“نشرة” الإنسان والتطور
23-11-2008
السنة الثانية
العدد: 450
استشارات مهنية (12)
الحوار يتواصل حول حالة
“جاذبية غير مفهومة” (4)
مقدمة:
يستحسن جدا، بل يكاد يجب قراءة نص الحالة، على الأقل النشرة الأولى بتاريخ 2-11 (استشارات مهنية 9 “جاذبية غير مفهومة”) ومع ذلك فموجز الحالة (الذى لا ينفع غالبا) نقدمه كما يلى:
“ز” (زيرى) مريضة عمرها 51 سنة، دخلت مستشفى الأمراض النفسية (العقلية) أكثر من مرة، نشأت مدللة، أحبت مدرس الفلسفة فى المرحلة الثانوية، وتزوجها، وسافرا إلى نيجيريا (عمل الزوج) كرهت العلاقة الجنسية من البداية، رجعت بعد 4 سنوات وقد انجبت ولدا وبنتا، ومات والدها فوالدتها.
طلقت من زوجها الأول بإلحاح عنيف منها، وذلك بعد زواج دام 12 عاما، وتزوجت طبيبا ترك أسرته من أجلها وأنجبت منه بنتين وطلقت منه بعد خمس سنوات، ثم تزوجت محاسبا، ومازالت “على ذمته” حتى الآن، وهو يزورها فى المستشفى ويبدى اهتماما واضحا، ومعظم من بالمستشفى يحبونها بشكل أو بآخر.
وقد وردت إلينا تعقيبات هامة ودالة، نشرنا أغلبها فى الحلقة الثالثة بتاريخ 16-11 (استشارات مهنية 11 “الحيرة الخلاقة والمعلومات الناقصة”)، نكملها اليوم بدءًا بتعقيب د. أميمة شخصيا:
د. أميمة رفعت
بصراحة لم أتوقع أبدا وأنا أعرض الحالة اننى ساحصل على كل هذا الثراء، وأننى سأصل معك ومع أصدقاء النشرة – كل من علق بلا إستثناء – إلى هذا العمق. بل أن ما استفدته تعدى ايضا الطب النفسى بكثير.
د. يحيى:
أرجو أن تكون قد بلغتك حيرتى فى اختيار الطريقة الأكثر إفادة والحالات الأوْلى بالعرض فى نشرة “أن تملأ الوقت بما هو أحق به (1)” & نشرة “أن تملأ الوقت بما هو أحق به (2)”
د. أميمة رفعت
الأستاذ رامى، وإن لم يعلق على الحالة نفسها، إلا أنه وضع يده على الجرح. فحتى الحالات التى أفرح لحظيا بتشخيصها الواضح ونسميها (عن جهل) التشخيص الفورى المباشر ((spot diagnosis، ما أن أبدأ معها رحلة العلاج إلا وأكتشف تماما كما قال أ. رامى أننى أدخل حقل ألغام، وأن اللافتة \” الواضحة \” التى وضعتها (رغم أهميتها كما قال د. أسامة) قد أصبحت على مدخل الحقل خلف ظهرى لا أتذكرها إلا نادرا. ولا يساعدنى فى خطاى وسط هذه الألغام يا رامى سوى علاقة الحب والثقة المتبادلة بينى وبين مريضى، يدا بيد نخطو معا. لا أدعى الشجاعة، ولكن حبى لمريضى وشعورى بالمسئولية تجاهه، وبصراحة أيضا حب المغامرة، هم الذين يعطوننى الحافز للاستمرار.
د. يحيى:
فرحت بتعبيرك “يدَا بيد نخطو معا”، وقد كنت أستعمل تعبير “كتفاً لكتف” حين كنت أمارس العدْو مع مرضاى قبل طلوع الشمس، إن هذا وذاك هما بمثابة التأكيد والتوضيح لتعبير “المواكبة” العلاجية، كذلك قولك “شعورى بالمسئولية” أضيف إليه إشعار المريض معى بالمسئولية يمكن أن يذكرنا كل ذلك بما سبق أن ألمحت إليه فى نشرة بتاريخ 24-2-2008 (الفروق الثقافية والعلاج النفسى) واسميته:علاج م. م. م. المواجهة، المواكبة، المسئولية، وقد نَحتُ هذه التسمية بعد إطلاعى على اختصار علاج الالتزام والقبول Commitment Acceptance Therapy: CAT وهو من الموجة الثالثة للعلاج المعرفى، كما تعلمين.
