نشرة الإنسان والتطور
بقلم : يحيى الرخاوى
2001-1980
نشرة يومية من مقالات وآراء ومواقف
تعتبر امتداداً محدوداً لمجلة الإنسان والتطور
2009-6-9
السنة الثانية
العدد: 648
قبل المقدمة:
كان المفروض أن أنتقل هذه النقلة بعد ثلاثة أشهر تقريبا بعد أن تكون هذه النشرة قد أكملت عامين من عمرها، وقد تطورت إلى ما صارت إليه، إلا أن الإحباط الذى أصابنى لندرة التعقيبات على الحالة الطويلة التى نشرتها خلال الأسابيع الماضية فى باب “حالات وأحوال” جلعنى أفكر أن أستغل النشرة (أو أغلب النشرة) لمواصلة سداد دينى “بالتقسيط”، بنشر كتبى – المنتظرة دورها -مسلسلة يومى الثلاثاء والأربعاء بدلا من عرض الحالات، حتى تأتينا طلبات العودة إليها بما يكفى أن أُستثار من جديد.
هذانذا أبدأ بنشر هذا الكتاب الأول “لوحات تشكيلية: من العلاج النفسى“: شرح ديوان سر اللعبة (أسوة بكتابى الأول “دراسة فى علم السيكوباثولوجى“) شرح ديوان “سر اللعبة”.
هذا وأتمنى أن يواصل باب “التدريب عن بُعد” صدوره يوم الأحد بالتبادل مع “حالات وأحوال“، وربما يغيران على يوم الأثنين (إبداعى الخاص) باعتبار أن يومى الثلاثاء والأربعاء قد أصبحا “شرح إبداعى الخاص”.
أتعبتكم معى!!
لكن: ماذا أفعل والأمانة ثقيلة، والدّين متراكم.
مقدمة الكتاب:
(كتبت مسودتها سنة 2003 وتم تحدثيها اليوم)
بعد حوالى ثلاثين عاما (1979 – 2009) اقتنعت أن تجربة شرح متن سر اللعبة قد نجحت إذ خرجت منها منظومة متكاملة جارى تحديثها هى كتابى المرجع “دراسة فى علم السيكوباثولوجي”. وحين قررت إعادة طبع ديوانى “أغوار النفس” بالعامية كتبت فى مقدمته “إنها خطوة لعلها تحفزنى لكتابة ما ينبغى أن أكتبه”.
لا أخجل من أكرر أننى أكتب هذه الكتب فى هذه الفترة من حياتى باندفاع لاهث خوفا من أن يحل الأجل، وألقى ربى وأنا كاتم شهادتى عن أصحابها. أنا أملك – ساعتها- دفاعا قويا وهو أنه هو الذى اختارنى قبل أن أتم مهمتي، لكن ماذا أقول إذا عرج الحساب على مسؤوليتى عن ترتيب أولوياتي؟
أعتقد أننى سوف أسأل عن الوقت الذى أضعته فى كتابة الشعر وأنا لست بشاعر، وفى الكتابة للصحف وأنا لست سياسيا فاعلا، أو كاتب مقال أساسا، أفعل هذا أو ذاك على حساب الكتابة فيما أعتقد أنه خبرة خاصة لم تتح لشاعر أوسياسى، أو كاتب مقال أو حتى طبيب نفسى تقليدي.
عذرى كان، ومازال، هو أن كل ما كتبت، شعرا أو مقالا أو قصا، كان يدور حول محور واحد، هو هذا الذى قلب هذه النشرة اليومية إلى ما آلت إليه من غلبة الجرعة النفسية (طب نفسى – علاج نفسى – تنظير نفسى) وهو هو الذى يستدرجنى إلى هذه المخاطرة وهى تشرح الشعر، فتمسخه، لحساب العلاج النفسى.
ربما كان هذا هو السبب الذى جعلنى لا أتمادى فى الإبداع الأدبى (بأشكاله) لذاته، فأنا لست طبيبا أكتب الأدب كهواية فى أوقات فراغى، كما أنى لست أديبا أمارس الطب لأدعم به مطالب النشر، ولزوميات المثابرة. إنها رؤية غامرة، حركت كل ما يمكن فى، فتناولتُ أى أداة تصادف أنها وقعت فى يدي، أبلغ من خلالها بعض ما تيسر لى من هذه الرؤية حسب كفاءة الأداة، ومهارتى فى استعمالها.
