الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (1 من 2)

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (1 من 2)

“نشرة”: الإنسان والتطور

16-12-2008

السنة الثانية

العدد: 473

 (سوف نكرر فى كل مرة:  أن  اسم المريض والمعالج وأية بيانات قد تدل على المريض هى أسماء ومعلومات بديلة، لكنها لا تغير المحتوى العلمى أو التدريبى).

 

عن الخزى، والقهر، والذنب، والاحترام (1 من 2)

أولا: المشاهدة، والحوار المبدئى مع مقدمة الحالة

اعتذار قبل الحالة:

كنا قد وعدنا فى الأسبوع الماضى أن نقدم الحلقة النهائية فى حالة عم عبد الغفار (العربجى المتقاعد 84سنة بين الشارع الغابة والبيت الرحم، وذلك فيما يخص فحص المنطقة الواقعة بين الحلم والجنون، إلا أننى وجدت أن هذه المنطقة تحتاج إلى تنظير طويل كمقدمة يمكن الرجوع إليه أولا فى عملى “الإيقاع الحيوى وحركية الإبداع”  كما يمكن أن نجد حالات أكثر إيضاحا نعرضها جنبا إلى جنب مع هذه المنطقة فى حالة عم عبد الغفار، كنت أنوى أن أميز طبيعة الهلاوس المضغمة التى كان يسمعها عم عبد الغفار دون تمييز، والهلاوس التى تتحدث بألفاظ واضحة وتهديدات مرعبة، بين الهلاوس السمعية والبصرية فى الحلم والجنون، وأن أحاول أن  أبين حالة الوعى فيهما…إلخ

الاعتذار هو تأجيل ووعد وليس تراجعا

ثم إننى وجدت فى الحالة البديلة التى سنقدمها اليوم وغدا (سنه 17سنة) ما يستأهل النظر والمناقشة لصعوبة الفرض، ورقـَّة المريض وهشاشته معا، ربما مقارنة بحالة عم عبد الغفار (سنه 84سنة) المصارع العنيد القاسى المنتبه المتحفز “النمر” حتى سن 75سنة، والذى لم يهتز توازنه إلا بعد تقاعده بثمان سنوات، اهتز  توازنه بعد أن حافظ عليه بعلاقته المستمرة بالموضع برغم اقتصاره على أسلوب ” الكر والفر ” طول الوقت، وحين حُرم من هذا الأسلوب وجد نفسه وحيدا فارغا من أى آخر يملؤه، قد تسمح لنا نشرة لاحقة فى  مقارنةذلك بحالة اليوم : سامح (ليس اسمه الحقيقى طبعا) التى سنعرضها والذى تشوَّه قبل أن يكون “ثم” موضوع يستأهل ويساعد على، ويساهم فى، النضج،

وكلاهما آخر العنقود !!!)

* * *

والآن نبدأ نشرة اليوم

من ورقة  المشاهدة (حالة سامح) كما قدمتها الزميلة

مقدمة:

سوف نعرض اليوم أغلب ما سجلته الزميلة فى ورقة المشاهدة (sheet)  التى قدمتها  فى الاجتماع العلمى التعليمى فى قصر العينى، وننوه مرة أخرى، كالعادة،  أن الأسماء – فيما عدا اسم الأستاذ- غير حقيقية، وكذلك الموقع الجغرافى، وبعض التفاصيل التى قد تدل على شخصية المريض أو ذويه.

وبعد ذلك – اليوم أيضا- سوف نعرض تعقيب الأستاذ والمناقشة المبدئية مع الزميلة، وهى تشمل الفرض التركيبى/العلاجى الذى سوف نناقشه مع المريض غدا.