د. أميمة رفعت
إسمح لى يا د. يحيى أن انتقى من رسالة رامى هذه الجملة الأخيرة:
“أن معايشة الجنون المفخخ الشديد البطش تمرين للطبيب وعنوان لمدى صلابته”
فقد استقبلتها هكذا:
\” إجمدى كده إمال \”،
منه هو بالذات، سواء أكانت تشجيعا أم نصيحة، لها معنى كبير عندى وسأظل أتذكرها طالما أعمل فى هذه المهنة…شكرا لك يا رامى.
د. يحيى:
لا أريد أن أتحدث عن رامى ودوره لذاته، وفى النشرة، أريد أن يظل حدسه وشطحاته تصل إلى أصحابها فجة قوية، إن ما يصلك أو يصلنى أو يصل إلى د. وليد أو أى صديق منه، “هو” الذى “هو”.
د. أميمة رفعت
الأستاذة أمل محمود، شرفتنى بردها وتحليلها الدقيق السلس العميق للحالة، وقد قرأت ردها عدة مرات، أشكرها بجد على اهتمامها.
د. يحيى:
هذا ما بلغنى من كل من قرأ رأيها بجدية، وقد سألنى بعضهم هل هى متخصصة وكانت إجابتى إيش عرفنى؟ فهذه ثانى مرة تكتب فى البريد وهى لم تحدد هويتها.
د. أميمة رفعت
أما عن سؤالك يا د. يحيىّ : ماذا تعدل من موقفى بعد الحصول على معلومات وآراء جديدة، فقد نبهنى إلى ضرورة الحركة فى إتجاه المعرفة: إن المعرفة لا تنتهى؟ فأصبحت أقول لنفسى…لماذا السباحة طالما أستطيع الغوص؟
د. يحيى:
لا لا!! نحن نحتاح إلى كل من السباحة والغوص طول الوقت، أما الغوص فهو لمعرفة الأعماق، وأما السباحة فهى لمواصلة الطريق “معا”.
د. أميمة رفعت
ولماذا أكتفى بما رأيته من كنوز بعد الغوص الأول إذا كان بإمكانى رؤية كنوز أخرى فى غوص ثان وثالث ورابع؟ ولماذا أغوص إلى نفس العمق كل مرة إذا كان بإمكانى أن أذهب أعمق وأرى أكثر؟ إذا كان بإمكانى ولم أفعل فأنا الخاسرةالأولى وسيصبح مريضى الخاسر الثانى، إلا أنه سيتركنى ويذهب إلى من يبرع الغوص عنى، فأصبح أنا الخاسرة الوحيدة…
د. يحيى:
لا أوافق أيضا
المرضى لا يفضلون كثيرا، أو دائما، خبراء الغطس العميق، هم ينتقون مَنْ يواكب إيقاع خطواتهم هو يسبقهم قليلا، خلّ بالك،
الغوص ليس مطلوبا لذاته، وأى عمق له محتواه الرائع، وليس الأعمق دائما هو الأوْلى بالإحاطة، ولو أننا أصررنا على أن الأعمق أفضل طول الوقت، فقد نظلم مرضانا ونظلم أنفسنا أيضا، تصورى.!!!
د. أميمة رفعت
أحببت كلماتك، دعنى أكررها بلا تعليق:
سأقول لكم \”كيف\”
كيف \”يكون\” الإنسان الحر،
يترعرع فى أمن الخير
ينمو فى رحم الحب..