يواجهنى الآن فى هذه السن (بقيت بضعة شهور وأبلغ السابعة والسبعين) ثلاثة أعمال (بعيدا عن الأدب والنقد الأدبي) لا يجوز أن أرحل -مختارا- دون أن أثبتها لمن يهمه الأمر بعدي. علىّ الآن أن أفاضل بينها لأرتبها، هذا بخلاف ما تم نشره من أساسيات فكرى مثل “حركية الوجود، وتجليات الإبداع“
الأول: فى العلاج النفسى خاصة (وعلاج الأمراض النفسية)
الثاني: ماهية الفصام (وهو عندى الجوهر المحورى لكل الأمراض العقلية والنفسية)
الثالث: “الأساس فى الأمراض النفسية” الكتاب ثنائى اللغة) وقد انهيت منه مسوداتىْ كتابىْ “الأعراض” و”التصنيف“.
الرابع: فى الأسس التطورية للوجود البشرى (صدر منها: حركية الوجود، وتجليات الإبداع”) وبقى فى مسوداته الأولى كل من “ماهية الوجدان“ (وضعت أساسياتها منذ 1972) ثم ” النظرية الإيقاعية التطورية : فى النمو النفسى والإمراض.
(د) مسار وتنامى و جدلية برامج النمو البيولوجية (الغرائز)، ومنها ما قارب الإنهاء مثل:
(1) الغريزة الجنسية “من التكاثر إلى التواصل”
(2)غريزة العدوان “من القتل إلى الإبداع”
(3) الغريزة الإيقاعية من الجماد إلى التناغم مع الوعى الكونى إلى وجهه تعالى (النزوع إلى الإيمان) .
فبماذا أبدأ؟
بهذا الكتاب وأمركم إلى الله !!!
***
سوف أبدأ بإثبات إهداء ، ثم مقدمة الطبعة الأولى 1987
إهداء الطبعة الأولى : 1987
إهداء
إلى الأصدقاء الذين تركونى: أمانة، أو مسئولية، أو خوفاً.
وإلى هؤلاء الذين لم يعرفونى: دفاعاً، أو إهمالا، أو رفضا..
أهدى هذا العمل بشقيه: .. عرفانا بجميلهم علىّ،
وتأكيدا لمسئولية اختيارى ما هو “أنا”
إهداء الطبعة الثانية (يونيو 2009) :
إلى إصدقاء هذه النشرة الذين عقبوا والذين لم يعقبوا، حالا ومستقبلا
(هم هم نفس من أهديت إليه الطبعة الأولى!!!!، هل لاحظت؟)
مقدمة الطبعة الأولى
-1-
كتبت “هذا العمل” فى السنوات الأخيرة على فترات متقطعة، وحبسته فى محفوظاتى، مثلما أحبس كثيراً مما أكتب لأسباب مختلفة: من ذلك: الخوف من الخلط بين أدوارى فى رحلتى فى هذه الحياة. فأنا طبيب أمارس المهنة، وأنا أستاذ بالجامعة، وأنا صاحب قلم بعض الوقت.. إلخ، ولعل هذا بعض ما أشرت إليه فى بعض الحواشى فى كتابى “سر اللعبة”، (دراسة فى علم السيكوباثولوجى)، من أنى لا أجرؤ أن أعرض نفسى على الناس “حاليا” لأنى مازلت أرتدى قميص الطبيب وأتصدى لعلاجهم، وهم يحتاجون أن يرونى بشكل خاص.
ومنها أن جرعة رؤيتى لنفسى (من خلال معاناتى التى أثارها فىّ أصدقائى المرضي) بدت لى أكبر من أن تقال، حتى أنه ساورنى الشك فى كل السير الذاتية التى لايمكن أن تعرض إلا الجزء “المتاح” من صاحبها، أو الجزء المدرك من ذاته على أحسن تقدير، أما إذا زادت الرؤية فلا سبيل فى مرحلة تطور الإنسان الحالية إلى عرضها “هكذا” – ولعل هذا ما حدا بالمتصوفة إلى الكف عن الحديث فى علوم المكاشفة – ولا يملك صاحب هذه الرؤية، إذن، إلا أن يحتال ليعرض نفسه بالأسلوب السائد بلغة الفن، وربما الفلسفة أو العلم، فالفن الروائى مثلا- فى جزء منه على الأقل – يساعد صاحبه فى الحديث عن بعض مايرى داخله على ألسنة شخوص روايتة (وهذا بعض ما حاولته فى رواية طويلة هى: “المشى على الصراط” صدر منها الجزء الأول تحت عنوان “الواقعة”(1).