وغدا نعرض المقابلة مع المريض، والتعقيب النهائى والتوصيات

وأسمح لنفسى بأن أنصح الصديق القارئ أن يقرأ النشرتين  معا، (اليوم وغدا) ،  أو على الأقل أن من يقرأ نشرة  اليوم يلزم نفسه بقراءة الحلقة الثانية غدا، حتى لا  تصله المعلومات ناقصة، وربما غير مفيدة، أو حتى ضارة)

اسم المريض :  سامح  إبراهيم   17 سنة ، طالب متوقف فى سنة تانية دبلوم متوسط،

جاء يشكو من :

“أنا يا دكتورة عندى حالة غريبة، كنت عايز آخذ الدبلوم عشان ادخل الجيش سنتين بس وماتبهدلش، فيه ناس عايزين يئذونى  ويخسسونى، فيه واحدة بتشتمنى وتؤمرنى، باسمع صوت هبد على العربيات ، والناس بتلقح عليّا بالكلام، فيه  واحد يقعد تحت الشباك ويقعد يكح،  ده منهم، من اللى عايزين يئذونى، هو قرفان منى، أصلهم بيكرهوا المسلمين، مش بيجيلى نوم خالص، أفضل راقد فى السرير بس من غير نوم، باشوف أخويا أحمد خارج من الأوضة، وبعد شوية أشوفه خارج ثانى

وكانت شكوى الوالد:  إبراهيم، ساعى فى شركة

السنة اللى فاتت مارحش الامتحانات مايرضاش يصحى عشان يروح  الامتحان، يقول أنا مش حاكمل تعليم، وهاشتغل، بقى دايما عايز يقعد لوحده مايخرجش خالص من البيت، حاولنا نوديه يشتغل بس ماسدش فى الشغل، يقول الشغل صعب وماكملش فى أى شغلانه، فى الأول كنت اضربه عشان ينزل يشتغل، أو حتى ينزل من البيت بس مافيش فايدة

بطل ياكل معانا خالص ولو قعد ياكل يقعد لوحده،  أو لو قعد  معانا  يدينا ظهره.

من شهرين التعب زاد قوى، ماينزلش خالص من البيت، دايما قاعد لوحده فى الأوضة،  راقد فى السرير ومغطى وشه بالبطانية،  بس صاحى، نومه قليل، واكله  قل خالص، يقول سامعين الرزع اللى على العربيات، ويقول الناس بتلقــّح عليا سامعين الكلام؟

كلامه قل خالص، يرد على قد السؤال بس ويعيد، يعيد الكلام ، ويتهته،  بقى يغطى وشه وممكن ياخد وضع انه حاطط وشه فى الأرض بس انا ماكنتش باسيبه يعمل كده .

وصف الطبيبة لمسار المرض (كان بالإنجليزية !!!!! وقمت بترجمته)

بدأ المرض الحالى منذ سنة واحدة، بداية تدريجية، بزيادة مضطردة، ظهرت أكثر فى مجال التدهور الدراسى فى شكل عدم انتظام فى الدراسة، ورفض حتى حضور الامتحانات، ثم بدأت العزلة والانسحاب المتزايد عن المجتمع المحيط فى المنزل، كما لم يستمر أو يستـقر فى أى عمل، حاول والده أن يلحقه به بعد أن توقفت دراسته. ثم منذ شهرين بدأ يشكو من أصوات متعددة، تنقر على الأبواب، وتصفر، مع صوت أنثوى فيما بينهم يمكن تمييزه وهو يعقب على تصرفاته ويسُبــُّـه أحيانا، ثم أخذ يحكى عن أن الناس فى كل مكان تتكلم عنه، وتشير إليه وتريد أن تؤذيه، وتحديدا حكى عن صوت يسعل ثم يبصق وهذا الشخص قابع خارج حجرته، وقد صاحب  كل ذلك أن فارقه النوم، ثم أخذ يعانى من أرق، وتردد شديد، حتى الشلل عن الفعل،  وفقد الشهية حتى توقف عن الأكل تقريبا بصورة شبه نهائية، ولم يعد يستجيب لأية  محاولات من جانب الأسرة لجذبه للمشاركة، وأخذ يمضى طول يومه قابعا فى السرير، وكلما دخل عليه أحد (من أفراد أسرته أو غيرهم) تجنب التقاء نظره بنظراتهم تماما طول الوقت، ثم يغطى عينيه بيديه، ثم بدأ جسمه يتخذ موضع جمود تام وكأنه قطعة من الأثاث، ولم يعد يستجيب لأى مؤثر مثير حتى للأحاسيس الجسدية، ثم أصبح يتمتم بكلمات غير مفهومة بينه وبين نفسه.

وقد أحضره أبوه للاستشارة على مستوى العيادة الخارجية، وأعطى بعد المهدئات المريحة والمنيمة، بالإضافة إلى مهدئات جسيمة، وجلستين من  جلسات تنظيم إيقاع الدماغ  (كهربيا) ، وتحسن تخشبه ونومه بدرجة متوسطة، حتى أصبح أكثر تعاونا ويرد جزئيا على من يخاطبه.

 سامح : يعيش مع والديه وأخويه اللذين لم يتزوجا بعد، فى حين تزوجت أختيه إحداهما تعمل ممرضة، وهو أصغر إخوته (آخر العنقود)، يعيش فى قرية من القرى المحيطة بالقاهرة، ودخل الوالد يكفي الأسرة  بالكاد،

ولم نستطع أن نجد – فى حدود المعلومات المتاحة – أى تاريخ لمرض نفسى أوعقلى أو عصبى فى الأسرة من ناحية الأم أو الأب، وهما أقارب من الدرجة الثانية،

الوالد:  رجل  طيب عطوف لا يميز بين أولاده أو بناته، وهو متدين غير مغال فى تدينه، وعلاقته  بسامح طيبة عموما، أقرب إلى التسامح، لا يؤخر له طلبا (آخر العنقود) ويعاقبه فى حدود،

 يقول  سامح

أبويا طيب، وحنين ، بيجب لى كل اللى انا عايزه، بس ساعات كان يضربنى جامد لما أعمل حاجة غلط، بس أنا باحبه قوى

الأم: 52 سنة ، اجتماعية سهلة ، علاقتها بسامح أقرب إلى التدليل ، يقول الأب :

أمه بتدلعه وتدارى عليه لما يغلط

علاقته بإخوته طيبة، عموما، ويختص أخاه الثانى بتقارب أكثر

باحب أخواتى كلهم بس أسعد أقرب واحد ليه

لم تـُلاحظ على  سامح أية علامات تأخر فى النمو، أو سمات عصابية فى الطفولة، وحين دخل المدرسة كان نابها مجتهدا متفوقا نسبيا فى المرحلة الابتدائية، إلا أن مستواه بدأ يتراجع فى المرحلة الإعدادية، وكان له عدد محدود من الأصدقاء، وكان يعمل أحيانا فى إجازة الصيف، لكنه لا يستمر فى العمل، ويغيره، بعد أسبوع إلى شهر.

فى اعدادى  سامح اشتغل فى اجازة الصيف ثم بعد أن ترك الدراسة :

الوالد (يقول) 

شغلته مع واحد بتاع شكمانات، كان بيشتغل من 8 صباحا إلى 8 مساءا  كان بياخد 8 جنيه فى اليوم  بس ماكملشى شهر فى الشغلانة دى، من سنة ونص راح اشتغل فى مصنع نسيج (عامل نظافة) من 8ص– 4م، كان بياخد 10 جنيه فى اليوم، بس سابه بعد 15 يوم، يقول أصل الشغل متعب.

 سامح ليست له خبرات عاطفية، لكنه قال أن قلبه مال إلى قريبة له، ولم يكلمها، ونسى الأمر بعد قليل

أما عن تاريخه الجنسى فهو يقول أنه  حصل على أول معلومة جنسية فى سن 11 سنة من أقرانه، ثم مارس العادة السرية بدءا من سن 14 سنة، مع خيالات محدودة بإناث، ويعقبها شعور بالذنب، ثم مارس لعبا جنسيا مع قريبة له كانت فى عمر الست سنوات، مرتين ثلاثة، (هذا كل ما أدلى به)

لكنه حكى عن خبرة جنسية مثلية أطول وأكثر دلالة ، فهو يقول أن اثنين من زملاء المدرسة، أكبر منه مارسا معه الجنس فى ظروف يستحسن أن نسجلها بألفاظه

…. فيه اثنين زمايلى فى اعدادى كانوا بيجبرونى على كده ، كانوا يدونى مواعيد ولازم أروح فيها، وكنت باقول لأهلى انى رايح اذاكر مع صحابى، يمكن لوْ والدى شد علىَّ ماكنتش رحت، لو رفضت كانوا بيهددونى، واحد منهم قال لى إنه مصورنى 36 صورة، وكان بيهددنى انه حايوريهم لأمى، كان كل مرة باحرق صورة لحد لما خلصوا، كانوا يقولوا لى  لو ماجتش حا جرسك بالفضيحة،  كنت باحس انهم عاملين فىّ حاجة غلط، كانت خايف اخلـّـف ، كنت حاسس إن انا فى بطنى  ولد وخايف ينزل، كنت عايش فى رعب، بطلت الحاجات دى لما دخلت الدبلوم

وبالنسبة لشخصيته قبل المرض يصفها أبوه

 سامح طول عمره خجول، مالوش اصحاب كتير، بيحب يقعد فى البيت أكثر الأوقات، بيصلى ويصوم من صغره، رمضان اللى فات أول رمضان مايصوموش عشان التعب، كان دايما يحب يسمع قرآن، كان بيحب يلعب على الكمبيوتر، هو طيب، وحنين مع الناس والناس كلهم بيحبوه

التعقيب مع الزميلة مقدمة الحالة قبل مقابلة المريض

4-12-2008

المقدمه: د. داليا  الشافعى

د.يحيى : أشكرك،…طيب يابنتى مقدماه لينا ليه بقى؟  إيه اللى شغلك فى الموضوع؟

د.داليا : أنا اللى شغلنى إن هو العيان ده أنا حبيته جدا، ً وبعدين هو قد ما هو باين من الشيت (ورقة المشاهدة)  إن هو مفركش،  العيان قريب جداً،  حاسّه إن أنا عايزه أساعده بجد، كمان مستغربة إن هو اتكسر الكسرة دى وما فيش تاريخ عائلى، ومافيش سبب قريب، بس الحكاية بتاع العيال دول ما قالهاش لحد، هوه أصله مش قايل لحد خالص إلا لأخوه أسعد اللى بيقول إنه  قريب منه، وانا حاولت اقابل اخوه ده ، ما كانش فيه فرصة إن أنا أشوفه

د.يحيى : يعنى مقدماه عشان حبيتيه، وعشان مستغربة،  ما انتى بتحبى كل الناس يابنتى وبتحبى العيانين بالذات، مش دكتورة،  أما الاستغراب ده فهو شىء عظيم، لأنه باب المعرفة، مش كده ؟ طيب إيه الفرق بقى اللى فى العيان ده اللى خلاكى تقولى كده بالذات.

د.داليا : العيان ده انا استغربت من الفركشة الجامده بتاعته دى،!!…  ليه كده؟

د.يحيى : هى  فين الفركشة اللى فى المشاهدة  اللى انت قلتيها،  يجوز فيه فركشة فى تصرفاته فى القسم إنما الكلام اللى انتى كاتباه وقلتيه ما فيهوش الفركشة اللى بتحكى عنها دى

د.داليا : هو ما فيش حاجة تتكتب قوى، لكن هو مفركش

د.يحيى : فركشة يعنى disorganization  مش كده؟ كل حتة فى ناحية، يعنى وظيفة نفسية عقلية مش ماشية مظبوط مع وظيفة تانية، كلمة مش ماسكة مع الكلمة اللى بعدها، جملة ناقصة غير مفيدة، كل فكرة مالهاش دعوة بغيرها، مش كده ولا إيه؟ مش هى دى الفركشة؟ فين هنا؟ فين فى اللى انت كاتباه؟، الفركشة دى اللى بيقولوا عليها بالعربية الفصحى الجميلة :  “ذو لبٍّ نـَثِـرْ”، يعنى متـْنَـتْـَور، “هـِذريانٌ هذرٌ هذّاءَة، موشكُ السقطةِ ذولبًّ نثِرْ”،  إنت عارفة  حاجة اسمها الخبيزة ولا بطـّللوها، أنتو بتطبخو خبيزة ولا اكتفيتوا بالسبانخ والملوخية، كان زمان فيه  حاجة اسمها الخبيزة ورقها أخضر كده وبيقطفوها قوى، وكانت خالتى فاطمة  تقعد تمسك مفراك خشب، حاجة زى الترس اللى له إيد كده، وتدوره فى وسط البرام تقوم ورق الخبيزة يتنتور كل ورقة فى ناحية على جدار البرام، أهى دى الفركشة، أنا ما شفتش أى حاجة من دى فى المشاهدة اللى انت كاتباها، 

د.داليا : لما باقعد أتكلم مع العيان بيقعد يدخـّل حاجات فى بعضها

د.يحيى : ماكتبتيهاش ليه؟!!!  إنت فى المشاهدة مش بس تكتبى خلاصة أقواله، إنت تكتبى ملاحظاتك ونقلاتك يا شيخة، مش انا قلت ميت مرة إن الكشف على مريض غير متعاون أو مش فى المتناول inaccessible  هو وصف للصعوبات وازاى حاولنا  نتغلب عليها، ومش ضرورى تتغلبى يعنى تنجحى فى إنه يبقى متعاون، المهم المحاولة ووصفها مش كده ولا إيه؟

د.داليا : أيوه، حاضر، بس هو فيه حاجة أنا عايز أقولها إن هو…

د.يحيى : (مقاطعا) شوفى اما اقول لك، إنت لازم وانتى بتكتبى يبقى فى ذهنك واحد بتخاطبيه، وعايزة توصلّى له إللى وصل لك، يعنى يبقى فيه مـُخاطَب فى ذهنك وأنتِ عايزة تبلغيه الرسالة  اللى وصلتك، زميل، ممرضة، نفسك، ربنا، وتبقى متصورة إنك حا تتفهامى مع اللى بتوجهى له الكلام فى اللى انتى قلتيه، عشان توصلوا لهدف متعلق  بالمهمة اللى انت بتكتبى الكلام ده عشانها،…فاهمة قصدى؟

د.داليا : هو أول يوم قعدت مع العيان كنت تقريباً مش فاهمه منه حاجة من اللى هو بيقولها

د.يحيى : طب تكتبى كده يابنتى، يعنى تكتبى الجملة دى “أول يوم قعدت…. لحد آخرها”

د.داليا : آه،  بس بعدين هوه دلوقتى اتحسـّن

د.يحيى : البركة فيكى، وفيكم، ما قلناش حاجة، بس ده علم، إنتى لازم  تقولى إنتى عملتى إيه، وحاولتى إزاى، وكانت فين الصعوبة الفلانية، وحاولتى تحليها إزاى،  ونجحتى أو فشلتى ، إنت ممكن تكتبى ميت ورقة من  غير ما العيان ما ينطق ولا حرف، ولو فيه ممتحن جدع، إنت عارفة أنا معتذر عن الامتحانات بقالى ييجى عشر سنين، بس لو فيه ممتحن جدع يديك النمرة النهائية لوعملتى كده، وأثبتيه، حتى لو ما وصلتيش لتشخيص والكلام ده، ده بالنسبة للامتحان، بالنسبة للعيان أنا شايف علاقتك بيه طيبة، بس انشغالك بنقط محددة تنفعه ماوصلنيش قوى، إنت عارفة إيه اللى شاغلنى أنا فى العيان ده بعد اللى سمعته منك؟

