سوف يحاسبنا وهو يلفظنا بالانقراض إذا ما كنا نستحقه بتقاعسنا، مثلما فعل مع 999 من ألف من الأحياء عبر تاريخ الحياة،

خامس وعشرون: إن كل ما جاء فيما سبق من نقد العلم المؤسسى الحديث،والحذر من غلبة العقل المنطقى الأحدث، بالاضافة إلى الانتباه إلى خطوره الإغاره التواصلية والتقنية، لا ينبغى أن يغرينا بالوقوف ضد هذا كله، بل علينا أن نحذق استعماله لصالح ما نحاوله، فبالرغم من وصايته وثقله وهو يعوقنا، فهو هو ثروتنا ونتاج صبرنا، ولولا هذه التقنيات لما تم مثل هذا التواصل الجارى حالا:

شكرا يا جمال.

وبعد:

إنه مهما كان الزمن الذى نحتاجه بهذا الطول فلابد أن نبدأ “الآن” وليس بعد، مع كل الاختلاف الوارد، نبدأ ولو فُرادى بأكبر قدر من التصميم والجدية.

ولكن:

  • ما علاقة هذا كله بموضوع “الإدراك”؟
  • وما علاقة هذا كله بنشرة الإنسان والتطور،؟
  • وما علاقة هذا كله بربنا؟ أهى علاقة وثيقة جدا جدا ومباشرة؟ أم هى علاقه تستمد أبجديتها ممن لا يعرفون، لا ويريدون أن يعرفوا حرفا من الخمس وعشرين “فرضاً” السابق طرحها.

شكرا أيها الزملاء الكرام

مرة أخرى ليست أخيرة شكرا يا جمال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *