نشرة “الإنسان والتطور”
الأربعاء: 13-11-2013
السنة السابعة
العدد: 2266
هل هم بالغوا الذكاء؟ أم أننا بالغوا البلاهة؟ (1)
هل نسينا؟ وكيف نسينا؟ بل كيف أنسينا؟
طيب دع الحكومات تنسى أو تتناسى لأسباب نعرف بعضها ولا نعرف أكثرها، يقولون لنا إنها مصالح عليا وحسابات قومية لا نفهم فيها كثيرا، وعلينا أن نسمع الكلام، وسمعتُ الكلام وقبلتُ معاهدة السلام على أنها وثيقة استسلام ضرورى مُرّ، وفى نفس الوقت اعتبرتها نفير إعلان الجهاد الأكبر للبدء فى السير على مسار “ثقافة الحرب”، وبح صوتى، وانبرى قلمى وأنا أكرر أن ثقافة الحرب غير إعلان الحرب، وإن لم تستبعد الحرب اضطرارا بين الحين والحين، وبيَّنْتُ فيما بيَّنْتُ الضرورات التى ينبغى أن يتزود بها من انبرى لتبنى هذه الثقافة: “ثقافة الحرب”، وهو أن يكون: (1) دائم اليقظة، جاهزا طول الوقت (2)، محاربا على أكثر من جبهة لأكثر من عدو إذا تعدد الحلفاء (3) مستعدا للمناورة بما فى ذلك الكذب وإخلاف الوعد “فكل شئ جائز فى الحرب والحب”، (حتى أننى تصورت أن السادات كان أول من سيفسخ المعاهدة عند أول تصادم، وأن إعلانه آخر الحروب كان اختبارا لبلاهة عدوه لأن موعد آخر الحروب هو يوم القيامة، ولهذا قتلوه)
ثم دعونى أكمل مواصفات محارب ثقافة الحرب، أن يكون أيضا: (4) وافر الانتاج (5) مستقلا اقتصاديا (6) كامل التسلح (7) مقيما للعدل بين كل أفراد قومه (8) متعاونا مع من يتعاون معه (9) منتبها للوسطاء والعميل المزدوج (10) على استعداد للبدء من جديد مهما لحقت به هزيمة أوأكثر!
ليكن كل هذا صعب، لكنه ليس مستحيلا، كل هذا يحتاج ممن يمارس هذا الجهاد الأكبر أن يحدد عدوه طول الوقت، وألا تغيب عنه مناورات هذا العدو تحت أية ظرف ولأية ثانية، وأن يتعرف على كل ذكاء وخبث وألاعيب هذا العدو ومعاونيه، وألا يصدق إلا النتائج التى تهمه، بمقاييسه هو، ومواصفاته هو، مجاهدا جهادا أكبر طول الوقت.
المصيدة التى نعيشها الآن هو أننا – أو أن أغلبنا، على الجانبين للأسف- لم نعد نعرف من هو عدونا تحديدا، تراجعت اسرائيل عن مقدمة صفوف الأعداء، وصدّرت لنا حماس من ناحية، وبعض حلفائها العرب من ناحية أخرى (قطر)، فانشغلنا عنها بسهولة مخزية، وركزنا تصويب سهام الغضب والكراهيه إلى الأهداف البديلة التى رسمتها لنا بخبث فائق، وذكاء مجرم، رحت أحسدها عليهما حقدا وغيظا.
ما دفعنى للعودة للكتابة عن ثقافة الحرب وضرورة تحديد العدو ومعاونيه وبدائله، هى تلك الدعوة التى ظهرت همساً ثم لم يخجل أصحابها أن يعلنوها جهرا، الدعوة لضرب حماس استباقا فى غزة، إلى هذه الدرجة يبلغ التخلف العقلى؟! إلى هذه الدرجة يبلغ الاستهواء السطحى، والمصيبة أن الدعوة تصدر من الناس قبل الحكام!!
لنفرض أن حماس ساهمت فى فتح السجون وإطلاق بعض سجنائها وحلفائها من الإخوان، الأمر الذى لا يثبت ٍإلا بحكم القضاء النهائى، فهل هذا يعنى أن نقوم نحن بتأديبها وترويضها لصالح اسرائيل؟ تصورت أن اسرائيل يمكن أن تحتج علينا بسبب القصف العشوائى الذى قد يتجاوز حقوق الجار وحقوق الإنسان!! أى والله، خلها تكمل!!.
لنفرض أن الاخوان تحالفوا مع حماس حتى على جيشنا الباسل، هل معنى ذلك أن نقبل أن نُستدرج بعيدا عن اثبات الخيانة، وهم يحفزنوننا لنضرب عدو عدونا بالصلاة على النبى؟
كيف فعلتها اسرائيل وأمريكا هكذا؟
أهم بالغوا الذكاء؟ أم أننا بالغوا البلاهة والتفاهة؟
[1] – تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ 30-9-2013.