د.داليا : لأ

د.يحيى : اللى شاغلنى فى العيان ده إن أبوه راجل طيب، وبيحبه، وهو آخر العنقود وبتاع، وامه ست اجتماعية وما قصّرتشى فى أى حاجة، وما فيش تاريخ إيجابى للأمراض بتاعتنا فى العيلة دى على قد ما قالوا، يبقى إيه الحكاية؟ وازاى حالته توصل للدرجة دى؟  مش لدرجة الفركشة اللى انا مش شايفها، لأ ، أنا باقصد  الجمود والتصلب والانسحاب الكامل ده، ودى حاجات  ألعن، واللا إيه رأيك؟

د.داليا : أنا مفسراها بالحكاية بتاعة العيال دول، والتهديد، والتخبية ، والحاجات دى

د.يحيى : الله يفتح عليكى ، أنا بقى لما حصّلت الحتة دى وانا باسمعك، قلت انا عايز فيها على الأقل ييجى صفحتين تلاتة، لأن خطر لى اللى خطر لك تقريبا، لكن إنت بدال ما تكتبى تلات اربع صفحات، كتبت تلات اربع  سطور،  مش كده ولا إيه؟

د.داليا : آه، بس حضرتك عارف المنطقة دى، وبصراحة أنا انزعجت من نوع التهديد اللى كانوا العيال دول بيمارسوه عليه، من الطريقة،.. إن همَّ يصوروه بشريط فيلم فيه  36 صورة،  كل مرة  يقصوا حته من الفيلم ويحرقوها، كل مرة كل مرة،  حاجة صعبة قوى.

د.يحيى : ما فكرتيش إن عندهم نسخه تانية؟

د.داليا : آه،  يجوز

د.يحيى : ما اتكلمتيش معاه فى الموضوع ده، فى الاحتمال ده؟

د.داليا : أنا أصلاً دى حاجة خلتنى أشك فى موضوع الـصور أصلا، أصله قال لى  إن الولد التانى قال له أنا كنت تحت السرير وصورتك،  وبعدين يقول له أنا مصور لك مش عارفه إيه، حسيت إن حتى الطريقة اللى بيهددوه بيها نصب فى نصب، وهو يعنى بيصدق حاجات مش ممكن تكون حاصلة، الظاهر هما  كانوا بيستغلوه بطرق ملتوية،………

د.يحيى :  إنت ساكنه فين

د.داليا : فى الهرم

د.يحيى : أنهو هرم

د.داليا : حتة جديدة كده، أول طريق الفيوم

د.يحيى : وأبوكى بيشتغل إيه

د.داليا : دكتور

د.يحيى : يا خبر !! طب خلاص خلاص،  دكتور دكتور، ربنا يستر، ولا بلاش، أنا باسألك كده عشان أشوف إنت قدرتى تتقمصى البيئة اللى عايش فيها الولد ده ولا لأه، المسألة عايزة خيال وصبر وفهم، لازم تعرفى  فين نشأ، وازاى، عشان تتصورى إيه اللى بيحصل فى الناس دول وعيالهم،  فى الاماكن دى، ده مجتمعنا الحقيقى، مش مطرح مانتى ساكنة.

د.داليا : على قد ما اقدرت

د.يحيى : كتر خيرك،..، شوفى يا بنتى  الخبرة دى والعيال فى السن ده فى المجتمع ده، الحاجات دى  واردة، لكن بشكل لعب، ولمدة محدودة، وهات وخد، وكلام من ده، إنما اللى خلانى أنزعج هوا طول المدة، ورضاه فى البداية، ودوره السلبى على طول الخط، أنا عديت  حكاية التهديد والصور والكلام ده، حسيت إنها مش هى كل حاجة، كل ده خلّى الفار يلعب فى عبى

د.داليا : هو زى أى حد فى الأول عملها كحب استطلاع وإن هو عايز يعملها وبس

د.يحيى : إنت حتاخدى كلامه زى ما هو بالظبط، ولاّ…  ولا حاتعملى منه  فروضك، وتصوراتك، وتبحثى فيها وتدورى، ده مش تحقيق، يعنى هوا قال إنه عملها حب استطلاع، وإن دوره سلبى على طول، ما هو حب الاستطلاع مفروض بيبقى من الناحيتين، ولا إيه؟ 