حب لا يسألُ كم… أو كيف… أو حتى منْ؟
حبّ يقبل خطئِى قبل نجاحى
حب يقظٌ يمنعنى أن أتمادى
يسمحُُ لى أن أتراجعْ
حب الأصْل،
لا حب المظهر والمكسب وبريقُ الصنعهْ،
حبٌّ يبنى شيئاً آخرّ غير هياكل بشريةْ، تمشى فى غير هدى،
ثانيا: تعقيبات الأصدقاء
مقدمة أخرى:
مازال الحوار حول هذه الحالة، التى لا أعتبرها حالة فريدة، ولا غريبة، وفى نفس الوقت هى ليست نموذحية، مازال الحوار يتواصل.
أنا لا أتعلم من الحالة أو عن الحالة بقدر ما أتعلم من الحوار، عن نفسى، وعن المتحاوريين، أتعلم إلى أى مدى وصل جهلنا بالنفس البشرية، إلى أى مدى وصل اختزالنا لها إلى “سبب ونتيجة” أو “تبرير وتفسير” أو “مبتدأ وخبر”.
إلى أى مدى نحن نحتاج للصبر قبل الحكم،
إلى أى مدى نحن جميعا “نحاول” دون انقطاع، حتى لو أخطأنا، وكررنا أخطاءنا،
إلى أى مدى نستطيع أن نتحمل الغموض، وفى نفس الوقت لا نؤجل الحركة ولا نقعد دون المساعدة، إلى حين يتضح الغموض، أولا يتضح، لكننا نواصل.
نتعلم من خلال مثل هذا الحوار، وليس بالضرورة من هذا الحوار بالذات، أن هناك فرصة لها شكل آخر، فرصة أن نتعايش معا، فرصة بسيطة جدا، وبعيدة جدا.
ثم إنه من خلال بعض هذا الحوار تتاح لنا فرصة تعلم ألف باء “الصيغة” التى لابد أن تتجاوز حسن النية، وحب الناس، ونقد النص البشرى، إلى إعادة تشكيل أنفسنا، مع من تيسر لنا من بشر يتحملون، ويحتاجون محاولتنا لهم، بحكم مهنتنا، ولنا معا، بحكم أننا بشر.
يكفى هذا اليوم.
سوف نعرض ما تبقى بالترتيب التالى:
أولا: التعقيبات الجديدة التى وصلتنا بعد أول نشرة فقط، حيث لم تصلنا استدراكات أو تعقيبات محددة على الحوار اللاحق – غالبا -.
ثانيا: توضيحات د. أميمة عن خبرتها المشكورة واجتهادها فى العلاج الجمعى فى ظروف شديدة الصعوبة.
د. على الشمرى
هذه حالة انسانية تشبه إلى حد بعيد الأسطورة. تكمن تعقيدات أعراضها في بساطتها، قصة الحالة جذابة ومحزنة ومشوقة فى نفس الوقت، حالة غير تقليدية تحتاج برنامج علاجي غير تقليدى واعتقد ان الفريق الذي يشرف عليه الدكتور يحيى الرخاوى قادر باذن الله على تصميم هذا البرنامج .
د. يحيى:
أشكرك يا د. على لأنك تفتح لنا أبوابا للتوضيح ليس لك فقط، وإنما لكل من يتابعنا بأمانة وسماح.
من أهم ما وصلنى تعبيرك “تكمن تعقيدات أعراضها فى بساطتها” وأيضا وصفك الحالة بأنها “جذابة ومحزنة ومشوقة” وكأنك تصف المريضة “ز” نفسها أنها سيدة “جذابة ومحزنة ومشوقة”، فهل ياترى يتفق هذا الوصف مع ما اجتهدت فى وصفه باعتباره خليطا من “الطفولة والجنس والجسارة”؟ وهل يوجد حول هذا المزيج الخاص مساحة من حزن تحيطه، هالة من الشجن بشكل أو بآخر؟
ربما.
تقول يا د. “على”: إنها تشبه الأسطورة!! تصور يا أخى أننى أمر بمرحلة هذه الأيام أتعرف فيها من جديد على بعض الأساطير فأجدها المصدر الأهم للتاريخ البشرى (وربما قبل البشرى) وفى نفس الوقت أتعرف على مرضانا من خلالها، فأراهم من بعد أعمق من النظريات والمدارس النفسية الأحدث التى نحشرهم داخلها بالعافية، أرى كل مريض فى عمق أعماقه وقد أصبح يمثل أمامى أسطورة تتحرك “هنا والآن”.
ثم تقول يا د. على: إنها حالة غير تقليدية
وهل نحن – بأمانة علمية – عندنا أصلا ما يستحق أن يسمى حالات تقليدية؟
إن ثقتك فينا، وفى خططنا العلاجية، لهى تكريم لنا نرجو أن نكون أهلا له، وإن كنت أحتاج أن أذكرك أنها حالة د. أميمة صاحبة الفضل فى عرضها، وأنها هى الأقدر على مساعدتها، وأن دورنا يقتصر على مواصلة الحوار، أما تصميم برنامج محدد يقوم آخر بتنفيذه عن بعد، فهذا يكاد يكون مستحيلا، فإذا كنا قد قبلنا تجربة احتمال “الإشراف عن بعد”، أو “التدريب عن بعد”، فلا ينبغى أن يجرنا هذا إلى شطح تصور إمكانية “التنفيذ عن بعد”،
نحن نتعلم من بعضنا البعض، وكلٌ يؤدى واجبه ويمارس فنه بما يصله، وبما هو، وبما ينتج عنه.
د. محمد أحمد الرخاوى
نعم هى مريضة لانهاهي نفسها لم تتحمل مسئولية هذه الجاذبية.
د. يحيى:
ليس هكذا خبط لزق،
كيف بالله عليك يا محمد تريدها أن تتحمل مسئولية جاذبيتها؟
لقد احتفظتْ بالمسافة التى حالت دون تشويهها أخلاقيا على الأقل، وإنسانيا أيضا، هذا غاية ما أمكنها،
هى مريضة لأنها مريضة، لأن أحداً لم يستطع ان يحتوى طفلتها مع جاذبيتها وخاف فى نفس الوقت من جسارتها، واكتفى بمحاولة “قشط” القشدة من على وجه الطاجن، فأخفق، فطردته، وهكذا،
لكنها فى نفس الوقت مريضة ومسئولة بشكل ما باعتبار مقولتنا السابقة: أن المرض، حتى الجنون هو اختيار نشرة 13-7 (استشارات مهنية 5 “زخم الطاقة، والإيقاع الحيوى، واختيار الجنون”).
تحميل المريض مسئوليته هى دعوة له للمشاركة فى إعادة الاختيار مسئولا معنا لصالحه، هى تتحمل مسئولية مرضها أساسا، وليس مسئولية جاذبيتها، إلا إن كنت تريد منها أن تخفيها حتى تصبح قالبا باردا من العادية المفرطة!!!
د. محمد أحمد الرخاوى
انا رأيي ان هذه الجاذبية هي سر و روعة وجوهر الوجود كله، ولكنى ارفض مع احترامي لكل من شارك في التحليل والتفسير والتأويل ان مثل هذه التجارب، او فلنقل هذا النوع من الوجود هو قابل للوصف أصلا !!!!
د. يحيى:
أوافقك من حيث المبدأ.
د. محمد أحمد الرخاوى
هى تجربة او وجود خاص جدا قد يسمح لآخر، نادرا جدا جدا جدا، ان يشارك فيه. هو وجود عصى عن الوصف اصلا بالكلام .
د. يحيى:
وهذا أيضا أوافقك عليه
د. محمد أحمد الرخاوى
التحدي الحقيقي في رأيي هو ليس ان نحلل هذه الشخصية ولكن هو فى ألا نرفض هذه الشخصية اذا استطعنا ان نقرأها .
د. يحيى:
عندك حق، وأذكرك أن أحدا من المشاركين لم يحاول تحليل هذه الشخصية بمعنى التحليل السببى الساذج المباشر، اللهم إلا قليلا جدا.