العمل الحالى هو أيضا من هذا القبيل: تجربة شخصية عنيفة، جرت فى مجال خاص تماما، واختلطت بممارستى لمهنتى، وقد هزتنى كثيرا وخطيرا. رأيت من خلالها ما لم أكن أحلم أن أراه أبدا، وعلمتنى فى مهنتى وعن نفسى ما صار هاديا لى، ومثبتا لخطواتى، وقد بلغ انفعالى بها، ومعايشتى لها، أننى حين أردت أن أسجلها خرجت “بالعامية المصرية” مرتدية ثوبا منظوما فضفاضا معا، فزاد حرجى وتضاعف ترددى.
ثم حدث فى فبراير الماضى حين كنت أشارك فى ندوة فى البرنامج الثانى فى الإذاعة المصرية عن كتاب الشهر مع الأستاذ الدكتورة سهير القلماوى ومؤلفة الكتاب الأستاذ الدكتورة نبيلة محمود وكان عنوانه “القصص الشعبى بين الرومانسية والواقعية”، أن طرحت تساؤلا على مؤلفة الكتاب عن : “ما هو البديل الصحى للقصص الشعبى بعد تناقص كمه وتشويه كيفه”؟، وكدنا نتفق أن الإذاعة والتليفزيون ليسا بديلا حقيقيا – بوضعهما الراهن- فالقصص الشعبى والملاحم الشعبية كان لها – وما زال بدرجة ما – وظيفة سبر أغوار النفس .. بالإشارة إلى الجزء المغمور منها بشكل فنى (قد يقال عنه خرافى أو أسطورى أحيانا). هذه وظيفة تكتمل بها رؤيتنا للجانب الآخر من وجودنا، وقد كان هذا الفن الشعبى يقوم بهذا الدور تلقائيا وبنجاح نسبى. تساءلت: هل ما زال الأمر كذلك، وهل من بديل؟ أين هو هذا الفن - الآن- الذى يمكن أن يصل إلى عمق ما كان يصل إليه ذلك الفن الشعبى التلقائى أحسست -وقتها – أن حساسيتنا المعاصرة ضد الخرافة، نتيجة لغرور العقل الواعى ومنطقه القاصر والمتعب، قد ينتج عنها تشويه للوجود البشرى وإعاقة لنموه الحقيقى بشقيه الواعى واللاواعى، فالنمو الإنسانى لا يتم إلا إذا شمل جانبى الوجود، وقرب بينهما سعيا إلى أن يندمجا فى كل واحد موضوعى متكامل. إن أى تقدم يــتصور أنه إذا ملك ناصية العلم التقليدى وحده، فقد ملك سبيل التقدم المعاصر هو تصور خاطئ، بل هو تصور خرافى مهما سمى علما.
أحسست أن للشعر العامى بوجه خاص دوره فى هذه النقلة الحضارية – إذا أردنا أن نبحث عن بديل حقيقى، لينتشر بين الناس ويغطى هذه الفجوة التى تركها انحسار القصص الشعبى واختفاء “الحدوتة” من بيوتنا ومجالس سمرنا.
رجعت أقلب فى أوراقى “هذه” التى سبق أن كتبتها من سنوات، وتصورت أنها قد تؤدى دورا فى رؤية النفس الإنسانية، وأنها -رغم صعوبة بعض أجزائها، ليست أصعب من بعض الفن الشعبى الذى أدى وظيفته بشكل ما. رحت أراجع بعض ما كتبت من أكثر من عشر سنوات عن أرجوزة “واحد اتنين سرجى مرجى” ثم عن “الحيل النفسية فى الأمثال العامية”، ونشر فى مجلة الصحة النفسية، ثم فى كتابى “حياتنا والطب النفسي” فوجدت أن علاقتى بهذا الفن الشعبى – تفسيرا حينذاك – ليست جديدة، ثم تذكرت تفسيرا آخر قدمته للأغنية الشعبية “يا طالع الشجرة”، نشر فى ملحق ما لمجلة الهلال. جعلت أسترجع كل ذلك وأنا أقرأ أوراقى هذه، فوجدت أن هذا الذى بين يدى يستحق أن ينشر بالمعنى الذى خطر لى أثناء هذا النقاش الإذاعى، ربما كان له دور ثقافى خاص.
الحكى الشعبى يُحدث تأثيره حتى ولو لم يكن مفهومٌ ظاهره.
لم يثننى تخوف قديم على إسمى العلمى، فقد تصادف كل هذا بعيد حصولى على درجة الأستاذية فى فرع تخصصى، وكان هذا الحدث هو علامة أنى أستطيع أن أبدأ بداية كنت أنتظرها من زمن لأتواصل مع الناس مباشرة دون قيود الخوف على الوظيفة أو من الوظيفة. قررت أن أنتصر على ترددى وأتحمل ما يكون.
-2-
فى هذا العمل حاولت أن أقدم رؤيتى للوجه الآخر للعلاج النفسى، ومن خلال ذلك أخترق حواجز النفس الإنسانية لأعرضها كما عرفتها داخلى وخارجى، بنبض الإنسان المصرى فى الشارع،
بداية: أؤكد أنها خبرة شخصية، وأنها إنما تصف “الوجه الآخر” للعلاج النفسى فحسب .. أعنى سلبياته وبعض صعوباته ومضاعفاته، أما وظيفة العلاج النفسى الإيجابية وفوائده ودوره البناء، فهذا شأن آخر، كـُتبت فيه الكتب، وساهمت أنا كذلك فى تناوله.
إن دور الطب النفسى فـى المجتمع المعاصر لم يتحدد بصورة نهائية، والصراع بين مدارسه ليس صراعا نظريا بحتا، بل هو اختلاف له دلالة، اختلاف خليق بأن يجعل الإنسان العادى يقف مرتين قبل أن يأخذ معطياته المتواضعة مسلمات بلا نقاش”.
-3-
العلاج النفسى يشمل عدة أنواع، من أهمها ما يسمى أحيانا العلاج بـ “الكلام” حتى أن بعض الباحثين أسمى هذه الطريقة “الشفاء عن طريق الكلام”. يتصور البعض هذا الكلام فى صورة غلبت على ما يسمي”التحليل النفسي”الذى روج للاسترسال والتفريغ، والتداعى، والتبرير، والمريض ملقى على حشية لمدة معينة.إلخ.
إن الكلام هو ما يميز الإنسان – (أو هو من أهم ما يميز الإنسان)، لكن حين يحل”الكلام”محل الحياة، أو حين يصبح العلاج بالكلام هو المبرر الخفى للتوقف عن التطور الإنسانى والنمو النفسى، فهذا هو ما يحتاج لموقف نقدى يقظ.
فى الفصل الأول من هذا العمل “لعبة الكلام” قدمت عدة صور تعلن مخاطر هذه اللعبة التى إذا لم ننتبه لها فإننا نسير فى عكس اتجاه التطور. كأننا نموت أحياء إذ نتوقف، وربما كان هذا هو السر وراء تسميتى لهذه الصور “جنازات”.
أما الفصل الثانى “لعبة السُّكاتْ”، فهو يوضح طريقة أخرى فى العلاج النفسى، حين يتم بعض التواصل – وخاصة فى العلاج الجمعى- بالألفاظ، و بدون ألفاظ. يغلب هذا فى حالة المرضى الذهانيين (الفصاميين منهم على وجه الخصوص) حين تفشل وظيفة الكلام وتتراجع فيصبح التواصل غير اللفظى أهم وأخطر، ويخترق المريض حجـب الطبيب المعالج ودفاعاته وتصبح نوعية “وجود” الطبيب”فى الحياة”، كما تصل إلى المريض بحدسه الفائق، هى العامل المؤثر فى العلاج، وبالتالى فإن مسئوليته تكون أكبر، والتزامه بالمحافظة على استمراره فى مسيرة التطور تكون أكثر إلحالحا.
عرضت فى هذا الجزء الثانى صورا “للعيون”، وكيف يمكن اختراقها للتواصل البشرى البناء الذى يكشف ما هو أغوار النفس، وأعلنت من خلال “قراءة العيون” ما تيسر لى مما وصلنى من الآخـر ومن نفسى معا.
ختام هذا العمل (الفصل الثالث: لعبة الحياة) جاء بمثابة إعلان آمل لموقفى من الحياة من حيث: إن “الحياة هى العمل معا لتعميرها: الأرض والنفس”، وإن الهرب فى الألفاظ تحت زعم التأويل، أو النكوص إلى إحياء أحاسيس فجة تحت زعم الحرية، ليسا من الحياة فى شىء، وبالتالى فإن العلاج النفسى إذا لم يلتحم بالعمل مع الناس، وسط الناس، وللناس، وهو يرجع بالمريض إلى أرض الواقع – انطلاقا لا تشكلا- بكل ما يحمل هذا الواقع من التزام وألم ومرارة ليبنى نفسه وبنى جنسه من جديد .. إذا لم يفعل ذلك فإنه قاصر أو مقصر .
– 4 -
أما وظيفة هذا العمل بالنسبة لى فى البداية والنهاية فهو أمل غامض أجاهد لتحقيقه فى رحلتى فى هذه الحياة: وهو أن أتواصل مع الناس أعرّفهم ما أعرف، دون أن يطرقوا بابي.
هأنذا أطرق أبوابهم وألتمس عذرهم وأعرض بعض نفسى بين أيديهم .. اللهم فاشهد.
المقطم فى 23 / 2 / 1977
ملحوظة: بعد انتهائى من كتابة الشرح الملحق، ومراجعة ما كتبت، وجدتنى أود أن أنصح القارىء ألا يقرأ منه شيئا فى أول مرة، أى أن يمر (بالمتن” كله أولا.. ثم يرجع إلى ما يشاء من الحواشى.. إذا شاء، فإن قبل.. فقد أعفانى من إحساس خاص بأن هذه الحواشى زيادات.. أو مجرد مخاوف.. أو حتى تشويه.. وشكراً.
(انتهت مقدمة الطبعة الأولى دون تغيير حرف واحد)
استهلال الكتاب الحالى
(شرح على المتن)
موضوع هذا الكتاب ليس هو تصنيف وشرح وتنظير ما هو علاج نفسى،
هو أقرب إلى لوحات تشكيلية بالعامية المصرية، وهى تنقد العلاج النفسى بمعنى النقد الأشمل، ما له وما عليه، وفى نفس الوقت تعرى جوانب أخرى من الإمراضية النفسية (السيكوباثولوجى)، لعلها تكمل كتابى الأولى “دراسة فى علم السيكوباثولوجى” وهو ينتهى بما يشبه التعرية الذاتية أكثر منها “السيرة الذاتية” باعتبار أنها نبض نمو المعالج ذاته من خلال العلاج النفسى.
سوف أحاول أن أعرض خبرتي، وخبرة المرضي، الذى عايشتها جميعا أكثر من خمسين عاما لم أمارس فيها ما يسمى العلاج النفسى مستقلا عما يسمى علاج المرض النفسى مشتملا، حتى الحالات التى لم تكن تحتاج إلى عقاقير، لم أتصور أن ما يتم معها هو يختلف عما يتم فى علاج الحالات التى تتناول العقاقير معظم أو طول الوقت، فعلاج مرضى النفس، مهما كانت أدواته، هو علاج نفسى بشكل أو بآخر.
وحتى أحرج نفسى وأنجز هذه المهمة الصعبة قررت أن أفتعل نفس المنهج الذى كنت اتبعته فى كتابة شرح متن سر اللعبة(2)، والذى بفضله خرجت “دراسة فى علم السيكوباثولجي” إلى النور. فقررت التالي:
1ـ أخصص أسبوعيا ما تيسر من يومى الثلاثاء والإربعاء ما أقهر به أدائى وسواسيا بالتزام مصنوع، يلزمنى به صديق الموقع، كما ألزمنى سنة 1978 الإبن الصديق “فكرى” العامل جامع الحروف (الهامش).
2ـ أترك الكتابة تتدفق من واقع خبرتى وواقع معايشتى ولا أرجع، فى هذه الطبعة الأولي، لا إلى ما سجلت من مئات الأشرطة ولا إلى المراجع تحديدا وحرفيا. تماما مثلما كان الحال فى كتاب دراسة فى علم السيكوباثولوجى لأترك مهام التوثيق والتحقيق Documentation & Verification – والاستشهاد إلى مرحلة لاحقة، مطمئنا إلى ما نشر وسوف ينشر فى كل من بابَىْ “التدريب عن بعد“، و”حالات وأحوال“.
