نشرة “الإنسان والتطور”
السبت: 30-11-2013
السنة السابعة
العدد: 2283
حوار مع مولانا النفّرى (56)
من موقف “الرّفق”
اليقين البدئى واليقين الغاية
وقال لمولانا النفرى فى موقف “الرّفق”
وقال لى:
اليقين يهديك إلى الحق والحق (يهديك إلى) (1)المنتهى، وحسن الظن يهديك إلى التصديق والتصديق يهديك إلى اليقين.
وقال لى:
حسن الظن طريق من طرق اليقين.
فقلت لمولانا:
الموقف كله يا مولانا أحاطنى برفق يَقظِ، هذا الحنين الدافئ يوقظ مشاعرى لا يخدّرها، فى الفقرة الأولى بدأنا باليقين وانتهينا به، لكنها لم تكن دائرة مغلقة، ولا حركة فى المحل، وصلنى أن اليقين البدْئِى هو أقرب إلى رؤية الطفل لله، دون أى تدخل أو منطق أو كلام، فهو يجد نفسه يقينا فى رحاب الحق، وربما يكون هو هو “إيمان العجائز”، ثم تبدأ الرحلة من هذا الحق إلى المنتهى، فنقلة بلا رابط مباشر إلى حسن الظن فالتصديق فاليقين الغاية.
حين تحيطنى هدهدة الرفق هكذا، ويهدينى مثل هذا اليقين البدئى إلى الحق، ليوصلنى الحق إلى المنتهى، تملأنى طمأنينة واثقة ويخفت الشك حتى يذوب فى دفء حرارة حسن الظن، قدسوا يا مولانا الشك الديكارتى وكأنه مفتاح المعارف، ونسوا أن عكسه هو محيط المعرفة، ولعله هو حسن الظن المعرفى، المنطلق من الإدراك السليم النابع من اليقين الحق إلى المنتهى، إذن حسن الظن ليس دائما تسليما ساذجا، لكنه وثوق بمثابرة الكدح كدحا، وتصديق بسلامة سهم التوجه واحترام لقناة معرفية أرحب هى الإدراك.
الإدراك يا مولانا مساحته أوسع وهو يشمل التصديق ولا يتوقف عند الاقتناع، وإن كان لا يرفضه حين يتناغم مع الحق إلى المنتهى إلى اليقين، “اليقين الغاية” يحتوى “اليقين البدء”، ولا يلغيه، وهو يحتوى معه الحق والتصديق إلى المنتهى.
ومع كل فضل حسن الظن “هذا” منهجا الذى يكمل منهج الشك وقد يتفوق عليه أحيانا، فهو طريق واحد فقط من طرق اليقين، فبلغنى أنه لو كان حسن الظن هو الطريق الأوحد دون غيره، لوجدنا أنفسنا فى نوع من حسن الظن الرخو أحادى البعد، لهذا فرحت حين لحقتنى الفقرة التالية تؤكد أن حسن الظن هو أحد طرق المعرفة لا كلها.
لكن ماذا لو اجتمع منهج حسن الظن مع لزوم منهج الشك؟ هل يقوى أحدهما/الآخر، أم يتصادمان أم ينسخ أحدهما الآخر،
لحقتنى مولانا وأنت تستلهم أنه قال لك فى نفس الوقت.
وقال لى:
إن لم ترنى من وراء الضدين رؤية واحدة لم تعرفنى
هل فى هذا يا مولانا بعض ما يسمونه أحيانا حركية الجدل لتوليد الولاف؟ الذى يثير حركية المعرفة وحيوية الإدراك هو طاقة الجدل وغايته التى منها ينطلق الجدل إلى جدل فوقه وتحته وأمامه ووراءه، فلا يصير الضدان كذلك حين يحتملهما الإدراك معا، فيحيط بهما التوحد “ألا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْء مُحِيط” فتصلنى هنا واحدية وراء الضدين وبالضدين ومع الضدين، فلا يعود الضدان ضدين؟
[1] – ما بين قوسين إضافة حذرة لا تلزم مولانا لكنه توضيح لكيف تلقيت أنا هذا القول، صحيح أنها مغامرة لكننى فعلتها على مسئوليتى، دون إلزام غيرى، ودون أن أتهم الناقل أو الناسخ بإغفالها.