د. محمد أحمد الرخاوى
مشكلة هذه السيدة ان المرض شوش تماما هذا الوجود لأسباب كثيرة، ولكنه المرض للأسف في النهاية.
د. يحيى:
وهذا صحيح كذلك
د. محمد أحمد الرخاوى
لا أعنى بالمرض هنا لصق لافتة تشخيصية، ولكننى أعنى المرض بمعني عدم احتمال هذا الوجود وتحمل مسؤليته حتي لو كانت الوحدة التامة!!!! أعلم ان هذا التحمل في كثير من الأحيان يبدو فوق طاقة البشر، ولكن لا بديل من تحمل هذه المسئولية.
د. يحيى:
هل تعنى أن من يجرؤ – رجلا أو امرأة – أن يعرّى هذا الوجود الخاص، عليه أن يتحمل مسئولية هذا التعرى، بأن يرضى بوحدته المطلقة يأسا مما ذكرت سابقا، أعنى يأسا من أن يجد آخرا يشاركه فيه لأنه كما ذكرت “نادر جدا جدا جدا”.. إلخ، إن كنت قصدت ذلك فالأرجح أن معك حق، لكن ما أقسى ذلك،
دعنا نرفضه، أو على الأقل نرفض ندرته. حتى نأمل أن نواصل البحث عنه، ما رأيك؟
د. محمد أحمد الرخاوى
أنا أرى أنه لا يجب ان نصفق لهذا المرض، يمكن لمن يستطيع ان يواكبه فليفعل، ولكن فلنفرق بين هذا الوجود الخاص وبين هذه السيدة، اذ ان مرضها لا يعفيها من مسؤليتها من بعد معين
د. يحيى:
معك أن المرض مهما بدا معرفة أو مأزقا إلا أنه فى النهاية يعلن الفشل، لكننى أراك تبالغ فى حكاية تحميلها المسئولية، وأعود أقول لك: كيف بالله تصر على ذلك وقد لمستَ كل هذه الصعوبة!، لكن – عموما – قد وصلنى خوفك من التصفيق للسلبيات،
ربما يكون هذا ما تقصده.
د. محمد أحمد الرخاوى
أعتقد أن الأولى والواجب هو أن نحمي المسطحين من مرضها مثل ازواجها الواحد تلو الآخر
د. يحيى:
يا سبحان الله يا أخى! كيف بالله عليك؟
هل تريد منا أن نعلق لافتة على وجودها تقول: إحذر النّداهة!!
أم ماذا؟
د. محمد أحمد الرخاوى
يا دكتور يحيي انت اول العارفين ان المرض في كثير من الحالات لا يعفي من المسئولية من بعد معين وفي نفس الوقت قد نعذر هذه المريضة حتى نتدخل في اختياراتها اذا هي استعملت هذا المرض دون مسؤلية بمعني انها اذا لم تعِ مأزقها وتحاول ان تتحمل مسئولية وجودها في نهاية النهاية فهي مشوهة لا محالة
د. يحيى:
هى فعلا تشوهت، لكننا كلنا شاركنا فى تشويهيها، وهى معنا.
د. محمد أحمد الرخاوى
من تجربتك علي مدي خمسين عاما الم تقل دائما ان من يريد أن يستفيد من مرضه أو أزمته هو الذى يستطيع من داخل داخله ان يتحمل مسئولية كل شئ برغم من كل شئ؟
د. يحيى:
حصل: لكننى أذكرك يا محمد أننى لا أقول لك ذلك من الوضع “جالسا”، بل إنى أساهم – ربما بحكم مهنتى أساسا – فى أن أتعلم مع المريض كيف نفعلها معاً،
ألم تذكر حالا فكرة “المواكبة” وأنت الذى كتبتها قصداً ببنط أسود حين قلت “يمكن لمن يستطيع أن يواكبه فليفعل”
شكرا يا محمد لمشاركتك هذه المرة، فهى مشاركة بطريقة أخرى غير ما اعتدت منك، فالحمد لله.
