نشرة “الإنسان والتطور”
الثلاثاء: 31-12-2013
السنة السابعة
العدد: 2214
الثلاثاء الحر
دولة المخ البشرى قدوة ممتازة (1)
لابد أن تعود للدولة هيبتها دون أى تأخير، وتحت أى ظرف، لا إنتاج بغير دولة، ولا تعليم بغير دولة، ولا حضاره بغير دولة، والأهم أنه لا اقتصاد بغير دولة، وحتى الإبداع فيما عدا الإسهامات الفردية المتناثرة يحتاج إلى دولة تعطيه الفرصة والسماح والرعاية.
برغم حاجة الدولة المعاصرة إلى التعاون مع كل دول العالم إلا أنه لا مفر من الاستقلال الحقيقى، بمعنى العدل المطلق فى التعامل، واستعمال نفس المقاييس والموازين لكل الأطراف، ورفض التبعية والطفيلية على الأقوى – فعلا أو افتعالا -، مهما بلغ احتياج الأضعف،
نحن نعيش عصرا أكثر ضراوة من قانون الغابة: إما الاستقلال فالانتاج والإبداع، وإما فهى ليست دولة، وإنما “واجهة دولة”، أو “كنظام الدولة” أو “خادمة دولة” أخرى، سواء كانت “الدولة الأم”، أو: “أمنا الغولة”.
الدولة هى مجموعة مؤسسات وليست كرسى رئاسة، مؤسسات قوية وراسخة وقادرة ومقدسة، لا توجد دولة بلا مؤسسات، لا توجد دولة تقوم على الشعارات والهتافات وحسن النية.
كل مؤسسة مهما ضؤلت هى دولة صغيرة، وتتآلف الوحدات الأصغر مع بعضها البعض لتكون دولة، كما تمثل أى وحدة اجتماعية منظمة، بعرف قوى بدءًا بالأسرة: دولة صغيرة، بل إن المخ البشرى هو دولة بيولوجية منظمة.
المخ البشرى للفرد هو دولة رائعة الإحكام فنحن لا نملك مخا واحدا بل أمخاخ متراكبة منظمة تصعيديا تسمى أحيانا مستويات الوعى (اختزلت للأسف لما يسمى اللاوعى) ولابد أن يتولى القيادة فى وقت معين: مخ واحد هو الأحدث غالبا، لكنه لا يظل القائد طول الوقت لأنه يتبادل القيادة مع الأمخاخ الأخرى أثناء النوم وبالذات أثناء نشاط الحلم المنظم وبهذا التبادل الإيقاعى تتاح الفرصة لاستتباب دولة المخ ليعمل بكفاءة رائعة كما خلقه الله فى الإنجاز العادى وفى الإبداع على حد سواء.
جمهورية أفلاطون التى يحسبها العامة نموذجا للدولة كما تصورها أو تمناها أفلاطون، ليست إلا تكبيراً للنفس الإنسانية، وقد نبه أفلاطون فى مقدمتها إلى هذه الحقيقة التى لم ينتبه إليها معظم العلماء وكثير من الفلاسفة.
انطلاقا من كل ذلك، وحتى تتاح الفرصة لمزيد من التفصيل، أصبح من بديهيات الحرص على استمرار بلد اسمها مصر، وكم هى عزيزة علينا جميعا، أن نكتفى بهذه السنوات الثلاثة ونحن نعيش تحت ظل مشاريع دول هلامية لم تكتمل معالمها برغم ما ظهر على سطحها من آمال وأشواك وجروح، وما غاص فى قاعها من سموم، وأحلام، ووعود.
هل آن الأوان أن نلتقط أنفاسنا لنرسى معالم دولة دون مظاهرات نهائيا – بالاختيار المسئول من عامة الناس– ودون تردد ودون وصاية ثلاث سنوات نقبلها كلنا، نملأ كل ثانية فيها بالانتاج (الاقتصاد) والاحترام (العدل والقانون) والإبداع (الجديد والاختراق) كل ذلك تحت مظلة الاستقلال ورفض التبعية وسمعان الكلام
ثلاث سنوات سِمَانٍ تأكل هذه الثلاث سنوات العجاف،
وسوف نرى مصر التى تستحق أن تمثل شعب مصر
وشعب مصر الذى أعاد بناء دولة مصر.
وبعد (فى 31-12-2013)
وكل عام وأنتم ونحن والناس جميعا بخير
بعد الاستعاذة بِرَبِّ النَّاسِ. مَلِكِ النَّاسِ. إِلَهِ النَّاسِ………. مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أضيف اليوم بعد مرور شهرين إلا أسبوع أن ما لاح عن ما يسمى الاستفتاء على الدستور بغض النظر عن تفاصيل محتواه، وبعد التلويح بتعديل خريطة الطريق حتى تكون انتخابات الرئاسة أولا: أنا مستبشر خيرا من هذه البدايات الواعدة الطيبة (مع التذكرة أن البداية ليست إلا بداية…. ثم نرى!).
(1) تم نشر هذا المقال فى موقع “اليوم السابع” بتاريخ 5-11-2013