3 – أن أحاول الربط – ما أمكن ذلك – بين نظريتى (الإيقاعية التطورية) Evolutionary Rhythmic Theory والتى ظهرت الكثير من ملامحها فى كتابى عن السيكوباثولوجي، ثم هى فى سبيلها للظهور مستقلة، وبين ما هو علاج نفسى مما سوف يرد فى هذا الكتاب.
4 – أن أجعل المتن الشعرى (بالعامية: أغوار النفس) بعد تحديث بعضه هو المثير المباشر لترتيب فصول الكتاب حتى لو لم يكن لكل فصل تجانسه الخاص بعلاج مرض بذاته، أو تقديم نوع بذاته من أنواع العلاج.
هذا وإذا كان الفضل الأول (وليس الأوحد) فى كتابة دراسة فى علم السيكوباثولوجى يرجع إلى د. عادل نجيب، وأ. د. رفعت محفوظ (وكل من حضرنى فى تلك الفترة من طلبتى ومتدربى ومرضاي)، فإن الفضل الحالى فى كتابة هذا العمل يرجع إلى د. أحمد حسين والسيدة فوزية داوود (وكل من يحضرنى الآن من طلبتى ومتدربى ومرضاى) وخير ما يمثلهم حاليا هم ابنائى وبناتى الذين يحضروا معى التدريب المتواصل هذا العام، أما هذه النشرة وتواصلها، فلا يمكن أن أذكر أو أشكر من ساهم معن قرب أو عن بعد فى استمرارها، سواء بالحوار، أم بالنقد، أم بالدعاء، أم بالعتراض، وأخص بالذكر الإبن والصديق أ.د. جمال التركى رئيس الشبكة العربية للعلوم النفسية، هذه النشرة تحول دورها عندى إلى نفس الدور الذى قام به صديقى عامل الطباعة “فكرى” جامع الحروف فى جراج بيتى سنة 1978. وغدا نلتقى مع
الفصل الأول : تصدير
نقد الممارسة التقليدية فى الطب النفسي
[1] – ثم صد الجزء الثانى فالثالث بعد ذلك، “مدرسة العراة” – ” ملحمة الرحيل والعود” (أنظر لموقع) ، كذلك غامرت بإصدار بعض سيرتى الذاتية، خاصة فى الجزء الثالث من ثلاثيتى “ترحالات” (1) الناس والطريق (2) الموت والحنين (3) ذكر ما لا ينقال (أنظر الموقع)
[2] – فى ديسمبر سنة 1978 كلفت مع زملاء لى بالقيام بالإعداد مؤتمر عربى للطب النفسى يعقد فى القاهرة وكان مقره الجامعة العربية، وتعهدنا فى الجمعية المصرية للطب الفنسي، أن نصدر بهذه المناسبة أول عدد من من المجلة المصرية للطب النفسي، فضلا عن إصدار برنامج المؤتمر العلمى باللغتين الإنجليزية والعربية، ولم تكن أساليب الطباعة ميسرة كما هى الآن. مررت على المطابع التى أعرفها، فاستحالت إمكانية إسعافى فى هذه المهمة. اشتريت صندوق حروف للطباعة ولجأت إلى عاملين صديقين وطلبت منهما الإقامة فى حجرة فى “جراج” بيتى قبل المؤتمر بأسبوعين ليجمعا أولا بأول مادة المجلة والمؤتمر، وقد كان. وتمت المهمة بأعجوبة رائعة بعد المؤتمر تمكن العامل الأكبر أن يرجع إلى عمله الأصلى دون مضاعفات، أما العامل الأصغر فلم يقبل صاحب العمل رجوعه، فأحسست أنى ضيعت مستقبله وأنى مدين له بأجره حتى يجد العمل المناسب، خجل هذا العامل أن يأخذ أجرا دون عمل سألني، وعندى صندوق الحروف إن كان لدى كتاب أريد أن أخرجه حتى يجمعه باستغلال صندوق الحروف هذا حتى يجد له عملا فكرت بسرعة ولم يكن عندى شيء جاهز فقررت أن أكتب شرح متن سر اللعبة. سألته كم صفحة يمكن أن يجمعها ويصححها يوميا فأفادنى أنه بين 12، 15 صفحة وهكذا بدأت أكتب وأناوله كل يوم هذا القدر حتى إنتهى الكتاب ووجد هو العمل المناسب فى الوقت المناسب، بعد أن جمع لى ما يناهز الألف صفحة، فظهر الكتاب الأول “دراسة فى علم السيكوباثولوجى : شرح متن ديوان سر اللعبة” .