****
د. مدحت منصور
كانت هذه النشرة بالذات (3) بمثابة ندوة كاملة أقتنعت بعدها أن تترك هذه النشرات تتشكل ذاتيا بعد أن كنت أميل إلى ترجيح الجانب الأدبي.(
تقول حضرتك:
“هى نوع من الوجود الخاص (بدلا من تعبيرى السابق: الجنون الخاص) الذى هو مزيج من \”الطفولة والجنس والجسارة”
(صححتْ هذه العبارة الأوضاع بشكل طيب جدا).
ثم تقول:
هو لا يكون جنونا إلا إذا انفصل عن بقية التكامل الواعى المسئول، أو إذا توقف صاحبه عنده على حساب كل ما عداه.
وهنا أيضا أجد تعريفا قد وازن بين نوع هذا الوجود الخاص وبين فاعليته من عدمها و تناغمه مع ما حوله من عدمه.
أضم صوتي لصوت الدكتورة أميمة في الاشتباه في العلاقة بينها وبين زوجها أن تكون نوعا من الاستغناء عن الجنس في مقابل ما, لا أتعجل الحكم. لأنه في رأيي أن الجنس جزء متمم للعلاقة الزوجية.
د. يحيى:
برغم مما تفضلت به د. أميمة من تفاصيل مهمة عن هذه النقطة (الجنس) استطعنا أن نجتهد من خلالها إلى وضع بعض الفروض، إلا أننا مازلنا نحتاج إلى مزيد من المعلومات، ويا حبذا من الزوجين الثانى والثالث اللذان تركا زوجتيهما وأطفالهما وفى نفس الوقت – حسب كلام المريضة – لم ينَلْ أى منهما ما تصور حين جذبه هذا الوجود الخاص.
المسألة صعبة، وينبغى أن نتأنى فى إصدار الأحكام، وأن نكون مستعدين دائما للتراجع كلما وصلتنا معلومات جديدة، أو أعدنا النظر فيما لدينا من معلومات.
****
أ. رامى عادل
كاني طاف بي ركب الليالي يحدث عنك في الدنيا وعني, وهي ثورة الشك, انفلات الزمام والخيبة, التواء وانفصال مستهجنان, بقر باطني.تتوزع الشخصية وتتهاوي خلف همزات مزعزعة. تتوالي الصرخات..وتتسمر زيزى .يتنازعها التربص والتفكك. فتذهب الي غير رجعة. منفصلة عن جذرها, رافضة المبدأ من اصله, ان تنبت من جديد.مسلحة بمصدر الحياة. منتمية.
د. يحيى:
بالذمة يا رامى تريد من زيزى أن تسلك سبيلك الرائع، والدنيا كما تعرف، هل غرّك اجتهاد د. أميمة وهى تغزل بذراع واحدة محبوسة فى قيود الروتين وضعف الإمكانات، يا شيخ حرام عليك، أنا برغم تحيزى لدعوة المجنون أن يتحمل مسئولية جنونه معنا بعد أن نساعده أن يكتشف اختياره الذى لم يكن يعرف أنه اختياره، فإننى أحترم عجزه عن قبول هذه الدعوة لما يحاط به من إنكار وإهمال وفوقية وأحكام، كيف نطالب زيزى أن تنبت من جديد متسلحة بمصدر الحياة منتمية، بعد كل هذا الذى حدث لها، ونحن الأسوياء لا نستطيع أن نفعل عشر معشار ما نطالبها به، ليس معنى هذا أن نوافق على حلها أو على انفصالها عن جذورها، ولكن علينا أن نفهم، ونتأنى، ونواكب على مدى زمن أطول فعلا.
****
وبعد
الرسالة الأخرى من د. أميمة كانت عن العلاج الجمعى الذى تمارسه،
أرجو أن يكون فيها وفى الرد عليها بعض ما ينير ما تيسر من جوانبه.
دعونا نؤجلها للأسبوع القادم، حيث اكتشفت العديد من الاختلافات التى تحتاج إلى تفصيل فى الرد بعيدا عن هذه الحالة بشكل عام.
شكراً