نشرة “الإنسان والتطور”
26-10-2009
السنة الثالثة
العدد: 787
يوم إبداعى الشخصى
حوار مع الله (24)
مرة أخرى: موقف “قد جاء وقتى”
استلهام متجدد ينفى جمود النص الحى عند ألفاظه:
التجربة اليوم حدثت بالصدفة،
نفس الحلقات السابقة (21، 22، 23) تناولت هذا الموقف “قد جاء وقتى”، باستلهام مختلف،
ثم إنى عدت إليه دون أن أعرف أننى سبق أن تعاملت معه، فوجدت كأننى لم أقرأه أبدا من قبل،
وحين جاء دور هذه الحلقة (24) وجدت أنه اشتمل وعيى بشكل آخر، فحّركنى إليه جديدا، وتساءلت: أين التكرار.
أثبتت لى هذه التجربة:
أولا: إن الاستلهام غير التفسير.
ثانيا: إن النص القادر أن يحرك الوعى بما شاء إلى ما شاء، هو نفسه يتجدد باستمرار.
ثالثا: إن النص الحى وعى آخر، لا رمز مرصوص.
ملحوظة: لم أرجع إلى ما سبق نشره فى الحلقات الثلاثة السابقة، وبالتالى لم أقارن.
على من يريد أن يجرب فيفحص الشبه أو الاختلاف، فله الفضل إن شاء.
وقال لمولانا النفرىّ
أوقفنى وقال لى إن لم ترنى لم تكن بي.
وقال لى إن رأيت غيرى لم ترني.
فقلت له:
بعد السعى بلا كلل، غمرتَنى بها.
حققتُ قربك بيقينى بضرورة بُعدك.
لم أعد أطمع أن أراك، ولست خائفا ألا أكون بك إذا أنا لم أرك.
سعيى إليك رؤية قبْلية لا أحتاج معها أن أراك.
لا أرى غيرك إلا من خلالك.
الغير ليسوا أغرابا، ما دمتُ بك فيهم، وهم فىّ منك،
فلا خوف علىّ ولا أنا يحزنون.
إن رأيتـُك خدعت نفسى فأفزع إلى ما رأيت.
وإن رأيتُ نفسى هدتْنى إليك.
وإن رأيت غيرك بدونك، فلا أنا نفسى ولا هو يُغني.
لا علاقة إلا من خلالك، إن كان لها أن تبقى، لنكون.
وقال لمولانا النفرىّ
وقال لى اجعل ذكرى وراء ظهرك وإلا
رجعت إلى سواى لا حائل بينك وبينه
فقلت له:
ذكرك ليس أنت.
أصعد إليك بذكرك، أمتطى صهوته، لا أركب بُراقه، أخاف الانطلاق.
أخشى جرعة المباشرة، فاسمح لى أصعد على سلم العجز.
سامحنى إن كان صعودى التماسا، ورؤيتى تحسّسا، وحساباتى حرصا.
فرحتى مرعبة حين أتبين أنه لا حائل بينى وبينك، فارحمنى منهم.
هم يقيمون الحواجز بيننا باسمك، وأحيانا بذكرك.
تعاليتَ سبحانك عما يصفون.
وقال لمولانا النفرىّ
ملحوظة: هذه الفقرة نشرت فى الحلقات السابقة مقطعة إلى أجزاء، يمكن لمن يقارن أن يلاحظ الفرق بين تقطيع النص، وبين أن يصل جميعه معاً.
وقال لى قد جاء وقتى وآن لى أن أكشف عن وجهى وأظهر سبحاتى ويتصل نورى بالأفنية وما وراءها وتطلع على العيون والقلوب، وترى عدوّى يحبنّى، وترى أوليائى يحكمون، فأرفع لهم العروش ويرسلون النار فلا ترجع، وأعمر بيوتى الخراب ونتزين بالزينة الحق، وترى قسطى كيف ينفى ما سواه، وأجمع الناس على اليسر فلا يفترقون ولا يذلون فأستخرج كنزى وتحقق ما أحققتك به من خبرى وعدّتى وقرب طلوعى، فانّى سوف أطلع وتجتمع حولى النجوم، وأجمع بين الشمس والقمر، وأدخل فى كل بيت ويسلّمون على وأسلّم عليهم، وذلك بأن لى المشيئة وبإذنى تقوم الساعة، وأنا العزيز الرحيم.
فقلت له:
وقتك لا يجىء، حين تتفضل علىّ بالحضور فى أعرف فنعرف أنه جاء.وقتى أنا، ترجمنى بنسبته إليك
أعيانى هذا الموقف فى الاستلهام الأول حتى فرحتُ بضباب فكري،
ثم عـاد صاحبى[1] يغرينى بالعودة، و مازلت مترددا.
وقتك لا يجىء لى كما قلتُ. هو عندى بلا بداية ولا نهاية،
فقط أنا أنتبه فأجده كأنه جاء، وهو لم يذهب ليجئ
بلغنى أن المراد هو حضور وعيى لأرى أنك الدائم هناك هنا.
لا وقت إلا ما نصنع، سبحانك. قائم بك بنا، وفينا، ومن حولنا.
فضلك هو الذى يكشف عنا الغطاء وقتما تريد، فنرى:
المشكاة، والمصباح والكوكب الدرى، والشجرة الزيتونة فى كل ناحية،
ومن كل ناحية،
زيتها أضاءنا فتجلّيتَ فينا، ولمّــا تـمـسسه نار.
إلى أين يرسلون النار؟
رحمتك تجعل النار داخلنا بردا وسلاما
على الرغم من غبائنا.
عدوّك يحبك، يصله حبك له رغما عنه، رغما عن عماه.
فناء الأفنية وهم ٌما دام نورك يتصل.
خراب القلوب يتـلهف على ذلك اليوم الذى تَــعْمـُرُ فيه القلوب بك.
وقتك الذى جاء ليس الساعة الآتية لا ريب فيها،
وقتك هو كل وقت، وكل الوقت هو وقتك، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
عدلـك القسط هو الرحمة بعينها.
عدلك ينفى كل باطل. وكل ما سواه باطل.
الناس بالناس، بك سبحانك، ما أذلهم إلا نسيانك، إلا الشرك بك،
وما تركتَهم عقابا أو إيلاما،
ولكن ليجدوك بعد ما قنطوا من أنفسهم، من رحمتك.
أهو غبى أم جاهل هذا الذى يفلت فرصة أن تتجلى له؟
أن تدخل بيته؟ أن تملأ قلبه؟ أن ترضى عنه ويرضى عنك؟
الساعة قائمة لا ريب فيها، وبإذنك قبل كل شىء.
لكننا ما لبثنا إلا قليلا.
فلماذا الرعب وكل هذا الفضل تعدنا به؟
شتان بين رعب الروْع، وذل الرعب.
كيف يذل الإنسان نفسه وأنت بكل هذه الإحاطة الرحيمة؟
الوقت الوقت، الفتح النصر، جاء نصرك بالفتح المبين،
والناس يدخلون أفواجا،
فنسبح بحمدك ونستغفرك،
“إنه كان توّاباً”.
[1] – صاحبى هو ابنى د. إيهاب الخراط، زميلى فى تأليف كتابنا “مواقف النفرى بين التفسير والاستلهام”، وهو قس مسيحى انجيلى، وطبيب نفسى وتلميذى كما ذكرت فى بداية البداية.