د.داليا : آه، بس أنا وصلنى حتة إنه هو كان مقهور،  يعنى كان لما  حتى يحب يرفض كانوا يدوه معاد مثلاً تعالى لى يوم الأحد الساعة كذا،  وإذا ما جيتشى الصور حتوصل لوالدتك، بيقول لى أنا كنت عايش فى رعب،  يعنى أنا حسيت فعلاً إنه كان  فيه  قهر جامد

د.يحيى : هوا قعد يعمل الحاجات دى  قد إيه؟

د.داليا : هو بيوصف لى إن هى فضلت طول مرحلة إعدادى بس أنا شاكّه فى الحكاية دى،  لأن هو عنده 17 سنه، وإنها قعدت شغالة لحد من مدة سنة واحدة، بس دى أنا شاكه فيها هى دى من الحاجات اللى انا كنت عايزة أعرف تفاصيل عنها، بس مااعرفتش

د.يحيى : طب لما شكيتى فيها..، تصورتى إن هى ممكن تكون مدة قد أيه

د.داليا : لأ ممكن تكون أكتر من كده، أكتر من مرحلة إعدادى

د.يحيى : قد إيه تقريبا؟

د.داليا : يعنى…،  يعنى ممكن يكون قعدت أربع  سنين مثلاً أو أكتر كمان

د.يحيى : آخر مرة كانت إمتى؟

د.داليا : هو بيقول إن آخر مرة كانت من لما كان فى تالتة  إعدادى،  يعنى تقريباً من سنة ونص،…

د.يحيى : قدر يبطلها إزاى؟

د.داليا : هو قال لى إنه لما ساب المدرسة واشتغل خلاص بـِعـد عنهم

د.يحيى : هو اللى بعد؟ ماهم حايبعتوا رسائل ويهددوه، إنشا الله  يبعد يروح فين

د.داليا : سألته فى النقطة دى كذا مرة بس ماقدرتش أوصل، ما لاقيتش إجابة،  سألته فعلا  كذا مرة،  قلت له طب ما هم بيهددوك بيهددوك ، حاتفرق إيه، شغل ولا مدرسة، يعنى فرقت إيه

د.يحيى : طب عندى  آخر سؤال بايخ فى المنطقة دى،  بايخ قوى لكن عـِلـْـم بقى، حاعمل إيه، عرفتى هو كان عايز ده ولا لأه

د.داليا : فى الأول كلامه فى الأول…

د.يحيى : (مقاطعا) فى الأول والأخر هو سؤال مزعج شوية أنا عارف ، بس احنا عايزين نساعده

د.داليا :  مش عارفة،  أنا وصلنى فى الأول إنه كان رافض يعنى، وبعدين زى ما يكون اتعود أو حاجة كده،

د.يحيى : كان فيه فعل كامل،  ولا لأ

د.داليا : آه

د.يحيى : المشكلة إن إحنا لما نشوفه دلوقتى مش حانقدر نسأله فى المنطقة دى قدام الناس دول كده، مش عارف أعمل إيه ، فيه حرج شديد.

د.داليا : بس هو بيتكلم

د.يحيى : هى مصيبة حتى لو وافق، إحنا مش عارفين  إيه اللى حايفضل عنده بعد ما يتكلم، بس لازم نسأل عشان العلم والعلاج،  أصل انا متصور إن  الخبرة الصعبة دى حركت حاجة فى تركيبته الأساسية،  فى البنية الأساسية، إللى بيخلينى أقول كده، أنا عندى  فرض نطّ لى وانتى بتقولى كلامه عن حكاية الولد اللى فى بطنه، وإن هو حاسس إنه حا يخـلـّف مش كده..؟

