نشرة “الإنسان والتطور”
الخميس: 25-7-2013
السنة السادسة
العدد: 2155
ص 117 من الكراسة الأولى
ما هو أنت اللى جايبوا لروحك
اوعى تكلمنى بابا جاى وراى
شرف حبيب القلب
يا ماكنت اسامح
امتى الهوى
يا ما ناديت من اسايا فى وحدتى
سلوا قلبى غداة سلا وتابا
فيك عشرة كتشينه في البلكونة
كلنا نحب القمر
يا وردة الحب الصافى
نادانى قلبى إليك
نجيب محفوظ 1/6
القراءة:
أخيرا يا عمنا الجليل! عدت تشدو كما عودتنا فى العشرات الأوائل من تدريباتك، هكذا فجأة، وبعد أن “دوّختنى” فى مكتبتك ووسط مبدعى العالم، وبين كلمات غير مقروءه تعود لنا وانت تحمل هذه الباقة اليانعة من أغانيك المحببة.
كثير مما أوردت اليوم يا شيخنا سبق أن ورد فى صفحات تدريباتك الأولى، وسوف أكتفى كالعادة بالإشارة إلى سبق تداعياتى منها بروابط لمن يريد الرجوع إليها.
هذه صفحة مختلفة لا أعرف لماذا، أنا أحببتها، علما بأنى أحب كل الصفحات، لكنها بدت لى مختلفة بعد صفحات موسوعية مرهقة، لا أريد أن أناقش الاختلافات فمن يتابعنا لابد أن يلحظها وحده، ومع ذلك، فحين لاحظت غياب البسملة مثلا لم أشعر أنك يا مولانا نسيتها ولا استغنيت عنها، ألم تؤكد فى الصفحة السابقة أنه “هو يبسمل ويحوقل إلى ما لا نهاية”، ثم لاحظت أنه لا اسمك ولا اسم كريمتيك جاءت فى أعلى الصفحة كالعادة.
والآن ننظر فى المحتوى:
حين قرأت أول سطر “ما هو أنت اللى جايبه لروحك” تصورت أنك تخاطبنى لما ورطت نفسى فيه من تشتت وتعدد اهتمامات وحمل هموم كل هذه الدوائر المضطردة الاتساع وإذا بى انتبه إلى أنها أغنية جميلة لم ترد قبلا فى صفحاتك السابقة، سوف أعود إليها بعد أن أشير إلى ما سبق وروده من أغان أخرى، وهو كما يلى (بالروابط):
– “اوعى تكلمنى بابا جى وراى”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012
– “شرَّف حبيب القلب”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012 ،
-“إمتى الهوى”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012 وأيضا صفحة التدريب (11) نشرة 4-2-2010
– “ياما ناديت من اسايا فى وحدتى”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (91) نشرة: 30-8-2012، وأيضا فى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012.
– “سلوا قلبى”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (77) نشرة 24 -5-2012
– “فيك عشرة كتشينه في البلكونة”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (73) نشرة 26 -4-2012
– “كلنا نحب القمر”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (73) نشرة 26 -4-2012، وفى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012
– “يا وردة الحب الصافى”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (105) نشرة 22-11-2012
– “نادانى قلبى إليك”
ورد هذا النص فى صفحة التدريب (62) نشرة 23-2-2012
أما الجديد فهو:
– “ما هو أنت اللى جايبوا لروحك”
وهى أغنية يغنيها صالح عبد الحى، ألحان الشيخ زكريا أحمد، كما غناها بعد ذلك كثيرون مثل الشيخ أمام، وكريم المليتى وأنغام مصطفى وهى من كلمات الأديب أحمد المرشدى، ولا يكفى أن يكتب عن ألفاظها دون الاستماع إليها شخصيا (وهذا متاح لمن شاء من الأصدقاء على اليوتيوب).
المهم عندى أن الأستاذ لم يكمل الشطر الثانى ولا حتى فى السطر الثانى بل اكتفى بــ “ما هو انت اللى جايبه لروحك”، ولأننى لم استمع إلى الأغنية شخصيا من قبل، ولم أكمل قراءة هذه الصفحة حالا أولا، فقد عدت فتصورت لثانى وهلة – وقبل أن أكمل – أن الاستاذ يخاطب نفسه بطيبة لائمة “وأنه هواللى جايبه لروحه”؟ وبسرعة فائقة وقبل أن اكمل القراءة تداعت لى أسئلة “يا ترى ماذا جاب شيخى لروحه”! وبسرعة حضرتنى الإجابة، فالأستاذ من أشجع من عرفت، وأحرصهم فى نفس الوقت، وحين ترك المسار الأكاديمى الجامعى، فى الفلسفة، وقرر منذ صدر شبابه أن ينتهج سبيل الإبداع الأدبى، لم يتنازل عن البحث فى تساؤلات الفلسفة عن الحق والحقيقة والأصل والله والوجود، فراح بإبداعه الروائى الرائع يقدم أسئلة مضيئة، وأجوبة محدودة كما هو متوقع فى مسألة الله سبحانه وتاريخ البشرية وعلاقة الإنسان بالخلق، وخالق الخلق بخالقه ومصيره بوجه خاص، وترتب على هذه المغامرة ما ترتب، ومن حقه أن يتوقف دون تراجع، وأن يعترف بمسؤولية هذه المخاطرة الشجاعة، وقد فعل ودفع الثمن غاليا، لكنه لم يندم أبدا، ولم يتراجع.
أفقتُ من كل هذا الذى حلّ بوعيى لبضع ثوانى لأجدنى أمام هذه الحفلة الغنائية فأنتبه إلى أنها مجرد مطلع أغنية صالح عبد الحى، وليست مناجاة للذات فأقتطف منها ما يلى:
ماهو انت اللي جايبو لروحك بإيدك ياقلبي
وتشكي الغرام .. تشكي الغرام بس ليه
…..
…..
محدش في حبه .. انشبك باختيارو
ده للحب سلطان .. مايعلاش عليه
وسلطانو قاسي .. وحاكم عليا
…..
…..
إلى أن تنتهى بهذا المقطع:
وبرضك بتهوى وإيه رح يفيدك
وتِتْعب في روحك عليك من دا إيه
وأنفصل عن الأغنية مرة ثانية وأنا أتصور مرة أخرى أن الأستاذ يخاطب نفسه بعيدا عن مخاطبة قلبه فى سياق الهوى، وأشعر أن الأستاذ لم يتراجع أبدا عن مخاطرته التى أطلت علىّ فى بداية انطباعاتى عن مخاطراته حبا فى الله والحقيقة وفى البشر منذ زعبلاوى حتى أصداء السيرة وأحلام فترة النقاهة، وما ترتب على كل ذلك مما لا يحتاج لتذكرة.
وأبدَل المقطع الأخير قائلا:
“وبرضك” بتكتب وايه راح يفيدك
وتتعب فى روحك عليك من دا ايه؟
وأجده يجاوبنى: إنها الأمانة يحملها إلى أصحابها، فمن رأى وكتم وهو يملك أداة البوح ويتحمل مسؤوليته، فهو لا يستحق حملها.
ثم ننتقل إلى آخر الجديد فى هذه الصفحة، وأبدأ بأن أصحح ما كتب وهو “يا ما كنت اسامح” إلى ما هو غالبا “إن كنت أسامح وانسى الأسيه” معتبرا المسألة زلة قلم.
وهى أغنية من كلمات: أحمد رامى، غناء: أم كلثوم، الحان: محمد القصبجى 1928، وأكتفى بالتعقيب على بدايتها ونهايتها:
فبدايتها تقول:
إن كنت أسامح وانسي الاسيه
ما اخلصشى عمرى، من لوم عيني
………
فالنسيان عملية فكرية ليست فى مقدور من يسامح أن يحققها كما يلوح له، وبالذات السماح بنسيان القسوة أو الهجر أو الجرح من حبيب حقيقى، وتظل لغة العين – حتى فى المرآة- مستقلة معايشة ترتبط بالإدراك أكثر من ارتباطها بالتفكير، محتجة على هذا المسامح ومعاتبة إياه أنه نسى جرحا لم يندمل، لكن للحب ثمنه والحبيب يستأهل.
تنتهى الأغنية بإعلان الرغبة فى تجنب التمادى فى البعاد خوفا من جفاء نسيانٍ آخر مما يعبر عنه مثلنا العامىّ الجميل: “البُعْد جَفَا”، حين تختتم الأغنية كما يلى:
“اوعى تجافينى يا نور عينىّ
احسن بعادك يهون علىّ
إذن فبرغم الألم الأسبق وبرغم التحذير من السماح، وبرغم الأمل فى النسيان، فإنه يظل محبوبا بلا حول غير ذلك، ويظل هذا المحب حريصا على خيط الوصل لا يقبل البعاد خوفا من هذا “الجفاء” الذى هو نتيجة طبيعية للتمادى فى “البعد”.