د.داليا : آه

د.يحيى : الشعور ده له  علاقة بالسؤال البايخ اللى قبل كده، إن هو كان عايز كده ولا لأه، هى الست بتبقى عايزة إيه من العلاقة الطبيعية، الست فى الغالب بتبقى عايزة حاجتين، عايزة العلاقة، وعايزة الأمومة، ويمكن الراجل كمان، ما هو فى الحواديت القديمة بتاعتنا، إللى هى لها علاقة بالأساطير اللى احنا أهملناها كأنها مش علم ولا تاريخ، الناس بيحكو فى الحواديت إن الراجل ممكن يحبل ويولد من “بز” رجله، طبعا إنت ما سمعتيش حاجة زى كده، أبوكى لا يمكن يسمح لك تسمعى حواديت قلة أدب،معلشى، إنت  عارفة ليه كانت الحدوتة، الأسطورة يعنى إذا حبيتى،  بتقول إن الراجل بيولد من “بز” رجله، الأول عارفة يعنى إيه بز رجله؟

د.داليا : لأه

د.يحيى : يا خبر!! طيب طيب يعنى الماليولاس maleolus، والحواديت الظاهر انتبهت لكلمة “بز”،  وإنها كلمة أنثوية أكتر،  فالظاهر إنهم اعتبروا إن “بز” رجل الراجل علامة الأنوثة إللى فى الراجل، “رمز” يعنى، مجرد رمزعشان كلمة “بز”، فالشعور بالحمل اللى قاله الولد  الغلبان ده مش تخريف كله، ده شعور إنسانى، أنثوى فى المقام الأول، ممكن الخبرة السخيفة دى اللى ابتدت بدرى كده، ممكن تكون حرّكت فيه – طبعا ده مجرد الفرض اللى نطّ  لى – ، تصورت إن ممكن تكون الخبرة دى حركت جانب داخلى جداً فى تركيبه الأساسى، ولما قال لك أنا كنت حاسس إن فى بطنى عيل ماكانش مجرد بيتخيل، لا دا يمكن كان يمكن بيعبّر عن استقباله الداخلى  للجانب اللى اتحرك ده، ويمكن حتى ترحيبه به، مرة تانية ده مجرد فرض يمكن يساعدنا، يعنى الخبرة ابتدت حب استطلاع، واستمرت بدرجات متفاوته من القهر والرضا، فحرّكت اللى حركته فى الواد الغلبان ده، فبقى هو مضطر لتنشيط قهر داخلى من نوع آخر (دون أن يدرى طبعا)  عشان يسكّت اللى اتحرك جواه ده، يعنى يكتـّم على الحتة اللى استثيرت بالشكل ده، ومش بس استثيرت عشان تحقق لذة مؤقتة مشكوك فيها، لا، دا يمكن أثارت معاها الجزء الأنثوى المتعلق بحتة الأمومة اللى فيه،

 طبعا كل ده محاولة فهم لا أكثر، ييجى يا عينى الولد ده يبقى عليه إنه يقاوم القهر الخارجى، وبرضه  القهر الداخلى إللى بيظبّط بيه الحتة دى اللى اتحركت فيه غصبن عنه، وهو ناشئ دلوعة، وآخر العنقود، ولا خد الدراسة جد، ولا استمر فى شغلة أكتر من شهر، جربتى تقولى له يكتب أى حاجة وهو تقريبا فى ثانوى وعايز ياخد دبلوم عشان ما يطولشى فى الجيش؟

د.داليا : لأ

د.يحيى : إمال حاتعرفى عمل إيه فى المدرسة ازاى؟  إوعى تصدقى الشهادات، حتى الشهادات العامة، إنت عارفة إن كتير قوى دلوقتى واخدين الإعدادية وما بيعرفوش يفكوا الخط، وإذا فكوه ما بيعرفوش يكتبوا جملة واحدة مفيدة، عارفة ده راخر ولا لأه،

د داليا : لأ عارفاه

……….

………

د. يحيى: (للباقين) فيه حد منكم شاف العيان، يحب يضيف حاجة، أو يسأل عن حاجة ، قبل ما نشوفه؟

(لم يعلق أحد)

إندهيله يا بنتى، إندهى للعيان لو سمحتِ

غدا (الأربعاء)

المقابلة مع المريض والتعقيب الختامى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *